الأبعاد الأخلاقية للأزمة المالية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأبعاد الأخلاقية للأزمة الـمالية



بقلم / الدكتور حسين شحاتة

الأخلاق الفاسدة للرأسمالية هى سبب البلاء

الأزمة-المالية.png

تقوم المعاملات المالية والاقتصادية فى الفكر الرأسمالى الليبرالى على مبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة) ، وعلى أساس ( فصل الدين والأخلاق عن المعاملات) ، وعلى المقولة : ( دعه يعمل ، دعه يمر ) ، ويكون تدخل الدولة فى ضبط المعاملات محدوداً أو منعدماً فى بعض الأحيان ، وإن كان نفر منهم يرى الآن ضرورة الالتزام بالأخلاق ومقصده من هذه الحالة هو أن الأخلاق أحياناً تساعد فى تحقيق المزيد من الثروة والأرباح والنمو والتوسع وليس مقصده الحقيقى هو أن الأخلاق هى قيم ومُثُل إنسانية يجب الالتزام بها ويُثاب عليها من الله.


ولقد ترتب على التحرر من القيم والأخلاق والمُثُل السامية الفاضلة فى المعاملات المالية والاقتصادية العديد من السلبيات التى أدت إلى الظلم والفوضى والأزمات وأكل أموال الناس بالباطل .


آثار الأخلاق الفاسدة للرأسمالية

من أهم آثار الأخلاق الفاسدة فى المعاملات المالية والاقتصادية ما يلى :

تكدس الثروات فى يد فئة قليلة والتى تطغى فى البلاد وتُكْثِر فيها الفساد وذلك على حساب فئة الفقراء والجوعى والمرضى .

انتشار المعاملات الوهمية الصورية والتى تقوم على الخداع والتضليل والجشع والطمع واللهث نحو المادة وهذا يؤدى إلى أكل أموال الناس بالباطل .

إشعال الحروب وتأجيج الفتن لكسب المال بدون حق وهذا أدى إلى استعمار الشعوب والاعتداء على ثرواتها .

ضياع كرامة الإنسان ولا سيما الفقير بسبب صنيع الطغاة الرأسماليين الذين قست قلوبهم ، فلا يرقبون فى الفقراء والجوعى إلَّاً ولا ذمة .

وكان من آثار ما سبق : الاحتكار والتكتلات الاقتصادية المالية وسوء توزيع الثروات ، وسيطرة الرأسمالى الغنى على القرارات السياسية الاستراتيجية العالمية ، وزيادة الهوة بين الطبقات ، وعَبَد معظم الرأسماليين الطغاة المال وجعلوه إلههم الأكبر ، وأذلوا الفقراء ونحوهم .

وتعتبر الأزمة الرأسمالية المالية المعاصرة نموذج واقعى حى من نتاج تحلل المعاملات المالية من القيم والأخلاق والمُثل والسلوكيات السوية ، كما تؤكد على حقيقة ثابتة وهى أن الأخلاق الفاسدة تقود إلى معاملات فاسدة وتسبب الأزمات وهذا ما سوف نتناوله فى الفقرات التالية .


من أسباب الأزمة المالية انتشار الفساد الأخلاقى

يرى علماء الاقتصاد والمال أن انتشار الأخلاق الفاسدة وتقديسها عند الرأسماليين الليبراليين كانت من أسباب الأزمة المالية المعاصرة ، من هذه الأخلاق على سبيل المثال ما يلى :

  • الطغيان والجشع فى استحواذ المال بكافة السبل والوسائل وغياب العدل والقناعة.
  • الكذب والإشاعات المغرضة وغياب الصدق والأمانة .
  • عدم الوضوح وغياب الشفافية على الناس .
  • الاحتيالات وغياب الحقائق والموضوعية .
  • الخداع والتضليل وغياب الصدق والأمانة .
  • الغرر والتدليس وغياب المصداقية .
  • الاستغلال والانتهازية وغياب العدل والرحمة .

وكان من حصاد هذه الأخلاق الفاسدة : إهدار الأموال وتشريد الموظفين والعمال ، وزيادة معدلات البطالة ، وطرد الناس من منازلهم ، وإفلاس البنوك والشركات وانهيار البورصات وزيادة بؤس الفقراء والمساكين ومن فى حكمهم .


الإقتصاد الإسلامى يقوم على الأخلاق الحسنة

يقول علماء الإقتصاد الإسلامى أن الالتزام بالأخلاق الحسنة الفاضلة عبادة لله وطاعة وامتثالاً ، وتقود إلى معاملات مالية واقتصادية حسنة تتسم بالاستقرار والأمان والتنمية والرخاء .


ومن أهم القيم الأخلاقية فى الاقتصاد الإسلامى ما يلى :

  • الصدق : مصداقاً لقول الله  : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )[التوبة:119] ، وقول الرسول  : التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين [الترمذى] .
  • الأمانة : مصداقاً لقول الله : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )[النساء: من الآية 58] .
  • العدل : مصداقاً لقول الله  :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ) [النساء: من الآية135] .
  • التيسير : مصداقاً لقول الله :( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ )[البقرة: من الآية185]
  • الوفاء بالعهود : مصداقاً لقول الله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النحل:91]
  • الوفاء بالعقود : مصداقاً لقول الله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) [المائدة: من الآية1] .


الالتزام بالأخلاق الحسنة هو الطريق لعلاج الأزمة المالية

إذا تَيَقَنَّا بعد التحليل السابق بأن من أهم أسباب الأزمة المالية هو انتشار وطغيان الأخلاق الفاسدة أو على الأقل التحرر من الالتزام بالأخلاق الحسنة ، فيكون النجاة والخروج من تلك الأزمة هو تطهير المعاملات المالية بصفة عامة ومعاملات البنوك والمصارف والأسواق المالية وأسواق النقد .. وما فى حكم ذلك من الأخلاق الفاسدة .

ويقع على الحكومات مسئولية حماية المعاملات من الفساد والطغيان لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار ، تطبيقاً لقول الله : ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) [الحج:41] .

كما يجب على الحكومات التصدى لمجموعة المفسدين فى الأسواق والمعاملات ومنهم المقامرين والمرابين والمحتكرين والمستغلين والذين يأكلون أموال الناس بالباطل وذلك لحماية الناس من شرورهم وطغيانهم وهذا يدخل فى نطاق ( النهى عن المنكر ) السابق ذكره فى الآية السابقة ، ولا يجوز مكافأتهم على صنيعهم بما يسمى خطط الدعم ، فإن الله لا يصلح عمل المفسدين ، ولكن جزاؤهم أن يُنفوا من الأرض .

ولقد كان لالتزام التجار المسلمين فى صدر الدولة الإسلامية بالقيم والأخلاق الحسنة دور هام فى نشر الإسلام فى كثير من دول العالم ولا سيما فى دول شرق آسيا وأوروبا ، ولقد بارك الله لهم فى أموالهم وصدق الله القائل : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) [الأعراف:96] .

وقول الله : ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ~ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ~ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ) [طـه:123 ، 124 ، 125].

وقوله: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) [الحديد:16].

وقول رسول الله : تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا ، كتاب الله وسنتى


المصدر : نافذة مصر