أجانب ومصريون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أجانب ومصريون

بقلم / الإمام حسن البنا

أذاع رئيس الحكومة المصرية على مواطنيه بيانا مطولا يذكرهم فيه بما عرف عنهم من كرم الضيافة والإحسان إلى النزيل، ويذكر أن بعض الجرائد والمجلات الإفرنجية تناولت هذه المعانى، وأشارت إلى بعض حوادث تدل على تبرم الأجانب، وتخوفهم من أبناء الوطن الذى كان شعاره الدائم "أحرار فى بلادنا كرماء لضيوفنا".

ولاشك أن رئيس الحكومة المصرية إنما أراد بهذا أن يطمئن الأجانب، وأن يعاجل حملات هذه الصحف بالقضاء عليها فى مهدها، وأن يعلن على رءوس الأشهاد أن الحكومة المصرية والشعب المصرى يعرفان واجبهما تمام المعرفة، ويقفان لكل فئة بالمرصاد.

وهذا كلام صحيح فى عرف الحجة والمنطق والإخلاص المتبادل. أما حين يكون مصدر هذه الحملة المغرضة, الهوى والغرض والاختلاق والكذب وانتحال الأباطيل وإثارة الخواطر، فنحن نؤكد لرئيس الحكومة أن بيانه رغم ما فيه من صدق العاطفة وكريم المجاملة لن يغنى شيئا، وستظل هذه الجرائد على خطتها، وسنسمع كل يوم بجديد من هذه الأكاذيب المفتراة، ولا يجدى حينئذ إلا أن نحتقر هذا الدس الوضيع حكومة وشعبا، ونمضى فى طريقنا إلى الأمام نصلح من شئوننا، ونجاهد فى سبيل حقنا، ونوحد كلمتنا، ونسوى صفنا، نغير من أنفسنا، ليغير الله ما بنا، ويومئذ فقط يعرف لنا هذه الجاليات جميلانا وتقر بمعروفنا.

ليست فى الدنيا جاليات أجنبية تتمتع فى أية أمة من الأمم بمثل ما تتمتع به الجاليات الأجنبية فى مصر من تقدير وإكرام بل إنها لتنال من خيرات هذا البلد وثمراته أضعاف أضعاف ما ينال الوطنيون، ولكنها سياسة مرسومة تتجدد كلما حاولت مصر أن تعمل لتحقيق مطالبها القومية أو تجاهد فى سبيل حريتها واستقلالها وتكون الإصبع الاستعمارية واليد الإنجليزية وراء ذلك كله.

تبدأ الخطة بإثارة الغبار حول فكرة الأقليات، وترتفع الأصوات من كل جانب أقباط ومسلمون، وظالمون ومظلومون، ومصر أمة واحدة لا تعرف هذا التفريق ولا تشعر به، حتى إذا انكشفت الدسيسة وحبطت الفتنة بفضل يقظة الأمة، واستمساكها بعرى الوحدة ثار الغبار من جديد، وارتفعت الأصوات من كل مكان أجانب ومصريون وكارهون وخائفون.

وليس شىء من ذلك إلا فى أدمغة الذين قالوه أو كتبوه أو صوروه أما هنا فى مصر فليس إلا الخلق الفاضل والتعاون الكامل.

وأذكر أن شفيق باشا ذكر فى حولياته أن الجاليات الأجنبية اضطربت اضطرابا عظيما حين بدت فى الأفق فكرة رفع الحماية عن مصر عقب الحرب الماضية، حتى إن الكثير منها استنجد بدوله وقنصلياته، واحتجت بعض الدول رسميا على الحكومة المصرية، وتقدمت بمذكرات إلى دار الحماية فى هذا المعنى وكان من أسبقها إلى هذا الاحتجاج فرنسا وإيطاليا فيما أذكر.

كما تجدد هذا القلق عندما أرادت مصر أن تدع غل الامتيازات الأجنبية، ونادى المغرضون بالويل والثبور وعظائم الأمور.

وها هى ذى الحماية قد رفعت والامتيازات قد ألغيت، فماذا حدث للأجانب فى مصر؟ وأى اعتداء وقع على أموالهم أو أرواحهم أو مصالحهم من المصريين؟

منذ عام تقريبا زارنى بعض كبار الأجانب فى مصر، وأراد أن يشير من بعيد إلى أن نمو حركة الإخوان وانتشار فكرتهم قد أخذت فى نفوس كثير من عامة الشعب المصرى نوعا من التعصب الديني ضد الأجانب، فقلت له يا صاحبى: إذ أردت أن تواجه الحقائق بعين مفتوحة وقول صريح فأنا مستعد لمسايرتك، أما إذا أردت مجرد الاتهام، وحاولت أن تعيش محجوباً بستار الوهم فلست معك. إن ما تزعمه من التعصب الدينى وهم لا وجود له؟

فليس الإسلام فى جوهره دين تعصب أو عدوان، ولكنه دين تسامح عجيب وإنسانية عالية وعالمية تتسع لكل أبناء آدم على ظهر هذه الأرض مهما اختلفت عليهم آراؤهم وعقيدتهم بالبر والإحسان والعدل والرحمة، ولكن المسألة مسألة اقتصادية اجتماعية قبل كل شىء، فلقد دخل الأجانب هذه الديار وأهلها فى عدد قليل وفى حاجات محدودة وعلى أسلوب من الحياة جعلهم يرضون بالقليل.

أما الآن وقد تضاعف عدد المصريين وحدهم حتى بلغ عشرين مليونا، وتغير أسلوبهم فى الحياة هذا التغير الذى كثرت فيه المطالب وتعددت فيه الحاجات وانقلبت الكماليات الماضية إلى ضروريات ملحة.

فلم يكن بد من أن ينظر المصريون إلى ما فى أيدى الأجانب من خيرات بلادهم غلاتها نظر الذى يريد أن ينال كما كما ينالون ويتمتع بها كما يتمتعون لا عن تعصب دينى كما تزعم أو فورة وطنية مجردة، ولكن عن ضرورة اقتصادية اجتماعية قبل كل شىء وذلك حقهم ولا شك لا ينكره عليهم إلا كل جاحد أو مكابر.

ومفتاح الإصلاح اليوم فى يد الأجانب لا فى المصريين، فالأجانب يستطيعون أن يحسنوا معاملة الوطنيين فى الشركات وفى المصانع وفى المزارع الواسعة التى يملكونها، ويشعروهم أنهم لا يستأثرون دونهم بشىء ولا يرتفعون بأنفسهم عن أهل وطن آواهم وأغناهم ووجدوا فيه رزقهم رغدا من كل مكان، وحبذا لو أن رئيس الحكومة اتجه فى ندائه إلى الحكومات الأجنبية فأبان لها عن نصيب رعاياها فى مصر من خيرها وبرها وهو نصيب الأسد ثم اتجه إلى الجاليات الأجنبية فى مصر؛ لتتولى هى الرد على هؤلاء المغرضين الأفاكين.

وإذا كان دولته قد آثر أن يتجه إلى أمته، فإننا باسم هذه الأمة نأمل أن يبادر النزلاء الفضلاء فى مصر إلى إطفاء هذه الفتنة، وإحباط هذه الدسيسة والرد على تلك المفتريات، وبذلك يؤدون لمصر بعض حقها عليهم، ومن الجميل عرفان المعروف وتقدير الجميل.

المصدر: جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (310)، السنة الثانية، 16 جماد آخر1366 ه/ 7 مايو 1947م