الإخوان على درب السلف سائرون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الإخوان على درب السلف سائرون

"أنتم يا إخوان عقيدتكم فيها دخن .. الإخوان حادوا عن عقيدة السلف .. "حسن البنا" أدخل على فكر الإخوان الكثير من البدع التي لم يعرفها السلف" .. مثل هذه التهم يسمعها بعض حملة الدعوة، ويردِّدها البعض دونما إحاطة أو إلمام بفكر الإخوان!!

والسؤال المطروح: هل لهذه الاتهامات أصل؛ أم إن الأمر لا يعدو كونه مجرد شبهات ؟ في الواقع ترجع مثل هذه الاتهامات عادة إلى طبيعة فهم قضيتين:

الأولى : شبهة عقيدة الدعاة بين السلف والخلف في الأسماء والصفات.

الثانية : شبهة إطلاق المتشابه من الصفات.


شبهة عقيدة الدعاة بين السلف والخلف في الأسماء والصفات

وحتى يمكن أن نستوعب كلتا القضيتين نبدأ فنقول : ما هي قضية الأسماء والصفات التي أثيرت ؟

يقول ابن القيم:

التوحيد نوعان:

Hالسلف.png

1- توحيد في المعرفة والإثبات: وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات؛ بمعنى أن يعتقد المؤمن إثبات ذات الله وصفاته وأفعاله، فهو سبحانه الأول والآخر والظاهر والباطن... إلى آخر ما يجب أن يتصف به من أسماء.

2- توحيد في العبادة والقصد: وهو توحيد الألوهية والعبادة؛ أي لا يعبد إلا الله، ولا يقصد إلا الله، ولا يعمل إلا ابتغاء وجهه.

ولقد تعلم الصحابة صفات الله من كتاب ربهم كما وصف الله بها نفسه، وكما وصفه الرسول- صلى الله عليه وسلم- دون تقعر أو جدال، وما تكلم أحد منهم حول الأسماء والصفات؛ بل فهموها كما أنزلت، ولم يرد من حديث صحيح أو سقيم عن أحد من الصحابة- على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم- إنه سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن معنى شيء مما وصف به الرب- سبحانه وتعالى- نفسه.

ومن هنا فإن تحرير محل النزاع :

أولاً: اتفق الفريقان على تنزيه الله- تبارك وتعالى- عن المشابهة لخلقه.

ثانيًا: كل منهم يقطع بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله غير ظواهرها في حق المخلوقات واتفاقها على نفس التشبيه.

اتفاق السلف والخلف في التأويل إجمالاً، فالسلف قالوا مثلاً: استوى على العرش: استواء يليق بجلاله وأحاديته. أيضًا له يد كما قال تليق بألوهيته وجلاله، فهذا تأويل إجمالي، غير أن الخلف زادوا تحديدًا لمعنى المراد بأن يفسر الاستواء بالاستيلاء والتسلط، فتفسر اليد بالقدرة وبالكرم في: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ (المائدة: 64)، وهكذا فإن التأويل إجمالي عند السلف، والتأويل تفصيلي في التفسير عند الخلف، وعلى ذلك فإن المهم ألا ننسب إلى الله جارحة من خلال فهمك كلمة اليد التي نسبها إلى ذاته، وأن لا تعطل الدلالة اللغوية الثابتة بكلام الله- عز وجل- ومع ذلك، فإننا نجد من السلف من لجأ إلى التأويل التفصيلي كتأويل الإمام "أحمد" "جاء" في قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ (الفجر: 22) أوَّلَ "جاء" بمعنى: جاء أمر ربك، ومن ذلك تأويل الإمام البخاري لقول الرسول في الحديث: "لقد ضحك الله الليلة من فعالكما" في قصة الأنصاري الذي أكرم مثوى ضيف رسول الله؛ أوَّلَ البخاري الضحك بالرحمة، ومن ذلك أيضًا تأويل "حماد بن زيد" من نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا الوارد في أحاديث النزول بإقباله- جل جلاله- إلى عباده، ومن ذلك ما رواه ابن تيمية عن جعفر الصادق من تأويل الوجه في قوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ (القصص: 88) بالدين، وأوَّلَ شيخ الإسلام نفسه، فقد رجح أن يؤول الوجه بمعنى الجهة فيكون المعنى: كل شيء هالك إلا ما أريد به جهة الله تعالى (2/428).

فنجد غير ذلك كثير، وعلى هذا فإن بعض السلف قد لجأ إلى التأويل في بعض الأحيان، والقول الفصل في ذلك:

كتب الإمام الشاطبي في (الاعتصام): "ومن أشد مسائل الاختلاف مسألة إثبات الصفات؛ حيث نفاها من نفاها، فإذا نظرنا إلى عناصر الفريقين، وجدنا كل واحد منهما حائمًا حول حمى التنزيه من النقائض وسمات الحدوث، وهو مطلوب الأدلة؛ وإنما وقع اختلافهم في الطريق، وذلك لا يخل القصد في الطرفين معًا، فالحاصل في هذا الخلاف أشبه الواقع بينه وبين الواقع في الفروع، ولا يوجب هذا الخلاف تكفير كل من أخطأ فيها إلا أن تقوم فيه شروط التكفير".

يقول الإمام ابن تيمية (6/58): "فأما سائر وجوه الاختلاف كاختلاف التنوع والاختلاف المادي واللفظي، فأمره قريب، وهو كثير وغالب على الخلاف في المسائل الخيرية، والمسائل الخيرية هي المسائل العقيدية الدقيقة، أغلبها خلاف اعتباري ولفظي؛ أرأيت- أخي القارئ- أنه اختلاف نظر، لا اختلاف حقيقة؛ وهو الذي يقع في الأمور القطعية المجمع عليها، مع ملاحظة أن الخلاف بين السلف والطائفة التي تأويلها في دائرة اللغة والشرع، ولا يصطدم مع العقل، فالفرق الأخرى كزنادقة المؤولة والملاحدة الذين كادوا بالإسلام والمسلمين.


ما موقف الأشاعرة في الأسماء والصفات ؟

زعيمهم أبو الحسن الأشعري قد أثبت الصفات، وقرر أنها تليق بذات الله، ولا تشبه صفات المخلوق؛ فسمع الله تعالى ليس كسمع الحوادث، وقال الأشعري في قول الله عز وجل: ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ (الفتح: 10): يده يد تليق بذاته الكريمة، وليست يدًا جارحة كأيدينا، وهذا ما ذكره في كتاب الآيات مع ملاحظة أن "أبوالحسن الأشعري" كان أول حياته يؤول اليد بالقدرة، إلا أنه رجع إلى منهج أهل السنة في آخر زمانه، وهذا ما أثبته الشيخ أحمد بن حجر في كتاب (الآيات)، وكتاب (مقالات الإسلاميين)، وأثبتهما الإمام ابن عساكر في كتابه (تبيين كذب المفترى فيما نسب إلى الإمام الأشعري)، وكذا ذكر السبكي في الطبقات أن عقيدة أبي الحسن الأشعري عقيدة أهل السنة، ويعد الإمام أبوالحسن الأشعري هو إمام أهل السنة والجماعة في عصره.


الدعاة وترجيح مذهب السلف

ويقول الإمام "البنا": ونرجح مذهب السلف، ونعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله- تبارك وتعالى- أسلم وأولى بالاتباع؛ حسمًا لمادة التأويل والتعطيل، فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان، وأثلج صدره ببرد اليقين، فلا تعدل به بديلاً.. ولكن البعض يأخذ من كلام "البنا" قوله: "ونفوض علم هذه المعاني إلى الله" أنه من المفوضة.. نقول في ذلك: فاعلم- أخي المسلم- أن التفويض من الألفاظ المجملة التي تضم تحتها معاني مختلفة؛ فهو ينقسم إلى نوعين:

1- نوع محمود يجب أن نقول به ونعتقده.

2- نوع مذموم يجب أن نبتعد عنه.

أما النوع المذموم فهو أن يظن امرؤ أن ألفاظ هذه الآيات وأحاديثها ليس لها معانٍ ولا يفهم منها شيء بمثابة طلاسم.

والنوع المحمود الواجب اعتقاده فهو تفويض حقيقة معناها، وإضافتها للمولى سبحانه؛ أي تفويض الكيف، والناظر في عبارة الإمام "البنا" يقتضي فهم العبارة في ضوء سائر النصوص والأقوال دون أخذها متجزئة، فالعبارة حادث منكر، وليست معرفة، فهي لا تعني المذهب المذكور؛ ولكنها استعملت بمعناها اللغوي بمعنى عدم الخوض في كيفية الاستواء وغيره من الصفات، ويترك ذلك إلى الله تعالى.

فإذا أضيف إلى ذلك أن الرجل أكد ترجيحه لمذهب السلف وارتضاءه له، واستشهاده بأقوالهم، فإن هذه العبارة وردت في كلام غيره من الأعلام، فإنه يتعين فهم مراده على هذا الوجه، وإليك بعضًا من نصوصه في هذه المسألة لنصل إلى فهم النص المذكور:

1- قال: أما السلف فقالوا نؤمن بهذه الآيات والأحاديث ما وردت، ونترك بيان المقصود منها لله تعالى، فهم يثبتون اليد والاستواء.. ونترك لله- تبارك تعالى- الإحاطة بعلمها، مع اعتقادهم تنزيه الله- سبحانه وتعالى- عن المشابهة لخلقه.

2- قد علمت أن مذهب السلف في الآيات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله- تبارك وتعالى- يمرونها على ما جاءت عليه، ويسكنون عن تفسيرها وتأويلها، وأن مذهب الخلف أن يؤولوها بما يتفق مع تنزيه الله- تبارك وتعالى- عن مشابهة خلقه.

3- عند احتجاجه بأقوال السلف، ذاكرًا منهم الكسائي في أصول الشريعة، ونقل عن حجر بن الحسن، ونقل عن الخلال في كتاب السنة، وعن أحمد بن حنبل، ومالك بن أنس، وأبو عمرو الطلمنكي، وأبو عبد الله بن بطة، وغيرهم من الأئمة الأعلام الذين ساروا على نهج السلف الصالح، وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية؛ إذ يقول- رحمه الله-: "وكلام السلف في هذا الباب موجود في كتب كثيرة، مثل: كتب السنن للكسائي، والإبانه لابن بطة، والأصول لابن عمرو الطلمنكي، والسنة للخلال".

4- علق على بعض آيات الأسماء والصفات، وذكر معانيها، مثل: قدم الله تعالى وبقائه، ومثل علمه- سبحانه وتعالى.

5- أنه صرح بمراد الكيفية تصريحًا بينًا في قوله: "وإنما علم الله- تبارك وتعالى- علم لا يتناهى كماله، ولا يعد علم المخلقوين شيئًا إلى جانبه، وكذلك السمع، فهذه كلها من مدلولات الألفاظ، فهي تختلف عن مدلولاتها في حق الخلق من حيث الكمال والكيفية اختلافًا كليًّا؛ لأنه تعالى لا يشبه أحدًا من خلقه، ولست مطالبًا بمعرفة كيفيتها؛ وإنما حسبك أن تعلم آثاراها في الكون ولوازمها في حقك"

6- ارتضاؤه منهج السلف، وتعويله عليه، "فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان، وأثلج صدره ببرد اليقين، فلا تعدل به بديلاً، وجعله أسلم وأولى بالانتفاع حسمًا لمادة التأويل والتعطيل".

من مجموعة هذه النصوص يتضح أن مراد الإمام "البنا" هو تفويض الكيفية لا المعنى، على أن العبارة التي اشتد فيها النكير على "البنا"، وفسرنا مراده فيها قد جاءت في كلام الأئمة الذين هم على منهج السلف.

1- فقد جاء عن محمد الشيباني: "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق والمغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الفقهاء عن رسول الله في صفة الرب- عز وجل- من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئًا من ذلك، فقد خرج مما كان عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- وفارق الجماعة.

2- وعن أحمد بن حنبل "نؤمن بها، ونصدق بها، بلا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئًا".

وما جاء عن ابن قدامة حين عرض لمسألة الصفات وتلقيها بالتسليم والقبول، فأشار إلى ترك التعرض إلى معناها، ورد علمها إلى قائلها (انظر: المغني بشرح ابن عثيمين ص20).

فالعبارة ونحوها حملت على معنى الكيفية من خلال الجمع بين أقوالهم؛ تحقيقًا للإنصاف، وإحسانًا للظن بهم، وبنفس المنهج نتعامل مع أقوال "البنا" لما نعرفه عنه من شدة الحرص على اتباع السنة ولزومها، وسلوك منهج السلف، وأن هذا الرجل ذو همة وإخلاص، قد أحيا الله به الأمة؛ فهل تحيا الأمم الهامدة على أيدي رجال ذوي عقيدة مانعة أو زائفة؟!


شبهة إطلاق المتشابه من الصفات

إطلاق لفظ المتشابه على الصفات محمول على معنى أن كيفية اتصاف المولى- تبارك وتعالى- بهذه الصفات مما استأثر سبحانه بعلمه، ولا سبيل للبشر إلى إدراكه.

يقول الشيخ "الشنقيطي" في جواز إطلاق لفظ المتشابه على الصفات من هذه الحيثية: "اعلموا أن آيات الصفات كثير من الناس يطلق عليها اسم المتشابه، وهذا من جهة صحيح ومن جهة خطأ، فكما بيَّن مالك بن أنس بقوله: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب"؛ لكون الاستواء غير مجهول يدل على أن معناه متشابه؛ بل هو معروف عند العرب.. والكيف غير معقول يدل على عجز البشر عن إدراكه، وما استأثر الله بعلمه يسمى متشابهًا بناء على الوقف في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ﴾ (آل عمران: 7)، فهو بالنسبة إلى الصفة غير متشابه، وبالنسبة إلى كيفية الاتصاف به متشابه، على أن المتشابه ما استأثر الله بعلمه.

ثم إن مفهوم المتشابه اختلف فيه العلماء كما ذكر السيوطي في الإتقان في تفسير المحكم والمتشابه، فبعضهم يقول: "إن المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجهًا واحدًا، والمتشابه ما احتمل أوجهًا، وعزاه السيوطي لابن عباس، وعلى هذا التفسير سار "أحمد بن حنبل"، ومنهم من يقول: المحكم ما عُرفَ المراد منه؛ إما بالظهور، وإما بالتأويل، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه؛ كقيام الساعة، وخروج الدجال،

"وخلاصة القول: إن منهج "البنا" مقرِّر لعقيدة السلف"


إقرأ المزيد