الأخوة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأخوة

بقلم: الاستاذ محمد مهدي عاكف

الأخوة الإسلامية في القرآن

الاخوة-فى-القرأن.png

لقد وردت الآيات العديدة في القرآن الكريم على الأخوة الإسلامية ومنها :

قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) سورة الحجرات : 10

وفي تفسير هذه الآية يقول القرطبي ( ت 671هـ ) : (( إنما المؤمنون إخوة )) أي في الدين والحرمة لا في النسب .ولهذا قيل )) أخوة الدين أثبت من أخوة النسب)) ( جـ 16ص 212) .

قال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا ) سورة آل عمران : 103.

قال تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيراُ من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولايغتب بعضكم بعضاً أيحب أحـدكـم أن يأكل لـحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) سورة الحجرات : 12.

وقد أوصى الله سبحانه وتعالى رسول بالرحمة والعفو مع من حوله .

في قوله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فـاعـف عنـهم واستغـفر لـهـم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكـل عـلـى الله إن الله يحب المتوكلين ) سورة آل عمران : 155.

والمؤمن يعفو عن أخيه قال تعالى : ( إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كانعفواً قديراً ) سورة النساء : 149.

وقال تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) سورة الأعراف : 199.

وقال تعالى : ( وجزآؤا سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ) سورة الشورى : 40.

وقال تعالى : ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) سورة آل عمران 134.

والمؤمن يرحم أخاه قال تعالى : ( ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) سورة البلد : 17.

ومن أخلاق الأخوة الإسلامية الإيثار قال تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأوليك هم المفلحون ) سورة الحشر : 90.

ويستنتج من هذه الآيات الكريمة تأكيد القرآن الكريم على مبدأ الأخوة الإسلامية بمعناها الشامل حيث الأخوة ليست فقط في النسب ولكن أخوة في الدين والحرمة والإسلام بذلك يضع تحديداً واسعاً لمفهوم الأخوة أخذت عنه النظريات الحديثة تحت مسمى (( العلاقات الإنسانية )) .

كما أوردت الآيات الكريمة فائدة التحلي بالأخوة الإسلامية من حيث أنها تؤدي إلى التفاف الأفراد حول بعضهم بعض كما تعصمهم من الانزلاق إلى رذيلة الظلم حيث يسيء البعض استغلال السلطة أو النفوذ أو الثراء في التسلط على الآخرين كما أكدت الآيات الكريمة فائدة التمثل بالأخوة الإسلامية في تحقيق القوة للفرد وللمنظمة التي ينتمي إليها الفرد مما يستتبع ذلك تفوق هذا الفرد أو تلك المنظمة على الآخرين .

الأخوة الإسلامية في السنة النبوية الشريفة

أكدت الأحاديث النبوية الشريفة أهمية التمثل بالأخوة الإسلامية والتحلي بها نذكر منها الآتي :

جاء في صحيح مسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا )) ويشير إلى صدره ثلاث مرات (( بحسب أمري من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )) رواه مسلم ، ( جـ 16،ص 120).

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخواناً )) رواه البخاري ، ( جـ7،ص 116).

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام )) روه البخاري ،(جـ7،ص 116).

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) رواه مسلم ،(جـ16،ص 140).

ومن الأخوة الإسلامية تقديم المعروف (( عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال نبيكم صلى الله عليه وسلم : (( كل معروف صدقه )) رواه مسلم ، ( جـ7،ص91).

ولقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكلمة الطيبة لما فيها من تقارب القلوب وإفشاء المحبة : (( عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة )) متفق عليه جامع الأصول ،(جـ1،ص 428).

كما أن من الأخوة الإسلامية العفو والصفح (( عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما نقص مال من صدقة ، وما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزاً فاعفوا يعزكم الله عز وجل ... ) رواه الترمذي ،(جـ4،ص 376).

عـن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أحسنوا إذا وليتم واعفوا عما ملكتم )) الجامع الصغير ، (جـ1،ص 191).

سمعت سعيد بن المسيب يقول : ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة ؟ قالوا بلى قال : إصلاح ذات البين ، وإياكم والبغضة فإنها هي الحـالقة وحـدثـني عـن مـالـك أنـه قـد بـلغه أن رسول الله صلـى الله عليه وسلـم قــال : بعـثـت لأتمتم حسن الخـلق )) رواه مـالـك فـي الـمـوطـأ ( جـ 2،ص 242).

ومن الأخوة الإسلامية الصدق في القول والعمل : (( عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دع ما يربيك إلى ما يربيك ، فإن الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة )) رواه الترمذي ، ( جـ 8 ، ص 327 ) .

ومن الأخوة ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعروف والابتسامة وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق )) رواه مسلم ، ( جـ 16 ، ص 177 ) .

تطبيق مفهوم الأخوة الإسلامية في صدر الإسلام

الأخوة-فى-الله.png

أن في استشعار الأخوة أقوى الروابط والتنظيمات الهادفة إلى إصلاح ما بين الناس وتصفية الأحقاد والأحساد .

ومن سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإدارية في بداية تأسيس الدولة الإسلامية أن آخى بين المهاجرين والأنصار فقد ذكر الدميري ( 1408 هـ ) : (( أنـه قـال لـهـم : (( إني أوآخي بينكم كما آخى الله تعالى بين ملائكته )) .

وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأوس والخزرج فصفى ما بينهم من خلافات وأنساهم الثأر والحروب وصهرهم في بوتقة واحدة ، وكان المقصود من المؤاخاة أن يوقر كل منهم أخاه ويعاونه ويواسيه ويكون عوناً له على الأعداء ويحبه كما يحب نفسه )) ، ص 71 .

وفي تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خادمه أفضل الصور لاستشعار الأخوة الإسلامية بمعناها الحقيقي .

عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً ، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي ، قال : فنظرت إليه وهو يضحك ، فقال : (( أنيس أذهبت حيث أمرتك )) ؟ قال : قلت : نعم ، أنا أذهب يا رسول الله ، قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته : (( لم فعلت كذا وكذا )) أو لشيء تركنه : (( هلا فعلت كذا وكذا )) ، رواه مسلم ، ( جـ 15 ، ص 71 ) .

ومن الإيثار ولمواساة ما ذكر في رياض الصالحين في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه ، فقالت : والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك قلن كلهن مثل ذلك : لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من يضيف هذه الليلة ؟ )) فقال رجل من الأنصار : أنا يا رسول الله صلى عليه وسلم فانطلق به إلى رحله ، فقال لامرأته : أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية قال لامرأته : هل عندك شيء ؟ فقالت : لا ، إلا قوت صبياني قال : علليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء، فنوميهم ، وإذا دخل ضيفنا ، فأطفئي السراج ، وأريه أنا نأكل فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين ، فلما أصبح غداً على النبي صلى الله عليه وسلم : فقال : لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة )) ، ص 196

ونزل في ذلك آية قال تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ، والصور كثيرة من صور رسول الله صلى الله عليه وسلم على استشعار الأخوة الإسلامية مع جميع أصحابه ، وقد تدرب عليها أصحابه وطبقوها ، ومن أمثلة ذلك التواضع وما ذكره أبو بكر الجزائري ( د . ت ) : (( روي أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف : أقوم إلى المصباح فأصلحه ؟ فقال : ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه ز فقال الضيف إذا انبه الغلام ؟ فقال عمر : إنها أول نومه نامها فلا تنبه . وذهب إلى البطة وملأ المصباح زيتناً ولما قال له الضيف : قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين ؟ أجابه قائلاً ذهبت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر ، ما نقص مني شيء ، وخير الناس من كان عند الله متواضعاً )) ص 234 ، ص 235 .

الأخوّه فى الله

هي منحة قدسية وإشراقه ربانية ونعمة إلهية يقذفها الله عز وجل في قلوب المخلصين من عباده الأصفياء من أوليائه والأتقياء من خلقه، قال تعالي:[ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ].

إن الأخوة في الله هي طريق إسعاد البشرية بوجه عام لذلك لا يتصور للجماعة المسلمة أن تقوم أو يشتد عودها بدونها: فبالأخوة يصبح أفراد الجماعة المسلمة كأغصان الشجرة الواحدة لا تكاد تؤثر فيها عواصف الأعداء أو رياح الأهواء " والأخوة لكي تؤدي ثمارها المرجوة لابد أن تنطلق من الإيمان بالله بل هما ركيزتان متلازمان لا يستغني أحدهما عن الآخر. إن نعمة الأخوة هي أثمن منحة ربانية للعبد من بعد نعمة الإسلام قال تعالى: " وذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم " ويقول الفاروق عمر رضي الله عنه: " ما أُعطي عبد بعد الإسلام خيراً من أخ صالح، فإذا رأي أحدكم وداً من أخيه فليتمسك به ".

هذا وقد حرص سلفنا الصالح علي انتقاء الإخوان لتصاب الذخيرة الحقة وعددوا صفاتهم ليعينوا من بعدهم علي الاختيار، فمن هذه الصفات: طِيبة القول، ورفع التكليف، وترك حضيض الدرهم والدينار والسمو إلى العلا، ومذاكرة الآخرة، وبذل النصح لبعضهم.

حقوق الأخوّه فى الله

والأخوة عبارة عن مجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة، تزداد وتتأكد عند رفقه الطريق بأخوة العقد والتفاهم علي الدعوة في سبيل الله ومن هذه الحقوق باختصار:

1. رد السلام عليه وعيادته إذا مرض وإتباع جنازته إذا مات وإجابة دعوته وتشميته إذا عطس، وأبرار قسمه إذا أقسم عليك ونصرته إذا ظلم.

2. السكوت عن ذكر المعايب، والمماراة والجدل المذموم معه وعدم سؤاله فيما يحرجه، وكتمان سره وأن لا يقدح فيه، أو في أهله وأحبائه.

3. السكوت عن كل ما يكرهه، فالمؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب الزلات مع ترك إساءة الظن وستر العيوب والتغافل عنها.

4. التودد باللسان، وفقد الأحوال، ويُظهر انشغال قلبه به ويبدي السرور بما يفرحه، والثناء عليه عند غيره، وذب الغيبة عنه.

5. الدعاء للأخ في حياته، وبعد موته بكل ما تدعوا به لنفسك.

6. الوفاء والإخلاص والثبات علي الحب إلي الموت والإحسان لأهله وأصدقائه بعد الموت وان لا يتغير علي إخوانه عند حصول نعمة كبيرة له.

7. التخفيف وترك التكليف، فلا يكلف أخاه بما يشق عليه.

8. التوقير من غير كبر، والتواضع من غير ذله، ولقاء الآخرين بوجه الرضا من غير ذل لهم ولا خوف منهم.

9. الإحسان إلي من يقدر أن يحسن إليه ما استطاع والشفاعة لمن له حاجة و السعي في قضاء الحوائج وغيرها من الآداب والحقوق من رامها بالتفصيل يجدها في كتاب " إحياء علوم الدين ".

ومن الأخلاق الإسلامية التي لابد للدعاة من التحلي بها، الأخذ بمبدأ التسامح و الصفح و العفو إذ أن التسامح من مقتضيات الأخوة والأولى بالعبد مسامحة أخيه فيما أساء به إليه فمن سامح أخاه سامحه الله، ومن تجاوز عن سيئات أخيه تجاوز الله عنه،ومن استقصى استقصى الله عليه، و الله عز وجل يعامل العبد في ذنوبه بمثل ما يعامل به العبد بقية الناس في ذنوبهم معه " فمن أحب أن يقابل الله إساءته بالإحسان،فليقابل هو إساءة الناس إليه بالإحسان ومن علم أن الذنوب و الإساءة لازمة للإنسان، لم تعظم عنده إساءة الناس إليه فليتأمل هو حاله مع الله كيف هي مع فرط إحسانه إليه و حاجته هو إلى ربه [مفتاح دار السعادة 1/292] و لو تَبَّصر كل إنسان بهذه القاعدة صفت نقوس و حُلت مشاكل و أينعت أشجار الإيمان و تفتحت أزهار الأخوة و لكن الإنسان ظلوم جهول و قد قيل: " لو أنصف الناس لاستراح القاضي".

لذا حرص الأقدمون و المعاصرون على الإيصاء بسعة الصدر و التحابب الأخوي. فهذا القاضي عياض يقول "من طلب أخا بلا عيب صار بلا آخ " فهكذا يا آخى ضع في حسابك عندما تعقد "عقد الأخوة " أن من تتعاقد معه غير معصوم، و اعلم أن إحسان إخوانك إليك وبشاشتهم في وجهك وحبهم لك مرهون بطاعتك لله سبحانه و تعالى فهذا الفقيه التابعي الجليل عبد الله المزني يقول " إذا وجدت من إخوانك جفاء فذلك لذنب أحدثته، فتب إلى الله تعالى، و إذا وجدت منهم زيادة محبة فذلك لطاعة أحدثتها فاشكر الله تعالي".

ومن مقتضى الصحبة والأخوة بعد التسامح احتمال غضب الأخ و حدته، ورغم أن الغضب صفة مذمومة، ولكن لا يكاد يخلو إنسان منه أحيانا، لذا لا ينبغي على إخوان الدين أن يقدح أحدهم في أخيه بسبب غضب طارئ أو حدة بل عليه الصبر حتى ذهاب الغضب عنه ورجوع الهدوء إليه، ليكون بالإمكان وعظه بعد ذلك بالحكمة و الموعظة الحسنة.

ومن الأمور المهمة التي يجب التنبيه إليها أنه لا بد أن يرتكز عقد الأخوة على قاعدة الإنصاف و العدل الذي قامت عليه السماوات و الأرض بمعنى أنه يجب أن يحكم العلاقة بين الإخوان منطق الحسنات و السيئات و من ثم أيهما غلب الآخر يكون الحكم على الشخص بالصلاح أو الفساد و هذا المنطق لا بخس فيه و لا شطط بل هو المنطق الذي يحاكم الله الناس على أساسه يوم القيامة … و هذه الفقرة ربما نخصها بمقالة مستقلة …

ومن قواعد العدل الذي هو أساس الشريعة، عدم المبالغة في المدح و الإطراء بالثناء فان نتائجه و نتائج التجريح سواء و كلاهما تجاوز للعدل و الإنصاف و فيهما خروج من العدل إلى الظلم، لان من شأن المبالغة في المدح أن يتحول إلى تعصب للأفكار حتى يترسخ في أذهان البعض بغض من خالفهم و بهذ1 يتفرق الناس و يتنازعوا فيفشلوا.

و لذا يا آخى المسلم احرص على طلب الإخوان التقاة الدعاة العاملين المنصفين المؤثرين أمثال هؤلاء يا أخي آخهم و أحببهم واصحبهم واعظهم مثل الذي يعطونك و إلا فانك أنت العاجز: فانه كان يقال: ( أعجز الناس من فرط في طلب الأخوان و أعجز منه من ضيع من ظفر بهم ).

حقيقة الأخوة في نفوس الإخوان

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد، أيها الإخوان: فقد اهتمَّ الإسلامُ غاية الاهتمام بتوثيق عُرَى الأخوة الَّتِي تُوجِبُ الْمَحَبَّةَ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حتى جعل الأخوَّةَ التي جمع عليها القلوبَ أصلاً من أصول الإيمان لا يتمُّ إلا بها، ولا يتحقق إلا بوجودها؛ بل جعلها أَوْثَقَ عُرَى الإِيمَانِ وأكملَ معانيه، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌٌ﴾ (الحجرات: من الآية 10) وقال صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ) (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَثَل الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَل الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (متفق عليه)؛ ولذلك كان من أركان بيعتنا الأخوَّة، وكان من أصول الإصلاح الاجتماعي الكامل الذي جاء به الإسلام: إعلانُ الأخوة بين الناس.

معنى الأخوَّة عند الإخوان المسلمين:

Ikhwan-logo1.jpg

قال الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله: "وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوبُ والأرواحُ برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابطِ وأغلاها، والأخوَّة أخت الإيمان، والتفرُّقُ أخو الكفر، وأول القوة قوة الوحدة، ولا وِحْدَةَ بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه مرتبة الإيثار ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: من الآية 9) ..

والأخُ الصادقُ يرى إخوانَه أوْلى بنفسِه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم فلن يكونَ بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، و(إِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ) (أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم) و(الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) (متفق عليه) ... ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة: من الآية 71) وهكذا يجب أن نكون".

الأخوة عندنا دين

لم يزل الإخوان حريصين على تحقيق الأخوة الصحيحة الكاملة فيما بينهم، مجتهدين ألا يُعكِّر صَفْوَ علاقتهم شيءٌ، مدركين أن الأخوَّةَ في الدين من أفضل ما يتقربون به إلى الله زلفى، وملتمسين بالمحافظة عليها نيْلَ الدرجات العلى، ومن ثَمَّ يحرصون على مراعاة حقوقها التي تصفيها عن شوائب الكدورات ونزغات الشياطين، وقد جعل أهل العلم أقل درجات الأخوة أن يعامل الأخ أخاه بما يحب أن يعامله به.

ومن حقوق الأخوة

الصبر على خطأ الأخ حتى يرجع للحق، من غير تشهيرٍ به أو إشاعةٍ لزلاته، قال أبو الدرداء:

"إذا تغيَّر أخوك وحال عما كان عليه فلا تَدَعْه لأجل ذلك؛ فإن أخاك يَعْوَجُّ مرةً ويستقيم أخرى"، وَقَالَ إبراهيم النَّخَعِيُّ: "لا تَقْطَعْ أَخَاك وَلا تَهْجُرْهُ عِنْدَ الذَّنْبِ، فَإِنَّهُ يَرْتَكِبُهُ الْيَوْمَ وَيَتْرُكُهُ غَدًا"، وجاء في بعض الآثار: قال عيسى عليه السلام للحواريين: "كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائمًا وقد كشف الريحُ ثوبَه عنه؟" قالوا: نستره ونُغَطِّيه، قال: بل تكشفون عورته! قالوا: سبحان الله! مَن يفعل هذا؟ فقال: "أحدُكم يسمعُ بالكلمةِ في أخيه فيزيدُ عليها ويُشِيعُها بأعظمَ منها".

وحتى حين تختلف بالإخوان الآراء فإن رابطةَ الأخوة تحميهم من الوقوع في الأعراض، أو إشاعةِ الشبهات، أو ترديد المفتريات، وهم يحفظون كلمةَ حكيم الفقهاء الإمام الشافعي رحمه الله: "الحُرُّ مَنْ رَاعَى وِدَادَ لَحْظَةٍ، وَانْتَمَى لِمَنْ أَفَادَه لَفْظَةً".

ومن حقوق الأخوة التي يدعو إليها الإخوان المسلمون: ما لخصه الفضيلُ بن عِياضٍ رحمه الله في قوله: "نَظَرُ الأخِ إلى وجه أخيه على المودَّةِ والرحمةِ عبادةٌ، فلا تصحُّ المحبةُ في الله عزَّ وجلَّ إلا بما شرط فيها من الرحمة في الاجتماع والخلطة، وعند الافتراق: بظهور النصيحة، واجتناب الغيبة، وتمام الوفاء، ووجود الأنس، وفقد الجفاء، وارتفاع الوحشة".

وكان يقال: إذا وقعت الغيبَةُ، ارتفعتْ الأخوَّة. وما ألطف قول أحد السلف يخاطب أخاه الذي هجره:

هَبْنِي أَسَأْتُ كَمَا تَقُولُ *** فَأَيْنَ عَاطِفَةُ الْأُخُوَّة

أَوْ إِنْ أَسَأْتَ كَمَا أَسَأْتُ *** فَأَيْنَ َفَضْلُكَ وَالْمُرُوَّة

فليس من أخلاق الأخ المسلم في شيءٍ أن يلتمس أسبابَ العيب لمَن خالفه من إخوانه أو من غيرهم، أو أن يسعى في الانتقاص من فضله، أو التحقير من عمله وعطائه، وينتصحون بنصيحة الفاروق عمر بن الخطاب: "لا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلا يَكُنْ بُغْضُكَ تَلَفًا"، فلما سُئل: وكيف ذلك؟ قال: "إِذَا أَحْبَبْتَ فَلا تَكْلَفْ كَمَا يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بِالشَّيْء يُحِبُّهُ، وَإِذَا أَبْغَضْتَ فَلا تَبْغَضْ بُغْضًا تُحِبُّ أَنْ يَتْلَفَ صَاحِبُكَ وَيَهْلِكَ" (البخاري في الأدب)، وكان الحسن بن علي رحمه الله يقول: "لا تُفْرِطْ فِي حُبِّكَ، وَلا تُفْرِطْ فِي بُغْضِكَ، مَنْ وَجَدَ دُونَ أَخِيهِ سِتْرًا فَلا يَكْشِفْ" (عبد الرزاق).

ومن حقوق الأخوة: النصيحة بآدابها الشرعية: فلا تشنيعَ ولا تشهيرَ، ولا تجريحَ للأشخاص ولا للهيئات، ولا كشفَ لأسرار الناس، ولا اختلاقَ ولا كذبَ، ولا تبريرَ للخطأ، ولا مجاملةَ على حساب الحق، ولا رغبةَ في التَّشَفِّي ولا انتصارَ للهوى، بل هي نصيحةٌ أمينةٌ صادقةٌ، تَبْرَأُ بها الذِّمَّةُ، وتُؤَدَّى بها الأمانةُ، مع بقاءِ المودَّةِ ونَمَاءِ عاطفةِ الأُخُوَّة.

أخوَّتُنا أحدُ أسرار قوتنا

إن هذه الأخوةَ التي نذكِّر بحقوقها أيها الإخوان هي الصخرةُ التي تتكسَّر عليها موجاتُ المكرِ ومحاولاتُ النَّيْلِ من دعوتنا المباركة، وهي أول أسباب النصر ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال: 62-64).

أيها الإخوان المسلمون

لقد أعلنها نبينا صلى الله عليه وسلم واضحةً صريحة: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيث، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) (متفق عليه)، وفهم المسلمون الأولون رضوان الله عليهم من الإسلام هذا المعنى الأخويَّ، وأَمْلَتْ عليهم عقيدتُهم في دين الله أَخْلَدَ عواطفِ الحبِّ والتآلفِ، وأَنْبَلَ مظاهر الأخوة والتعارف، فكانوا رجلاً واحدًا وقلبًا واحدًا ويدًا واحدة، فحقق الله لهم وبهم النصر والعز والتمكين.

فلْنستمسكْ بهذه الأخوة الخالدة التي تزول الدنيا ولا تزول، وتفنى الأيام وهي أبقى من الزمن، ولْنحرصْ على أداء حقوقها، واستشعار قيمتها، ولْنحافظْ على وِرْد الرابطة اليومي، والله معكم ولن يتركم أعمالكم، والله أكبر ولله الحمد.

المراجع

  • شبكة مساجدنا الدعويّة
  • حديث من القلب (5) لفضيلة المرشد العام رسالة الإخوان 5 - 6 - 2009 / 12 جماد ثان 1430 هـ العدد 596