أخطاء وانسحابات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أخطاء وانسحابات

من كتاب الإخوان المسلمين فى حرب فلسطين ل (كامل الشريف)

((إن كل قائد عام يعهد إليه بتنفيذ خطة يراها غير صالحة يعد مجرما إن واجبه يقتضيه الإدلاء ببواعثه والمطالبة بتغيير الخطة وأخيرا يقدم استقالته حتى لا يكون آداة للقضاء علي جنوده)) نابليون

أود قبل أن أستطرد في بيان ما خفي من نشاط الإخوان المسلمين وأثرهم في الميدان أن أشير إلى بعض التغيرات الجوهرية التي طرأت علي جبهات القتال بعد فرض الهدنة الأولي ليكون القارئ علي بينة من حقيقة الموقف .

لزم الجيش المصري مواقعه التي احتلها وأخذت وحداته تنظم وسائل الدفاع عن نفسها وتستعد لاستئناف القتال وعند نهاية الهدنة أخذ الجيش يهاجم مراكز اليهود بعنف وشدة ويضيق الخناق علي المستعمرات الجنوبية حتى كادت تموت جوعا وعطشا وأدركت القيادة الصهيونية حقيقة الخطر الذي يحيط بهذه المستعمرات فحاولت تمويتها بالطائرات ولم تنجح في هذه الخطة أيضا إذ كان السلاح الجوى المصري في تلك الحين لا يزال يسيطر علي الجو .

وأذكر أنهم قاموا بمثل هذه المحاولات في المستعمرات التي يتولى جنود (الإخوان)) حصارها غير أن الإخوان أرغموها أكثر من مرة علي إلقاء حمولتها بعيدا عن المستعمرات تحت تأثير نيران المدفعية الرشاشة التي كانت تسلط عليها من أبعاد قريبة وعلي الفرار راجعة إلى قواعدها وكانت هذه الحركة مصدر غنائم جديدة للإخوان ومصدر مضايقات مثيرة ل الصهاينة .

وفرضت الهدنة الثانية واستطاع الصهاينة خلالها أن يجلبوا أنواعا جديدة من الأسلحة الثقيلة والطائرات الضخمة وحين آنسوا في أنفسهم شيئا من القوة والإعداد ضربوا بالهدنة عرض الحائط وبدءوا عمليات حربية واسعة النطاق فهاجموا ((تقاطع الطرق)) في (14) أكتوبر واحتلوها وبذلك تحطم الحاجز الذي يفصل الشمال عن الجنوب وانطلقت القوات اليهودية المدرعة تحمل الأسلحة والجنود وانتفضت المستعمرات الهادئة الوادعة ودبت معالم الحياة والنشاط في أوصالها وقامت لتؤدى دورها المرسوم فقطعت طرق المواصلات حين كان الضغط يشتد علي خطوط الجيش الأمامية مما اضطر قيادة الجيش إلى تقصير خطوطه والتخلي عن مناطق ((المجدل)) و((أسدود)) والعودة إلى النظرية القديمة والتجمع في منطقة ((رفح -غزة)) تاركة خلفها قوة قوامها خمسة آلاف جندي في منطقة ((الفالوجا)) لم تستطيع الإفلات واللحاق بالجيش المنسحب إلى غزة

ولقد اعتبر إجلاء هذه المناطق فشلا ذريعا منيت به قيادة الجيش المصري ومما يزيد في ضخامة هذا الفشل أن يتم الانسحاب بسرعة وارتباك وقبل البت في مصير لواء ((الفالوجا)).

ولا أمر علي ذكر هذه الانسحابات دون أن أتعرض لحقيقة مؤلمة ذلك أن هذه المناطق لم تتعرض لهجوم ذي بال وكان من الميسور البقاء فيها والمحافظة عليها أو علي الأقل الانسحاب منها بنظام وهدوء حتى تعمل الترتيبات اللازمة لإنقاذ قوات ((الفالوجا)) إذ كان كل ما فعله اليهود أن أمروا قوة صغيرة من جنودهم لا تزيد علي (سرية)) فاحتلت قرية (بيت حانون)

في (16) أكتوبر وبذلك قطعوا طريق المواصلات الرئيسي الذي يربط (غزة ) ببقية المناطق وكان الوضع الطبيعي أن يبادر الجيش فيهاجم هذه القوة الصغيرة ويؤمن طريق مواصلاته وكان من السهولة عليه أن يفعل ذلك بل إن خطة وضعت فعلا لتطهيرها وكان كاتب هذه السطور أحد شهودها وكان مفروضا أن تقوم قوات لتطهير هذه المنطقة ولكن الأمر العجيب الذي لا أستطيع تعليله حتى هذه اللحظة أن تصدر الأوامر بالكف عن تنفيذ الخطة وتصدر الأوامر في الوقت نفسه لحاميات ((المجدل)) و(أسدود) لتنسحب إلى غزة عن طريق الساحل وبذلك تفقد السيطرة علي منطقة من أهم مناطق فلسطين دون سبب ظاهر بل أن نتعرض لهجوم جديد واحد .!

ولقد حدثني بعض ضباط المخابرات أن الصهاينة كانوا ينظرون إلى تحركات الجيش المصري بعين الريبة والحذر وكانوا يعتقدون أن قواته تتجمع لتضربهم الضربة القاتلة ولم يكن يدور في خاطرهم مطلقا أن هذه القوات تتحرك منسحبة للخلف دون سبب واضح ولو علموا أنه يتحرك منسحبا لهاجموا قواته المختلة وأحالوا انسحابه هزيمة منكرة ولكانت مهزلة يتندر بها الناس لأجيال طويلة ومأساة مروعة يتخذها التاريخ العسكري عنوانا للجهل وسوء التصرف

والعجيب أن قوات ((الفالوجا) ظلت في مواقعها لا تبدى حراكا حتى أحاط بها العدو من كل جانب ومن هنا تتعارض الأقوال في تعليل هذا الموقف فبينما يقول البعض: إن ((المواوى)) انسحب إلى غزة ولم يصدر تعليمات إلى لواء ((الفالوجا)) إلا متأخرا بعد أن أطبقت الحلقة ووقعت هذه القوات في (المصيدة) بينما يقول البعض هذا القول ويضع التبعة كلها علي (المواوى) يقول البعض الآخر: إن التعليمات قد صدرت فعلا لقائد (الفالوجا) (الأميرالاى السيد طه ) لينسحب بقواته لا إلى غزة ولكن إلى (بئر السبع) حيث يرابط ويحتل أجزاء من الطريق الذي يصلها (بغزة( بينما تكون القوات الرئيسية قد أتمت انسحابها إلى غزة وامتدت جنوبا تلتقي بقواته وبذلك يفصل الشمال عن الجنوب مرة أخرى ويكون الانسحاب انسحابا منظما (لخطة موضوعة) كما قيل يومئذ لا هروب علي غير خطة إلا حب السلامة والإبقاء علي الحياة

يقول البعض هذا ويقولون : إن المهلة كانت كافية أمام (السيد طه) لينفذ هذه التعليمات ويؤولون عدم تنفيذها بأسباب كثيرة لا تشرف أحد الرجلين .

ولست أجد وسيلة تضع حدا لهده الاتهامات وتقضى علي هذه البلبلة الفكرية إلا أن يتكلم أحدهما ويحدد التهمة أو أن تفتح وزارة الحربية فمها وترسل شعاعا ضئيلا علي هذه الظلمات.. أم تراها لا تزيد الكلام ليظل الشعب جاهلا بحقائق الأمور وحتى لا يتعرض (الرد الفعل) السيئ بعد شعوره بالهزيمة المتكررة التي منى بها في حرب فلسطين؟

وليست التهمة مقصورة علي بقاء قوة معطلة في قرية (الفالوجا) وقت أن كان الجيش في حاجة إلى جندي واحد ولا لتعريض قرابة خمسة آلاف للإفناء والأسر.

لكن التهمة أكبر من ذلك بكثير لأن بقاء هذه القوات الكبيرة في الفالوجا ترتب عليه ضياع مدينة (بئر السبع) وإعطاء اليهود فرصة التجمع في مستعمرات النقب وما أعقب ذلك من انهيار القطاع الجنوبي (عسلوج) (العوجا) ثم اقتحام اليهود لحدود مصر الشرقية والزحف حتى مشارف مدينة (العريش).

والتهمة كما ترى جدا لو وقعت في أي جيش من جيوش الأرض لشكلت لها المحاكمات العسكرية ولصدرت قيها العقوبات القاسية أو علي الأقل لتحددت المسئوليات والتبعات حتى يمكن استخلاص العبر والعظات هذا في أي جيش أما في جيشنا فإن هذه الأمور تعتبر تافهة صغيرة لا تستحق التفكير فيها فضلا عن تشكيل المحاكمات من أجلها!

أما قوة (الفالوجا) فقد أحكم اليهود حولها الحصار وأخذوا يوجهون لها الضربات القاسية من الجو والأرض وظنوا أن الصيد الدسم قد وقع في أيديهم وأن هذه القوات لا تلبث أن تستسلم غير أن القوات الباسلة خيبت ظنهم ومضت تدافع عن مراكزها بعناد واستبسال وإذا ذكرت هذه الفترة من الحرب فلا يسعني إلا أن أسجل فخرا للأميرالاى (السيد طه ) قائد هذه القوة إذ كان لروحة العالية وإيمانه القوى أبعد الأثر في ثبات جنوده ووقوفهم هذا الموقف الرائع ومما يذكر أيضا أن فرصا كثيرة تهيأت له للإفلات والنجاة ولكنه كان يركلها بقدمه لشعوره أن في قبولها مساسا بكرامة الجيش والأمة ويظل يكافح بجنوده كفاح الأبطال حتى من الله عليهم بالنجاة الكريمة بعد انتهاء الحرب وإعلان الهدنة وغادروا أرض (الفالوجا) بأسلحتهم ومعداتهم في (11 مارس سنة 1949).

وهكذا أخليت أهم المناطق وحوصرت (الفالوجا) وعزلت قوات المتطوعين المصريين والإخوان المسلمين في (جبال الخليل) ووقعت القيادة المصرية في مأزق حرج لم تستطع معه السيطرة علي الموقف ومواجهته بما يحتاج إليه من حكمة وحزم ولم يضيع اليهود الفرص فشددوا النكير علي حامية مدينة (بئر السبع) مفتاح فلسطين الشرقي وحاضرة النقب وقذفوها بمئات الأطنان من القنابل من الجو دون أن تملك أي وسيلة لمقاومة هذه الغارات الوحشية ثم هاجموها بشدة مما اضطرها للتسليم في (27) أكتوبر سنة 1948) .

ولقد استنجدت هذه الحامية بقيادتها العامة وتوسلت إليها أن ترسل إليها بعض الجنود والسلاح حتى يمكنها الثبات أمام هذه الهجمات المنكرة ولكن القيادة العامة كانت في شغل شاغل في ذلك الحين فهي تحاول تثبيت أقدامها في منطقة غزة وجمع قواتها المبعثرة بعد الانسحاب والعدو الماكر يأبى إعطاءها فرصة للتفكير في أمرها بما يقوم به من هجمات (وهمية) علي غزة ومن غارات جبارة علي مراكز الجيش بها ويزيد في إشغالها بالمناورات البحرية التي تقوم بها قطع أسطوله وتحاول قطع الطريق الساحلي الذي تسلكه القوات في انسحابها من (المجدل) وهكذا تركت (بئر السبع) لتواجه مصيرها المحزن في أيدي حامية صغيرة من الجيش ومجموعات مفككة من المتطوعين الليبيين والمناضلين العرب وبسقوط (بئر السبع) أصبح ل الصهاينة السيطرة الفعلية على أجزاء النقب الشمالية وأصبح في مقدورهم التنقل بحرية بين أرجائها المختلفة في تلك اللحظات الحرجة كانت الفرصة سانحة أمام اليهود للهجوم علي المناطق الجنوبية وإعادة مأساة الفالوجا في غزة ولم تكن هناك خطة منظمة للدفاع عن هذه المنطقة إذ كان الجيش كما ذكرت مشغولا في عمليات الانسحاب ولم يكن في هذه المنطقة كلها حتى ذلك الحين غير عدة (سرايا) من الإخوان المسلمين ووجد هؤلاء الإخوان أنفسهم أمام حقيقة واقعة هي عبء المحافظة علي جيش مصر وحمايته من أي عدوان يحركه الصهاينة من هذه المنطقة ولا يستطيع أحد أن يتكهن بفداحة الكارثة التي كانت وشيكة الوقوع لولا وجود هذه الفئة المؤمنة المجاهدة في ذلك الحين .

شعرنا بخطورة الموقف فقدمت مشروعا إلى القيادة العامة بينت فيه الأخطار الكبيرة التي يمكن أن تقع لو فكر اليهود في مهاجمة هذه المناطق وقطع خط الرجعة علي الجيش وطالبت في ختام التقرير بإطلاق يد الإخوان وإعطائهم العتاد اللازم والترخيص لهم بإحضار قوات أخرى من مصر حتى يمكنهم تنفيذ ذلك المشروع.

وكان المشروع الجديد يقضى باحتلال مواقع (حاكمة) حول كل مستعمرة من المستعمرات الكبيرة ومحاصرتها وعدم إعطائها أية فرصة للتكتل حتى يفرغ الجيش من تنظيم خطوطه الدفاعية .

ولقد استدعتني القيادة العامة في غزة وناقشتني في تفاصيل الخطة ثم أبدت موافقتها المطلقة علي تنفيذها وأذكر أن اللواء (المواوى) قد وعدني بكتابة خطاب إلى الأمانة العامة للجامعة العربية وإلى رئاسة أركان الحرب يطلب فيه تجنيد كتيبة من الإخوان عن طريق المركز العام والشعب وإرسالهم فورا إلى الميدان ليتمكن من السيطرة علي الموقف .

المجاهد الشهيد محمد فرغلي

ولقد ذهبت من فوري إلى فضيلة (الأستاذمحمد فرغلي) رئيس الإخوان في فلسطين وعضومكتب الإرشاد العام وأطلعته علي تفاصيل الخطة فسافر من فوره إلى مصر ليعمل علي تجهيز هذا العدد الكبير وعمل الترتيبات اللازمة نحو ترحليهم إلى الميدان .

وأذكر أن اللواء (موسى لطفي) وكان يشرف علي إدارة العمليات الحربية في الميدان قابلني بعد ذلك وأبدى إعجابه الشديد بالمشروع وأفهمني أن هذه الخطة لو نفذت بدقة وإحكام فسوف يكون لها الفضل الأول في حماية الجيش في هذه المرحلة الخطيرة والاحتفاظ بهذه المنطقة الباقية من فلسطين فوعدته خيرا ومضيت إلى المعسكرات لأعد العدة وأبدأ العمل .

جمعت الإخوان في ساحة التدريب بالمعسكر وقلت لهم : إن الله قد فتح لهم بابا جديدا للجهاد وإن الظروف قد ألقت علي كواهلهم عبء المحافظة علي الجيش وكرامته وإنه لولا ثقتي في قوة إيمانهم ورغبتهم في الكفاح ما قبلت أداء هذه المهمة الشاقة التي أعلم فداحتها وخطرها .

ولن أستطيع أن أصور شعور الإخوان وهم يستمعون لهذه الأنباء كانوا يقبلون في ابتهاج واضح وكأنهم يدعون لحفلة عرس أو نزهة خلوية لا إلى ميدان قتال فيه من المشقة والخطر ما فيه. !!!

ولقد خرج الإخوان المسئولون في استكشاف حول المستعمرات وعاينوا المواقع التي رأوا احتلالها ثم عاد كل واحد منهم يعد (فصيلته) ليحتل بها مواقعه وكانت مشكلة المشاكل إقناع أفراد من الإخوان بالتخلف عن فصائلهم والبقاء في المعسكر ولست ما كان من أمر المجاهد الشاب (عبد الحميد بسيونى خطاب) نجل العالم الجليل الشيخ( بسيونى خطاب) لقد كان هذا الشاب يبكى بكاء مرا حين أمره قائد فصيلته بالبقاء في المعسكر ومازال يبكى ويبعث بالوساطات حتى أشفقت عليه فسمحت له بالخروج وخرج من المعسكر وهو أشد ما يكون فرحا وابتهاجا ولقد أخلص النية للجهاد فاجتباه ربه وأكرمه واتخذه شهيدا في إحدى المعارك المشهورة التي جاءت بعد ذلك .

وأقيمت المواقع الجديدة حول المستعمرات ولم تكن سيارة يهودية تجرؤ علي التنقل بين مستعمرة وأخرى إذ أقام الإخوان (الكمائن) علي الطريق وملئوا الأرض بالألغام وأخذت دورياتهم المصفحة تجوب الصحراء الواسعة وتصل في طوافها حتى مدينة (بئر السبع) نفسها.

ولكي أصور أهمية هذه الحركة وأثرها يمكن أن أقول " إن خمس عشرة سيارة مصفحة ودبابة قد دمرت خلال أسبوع واحد من بدء العمل عدا أنابيب المياه التي كانت تدمر كل يوم مما اضطر الصهاينة إلى ملاقاة الإخوان وجها لوجه فنشبت معارك رهيبة سقط فيها بعض الإخوان ولكنها جاءت بأحسن النتائج وأبرك الثمرات .

ولقد ضج اليهود بالشكوى وأبلغوا مراقبي الهدنة احتجاجهم أكثر من مرة وعلقت (محطة الصهاينة) علي هذه الحركات وهددت باستئناف القتال ضد الجيش إن لم تكف عصابات الإخوان عن نشاطها في هذه المنطقة.

ولقد فكر بعض كبار الضباط في زيارة تلك المواقع البعيدة حول (وادي الشلالة) و(تل جمعة) و(الرابية) و(الشعوث) وكان يرافقهم أحد الإخوان يدلهم علي الطريق فلما رأوا أنفسهم يتوغلون في الصحراء مبتعدين عن خطوط الجيش لأكثر من خمسة عشر كيلو مترا إلى الشرق وهالهم أن رأوا المستعمرات اليهودية خلفهم داخلهم شئ من الشك والريبة ومال أحدهم علي الجندي المرافق لهم يسأله (أتراك ضللت الطريق؟ )) فلما أخبره أنهم يسيرون في الطريق الصحيح قال لهم : ((إني أعتقد أنكم متفقون مع الصهاينة وإلا لما جرؤتم علي التوغل في مناطقهم بهذه الصورة الجنونية !) وضحك الأخ المرافق وضحك الضباط جميعا وحين رجعوا إلى معسكراتهم أخذوا يشيدون بما رأوا من بسالة الصهاينة وشدة بأسهم .

ويجدر بي قبل أن أنتهي من الكلام عن هذه العمليات الناجحة التي قام بها الإخوان والتي أفادت إفادة كبرى في سير الأمور -أن أذكر المعونة القيمة التي قدمتها لنا القبائل العربية من البدو وبخاصة عشائر (الترابين) و(الحناجرة) و(النصيرات) و(التياها) و(المعالقة) الذين وضعوا كل شبابهم تحت تصرف الإخوان وكل ما لديهم من سلاح وذخيرة وسيارات.

ولقد تمت عمليات الانسحاب وبدأ الجيش يستقر في المواقع الجديدة التي اختارها وبضياع المناطق الجديدة السالفة الذكر وضحت نهاية الحرب وأصبح من اليسير التنبؤ بنتيجتها ويمكن تلخيص ما أسلفناه في الأبواب الماضية فيما يلي:

أولا:

توغل الجيش المصري في فلسطين دون أن يضع خطة عملية لفض ((الجيوب )) الصهاينة الخطرة التي توزعت في الصحراء ((النقب )) كان أساسا لكل ما حدث بعد ذلك من أخطاء .

ثانياً :

قبول الهدنة الأولي والثانية أعطى ل الصهاينة فرصة نادرة لاستجلاب أحدث أنواع الطائرات والدبابات وغيرها فوق أنه اثر تأثيراً عكسيا في روح جنودنا المعنوية .


ثالثا ً:

كان ((الغرض)) الأصلي كما أسلفنا هو احتلال (( تل أبيب )) ولقد رأينا كيف فشل الجيش في المحافظة علي هذا الغرض ثم تعددت أغراضه وأهدافه بعد ذلك حتى لم يعد له غرض معين يسعى له ويعمل علي تحقيقه .

رابعاً :

كان واضحا ما عليه جندنا من قصور وعجز في التدريب وبخاصة ما يتعلق بالأعمال الليلية ولو كانوا يحسنون هذا النوع من العمليات لهاجموا المستعمرات ليلا واستفادوا من ميزة ((المفاجأة ))ولما تعرضوا للخسائر الكثيرة من جراء الهجمات النهارية .

خامساً :

لم يكن الجيش يملك دبابات ثقيلة تسهل له مهاجمة المستعمرات الحصينة مما اضطره إلى العمل بالنظريات القديمة فيحاول دك التحصينات بمدفعية قبل الهجوم غير أن قوة تحصينات اليهود وبراعتهم في طرق الإخفاء والتستر في باطن الأرض كانت تجعل هذه الطريقة مضيعة للجهد ومضيعة للذخيرة علي قلتها .

سادسا :

لم يكن لدى جنودنا ما يمكن تسميته برغبة ((الاستكشاف )) أو معرفة الأرض واستخدامها حين كان ذلك واضحا كل الوضوح عند جنود الخصم ويكفي أن نقول :إنه كان يسلك طرقا يصعب علي أهل البلاد أنفسهم معرفتها !

سابعاً:

التزام الجيش لخطة الدفاع بعد الهدنة الأولي حطم روح جنودنا المعنوية وأعطى الصهاينة سيطرة تامة علي الموقف الحربي والاشتغال بعد ذلك بالعمال الهجومية وبخاصة إذا علمنا أن قوات العدو الرئيسية ((البالماخ )) لم تكن تشغل نفسها إطلاقا بالدفاع .

ثامناً :

لم تكن الجيوش العربية تتصرف بموجب خطة مرسومة وقيادة موحدة مما جعل الصهاينة يركزون هجماتهم علي كل جيش علي حدة ولقد رأينا كيف ركزوا اهتمامهم علي الجيش المصري أقوى جيوش العرب وأفضلها نظاما وتسليحا دون أن يخف زملاؤه لنجدته في الجبهات الأخرى .

تاسعاً:

كان الواجب يقضى بالإفادة من القوى الشعبية الفلسطينية وتسخيرها للمجهود الحربي وكان يمكن أن تشكل قوات كبيرة من ((الحرس الوطني )) ورجال العصابات فتتولى الأولي الدفاع عن المدن والقرى وتتولى الثانية مهمة إنهاك العدو وتوزيع قواته بينما تظل قوات الجيش حرة غير مرتبطة بأوضاع الدفاعية إطلاقا .

عاشراً :

لم يكن هناك أي داع لبقاء ((القوة الخفيفة)) في جبال الخليل حيث إن تلك الجهات كانت تدخل ضمن المنطقة الأردنية مما سبب كثيرا من المشاكل السياسية بينما بين القوات الأردنية ولو بقيت هذه القوات في يد قيادة الجيش المصري لأمكن استغلالها كقوة ضاربة ((احتياطية)).


للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية