أنفلونزا الخنازير (مشكلة قومية وليست طائفية)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البلتاجي يكتب : أنفلونزا الخنازير (مشكلة قومية وليست طائفية)


انفلونزا-الخنازير1.png

أؤكد أولاً أن مناقشتي لخيارات "ذبح الخنازير أو إعدامها أو نقلها لأماكن معدة لذلك" هي مناقشة لخيارات مطروحة في إطار المصالح المرسلة للمجتمع، فهو ليس نقاشًا في المجال الديني ولا حوارًا إسلاميًّا- مسيحيًّا.

كذلك أؤكد أن الخنزير ليس حيوانًا مسيحيًّا؛ (فلم يثبت إنجيليًّا أنه بالحيوان المقدس ولا المتعبَّد بأكل لحمه، ولم يثبت إنجيليًّا أن السيد المسيح عليه السلام أكله أو دعا إلى أكله، وهو على أرجح تقدير من جملة المسكوت عنه في العهد الجديد، رغم أن شريعة العهد القديم حرّمت أكل لحمه, وقد استمعنا للبابا شنودة الثالث، وهو يؤكد أنه لم يتذوق لحم الخنزير في حياته، وأكد كذلك أنه لن يأكله).

وفي مقابل ذلك أقول إن قتل الخنزير وتعقبه وترصده ليس عبادة إسلامية، فلم يطلب منا الإسلام قتل الخنازير ولا مصادرتها ولا التضييق على أهلها.. نعم حرم الإسلام أكل لحم الخنزير ونفَّر منه وساواه بأكل لحم الميتة، وأكد نجاسته واعتبره رجسًا (قل لا أجد فى ما أوحي إلى محرماً على طاعم يطعمه إلاأن يكون ميتة أودماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به) ـ الأنعام 145ـ

وترتب على ذلك أنه لا يجوز للمسلم أكل لحم الخنزير ولا بيعه ولا شراؤه وكذا لا يجوز له امتهان مهنة تربية الخنازير لأجل ذبحها وأكلها.. لكن الإسلام اعتبره لغير المسلم مالاً متقومًا غير مهدر، مضمونًا لصاحبه "غير المسلم"، ومن ثم لا يجوز الاعتداء عليه، ويحق له- غير المسلم- التعويض عنه.

دفعني لهذا الاستطراد أني تابعت- باستغراب شديد- حملة إعلامية واسعة في الداخل والخارج تناولت الموضوع في إطار طائفي، معركة بين الإسلاميين والأقباط!!!، ودخل على الخط أقباط المهجر بحملة واسعة وبشخصيات معروفة بتعصبها الشديد ضد الإسلام أثاروا ضجةً واستنفروا المنظمات الدولية والحقوقية، مطالبين العالم بالتحرك لإنقاذ أقباط مصر من الاضطهاد الديني (الذي طال في زعمهم من 10- 20 مليون مصري قبطي يأكلون الخنازير!!! وأكثر من 2 مليون قبطي يعيشون على مزارع وصناعة لحم الخنازير!!، وكأن أقباط مصر جميعهم- أيًّا كان عددهم-لا يأكلون إلا لحم الخنزير وكأن ربع أقباط مصر على الأقل لا يمتهنون إلا تربية وصناعة وتجارة الخنازير)، فجعلوا الخنزير وكأنه حيوان مسيحي مقدس اعتُدي عليه من جانب المسلمين.

وكان استغرابي أشد لآخرين حتى من كتاب ومفكرين- نقدِّرهم- لكنهم انساقوا وراء هذه الموجة، فاعتبروا أن توصية مجلس الشعب المصري "بإعدام الخنازير وتعويض أهلها" كانت انحيازًا وخضوعًا لضغوط نواب الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، (وتناسوا عن عمدٍ أن الإخوان المسلمين في البرلمان ليسوا بالأغلبية، ولو كانت قرارات البرلمان تصدر بناءً على ضغوطاتهم لكنَّا قد حققنا الكثير والكثير من التشريعات التي تحقق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكنا قد أوقفنا الكثير والكثير من تشريعات الاحتكار والاستبداد والجور على حقوق كافة فئات المجتمع).

وللحقيقة فإن المجلس حين ناقش الموضوع (في أجواء التخويف والتفزيع الشديدين اللذين أثارتهما المنظمات الدولية "منظمة الصحة العالمية وغيرها" من خوف انتشار وباء إنفلونزا الخنازير، وتذكير العالم بالأنفلونزا الوبائية عام 1918م، التي قتلت أربعين مليونًا من البشر ورفعت منظمة الصحة العالمية درجة الاستعداد في التعامل مع المرض للدرجة الخامسة من سلم 6 درجات، وطالبت الدول بأخذ كافة الاستعدادات لمواجهة المرض ومحاصرته) فجاء قرار المجلس- بما يشبه الإجماع، وعلى رأس ذلك النواب الأقباط- توصيةً بـ"إعدام الخنازير وتعويض أهلها"، وهنا أؤكد:

1- أن النموذج المصري في تربية الخنازير غير مسبوق، ولا مثيل له في العالم، وكان محل انتقاد شديد منذ بدء انتشار إنفلونزا الطيور؛ باعتباره يمثل أنسب الظروف البيئية والبيولوجية لتحور الفيروس وانتقاله وانتشاره؛ (حيث تعيش الخنازير والطيور والبشر والقمامة معًا في مزيج داخل مكان واحد، دون أية رقابة بيطرية، ودون أية التزامات بمعايير الوقاية واشتراطات الصحة العامة، وتلك القنبلة الوبائية موجودة في قلب التجمعات السكنية)، ومن ثم فالتوصيات التي تناسب دولاً أخرى بشأن التعامل مع الأزمة بالضرورة لا تناسبنا.

2- أننا طالبنا منذ بدء أزمة أنفلونزا الطيور عام 2006م بضرورة نقل مزارع الخنازير إلى خارج الكتل والتجمعات السكنية، كما قدمنا مشروع قانون يضمن وينظم الإشراف البيطري على كل التجمعات الحيوانية والداجنة وكذا كل المجازر وأسواق اللحوم، وقد كان هذا كفيلاً بأن تكون مصر كغيرها من الدول في معايير الصحة والوقاية؛ مما يجعلنا نتعامل مع مثل هذه الأزمات بالإجراءات الصحية العادية، ولكن الحكومة التي أنشأت لجنة وزارية لإدارة الأزمة لم تنفِّذ أيَّ شيء من هذا طوال السنوات الثلاثة الماضية، ومن ثم كان التخبط في معالجة الأزمة كالتخبط الذي لا يزال يحدث مع أنفلونزا الطيور.. أداء انفعالي عشوائي يدمر الثروة ويضير المزارعين ولا يحقق في الوقت ذاته ضمانات وقاية حقيقية للمجتمع من المرض.

3- أننا طالبنا (بإعدام الخنازير وتعويض المضارِّين)، وهذا كان يكفل التخلص السريع من مصدر كارثة متخوفة، وكان يترتب عليه بالضرورة تعويض أصحاب هذه المزارع والعاملين فيها والمتضررين من هذا الإجراء الوقائي، وفي هذا حفظٌ لحقوقهم من جانب وصيانةٌ لحق المجتمع من جانب آخر، ولكن الحكومة كالعادة لم تخضع لتوصية المجلس، والتفَّت حولها، ولجأت إلى قرار الذبح لتتهرب من دفع التعويضات، وتحمِّل أصحاب المزارع مسئولية ومهمة تصريف هذه اللحوم، (علمًا بأنه لا المجازر ولا ثلاجات حفظ اللحوم ولا مصانع لحوم الخنازير ولا فرص تسويق هذه اللحوم في مصر تتسع لهذه الأعداد الكبيرة من الخنازير المذبوحة، الأمر الذي لا بد أن يلجأ معه أصحابها إلى تهريب قطعان الخنازير إلى حيث يستطيعون، أو ذبحها خارج نطاق الإشراف البيطري الدقيق أو أخطر من هذا وذاك تسريب كميات كبيرة من هذه اللحوم بالغش والتدليس لسوق اللحوم؛ ليأكلها الناس مسلموهم وأقباطهم دون علم بحقيقتها.

هذا كله فضلاً عن أن الذبح سيحتاج لمدة زمنية طويلة؛ بسبب عدم توفر المجازر الكافية، ومن ثم فلن يأمن المجتمع الوباء في حالة وجود المرض.

هنا لست في حاجة للتأكيد أن الإعدام الذي قصدناه فقط يميزه عن الذبح أنه ليس تمهيدًا للبيع ولا الأكل، ولكنه في كل الأحوال القتل الرحيم، بل الذي يسوسه خلق الإحسان في التعامل ولو كان مع هذا الحيوان، وفي لحظة التخلص منه: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليُرِح ذبيحته".

4- حين ننظر إلى المأساة التي كشفتها الأزمة- وهذا هو الأهم في الموضوع- نجد أن شريحةً ليست بالقليلة من المصريين الفقراء بلغ بهم حدُّ الفقر أن يعيشوا وأولادهم يأكلون ويشربون وينامون وسط تلال القمامة والخنازير والطيور، وهذا الوضع البائس هو مصدر عيشهم، ثم يزداد البؤس بهم فيحال بينهم وبين هذا المصدر (المهين) لمعيشتهم دون تعويض ولا تأهيل لعمل آخر.

هذه هي القضية في بعدها الاقتصادي والاجتماعي، والتي لا تعرف طائفية، وإن كان يزيد من المأساة بل الجريمة التي أنزلتها الحكومة بالشعب المصري أن يكون وسط هؤلاء مسلمون هم بلا شك أشدُّ فقرًا؛ لأنهم اضطروا لشدة عوزهم ليس فقط للعمل في هذه المهنة المحرمة عليهم، بل واضطرارهم أيضًا كما رأينا وسمعنا لأكل هذه اللحوم، وهو أمر يستوي عند المسلمين بأكل الميتة (الحيوانات النافقة)، مع العلم أن وراء هؤلاء وأولئك أباطرة ومليارديرات يربحون الملايين، ويسعون لبقاء هذا الوضع البائس على ما هو عليه؛ لأنه يضمن لهم هذه الأرباح الهائلة دون أية كلفة أو التزامات.

5- في مقابلة هذه المأساة نرى أنه لا بد من قراءة مصرية جادة وأمينة للموضوع برمَّته، وليس مجرد الخضوع للمنظمات الدولية المتهمة بالتضخيم والتهويل تارةً وبالتقليل والتهوين تارةً أخرى (لأسباب غير معلومة!!)، فقد هيَّجت المنظمات الدولية العالم كله وأخضعته لاستحقاقات المرحلة الخامسة من التعامل مع الحالة الوبائية، وفرضت على الدول شراء عبوات التاميفلو الأمريكية الصنع بملايين الدولارات، وحركت آلة الإعلام العالمية كلها لمواجهة مرض (أصاب بالموت فقط خمسين شخصًا في العالم كله!!) في وقت تقتل فيه الأنفلونزا العادية والملاريا الملايين سنويًّا دون تحرك يُذكر، هذا فضلاً عن الملايين التي تموت جوعًا، والتي تموت حربًا، والتي تموت انتحارًا، والتي تموت غرقًا في القوارب والعبَّارات، ثم إذا بالمنظمات الدولية ذاتها تغيِّر اسم المرض من أنفلونزا الخنازير إلى أنفلونزا h1n1؛ إذ وجد الخنزير من يدافع عنه ويضغط من أجله على المنظمات الدولية، وتنتقد الإجراءات المصرية وتعتبرها غير مبررة!!.

أخيرًا.. أقول علينا مراجعة القرارات بالنظر إلى حالتنا المصرية وأبعادها، وعلينا الأخذ بحلول تنقل هذه الأوضاع المأساوية المريرة المهينة لهذه الشريحة من البشر إلى حياة أكرم (تخص غير المسلمين بالطبع)، وهذا يتحقق بالتعويض على إعدام الخنازير إن تقرر، ثم بالنقل لهذه المزارع خارج الكتل السكانية وبعيدًا عن القمامة، وإلى حيث يتوافر إشراف بيطري من جانب وضمانات لصحة العاملين عليها من جانب آخر، وبمنظومة كاملة لتدوير القمامة، التي فشلت الحكومة في حلها وبقيت بسبب فشلها تحت ضغط وابتزاز لوبي أباطرة الزبالة، وصار عجزنا عن حل المشكلة أمثولة وأضحوكة بين الأمم.

هذه رؤيتي لبعض جوانب المشكلة بعيدًا عن الطائفية المقيتة التي أطلت برأسها كثيرًا في هذه الأزمة، وسعت لتسويق الموضوع على أنه اضطهاد لأقباط مصر.

مرةً ثانيةً أؤكد أن الخنازير ليست حيواناتٍ مسيحيةَ الديانة، وأن مطاردتها ومعاقبة أهلها ليست شأنًا إسلاميًّا.


المصدر : نافذة مصر