أحمد سمير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشهيد أحمد سمير .. شاعر دار السلام

حوار: يارا نجاتي

الشهيد أحمد سمير

الشهيد أحمد سمير
  • تربَّى على الحرية واعتُقل وهو طفل بتهمة توزيع منشورات
  • لم أرفض ذهاب أحمد للتحرير لأنه كان يتمنَّى هذا اليوم
  • قبل أن يخرج سلَّم عليَّ وقال لأخته: "ماتعيطيش لو مت"
  • عندما ذهبت للتحرير شاهدت أحمد في وجوه كلِّ الشباب
  • تلقيت التهاني من أصدقائه ونساء الميدان قالوا لي "يا بختك"

أحمد سمير السيد، أحد شهداء ثورة 25 يناير 2011م، وهو من مواليد مدينة المحلة، لكنه انتقل مع أسرته إلى القاهرة بعد ولادته؛ نظرًا لعمل والده أستاذًا بجامعة الأزهر، ثم ما لبث أن تُوفي والده ولم يتجاوز ست سنوات من عمره، فصار هو رجل المنزل والأخ الأكبر لمحمد.

تخرَّج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، إلا أن ميوله دفعته إلى الحصول على عددٍ من الدراسات الأخرى، وعمل بعدها مشرفًا على مواقع المشاريع المختلفة بإحدى شركات الإسمنت.

غرفة أحمد الخاصة التي زارها إخوان أون لاين تعبِّر عن شخصيته؛ حيث يوجد بها مكتبة كبيرة مليئة بمختلف ألوان الكتب، والكمبيوتر الخاص به، وبجانبه أجندة الشعر التي يدِّون فيها منذ صغره كلَّ ما يستلهمه من أبيات وقصائد الشعر المختلفة، وعلى الحائط تجد صورةً تتحدث عن نفسها وعن واقع الشعوب العربية، يقف بها رجل يداه مقيدتان لكنه يرفع علامة النصر، وعلى الدولاب صورة أخرى لرجل يضرب حمارًا كُتِب عليها (مَن لا يَرحم لا يُرحم).

من قصائد الشعر التي قرأناها في أجندة الشعر الخاصة بأحمد، التي يصف فيها ما تعيشه مصر والبلاد العربية كلها من فساد وظلم واستبداد:

كيف تطلب الولاء؟.. مبارك أفقدنا الكبرياء.. فأنعم علينا بشربة ماء.. لأبحث عن سبب الولاء.. لا تتخذ شخصًا من الشرفاء.. من قادة وطني.. رهن الغلاء..
نيلكم وبترولكم.. وأرضكم غنيمة.. إني أرى مأساتكم أليمة.. أفغانكم سقيمة.. وقدسكم كليمة.. ومصركم مجينة.. وعراقكم أسير.. لعلج حقير.. وعرب نيام (قد اتقنوا الشخير)

أحمد تقول عنه والدته في حديثها لـإخوان أون لاين: "لم ينشغل يومًا بنفسه، ولم تأخذ نفسه مساحةَ كبيرةً من تفكيره، وكان دائمًا يحمل همَّ الأمة، ويحب الخير للجميع".


موهبته الشعرية

وتستطرد والدته في وصفها لأحمد قائلة: "مهما تكلَّمت عن أحمد لن أوفيه حقَّه وقلبه الرقيق الكبير، مشغول دائمًا بقضايا الفساد والمشاكل التي يعاني منها المجتمع، ولا يفكر في حياته الشخصية، يحبُّ الخير للجميع، وهو من النوع الكتوم الهادئ لا يتكلم إلا نادرًا، اكتسب هذه الصفة من والده، كان لا يحب أن يشغلني بالهموم والمشاكل، حتى في أصعب الأوقات التي مرَّ بها، أغلب الأوقات يُغلق على نفسه حجرته، وعندما خطب ابنة خاله تركها بعد فترة لكي لا يظلمها بانتظاره طويلاً لحين يتيسر له متطلبات الزواج.

وعن حياة أحمد تقول والدته: "دماغه كبيرة"، كان محبًّا للقراءة دائمًا، وفي كلِّ المجالات، وخاصة قراءة الكتب التاريخية، لدينا مكتبتان كبيرتان لوالده قرأهما بالكامل وهو صغير، ولم يكن يضيع وقته أبدًا، ففي الفترة الماضية التي جلس فيها بالبيت بدون عمل كان يستغلها دائمًا في القراءة، مع ميله الشديد لمتابعة الأحداث السياسية، سواء الداخلية والخارجية.

وتضيف أم أحمد: بعد استشهاده فوجئت بموهبته الشعرية، عندما عثرت على (أجندة كبيرة) على مكتبه مليئة بالأشعار، تنصب بالكامل على حال الوطن العربي ومصر، من الفساد والطغيان والقهر الذي يعيشه الشعب، ويوجه فيها عددًا من النصائح للشباب المصري ليتخلص من غفلته، وصفحات أخرى كثيرة تبعث الأمل في النصر والقضاء على الظلم، وأغلب أشعاره مسجلة بصوته ومرفوعة على الإنترنت، وكان يسجل كلَّ خواطره في أجندة خاصة بذلك، وعندما قرأتها أراح صدري لأنني فهمت فيما كان يفكر؟ وكيف وصل لذلك؟


قصة استشهاده

وتروي قصة استشهاده يوم جمعة الغضب 28 يناير وتقول: على غير عادته نام أحمد ليلة جمعة الغضب ولم يُغلق باب غرفته، وأوصاني يإيقاظه مبكرًا قبل موعد صلاة الجمعة، فدخلت عليه في العاشرة صباحًا لكنه لم يستيقظ بسهولة، ومررت عليه عدة مرات حتى استيقظ الساعة الحادية عشرة، وجهَّز نفسه ثم ذهب لأداء صلاة الجمعة، وعاد بعدها إلى المنزل قليلاً، وتناول آخر وجبة غداء من يدي.

وتستطرد: لم أخرج في هذا اليوم كما كانت عادتي أن أفعل كلَّ يوم جمعة دون سبب محدد، وعندما عاد من الصلاة، نظر إلي نظرة غريبة طوال الوقت، لم أعهدها منه من قبل، وكأنه يراني لأول مرة، فأحمد كانت نظراته دومًا تعبِّر عما يجول في خاطره، وأفهمه من عينيه بدون أن يتكلم، وقبل خروجه أجرى من المنزل اتصالاً بشركة الموبايل؛ بسبب غضبه من قطع شبكات المحمول، وقال للشركة: "أنا وغيري من المصريين اللي بنشغل الشركة مش الحكومة، أنتم لازم تكونوا معانا مش ضدنا"، ثم طلب مني عشرة جنيهات؛ لأنه كان قد ترك عمله منذ فترة، لكي يتمكن من الوصول إلى التحرير بعد إيقاف المترو عن العمل.

وعندما سألنا والدته، هل فكرتي في منعه من الوصول للتحرير خوفًا عليه؟، قالت: لم اطلب منه ذلك؛ لأنه تربَّى على المواجهة والمطالبة بالحرية، وقلت في نفسي إن هذا هو اليوم الذي سيتمكن فيه أحمد من التعبير عما بداخله، فكيف أمنعه أو أطلب منه عدم الذهاب لميدان التحرير، وأحرمه من اللحظة التي كان يتمناها طويلا؟!، خاصة أنني تذكرت حال أحمد يوم الثلاثاء 25 يناير، والفرحة تملأ عينيه التي ارتسمت على وجهه طوال اليوم، أثناء متابعته لأحداث الثورة استشعارًا منه باقتراب النصر والحرية.


لحظة الوداع

الشهيد أحمد سمير

وتكمل أم أحمد وعينها تلمع بالدمع: "لم يسلم عليَّ سلامًا حارًّا حتى لا يشعرني بالقلق، وألقى نظرة أخيرة عليَّ، وعندما تعجبت من تلك النظرات، ابتسم ومضى في طريقه، بعد صلاة العصر مباشرة، ولكن عندما سلَّم على سلمى أخته الصغيرة "غير الشقيقة" قبل الخروج، همس في أذنها: "لو مت يا سملى ما تزعليش"، بصوت منخفض لم أسمعه يومها، لكنها أخبرتني بذلك بعد استشهاده، وجاء آخر اتصال منه بالمنزل قرابة العشاء، أكد عليَّ من خلاله أن أُقنع أخاه محمد بالبقاء في المنزل، وألا يخرج إلى الشارع.

وتحكي لحظات القلق والانتظار التي عاشتها لأكثر من يومين حتى عرفت باستشهاده: "انتظرته طويلاً يوم الجمعة، لكنه لم يأتِ إلى المنزل أو يتصل على الرغم من أنه لا يتأخر في أي مكان دون إخباري، فعشنا ليلةً من القلق لم تغمض عيوننا يومها، واضطررت للانتظار حتى عادت الاتصالات في الصباح، فاتصلت به فورًا مرارًا وتكرارًا لكنه لم يرد، وعندها حدثت نفسي قائلة: "ربما في التحرير ولا يسمع الهاتف"، ورغم الكثير من المؤشرات التي كانت تؤكد استشهاده إلا أنني لم أكن أصدقها، وعندما تلقى محمد اتصالاً من أحد أقاربنا في المحلة فجر يوم الأحد، انهار خلاله في البكاء، وسقط على الأرض مباشرة أثناء الاتصال، وقتها عرفت أن أحمد نال الشهادة.

وتقول: "بعد بحث طويل من قِِبَل الأهالي والأصدقاء على أحمد وجدناه في مستشفى القوات المسلحة، ومنعوني في البداية من رؤيته، ودخل محمد لرؤيته فصرخ "اغتالوك يا حبيبي".

وتكمل وهي تبكي: "رصاصة قاتلة اخترقت القلب وخرجت من الظهر، ملأت ملابسه كلها بالدم، وطلبت الحصول على هدومه فوجدتها تغيَّر لونها وصبغت بالأحمر، وبدون رحمة قتلته أيادي الشرطة، بالتعاون مع البلطجية الذين قاموا بتسريحهم خارج السجون وإعطائهم أسلحة لقتل المتظاهرين".


رحلته إلى غزة

وتضيف: "تربَّى ابني على الحرية منذ سنٍّ صغيرة، فبعد وفاة والده بفترة صغيرة، كنَّا في المسجد القريب من المنزل، وعندما ساعدنا بعض الموجودين في توزيع الأوراق للدعاء لمسلمي (البوسنة والهرسك)، أخذتنا مباحث أمن الدولة ونحن أطفال إلى القسم بتهمة توزيع منشورات، وعدت إلى منزلي ولم أتركه بسبب الخوف يومًا.

وتوضح أن أحمد تمكن مع عددٍ من زملائه من الدخول إلى قطاع غزة أثناء أحداث فتح معبر رفح، أصيب خلالها بضربة في رأسه أصابته بقطع طوله "10 غرز"، وعندما عاد من غزة ظلَّ يحكي لنا طويلاً عن المعيشة السيئة هناك، وحسرته على أهالي قطاع غزة، ليس لقلة مأكل أو مشرب أو سكن، إنما لأنهم داخل سجن كبير يعيشون في قهر؛ بسبب تهاون وتواطؤ الحكام العرب.

سألنا والدة أحمد، هل يأتي عليها لحظة تندم فيها على خروج أحمد لميدان التحرير؟، فقالت: "أنا واثقة أن أكبر أحلامه كان يتمثل في التغيير والحرية، وأنا على يقين أنه إذا لم يستشهد كان سيبقى في التحرير حتى آخر يوم".

وتضيف: لم أندم يومًا على ذهابه لميدان التحرير، وإذا عاد بي الزمن إلى الوراء لتركته يذهب مرة أخرى"، مطالبة بمحاكمة حبيب العادلي وزير الداخلية السابق، ومحاسبته على دم الشباب مباشرةً بدون أي تحقيق، باعتباره المسئول الأول عن قتل شباب الثورة.

وعن شعورها لحظة سماعها بتنحي مبارك، تقول: "خبر التنحي جعلني أشعر بفرحة مع كلِّ المصريين الذين خرجوا للاحتفال بهذه الليلة، لكنني كنت أتمنَّي أن يكون أحمد موجودًا وأشاركه فرحته بالتغيير التي كان يتمناها طوال حياته، كما كنت أتمنى أن يكون وسط الشباب ويحتفل معهم بالنصر.


التحرير بعد الشهادة

وعلى الرغم من استشهاد ابنها الأكبر أحمد، أصرَّت والدته على الذهاب إلى ميدان التحرير؛ للمشاركة في الثورة، واستكمال ما كان يصبوا إليه أحمد ويتمنَّاه، وعن أول لحظات وطأت فيها قدمها أرض ميدان التحرير، تقول أم أحمد: شاهدت ابني أحمد في وجوه كلِّ الشباب بالميدان، وشعرت بأرواح الشهداء ترفرف فوق سماء الميدان، وأيقنت أن الثورة التي بدأها الشباب بدمائهم لا يمكن محوها أو طمسها، وستظل تاريخًا راسخًا في الأذهان، وسيندم كلُّ مَن وصفهم (بالعيال) وسيفهم عندما يحصل على حريته أنه كان مخطئا في ذلك، "واللي مكنش بيفتح بُقه سوى عند طبيب الأسنان سيتكلم ويعبّر عن نفسه باستمرار".

وتستطرد أم أحمد: "التف الناس من حولي ليهنئوني بشهادة أحمد، وكان المشاركون في الثورة ينظرون إليَّ نظرة سعادة وفخر بالشهيد، وكانت الكلمة التي تتكرر على سمعي باستمرار "يا بختك" يا أم الشهيد، والكثير منهم حصلوا على رقم تليفون المنزل، واتصلوا بنا للعزاء والتهنئة، من كلِّ دول العالم، ومن أصدقاء أحمد من غزة، ومن الجزائر، ومن الإمارات.

ولم أكن أتخيل الأعداد الكبيرة التي اتصلت بي من داخل مصر وخارجها من أصدقائه، مؤكدين أن الشهادة كانت أمنية أحمد دائمًا، وكذلك زملاء العمل الذين حكوا كم كان يقف بجوارهم ويساعدهم؟، حتى إن أحدهم أعاد لها مبلغًا من المال كان قد أخذه من أحمد قبل وفاته بمدة طويلة، لم تعلم عنه شيئًا.

أما شقيقته الصغرى سلمى كانت ترتدي اللون الأسود كأمها تمامًا وهي ترسم على شفتيها ابتسامة خجولة، تقول: "بحبه أوي؛ لأنه كان طيب أوي أوي ومكنش بيزعلني، ولم يرفع صوته علي يومًا أمام الناس حتى لو غلطت، بل يأخذني على جنب ويفهمني الغلط لكي لا أكرره مرة أخرى، وكان بيفرح ويشجعني لما أعمل حاجة صح، هو وحشني قوي، وجالي في الحلم وقال لي متعيطيش ومتخليش ماما تعيط".