أحمد ديدات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أحمد ديدات


بقلم : أحمد الجدع

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لا يمرُّ على المسلمين عصر إلا ويُظهر الله فيه رجالاً عدولاً يحملون هذا العلم الموروث عن محمد - صلى الله عليه وسلم – وقد قبض الله لهذا الدين في عصرنا رجالاً عرفنا فيهم الإخلاص والتفاني في خدمة هذا الدين العظيم، منهم الداعية الكبير أحمد حسين ديدات.

ولقد تميز هذا الداعية الكبير عن غيره من علماء العصر بالتخصص في مقارنة الأديان، وفي الدعوة إلى مناظرة النصارى الذين حملوا لواء الحرب على الإسلام والمسلمين، وأنفقوا أموالهم الطائلة ليصدوا عن سبيل الله. إن هذا العلم الواسع بالديانة النصرانية الذي تجده عند هذا الداعية الكبير لم يكتسبه من مدرسة أو جامعة وكلنه اكتسبه باجتهاده الشخصي وبرغبته الذاتية، فهو في هذا المجال يذكرنا بعلمائنا العظام الذين اعتمدوا في تحصيل العلم على أنفسهم. وفي سيرة الأستاذ ديدات عبر كثيرة، فهو مهاجر من الهند إلى بلد إفريقي هرباً من قسوة الفقر ولكن ذلك لم يصرفه عن العلم والتبحر فيه، فحصل جلّ ما لديه من علم وهو لا يزال يعمل بالتجارة.

ومن هذه العبر التي نستفيدها من سيرة هذا الرجل العصامي أن الأعمال التي تقوم على أساس من الإخلاص لله، تنمو بإذن الله وتزدهر، وفي الحديث عن إنشائه لمعهد الدعوة مثال حيّ لما نقول. ومن العبر أيضاً أن العمل لله والدعوة إلى دينه وإن كان عملاً فردياً فإن الله يبارك به ويوفق السائر فيه، فالأستاذ ديدات اعتمد على نفسه، ودعا إلى الله فأسلم على يديه آلاف، ودافع عن الإسلام أمام عتاة النصارى فنصره الله. لقد أحببت أن أقدم ومضات من سيرة هذا الرجل، فتحدثت عن نشأته ومسيرة حياته، ثم تحدثت عن نشاطه الدعوي، وعرضت أهم ما تميزت به شخصيته وهي مقدرته الفذة على المناظرة والحوار، فقدمت تعريفاً بأشهر مناظراته العالمية. لا شك أن سيرة هذا الرجل تحتاج إلى جهد أكبر، ولكن السلسلة التي ننشر فيها هذا الكتاب تقيدنا بحجم معين من الصفحات التزمنا به، وقد حرصنا أن نقدم شخصية هذا الداعية كما تراءت لنا، فعسى أن نكون قد أصبنا، والله الموفق إلى الصواب.

دبي في الرابع والعشرين من ذي القعدة عام 1410 هـ.

المؤلف
أحمد الجدع

حياته

ولد أحمد حسين ديدات عام 1918م في مدينة بومباي بولاية كجرات غرب الهند، وبومباي هذه مدينة كبيرة يزيد عدد سكانها على مليوني نسمة، تقع على الساحل الغربي للهند المحاذي لبحر العرب. وللمسلمين في هذه المدينة تاريخ عريق، حكمها حكام الهند من المسلمين المغول، فانتشر فيها الإسلام، وأقبلت عليه طوائف كبيرة من الهندوس، وأصبحوا فيما بعد حملة الإسلام ودعاته. تسللت بريطانيا إلى الهند عن طريق التجارة، ولما كانت مدينة بومباي أهم موانئ الهند في القرن السابع عشر فقد اتخذتها الشركة البريطانية الشرقية مقراً لها، وكانت هذه الشركة هي الوسيلة التي من خلالها تسلل الإنجليز إلى الهند واستولوا عليها بعد أن أعملوا في أهلها، وبخاصة المسلمين منهم، قتلاً وسجناً وتشريداً.

ولد أحمد ديدات وقد غدت الهند مستعمرة إنجليزية، يسيطر فيها الإنجليز على كل شيء، وقد أدت سياستهم في اضطهاد المسلمين إلى إفقارهم وتجهيلهم، فغدا المسلمون فيها فقراء وقد كانوا من قبل هم الأغنياء، وغدا المسلمون فيها أجراء وقد كانوا من قبل هم الأمراء.... لقد كانت سياسة الإنجليز في البلاد التي حكموها سياسة السلب والنهب وامتصاص الدماء، ففي كل بلد حلوا فيها نعق فيها بوم الخراب والدمار، خراب في الممتلكات وخراب في النفوس! ضاقت الدنيا بحسين ديدات وهو في بلده وبين أهله، فهو لم يجد ما يقتاته أو يقيت به أسرته، فقرر أن يضرب في الأرض بحثاً عن الرزق... وكانت إنجلترا تمارس في جنوب إفريقيا أبشع صنوف الظلم والإرهاب، هجَّرت ملايين البيض من بني جنسها ولونها إلى البلاد، ونفت المواطنين مما صلح من أرضها وخيرها، وجمعوهم في معسكرات لا يدخل إليها داخل إلا بإذن مكتوب!

وكانت هذه البلاد مناجم للماس الذي تتخم به خزائن الإنجليز المستعمرين، ويحرم منه أهل البلاد البائسون، ووصل إلى سمع الناس في الهند ما تزخر به جنوب إفريقية من أموال وكنوز، فاتجهوا إليها ظناً منهم أن فيها نجاتهم من ذل وغناهم من فقر. وكان ممن شد إليها الرحال هذا الرجل المسلم من بومباي، حسين ديدات، ومعه ولده الصغير الذي لم يجاوز التاسعة من عمره، فكان وصوله إليها عام 1927م، وحل في مدينة دربان، وهي إحدى مدنها العامرة، العامرة بالأوروبيين المستغلين، والهنود الذين عملوا في استخراج الفحم والماس للأسياد بالسخرة والذين ذاقوا من هؤلاء القساة أنواعاً من الاضطهاد والذل لا يعدلها في بشاعتها إلا ما لاقاه أهل فلسطين من ظلم الإنجليز ومن بعدهم بني يهود! حاول حسين ديدات أن يعمل ويوفر لولده ما يؤمن له سبيل العلم، ولكن محاولاته في سبيل ذلك لم تكن موفقة فقد انقطع ولده أحمد عن الدراسة قبل أن يتم الصف السادس الابتدائي، وحاول مساعدة والده، فعمل لدى تجار من النصارى واليهود والمسلمين.. لقد أودع الله في نفس أحمد حباً للقراءة يصل إلى حدّ النَّهم، فكان يقرأ كل ما يصل إلى يديه مهما كان موضوعه، وكان عثوره على كتاب: إظهار الحق وقراءته لهذا الكتاب نقطة في مسيرة حياته. وكتاب إظهار الحق من تأليف رجل هندي يدعى رحمة الله الهندي، والكتاب عبارة عن مناظرة بين رحمة الله وبين أحد كبار رجال التنصير في الهند يدعى القس فَنْدَر، وقد دافع رحمة الله الهندي عن الدين الإسلامي بحرارة، وأظهر تناقض النصرانية من خلال كتبها، وكان لهذه المناظرة صداها العميق في الهند، كما كان لها صداها الأعمق في قلب أحمد ديدات.

كان لهذا الكتاب أثر في توجه أحمد ديدات إلى قراءة كتب النصارى، فقرأ أناجيلهم، وقرأ مؤلفاتهم، ومن خلالها أخذ يحاورهم، ومن خلالها أخذ يجادلهم وقد تطور هذا الحوار وتلك المجادلة إلى ما عرف من بعد عن هذا الرجل الفذ من مناظرات على مستوى العالم أجمع. كانت ثقافة أحمد ديدات الإسلامية وثقافاته العامة معتمدة على جهوده الذاتية، وقد فاق بعلمه كثيراً من أولئك الذين تلقوا علومهم في الجامعات وحصلوا على أعلى الدرجات العلمية، بل إن كثيراً ممن حصلوا على درجات عالية من المعاهد الأكاديمية لا يؤبه لهم، فهم نكرات لا تسمع لهم صوتاً ولا تحس لهم ركزا!! وإن ذلك ليقودنا إلى القول بأن العلماء لا تخرجهم المعاهد ولا ترتفع بهم الشهادات، بل هممهم وشغفهم بالعلم هو الذي يرفعهم وإخلاصهم للعلم هو الذي يبوِّؤهم أعلى الدرجات ويحلهم في القلوب والنفوس محلاً رفيعاً سامياً. وانطلق أحمد ديدات في طريقه في الدعوة إلى الله متسلحاً بالعلم الذي حصله بذاته، علم جعله متقناً لعدد من اللغات، وملماً بعدد من كتب الديانات، تجعله أهلاً لمناظرة أصحابها وجدالهم بالتي هي أحسن.

كانت دعوته إلى بني دينه أن يعرفوا دينهم حتى يستطيعوا أن يدفعوا عنه عادية الأعداء، وإلى سواهم من ذوي الديانات الأخرى أن يراجعوا أنفسهم ويفهموا دين الإسلام، وإلى أولئك السود من أهل جنوب إفريقيا أن يدخلوا في دين الله. لقد أسس في دربان مركز الدعوة الإسلامية، كان كل ما يملكه عند التأسيس ثلاثة جنيهات وبضعة شلنات، كان بيت هذا المركز مسجد المدينة، وتطور الأمر حتى غدا المركز قلعة إسلامية له رجاله وله فروعه، وله تأثيره الواسع بين الناس، وله سمعته العالية في عالم الإسلام وعالم الديانات الأخرى. وهكذا كل عمل قام على الإخلاص، يبارك الله فيه وينميه، ويجعل له ذكراً وأثراً في العالمين. وكان لهذا النشاط الوافر للداعية أحمد ديدات أثره في مجالات كثيرة منها تأثيره في عدد من النصارى وعدد من الوثنيين، فدخلوا دين الإسلام الحق على يديه، ويذكر أحمد ديدا أن الذين أسلموا على يديه قد تجاوز ستين ألفاً، بارك الله في سعيه وجزاه عن الإسلام خيراً. وكانت انطلاقة أحمد ديدات في مناظراته لأساطين النصرانية في العالم، وكان من خلال مناظراته داعية للإسلام، ونافذة لمبادئه لتطل على العالم من خلال العلم الغزير الذي يحمله والبراعة الفذة التي حباها الله له. رغم هذا النشاط الوافر في الدعوة فإنه لم يهمل التأليف فله في ذلك عدد من المؤلفات ذات النفع الوافر والانتشار الواسع. وقد توج أحمد ديدات إخلاصه للدعوة بحصوله على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986م، وهو يستحقها وأهلها. والرجل متزوج وله من الأبناء ولدان وبنت توفاها الله.

الإسلام والمسلمون في جنوب إفريقيا

لا بد أن نتعرف على البيئة التي نشأ فيها أحمد ديدات ومنها انطلق يدعو إلى الله ويناظر سائر الديانات. هذا البلد المبتلى بالحكم العنصري البغيض فريد في تكوينه، فقد تدفق على هذا البلد في القرن السادس عشر عشرات الآلاف من الأوروبيين البيض، وأخذوا ينشئون لهم كياناً متعصباً للون والعنصر، وبلغوا في ذلك مدى بعيداً، فقد انشأوا لهم المدن العامرة وأدخلوا عليها كل صنوف الحضارة، أما سكان البلاد الأصليين من السود فقد عزلوهم في قرى نائية، وحرموا عليهم الاختلاط بالبيض، أو التزوج منهم، ومنعوا الناس من الاتصال بهم، فلا يدخل مجتمعاتهم أحد إلا بتصريح مكتوب! ويستخدم السود في أعمال تخدم البيض بطريق السُخرة، ولا يعطون من الأجر ما يكفي لسدّ الرمق، حرموهم من التعليم ومن أبسط مقومات الحياة! واحتاج البيض إلى نوعيات من العمال والعاملين فسمحوا لعدد من سكان المستعمرات البريطانية أن يهاجروا إليهم، فهاجر إليهم أعداد من الأسيويين وبخاصة من الهند والباكستان والملايو، وكان من بين هؤلاء المهاجرين عدد من المسلمين، بلغوا مع الزمن نصف مليون مسلم. هذا العدد من المسلمين مكون كما قدمنا من الباكستانين والهنود والملاويين ومن عدد من السود ممن هداهم الله إلى الإسلام.

كانت أول المشاكل التي واجهها المسلمون الوافدون تأمين التعليم الديني لأبنائهم، فحرصوا على إنشاء المدارس البسيطة والمساجد المتواضعة البناء، واستقدموا لأجل ذلك عدداً من المدرسين والوعاظ ليقوموا بمهمة التدريس والإمامة. الغالبية العظمى من المسلمين من أهل السنة والجماعة، لم يكدر صوفهم إلا ظهور عدد من النحلة الكافرة من القاديانية التي حكم عليها أئمة المسلمين بالكفر والخروج من الملة الإسلامية، إذ أخذ هؤلاء بالكيد لأهل السنة محاولين التأثير على بعض ضعاف النفوس منهم، ومحاولين أن يستولوا على مساجدهم، ولكنّ تصدي المسلمين لهم أضعف من تأثيرهم ورد كيدهم إلى نحورهم. وقد بذلت محاولات للنهوض بالمسلمين في جنوب إفريقية فأنشأوا مجلس القضاء الإسلامي في مدينة الكاب العاصمة، وذلك لكي يعمل على تنظيم أمورهم وترشيد أحوالهم، ورد العاديات عنهم. ومن المحاولات الناجحة لدعم موقف المسلمين في هذا البلد إنشاء مركز الدعوة الإسلامية في مدينة دربان ثاني مدن البلاد على يد الرجل الداعية المجاهد أحمد ديدات، إذ تطور هذا المركز بجهود هذا الداعية حتى غدا مركزا عالمياً يمتد نشاطه إلى عدد من دول العالم وخاصة دول الغرب في كل من أوروبا وأمريكا. ولا بد لمن أراد أن يتحدث عن حياة أحمد ديدات ونشاطه أن يلم بنشأة هذا المركز وبنشاطاته وأعماله التي يقوم بها في خدمة الإسلام والمسلمين.

مركز الدعوة الإسلامية

وامتد نشاط الداعية الموهوب خارج جنوب إفريقيا، فدعي إلى عدد كبير من البلاد الأوروبية والإسلامية، وحضر عدداً من المؤتمرات الإسلامية الشعبية، فكان لزاماً عليه وقد تشعبت أعماله وتعددت اهتماماته أن ينظم عمله، فكان أن دعا من حوله إلى العمل على إنشاء مركز للدعوة الإسلامية، ولم يثنيه عن عزمه هذا قلة المال بين يديه، بل زاده تصميماً لأن العمل الصالح يزكيه رب العباد، وكان له ما أراد، فأنشأ مركز الدعوة الإسلامية في مدينة دربان مقر إقامته، وكان الذي أنشئ به المركز ثلاثة جنيهات وبضعة شلنات وكان المقر الذي اختير لهذا المركز هو مسجد دربان الكبير. كان إنشاء هذا المركز عام 1405 هـ موافق 1985م، وبارك الله في هذا العمل، فنما وتطور حتى أصبح له مركز ضخم وفروع عديدة، وأعمال للدعوة والخير ينفق عليها بالملايين. كان هذا المركز يتكون من أحمد ديدات وعدد من المتحمسين للإسلام، فغدا اليوم يضم خمسة وثلاثين موظفاً يتقاضون رواتب ثابتة ويعملون بجد وجهد في سبيل الإسلام، بالإضافة إلى عمل المتبرعين من الدعاة. أهم الأعمال التي يطلع بها المركز هي الدعوة إلى الإسلام، ويتم ذلك عن طريق تنظيم المحاضرات والمناظرات لأهل الإسلام وأهل الديانات الأخرى، النصرانية واليهودية والمجوسية... الخ، كما يصدر المركز عدداً من النشرات والكتيبات توضح مبادئ الإسلام وترد على الذين يناهضون الدعوة الإسلامية، ويطبع المركز من هذه الكتيبات والمنشورات مئات الآلاف وتوزع على الناس مجاناً، كما اهتم المركز بطبع معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية ووزعه على نفقته خدمة للإسلام ودعوته، كما يصدر المركز مجلة شهرية للدعوة باسم "البرهان".

ويصدر المركز مجموعة من الكتيبات يطبعها ويوزعها على نفقته، ويسمح لمن يشاء في طباعتها وتوزيعها، متنازلاً عن حقوق التأليف والنشر، محتسباً كل ذلك عند الله وفي سبيله، من نماذج هذه الكتب ما نشر منها باللغة العربية:

1- ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد؟ من تأليف أحمد ديدات.

2- ما اسمه.. كتاب يبحث عن اسم "الله" لدى الشعوب المختلفة، وهو من تأليف أحمد ديدات.

3- هل الكتاب المقدس كلام الله؟ من تأليف أحمد ديدات.

4- المسلم في حالة الصلاة.

5- الطريق إلى القرآن تأليف خُرّم مراد.

6- محمد رسول الإسلام تأليف راماكرشنا أو.

وكلها أُلفت باللغة الإنجليزية وترجمت إلى اللغة العربية. وخطا المركز خطوة جديرة بالثناء والتقدير والتأييد والمؤازرة عندما دعا إلى إقامة دورة للدعاة لتدريبهم على الدعوة ومناظرة النصارى وأصحاب الديانات الأخرى، وبهذه الدعوة تحقق للداعية أحمد ديدات حلم كان يراوده لمدة ثلاثين عاماً. وقد بدأت أول دورة للدعاة في أول مارس سنة 1988م، تقدم لحضور هذه الدورة أربعمائة شاب من جميع أنحاء العالم الإسلامي إلا أن المركز الإسلامي للدعوة لم يقبل سوى ثلاثين طالباً فقط لقلة الإمكانيات المادية.

تاريخ الصراع بين الإسلام والنصرانية

ابتدأ الصراع بين الإسلام والنصرانية مُنذ عهد الرسول – صلوات الله عليه – ولم يتوقف إلى يومنا هذا، فهو أطول صراع في التاريخ البشري، بدأته النصرانية بالاعتداء والقتل، وحاول الإسلام في كل مراحل هذا الصراع أن يحتويه بالتسامح والعفو، ولكن دون جدوى، فالنصرانية برجالها المتعصبين مصرة على الصراع ومصرة على إراقة الدماء الموحِّدة، بل تعتبر ذلك قرابين تقدمها بين يدي إيمانها المنحرف الضال. أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – رسله إلى ملوك الأرض بالدعوة إلى الإسلام، فكان نصيب رسوله إلى الغساسنة نصارى الشام القتل على يدي الأثيم شرحبيل بن عمرو الغساني، فما كان من رسول الله إلا أن جرد غزوة لتأديب هذا الرجل الأثيم، فالتقى المسلمون والنصارى في أول معاركهم بالقرب من مؤتة بالأردن، ثم حاول النصارى حشد قواهم لغزو المسلمين في عقر دارهم فبادرهم الرسول بنفسه في تبوك ففروا من أمامه، ثم أرسل إليهم حملة تأديبية بقيادة أسامة بن زيد فأدت مهمتها وعادت على عهد أبي بكر الصديق....

واستطاعت جيوش الهداة أن تنقذ الشام ومصر وإفريقية من ظلم نصارى الروم وأن تدخلها نور الإسلام وعدله، واستمرت جيوش الهداة في زحفها على البلاد المبتلاة بالظلم النصراني حتى خلصت منهم أجزاء كبيرة من غرب أوروبا، ولم تقف زحوف الهداة إلا عند تور في أواسط فرنسا بعد أن تراجع المسلمون في بلاط الشهداء. وجمعت أوروبا النصرانية جموعها وانقضت على بلاد الإسلام في حروب صليبية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً في القسوة وإراقة الدماء حتى وصلوا إلى القدس وأعملوا السيوف في أهلها حتى قال قائلهم مفتخراً: لقد خاضت خيولنا في دماء المسلمين حتى الركب!! وعندما تصدى المسلمون لجيوش الصليبيين، واستطاع الناصر صلاح الدين أن يهزمهم في حطين وأن يسترد منهم بيت المقدس، وقد أسر منهم عشرات الآلاف، وكان باستطاعته أن يجري أزقة القدس بدمائهم أنهاراً كما فعلوا من قبل، ولكنه عاملهم بروح الإسلام وأطلقهم وأمنهم حتى يخرجوا منها عائدين من حيث أتوا. وعندما ضعف المسلمون في الأندلس، وزحفت جيوش النصرانية عليهم، ارتكبت من صنوف المذابح ما تعف عنه الوحوش في غاباتها، ويكفي أن نذكر محاكم التفتيش التي أقامها القساوسة والرهبان للمسلمين في الأندلس حتى تقشعر منها الأبدان وتهتز الأعصاب! وعندما تقدمت جيوش الهدى العثمانية تفتح شرق أوروبا كان معها التسامح والعفو، وكان معها الخلاص لكثير من شعوب أوروبا التي عانت من تعصب المذاهب وحقد المؤمنين بها، فكانوا يفضلون عمائم الأتراك على قبعة اللاتين كما يقولون، وقد ترك المسلمون الأتراك أهل أوروبا أحراراً في ديانتهم لم يقسروا أحداً على الإسلام، ولكن أوروبا النصرانية عندما ظفرت بالمسلمين بعد ضعف العثمانيين لم تدع موحداً إلا أهرقت دمه، ومن بقي من المسلمين بعد هذه المذابح حرمت عليهم حتى الأسماء الإسلامية التي يحملونها.

وعندما غزت إنجلترا النصرانية وقرينتها فرنسا بلاد المسلمين لم تدع من حقدها حقداً إلا صبته على المسلمين مدراراً!! ولعل المذابح التي أقيمت للمسلمين في الهند وطرابلس والجزائر وفلسطين لشاهد حزين على ما وصل إليه التعصب النصراني من وحشية وقسوة. وفي تاريخنا القريب أمثلة حزينة لما قام به النصارى من مذابح في صبرا وشاتيلا وغيرها من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، والرئيس الأمريكي ريجان يذكِّر بتصريحاته بالحروب الصليبية معلناً أنه لا يمكنه أن يتعامل مع المسلمين إلا بروح الحروب الصليبية، وقد أتبع أقواله بأفعاله، فله في بلاد المسلمين آثار مذمومة وقبائح مخزية...

هذه لمحة عن مواقف للصراع بين الإسلام والنصرانية، وقد وصلت في عصرنا هذا إلى ما وصلت إليه، وذلك بسبب جهل المسلمين بدينهم وانصرافهم عن الجهاد في سبيله، إلا أن المسلمين بدأوا في الصحوة بعد الغفوة، وها نحن نرى بشائر لصحوتهم، ومحاولات لرد الاعتداء عن أنفسهم، ولا بد لهذه الصحوة أن تنمو وتتقدم حتى ينتصر الهدى الإسلامي على الضلال النصراني، ويحق الله الحق بإذنه.... ويرى كثير من المسلمين، ومنهم الداعية أحمد ديدات، أن التصدي للنصرانية بالدعوة في عقر دارها إحدى السبل الناجعة لغزوها، فإذا كانوا هم يحاولون تنصير المسلمين بالسلاح ويضعونهم بين خيارين: إما النصرانية وإما الجوع والفقر والمرض والموت، فإن الإسلام يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، يدعوهم إلى خير الدنيا والآخرة، ولا بد للخير أن ينتصر على الشر، وإن بدا أن الشرَّ مدجج بالسلاح والدمار. وعلى هذا الطريق، طريق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، طريق المجادلة بالتي هي أحسن، طريق الدعوة إلى كلمة سواء، سار أحمد ديدات في كل خطواته في مواجهة النصارى، ولهذا أقام هذه المناظرات الشهيرة التي طبقت شهرتها الآفاق، والتي نأمل أن تؤتي أكلها، وندعو الله لها بذلك. وقد استنكر بعض المسلمين هذا الأسلوب من الداعية أحمد ديدات، ولكن فاتهم وهم يستنكرون أن تاريخ الحوار بين النصرانية والإسلام قديم، ابتدأ من عهد رسول الله، وامتد إلى يومنا هذا، ولنا وقفة نستعرض بها لمحات من تاريخ هذا الحوار في الصفحات التالية....

الحوار بين الإسلام والنصرانية

الإسلام دين الحوار، فالله سبحانه دعا رسوله ومن تبعه إلى استخدام الحوار، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجالهم بالتي هي أحسن...} بل إن هذه الآية ترسم طريق الحوار، بالحكمة والموعظة الحسنة... وبالتي هي أحسن. وأول حوار وقفنا عليه بين النصارى والمسلمين ذلك الحوار الذي دار بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ونصارى نجران الذين وفدوا على رسول الله وفيهم كبار قساوستهم والعلماء في دينهم. وبعد حوار لم يطل قال وفد النصارى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقول في عيسى، فتلا عليهم قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون، الحق من ربك فلا تكن من الممترين، فمن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} [آل عمران: 59-61].

هذا هو الأساس الذي يجب أن يقوم عليه الحوار، وهذه هي الطريقة الحاسمة للحوار، أما ما يريده نصارى اليوم من نقاش لا يؤدي إلى نتيجة حاسمة فإنه يجب أن يكون مرفوضاً. والمتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن الحوار بين النصرانية والإسلام لم ينقطع، بل استمر في تلك الوفود التي كانت تذهب إلى بلاد النصارى بمبادرة إسلامية أو بطلب من النصارى أنفسهم، وقد سجل لنا التاريخ عدداً من هذه المحاورات نذكر منها على سبيل المثال طلب نجاشي الحبشة من أحد الخلفاء أن يرسل من علماء الإسلام من يناقشهم في دينهم ويناقشونه في دينه، فأرسل لهم الشعبي، فحشد له النصارى قساوستهم ورهبانهم، فلما دخل الشعبي مجلسهم أخذ يسلم عليهم واحداً واحداً، ووقف عند كبير الرهبان وسأله عن صحة أولاده، فارتفعت صيحات الاستنكار بين الحاضرين لهذا السؤال، فالتفت إليهم الشعبي سائلاً ببراءة: لم هذا الاستنكار فقالوا: ألا تعلم أننا ننزه رهباننا عن الولد؟! وهنا إلتفت الشعبي إليهم قائلاً: سبحان الله يا قوم تنزهون رهبانكم عن الولد وتجعلون لله ولد!! ويهت القوم، فقد حسم الشعبي الحوار قبل أن يبدأ!!

وهنا وقف كبير القساوسة أمام النجاشي وقال له: أعد هذا الرجل إلى قومه قبل أن يفسد علينا ديننا!! هذا مثال للحوارات التي كانت تدور ويركز المسلمون فيها على العقيدة الأساسية للنصارى مبينين بطلانها بالبديهة الإنسانية وبالفطرة التي فطر الله الناس عليها. ومع الانتصار النصراني العسكري في العصر الحديث بذلت محاولات لا تعد ولا تحصى لتنصير المسلمين، وبذلت أموال طائلة في سبيل هذا الهدف، وكانت النتائج التي توصلوا إليها لا تساوي المال الذي أنفق والجهد الذي بذل، لهذا بحثوا في طرائق أخرى لعلهم عن طريقها يصلون إلى أهدافهم فكانت فكرة الحوار التي بدأت مناقشتها عام 1964م في "أمانة المجمع الفاتيكاني لشؤون غير النصارى" والتي استطاعت في عام 1969م بالتنسيق مع "لجنة الحوار مع أتباع العقائد المختلفة" أن تضع الأسس لما سمي "لقاءات الحوار المسيحية الإسلامية".

وبناء على هذه الأسس التي أقروها عقدت عدة لقاءات منها على سبيل المثال:

لقاء روما بين الفاتيكان وبعثة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة عام 1970م.

لقاء قرطبة بين مثقفين مسلمين ونصارى ضم ممثلين لثلاث وثلاثين دولة عربية وإسلامية وأوروبية عام 1974م.

لقاء القاهرة بين وفد الكنيسة الرومانية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عام 1974م.

لقاء الفاتيكان بين وفد سعودي وأمانة سرّ المجمع الفاتيكاني لغير المسلمين عام 1974م.

لقاء طرابلس بليبيا بين 500 شخصية إسلامية ونصرانية من 55 دولة عام 1976م.

ولوحظ أن هذه اللقاءات كانت لمجرد عرض وجهات النظر النصرانية، وكانت في الوقت نفسه تغطية لما تقوم به البعثات التنصيرية في العالم الإسلامي من جهود لا تفتر لتحويل المسلمين إلى النصرانية، ليس بالفكر والعقل ولكن بالتجويع والتجهيل وإغراء المرضى، وكان شعارهم إما النصرانية وإما الجوع والجهل والمرض!! ومن هنا تنبه علماء المسلمين لمخاطر هذه الحوارات التي يتولى الدعوة إليها النصارى، وينفق عليها أثرياء النصارى ويضع الأسس للحوار فيها قساوسة النصارى، فوضعوا شروطاً طالبوا بتوفرها قبل أن يستجيبوا لدعوات الحوار والنقاش. هذه الأسس التي صاغها شيخ الأزهر عبد الحليم محمود تتلخص بالنقاط الأربع التالية:

النقطة الأولى: الاعتراف بالقرآن الكريم، وأنه من عند الله عز وجل.

النقطة الثانية: احترام شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم – كما يحترم المسلمون سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام.

النقطة الثالثة: إيقاف عمليات التنصير البشعة بين المسلمين وتكريس الجهود لنشر الدين بين الوثنيين.

النقطة الرابعة: إعطاء الحقوق للأقليات المسلمة التي تعاني من الاضطهاد في بعض البلاد المسيحية.

ولم يستجب النصارى لأي من هذه النقاط الأربع، فأي جدوى للحوار والنقاش مع قوم لا يعترفون بكتابنا ولا يحترمون نبينا؟ وأي جدوى ترتجى من قوم يحاولون جاهدين أن يردونا عن ديننا ويضطهدوا المسلمين الذين يعيشون معهم في بلادهم؟ لقد طلع علينا العالم المناظر الفذ أحمد ديدات برأي يقول إن المناظرة مع النصارى يجب أن تكون كما قامت في عصر الرسول وكما جرت في آيات القرآن الكريم، ويجب أن تكون علنية وفي قاعات مفتوحة لا أن تكون في جلسات مغلقة لا يعرف عنها عامة الناس شيئاً، ولهذا أقام عدداً من المناظرات طارت شهرتها في العالمين، وسوف نتناولها في صفحات تالية من هذا الكتاب إن شاء الله.

آراء جديرة بالتأمل

قبل أن نعرض للمحاورات الذائعة التي أقامها الداعية الغيور أحمد ديدات، نستعرض عدداً من آرائه في الدعوة والمناظرة، فهي في رأينا مفيدة للتعرف على المنهج الذي يتبعه هذا الشيخ الجليل في الدعوة إلى الله وفي مناظرة رجال النصارى في هذا القرن....

مجادلة النصارى كيف تكون؟

تخصص الداعية أحمد ديدات في مناظرة النصارى، وعندما سئل عن أفضل السبل لمناظرتهم قال: يجب أولاً أن تكون لمن يتصدى لمناظرتهم معرفة واسعة بدينهم، معرفة تشمل أيضاً خلفياتهم وتجاربهم وكتبهم، وقد علمنا الله في كتابه العزيز أساسيات المحاورة مع اليهود والنصارى، هذا الأساس الدائم هو طلب الدليل: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} فلو ادعى أحدهم أن ما عنده هو كتاب الله، وأنَّ ما يعتقده هو الصحيح دون غيره، نجيبه وبكل بساطة بطلب الدليل: هاتوا برهانكم، واستمع إلى قوله تعالى وهو يعلمنا ماذا نقول لهم: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله} فإذا أجابوك: نعم، نحن نعبد الله مثلك، تسألهم: وماذا تعبدون؟ فيقولون: نعبد الإله المجسم في ثلاثة، الأب – الإبن – الروح القدس، فترد عليهم بكلام الله: {ولا تقولوا ثلاثة، انتهوا خيراً لكم، إنما الله إله واحد}. لقد علمنا الله كيف نبدأ الحوار معهم، وعلينا اتباع تعاليمه.

الدعوة إلى الإسلام بين الناس:

إن الداعية أحمد ديدات لا يخرج في أسلوبه وآرائه عما ورد في القرآن الكريم، فهو يدعو إلى مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} ويرى أن الدعوة إلى الله لا تكون إلا بالأسلوب الذي وضحه القرآن {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن}. فالمجادلة والمناظرة في الدعوة لا تكون إلا بالتي هي أحسن، والدعوة إلى الله يجب أن تكون بالحكمة، والموعظة الحسنة، هذا هو الأسلوب الذي دعانا القرآن الكريم أن نتبعه في الدعوة إلى الله، وقد أثبتت كل التجارب أنه الأسلوب الأمثل للدعوة.

مهمة العرب في الدعوة الإسلامية:

يرى الداعية أحمد ديدات أن الدعوة إلى الإسلام هي مهمة العرب أولاً وذلك لأن الله جلت حكمته أرسل خاتم الأنبياء منهم، وجعل القرآن الكريم، كتاب الدعوة الخالد، بلغتهم، والمؤمنون الأولون بهذا الدين من بينهم، وهذه كلها إشارات واضحة على أن الله اختار العرب لتبيلغ الدعوة إلى الله، وقد قام العرب في عهد الرسول والعهود التالية بالمهمة خير قيام، فجاهدوا يف الله حق جهاده حتى وصل الإسلام إلى مناطق شاسعة من المعمورة وحتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وحتى شمل الإسلام الأبيض والأحمر والأسود....

كان ذلك تكريم من الله للعرب، وقد كان العرب أهل ذلك التكريم عندما قاموا بما كلفهم الله به من الدعوة، وتحملوا أعباءها برجولة وحزم... ولما كانت دعوة الإسلام هي الدعوة الشاملة التي أراد الله أن يظهرها على كل الأديان {ليظهره على الدين كله} فإن الداعية أحمد ديدات يرى أن مهمة العرب لم تنته بعد، فعليهم أن يكملوا المسيرة ويعودوا لحمل الرسالة كما حملها أجدادهم، ويرى أن الله يمنح العرب الآن فرصة أخرى ليكملوا المسيرة، وذلك بما أسبغ عليهم من ثروات طائلة وإمكانات هائلة، فالفرصة أمامهم ليكونوا خير خلف لخير سلف، وإلا فإن الله يقول: {فإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم} فالله الله في أنفسكم أيها العرب، قوموا على قدم وساق، وشمروا للدعوة إلى الله، فقد وعدكم الله بالنصر، ووعدكم أن يظهر دينه على كل الأديان، فكونوا أهلاً لما ندبتم إليه، وانشروا دين الله في الأرض كما فعل آباؤكم من قبل.

نقل الدعوة إلى عقر دارهم

للداعية ديدات نظرة في دعوة الغرب إلى الإسلام، فهو يرى أن الإنجليز – مثلاً – حكموا بعض البلدان الإسلامية مدة تزيد على قرن، وقد ارتكبوا من المجازر ما تقشعر منه الأبدان، ومارسوا من الظلم ما تسوَّد وتسوَدُّ به الصحائف، ونهبوا من الخيرات ما لا يعد ولا يحصى، ونشروا من الفساد ما لم يحدث مثله من قبل، وحاولوا جاهدين تحويل المسلمين عن عقيدتهم أو صرفهم عنها إلى المجهول... والخلاصة أن تاريخهم في هذا القرن تاريخ أسود، حالك السواد. وقد انتهى احتلال الإنجليز للبلاد الإسلامية، وأخذ تأثيرهم الحضاري بالتلاشي تدريجياً، وأخذ الانبهار الذي أصيب به كثير من المسلمين يخبو أواره وتنسحب ظلاله... فعلى المسلمين أن يردوا للإنجليز الصاع صاعين والكيل كيلين... ولكن كيف؟. إن الإسلام دين الرحمة ودين العدل.. فهل يحمل المسلمون إلى الإنجليز السلاح كما حملوه لنا، أم نحمل لهم رسالة الهدى وندعوهم إلى الله وإلى الإيمان بالرسالة السماوية الهادية؟ يرى الداعية الحصيف أن نحمل لهم الإسلام إلى عقر دارهم، وندعوهم إلى الهدى بالحكمة والموعظة الحسنة، ونجادلهم بالتي هي أحسن، ووسائل ذلك كثيرة... منها:

1- أسلوب المناظرات العلنية، وقد حقق أحمد ديدات العديد منها، وكان لها تأثيرها المشهود.

2- المحاضرات والندوات التي توضح روح الإسلام وهديه.

3- نشر الكتب الإسلامية باللغة الإنجليزية وتوزيعها على نطاق واسع.

4- الاتصالات الشخصية بذوي العقول منهم وأهل الرأي فيهم.

هذا بالإضافة إلى مجهودات السهام المرتدة، أولئك الطلاب الذين دعوا للدارسة عندهم ليصنعوهم على أعينهم، ولكننا نستطيع أن نحصنهم بالثقافة الإسلامية ليكونوا دعاة الإسلام، لا دعاة لحضارة الغرب ومبادئه... هم يريدونهم سهاماً في صدورنا... ونحن سنجعلهم سهاماً مرتدة إلى نحورهم.. إن مثل هذه النظرة إلى الغرب صائبة إلى حد كبير، ذلك لأن أوضاعهم الاجتماعية المتردية، وحالهم السياسي المتدهور، واقتصادياتهم المتراجعة، وأخلاقياتهم المنحطة، تساعدنا على النجاح في الدعوة إلى الإسلام في بلادهم. هم بحاجة إلى من ينقذهم مما هم فيه... ونحن أهل لذلك بما عندنا من علاج شاف لكل الأمراض وذلك بالشفاء المضمون كتاب الله الكريم.

الدعوة إلى بذل الأموال في سبيل الله:

كان الأغنياء من المسلمين الأولين مثالاً للبذل في سبيل نشر الإسلام، والأمثلة التاريخية على ذلك أكثر من أن تحصى وأعظم من أن توصف. ولكن ذلك تراجع مع ضعف المسلمين العسكري والسياسي، ومع جهلهم بدينهم العظيم. ومع هذا التراجع برز في أهل النصرانية أمثلة للبذل في سبيل نشرها وفي سبيل إرغام المسلمين على اعتناقها ما يندهش عندها من يطلع عليها. إن تخصيص الإذاعات والتلفزيونات للدعوة إلى النصرانية منتشر في جميع الأقطار المعروفة في العالم. وإن توزيع الصحف والنشرات النصرانية دون مقابل يملأ الأفق! فأين أغنياء المسلمين اليوم من مثل هذا البذل؟

إن الداعية أحمد ديدات يقدم لأغنياء المسلمين الأمثال لما تبذله النصرانية في سبيل جذب الناس عامة والمسلمين خاصة ليفيقوا من سباتهم، وينهضوا من نومهم الذي طال أكثر من المعقول. إن الثراء في عالم الإسلام اليوم يشمل الدول والأفراد، فإذا لم يبذلوه في سبيل دينهم، ففي سبيل أي شيء آخر هم باذلوه؟! هذه بعض الآراء التي لا يمل هذا الداعية الكبير من ترديدها في محاضراته وندواته ولقاءاته الصحفية، فهو يتحرق ألماً لما يراه من نكوص المسلمين عن البذل والتضحية بجزء مما عندهم في سبيل الله، وهو في أسىً لما يراه من تقصير في نشر الدعوة الإسلامية في العالمين. إن هذا الداعية الكبير شمر عن ساعد الجدّ وأتبع الأقوال بالأفعال، وتخصص في دعوة النصارى إلى الإسلام، وامتاز بمناظرتهم في دينهم معتمداً على فهم سليم للقرآن الكريم وعلى دراسة عميقة لأناجيل النصارى التي بها يؤمنون. وهذا استعراض لأهم مناظراته التي ذاع أمرها في العالمين.

مناظرات أحمد ديدات

تخصص الداعية الكبير أحمد ديدات في مقارنة الأديان وبخاصة دين النصارى، فاطلع بشكل واسع على الأناجيل الموجودة في المكتبات والمتداولة بين الناس، وحرص على قراءتها ودراستها في طبعاتها القديمة والحديثة، ووجد أن هناك فروقاً هائلة بين هذه الطبعات تصل إلى الحذف والزيادة فيها. وحرصاً منه على التعمق في معرفة النصرانية فقد أقبل على كتبهم فدرسها واطلع على ما فيها، وبخاصة ما يعتمد عليه النصارى في الترويج لدنيهم، وما يعتمدون عليه في الهجوم على الإسلام. كما حرص على الاتصال بعلماء النصارى وقساوستهم والمتصدرين لتنصير المسلمين منهم، وحاورهم وناقشهم في كل ما يعرضونه من أمور دينهم وما يأخذونه على ديننا، وكان له في هذا المجال جولات واسعة لخص بعضها في كتبه التي أصدرها، وكان أهمها: ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد، فقد تفوق في هذا الكتاب بمناقشة نبوءات الكتاب المقدس مثبتاً أنها تشير إلى نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا ما يحرص النصارى والمنصرون منهم بخاصة على نفيه رغم وضوحه الشديد.

وبعد هذا التمكن من معرفة النصرانية والتمرس في مجادلة رجالها انتقل أحمد ديدات إلى المناظرات العالمية، يتحدى فيها كبار المنصرين النصارى ورؤوسهم الكبرى. وسوف نتناول فيما يلي مناظراته الكبرى التالية:

1- مناظرته مع الدكتور فلوريد إي كلارك بقاعة ألبرت الملكية عام 1985م.

2- مناظرته مع القس جيمي سويجارت بقاعة جامعة كوتريانا عام 1986م.

3- محاولاته المتكررة لمناظرة بابا الفاتيكان ووقائع هذه المحاولات ابتداءً من عام 1984م.

مناظرته مع د. أنيس شروش في قاعة أرينا في برمنجهام بإنجلترا عام 1988م.

المناظرة الأولى أحمد ديدات يناظر الدكتور فلوريد إي كلارك

أحمد ديدات يناظر الدكتور فلوريد إي كلارك
بقاعة ألبرت الكبرى بلندن

أولى المناظرات العلنية التي فتحت الباب أمام الداعية أحمد ديدات واسعاً لمناظراته العالمية مع كبار علماء الديانة النصرانية هي مناظرته مع الدكتور فلوريد إي كلارك أحد كبار رجالات التنصير في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك في قاعة ألبرت الملكية The Royal El bert Hall في لندن، والتي تتسع لثمانية آلاف كرسي ثابت. وقد اهتمت الأوساط الإسلامية في لندن بهذه المناظرة فحرص كثيرون على حضورها، كما اهتمت بشكل مماثل الأوساط النصرانية في انجلترا بها فهرعت أعداد غفيرة للإستماع إليها، فاتخذت اللجنة المنظمة قراراً بتجزئة القاعة إلى نصفين، يجلس المسلمون في النصف الأيمن ويجلس النصارى في النصف الأيسر.

كان عنوان المناظرة مثيراً جداً بالنسبة للنصارى، فقد اختاروا لها موضوعاً حساساً وعقائدياً أساسياً في النصرانية، بل إن العقيدة النصرانية تقوم أساساً على هذا الاعتقاد: صلب المسيح هو خلاص للبشرية فكان عنوان المناظرة: هل صُلبَ المسيح أم لم يصلب؟ فالنصارى يزعمون أن المسيح عليه السلام صلب، أي مات مصلوباً على الصليب، وهذا يمثل بالنسبة لهم عقيدة 'الخلاص'، فهم يزعمون أن المسيح مات من أجل خطاياهم.. أي تكفيراً عن خطاياهم، وأنه لن يعود مرة أخرى لكي يكون للناس معلماً: وهذا من أشد العقائد خطراً على البشرية، فإذا كان المسيح عليه السلام قد مات تكفيراً عن خطايا المؤمنين به، سابقها ولاحقها، فأي شيء يحجز الناس عن ارتكاب الخطايا والآثام ما دامت قد كفرت سلفاً بصلب المسيح؟ أما المسلمون فإنهم لا يؤمنون بهذه العقيدة، بل يؤمنون بأن المسيح – عليه السلام – لم يصلب، وإنما رفعه الله إليه، وسوف يعود معلماً للبشرية مرة أخرى عندما يأذن الله بذلك، والقرآن في هذا صريح غاية الصراحة، يقول تعالى في محكم تنزيله {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه، ما لهم به من علم إلا اتباع الظن، وما قتلوه يقينا}.

وفي الوقت نفسه لا يؤمن المسلمون بعقيدة الخلاص التي تعني بأن المسيح قد مات تكفيراً عن الخطايا، بل تؤمن بالثواب والعقاب، وأن كل إنسان يتحمل خطاياه ويعاقب عليها، وكل إنسان يجزى بأعماله الطيبة ويثاب عليها، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى}.... من هذا المنطلق كانت مناظرة ديدات – كلارك، كل منهما يحمل عقيدة مناقضة للآخر بالنسبة لصلب المسيح – عليه السلام – وبالنسبة لعقيدة الخلاص.عرض كلارك عقيدته في صلب المسيح، معتمداً بالطبع على ما جاء في الأناجيل التي يؤمن بها. ثم وقف ديدات مخاطباً جماهير النصارى فائلاً وقد رفع القرآن في يمناه: أيها السادة والسيدات، أنا لن أناقشكم بالقرآن الكريم لأنكم لا تعلمون منه شيئاً، ولكني سأناقشكم بكتب النصرانية التي تعلمون عنها الشيء الكثير، ثم بدأ الداعية الإسلامي المتمكن من كتب النصارى يناقش قضية صلب المسيح – عليه السلام – ويعتمد في كل ما يقوله على فقرات من الأناجيل. ومن الأدلة التي أوردها من الإنجيل الحادثة التي يعرفها النصارى بالعشاء الأخير، يقول لهم ديدات: تعالوا نتذكر... بعد أن مات المسيح – كما تزعمون – كان حواريوه يتناولون العشاء الأخير في الغرفة العلوية، حجرة كبيرة كان فيها أربعة عشر فرداً يجلسون إلى المائدة، ووفقاً لما جاء في الإنجيل، دخل عليهم المسيح وقال: السلام عليكم، عندئذ فزع حواريوه... أنا أتساءل لماذا فزعوا....؟

وإذا رجعنا إلى الإنجيل نجد أن سبب فزعهم هو ظنهم أنه كان روحا، فهل تستطيع أن ترى روحا؟ بالطبع لا، وعندئذ قال لهم عيسى: 'انظروا إلى يديَّ ورجليَّ، إنني أنا هو، المسوني وسترون، فإن الروح ليس لها لحم وعظم'. إذن لم يكن المسيح روحاً ولا شبحاً. ولكي يؤكد لهم أنه ليس بروح ولا شبح قال لهم، كما جاء في الإنجيل: 'أعندكم ههنا طعام؟ فناولوه جزءاً من سمك وشيئاً من شهد عسل، فأخذه وأكله قدامهم'. ماذا يثبت هذا الكلام؟ هل يثبت أنه كان روحاً أو شبحاً'.

وهكذا استمرت المناظرة لأكثر من ثلاث ساعات، والداعية الإسلامي يشد انتباه الحضور بقسميه، المسلم والنصراني، وقد تجلى في هذه المحاضرة انتصار الحق الذي يدافع عنه أحمد ديدات، وقد نال من إعجاب الجمهور وتصفيقهم الشيء الكثير.


المناظرة الثانية مع جيمي سويجارت

أحمد ديدات يناظر جيمي سويجارت
بقاعة جامعة كوتريانا بأمريكا

هذه أشهر المناظرات التي خاضها الداعية أحمد ديدات، ولاقت شهرة عريضة في العالم، وسجلت على أشرطة للفيديو تناقلها الناس من مدينة لأخرى ومن قارة لقارة، وعرضتها تلفزيونات عدد من الدول العربية. أقيمت هذه المناظرة بقاعة جامعة كوتريانا بمدينة باتون روج في ولاية لويزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية، في نوفمبر من عام 1986م. كان موضوع المناظرة مثيراً، جلب إليها أعداداً غفيرة من المسلمين والنصارى، كان عنوانها: "هل الإنجيل كلام الله؟".

بالطبع كان جيمي سويجارت مؤمناً بأن الإنجيل كلام الله، ويعتمد على ذلك في محاضراته وندواته وكتبه، أما أحمد ديدات فهو مسلم يعتقد أن الإنجيل الذي في أيدي النصارى الآن قد حرف، وأنه أيضاً ليس كلام الله الذي ألقاه على عيسى – عليه السلام. حول التباين في الاعتقادين دارت أحداث هذه المناظرة: هل الإنجيل كلام الله؟

نبدأ بالسؤال: من هو جيمي سويجارت؟

هذا الرجل من أشهر الوجوه التلفزيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، فهو قسيس جذاب يستمع إلى برنامجه التلفزيوني "جيمي سويجارت تيليكاسيت" ملايين المشاهدين، ويجلب هذا البرنامج مائة وخمسين مليون دولار تبرعات للكنيسة التي يتبعها سويجارت. كانت خطب ومواعظ سويجارت تبث عبر ألفي قناة تلفزيونية، وكان تحت يده مبالغ طائلة للصرف منها على جهوده التنصيرية، بل لقد بلغت مصاريفه اليومية من أجل التنصير مليون دولار. كان سويجارت شديد الخصومة مع المسلمين ولا يتردد في التهجم على الرسول - صلى الله عليه وسلم – والادعاء بأن القرآن الكريم غير جدير بالاعتبار، وقد قال في إحدى خطبه: "لقد بذلت كل ما في وسعي لاحترام الدين الإسلامي لكنني كلما قرأت فيه ازددت في عدم احترامي له كدين"!. وقد أثارت هذه التصرفات الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة، فدعوه للمناظرة، فلما قبلها أرسلوا إلى الداعية أحمد ديدات لمناظرته، وحددوا عنوان المناظرة: هل الإنجيل كلام الله؟

وفي الحال قبل الداعية أحمد ديدات التحدي، وأبرق إلى المسلمين في الولايات المتحدة بموافقته، وفي الحال بدأت الاستعدادات للمناظرة. وبين الموافقة والاستعدادات والموعد المحدد عكف أحمد ديدات على قراءة كتب جيمي سويجارت، فقرأها جميعها وعددها يتجاوز ثلاثين كتاباً. يقول أحمد ديدات عن الحكمة في قراءته لهذه الكتب: "ليس من الحكمة أن تجهل ما يستخدمه عدوك ضدك من الأسلحة". ودارت أحداث المناظرة حول الموضوع المثير: هل الإنجيل كلام الله؟ وقد خصص لجيمي سويجارت خمس وأربعون دقيقة تحدث فيها عن الموضوع وتطرق إلى موضوعات عاطفية ألهبت مشاعر النصارى، ثم خصص لأحمد ديدات ستون دقيقة تكلم فيها عن الإنجيل مثبتاً، أنه ليس كلام الله، معتمداً في كل ما قاله على الإنجيل الذي بين يدي النصارى مستشهداً بأقوال العلماء الموثوقين من النصارى الذين قالوا بأن في الإنجيل أخطاء وتناقضات ذكروها، مستنتجاً بأن مثل هذا الكتاب لا يمكن أن يكون كلام الله.

ثم وقف سويجارت الذي خصص له وقتاً إضافياً للرد على ديدات. وقد كان ديدات واضحاً موثقاً أقواله، ولم يكن سويجارت في مستواه، وقد كان تأثير ديدات على الحاضرين عظيماً.وطارت شهرة هذه المناظرة، وكان لها تأثير عميق على من حضرها، ثم على من شاهدها مسجلة أو مذاعة من بعد.

إن للإخلاص آثاراً لا يمكن أن تمحى، وقد قال العارفون من قبل: "الكلمة التي تخرج من القلب تقع في القلب، والتي تخرج من اللسان لا تجاوز الآذان". لقد كانت كلمات أحمد ديدات خارجة من القلب، وقد وقعت في قلوب من استمعوا إليها. ولقد كانت كلمات سويجارت خالية من الإخلاص، لأنه كان يقول شيئاً ويفعل نقيضه، ولقد انسحب سويجارت من ميدان الوعظ الديني والعمل التنصيري إثر الفضيحة الجنسية التي ارتكبها واعترف بارتكابها، واضطرت الكنيسة التي يتبعها إلى "إعادة تأهيله" وهي عبارة يستخدمونها عندما يسحبون ثقتهم بشخص مهم في كنيستهم.

المناظرة الثالثة - يحاول أن يناظر بابا الفاتيكان

أحمد ديدات يحاول أن يناظر بابا الفاتيكان

إن البابا في كل بلد ينزلها يباشر بتقبيل أرضها ويسجد عليها، زاعماً أنه يباركها، وأن مباركته لها تجعل أهلها سعداء، وكلما وطئ أرضاً إسلامية رفع صوته بالدعوة إلى الحوار بين النصرانية والإسلام زاعماً أن هذا الحوار يقرب بين الفريقين ويضيق شقة الخلاف بينهما. ويرى الداعية أحمد ديدات أن البابا غير جاد في دعوته إلى الحوار، ولكنه يستبدل كلمة الحوار بالتنصير حتى لا تحدث كلمة التنصير ردة فعل عكسي عند المسلمين. ولكي يبرهن أحمد ديدات على صدق هذه المقولة ذكر لنا حادثتين حدثتا مع مسؤولين مسلمين اجتمعا بالبابا بناء على رغبته في الحوار، ولكن البابا في كل اجتماع أدار الحوار وجهة أُخرى عجيبة!

أما الحادثة الأولى فكانت مع الدكتور عمر نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، فحينما ذهب الدكتور نصيف إلى الفاتيكان، وذهب إلى مقرّ البابا جعله الموظفون ينتظر في الدور الأول عشر دقائق، ثم اصطحبوه إلى الطابق الثاني وجعلوه ينتظر عشر دقائق أخرى، ثم اصطحبوه إلى الطابق الثالث وجعلوه ينتظر عشر دقائق ثالثة!! هذا التصرف مع الدكتور نصيف محاولة للضغط النفسي عليه... ثم دخل البابا مسلماً على الدكتور نصيف بالطريقة البابوية المتظاهرة بالوداعة، وفاجأ البابا ضيفه بالسؤال التالي: هل أنت من مصر؟ عجباً يستقبل البابا رجلاً ذا مركز كبير لدى المسلمين ولا يعرف من أي قطر من أقطار الإسلام هو؟ لا أظن أنه لا يعرف، ولكنه نوع من التجاهل والحرب النفسية! كان الدكتور نصيف مهيأ للمناظرة في أمور دينية، ولكن البابا فاجأه بهذا السؤال: لماذا لا تسمحون لنا ببناء الكنائس عندكم في مكة؟ وردّ عليه الدكتور نصيف رداً مفحماً، سؤالاً بسؤال: هل تسمحون لنا ببناء مسجد في الفاتيكان؟ وأردف الدكتور نصيف: إننا نسمح لكم بإقامة شعائركم الدينية، ولكنكم تتخذون ذلك ذريعة لدعوة المسلمين إلى النصرانية!

هذه الحادثة الأولى، أما الثانية فقد حدثت مع السيد تنكو عبد الرحمن رئيس وزراء ماليزيا، فعندما زار البابا ماليزيا واجتمع بالسيد تنكو عبد الرحمن، وانتظر رئيس وزراء ماليزيا أن يتحاور مع البابا في أمور الدين، إذا بالبابا يفاجئه بهذا السؤال: عندكم منطقة أكثر تحرراً يطلق عليها المنطقة رقم 7، فيها الصراحة والوضوح.. إنني أناشدك أن تفرج عن ثلاثة من رجال الكنيسة تم القبض عليهم وهم يتعاطون المخدرات في هذه المنطقة. وهنا رد رئيس الوزراء بقوله ألهذا جئت أيها البابا إلى ماليزيا؟ أجئت من روما من أجل ثلاثة من رجالك قبض عليهم وهم يتعاطون المخدرات؟ قل لي: ما هو رأي دينكم في تعاطي المخدرات؟ تجاهل البابا هذا السؤال الأخير، وأصر على طلبه الأول قائلاً: أنتم كمسلمين حثكم الإسلام على المغفرة، فلماذا لا تسامحهم وتطلق سراحهم؟

هل اجتمع البابا مع الدكتور عمر نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي من أجل الحوار الذي لا يمل البابا في الدعوة إليه بين النصارى والمسلمين، وهل اجتمع البابا مع السيد تنكو عبد الرحمن من أجل الحوار الذي يلح عليه بابا الفاتيكان؟ يرى الداعية أحمد ديدات أن البابا لا يعني بالحوار الذي يدعو إليه بين النصارى والمسلمين إلا التنصير، ولكي يدلل على ذلك وجه بتاريخ غرة رمضان المبارك 1404 هـ الموافق 1 تموز 1984م رسالة يعلن فيها موافقته على إقامة حوار مفتوح في ساحة "سانت بيتر" في الوقت والتاريخ اللذين يحددهما البابا نفسه. وبعد أن أرسل أحمد ديدات ثلاث رسائل وبرقية في آب 1984م، أجاب الفاتيكان بأنه يوافق على إجراء الحوار في سكرتارية الفاتيكان وليس في مكان علني. ورد أحمد ديدات على رسالة البابا بتاريخ 17 أيلول 1984م بالرسالة التالية:

"يسرُّنا أن تُحضِّر نفسك للقاء بنا، ولكن كان يسرنا أكثر لو كان اللقاء عاماً ومنفتحاً، كما كانت رسالتنا إليك، حيث اقترحنا بالأصل إجراء اللقاء في ساحة سانت بيتر (القديس بطرس)، وحيث أن أتباع النصرانية والإسلام يربو على المليارين، ولأجل إظهار الحقيقة وإرضاء الخالق، يجب أن نتحاشى السرية في الحوار، إننا مهيئون للقائكم في أمانة السِّر عندكم كما اقترحتم، ولكن كون عدد كبير من المسلمين سيأتي من جنوب إفريقيا وحدها، بدليل أن ثلاث طائرات حجزت من "جوهانسبرغ" و "ودربان" و "كايب تاون" من الذين يرغبون في حضور هذا اللقاء، من هنا نطالب بمزيد من المعلومات حول التسهيلات المتوافرة في مركز أمانة السِّر لاستيعاب هذا العدد من الناس، وبما أن العدد الكبير أيضاً لن يتمكن من الوصول إلى الفاتيكان، فإننا نطالب بالسماح لكاميرات الفيديو بتصوير وتسجيل اللقاء كي تتمكن الملايين من سماع هذا الحور".

وانتظر أحمد ديدات الرد على هذه الرسالة دون جدوى، فأرسل بعد شهرين من الانتظار برقيتين، في 29 تشرين الثاني سنة 1984م الأولى إلى البابا والأخرى إلى أمانة السِّر، ولما لم يتلق رداً أرسل برقية أخرى للبابا وبقيت الأخرى بلا جواب. لماذا لم يردّ البابا على الدعوات المتكررة من الداعية أحمد ديدات؟ أليس هو صاحب الدعوة إلى الحوار مع المسلمين؟ للقارئ الذكي أن يعرف معنى هذا كله.

المناظرة الرابعة مع الدكتور أنيس شروش

أحمد ديدات يناظر الدكتور أنيس شروش

عندما أحجم البابا الكاثوليكي عن مناظرة أحمد ديدات علناً، التفت هذا الداعية الكبير إلى الجهة الأخرى، إلى انجلترا راغباً في مناظرة علماء النصرانية في فرعها البروتستانتي (الإنجليكاني). ولأحمد ديدات وجهة نظر بالنسبة لنشر الإسلام في أوروبا عامة وإنجلترا خاصة، وقد صدرت نشره عن مركز الدعوة الإسلامية في دربان، والذي يرأسه أحمد ديدات، تدعو لغزو أوروبا بالإسلام. تقول هذه النشرة: "لقد حكمت انجلترا دولنا... الهند، مصر، ماليزيا... لأكثر من مائة عام، والآن حان الوقت لإخضاع انجلترا للإسلام، لن يكون غزونا بالحديد والنار، ولكن بالحب والعطف ومنطق العقل". وينقل أحمد ديدات عن أديب انجلترا المعروف برنارد شو قوله: "لو أن ديناً تتاح له فرصة في غزو بريطانيا، إن لم يكن أوروبا كلها خلال المائة عام التالية فإن هذا الدين لن يكون إلا الإسلام".

ومن هذا المنطلق دعا أحمد ديدات القساوسة الانجلترا أو من يدينون بمذهبهم لمحاورته، فوافق على ذلك الدكتور أنيس شروس المتخصص باللاهوت، وهو فلسطيني الأصل أمريكي الجنسية. واتفق الطرفان على أن يكون موضوع المناظرة: القرآن أم الإنجيل، أيهما كلام الله؟ وحُدد لها موعد في السابع من أغسطس عام 1988م في قاعة أرينا Arena (مركز المعرض الوطني) في مدينة برمنجهام، وهذه القاعة تعتبر أكبر قاعة مغطاة في العالم! في الموعد المحدد للمناظرة احتشد في هذه القاعة أكثر من عشرة آلاف شخص، وقد توافد على القاعة من المسلمين أعداد كبيرة من جميع أنحاء إنجلترا. دخل شروس القاعة على الطريقة الاستعراضية الأمريكية، فقد ارتدى الزي العربي كاملاً، العباءة والثوب والغترة والعقال! بدأت المحاضرة بوقوف ديدات الذي قوبل بعاصفة من التصفيق وبفيض من الترحاب مع الهتافات بالتكبير والتهليل ممن حضر من المسلمين من كافة الجنسيات، وقد خصص لديدات خمس وسبعون دقيقة للكلام في الموضوع يليه الدكتور شروس الذي سوف يتحدث تسعين دقيقة، ثم يعقب ديدات على كلمة شروس بخمس عشرة دقيقة.

بدأ ديدات كلامه بدعوة شروس إلى الإسلام، ثم دخل في موضوع المناظرة، وكانت أولى النقاط التي تحدث عنها هي القرآن الذي لا يوجد منه إلا نسخة واحدة، أما الإنجيل فهناك ثلاثة وسبعون إنجيلاً مختلفاً لدى الكاثوليك وستة وستون إنجيلاً لدى البروتستانت... ثم تحدث عن التناقضات التي يحفل بها الإنجيل، بل الأناجيل المختلفة. ثم عرض على الحاضرين مجموعة من الكلمات التي وردت في الإنجيل متحدياً شروس والحاضرين أن يفسروا معناها. ثم تحدث شروس بادئاً بالهجوم على القرآن هجوماً معداً أخذ يقرؤه عن أوراق بين يديه، ثم تعرض لتعدد الزوجات في الإسلام زاعماً أن في القرآن قصصاً مبالغاً فيها، وعلى العموم لم يأت الرجل بجديد فقد ردد ما سبق له أن ردده، وما سبق أن ردده النصارى من قبل، وقد رد علماء المسلمين عليه منذ أزمان بعيدة. وقد وقف ديدات يرد على شروس، فدعاه أولاً أن يرد ولو على واحدة من التناقضات الموجودة في الإنجيل والتي ذكرها ديدات من قبل، ثم التفت إليه قائلاً: إن تعدد الزوجات جاء ليحل مشاكلكم أنتم في أمريكا وأوروبا، وإلا فكيف تجد حلاً لما يقرب من سبعة ملايين امرأة زيادة على عدد الرجل في أمريكا؟! وكيف تجد حلاً لآلاف المومسات في انجلترا؟!

وعلى زعم شروس بأن الإسلام انتشر بحد السيف قال له ديدات: لماذا لم يتم إجبار أجدادك في فلسطين على اعتناق الإسلام؟ وتنتهي المناظرة بظهور بارز للداعية الكبير أحمد ديدات، ولترتفع معنويات المسلمين في انجلترا، وليمضوا في جهودهم لنشر الإسلام فيها، ويوماً ما سوف يعرف هؤلاء الإنجليز أن مشاكلهم المتراكمة لن تجد لها حلاً إلا في الإسلام وأن معيشتهم الضنكى لن تتحسن إلا إذا أقبلوا على الإسلام. إن من مظاهر غزو الإسلام لبريطانيا قيام الحزب الإسلامي فيها، وقد حصل على تصريح رسمي بممارسة نشاطه، ومن أجلِّ أعماله هذه المناظرات التي يدعو سائر الأحزاب إليها، وقد عقدت آخر المناظرات بين قادة الحزب الإسلامي وقادة الحزب الديموقراطي الاشتراكي في 15 إبريل 1990م تحت عنوان: الحلول الإسلامية... والحلول الاشتراكية، وكان لهذه المناظرة صداها الواسع بين الحاضرين.

كانت هذه جولات في مناظرات أحمد ديدات، وهي من الجهود النيرة التي تصاحب تقدم الإسلام في الثمانينات من هذا القرن، وسوف يكون لها آثارها العميقة في إثارة الوعي لدى النصارى بحقائق الإسلام السامية التي يجهلونها، وعلى المسلمين أن يتابعوا الطريق وينشروا نور الإسلام بين الناس أجمعين.

مؤلفات أحمد ديدات

ألف الداعية أحمد ديدات مجموعة من الكتب الصغيرة الحجم الجليلة الفائدة، كلها تدور حول مناظرة النصارى في عقائدهم وبيان زيف ما يذهبون إليه، وتلاقي هذه الكتب إقبالاً كبيراً من القراء المسلمين والنصارى على حد سواء، ويعطي هذا الداعية الكبير الحق لكل إنسان أن يترجم أو يطبع هذه الكتب دون مطالبته بحق مهما قل، محتسباً ذلك كله عند الله، خدمة لدينه العظيم. سوف نعرض في هذا الباب لثلاثة من كتبه تتعلق بمرتكزات مهمة في العقيدة.

الأول: ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد؟

الثاني: هل الكتاب المقدس كلام الله؟

الثالث: ما هو اسمه... الله.... God... الخ؟

أولاً: ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد؟

النسخة التي بين يديّ ترجمة إبراهيم خليل أحمد، وراجعتها فايزه محمد بكري، ونشرتها دار المنار بالقاهرة وسنة النشر 1409هـ 1988م. الكتاب في الأصل مناظرة مغلقة حدثت بين المؤلف وأحد القساوسة في جنوب إفريقيا، وتركزت على نبوءة واحدة جاءت في سفر التثنية، تقول النبوءة: "أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه".

والنصارى يعتبرون هذه النبوءة خاصة بعيسى عليه السلام، ولكن أحمد ديدات يناقشها بالتفصيل ويثبت أنها خاصة بمحمد - صلى الله عليه وسلم. يناقش ديدات النبوءة جزءاً جزءاً.

1- يناقش قول النبوءة: أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك. فيثبت أن معنى من وسط إخوتهم إنما هم العرب إخوة اليهود من إبراهيم عليه السلام، فالعرب سلالة إسماعيل بن إبراهيم، واليهود سلالة اسحاق بن إبراهيم، فهم إخوة. ويثبت إن كلمة مثلك، أي مثل موسى عليه السلام، لا تنطبق على عيسى بن مريم وإنما تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم فهو مثله في أمور كثيرة فصلها ديدات بإقناع جلي.

2- ثم يناقش قول النبوءة: وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، فيثبت أن الرسول الوحيد الذي تكلم بكلام الله بوحي جبريل ولا زال هذا الوحي كلام الله بين أيدينا هو محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول قد أدى الرسالة وبلغ كلام الله لعباده.

3- ثم يناقش الجزء الأخير منها وهو قول النبوءة: "ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به بإسمي أنا أطالبه" وفي إحدى الترجمات: أنا أعاقبه. وهذا أيضاً ينطبق على محمد - صلى الله عليه وسلم – ولا ينطبق على عيسى عليه السلام.

هذا موجز لما جاء في هذا الكتاب القيم، إن في قراءته متعة، وفي التأمل بما جاء به من براهين شفاء لما في الصدور.

ثانياً: هل الكتاب المقدس كلام الله؟

النسخة التي بين يدي من هذا الكتاب ترجمة نورة أحمد النومان ونشرته في الشارقة مطبعة الشرق وقد أشارت المترجمة إلى طبعات الكتاب باللغة الإنجليزية، بلغ مجموع النسخ المطبوعة منه 260 ألف نسخة (مائتان وستون ألف نسخة). الكتاب استعرض فيه المؤلف أقوال العلماء النصارى الذين درسوا الإنجيل وأثبتوا أن هذا الكتاب من صنع البشر، وقد تابع أحمد ديدات هذه الأقوال وأضاف إليها بيانات مذهلة يثبت فيها أن الكتاب المقدس ليس كلام الله.

ومن الإثباتات التي يقدمها أحمد ديدات على أن هذا الكتاب ليس كلام الله قوله: توجد عدة نصوص للكتاب المقدس مع اختلافات واضحة، فأيها الكتاب الأصلي؟ يقول شهود يهوه، وهي طائفة نصرانية، "في أثناء نسخ المخطوطات الأصلية باليد تدخل عنصر الضعف الإنساني، ولذلك فلا توجد من بين آلاف النسخ الموجودة اليوم باللغة الأصلية نسختان متطابقتان.

ويورد ديدات قولاً للأديب الإنجليزي برنارد شو عن الكتاب المقدس: "إنه من أخطر الكتب الموجودة على وجه الأرض، احفظوه في خزانة مغلقة بالمفتاح". هذا الملخص لا يغني عن قراءة الكتاب أو عن مشاهدة المناظرة القيمة التي جرت مع القس سويجارت حول هذا الموضوع.

ثالثاً: ما هو اسمه؟

النسخة التي بين أيدينا لم تذكر اسم المترجم، أما الناشر فهي مكتبة أبو القاسم بجدة، وسنة النشر 1409هـ 1988م. يتصدر الكتيب قوله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن، أياً ما تدعو فله الأسماء الحسنى} من هذا يظهر أن الكتاب يناقش اسم الله تعالى أو ما نعرفه بلفظ الجلالة: الله.

الكتاب يناقش الأسماء التي أطلقتها الأمم والشعوب على "الله"، فيناقش مفهوم قبيلة الزولو الإفريقية عن "الله" ومفهوم أهل الشرق وأهل الغرب والمفهوم اللاتيني ثم الله في التوراة والإنجيل، وفي قراءة الكتاب فائدة جليلة، إذ يثبت لك الداعية الكبير أن هذا اللفظ "الله" ورد في لغات عدة بلفظه وجرسه، ولكن الزمن وتصرف الإنسان انحرف به عن أصله، ويورد لذلك أمثلة من لغات شتى. هذه بعض الأفكار التي يناقشها هذا الداعية القدير في كتبه، وهذه الكتب نموذج لكتب أخرى له جديرة بالقراءة.