فلسطين وليس الحرم الإبراهيمي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:٤٠، ١٤ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بقلم / محمد سيف الدولة

الأستاذ محمد عصمت سيف الدولة

إذا كان الكيان الصهيوني دولةً مشروعةً، وهو بالطبع ليس كذلك، فمن حقه أن يضم الحرم الإبراهيمي، والمسجد الأقصى، وبيت المقدس، ومن حقه أن يهود القدس الغربية والشرقية، بل وأن تضم كل فلسطين، وليس حدود 1948م فقط.. لماذا؟

لأن مشروعيته إن صدقت، وهي كاذبة، تعني أن له حقوقًا تاريخيةً كما تدعي أساطيرهم الصهيونية في أرض الآباء، والأجداد، طبقًا لوعد ربهم الذي ورد في توراتهم، وهو وعد عمره 4000 عام؛ حيث لم يكن هناك وقتها فلسطين 1948م ولا حدود 1967م، ولم يكن فيها أساسًا أي مقدسات إسلامية، أو مسيحية.

وعلى ذلك فإن العرب، والمسلمين الذين يعترفون بـ"الكيان الصهيوني" الآن، لا يحق لهم أن يغضبوا من تهويد القدس والاستيلاء على المقدسات الإسلامية، فبأي منطق يرفضون ذلك؟!.

فكل فلسطين من المنظور الصهيوني هي أرض "الكيان الصهيوني"، والوجود العربي الإسلامي فيها، هو وجود غاصب، وغير مشروع منذ 14 قرنًا، والحركة الصهيونية هي حركة تحرر وطني، نجحت عام 1948م في تحرير جزء من أرضها المغتصبة، وهي الذكرى التي يحتفلون بها في 15 مايو من كل عام، في عيد يسمونه "عيد الاستقلال"، الاستقلال من الاستعمار العربي.

وبهذا المعنى فإن الضفة الغربية، وغزة، وكل ما عليها هي أيضًا أرض يهودية، لم يئن الأوان بعد لتحريرها؛ لأن الظروف الدولية الحالية لا تسمح بعد، ولكن لها يوم.

وكذلك مصر والشام والعراق، كلها أرض يهودية تاريخيًّا، ستعود إن عاجلاً أم آجلاً إلى شعب "إسرائيل"، أصحابها الأصليين.

هكذا يدَّعون، وهكذا تتابع النتائج في بناء متسلسل، يكتسب منطقيته فقط، إن نحن قبلنا وسلمنا بالفرضية الأولية الكاذبة وهي أن "الكيان الصهيوني" دولة مشروعة.

  • * *


وهي فرضية كاذبة؛ لأن "الكيان الصهيوني" دولة غير مشروعة، فهي مجرد كيان غاصب، زرعه الخواجات الأشرار، للحيلولة دون وحدة أمتنا وتحررها ونهضتها، وكل الأساطير التي ساقوها من أجل تمرير مشروعهم، مزيفة ومختلقة، ولا تعطي لهم أي حق في أي شبر عربي واحد.

والأمم المختلفة على مدار التاريخ، لا تتشكل هكذا، لا تتشكل على الطريقة التي حدثت في القرن العشرين؛ حيث قام مجموعة من البلطجية الدوليين، باحتلال أمة عريقة قديمة، فرضوا عليها كيانًا استيطانيًّا غريبًا من خارجها، جلبوا له كل مرتزقة اليهود في العالم، وأخذوا يدعمونه بالسلاح والمال، والقرارات الدولية، وقاموا بإكراه أصحاب الأرض الحقيقيين على الاعتراف به، والتعايش معه، والتنازل له عن جزء من وطنهم.

بل إن للأمم، مثلها مثل أي ظاهرة في العالم، لها سنن ونواميس لا تتغير، سنن تضبط نشأتها وتشكلها، واستمرارها وتطورها، لم تفلت من هذه السنن أمة واحدة في التاريخ.

والسنن ببساطة هي أن الأمة، أي أمة، هي نتيجة استقرار، وتفاعل تاريخي طويل لشعب معين على أرض معينة؛ مما يجعله يختص بها دونًا عن غيره من الشعوب ويملكها ملكية مشتركة بين أجياله المتعاقبة، وينتج عليها حضارته الخاصة المتميزة ولا نقول الممتازة عن الحضارات الأخرى.

أما الجماعات، والأقوام، والقبائل، والشعوب التي كانت تعيش على الأرض قبل تشكل الأمم المختلفة، فإما تكون قد زالت أو اندثرت، أو تكون قد ذابت، وامتصت داخل الأمة الجديدة الوليدة.

ولم يحدث في التاريخ أن جماعةً أو قومًا طالبوا باسترداد أرض أو وطن يخص غيرهم من الأمم؛ بحجة أن أجداد أجداد أجدادهم، كانوا يعيشون على هذه الأرض منذ آلاف السنين، لم يحدث ذلك إلا مرتين في التاريخ، الأولى كانت زمن العدوان الصليبي علينا في الفترة 1096/1291م، والثانية هي العدوان الصهيوني الغربي الحالي 1897/2010م.

وكلٌّ من الحركتين الصليبية والصهيونية، هي حركات ضد منطق التاريخ، وسننه ونواميسه، وكل الادعاءات الصهيونية الحالية بأن القدس أو فلسطين هي أرض يهودية، هي أكاذيب باطلة، وإلا كان يحق لليونانيين، على سبيل المثال، أن يطالبوا بمصر فلقد حكموها 300 عام (332 ق.م /30 ق.م)، أو يحق للفرس (للإيرانيين) أن يطالبوا بمصر أيضًا فقد حكموها 121 عامًا (525 ق.م/404 ق.م)، أو كان يحق للإيطاليين أن يطالبوا ببريطانيا فلقد حكموها 400 عام (43 م/450 م)، أو كان للإيطاليين أيضًا أن يطالبوا باسترداد أرض تركيا، التي كانت هي نفسها أرض الدولة البيزنطية أو الدولة الرومانية الشرقية منذ 395م حتى 1453م، والتي سقطت عاصمتها القسطنطينية عام 1453م، وأصبح الآن مكانها إسطنبول والأمثلة كثيرة.

وكذلك اليهود، فهم مجرد قوم من أقوام متعددة سبقتهم، أو عاصرتهم، أو خلفتهم، عاشت على هذه الأرض في مرحلة معينة ثم زالت واندثرت أو ذابت وامتصت، كما أسلفنا، داخل الأمة الوليدة الجديدة التي هي في حالتنا الأمة العربية التي صنعها الفتح الإسلامي.

بل إن المستوطنين المغتصبين الصهاينة الحاليين، ينتمون إلى أمم أجنبية أخرى هي أوطانهم الحقيقية.

زد على ذلك أنهم ليسوا أحفادًا بأي شكل من الأشكال لليهود القدماء؛ فـ"بن جوريون"، و"بيجين"، و"شارون"، وباقي العصابة ينتسبون في أصولهم القديمة إلى شعب "الخزر" الذين استوطن بعض المناطق بشرق أوروبا في الفترة من القرن السابع إلى القرن الحادي عشر ميلاديًّا، والذي كان قد تهود في القرن الثامن ميلاديًّا، والذي يطلق عليه الباحثون مسمى "القبيلة الثالثة عشر" تفريقًا لهم عن الأسباط الاثنى عشر.

  • * *

كان لا بد من هذا التوضيح، والتذكير بهذه الحقائق؛ لكشف زيف، ولا معقولية، وعدوانية النظريات والتفسيرات والأساطير الصهيونية.

وكذلك لكشف غباء، وتفريط تلك الأنظمة العربية، التي قامت بكل سهولة ويسر، بالتنازل عن جزء من أرضنا التاريخية المشتركة، للعدو الصهيوني، والاعتراف بدولته، وبحقها في الوجود، معتنقين بذلك الموقف، والعقيدة الصهيونية في الصراع الدائر بيننا.

نقول إن مثل هؤلاء لا يجوز لهم أن يغضبوا من الاعتداءات الصهيونية اليومية على مقدساتنا الدينية في فلسطين؛ لأنهم في الحقيقة هم الذين أعطوا "إسرائيل" الغطاء الشرعي للاستيلاء على كل ما تريده.

فإن كانوا صادقين في غضبهم، وهم ليسوا كذلك، فعليهم أن يسحبوا اعترافهم بدولة العدو، ويسقطوا كل الاتفاقيات معه من كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، ومبادرة السلام العربية.

  • * *


أما الشرفاء والوطنيون من هذه الأمة فنقول لهم: إن الصهاينة لن يتوقفوا عن ابتلاع، وهضم كل فلسطين قطعة قطعة؛ الحرم الإبراهيمي، والقدس وغيرهما، إن إجراءات تهويد القدس وغيرها التي تزعجنا كثيرًا هذه الأيام وكأنها حدث مستجد، بدأت منذ عام 1922م، تاريخ الانتداب البريطاني على فلسطين وبدايات الهجرات اليهودية، واستيطانها غرب المدينة القديمة، والتي يسمونها الآن بالقدس الغربية.

فالعدوان قديم ومستمر، والعدو محدد، ومعروف، والاغتصاب في القدس أو في حيفا ويافا واحد، والمرجعية والأسانيد المبدئية لحقوقنا التاريخية في كل فلسطين واحدة.

فلا يجب أن نسمح لأحد أن يضللنا، وعلينا أن نشتبك مع العدو في أصول المسائل، يجب أن نضربه في مقتله، وهي شرعية وجوده، وألا نكتفي، ونلهث دائمًا وراء هذا العدوان الفرعي هنا، أو هناك بمعزل عن المعركة الرئيسية.

والترجمة العملية لهذا الموقف المبدئي الصحيح، هو القتال والاشتباك مع الكيان الصهيوني طول الوقت، وليس التحرك كرد فعل كلما تسرب خبر من هنا، أو من هناك، بأن عدوانًا صهيونيًّا جديدًا قد وقع على أحد مقدساتنا أو غيرها.

إن العدوان لم يتوقف أبدًا منذ أكثر من قرن من الزمان، والعدوان قائم ما بقي الوجود الصهيوني على أرضنا المغتصبة في كل فلسطين وخارجها، إن عدوانهم متجسد في وجودهم، وليس في سياساتهم وإجراءاتهم فحسب.

وكل أرضنا هي مقدسات، وليس الحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى فقط.

إن هذه ليست دعوة إلى التهوين من الضم الصهيوني للحرم الإبراهيمي، بل على العكس تمامًا هي دعوة إلى الاستنفار الدائم وكأن الضم والتهويد يتم كل يوم.

ولنجعل من اعتداءاتهم المكثفة في العامين الآخرين، من تهويد القدس، والحفريات تحت المسجد الأقصى، وإزالة، وهدم بيوت، ومنازل أهالينا المقدسيين، وحصار غزة والعدوان عليها وقتل 1400 شهيد، واغتيال قادة المقاومة، وبناء المستوطنات والجدران العازلة والفولاذية، وهدم أنفاق الحياة، والاستقطاب الدولي لحظر السلاح الفلسطيني، وغيرها الكثير، نقول فلنجعل من كل ذلك طريقنا لتوعية وتعبئة جماهير شعبنا في كل مكان، للمشاركة في هذه الحرب المستمرة منذ مائة عام.


المصدر : إخوان أون لاين