إسلاميو السودان.. انشقاق أفضل من الاتفاق!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الدكتور / حسن الترابي

في صباح يوم 25 مايو 1969م تسلم تنظيم الضباط الأحرار بقيادة "جعفر نميري" السلطة معلنًا قيام جمهورية السودان الديمقراطية التي وضعت في قائمة أولوياتها تصفية الحزبية والطائفية، وتنفيذ ميثاق ثورة أكتوبر السودانية الاشتراكية، ولم يطل المقام بالحركة الإسلامية حتى شرعت في مقاومة الحركة الانقلابية بعد تيقنها من أن المشروع الحضاري للانقلابيين يُعاكس- اسمًا ورسمًا- المشروع الإسلامي الذي تقوم عليه الحركة، بل ويجعل هناك استحالة مادية ليس فقط في تنفيذ المشروع الإسلامي ولكن في مجرد السير قدمًا به إلى الأمام، وذلك إضافةً إلى أن المشروع الانقلابي صادر حق الحركة الإسلامية في العمل والدعوة واتجه بالسودان نحو الاشتراكية العلمانية وفتح البلاد أمام التحرك الشيوعي.


وهكذا، على إثر الانقلاب اجتمعت القيادة الإسلامية وقررت مقاومة النظام وتعريته أمام الرأي العام بوصفه محاولة يسارية شيوعية، ثم صدر البيان الأول ولم تتمكن قيادة الحركة حتى من الإشراف على توزيعه، إذ تم اعتقال كل من الدكتور "حسن الترابي" و"صادق عبدالله عبدالماجد" و"ياسين عمر الإمام" وغيرهم حتى بلغ مجموع المعتقلين 64 سياسيًا!


الجامعات والمقاومة

والأمر هكذا، وجد شباب الحركة الإسلامية- الذين لم يكونوا ممثلين في أي جهاز من أجهزة السلطة- أنفسهم في صراع غير متكافئ مع السلطة الجديدة، وطغى التفكير الجهادي على العقلية العامة للحركة الإسلامية باعتباره السبيل الوحيد لمجابهة التحدي الجديد وكسر شوكة العلمانية، وركز الإخوان على منطقتين كأرض لمقاومة النظام الجديد:

  • الانطلاق من الجامعات، إذ الحركة الإسلامية في مجملها حركة متعلمين.
  • المقاومة الجهادية المرتكزة على التدريب على استخدام السلاح في جزيرة "أبا" والاستعداد لمواجهة النظام عسكريًا.


وبالنسبة للمقاومة المنطلقة من قطاع الطلاب فقد أخذت تتشكل مع افتتاح الجامعة في يوليو 1969م، أما بالنسبة لمحور العمل الثاني "مواجهة النظام" فقد تم من خلال الجبهة الوطنية التي شملت كل الناقمين على النظام الجديد من إخوان وأنصار.

ثم بدأ التحرك إلى جزيرة "أبا" بنداء الإمام الهادي للأنصار بالهجرة للجزيرة، كما شرعت قيادة الجبهة في الخارج في تهريب السلاح من إثيوبيا إلى الجزيرة، ولكن سرعان ما صفَّى الجيش هذه المعارضة المسلحة إذ تحركت القوات السودانية برًا وجوًا وقضت على مواقع الأنصار، وفي ظرف 72 ساعة اقتحم الجيش "أبا"، وخرج الإمام الهادي إلى إثيوبيا لكنه اعتُقل عند الحدود، ثم ما لبثت أن صدرت الأوامر باغتياله.

ثم ظهرت على السطح نذر الخلاف بين الحزب الشيوعي والجيش بقيادة "نميري" الذي قام في 16 نوفمبر بتصفية العناصر المعارضة لحكمه متهمًا إياها بالعمالة للسفارات الأجنبية، وفي 17 مايو 1971م أوقفت الحكومة السودانية نشاطات الحزب الشيوعي، واعتقلته واعتقلت قادته ثم جاءت المحاولة الفاشلة لانقلاب "هاشم العطافي" يوليو1971م للاستيلاء على السلطة لتقضي على آخر قوى اليسار السوداني.

وفي نهاية عام 1972م، سمحت السلطة لـ"حسن الترابي" بأداء فريضة الحج بعد إطلاق سراح القيادات الإسلامية، وبينما كانت الجبهة الوطنية تُعيد النظر في بنائها كان نظام مايو يحث الخطى في بناء التنظيم السياسي الشعبي الذي كان يرتكز عليه، وأصبح نظام نميري يقوم نظريًا على (الميثاق الوطني- وثائق الاتحاد الاشتراكي- الدستور الدائم- وقانون الحكم الذاتي).

وابتداءً من عام 1974م ارتحلت المبادرة السياسية إلى خارج السودان حيث ارتكز العمل السياسي المعارض في الخارج ما بين ليبيا والسودان وإثيوبيا، كما اجتهدت أطراف أخرى في محاولة لصياغة ميثاق الجبهة، وقد اصطدمت هذه المحاولات بإصرار (الإخوان المسلمين) على عزل الشيوعيين وطرح ميثاق إسلامي خالص التوجه، بينما حرص السيد "الصادق المهدي" على أن يظل الميثاق فضفاضًا يسع جميع الأطراف.

وشهد عام 1974م حدثين مهمين أثرا على إستراتيجية الحركة الإسلامية بصفة خاصة والجبهة الوطنية بصفة عامة.

أما الحدث الأول: فقيام الثورة الإثيوبية التي انتهت إلى الإطاحة بالإمبراطور "هيلاسلاسي" مما ترك الوجود الأنصاري الضخم في إثيوبيا تحت رحمة النظام الإثيوبي اليساري الجديد.

أما الحدث الثاني: فهو التقارب العراقي السوداني أواخر عام 1974م، الذي كان عربونه إطلاق "نميري" لعدد من قادة الشيوعيين والبعثيين.

ثم جاء اغتيال الملك "فيصل"- الذي كان نعم الظهير لرجال الجبهة الوطنية- ليفقدهم أحد أهم أضلاع المثلث الذي كانت تستند إليه إذ كانت الجبهة تستقر على ثلاث سيقان: (إثيوبيا- ليبيا- السعودية)، واستهلت نشاطها في عام 1975م معتمدة على ساق واحدة هي ليبيا.

وكانت حركة 2 يوليو 1976م العسكرية آخر محاولات الجبهة للتخلص من نظام "نميري"، بل نجح هذا النظام في امتصاص ضربة يوليو 1976م.


المصالحة الوطنية 1976م

كتب أحد المعارضين مذكرة إلى "نميري" بشأن مصالحة وطنية تحد من سياسة سفك الدماء ضد الجبهة الوطنية فقبلها "النميري" وعرض الأمر على "الترابي" الذي قبلها بشرط إصدار عفوٍ عام عن المعتقلين السياسيين، وفي يوليو 1977م أعلن "النميري"- من خلال برنامج المكاشفة- أنه قابل السيد "الصادق"، وكون ثلاث لجان لتنظر في أمر المعتقلين، وتم إطلاق سراح جميع المعتقلين باستثناء الشيوعيين، وبعدها أعلن "الترابي" في سبتمبر 1977م بيانًا أعلن فيه فض الجبهة الوطنية.


الأسباب التي دعت للمصالحة جاءت كالتالي :

- استنفد الصراع المسلح القوة العسكرية للجبهة الوطنية، ولم يكن من المنظور تكرار حركة عسكرية على غرار يوليو 1976م.

- ضعف نظام "نميري".

- تزايد احتمالات الهيمنة الأجنبية على الجبهة الوطنية.


أما الأسباب الداخلية للحركة فأمران :

1- أزمة الثقة التي اعترت الإخوان بعد فشل محاولة يوليو 1976م.

2- الحاجة إلى هدنة مع النظام بعد ضعف الحركة داخليًا.

وبدأت رحلة المصالحة بتعيين الدكتور "حسن الترابي" في لجنة مراجعة القوانين لتتماشى مع الشريعة الإسلامية، وما لبث أن صدم الشباب الإسلامي بقبول القيادة لدخول اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي التي طالما هتفوا ضدها بل وقاتلوها.

ومنذ عام 1978م والت الحركة اختراقها لنظام "نميري"، والتغلغل في صفه، والتحقت أعداد كبيرة بوحدات الاتحاد الاشتراكي، كما أصبح الدكتور "حسن الترابي" مساعدًا للامين العام للاتحاد الاشتراكي للشئون الخارجية، وجرت انتخابات مجلس الشعب القومي الثالث في فبراير 1978م، واشترك فيها الإخوان على نطاق واسع وفاز 18 أخًا يمثلون مختلف القطاعات المهنية والدوائر الجغرافية، خاصةً في العاصمة، وفي سبتمبر عام 1980م فُُوجئ الإخوان ببيان من "السيد الصادق عبدالماجد" أحد رواد حركة (الإخوان المسلمين) والذي أفنى زهرة شبابه في خدمة الحركة، يؤكد فيه أنه باق في تنظيم (الإخوان المسلمين) الجديد الذي سيواصل السير في الخط الذي يتفق مع منهج الحركة الإسلامية وتاريخها، وبرر ذلك بالآتي:

- عدم رضائه عن الفتاوى والاتجاهات التنظيمية التي يقودها "الترابي"، وعدم اقتناعه بمسوغات المصالحة.

- إيمانه بوحدة الحركة الإسلامية العالمية، وتمسكه بصيغة الموالاة للتنظيم الدولي الإخواني.

- إيثاره أسلوب التربية والتنظيم الدقيق.

- إعلان "الترابي" في مقابلة صحفية مع صحيفة خارجية حل تنظيم (الإخوان المسلمين)!

وهكذا، انتهى ذلك العقد من تاريخ السودان بالانشقاق الكبير بين الجبهة القومية الإسلامية التي أسسها "الترابي"، وأدار العمل الإسلامي من خلالها، والتنظيم الإخواني الذي ظل على ولائه للحركة الإسلامية ممثلة في التنظيم الدولي لـ"الإخوان المسلمين".


المصدر : إخوان أون لاين