الإخوان وثورة يناير .. صناعة موقف وتغيير مسار

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان وثورة يناير .. صناعة موقف وتغيير مسار

إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم: محمد الصياد


تمهيد

الإخوان المسلمين لهم تاريخ مشرف في مواجهة الظلم والفساد فها هو مرشدهم الأول الإمام حسن البنا يقود المظاهرات دفاعاً عن فلسطين عام 1947م

الثورة في فكر الإخوان المسلمين تعني التغيير الجذري للأوضاع الفاسدة .. سياسية .. واقتصادية .. واجتماعية .

بل إننا نري أن دعوة الإخوان ما هي إلا –في مجملها- ثورة ضد الظلم والاستبداد السياسي ، والرهبانية –في فهم الدين- التي ابتدعها بعض ممن عاصرهم الإمام الشهيد حسن البنا . دعوة الإخوان ثورة ضد التخلف الذي أصاب أمتنا الإسلامية ، ثورة ضد القومية والعصبيات الجاهلية ، ثورة ضد المصالح الضيقة والنظر برحابة أفق لمصلحة الأمة كلها ، ثورة ضد الخنوع والخضوع ،..

والثورة طريق من طرق الإصلاح وليست الطريق الوحيد للإصلاح ، والطبيب يستخدم مع مريضه الدواء الذي يناسب حالته الصحية والمعنوية مع الوضع في الاعتبار الأعراض الجانبية التي ربما تصيب ذلك المريض .

وآمن الإخوان المسلمون بالثورة كطريق للإصلاح ولكن آمنوا كذلك أن الثورة لها وقتها ولها تبعاتها التي ربما يتحملها الإخوان بشجاعة إذا ما فشلت الثورة كما سيأتي علي لسان الإمام الشهيد .

وفي فكر الإخوان وأدبياتهم ثلاثة طرق للتغيير والإصلاح :

يقول الشيخ الباقوري رحمه الله :

نعم .. كانت جماعة الإخوان المسلمين تستقطب كل راغب في الإصلاح وكل محب للقيم وكل محب للوطن بصدق أيضا .. وقد وضع المرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا سندا للإصلاح في أمور ثلاثة أولها تغيير العرف ..

فكان الإمام البنا رحمه الله ورضي عنه يقول : إن الموضة إذا قدم للإنسان خمور ليشربها فإنه لا يقول هذا حرام بل يقول مثلا صحتي لا تساعدني فنحن هنا نخطئ ويجب أن نقول بوضوح إن هذا حرام وإن ديننا لا يساعدنا ولا يسمح لنا أن نشرب الخمر . سيداتنا مثلا يلبسن ملابس تكشف عن المفاتن وهذا عرف استقر بحيث لو وجدنا سيدة تستر نفسها تكون متخلفة .. تغيير العرف هنا ان يكون التخلف شرفا وأن يكون تعرية المفاتن عيبا ..

أما الأمر الثاني في سند الإصلاح فهو الطريق الدستوري وهو أن نعين الذين يصلحون لتمثيل الأمة دينا وخلقا وغيرة علي أن يكونوا أعضاء في مجلس النواب .

أما الأمر الثالث فهو طريق معروف وما كان يريد أن يصرح به بكلمة "ثورة" لكنه يكني عنها بكلمة الطريق الثالث معروف...(1)

وهذه الطرق عبر عنها الإمام البنا نفسه بأسلوبه الجزل الرصين فقال : أما وسائلنا العامة فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأي العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان ، ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح .. ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية ، وعلي هذا الأساس سيتقدم مرشحوا الإخوان المسلمين حتى يجيء الوقت المناسب إلي الأمة ليمثلوها في الهيئات النيابية ، ونحن واثقون بعون الله من النجاح ما دمنا نبتغي بذلك وجه الله . "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" .

أمّا ما سوي ذلك من الوسائل فلن نلجأ إليه إلا مكرهين ، ولن نستخدمه إلا مضطرين وسنكون حينئذ صرحاء شرفاء ، لا نحجم عن إعلان موقفنا واضحا لا لبس فيه ولا غموض معه ، ونحن علي استعداد تام لتحمل نتائج عملنا أيا كانت ، لا نلقي التبعة علي غيرنا ، ولا نتمسح بسوانا ، ونحن نعلم أن ما عند الله خير وأبقي ، وأن الفناء في الحق هو عين البقاء وأنه لا دعوة بغير جهاد ، ولا جهاد بغير اضطهاد ، وعندئذ تدنو ساعة النصر ويحين وقت الفوز ، ويتحقق قول الملك الحق المبين "حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين"..(2)

فالثورة كانت موجودة في قاموس الإخوان وفي أدبياتهم وأذهانهم بل طبّقوها عمليا عندما قامت ثورة يوليو علي أكتافهم وسواعدهم .

فأي طريق للإصلاح من شأنه أن يمج الظلم ويقيم العدل بين فئات المجتمع وينصر المظلوم ويأخذ علي يد الظالم كان هو طريق الإخوان المسلمين الأمثل للإصلاح وكان هو ثورتهم التي ينصرونها ويرابطون عليها ، ويلتفون حولها .

وفي ضوء عبارات الإمام البنا السابقة نقف مع ثورة 25 يناير 2011م


الإخوان ومقدمات الثورة

الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأحد رموز جماعة الإخوان المسلمين وخطبة الجمعة من ميدان التحرير

قال الإمام البنا : أمّا ما سوي ذلك من الوسائل فلن نلجأ إليه إلا مكرهين ، ولن نستخدمه إلا مضطرين وسنكون حينئذ صرحاء شرفاء ، لا نحجم عن إعلان موقفنا واضحا لا لبس فيه ولا غموض معه ، ونحن علي استعداد تام لتحمل نتائج عملنا أيا كانت ، لا نلقي التبعة علي غيرنا ، ولا نتمسح بسوانا ..(3)


وبالفعل كان هذا هو الذي حدث في ثورة يناير 2011م ، فلم يلجأ الإخوان إليها إلا مكرهين ، فمنذ ثلاثين سنة وأكثر والإخوان ينصحون ويحذرون ، ويتقدمون بمشاريع ورؤى لإصلاح الخلل وتقويم المعوج إلا أن مقترحاتهم كانت لا تلقي قبولا ، واعتقل منهم الآلاف في عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك ، وقدموا تضحيات تلو تضحيات علي الرغم من أنهم لم ينتهجوا طريق العنف أبدا .

ولما كثر الفساد ، وانتشر الاستبداد ، وعم الظلم ، وأصبح الفساد مقننا ، واستحال الأمر من نظام سياسي يحكم البلاد إلي عصابة منظمة لها أجنحة في شتى المجالات تسرق ثروات البلاد وتنهب وتغتصب وتقتل وتتاجر في الربا والدعارة وغسيل الأموال ، فلا تبالي برأي الشعب فضلا عن العقلاء من أبناءه وتزج بالمعارضين في المعتقلات وتنتهك حرماتهم ، فكان لابد من عون إلهي .

إذا لم يكن عون من الله للفتي
فأول ما يجني عليه اجتهاده

وجاءت الفرصة سانحة متمثلة في مظاهرات 25 يناير فشارك الإخوان كفصيل من الشعب المصري فيها ، لعل الحكومة أن تفيق . إلا أن الغطرسة استمرت وفضت الأجهزة الأمنية الاعتصام بالقوة بعد منتصف الليل ، فقرر الشباب من الحركات المعارضة المختلفة أن يجعل يوم الجمعة 28 يناير يوما للغضب . فأرسلت الأجهزة الأمنية تحذيراتها إلي قادة الإخوان أن لا تشاركوا في هذه المظاهرات –في جمعة الغضب- وإلا ..!!

فقرر الإخوان المشاركة في أحداث جمعة الغضب وكانوا كما قال الإمام البنا: حينئذ صرحاء شرفاء ، لا نحجم عن إعلان موقفنا واضحا لا لبس فيه ولا غموض معه ، ونحن علي استعداد تام لتحمل نتائج عملنا أيا كانت ، لا نلقي التبعة علي غيرنا ، ولا نتمسح بسوانا .

لكنني أود القول بأن الإخوان إذا كانوا قد حذروا النظام قبل الثورة بعقود وسنوات فقد حذروه كذلك قبلها بأيام ففي بيان بتاريخ 19 يناير أصدرت الجماعة تحليلا سياسيا لثورة الشعب التونسي التي نجحت في التغيير وأكدت الجماعة أن ما حدث وما زال يحدث في تونس الشقيق يمثل حالة واقعية وعملية لما يعرفه أهل القانون والساسة بالشرعية الشعبية التي هي فوق الشرعية الدستورية وهو في نفس الوقت يمثل رسالة واضحة لا لبس فيها إلي كل الجهات في الخارج والداخل . وقد طالب الإخوان من النظام الذي يملك القدرة علي هذا الإصلاح والتغيير إذا كانت لديه الإرادة والرغبة في ذلك ، التحرك نحو تحمل المسئولية والأخذ بزمام المبادرة لبدء مسيرة إصلاح جاد ، لأن كفة الاستقرار لن تدوم طويلا..(4)


الإخوان وثورة يناير

الدكتور محمد البلتاجي عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في ميدان التحرير

أرسلت الأجهزة الأمنية تحذيراتها إلي جماعة الإخوان المسلمين بعدم المشاركة في جمعة الغضب ،/ فقرر الإخوان المشاركة ، فقام جهاز أمن الدولة باعتقال 34 من قادة الجماعة معظمهم من مكتب الإرشاد ومسئولي المكاتب الإدارية بالمحافظات المصرية المختلفة .

وبالفعل شارك الإخوان المسلمون في مظاهرات جمعة الغضب وقاموا بتحويل المظاهرات بعددهم إلي ثورة بيضاء حقيقية لن ينساها التاريخ العالمي المعاصر .

وشكلت الجماعة غرفة عمليات لمتابعة أحداث الثورة المتتالية ، وفي 4 فبراير أصدرت الجماعة بيانا أكدت فيه الاعتزاز الكامل بالشعب المصري العظيم الذي خرج منذ يوم الثلاثاء 25 يناير ليضرب للعالم كله أعظم الأمثلة في تاريخ الشعوب مقدما الدماء والأرواح ثمنا لانتزاع حريته وكرامته وحقوقه في اختيار ممثليه وحكامه وسياسته ولقد قام الجيش المصري الشامخ بحماية المتظاهرين سلميا ضد كل صور الإرهاب والبلطجية وهذا هو عهدنا به دائما وما نأمله منه في المستقبل .

وأكدت الجماعة أنهم ليسوا طلاب سلطة ولا منصب ولا جاه ومن ثم فلن يرشحوا أحدا منهم للرئاسة ولن يزاحموا احدا وإنما هيئة إسلامية جامعة تعمل علي تحقيق الإصلاح الشامل بكل وسائل التغيير السلمي الشعبي وتسعي لاستعادة الشعب لسيادته وحقوقه..(5)


وظل الإخوان مرابطين في ميدان التحرير لا يتحزحون قيد أنملة عن المقدمة وضربوا في موقعة الجمل أروع الأمثلة للتضحية والفداء من أجل الوطن والحرية والكرامة الإنسانية .

ولقد رأيت –كشاهد عيان- إخواننا وقد أتوا من الفيوم ومن الصعيد ومن محافظات مختلفة بأطفالهم وزوجاتهم وأسرهم ، ليعتصموا في ميدان التحرير ويكون التحرير هو مكان نومهم وشربهم وأكلهم . ولقد مرت بهم الأيام ذات البرد الشديد حتى قطعوا الشجر الأخضر في الميدان ، ليكون نارا دافئة . عل الميدان يمتص الحرارة ويخفف من برده علي المعتصمين .


المؤسسات والتيارات الدينية وموقفها من الثورة

الجماعة الإسلامية

كتب الدكتور ناجح إبراهيم القيادي في الجماعة الإسلامية علي موقع الجماعة الرسمي قائلا :

خرج الرئيس حسني مبارك على جموع المصريين ليلقي كلمة مؤثرة ينهي بها عهده الحقيقي لتبدأ مرحلة جديدة أخرى نرجو أن تكون أفضل من سابقتها .. وقد ختم كلمته بعبارة مؤثرة أنه سيموت في أرضه وبلده التي حارب من أجلها ثلاثين عاما ً.. وأنه سيترك حكم التاريخ علي عهده كحكم عادل .

هذه الكلمة تعني أشياء كثيرة لعل أبرزها ما يلي:

1- إن الرئيس لن يرشح نفسه لفترة قادمة.. وهذا يعني أن عهد الرئيس مبارك قد انتهى عمليا .. ً وأنه يريد البقاء في هذه الأشهر المتبقية ليضمن انتقال السلطة بطريقة سلمية وسلسلة إلي من بعده .. وحتى لا تحدث فوضى تدمر الأخضر واليابس.

2- أن ملف التوريث الذي كان سببا ً في كثير من الاحتقانات السياسية المصرية قد انتهى إلي غير رجعة .. ولن يخطر أبدا ً على بال أي رئيس قادم .

3- أن ملف الخصخصة والذي باع معظم ثروات القطاع العام ببخسس الأثمان قد انتهى إلي غير رجعة .. حيث أن الوزارة الجديدة ليس فيها أي من رجال الأعمال الذين دعموا ملف الخصخصة دون أي ضابط اقتصادي أو شفافية أو أمانة .. فباعوا ثورات مصر العظيمة للآخرين بغير ثمن يذكر تقريبا ً

4- أن المادة 76 و77 من الدستور والتي أثارت احتقانا ً كبيرا ً.. سوف يتم تعديلها بحيث تتسع مساحة الترشح لرئاسة الجمهورية.

5- أن سياسة الإقصاء للتيارات السياسية والوطنية قد انتهت تقريبا ً .

6- أن تولي الرئيس لرئاسة الحزب الوطني قد انتهت تقريبا ً .. وقد ينتهي إلي الحزب الوطني نفسه إلي غير رجعة .. أو يتم تغيير رموزه الفاسدة والتي أفسدت الحياة السياسية.

7- أن هناك رئيسا ً جديدا ً فعليا ً هو اللواء/ عمر سليمان له خبرات كبيرة في السياسة الخارجية والداخلية .. وعلى دراية كافية بصناعة القرار السياسي الداخلي والخارجي .. وكل رغبات الشعب في تظاهراته المليونية كانت نصب عينيه .. وينبغي إعطاءه الفرصة للإصلاح وفرض الأمن والسكينة في المجتمع وغدارة عملية الاقتصاد من جديد .. ومن يرفضه الآن إنما يريد الفوضى وخراب البلاد وتدميرها وتحويل مصر إلي عراق أخرى ليضيع على الشعب المصري كل شيء .

8- أن المستقبل سيكون أفضل ... فقد حدثت صحوة للشعب المصري ظهرت فيها وطنيته وحبه لبلده .. وحرصه علي مصلحتها وأمنها .. فقد حرص معظم المتظاهرين على عدم التخريب وعلى أمن المنشآت والكنائس والمحال التجارية .. وتناوبوا على حراستها .. وتجلي ذلك في مشاهد كثيرة ليس هذا مجال حصرها .

إذا ً نحن أمام عهد جديد .. وينبغي علي المتظاهرين أن يتجاوبوا مع كل هذه النقاط التي ذكرناها .. والتي حواها الخطاب الأخير للرئيس مبارك .. سواء صراحة أو ضمناً.

وعليهم ألا تغلب عليهم نظرية المؤامرة التي تقول لهم ! "إن هذه خدعة من الرئيس أو التفاف علي مطالبهم" .. هذا كلام غير عاقل .

فالرئيس حسني مبارك رغم خلاف الجميع معه ليس من هذا النوع الضعيف الذي يعلن عن أمر ثم يلتف عليه .. أو يكذب حتى في أحرج المواقف الصعبة .. لأن حديثه الذي أذيع على العالم كله توافقت عليه قوي كثيرة في الحكم وخارجه .. وفي الداخل والخارج حتى أصبح أمرا ً منتهيا ً وقضاء ً محتوما ً .

كما أن الرغبة في إذلال رئيس الجمهورية بطرده من مصر لا يليق بشعب مصر العظيم .. فقد تخلي الرجل عن السلطة .. ويجب إكرامه وذكر أفضاله .. ولا ينبغي للشعب أن يهين رئيسه في آخر حياته .. وبعد أن نزل عن صهوة جواده .. فالكريم لا يسدد الطعنة لمن نزل عن جواده .

وينبغي ألا ننسى أن هذا الرجل قاتل من أجل مصر ثلاثين عاما ً كاملة .. وهذه قد تغفر له ما حدث في عهده من أخطاء جسيمة ومظالم كثيرة .. قد يكون بعض أولاده والمحيطين بهم سببا ً في أكثرها .

وينبغي علينا في هذه اللحظات الفارقة في تاريخ مصر أن يغلب الجميع أخلاق النبل والفروسية .. فالرجل لا يريد سوي أن يعيش في مصر ويموت بها وعلينا في هذه اللحظات التي يذكر الجميع فيها عيوبه ومثالبه .. أن يذكر له إلي جوار ذلك أنه جنب مصر ويلات الحروب أو الغزو الخارجي طوال فترة عهده .. ولا ينبغي لأحد أن يتشفي فيه بعد زوال ملكه .. فالتشفي خلق لا يليق بالرجال .

وينبغي علي المتظاهرين أن يعودوا أدراجهم حتى تسير عجلة الحياة الطبيعية .. وألا يركبهم العناد فيقعوا في نفس الخطأ الذي وقع فيه الرئيس حسني مبارك .. ولكن عليهم في هذه اللحظة أن يغلبوا مصالح الأوطان علي ما سواها .

ففي كل يوم من أيام المظاهرات وحظر التجول تخسر مصر قرابة 20 مليار جنيه من اقتصادها .

وحسنا فعل الرئيس حسني مبارك أنه ترك السلطة .. ولكنه لم يغادر مصر .. لأن ذلك أدعي أن يكون بيننا منذ الآن في مصر الرئيس السابق ليعيش كريما ً بيننا.. وذلك سيشجع الآخرين على ترك السلطة بسلام وسلاسة وأمان.

ثم أنني أقول: ماذا تريدون أكثر من ذلك ؟

إن المزايدة في طلب المستحيل في مثل هذه المواقف الحساسة سيضيع الممكن.. وقد يحرق مصر كلها .. ويورث العناد بين الطرفين .. ويشعر الحاكم الجديد أن هؤلاء يريدون الفوضى ولا يريدون التغيير.

كما أن العقلية الجمعية التي لا رأس لها ولا قائد لها قد تتحول أحيانا ً إلي الفوضى .. وشرعية الفوضى أخطر علي مصر من الشرعية الدستورية الفاسدة .

إنني أقول هذا رغم أنني من أبرز قادة الجماعة الإسلامية التي سامها النظام في عهد الرئيس حسني مبارك كل ألوان العذاب والاعتقال والتشريد والإقصاء حتى بلغ عدد المعتقلين من أبناء الجماعة الإسلامية في عهده أكثر من عشرين ألف معتقل .. وأعدم في عهده مائة أخ من الجماعة الإسلامية حكمت عليهم المحاكم العسكرية والاستثنائية دون نقض أو استئناف .. ورغم ذلك كله فإن ذلك لا يدعونا للتشفي فيه .. أو غمطه حقه .. أو تحويل حسناته إلي سيئات وإيجابياته إلي سلبيات .. فما هكذا يكون الإسلام .

وما هكذا تكون الرجولة ؟

وكيف يكون ذلك والقرآن يدعونا للعدل حتى مع الذين أساؤوا إلينا "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى".

فرغم كل ما شاب عهد الرئيس حسني مبارك من سلبيات ومظالم كثيرة وإقصاء للجميع وأولهم الإسلاميون .. إلا أننا لا يمكن أن ننسى أنه ظل ثلاثين عاما ً عن عمره يحارب من أجل وطنه .. وأن الحكم جاءه ولم يطلبه .. ولكن الخطأ هو الاستمرار فيه إلي مالا نهاية ورفضه تماما ً لتداول السلطة .. واستجابته لمن حوله ممن رغبوا في التوريث.. وتقريب ثلة فاسدة لم تبذل شيئا ً لنصرته في الوقت العصيب الذي مر به .. بل تركوه وحيدا ً في الميدان .. وخذلوه خذلانا مبينا ً .. وذلك لأنهم من طلاب الدنيا والمناصب الذي يتخلون عن سيدهم في المواقف الصعبة ليخدموا غيره .

كما أننا لن ننسى أبدا ً رغم كل المظالم التي وقعت علينا أنه قبل مبادرة وقف العنف وأفرج عن آلاف المعتقلين .. ورفض تنفيذ حكم الإعدام في الشيخ/ مصطفى حمزة .. رغم اتهامه بأنه كان وراء عملية أديس بابا.

إن ما يميز الجماعة الإسلامية عن غيرها أنها لم تتاجر يوما ً بآلامها ولا بجراحاتها .. ولم تطلب يوما ً مقابلا ً لتضحياتها .

واليوم تسير علي نفس النهج وتقول للشعب المصري " ارحموا عزيز قوم " .. وتقول لهم انتهى عهد الرئيس حسني مبارك فدعوه يسلم السلطة لمن بعده بسلاسة وأمان.

ونقول لهم عيشوا هذه الأيام مع قوله تعالى: " وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ " .

كما أذكر أخواني من الشعب المصري الآن في شوارع مصر:

أخاف على مصر من الفوضى .. فشرعية الفوضى أخطر على مصر من عدم الاستجابة لبعض طلباتكم .. ويكفي أن 90 % من طلباتكم قد استجيب لها .. وميدان التحرير لن يصادر ولن يطير ولن يشمع بالشمع الأحمر.

فمادام الشعب وخاصة شبابه قد عرفوا طريق الحرية فلن يتركوا هذا الطريق أبدا ..(6)

هذا موقف الجماعة الإسلامية الرسمي من ثورة يناير وهو موقف متخاذل جداً لا يحتاج إلي تعليق


التيار السلفي وموقفه من ثورة يناير

أصدرت الجماعة السلفية بالإسكندرية فتوى تؤكد عدم مشروعية المشاركة أو الخروج في المظاهرات التي تمت الدعوة إليها عبر شبكة الإنترنت والتي توافق الاحتفال بعيد الشرطة ..(*)


سُئل الشيخ ياسر برهامي –من مشايخ وقادة مدرسة إسكندرية- عن المشاركة في مظاهرات 25 يناير وكان السؤال والجواب كالآتي :

  • ما حكم المشاركة في ثورة 25 يناير التي دعا لها عدد من الناشطين على الإنترنت اقتداءً بثورة تونس؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فرغم تعرض الدعوة لحملات الطعن، والاتهامات الكاذبة، وتشويه الصورة، وأنواع مِن الظلم على رموزها وأبنائها؛ إلا إننا انطلاقًا مِن تمسكنا بديننا وشعورنا بالمسئولية تجاه بلادنا وحرصًا على مصلحتها، وتقديمًا وتغليبًا لأمن العباد والبلاد في هذه الفترة العصيبة، وتفويتاً لمقاصد الأعداء التي تهدف إلى نشر الفتن نرى عدم المشاركة في تظاهرات الخامس والعشرين من يناير، وكلام المشايخ واضح جدًّا في ذلك، والأوضاع مختلفة بين مصر وتونس.

ولا يعنى هذا رضانا عن أي مظلمة صغيرة أو كبيرة أصابت الناس وأعظمها تغييب شرع الله لكننا نأتمر بما أمرنا الله به من الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن وبما لا يعقب مضرة أكبر.

وأقول للإخوة الأحباب الذين يدعون الشباب للمشاركة خاصة الذين لا يعيشون بيننا لو كنتم بمصر لكان عليكم ألا تتخذوا موقفاً انفرادياً دون الرجوع لمشايخ الدعوة، فكيف وأنتم غائبون؟ والمشايخ في الإسكندرية جميعهم-بعد تشاورهم- متفقون على ما ذكرته في إجابتي، وما أظن غيرهم خارجها يخالفهم. د/ ياسر برهامي ..(7)


موقف المؤسسة الكنسية من ثورة يناير

رفضت المؤسسة الكنسية –الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية- دعوات المشاركة في المظاهرات والاحتجاجات يوم 25 يناير ..(8)

وفي هذا الموقف المعارض للمظاهرات والمتواطئ مع النظام البائد يقول الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة رئيس لجنة الإعلام بالمجمع المقدس : "هذه المظاهرات لا نعرف هدفها ، ولا نعرف تفاصيلها ، ومن يقف ورائها ، والكنيسة الأرثوذكسية تطالب أبنائها بعدم الانسياق وراء الدعوات المشاركة في المظاهرات الداعية إلي التخريب والهدم" .

ثم يؤكد القمص عبد المسيح بسيط ، كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد ذات الموقف ، بدعوة مسيحي مصر والمهجر إلي الاعتكاف يوم 25 يناير للصلاة في الكنائس أو المنازل ليحفظ الله مصر وشعبها ، وعدم المشاركة في يوم الاحتجاجات والمظاهرات .

وجاء موقف الكنيسة الكاثوليكية علي لسان الأنبا أنطونيوس عزيز مطران الجيزة للأقباط الكاثوليك الذي قال : "نرفض تلك المظاهرات ، ولا نقبل الخروج علي الحاكم إطلاقا ، ونرفض تماما الانخراط في تلك الأعمال التي لن تجدي" ..(9)


ونحن هنا لا نزعم أن الأقباط المسيحيين لم يشاركوا في ثورة يناير ، لأننا لمسنا مشاركتهم بأنفسنا لكننا نرصد الموقف الرسمي للكنيسة بغض النظر عن التزام الشارع المسحي بتعاليم الكنيسة أم لا .

يقول الناشط الحقوقي ممدوح رمزي :" إن من أعظم إنجازات ثورة 25 يناير أنها أسقطت هيمنة الكنيسة علي الأقباط ووصايتها عليهم سياسيا ، حيث خرج جموع الأقباط وشاركوا إخوتهم المسلمين في الثورة غير مبالين بتصريحات بعض القيادات الدينية التي طالبت بعدم الخروج في مظاهرات يوم الغضب ..(10)


موقف الإخوان في سياق المواقف المغايرة

وهنا يجب أن نتفهم موقف جماعة الإخوان المسلمين في ظل المواقف السابقة للتيارات الدينية المختلفة ، بل وفي ظل المواقف المذبذبة والمتأرجحة لكافة القوي الليبرالية والعلمانية المنظمة –والممثلة في الأحزاب- أثناء الثورة وفي ظل الدعوات للحوار مع نائب الرئيس عمر سليمان .

فبعضهم دعا لإخلاء الميدان وبعضهم توقف والآخر تخذل وهلم جرا .

لم يخش الإخوان المسلمون أن يظلوا وحدهم في ساحة الميدان ، لأن الإمام الشهيد حسن البنا قال : ونحن علي استعداد تام لتحمل نتائج عملنا أيا كانت ، لا نلقي التبعة علي غيرنا ، ولا نتمسح بسوانا .

وبالفعل كان الإخوان علي أتم استعداد لأن يتحملوا مسئوليتهم إذا ما أخفقت الثورة ، وكيف لا والإمام الرباني القديس الصالح المصلح الذي غرس هذه البذرة هو الذي قال لأتباعه :"أيها الإخوان : إن الأمة التي لا تحسن صناعة الموت ، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة ، يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة . وما الوهن الذي أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت ، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم واحرصوا علي الموت توهب لكم الحياة ، واعلموا أن الموت لابد منه وأنه لا يكون إلا مرة واحدة ، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة وما يصيبكم إلا ما كتب الله لكم" ..(11)


فيلم تسجيلي عن دور الإخوان في الثورة

دور الاخوان في ثورة يوليو 1952 ويناير 2011


حمل الملف


المراجع