أيها القضاة .. مصر تتطلع إليكم فلا تخذلوها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٠٤، ١٣ نوفمبر ٢٠١٠ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات) (حمى "أيها القضاة .. مصر تتطلع إليكم فلا تخذلوها" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أيها القضاة .. مصر تتطلع إليكم فلا تخذلوها


الكاتب:أ/علاء الأسواني

عزيزي القارئ ,, تخيل أنك قاض , وأن الحكومة قد عهدت إليك بالإشراف على انتخابات مجلس الشعب .. أنت تعلم – مثل المصريين جميعا – أن كل الانتخابات فى مصر تزورها الحكومة لصالح مرشحيها وأن الاستفتاءات التي يستند إليها رئيس الجمهورية ليبقى في السلطة , مزوره من أولها إلى آخرها .. لكنك كقاض , واجبك أن تتحقق من نزاهة الانتخابات .. وقبل الانتخابات بقليل جاء إليك مسئول رفيع لينصحك, بطريقة مهذبة وودية للغاية , بأن تركز اهتمامك على ما يحدث داخل اللجنة الانتخابية وليس ما يحدث خارجها

لم يطلب هذا المسئول منك – لا سمح الله – أن تشترك بنفسك في تزوير الانتخابات , كل ما هو مطلوب أن تتحقق من سلامة الإجراءات الانتخابية كما تشاء , ولكن داخل اللجنة وليس خارجها .. أنت بخبرتك كقاض , تعلم تماما ما سوف يحدث : سوف يقف رجال الأمن خارج اللجنة ليمنعوا الناخبين جميعا من الدخول ماعدا المؤيدين للحزب الحاكم

إنها إذن , مسرحية مشينة وأنت كقاض ستكون مشاركا فيها , سوف يتولى الأمن ضرب الناس واعتقالهم في الخارج بينما تجلس أنت في الداخل لتضفى بوجودك مظهرا شرعيا كاذبا على انتخابات تزور فيها إرادة الأمة .. في هذه الحالة , أيها القاضي , أنت أمام اختيارين : إما أن تشترك في الجريمة وتكون قد خنت الأمانة وخالفت ضميرك وحمّلت نفسك ذنبا عظيما أمام الله .. وإما أن تصر على متابعة الانتخابات داخل اللجنة وخارجها وأن تمنع التزوير أو تفضحه كما يقتضيك شرف القاضي

الاختيار بين الموقفين صعب لأن القاضي فى مصر ليس مستقلا عن الحكومة فهى تتدخل في شئونه وتملك ثوابه وعقابه بل تدمير مستقبله أيضا إذا أرادت .. فرواتب القضاة تصرف من وزارتي المالية والعدل , التابعين لرئيس الدولة الذي يسعده كثيرا , طبعا , أن يستأثر أتباعه فى الحزب الوطني بكل المقاعد في مجلس الشعب , كما أن إدارة التفتيش القضائي – وهى الجهة المختصة بمحاسبة القضاة وعقاب المخطئين منهم , تابعة بالكامل لوزير العدل , الذي يعينه رئيس الجمهورية أيضا بنفسه

أضف إلى ذلك أن وزير العدل يستطيع أن يكافئ من يعجبه من القضاة بانتدابهم كمستشارين في الوزارات المختلفة , مقابل رواتب تبلغ أضعاف رواتبهم الأصلية .. كل ذلك يجعل الاختيار صعبا أمام القاضي المشرف على الانتخابات , أمامه العدل والحق من ناحية ومن ناحية أخرى أمامه سيف المعز وذهبه

والقاضي إنسان ورب أسرة لديه التزامات ومطالب الأولاد تلح عليه ويشكو – مثلنا جميعا – من الغلاء وصعوبة المعيشة .. وفى مثل هذه الظروف فإن من يتمسك بأداء واجبه من القضاة ليس مجرد إنسان شريف وإنما هو بطل حقيقي , والأبطال فى التاريخ الإنساني قلة من البشر أوتوا الصلابة والقدرة على الدفاع عن الحق إلى النهاية مهما يكن الثمن ولا يمكن أن نطالب الناس جميعا بالبطولة لأن ذلك مخالف لطبيعة البطولة وطبيعة الناس

لكن فى مصر العظيمة , يحدث أحيانا أن يتجلى معدن شعبها الأصيل النادر فتتكسر القواعد الإنسانية ويحدث ما يشبه المعجزات .. فقد أختار قضاة مصر أن يدافعوا عن الحق مهما يكن الثمن .. وسوف تسجل صفحات التاريخ , بفخر وإعزاز , أن قضاة مصر رفضوا أن يشاركوا في مسرحية تزوير الانتخابات , وقد انعقدت الجمعية العمومية الشهيرة عام 2005 التى حضرها أكثر من خمسة آلاف قاض , دخلوا إلى القاعة باعتبارهم قضاة يمثلون القانون وخرجوا منها أبطالا حقيقيين يمثلون إرادة الأمة فى الحق والعدل والحرية .

لم يفكر هؤلاء القضاة في المزايا التي تقول الحكومة إنها ستغدقها عليهم لو أغمضوا أعينهم عن التزوير بل فكروا فقط في معنى الشرف , في مسئوليتهم أمام الله والوطن والشعب المصري

فأعلنوا رفضهم للإشراف على الانتخابات مادامت لم تتوافر ضمانات حقيقية لعدم تزويرها وطالبوا بالاستقلال الكامل للقضاء عن وزارة العدل ورئيس الدولة وتحول رموز نادي القضاة بين يوم وليلة إلى رموز للمصريين جميعا

ولا أعتقد أن النظام في مصر قد أنزعج أو أرتبك من حدث مثل مطالبة القضاة باستقلالهم أولا لأن القاضي يشغل في الوجدان المصري مرتبة جليلة ورفيعة تؤهله بسهولة للزعامة.

وثانيا لأن القضاة أثبتوا أنهم غير قابلين للشراء ولا للتهديد مما يجعل إخضاعهم لأهواء النظام مستحيلا .

وثالثا لأن النظام يعلم أن استقلال القضاء لو تحقق فإن مصر كلها ستتغير , في ظل قضاء مستقل ستنتهي المحسوبية والوساطة والاستثناءات ولن يفلت فاسد مهما كبر منصبه من المحاكمة , سوف يحاسب الناس جميعا بموجب قانون واحد وأمام قاض عادل لا سلطان عليه إلا لضميره

إذا أستقل القضاء في مصر سيكون بمقدور أصغر وكيل نيابة أن يحقق مع أكبر مسئول في الدولة مثل أي مواطن عادى , إذا أستقل القضاء سوف يتوقف اعتقال الناس وتعذيبهم وإهدار كرامتهم في أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة ... وسوف ينتزع المصريون حقهم الطبيعي في انتخاب من يمثلهم ومن يحكمهم ...

هكذا وجد النظام نفسه فى مأزق وهو الذي كان يتصور أن القضاة مثل أناس كثيرين , سوف يفضلون مصالحهم الشخصية على الحق والعدل ....

وتم شن حملة شرسة للتنكيل بنادي القضاة وتشويه صورته أمام الرأي العام بكل الوسائل وأنطلق كتبة النظام والطبالون والزمارون ليتهموا القضاة الشرفاء بالعمل بالسياسة .. وهذا كلام سخيف متهافت لأن استقلال النظام القضائي عن السلطة التنفيذية , في العالم كله , ليس مطلبا سياسيا وإنما هو الشرط المهني الأول لمهنة القاضي فلا قيمة ولا مصداقية للقضاء إذا لم يكن مستقلا

إن القاضي المطالب باستقلال القضاء , أشبه بجراح دخل إلى حجرة العمليات لينقذ حياة المرضى فوجد جهاز التعقيم معطلا , فهل إذا طالب هذا الجراح بإصلاح جهاز التعقيم يكون مشتغلا بالسياسة ..؟ أم أنه يطالب بشرط مهني أساسي يستحيل العمل في غيابه ؟..

إن ملايين المصريين الذين عقدوا أملهم في التغيير على استقلال القضاء ... الذين ساندوا حركة القضاة بكل مشاعرهم وقوتهم , الذين تحملوا ضربات الأمن المركزي والاعتقال والتنكيل وهم يهتفون بحياة القضاة , كل هؤلاء ينتظرون من القضاة أن يكملوا مسيرة الشرف التي بدءوها عام 2005 .. مصر نفسها , مصر المنهوبة المستباحة من الفساد والاستبداد , مصر الممنوعة من اختيار حكامها ومن تقرير مصيرها , مصر المظلومة تترقب العدل , والعدل لن يتحقق إلا بأيديكم ..


أيها القضاة ... مصر تتطلع إليكم فلا تخذلوها