الأمة تنهض وتبني مستقبلها (رسالة الأسبوع)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأمة تنهض وتبني مستقبلها (رسالة الأسبوع)
رسالة من: أ. د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين

توطئة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..

فإن لمصر منزلة كبيرة في قلب الأمة العربية التي هي مهد جميع الأديان، وهذه المنزلة العظيمة تمتد إلى قلوب الأمة الإسلامية كلها، والجميع يتفق على أن في نهضة الأمة المصرية نهضة للأمة العربية، وعونًا وعزًا ومددًا بعناصر القوة للأمة الإسلامية، ولذلك لا عجب حين نرى أن جميع المسلمين أينما وجدوا يرفعون أكف الضراعة بالدعاء لمصر بالنصر لثورتها المباركة، وبحفظ أبنائها من الفتن، وأن يوِّحد الله صفهم، ويجمع كلمتهم على ما فيه نهضة مصر ورفعتها؛ لتكون سندًا للأمة؛ وليمتد خيرها لجميع الناس، ولترسم الطريق السوي لكل طلاب الحرية والعزة والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية بما تقدمه من ثورة قدمت نموذجًا جمعت فيه كل أبناء الأمة: المسلم والمسيحي، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والجميع في ميدان واحد، في صورة تكافلية سلمية بيضاء، خالية من كل وسائل العنف أو القتل أو الحرق، في مظهر بهر العالم كله، وشهد بها القاصي والداني، ما عدا مشهد الإجرام من الثورة المضادة الذي شهد عليه أيضًا العالم كله، والذي كان سببًا بفضل الله في استمرار تأجج لهيب الثورة حتى الإطاحة برأس الفساد.

وإن من أخطر العوامل المعوقة للأمة- وهي في فجر نهضتها- اختلاف الدعوات، واختلاط الصيحات، وتعدد المناهج، وتباين الخطط والطرائق، وكثرة المتصدين للتزعم والقيادة، وكل ذلك يفرق الجهود ويشتت القوى، ويتعذر معه الوصول إلى الغايات، ونحن نتقدم للأمة بهذه الخطوط العريضة التي تشكل مخرجًا من الحالة التي نحن عليها، كما أنها تمثل أساسًا نبني عليه نهضتنا ونلخصه في:

أولاً: نسيان الماضي

أيها الشعب المصري العريق: بعد أن أقرت الأمة دستورها، وبعد أن تجاوزنا هذا الموقف الحساس، الذي ظن البعض أنه سيقود إلى حرب بين أطياف الشعب الواحد المتحد، بل لا أتجنى إذا قلت إن البعض تمنى هذا وراهن عليه، فإذا أنت أيها الشعب العظيم تخيِّب آمالهم وتبدد ظنونهم، وتلقن العالَم درسًا باستفتاء يمضي في سلم وسلمية، ونزاهة وشفافية، لم تعرفها مصر من قبل، وبنسبة تفوق جميع استفتاءات دساتير العالم.

إن دورنا جميعًا في المرحلة القادمة أن ننسى ما مضى، بعد أن أخذنا منه دروسًا وعبرًا ننتفع بها في بناء مستقبلنا، وأعظم درس من تلك الفترة أن الشعب أدرك أن ما وقع فيها من أحداث مؤسفة، لا يمثل حقيقة واقع مصر، ولا يعبر عنها، وقد لعبت فيها أيدٍ في الداخل والخارج لا تريد لمصرنا العزيزة أن تقوم لها قائمة، أو أن تكون لها سيادة على أرضها، أو أن ينتفع أبناؤها بخيرها.. وأن أموالاً طائلة سرقت من أقوات هذا الشعب أعيد ضخها لتشعل الفتنة والحرب بين أبناء الأمة، ولكن الله أطفأها، وصدق ربنا: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: 64). (فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ..... ) (الأنفال: 36).

أيها الأحباب الأعزاء: لا تلتفتوا إلى الوراء، وانبذوا الماضي خلف ظهوركم، ونحمد الله إذ أنجانا، ونوقن أنها كانت خيرًا للأمة؛ حيث إنها كشفت لنا الكثير مما نحتاج إليه، ونحن نعمل لبناء أمتنا.

ونكرر تأكيد أن الواجب على الأمة أن تتصالح فيما بينها، وأن تنسى خلافاتها، وأن تتوقى الدخول في تصفية حسابات، أو محاولة الانتصار للنفس، ولا تأخذنا العزة بالإثم، ولنعمل بجد على نزع فتيل معارك الاستنزاف المتبادلة؛ لأن ذلك يضر ولا ينفع، ويفرِّق ولا يجمع، ويبدد الجهود والطاقات فيما لا طائل من ورائه، ونحن في حاجة ماسة إلى توحيد الصفوف وجمع الشمل، وتوظيف الإمكانات ومقدرات الأمة إلى الخير والعمل الصالح.

ثانيًا: بالتعاون ننهض ونبني الأمة

وجدير بالأمة التي حققت بوحدتها إسقاط رأس النظام، وتسعى لاجتثاث بقايا جذور الفساد، وتجاهد لبناء صرح الأمة ببناء مؤسساتها وإرساء دعائم أركانها، جدير بأمة هذا شأنها أن تستيقن أن ذلك لن يتحقق، إلا بالاتحاد والتعاون، وتجميع الجهود، والبعد عن التفرق والاستقطاب الطائفي، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية، وأن يعلم كل فرد في هذه الأمة أننا جميعًا في سفينة واحدة، ويجب علينا ألا نترك لفرد أو طائفة فيها أن يخربها؛ لأن الضرر سينزل بالجميع، وهذا مثل نبوي يشخص لنا هذا في أجمل صورة فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا".

ومن مجموع الأفراد تتكون سفينة النجاة للمجتمع، وما أشبه هذا التجميع للأفراد بالمهندس الذي يحكم سفينة ضخمة عملاقة من مواد مختلفة في خصائصها وتركيبها وحجمها، لكن في نهاية الأمر تصبح هي الأمل لنجاة مجتمع يغرق في سيول من الفساد تكاد أن تأتي على الأخضر واليابس، ولا تبقي ولا تذر.

وبتصوير آخر: فإن الأمة كائن حي يمثل كل فرد فيها عضوًا أو خلية من الجسم، ولكلٍ وظيفة ورسالة يؤديها، حتى تنهض الأمة، وتسترد عافيتها وقوتها، وإن توقف أي عضو عن أداء دوره يؤثر على حركة الجسم، ويقعده عن القيام برسالته، كما أن كل صراع بين أعضائه معناه الانتحار دون شك، وهذا ما حذرنا منه ربنا فقال تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).

ثالثًا: الأمل الواسع

إن الأمة في وضعها الراهن تحتاج إلى الأمل الواسع الفسيح، الذي يدفع إلى العمل، وقد أمدنا القرآن بهذا الشعور بأسلوب يخرج من الأمة المتعثرة أمة كلها حياة وهمة وأمل وعزم، وحسبك أنه يجعل اليأس سبيلاً إلى الكفر والقنوط: (وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، كما يجعل القنوط من مظاهر الضلال: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) (الحجر: 56).

ومن يعمل لإرضاء الله ولمصلحة الأمة من كل الصادقين والمخلصين والوطنيين فإنه يجب عليه ألا ييأس من الإخفاق في بعض محاولاته، أو لأنه جرب مرة أو مرتين أو فوق ذلك، وإنما عليه أن يعاود الكرة مرات حتى يظفر بأمنيته، ويصادف بغيته؛ لأن من يقنط يفوته خيرٌ كثيرٌ، وكيف يقنط مؤمن أو ييأس ومعه عون الله، والأجر قد ضمنه الله (فقد وقع أجره على الله) خاصة أنه يعلم أنه ليس مكلفًا بالنتائج، لذلك فأمره كله له خير مهما كانت النتائج، فهو رابح على طول الخط، فهل بعد هذا ييأس أو يقنط أو يحزن أو يقعد.

وكيف لا تتسع آمالنا، ونحن نقرأ قول الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ) (القصص: 5-6). وقوله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). (آل عمران: 139).

وإن أضعف الأمم إذا سمعت هذا التبشير لا بد أن تخرج بعد ذلك أقوى الأمم إيمانًا وثباتًا وعزمًا على العمل، ولا بد أن ترى في هذا الأمل ما يدفعها إلى اقتحام المصاعب مهما اشتدت، ومقارعة الحوادث مهما عظمت، حتى تظفر بما تصبوا إليه من آمال وطموحات وأهداف.

رابعًا: الإيمان والإرادة والتضحية

أيها الشعب المصري العظيم: حتى تقيم بناء أمتك، وتؤدي رسالتك، وتقوم بدورك الحضاري المنوط بك؛ كما قمت طوال تاريخك بهذا الدور وما زلت تقوم وستظل بإذن الله بنفس القوة والعزيمة والعظمة الحضارية؛ لا بد أن تتسلح بقوة نفسية عظيمة، عبر عنها الإمام البنا بقوله: "إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى "قوة نفسية عظيمة" تتمثل في عدة أمور:

إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ولا خور، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ، وإيمان به، وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه، والانحراف عنه، والمساومة عليه، والخديعة بغيره".

على هذه القوة الروحية الهائلة تُبْنى المبادئ، وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنًا طويلاً.

وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة، أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه، فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملاً، وحسبه أن يعيش في جو من الأحلام والظنون والأوهام: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (يونس: 36).

هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11).

خامسًا: بناء الأخلاق مقدم على بناء الاقتصاد

إن أمتنا العظيمة وقد ابتليت لعقود بنظم هدمت الأخلاق، وحطمت القيم وحاربت الفضائل، وحاولت تجفيف المنابع وإغلاق المساجد، واضطهدت الدعاة وشوهت صورة الإسلام، وجعلت الأمة المصرية شيعًا متناحرة مما جعلها تنحدر في هوة سحيقة..

هذه الأمة لكي تستعيد سيادتها وعزتها فإنها أحوج ما تكون إلى الخلق الفاضل القوي المتين، والنفس الكبيرة العالية الطموحة، إذ إنها ستواجه من مطالب العصر الجديد ما لا تستطيع الوصول إليه، إلا بالأخلاق القوية الصادقة النابعة من الإيمان العميق، والثبات الراسخ، والتضحية الكثيرة، والاحتمال البالغ، والصبر والمصابرة، والمثابرة والإيثار، وإنما يصوغ هذه النفس الكاملة الإسلام وحده؛ فهو الذي جعل صلاح النفس وتزكيتها أساس الفلاح، فقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس: 9-10) . وجعل تغيير شئون الأمم وقفًا على تغير أخلاقها، وصلاح نفوسها فقال: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11).

وبعد بناء هذه البنية الأساسية القيمية والأخلاقية تصبح ركيزة يرتفع فوقها بناء العلم والاقتصاد والنهضة والحضارة.

بالعلم والأخلاق يبني الناس ملكهمُ ... لم يبن ملك على جهل وإقلال
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همُ ذهبت أخلاقُهم ذهبوا

وليس كالإسلام عامل على إيقاظ الضمير، وإحياء الشعور، وإقامة رقيب على النفس، وذلك خير الرقباء، وبغيره لا ينتظم قانون ما إلى أعماق السرائر وخفيات الأمور.

سادسًا: العمل المستمر المتواصل

يا كل المحبين المخلصين لوطنكم: اعلموا أن بناء الأمة، وتقدم الدولة، لا يتم بالخطط المحكمة والأقوال الحكيمة فحسب، ما لم تخرج إلى حيز التنفيذ والعمل الجاد المتواصل المثمر، وعلينا أن نعرف أنفسنا بالأعمال، وأن نجعلها هي التي تتحدث عنا؛ فإنها أبلغ من الأقوال، يقول الإمام البنا رحمه الله: "إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ".

وميادين العمل كثيرة ومتنوعة تتطلب من الجميع أن يبذل الجهد، ويتفانى في الأعمال التي تسند إليه، ويتقرب إلى الله بالإخلاص في العمل وإتقانه: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 105). وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ".

والذين يعملون لتقدم الأمة ونهضتها، يجب ألا يلتفتوا إلى الضجيج الإعلامي المثبط، الذي أضحى يكذب ويتحرى الكذب في كل ما يتناوله، ولنحذر من أن نشغل أنفسنا بالرد على ما يفترون؛ لأنه يستهلك الأوقات والجهود في جدل عقيم، لا نجني من ورائه إلا الفرقة والتنازع والشقاق، فضلاً عن أنه يصرفنا عن العمل الجاد النافع، وأبلغ رد على هؤلاء أن نزداد تفانيًا في العمل لرفعة وطننا العزيز.

سابعًا: بناء الاقتصاد

أيها الشعب المصري العظيم: لقد ترك النظام السابق اقتصادًا منهارًا، ودولة دب الفساد في كل أركانها، ونخر السوس في عظامها، وأكل مفاصلها، وهذا يلقي على كاهل أبناء الأمة أمانة ثقيلة، وعبئا ثقيلاً، يوجب علينا التعاون في العمل على تنظيم شئونها الاقتصادية، إذ هي أهم الشئون في هذه العصور، ولم يغفل الإسلام هذه الناحية، بل وضع كلياتها، ولم يقف أمام استكمال أمرها، وها أنت ذا تسمع قول الله تبارك وتعالى في المحافظة على المال، وبيان قيمته، ووجوب الاهتمام به: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا) (النساء: 5).

ويقول في موازنة الإنفاق والدخل: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) (الإسراء: 29).

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عال من اقتصد" ويقول صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح". وهذا كما يصدق في الفرد يصدق في الأمة، والإسلام يرحب بأي نظام اقتصادي فاضل، ويدعو الأمة إلى تشجيعه، ولا يقف أبدًا في سبيله.

ولأهمية الجانب الاقتصادي والأمني في حياة الأمم، نرى أن الله قد امتن على قريش بتأمينهم من الجوع والخوف، وهذا يوجب عليهم إفراده بالعبودية، قال الله تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش: 3 – 4).

وحال الأمة الاقتصادي مرهون بصلة الأمة بربها، فإن جحدت نعمه، ألبسها لباس الخوف والجوع: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل: 112).

وإذا استقامت على طاعة ربها؛ فتح أبواب الخير من فوقها ومن تحتها: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف: 96). وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) (المائدة: 66).

وإن مصر لتملك كل عوامل بناء الاقتصاد القوي وتحقيق الرخاء:

ثروة بشرية عظيمة، موقع يتوسط العالم، مناخ معتدل، أنهار من الماء في الظاهر والباطن، أرض خصبة صالحة للزراعة، ثروات معدنية متنوعة، البترول والغاز والكهرباء، سواحل ممتدة في الشمال والشرق تصل لآلاف من الكيلو مترات، وعن ذلك يقول الجاحظ: "لو ضُرب سور حول مصر ما احتاجت لأحدٍ أبدًا".
أيها الشعب المصري العظيم: أخلصوا دينكم لله، واصدقوا مع الله في أعمالكم، وتنافسوا في العمل الصالح، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، (إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود: 88).
والله أكبر ولله الحمد.
القاهرة
في: 14 من صفر 1434هـ الموافق 27 من ديسمبر 2012م

المصدر