الإخوان المسلمون والمظاهرات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والمظاهرات

موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

مقدمة

لقد نشأت جماعة الإخوان المسلمين على مبادئ وأهداف محددة، ومستمدة من تعاليم الإسلام، وظلت طيلة هذه الفترة من عمرها تعمل من خلال هذه المبادئ والأهداف والاستراتيجيات.

فلم تكن جماعة أنشأها شخص حتى إذا توفاه الله انقضت عراها وتفككت لكن هي جماعة نشأت على مبادئ مما كان له الدافع القوى في بقاءها بالرغم من تغيير المرشدين عليها وتغيير الأحداث والظروف إلا أنها ظلت مستمرة وستظل مستمرة بفضل الله ما داومت محافظة على مبادئها وأهدافها واستراتيجيتها الإسلامية.

وخلال الفترة والتي تزيد على الثمانين عاما لم تسع الجماعة من أجل مجدها أو الحصول على مغانم أو سلطة أو جاه، لكنها كانت دائما ما تقدم التضحيات الكثيرة من أجل هذا الوطن ومن أجل هذا الشعب وكان محركها الأساسي منطلقا من تعاليم الدين الإسلام الذي اتخذوه منهجا لهم.

والتظاهر أو المظاهرات هي أمور مشروعة في الدين والسياسة للتعبير عما في داخل النفوس من غضب تجاه قضية معينة أو استبداد أو فساد أو محتل، ما دامت في الأطر المشروعة وبعيدة عما يشين هذا العمل من نهب وسلب وتخريب ودمار وإراقة دماء.

لم يحرك الإخوان المظاهرات من أجل إثارة البلبلة أو الفوضى أو استعراض القوة لكن كانت كل مظاهرة من مظاهراتهم لها هدف وغاية وتنظيم محكم.

كما إن التظاهر لم يكن بدعا عند الإخوان فقد قامت به الشعوب كلها ثورة على الطغيان والظلم والحاكم المستبد وما أقرب ثورة 1919م من نشأة الجماعة.

ولقد تنوعت مظاهرات الإخوان ما بين الخروج للتنديد بما يحدث في فلسطين أو الاعتراض على سياسة الحكومات مع المحتل أو من القضية المصرية، أو التصدي للفساد المستشري في المجتمع والتعليم وغيرها.

ونؤكد على أن الإخوان لا يؤمنون بالثورات الدامية والتي تؤدي إلى إراقة الدماء أو النهب أو التخريب أو يترتب عليها تدخل العدو الأجنبي، لكن الثورات التي يلجأ إليها الشعب كآخر علاج ضد المحتل أو ضد الحاكم المستبد، يقف بجوارها الإخوان، لكن أن تتحرك الثورات أو المظاهرات بين الحين والأخر لتغيير حاكم ليس على هوى بعض الناس كما يحدث الآن في بعض المجتمعات فهذا لا يرتضيه الإخوان أبدأ.

وفي هذه السطور نحاول أن نلقي الضوء على تاريخ هذه المظاهرات ونوعيتها لنتعرف جيدا هدف الإخوان من التظاهر ومن الخروج للشوارع وأنه ليس خروجا عشوائيا أو عاطفيا، لكن بداية نتعرف على فكر الإخوان أولا نحو هذا الأمر.


الأستاذ البنا والفكر الثوري

الإمام حسن البنا يقود مظاهرة من أجل فلسطين

لقد كان الإمام البنا واضحا وصريحا في تعميق الفهم السديد عند الإخوان في نفوس الشعب والحكومات ففي المؤتمر الخامس عام 1939م وقف الإمام البنا يوضح موقف الإخوان من القوة والثورة فيقول: " ويتساءل كثير من الناس: هل فى عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة فى تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم؟ وهل يفكر الإخوان المسلمون فى إعداد ثورة عامة على النظام السياسى أو النظام الاجتماعى فى مصر؟

ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين فى حيرة، بل إنى أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا السؤال فى وضوح وفى جلاء، فليسمع من يشاء:

أما القوة فشعار الإسلام فى كل نظمه وتشريعاته، فالقرآن الكريم ينادى فى وضوح وجلاء: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾[الأنفال: 60].

والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف"(صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم )، بل إن القوة شعار الإسلام حتى فى الدعاء وهو مظهر الخشوع والمسكنة، واسمع ما كان يدعو به النبى صلى الله عليه وسلم فى خاصة نفسه، ويعلمه أصحابه، ويناجى به ربه: "اللّهُمّ إِنّى أَعوذُ بِكَ مِنَ الْهَمّ وَالْحَزَنِ، وَأَعوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ والْبُخْلِ، وَأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدّيْنِ وَقَهْرِ الرّجَال"، ألا ترى فى هذه الأدعية أنه قد استعاذ بالله من كل مظهر من مظاهر الضعف: ضعف الإرادة بالهم والحزن، وضعف الإنتاج بالعجز والكسل، وضعف الجيب والمال بالجبن والبخل، وضعف العزة والكرامة بالدين والقهر؟.. فماذا نريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويًّا فى كل شىء، شعاره القوة فى كل شىء؟ فالإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء، ولابد أن يعملوا فى قوة.

ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكرًا، وأبعد نظرًا من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصوا إلى أعماقها، ولا يزنوا نتائجها، وما يقصد منها ويراد بها، فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلى ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعانى جميعًا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهى مفككة الأوصال مضطربة النظام، أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان، فسيكون مصيرها الفناء والهلاك.

هذه نظرة، ونظرة أخرى: هل أوصى الإسلام -والقوة شعاره- باستخدام القوة فى كل الظروف والأحوال، أم حدد لذلك حدودًا، واشترط شروطًا، ووجه القوة توجيهًا محدودًا؟

ونظرة ثالثة: هل تكون القوة أول علاج، أم أن آخر الدواء الكى؟ وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف، أم من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون؟

هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه، والثورة أعنف مظاهر القوة، فنظر الإخوان المسلمين إليها أدق وأعمق، وبخاصة فى وطن كمصر جرب حظه فى الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون.

وبعد كل هذه النظرات والتقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء، وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون فى كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح.

أما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها، وإن كانوا يصارحون كل حكومة فى مصر بأن الحال إذا دامت على هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر فى إصلاح عاجل وعلاج سريع لهذه المشاكل، فسيؤدى ذلك حتمًا إلى ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين، ولا من دعوتهم، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال، وإهمال مرافق الإصلاح، وليست هذه المشاكل التى تتعقد بمرور الزمن، ويستفحل أمرها بمضى الأيام إلا نذيرًا من هذه النذر، فليسرع المنقذون بالأعمال".

وأكد الإمام البنا هذا المعنى في خطاب بمناسبة زيارة الوزراء الوفديين وعلى رأسهم سراج الدين باشا عام 1943م للمركز العام قال فيها:" وليس الإخوان طلاب طفرة ولا دعاة ثورة, ولكنهم أساتذة دعوة, وحملة فكرة, وموجهو قلوب وأرواح وهداة خير وإصلاح أحسبهم كذلك ولا أزكى على الله أحدًا".

لكن هذا لا يمنع الشعب من التحرك والتظاهر واندلاع الثورات إذا زاد طغيان الحاكم واستبد به الحال وأدى إلى ظلم الشعب وفي ذلك يقول الأستاذ البنا في مقالة تحت عنوان (أيها الشعب الأبي):" ما كان لأمة يجرى فى عروقها دم الأكرمين الأمجاد من الآباء والأجداد، ويهز نفوسها القرآن المجيد ببالغ آياته، والإسلام العزيز بعالي غاياته، أن تخضع لهذا العدوان أو تستسلم لهذا الهوان، وكذلك كانت أمة وادي النيل.. فقد جاهدت هؤلاء الغاصبين ما وسعها الجهاد طول عهد الاحتلال البغيض، بالقول واللسان، ثم بالسيف والسنان، ثم الثورة والعصيان، واضطرتهم فى كثير من المواقف أن ينزلوا عند إرادتها ويستكينوا أمام ثورتها".

ثم يقول في مقالة تحت عنوان (بين قوانين الحرية.. وقيود الاستبداد) سنة 1946م: " والقانون لا يكون قانونا إلا حين ينظم مصالح الذين يوضع لهم، ويكمل حرياتهم ويحقق لهم مطالب الإنسانية الكاملة الضرورية، فإذا جاوز ذلك إلى الإخلال بطمأنينتهم وراحة أنفسهم ومصادر حرياتهم، كان قيدا لا قانونا، مهما تلمس له الحاكمون من الأسانيد الفقهية والشكليات التشريعية، ويكون مصيره ولا شك أن يحطم بثورة جامحة لا يستطيع أحد أن يمسك بخطامها أو يقودها بزمامها، وكل التاريخ شواهد على ذلك. ومن هنا جاء فى رأس قائمة الإصلاحات الاجتماعية والقواعد التى يريد زعماء العالم أن يشيدوا عليها النظام الجديد كفالة الحريات وحقوق الأفراد والأمم، وأفلحوا إن صدقوا".

لكن الإمام البنا حكم هذه المظاهرات والحركات الشعبية والتي يكون الإخوان طرفا فيها حيث قال في كلمة بمناسبة ذكرى شهداء 21 فبراير فيقول: " ورأى الإخوان المسلمون ألا تمر ذكرى هذا اليوم العزيز على الأمة دون أن تحيى شهداءها فيه بعمل، فقرر مكتب الإرشاد أمورا كلها فى حدود القانون وليس فيها ما يخل بالأمن والنظام فى شىء، ولم يقصد الإخوان بقرارهم هذا أن يثيروا شغبا، أو أن يحضوا على ثورة، أو أن يدفعوا أحدا إلى التظاهر ضد حكومة أو حزب، أو يشجعوا الاعتداء على دم أو عرض أو مال، فإن ذلك كله يذهب جلال الذكرى وروعة التحية الواجبة للشهداء، فضلا عن أنهم يعلمون أنه يضر قضية البلاد فى هذا الموقف الدقيق الذى تسلك فيه طريقا دولية جديدة فى سياستها العامة، وتقف وجها لوجه موقف التحاكم والتخاصم أمام دولة كل تاريخها السياسي سلسلة من الفتن، والمآسى، والمشاغبات، وانتهاز الفرص، وخلق الحوادث لتعكير صفو الآمنين، والصيد فى الماء العكر ولو بعد حين.لهذا لم يكن الإخوان المسلمون- ولم يزالوا- يقصدون بقرارهم معنى من هذه المعاني بحال، ولكنها -كما قلت- تحية واجبة ليوم عزيز، ولشهداء أبرار قضوا فداء الحق، وفى سبيل الوطن المفدى".


المستشار الهضيبي والفكر الثوري

لقد سار المستشار الهضيبي على فكر ونسق الإخوان عامة والإمام البنا خاصة والتزم بما جاء في شريعة الإسلام نحو الثورات فيقول: " الإخوان المسلمون يضعون كل إمكانياتهم رهن وصول مصر إلى حقها الكامل لا يضنون في سبيل ذلك بدمائهم ولا بأموالهم ولا بجهودهم، وإن لهم من صدق وطنيتهم وقوة تربيتهم ما يجعلهم قادرين على تحمل الأعباء الجسيمة في معركة مصر المقبلة، وإذا كان غيرهم يتعين قيامه بهذا الواجب مما تفرضه عليهم الوطنية، فإن الإخوان يرون في قيامهم بنصيبهم في تلك المعركة عبادة يتقربون بها الى الله ويشترون بها الجنة".


تاريخ الإخوان في المظاهرات

كما ذكرنا أن الإخوان دائما ما يتحركون من اجل هدف ومبدأ وقضية يخدمونها فلا يتحركون عشوائيا حبا في التظاهر أو إثارة الفوضى في البلاد.

مظاهرات الإخوان لإحياء السنن

خرج الإخوان في أول مظاهرة لهم من اجل أحياء سنة التكبير والتهليل في عيد الأضحى المبارك حيث جاب الإمام البنا والإخوان أحياء الإسماعيلية، وقد ذكرها الأستاذ عثمان أحمد عثمان في كتابه صفحات من تجربتي، والتي كان على إثرها أن طلب الإنجليز نقل الأستاذ البنا من الإسماعيلية.


مظاهرات الإخوان للدفاع عن الأزهر والعقيدة

كانت البلاد واقعة تحت نير المستعمر الانجليزي الذي كان يهدف إلى تغريب المجتمع وسلب الهوية الإسلامية منه، عن طريق اضطهاد العلماء المناوئين له أو عن طريق تشريع مناهج تعليمية تطعن في العقيدة، فكان هذا دافعا للإخوان للتصدي لكل هذه الموجات الاستعمارية.
فيذكر المستشار طارق البشري في كتاب المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية : أنه حينما أقال الملك فؤاد الشيخ محمد مصطفى المراغي لمخلفته سياسة الملك السلطوية وعين الشيخ الأحمدي الظواهري ، قرر طلبة الأزهر في 8 نوفمبر 1934م الإضراب عشرة أيام ، واستمروا في المظاهرات رغم فصل زعماء الطلاب فصلاً نهائيًا كان منهم الشيخ أحمد حسن الباقوري والشيخ محمد المدني ، وتألبت على الشيخ الظواهري كل القوى الشعبية والحزبية ما عدا الملك الذي اضطر لقبول استقالته في 27 أبريل 1935م، وعاد المراغي شيخًا للأزهر للمرة الثانية، فأعاد على الفور المفصولين والمنقولين وغير ذلك من الإجراءات الجزئية.
وقد جاء في مجلة القلم الصريح ، السنة الأولى، 2صفر 1358ه/ 23 مارس 1939م أنه حينما ظهرت في سوق الأدب المصري مجموعة من خمسة كتب قدمها ناشروها إلى الجمهور تحت عنوان "عيون الأدب الغربي "، ترجمها كبار المثقفين المتغربين في مصر، وطبعت في أفخر المطابع، وهذه الكتب هي: "جان دارك" لبرنارد شو، و"الطلسم" للكاتب الإنجليزي ولتر سكوت وهو قصة خرافية تطعن صراحة في الإسلام ورسوله وتدور أحداثها في فترة الحروب الصليبية، وكتاب "سمفونية الريف" لكاتب فرنسي، و"تس" لكاتب إنجليزي وموضوعهما تمجيد في المسيحية، والتأكيد على أنها الأحق والأفضل، وكتاب خامس للكاتب الإنجليزي ولز.
وفي الغالب فالسوق الأدبي غالبًا ما يموج بمختلف أشكال الثقافة إلا أن الأمر هذه المرة قد أخذ منحى آخر؛ حيث قرر تدريس مسرحية "جان دارك" ومحادثات خيالية لقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بالجامعة المصرية، وهو ما أثار حفيظة الطلاب لاسيما طلاب الإخوان المسلمين؛ حيث إن المسرحية تسخر من النبي صلى الله عليه وسلم، وتصور أتباعه بأنهم حمقى وبلهاء، وتقارن بين شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وشخصية جان دارك بالمسرحية، فهب الطلاب وذلك في إبريل من عام 1939م مطالبين بإلغاء تدريس المواد التي تطعن في أقدس شخصية في الوجود، ورفعوا احتجاجهم إلى عميد الكلية الدكتور طه حسين، إضافة إلى إرسال البرقيات لجميع الهيئات المسئولة في مصر.
وقد لقيت هبة طلاب الإخوان هذه صداها في الأماكن الأخرى، فقد قامت كلية أصول الدين عن بكرة أبيها في مظاهرة حاشدة وأضرب طلابها عن الدراسة، ورفعوا مذكرة عاجلة لشيخ الأزهر، وكذلك قام معهد القاهرة الأزهري بمثل ذلك، وانتقل الأمر إلى معهد الإسكندرية والزقازيق، وطلاب المدارس الثانوية، ومدرسة الصنائع، والمدارس الأميرية، وقد توجه جموع الطلاب بعد ذلك إلى دار الإخوان المسلمين، وأرسلوا منها عددًا من البرقيات إلى الملك وشيخ الأزهر.
ووعدت الجامعة بإلغاء هذه المادة فهدأ الطلاب، إلا أنها لم تلغها فاشتعلت المظاهرات ثانية مرددين هتافات: "يسقط الاستعمار الفكري، يسقط أذناب دانلوب، نحن جنود محمد، يسقط برنارد شو..."، وقد اندلعت المظاهرات في كافة كليات الجامعة: الآداب، الحقوق، الهندسة، الطب البيطري، مما جعل وزير المعارف يطلب من مدير الجامعة في مجلس النواب منع تدريس هذه المواد.


مظاهرات الإخوان من اجل فلسطين

الإخوان المسلمين في مظاهرات حاشدة أمام قصر عابدين ضد قرار تقسيم فلسطين
لم بغفل الإخوان المسلمين قضية فلسطين وما يحاك ضدها وما كان إستراتيجيتهم يوما مثل إستراتيجية الحكومات الضعيفة التي كانت تذعن للمستعمر الإنجليزي والصهيوني ومن أمثلة ذلك محمد محمود باشا الذي صرح عام 1938م حينما سأل عن أجندته بخصوص فلسطين فرد بقوله: أنا رئيس وزراء مصر ولست رئيس وزراء فلسطين.
كما أن الإخوان أول من حركوا الشعور الشعبي والرسمي تجاه هذه القضية عن طريق الدعاية لهذه القضية او جمع التبرعات او التظاهر او نشر الكتب التي تبين جرائم المحتل ضد الشعب الفلسطيني مثل كتاب الدمار والنار في فلسطين.
فمن ضمن هذه الفعاليات التي كتبت عنها جريدة البلاغ اليومية يوم الأحد الموافق 5 شعبان 1356هـ 10 أكتوبر 1937م: أن شعب الإخوان في القطر المصري استجابت لنداء مكتب الإرشاد، واللجان المنبثقة عنه فوقفوا بين يدي الله يضرعون بالدعاء له أن يكشف عن إخوانهم في فلسطين الغمة، ويقيهم شر البلية، وقاموا يعرفون الناس بالقضية، ويدعونهم إلى نصرة إخوانهم في فلسطين، ثم تفاعلت الشعب مع القضية، وانتقلت بها نقلة أخرى، حيث قامت جل الشعب بمظاهرة ملأت جميع بقاع مصر، في يوم الجمعة الموافق 2 من شعبان سنة 1356هـ الموافق 8 من أكتوبر 1937م تعلن سخطها وازدراءها على موقف بريطانيا المشين من قضية فلسطين، ومن خلفها العالمان العربي والإسلامي.
وكتبت جريدة الإخوان في وصف هذه المظاهرات فقالت تحت عنوان "يوم فلسطين العظيم": وقد خرجت مظاهرة كبيرة يربو عددها على خمسة آلاف من الجامع الأزهر الشريف عقب صلاة الجمعة مباشرة تلبية لنداء الإخوان المسلمين، الذين وقفوا خطباء في هذا اليوم ينددون بأعمال هذه الدولة المستعمرة ويستصرخون الرأي العام لنجدة القطر الشقيق.
فما كان من المصلين إلا أن ألفوا موكبًا كبيرًا وساروا متجهين إلى سراي عابدين لرفع احتجاجهم لجلالة المليك المفدى على أعمال بريطانيا هذا الوحش الكاسر الذي لا يرعوى، بل يعمل في كل آن على إظهار روحه الدنيئة التي تكنها نفسه الخبيثة.
بيد أنه مما يؤسف له حقًا أنه ما كادت المظاهرة تسير في شارع الأزهر إلا وقد أقبل رجال البوليس بعصيهم يعملون على تفريقها، ولما يئسوا من تحقيق مأربهم أخذوا يقبضون على شباب الإخوان المسلمين.
وذهبوا بهم توًا إلى البوليس وهناك مكثت النيابة في التحقيق معهم إلى الساعة الثامنة مساء، ومن ثم أطلقت سراحهم جميعًا بينما كانت المظاهرة تتابع سيرها حتى وصلت سراي عابدين، وهناك قدموا احتجاجهم إزاء حوادث فلسطين وقد كانت أصوات الإخوان المسلمين تشق كبد السماء حنانًا على القطر الشقيق.
وقد قامت في البلاد الأخرى عدة مظاهرات خرجت من المساجد إلى حيث أولياء الأمور لرفع احتجاجاتهم أيضًا، ففي المنصورة قامت مظاهرة كبيرة بدأت من مسجد الموافي وسارت تخترق الشوارع منادية بضرورة فلسطين والوقوف في وجه هذا الأسد الكاسر الذي يريد تجزئتها إذا ما دعت الحاجة، كما قامت مظاهرة كبرى في طنطا خرجت من جامع الأحمدي وأخذت تسير حتى إذا ما وصلت إلى ميدان الساعة أراد البوليس أن يفرقها فما استطاع إلى ذلك سبيلاً لأن الإخوان المسلمين أبوا إلا أن يرفعوا الاحتجاج بأنفسهم إلى أولياء الأمر وقد فعلوا.
وكما حدث في طنطا والمنصورة حدث أيضًا بميت غمر إذ قامت مظاهرة بدأ سيرها من جامع الغمري.
وما حدث في ميت غمر كتبت عنه جريدة البلاغ اليومية تحت عنوان: "من أجل فلسطين" قالت: "جاءنا من مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين ما يأتي: حدث في مركز ميت غمر بعد صلاة الجمعة في مسجد الغمري أن ألقى أحد أعضاء جمعية الإخوان المسلمين كلمة في شأن فلسطين، وعلى أثر ذلك اجتمع عدد كبير من الأهالي عقب خروجهم من المسجد وساروا في مظاهرة كبيرة مظهرين عواطفهم نحو فلسطين هاتفين لها وللوحدة الإسلامية حتى وصلوا إلى المركز ليقدموا احتجاجهم إلى المأمور ليرفعه إلى رفعة رئيس الوزراء، ثم واصلوا السير إلى منزل الدكتور عبد الرحمن حمودة نائب ميت غمر.
كانت المظاهرات والمسيرات إحدى وسائل التربية السياسية والجهادية لأفراد الجماعة وشبابها، بما غرست فيهم من روح الإيجابية والتفاعل والحماسة والنشاط، وكسر حواجز الرهبة الأمنية والاستكانة الموجودة لدى عامة الناس، فقد نفذها شباب الإخوان بهمة وحماسة عالية، ولاقت تعنتًا ومواجهة حادة من الجهات الأمنية في كثير من الأحيان، وألقي القبض على كثير من الشباب على إثرها وقدموا للمحاكمة، ولكن ذلك كله لم يؤثر في حماستهم وإصرارهم، ويمكن القول بأن تلك الوسائل قد حققت نسبة جيدة من الأهداف التي قامت لتحقيقها.
ومن أهم تلك المظاهرات ما يلي:
  • مظاهرات الإخوان في 14/6/1938 حيث أعلن الإخوان عن تنظيم مظاهرة يوم الثلاثاء الموافق 15 ربيع الثاني 1357، وساروا في موكب حافل اخترق شوارع عماد الدين وميدان سوارس والمدابغ وفؤاد الأول، وكانوا يرددون هتافات كلها حماسة وقوة ويقين بالنصر، منها: "عاشت فلسطين العربية"، "النصر لفلسطين والموت للصهيونية"، "فلسطين العربية لن تتجزأ"... "الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد".
  • مظاهرة الإخوان المسلمين بالمنزلة في 14/6/1938م.
  • مظاهرات الإخوان في جميع أنحاء البلاد الجمعة 29/7/1938.
كما قام الإخوان المسلمون بمظاهرات عمت أنحاء البلاد ردًّا على التصريح الخطير الذي أدلى به رئيس الوزراء وقال فيه: "إنني رئيس وزراء مصر لا رئيس وزراء فلسطين"، فأصدر الإمام "البنا تعليماته لجميع شعب الإخوان المسلمين بعمل مظاهرات احتجاجًا على ما تضمنه هذا التصريح الذي يضعف من موقف المجاهدين الفلسطينيين، ويباعد بينهم وبين إخوانهم العرب والمسلمين في كل مكان".
وبالفعل خرجت جموعهم في جميع بلاد القطر عقب صلاة الجمعة متظاهرين مؤيدين العرب المستبسلين في جهادهم معلنين للعالم أجمع تضامنهم مع إخوانهم في الله أبناء فلسطين.
ففي الإسكندرية: خرج الإخوان المسلمون بمظاهرة عقب صلاة الجمعة هاتفين: "الله أكبر ولله الحمد" "تحيا فلسطين عربية" "فلسطين للعرب" "نموت فداء الإسلام".. ومضت المظاهرة في طريقها في شوارع المدينة ومرت بميدان محمد علي، وانضم إلى المتظاهرين جمع كبير من الشعب السكندري، وأخيرًا جاءت قوات كثيرة من رجال البوليس وحاولوا تفرقة المتظاهرين.
وفي رشيد: خرج الإخوان المسلمون بمظاهرة قوية جابت أنحاء البلاد هاتفة بحياة فلسطين الشهيدة، وحياة العروبة والإسلام، فتصدى لها رجال البوليس وحاولوا تفريق المتظاهرين، ثم قبضوا على كثير من الإخوان المسلمين، وفتش رجال الإدارة بيوتهم فلم يجدوا فيها شيئًا، وهكذا توالت المظاهرات في الإسماعيلية وبني سويف والسويس وميت غمر.
وفى المظاهرة التي نظمها الإخوان بميدان إبراهيم باشا بمناسبة قضية فلسطين في ديسمبر من عام 1947م، وقف الإمام البنا يخطب في الجمهور:
لبيك فلسطين. لبيك فلسطين. دماؤنا فداء فلسطين. أرواحنا للعروبة.
يا زعماء العرب ويا قادة الأمة العربية: إنى أنادى هنا الأمم المجاهدة.. الحجاز وسوريا والعراق وشرق الأردن ولبنان واليمن وأبناء وادي النيل وكل عربى يجرى فى عروقه دم العروبة الحر.
يا زعماء العرب: أنتم القادة وهؤلاء الجنود قد وقفوا دماءهم للدفاع عن فلسطين والعروبة.
يا زعماء العروبة: إن هذا الشباب ليس هازلا، ولكنهم جادون قد عاهدوا الله وعاهدوا الوطن أن يموتوا من أجله. إن كان ينقصنا اليوم السلاح فسنستخلصه من أعدائنا ونقذف بهم إلى البحر.
يا زعماء العروبة: لقد تألبت الدنيا تريد أن تسلب حقنا، ولقد عاهدنا الله على أن نعيش كراما أو نموت كراما.
وإني أعلن اليوم من فوق هذا المنبر أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بعشرة آلاف متطوع هم على أتم استعداد لتلبية ندائكم فى سبيل إنقاذ فلسطين.
وحينما تحركت الكتيبة الأولى للإخوان من بورسعيد، انتقل الأستاذ البنا إلى بورسعيد قبل أن تصل الكتيبة، وحين وصلت كان في استقبالها جوالة الإخوان هناك بالموسيقى والأناشيد الحماسية، واستيقظت بورسعيد على هذا المشهد الرائع المثير الذي ألهب العواطف وأشعل جذوة الحماس في النفوس والقلوب ، ووقف حسن البنا وسط الجموع المحتشدة من أهل بورسعيد، ليقول كلمات قلائل ذات معاني جمة:
(أيها الناس ... أتذكرون يومًا في العام الماضي، كنا فيه في مثل هذا الاستعراض، ودون أسباب ولا مبررات وهوجِمنا وحطمت دارنا بلا ذنب ولا جريرة ... أتذكرون هذا اليوم؟
إن "الإخوان المسلمون" أبعد نظرًا من أن تستفزهم هذه المعارك الجانبية، لأنهم أحرص على دماء بني دينهم ووطنهم أن تذهب في سبيل المطامع والأهواء ... في سبيل الزعامات التي لا تتقي ربها في أرواح أبناء وطنها، وقد كان بوسع الإخوان أن يردوا على هذا الاعتداء بمثله، ولكن الخسارة ستكون علينا جميعًا فنحن مهما اختلفنا في الرأي فإننا بنو دين واحد نعيش في مجتمع واحد وفي وطن واحد، لهذا آثر الإخوان المسلمون الحكمة وادخروا جهودهم وجهادهم لقتال أعداء الإسلام، وها هم جنود الإسلام يتحركون على بركة الله إلى فلسطين ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ [النساء: 74]، ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26]... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وتعالت الهتافات وازداد الحماس وتحركت الكتيبة وسط مظاهرة من عامة الشعب إلي ميناء بورسعيد.


مظاهرات الإخوان ضد المحتل

خرج الإخوان بمظاهرات كثيرة تنديدا بالمحتل ومؤازرة للقضية وعرضها على مجلس الأمن والمطالبة من رؤساء الوزراء بقطع المفاوضات مع المحتل وعرض القضية.
ومن هذه المظاهرات ما جرى في الإسكندرية حيث سافر الأستاذ البنا إليها واجتمع بالإخوان في دارهم وفي صلاة الجمعة أم المصلين وخطبهم، وعقب انتهاء الصلاة خرجت الجموع إلى الطريق حيث خطبهم الأستاذ أحمد السكري وكيل الإخوان المسلمين، ثم سارت الجماهير تهتف لحرية مصر وبالجلاء وبوحدة وادي النيل في مظاهرة إخوانية رائعة.
وحينما نكث صدقي باشا بوعده وعاد للتفاوض مع الإنجليز عام 1946م مرة أخرى وعقد معاهدات صدقي – بيفن حرك الإخوان المسلمين المظاهرات المنددة بهذه المعاهدات وطالبوا بوقفها وعرض القضية، حتى إن الإخوان ابتكروا أسلوبا جديدا في جمع المظاهرة خاصة أن الأمن كان مشدد الحصار على قيام أي مظاهرة فكما يحكي الأستاذ عباس السيسي أنهم في السكندرية تجمع الإخوان في الشوارع الضيقة والبعيدة عن أعين الأمن حتى إذا شعروا باطمئنان الأمن خرج من الإخوان واحد وكبر في المكان المراد الوقوف فيه فيزحف الإخوان إليه في سرعة مما يؤدي ارتباك الأمن وعدم التصدي لهم.
كما قام الإخوان أيضا بمظاهرة في الأزهر لتشد من أزر النقراشي وهو يعرض القضية المصرية على مجلس الأمن وفي هذه المظاهرة حاول الأمن فرض كردون على الإمام البنا وقتله أو إصابته لكن بعض الإخوان أحاطوا به وقد استشهد عدد منهم مثلا الشيخ محمد عبد الرحيم الأنصاري وقد أصيب الإمام البنا بطلق ناري في زراعه، وقد عمل على تفريق الخيل بضربها على أنفها وذلك عام 1947م.
فقد جاء في جريدة المقطم ، العدد (18164) السنة التاسعة والخمسون، 7 شوال 1366، 23/ 8/ 1947م تحت عنوان (مظاهرات كبيرة فى القاهرة للاحتجاج على موقف مجلس الأمن فى قضية البلاد): قولها: ذهب مندوبنا للأستاذ حسن البنا وسأله بصدد حوادث أمس فقال: إن الشعب المصرى فى غاية الاستياء لما حدث أمس فى مجلس الأمن، وقد أردنا أن نظهر مشاعرنا فتجمعنا فى هيئة مظاهرة قاصدين قصر عابدين لنظهر هذا الشعور، ولم يكن فى النية اعتداء على رجال البوليس أو غيرهم، لم نعتد على المحال العامة ولا على الأجانب، والشعب المصرى يدرك أن مهمته شاقة. فسألته: هل تعرف من الذى أطلق عليك العيار النارى؟
فأجاب: إنى أصبت فى ذراعى الأيمن، وأنا فداء مصر، وعند خروجى من الجامع الأزهر تصدى لى البوليس بلا سبب وذكرت ذلك فى محضر النيابة.


مظاهرات طلبة الإخوان

يعد الشباب هم عماد الأمة ومحرك جذوة الحماسة فيها، وهكذا كان شباب الإخوان فقد قادوا المظاهرات المنددة بالمستعمر أو للدفاع عن قضايا الجامعة أو الأمة.
فكما ذكرنا آنفا ان طلبة الإخوان تحركوا من أجل الدفاع عن عقيدتهم وعلماء الأزهر كما أنهم تحركوا من أجل قضية وطنهم، ولنأخذ مثالا لا للحصر مظاهرة كوبري عباس والتي شارك فيها الإخوان جموع الطلبة في 9 فبراير من عام 1946م منددين بسياسة النقراشي باشا ضد الوطن وممالأته للمستعمر الانجليزي.
ففي هذه المظاهرة تحركت الطلبة من الحرم الجامعي في مظاهرة سلمية متجهين إلى سرايا عابدين لرفع شكواهم والمطالبة بالجلاء ووحدة وادي النيل غير أن رجال الشرطة اعترضوا طريقهم وحاصروهم فوق الكوبري واعتدوا عليهم بالعصا حتى اضطرا بعض الطلبة إلى قذف أنفسهم في النيل هربا من هذا الاعتداء الوحشي، وقد استشهد فيها الأخ محمد غنيم عبد اللطيف والأخ سعد حسني سرحان والأخ السيد علي الغندور ، فأرسل الطلبة تلغرافات واحتجاجات إلى ديوان جلالة الملك ومنهم طلبة الجامعة وطلبة معهد طنطا الديني وطلبة معلمي قنا وطالبات الأميرة فوقية للبنات.
وأنشأ أحد الطلبة قصيدة خاطب فيها النقراشي باشا جاء فيها:

هل أسكروك فما غدوت رشيدا

أو هل حسبت لك العباد عبيدا

أم جاء من دار السفارة منبئ

يروى بأنك لم تزل مسنودا

أم حمستك الحرب فيما حمست

فرأيت نفسك قائدا صنديدا

لم يرضك الأبطال من قوادها

فبدعت فنا في القتال جديدا

في وقعة لومونتجمرى خاضها

لرأيتها تعبا بها مجهود ا

وإذا عاداك شباب مصر وشيبها

لقيت خصما يا سعيد عنيدا

وإذا جريمتهم بأن نفوسهم

قدأشربت حبا لمصر عتيدا
وقد أدى ذلك إلى كثرة إضراب الطلبة في المدارس والمعاهد عن حضور الدروس، وكانت الحكومة تتعامل مع الطلبة بطريقة عنيفة فكانت تقوم باعتقالهم كما فعلت مع مصطفى مؤمن وبعض زملائه, كما تم القبض على 13 طالبا من مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية بتهمة التحريض على الإضراب, وقدموا للنيابة فحققت معهم وقدموا للمحاكمة.
وفى جامعة الأزهر قام البوليس باعتقال محمد الحفناوي رئيس الاتحاد ومعه علي صقر وحسين النحال من أعضاء الاتحاد أثناء المظاهرة التي قام بها طلبه الأزهر في ميدان عابدين.
وردًا على استشهاد الطلاب في حادثة كبري عباس الشهيرة قام الإخوان المسلمون بشعبة العزبة البيضاء وشركة السكر والدرب في 4 مارس بمظاهرة صامتة وأقاموا صلاة الغائب وأخذوا في جمع التبرعات لأسر الشهداء.
ولقد اهتمت الحكومة بمطاردة المظاهرات الإخوانية واعتقال أفرادها والتحقيق معهم مثال ذلك:
وقد عرضت القضية على المحكمة ليكون الحكم كالتالي:
  • حبس علي الشامي شهرًا مع الشغل والنفاذ وغرامة 15 جنيهًا مصريًا.


مظاهرات الإخوان ضد الفساد

لقد تصدى الإخوان للفساد بكل السبل سواء بالإعلام أو إرسال البرقيات للملك وشيخ الأزهر ووزير الداخلية وغيرها كما تصدوا للإقطاعيين ضد الفلاحين.
ففي 3 فبراير سنة 1948م قام أفراد شُعبة الإخوان المسلمين بناحية كفر البرامون بعمل مظاهرة ضد الإقطاع، كما عملوا على زيادة أجور الفلاحين وإرغام تفتيش أفيروف الذي يقع بزمام القرية على تأجير أراضيه مقسمة على الأهالي بإيجار معتدل وقادوا مظاهرة طافت القرية تردد هتافات ضد الإقطاع وظلم الفلاحين.


مظاهرات الإخوان مناصرة للقضايا العربية والإسلامية

مظاهرات الاخوان لنصرة سوريا ولبنان
لم يختزل الإخوان هدفهم من المظاهرات في القضايا الداخلية أو قضية فلسطين فحسب بل تحركت جموع الإخوان للتنديد بما يحدث في البلاد العربية والإسلامية من قبل المستعمرين.
فقد ورد في جرائد الإخوان المسلمين اليومية والأسبوعية أن وقف الإخوان مع الشعب السوري دفاعًا عنه، فنشرت مجلة الإخوان المسلمين تحت عنوان: "عرض عام للموقف في سوريا ولبنان- تاريخ تعرض سوريا للاعتداء الفرنسي" فقالت: "دخلت القوات الفرنسية والإنجليزية سوريا ولبنان إبان الحرب العالمية الثانية، وعقدت بين الطرفين اتفاقية في 23/7/1941م أعلن فيها استقلال البلدين بمواثيق وتصريحات رسمية، واعترفت بريطانيا، وفرنسا، والهند، والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي باستقلال البلدين، كما اعترفت سائر البلاد العربية والشرقية بهذا الاستقلال كذلك، وفي 12/5/1945 عدلت فرنسا عن إعلان 1941 وطلبت من البلدين أربعة مطالب تمس استقلال البلدين، تطلب فيها قواعد بحرية وجوية، وامتيازات خاصة، وتعديل أنظمة التعليم في البلدين، وبقاء القوات الوطنية تحت القيادة الفرنسية.
وكان عرض هذه المطالبة التي اعتبرها البلدان انتقاصًا لسيادتهما واستقلالهما، ووصول قوات فرنسية جديدة سببًا في رفض هذه المطالب الفرنسية وقطع المفاوضات، وساءت العلاقات وساد التوتر، وأعلن الإضراب وقامت مظاهرات وحدثت عدة اشتباكات كانت نتيجتها ضرب المدن السورية بالمدافع وقنابل الطائرات، وأسفرت عن إصابة عدد من المنازل، وقد بلغ عدد القتلى في دمشق وحدها 400 قتيل، والمصابين 1500 جريح، عندها لم يطق الإخوان صبرًا فقامت مظاهرات حاشدة خرجت من الجامع الأزهر تهتف ضد الاستعمار، وتذيع استبسال سوريا ولبنان في رد فرنسا عن فعلتها الأثيمة، ثم انتهى المطاف بالمتظاهرين إلى ميدان عابدين وأصدروا قراراتهم.
وفي نفس العدد أفردت المجلة صفحاتها للدكتور يعقوب الخوري، ونشرت له مقالاً بعنوان: "كيف دخلت فرنسا سوريا ولبنان" بين فيه أسباب عداء الفرنسيين للسوريين واللبنانيين.
وعندما حضرت الوفود العربية إلى مصر لدعم سوريا ولبنان في محنتيهما ضد فرنسا استقبلها الإخوان، وحياهم الأستاذ السكري باسم الإخوان، وفي اليوم التالي احتشد الإخوان المسلمون في جامع الكخيا بميدان الأوبرا في صلاة العصر، وصلى بهم الأستاذ المرشد إمامًا، وبعدها دعا الإخوان إلى صلاة الغائب على أرواح الشهداء، فأدوا الصلاة، وخرجوا بعدها في جموعهم وقد رفعوا أعلامهم وانتظموا في مظاهرة سارت من مسجد الكخيا إلى ميدان إبراهيم باشا، فشارع إبراهيم باشا، وكان الأخ حامد شريت سكرتير الإخوان بأسيوط يركب سيارة، ومعه المذياع، فأخذ يهتف وسط الجموع فيرد الإخوان هتافه بحماسة بالغة وشعور فياض، فدوى الهتاف بحياة سوريا المجاهدة ولبنان الباسلة، وسقوط فرنسا الغاشمة، كما هتف الإخوان بمبادئهم: الله غايتنا، والنبي إمامنا.
ووصلت طلائع المتظاهرين إلى فندق شبرد حيث كانت الوفود العربية مجتمعة، بينما كانت المؤخرة ما زالت أمام مسجد الكخيا، وتحولت الشوارع إلى كتل بشرية تخفق من فوقها أعلام الإخوان المسلمين من أنحاء القطر المختلفة، ومن فوق فندق شبرد أطل فضيلة المرشد العام وقد أمسك بيده المذياع وارتجل كلمة حماسية ألهبت الشعور، وأطلقت الحناجر بالهتاف والتهليل والتكبير استهلها بقوله: "لا حياة مع الذل، ولا عيش مع الاستعباد يا مصر المجاهدة، ها أنت ممثلة في هذا الشباب -شباب الإخوان- يا من جاهدت وستجاهدين ها أنت تحيين المجاهدين من أبناء سوريا ولبنان".
وقال أيضًا: "يا زعماء العرب، ها أنتم ترون بأعينكم هذه القلوب المتوثبة وهذا الشباب المتحفز، إنهم جميعًا يتطوعون بدمهم وأرواحهم في سبيل نصرة سوريا ولبنان والعرب في كل مكان، ستخبرون وتمتحنون وتضعون أول قرار فلا تهنوا وقولوا كلمتكم والله معكم".
وخطب دولة سعد الله بك الجابري مندوب سوريا فقال: "إخواني، هذا الشعور الفياض الذي تستقبل به مصر العزيزة قادة الأمم العربية يدفعنا نحن أبناء الشام لكي نزيد في التضحية في سبيل وحدة العرب، وإنني أشكركم وأحيي الإخوان المسلمين".
ثم تكلم عن لبنان النائب أميل لحود قائلاً: "لقد سمعتم سوريا وما يختلف صوت لبنان عن صوت سوريا، فنحن لا نفرق بين عربي وعربي، وإننا جسم واحد.


تبرعات الإخوان لأسر المتظاهرين

لم يتخل الإخوان عن إخوانهم الذين اعتقلوا أو استشهدوا في المظاهرات أو أثناء أداء واجبهم الوطني ومن ثم ألفوا لجنة ترعى شئون هذه الأسرة.
حيث جاء في مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية العدد 166 السنة الخامسة الموافق 14 شوال 1366هـ - 3 أغسطس 1947م: تألفت بالمركز العام للإخوان المسلمين لجنة برئاسة الأستاذ صالح عشماوي الوكيل العام للهيئة وعضوية الأستاذ عبده قاسم وأحمد محمد عطية ومحمد شريف وفريد عبد الخالق وسعد الويلي والدكتور محمد احمد سليمان.
والغرض من هذه اللجنة القيام بمشروع لتخليد ذكرى الشهداء – والعمل السريع على مساعدة أسرهم ومن تركوا من أرامل وأيتام، فضلاً عن تقديم يد المعونة للمصابين والجرحى ولتعويض أسرهم ومن حرم ثمرة أعمالهم نتيجة تعطلهم.
واللجنة ترحب بكل مشروع وتوجيه يتقدم إليها – ولما كان هؤلاء الشهداء الذين لا قوا ربهم، وهؤلاء المصابون الذين سفكت دماؤهم، قد بذلوا ما بذلوا لوجه الله والوطن وجهادًا في سبيل حرية وادي النيل ووحدته وتطهير أرضه من جنود المستعمرين، فإن اللجنة تهيب بأبناء وادي النيل جميعًا وتدعوهم إلى المساهمة المشكورة في التبرع لهؤلاء المجاهدين الأبطال الذين ما عملوا لهيئة من الهيئات – ولا لحزب من الأحزاب – أو زعيم من الزعماء. وإنما كان عملهم لمصر والسودان، وللجلاء والوحدة، وهي هدف كل مصري وسوداني و كان المجاهدون قد بذلوا دماءهم بذل الشهداء فلا أقل من أن نبسط أيدينا تخليدًا لذكراهم، وإعانة لأراملهم وأيتامهم وذويهم! بسط الكرماء...
وقد وصلتنا التبرعات الآتية ننشرها فيما يلي:
اسم المتبرع جنيه مليم
حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حسن 02 00
حضرة الدكتور محمد أحمد سُليمان 10 00
حضرة الأستاذ أحمد محمد عطية 05 00
حضرة الأستاذ صالح عشماوي 05 00
حضرة الأستاذ عبده أحمد القاسم 05 00
حضرة الأستاذ عبد الحكيم عابدين 04 00
حضرة الأستاذ حسين كمال الدين 05 00
حضرة الأستاذ محمود لبيب 05 00
حضرة الأستاذ حلمي نور الدين 01 00
حضرة الأستاذ منير دله 15 00
حضرة الأستاذ طاهر منير 02 00
حضرة الأستاذ محمد عبد المعطي بهجت 01 00
حضرة الأستاذ محمد عبد الحميد 02 00
حضرة الأستاذ الشيخ عبد المعز عبد الستار 02 00
حضرة الأستاذ صالح أبو رقيق 05 00
حضرة الأستاذ محمد شريف 01 00
حضرة الأستاذ الحاج محمد حلمي المنياوي 20 00
حضرة الدكتور محمد علي فريد – الزقازيق 03 00
حضرة الدكتور محمد طلبه زايد – ميت عاصم 05 00
حضرة الأستاذ ممدوح منصور 15 00
حضرة الأستاذ عبد الرءوف مشهور 05 00
حضرة الأستاذ محمد سعيد (الراديو) 03 00
حضرة الأستاذ حمودة أحمد حمودة 05 00
حضرة الأستاذ محمد فتحي الليثي 01 00
حضرة الأستاذ الحاج محمد برهومة 01 500
حضرة الأستاذ عباس قطر 01 00
حضرة الأستاذ أحمد عبد الفتاح بدر 01 00
حضرة الأستاذ أنور الجندي 00 500
حضرة الأستاذ مصطفى كمال 00 500
حضرة الأستاذ محمد رشاد الشبرابخومي 00 500
حضرة الأستاذ عبد الله موسى 02 00
المجموع مائه وثلاثة وثلاثون جنيهًا مصريًا ونصف جنيه 133 500

وترسل التبرعات باسم أمين صندوق اللجنة الأستاذ الحاج أحمد عطية بدار المركز العام للإخوان المسلمين بالحلمية الجديدة

رئيس اللجنة صالح عشماوي


مظاهرات الإخوان طلباً للحريات

لم يترك الإخوان حرية الوطن والمطالبة بعودة الحياة النيابية مرة أخرى وعودة الجيش إلى ثكناته وإجراء انتخابات نزيهة يشترك فيها كل طوائف الشعب حيث يترك الشعب يختار من يمثلهم ويحمل عبء قضيتهم، غير أنه بعد نجاح ثورة يوليو عام 1952م طمع ضباط الجيش في السلطة واستخدموها استخداما سئا حتى حدث الصراع بينهم فكانوا يحيلون على المعاش من خالفهم بل نحوا رئيس الجمهورية عن مكانة، وقاموا بحل جماعة الإخوان أوائل عام 1954م والقبض على قادتهم مما دفع الإخوان في مارس من نفس العام بتحريك المظاهرات والتي تجاوز الآلاف لعودة محمد نجيب إلى الحكم والإفراج عن الإخوان وإجراء انتخابات نزيهة وقد تمت هذه المظاهرة في عابدين.
ولم تتوقف هذه المظاهرات في أى وقت سواء في عهد السادات أو عهد مبارك فقد تحركت مظاهرات الإصلاح في كل مكان، وأيضا مظاهرات اعتراضا على المحاكمات العسكرية للمدنيين وغيرها من المظاهرات التي يحركها الإخوان خدمة لقضايا الوطن والشعب.


المراجع

1- عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1423ه- 2003م.

2- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

3- عباس السيسي: حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1422- 2001م.

4- حسان حتحوت العقد الفريد 1942- 1952, دار الشروق1 142هـ,2000م.

5- جريدة البلاغ اليومية يوم الأحد الموافق 5 شعبان 1356هـ 10أكتوبر 1937م.

6- مجلة القلم الصريح، السنة الأولى، 2صفر 1358ه/ 23مارس 1939م.

7- البصائر للبحوث والدراسات، من تراث الإمام البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

8- جريدة الوادي العدد 3304 السنة الخامسة عشر 27 محرم 1365هـ, 1/1/1946م.

9- طارق البشري: المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية ، دار الشروق بالقاهرة- 2004م.

10- مجلة الإخوان المسلمون في الثلاثينيات.

11- مجلة النذير عامي 1939، 1940م.