"البلتاجي".. نضالٌ فتضحيةٌ فإعدام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"البلتاجي" .. نضالٌ فتضحيةٌ فإعدام


القاهرة

(الجمعة 20 يونيو 2014)

قتلت ابنته، واعتقل ابنه، واعتقلت زوجته من قبل وأطلق سراحها، وخطف ابنه الصغير ثم أطلق سراحه، أما هو فقد أودي المعتقل، وحكم عليه أخيرًا بالإعدام. أسرة عائلة يتميز أصحابها بسمات مشتركة إلى هذه الدرجة، وليس من الشائع فى عصرنا الحديث أن تتحقق البطولة في عائلة واحدة بهذه الكيفية، ومن تميز تلك الأسرة وصبرها وصمودها أصبحت رمز يردده البعض ويقتدي به حيث أطلق نشطاء اقتادوا بهم هاشتاج "#اجمد_خليك_بلتاجي" عند مواجهة صعابٍ أو بلاء.

"محمد البلتاجي" عضو مجلس الشعب والقيادي بحزب الحرية والعدالة، وأحد أركان ثورة يناير فيما لا يختلف عليه، وأحد الداعين والداعمين بقوة للثورة ضد الانقلاب، والذي حكم عليه اليوم بالإعدام حيث أحيلت أوراقه إلى مفتي الجمهورية مع 13 أخرين بينهم مرشد جماعة الإخوان "محمد بديع" و "باسم عودة"، وزير التموين الشرعي، و"صفوت حجازي" أحد أبرز رموز ميدان التحرير في ثورة 25 يناير .

ولد دكتور "محمد البلتاجي" عام 1963 في مدينة "كفر الدوار" ويقيم في شبرا الخيمة، متزوج وله خمسة أولاد "عمار، أنس، أسماء، خالد، و حسام الدين" ، تعرف على جماعة الإخوان المسلمين في أول المرحلة الثانوية بالإسكندرية عام 1977 من خلال حديث الثلاثاء، وتربى على أيدي عددٍ من قيادات الإخوان منهم "محمد عبد المنعم" و"جمعة أمين" و"محمد حسين عيسى".

رأس "البلتاجي" اللجنة الثقافية ثم مثل اتحاد طلاب معهد الإسكندرية الديني الثانوي وأصدر أول مجلة دعوية أزهرية في هذا الوقت، عام 1978، تحت اسم "النذير". تفوق دراسيًا بصفة منتظمة وكان الأول على محافظة الإسكندرية وأحد العشرة الأوائل على الجمهورية في الثانوية العامة الأزهرية عام 1980، وشارك في أعمال الجماعة الإسلامية بالمدارس الثانوية بمحافظة الإسكندرية والتي كان لها نشاط عام دعوي وتربوي وسياسي كبير تمثل في إقامة مؤتمر من أكبر مؤتمرات الإسكندرية لتفنيد ومعارضة كامب ديفيد 1978.

كما شارك منذ هذا الوقت المبكر في أعمال البر والخير ببلدته "كفر الدوار"، مثل تأسيس مشروع فصول تقوية، وخطابة الجمعة، ودروس وندوات دينية، فيما حافظ على تفوقه الدراسي فكان أول دفعته بكلية طب الأزهر سنوات 82/83/84 .

ورأس "البلتاجي" اتحاد لاتحاد كلية طب الأزهر ثم أصبح رئيسًا لاتحاد طلاب جامعة الأزهر بفروعها على مستوى الجمهورية على مدار ثلاث أعوام ، وكان تمثيله طلاب جامعة الأزهر نقلة وبداية عهد جديد في العمل الطلابي والإسلامي بجامعة الأزهر فكانت صحوة طلابية كبيرة على المستوى الدعوي والخدمي والمشاركة السياسية العامة، من ندوات ثقافية ودينية كبرى حاضر في كثير منها الدكتور "يوسف القرضاوي" ، فضلًا عن معارض وندوات لمعارضة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان.

هذا وقد شارك مع رموز العمل الطلابي بالجامعات المصرية في توحيد موقف طلابيًّ حاشد تأييدًا لقضية الجندي المصري "سليمان خاطر" ومخاطبة الحكومة المصرية بالإفراج عنه وعدالة قضيته، فصدرت ضده قرارات تعسفية بفصله وعزله عن رئاسة اتحاد الطلاب من إدارة الجامعة ولكن الإدارة اضطرت للعدول عن قراراتها الظالمة أمام ضغوط طلابية حاشدة.

التحق بالجيش وأدى الخدمة العسكرية كملازم، لمدة سنة واحدة لصدور قرار تعيينه معيدًا ونائب بمستشفى الحسين الجامعي، ثم عمل طبيباً مقيماً بقسم الأنف والأذن والحنجرة 1990، وحصل على الماجستير عام 1993، ثم صدر قرار تعيينه بوظيفة مدرس مساعد بقسم الأنف والأذن والحنجرة كلية طب الأزهر من رئيس الجامعة لأنه أول زملائه المتقدمين للوظيفة ولكن الجهات الأمنية أصدرت توصية بوقف قرار التعيين فتعطل تسلمه للوظيفة لمدة أربع سنوات حيث أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بأحقيته في تسلم الوظيفة وعدم أحقية الجهات الأمنية.

عمل مدرسًا مساعدًا بالقسم من يناير 1998م وحصل على درجة الدكتوراه 2001 وتم تعيينه مدرسًا بالقسم عام 2001. وفي 2005 ترشح الدكتور محمد البلتاجي لانتخابات مجلس الشعب عن دائرة شبرا الخيمة أول على مقعد الفئات عن كتلة الإخوان المسلمين وفاز باكتساح من الجولة الأولى بفارق 15 ألف صوت عن أقرب منافسيه

بعد أن حاول رئيس اللجنة العامة للانتخابات أن ينسحب قبل إعلان النتيجة بدعوى إصابته بأزمة قلبية وهو ما رفضته الجماهير الحاشدة التي جاءت لمتابعة النتيجة فتراجع القاضي عن موقفه وأعلن فوز "البلتاجي" رغم الضغوط الأمنية الهائلة التي طالبت رئيس اللجنة بتزوير النتيجة لصالح مرشح الحزب الحاكم بمصر.

افتتح معاركه تحت قبة مجلس الشعب مع بداية دورته البرلمانية بالدفاع عن حقوق الشعب المصري، وارتبط اسمه بقضايا جماهيرية عديدة منها: "عبارة السلام 1998، إنفلونزا الطيور، رغيف الخبز، قانون المرور، قانون الضرائب العقارية، ارتفاع الأسعار" ، كما أولى اهتمامًا كبيرًا بالقضايا الوطنية والقومية تحت قبة البرلمان المصري وفي مقدمتها قضايا الحريات العامة والإصلاح السياسي

ومن أشهر المواقف في هذا الصدد دفاعه البرلماني عن استقلال السلطة القضائية، وحرية الصحافة، إضافة إلى مواقفه الرافضة لتشريعات الحبس في قضايا النشر، وتمديد حالة الطوارئ، والتعديلات الدستورية الجائرة في 2007، فضلًا عن المحاكمات العسكرية للمدنيين.

برز دوره كعضو بلجنة التعليم بمجلس الشعب المصري في الدفاع عن العديد من قضايا التعليم والطلاب وأعضاء هيئة التدريس، حيث خاض معارك برلمانية وسياسية ضد الانتهاكات الأمنية للحريات الطلابية والجامعية، ودافع عن الحقوق المادية للمعلمين وأساتذة الجامعات.

وشارك إلى جانب عدد من الرموز الوطنية من مختلف التيارات السياسية في تأسيس "الحملة المصرية ضد التوريث" في أكتوبر 2009، كما شارك في نفس التوقيت بتأسيس "حركة مصريون من أجل انتخابات حرة وسليمة".

مثل الإخوان المسلمين في تأسيس "الجمعية الوطنية للتغير" فبراير 2010، وكان له دور بارز في فعاليات الجمعية بمختلف محافظات مصر، كما وشارك في تأسيس "المنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين".

تم انتخابه في 2008، كعضو لجنة المتابعة (اللجنة التنفيذية) بـ"المؤتمر القومي الإسلامي" وهو المؤتمر الذي حافظ على مساحة عمل مشترك بين التيارين القومي والإسلامي على الساحة العربية خلال السنوات الأخيرة، فيما ارتبط اسمه بالدفاع عن القضية الفلسطينية، حيث شارك في تأسيس الحملة الشعبية المصرية لفك الحصار عن غزة

كما مثّل مصر في عضوية اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، وكان له دور بارز في مواجهة المواقف الرسمية المصرية والعربية أثناء الحرب الأخيرة على غزة, كما كانت له مشاركات قوية برلمانية وسياسية ضد بناء الجدار الفولاذي بين مصر وغزة، وضد تصدير الغاز للصهاينة.

ترشح لانتخابات مجلس الشعب مرة أخرى عام 2010 التي شهدت وقائع تزوير فاضح فانسحب من الجولة الثانية تنفيذًا لقرار جماعة الإخوان المسلمين بمقاطعة جولة الإعادة، ثم ساهم في إنشاء البرلمان الشعبي الذي كان من مقدمات ثورة 25 يناير.

شارك في ثورة 25 يناير من بدايتها وتم اختياره بمجلس أمناء الثورة، كما شارك في تأسيس حزب الحرية والعدالة، وتم اختياره أمينًا عامًا للحزب بالعاصمة المصرية القاهرة.

ترشح في انتخابات مجلس الشعب المصري 2011 عقب ثورة 25 يناير على رأس قائمة حزب الحرية والعدالة بمحافظة القليوبية ودخل مجلس الشعب للمرة الثانية ولكن هذه المرة ممثلًا عن الحزب في أول مشاركة رسمية وأول برلمان بعد ثورة 25 يناير.

صمود وثبات "البلتاجي" ، كما وصفه البعض لم يتوقف عند ثورة 25 يناير، والوقوف أمام النظام الحاكم قبلها، بل امتد حتى بعد حكم الإخوان، فكانت أكبر تضحايته هي ابنته "أسماء محمد البلتاجي" ذات الـ 17 عامًا.

ولم تتوقف عند أشهر أبناء العائلة، لكنها امتدت إلى باقي أفراد الأسرة، ليعرف الناس أفراد العائلة واحدًا تلو الآخر ، بدءً من نجلته أسماء التي أضحت رمزًا للتضحية والنقاء بالنسبة للثوار، مرورًا بزوجته التي اعتقلت وأفرج عنها وابنه الصامد في سجون الاحتلال "أنس" ، ووصولاً إلى ابنة أخيه التي انضمت إلى ركب حرائر الإسكندرية اللاتي صدر الحكم الأقسى فى حقهن بالسجن 11عامًا في قضية تحدث عنها العالم أجمع، إضافة إلى زوج أخته الذي اعتقل عقب عودته من المستشفى التي أجرى فيها عملية جراحية بإحدى عينيه.

استشهاد "أسماء" كان رسالة للجميع داخل عائلتها وخارجها، فمنذ اللحظات الأولى لاستشهادها خرج والدها "محمد البلتاجي" صامداً وكأنه لا يعلم عن استشهاد ابنته شيئًا؛ حيث اكتفى بالحديث عن ثبات المعتصمين ودموية الانقلاب على مدار 7 ساعات لفض اعتصام ميدان رابعة العدوية لنفاجأ في آخر حديثه بكلمات ثابتة صامدة قال فيها "ابنتي صارت شهيدة من أجل الوطن".

لا تتعجب كثيراً فـأسماء" كانت من أوائل المشاركين في أحداث محمد محمود وقبلها أحداث بدايات الثورة بكاملها في ميدان التحرير، وكذلك كان والدها وإخوتها، ثم جاء الدور على زوج الأخت بعد استشهاد الابنة واعتقال الأخ لساعات، "سعيد زكي محمد عيسى"، زوج شقيقة "البلتاجي"، الذي اعتقلته قوات أمن الانقلاب بعد خروجه من غرفة العمليات وإجراء جراحة خطيرة في عينه بيوم واحد.

المصدر