"الخيرة فيما اختاره الله" من وحى قصة يوسف عليه السلام .. بقلم عبد الرحمن منصور

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"الخيرة فيما اختاره الله" من وحى قصة يوسف عليه السلام .. بقلم عبد الرحمن منصور

بتاريخ : الأحد 29 سبتمبر 2013

يقول الرسول "ص" : "عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ".

فى هذا الحديث يقرر الصادق المصدوق أن أمر المؤمن كله خير ولا يكون ذلك إلا للمؤمن وهذا ما يجب أن يكون عليه ميزان المؤمن وقياسه للأمور .

ولكن إذا أحببنا أن نُسقط هذا الحديث على الأحداث التى تمر بها مصر عامة والإخوان خاصة فإننا نجد أنفسنا أمام عدة أسئلة محيرة مثل :

هل الأحداث التى تمت فى رابعة والنهضة خير للمؤمنين ؟؟

هل الاعتقالات وإلصاق التهم الظالمة بالمؤمنين خير لهم ؟؟

هل محاربة الجماعة وحلها ومطاردة أفرادها فى أرزاقهم خير للمؤمنين ؟؟

فى الوقت نفسه نجد أن ألسنة البعض وخاصة بعض الإسلاميين الذين خانوا رسالتهم وفوَّضوا الانقلابيين لقتل وحرق المسلمين تقول أن ما حدث لكم أيها المؤيدون للشرعية نتيجة أخطاء ارتكبتموها ولم تتعلموا من تاريخكم القديم .

وهنا نقول أنه ليس من الضرورى أن تحدث المحن والفتن بالفئة المؤمنة نتيجة أخطاء وقعوا فيها ، والأدلة على ذلك كثيرة وليس معنى ذلك أننا معصومون من الخطأ "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" .

فما حدث لرسول الله وصحابته فى سيرته من تعرض للإيذاء ومحاولات الاغتيال والبطش والحصار الذى دام ثلاث سنوات حتى أكلوا خشاش الأرض .

وما حدث ليوسف عليه السلام فقد سجن لسنوات ظلماً وعدوانا ورُمى إبراهيم فى النار وذُبح يحيى وشُرب الخمر فى عظام جمجمته ، وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يُسجن ظلماً وإمام السنة الإمام أحمد بن حنبل ومجدد هذا العصر الإمام حسن البنا وإخوانه .

فما حدث لهم ليس لأخطاء ارتكبوها ولكن لمناصرتهم الحق وقولهم الحق فى وجه حاكم ظالم "إن السبابة التي تشهد في كل صلاة أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله , تأبى أن تكتب تأييد لظالم".

وهنا نستوقف قليلاً مع قصة يوسف عليه السلام لربطها بالأحداث الراهنة لتوكيد المعنى أن الخيرة فيما اختاره الله تعالى مثلما قال الحق جل فى علاه " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ " .

يقول الله تعالى "وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْن فَتَيَانِ قَالَ أَحَدهمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِر خَمْرًا وَقَالَ الْآخَر إِنِّي أَرَانِي أَحْمِل فَوْق رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُل الطَّيْر مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاك مِنَ الْمُحْسِنِينَ"

فخلاصة ما حدث أن سيدنا يوسف دعاهم فى السجن إلى عقيدة التوحيد وترك عقيدتهم الفاسدة واقعهم السئ الذى كانوا عليه وبَذل معهم الجهد الكبير سواءً بالنصح والفعل ولم يبخل عليهم بشئ فعايشوه وعايشهم ولذلك قالوا عنه "إِنَّا نَرَاك مِنَ الْمُحْسِنِينَ" .

وفى النهاية أراد الملك أن ينفذ الحكم فيهما وهنا طلب يوسف من صاحبه "وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ"

فالذى ظن يوسف أنه ناج لم ينفذ وصيته بأنه يذكره عن الملك ويذكر وضع يوسف وحقيقته فنسى ذكر ربه فى زحمة حياة القصر وملهياتها .

وهنا نعرض سؤالاً هل أخطأ يوسف ليعاقبه الله بالمكث فى السجن ؟؟ وهل هذا الخطأ يستحق أن يمكث فى السجن بضع سنين ألم يكف يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة واحدة ؟ لماذ هذه المدة كلها ولماذا هذا التأخير .. وهل فى التأخير خيرٌٌ له ؟؟.

وهنا أيضاً نطرح سؤال آخر.. هل الأخطاء التى وقع فيها د.محمد مرسى وإخوانه -إن كانت أخطاء- كما تلعق ألسنة المخالفين يستوجب ما حدث له من خطف ولإخوانه وجماعته من قتل وحرق واعتقالات ومصادرات للأموال وحل للجماعة ؟؟.

وهنا نقول أولاً أن الله أراد أن يعلم دعاته بداية من يوسف عليه السلام أن الاستعانه بالله وحده والاستغاثة له وحده كما قال الصادق المصدوق "إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ" فلا تعلق قلبك بغيره سواء بأسباب داخلية أو خارجية ، فإبراهيم عليه السلام حين أُلقى به فى

النار أتاه ملك الرياح يعرض عليه مساعدته فقال له : "كيف أكون فى حاجة إليك وأنسى الذى أرسلك إلىَّ" فكانت النتيجة "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ".

ثانياً أن التأخير لهذه المدة كلها كان خيراً لكلِ من يوسف والمجتمع لإتمام البراءة للنبى من التهم الملصقة به وتخلص المجتمع من غبار العقائد الفاسدة .

فبالنسبة لسيدنا يوسف عليه السلام كانت الألسنة ما زالت تلعق بالتهم فى داخل بيت الملك وخارجه حتى بدأت تنكشف التهم الواحدة تلو الآخرى حتى نطق ببراءته إمرأة العزيز "قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ".

فى نفس الوقت يرى الملك رؤيا ويطلب من حاشيته تأويلها وهنا يذكر الذى نجا يوسف عليه السلام فيذهب له ويسأله عن الرؤيا وبعد أن فسّرها له رجع إلى الملك وذكر له حال يوسف وحقيقته أثناء بيان تأويل الرؤيا فيأمر بإخراج يوسف من السجن.

وفى الأحداث الحالية نجد أن كثير من الشبهات تنجلى بعيداً عن الإخوان سواء شبهات حمل السلاح أو القتل أو التفجيرات .. فلم تثبت حالة واحدة وكذلك شبهة الاستعانة بأمريكا وأن أخو أوباما مهندس الاستثمارات بالتنظيم العالمى للإخوان فقد دحض هذه الشبهة أوباما نفسه فى كلمته أمام جمعية الأمم المتحدة 24-9-2013 عندما أيَّد بصورة غير مباشرة الانقلاب العسكرى .. ونسأل الله أن ينكشف المخطط الصهيو أمريكى مع القيادات العسكرية قريباً .

ألم يقل أحد كبار رجال السجون فى عهد عبد الناصر " أخيراً .. كل التهم التى لصقت بالإخوان فى عهد عبد الناصر كاذبة".

ثالثاً بالنسبة للمجتمع فالقصة تشير إلى آثار باهتة للعقيدة الإسلامية التى عرف الرعاة شيئاً عنها كما تشير إلى انتشار هذه العقيدة ووضوحها بعد دعوة يوسف بها وهذا وضح فى قول النسوة حين عُرض عليهن يوسف عليه السلام "فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للهِ مَا هَـذَا بَشَرًا

إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ" وقول العزيز لإمرأته "يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ".

وإذا اتضح أن ديانة التوحيد على هذا المستوى كانت قد عُرفت قبل تولى يوسف مقاليد الحكم فى مصر فلابد أن تكون قد انتشرت بعد ذلك واستقرت على أوسع نطاق فى أثناء توليه الحكم.

فهذا التغير المجتمعى قد حصل وأصبح مهيأ لخروج يوسف من السجن ليصبح الوزير المالى والاقتصادى للدولة القائمة يومئذٍ فى مصر ومن هنا نوقن " أن الخيرة فيما اختاره الله تعالى ".

والآن لا شك أن الأحداث كشفت أن المجتمع المصرى قد جُرفت منه أشياء كثيرة سواء فى العقائد أو العبادات أو الأخلاق والسلوك ، ولكن أثناء اعتصامى رابعة والنهضة عاش المجتمع أيام هى أيامٌ من الجنة مورست فيها العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة ومتانة الخلق وحسن السلوك .

ونتج عن ذلك كله تضحيات عزيزةٌ لم نراها منذ أمد بعيد ، بل كنا نظن أنها خاصة برجال ونساء فلسطين ولكننا وجدناها فى مجتمع يكون هتافه الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

وفى الختام فإن ماحدث وما سيحدث فيه الخير للمؤمن ، ولكن علينا أن نصبر ونحتسب "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" صدق الله العظيم .

المصدر