الإرهاب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الإرهاب


من منطلق إسلامي ندين الإرهاب بدون تحفّظ

الإرهاب.png

لا يكاد يمرّ يوم إلاّ ويصدم العالم كلّه بأعمال عنف تطال الأبرياء من الناس، كان آخرها التفجيرات التي طالت السياح في شرم الشيخ فأصابت الكثير من المصريين، وقبلها تفجيرات لندن ومدريد والرياض والدار البيضاء، فضلاً عمّا يحدث في العراق المقاوم من أعمال تحصد المئات من الأبرياء في الشوارع وعلى أبواب المساجد في كثير من الأحيان.


من المؤكّد أنّ من أهمّ أسباب هذا العنف الأعمى، ما يجري في العالم من ظلم فاضح تمارسه القوى العالمية الكبرى وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأميركية ضدّ الشعوب المستضعفة في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها، وتسخّر في كثير من الأحيان المؤسسات الدولية (كمجلس الأمن) لتحقيق أطماعها ومصالحها وتبرير اعتداءاتها، ممّا يؤجج شعور الحقد عند المظلومين ضدّ العالم كلّه، ويجعلهم لا يميّزون بين المقاتلين والمدنيين، ولا يبيّن العدو والصديق فيوجهون أعمالهم ضدّ شعوبهم أيضاً.


هذا الكلام الذي يكرّره كثيرون، ومنهم مسؤولون ورجال فكر وصحافيون في العالم الغربي نفسه، قدّ يفسّر بعض أسباب ما يجري من أعمال عنف، لكنّه لا يعني تبرير هذه الاعمال.


ولأنّ أكثر هذه الجرائم منسوبة إلى المسلمين، وإن كنت أرجّح أنّ دوائر الاستخبارات المعادية ليست بعيدة عنها. ولأنّ بعض المسلمين يحاولون أن يقدّموا لها تبريرات شرعية، مما يزيد في تأليب الرأي العام الإسلامي أولاً والعالمي ثانياً ضدّ الإسلام، وضدّ الحركات الإسلامية باعتبارها طليعة المقاومة ضدّ كلّ أنواع العدوان الأجنبي، وضدّ الدول والشعوب الإسلامية باعتبارها السوق الواسعة لنظام النهب العالمي.


ولأنّ جميع التبريرات التي تقدّم ممّن يبرّرون هذا العنف الأعمى، تدور حول فهم خاطئ لأحكام القتال في الإسلام، وأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لذلك أردت أن أشرح بعض الضوابط الشرعية في هاتين المسألتين، مقتصراً على ما يتعلّق منها بمثل هذه الأعمال فأقول:


بعض الضوابط الشرعية لأحكام القتال في الإسلام

الأول: أنّ القتال المشروع في الإسلام هو الجهاد في سبيل الله لا يكون إلاّ ضدّ العدو الخارجي.

يفهم ذلك من السياق التاريخي لأحكام الجهاد. فالمسلمون في مكّة المكرّمة كانوا يتعرّضون لأبشع أنواع الاضطهاد والإيذاء حتى قتل بعضهم تحت التعذيب، ومع ذلك لم يأذن الله لهم بالقتال بل قال لهم: (كفّوا أيديكم وأقيموا الصلاة..) النساء 77. حتى إذا هاجروا إلى المدينة وأقاموا فيها دولتهم بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أذن لهم بالقتال دفاعاً عن أنفسهم: (إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا، إنّ الله لا يحبّ كلّ خوّان كفور. أذن للذين يقاتلون بأنّهم ظلموا، وإنّ الله على نصرهم لقدير..) الحج 38. وقد ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية أنّه لمّا كثر المؤمنون بمكّة: <<وآذاهم الكفّار، وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض مؤمني مكّة أن يقاتل من أمكنه من الكفّار، ويغتال ويغدر ويحتال، فنزلت هذه الآية وهي أفصح نهي عن الخيانة والغدر>>. ومعنى ذلك بوضوح أنّ القتال داخل المجتمع ليس مشروعاً سواء كان المسلمون فيه قليلاً أو كثيراً.


ومن يراجع آيات القرآن الكريم التي تبيح القتال يجدها كلّها تتناول العدو الخارجي، باستثناء آية واحدة تحدّثت عن وقوع قتال بين فئتين من المسلمين، وأمرت بالإصلاح بينهما، حتى إذا بغت إحداهما على الأخرى أمر المسلمين بقتال الفئة الباغية: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله...) الحجرات 9. ومثل ذلك الأحاديث النبويّة الصحيحة فهي أيضاً لا تخرج عن هذا النطاق.


ومن هنا يتبيّن لنا أنّ ما يجري في البلاد العربية والإسلامية من أعمال قتالية ضدّ المدنيين لا تدخل في باب الجهاد المشروع.


الثاني: لا يجوز قتل المدنيين أثناء القتال :

نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في كثير من الأحاديث المروية في الصحيحين، وسائر كتب السنّة عن قتل الأطفال والنساء غير المقاتلات والشيوخ غير المقاتلين والعسفاء (الأجراء الذين يعملون في غير شؤون القتال) والتجّار والرهبان في الصوامع، وقد قاس الفقهاء على هذه النصوص فمنعوا قتل الأعمى والمريض المزمن والمعتوه والفلاح وأمثالهم. وهؤلاء يسمون اليوم (المدنيون) وقد اتّفقت المواثيق الدولية على عدم جواز التعرّض لهم أثناء الحروب.


نعم، قد يقع أثناء احتدام المعارك أن يصاب بعض المدنيين بالأذى، وهذا يحصل عادة في جميع أنواع الحروب، ومن قبل كلّ الفرقاء، ولم يجزه الفقهاء إلاّ بشرط أن لا يكون هناك تقصّد لقتل غير المقاتلين. قد نقل الشوكاني عن ابن بطال: <<أنّه اتّفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل النساء والولدان>> (نيل الأوطار 7/211).


وتعتبر وصيّة أبي بكر رضي الله عنه لأوّل جيش إسلامي خرج من الجزيرة العربية لقتال الروم أعظم وثيقة في التاريخ لمنع العنف وحماية المدنيين أثناء القتال، وقد جمع فيها ما ذكر في أحاديث متفرّقة. قال: <<لا تمثّلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً (لا تقطعوه) ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلاّ لمأكلة، وسوف تمرّون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له>> (تاريخ الطبري).


ومن هنا نعلم أنّ التفجيرات التي تتقصّد المدنيين كما حدث في لندن ومدريد وشرم الشيخ والرياض وغيرها تخالف أحكام الجهاد المعروفة.


الثالث: لا يجوز قتل الرسل :

يقول ابن القيّم: <<وكانت تقدم عليه أي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم رسل أعدائه فلا يهيجهم ولا يقتلهم>> زاد المعاد 3/139. وقد ورد في أكثر كتب السيرة خبر مجيء رسولي مسيلمة الكذّاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهما ابن النواحة وابن أثال، وأنّهما أبلغا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم رسالة مسيلمة، <<ولما سألهما: أتشهدان أني رسول الله؟ قالا: نشهد أنّ مسيلمة رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: آمنت بالله ورسوله: لو كنت قاتلاً رسولاً لقتلتكما>> (رواه أحمد 3/487 وقد وردت مثل هذه الرواية بألفاظ مختلفة في سنن أبي داود 2/486 وفي سنن الدارمي 2/191 وفي سنن البيهقي 9/356 وفي مشكاة المصابيح 2/347).


بل إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان لا يحبس الرسول عنده حتى ولو أعلن إسلامه. ذكر ابن القيّم في زاد المعاد أنّ أبا رافع قال: <<بعثتني قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، فلمّا أتيته وقع في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، لا أرجع إليهم. فقال: إني لا أخيس العهد، ولا أحبس البرد، إرجع إليهم، فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجع>> (رواه أحمد 6/8 وأبو داود 2/484) لا أخيس العهد: لا أنقض العهد، البرد: الرسل.


ومن هنا نعلم الحكم الشرعي في قتل السفير المصري والمبعوثين الجزائريين في العراق. إذ هم سفراء لا يجوز قتلهم حتى لو كانوا كفاراً، فكيف وهم مسلمون، ودماؤهم معصومة بسبب إسلامهم أولاً وبسبب وظيفتهم ثانياً، فضلاً عن أنّ الشعبين المصري والجزائري يؤيدان بشكل مطلق المقاومة العراقية.


الرابع: خطف الأبرياء كرهائن :


1- إنّ خطف الرهائن واحتجازها يعتبر من الأعمال الحربية. ولذلك فهو غير جائز أصلاً إلاّ في حالة الحرب المعلنة. وقد خطف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ناساً من أهل الحرم من المشركين وهم غافلون، وذلك عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلى مكّة معتمراً، فأطلق سراحهم لأنّه لم يكن في حالة حرب بل خرج معتمراً (تفسير الطبري 26/59). كما أطلق سراح الأربعة من المشركين الذين خطفهم سلمة بن الأكوع بعد صلح الحديبية لأنّه لم يكن في حالة حرب (صحيح مسلم غزوة ذي قرد).

2- ومن الطبيعي أن نقول: انّ الذين لا يجوز أصلاً قتلهم في حالة الحرب، لا يجوز خطفهم وتهديدهم، فلا يجوز خطف النساء والأطفال والشيوخ والرهبان والأجراء وغيرهم من المدنيين غير المقاتلين ولا السفراء أو من في حكمهم، وإذا حصل ذلك فالواجب الشرعي يقتضي إطلاق سراحهم فوراً، إلاّ إذا كانوا متّهمين بالتجسس لحساب العدو. ومن هنا نعلم الحكم الشرعي في كثير من حوادث الخطف غير المبررة. كما أننا نشيد بعملية إطلاق سراح المحتجزين عند بعض مجموعات المقاومة حين تبيّن من التحقيق معهم براءتهم من تهمة التجسّس.

3- والمخطوفون كرهائن لهم بعد خطفهم أحكام الأسرى، ولذلك:

يجب إكرامهم التزاماً بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لأصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى وأن يستوصوا بهم خيراً.

أما مصيرهم فهو محصور في كتاب الله عزّ وجلّ بين إطلاق سراحهم منّاً عليهم بدون مقابل، وبين إطلاق سراحهم مقابل فدية معيّنة، قال تعالى: (... فإمّا مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها) محمّد

4- وقد أجاز بعض الفقهاء قتل الأسير إذا رأى الأمير ذلك، وإذا كان قد ارتكب عملاً يستحقّ به القتل. هذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم مع عدد قليل جداً من الأسرى الذين كانوا قد ارتكبوا جرائم أخرى يستحقّون عليها القتل. وإجماع العلماء منعقد على أنّه لا يجوز للخاطف أن يقتل أسراه، بل يعود ذلك لولي الأمر بناءً على حكم قضائي.


من هذه الأحكام الشرعية المعتمدة يتبيّن لنا خطأ كثير من حوادث الخطف التي تجري اليوم.


من ضوابط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

شرّع الإسلام فريضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كوسيلة دفاع داخل المجتمع ضدّ كلّ أنواع الانحراف، سواء كان على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الحكّام، وسواء كان الانحراف كبيراً أو صغيراً. قال تعالى: (ولتكن منكم أمّة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله) آل عمران 104. وقد اتّفق جمهور الفقهاء أنّ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فرض كفاية، إذا قام به بعض المسلمين سقط الوجوب عن الباقين، فهو فرض على الجماعة ككلّ، وليس على كلّ فرد من أفرادها.

كما اتّفقوا على الضوابط الشرعية لهذه الفريضة بما في ذلك عدم جواز الوصول بالتغيير باليد إلى حد استعمال السيف. وأرى من الواجب شرح هذه المسألة بشيء من التفصيل، لأنّ إساءة فهمها تؤدي دائماً إلى فتن تمزّق وحدة المجتمع.


1- تغيير المنكر باليد لا يعني استعمال السيف

إنّ المجتمع المسلم يتعرّض عادةً لانحرافات كثيرة على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو المجموعات أو الحكّام، وقد تكون هذه الانحرافات بسيطة أو كبيرة، وقد أمر الإسلام بمعالجتها عن طريق (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وجعل ذلك على درجات ثلاث (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) (رواه مسلم). ولم يقل أحد من العلماء أنّ تغيير المنكر باليد يجوز استعمال السيف فيه ويمكن أن يصل إلى حدّ القتل، إلاّ ابن حزم الظاهري، أما جمهور العلماء فإنّهم لا يبيحون استعمال السيف في الإنكار باليد. وقد ذكر الأشعري في (مقالات الإسلاميين) خلاف العلماء في هذه المسألة <<فقال قائلون: تغيّر بقلبك، فإن أمكنك فبلسانك، فإن أمكنك فبيدك، وأما السيف فلا يجوز. وقال قائلون: يجوز تغيير ذلك باللسان والقلب، فأما اليد فلا>>. ومعنى ذلك أنّ التغيير باستعمال السيف لا يجوز عند الجميع، وأنّ بعضهم أضاف إلى ذلك منع التغيير باليد أيضاً. وقال النووي: <<وأما الخروج عليهم أي الحكام فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته>> (شرح صحيح مسلم 8/35).


2- هل يجوز الخروج المسلّح على الدولة؟

كانت المنكرات الواقعة في المجتمعات السابقة منكرات جزئية، وهي معاص لا تصل إجمالاً إلى درجة الكفر. أما اليوم فقد تسلّط المنكر الأكبر على كثير من بلاد المسلمين، وهو الحكم بغير ما أنزل الله. بل قد وصل هذا المنكر إلى ما يشبه الكفر ورفض الإسلام جملةً وتفصيلاً. لذلك يطرح بعض الشباب المسلم ضرورة الخروج المسلح على الحاكم بحجّة الكفر والردّة، ويبيحون ما يقع من أعمال عسكرية أو تخريبية داخل المجتمعات المسلمة بحجّة أنها جهاد مشروع ضدّ النظام الكافر. وسأوضح الضوابط الشرعية للتكفير في ما بعد، أما الآن فسأتناول مسألة الخروج المسلّح في نقاط مختصرة.


3- شروط جواز الخروج المسلّح

إنّ الأحاديث الصحيحة صريحة جداً في عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم بالسلاح مهما انحرف إلاّ (أن تروا كفراً بواحاً).

قال عبادة بن الصامت: <<دعانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان>> (رواه مسلم).

إننا لا نجد بين حكّام المسلمين اليوم على اختلاف درجاتهم من يعلن الكفر البواح أو يجاهر بترك الصلاة، بل إنّ أكثرهم انحرافاً يشارك المسلمين في صلاتهم بالمناسبات الدينية،

وبالتالي فإنّه لا يجوز الخروج عليهم بالسلاح. وبقي إنكار المنكر والمقاومة السلمية مطلوباً ولو تعرّض أصحابه إلى الأذى.


اختلاف العلماء في هذه المسألة على مذهبين :

ظهرت الخلافات السياسية بين المسلمين منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وتمّ حسم بعضها، وتفاقم البعض الآخر حتى أدى إلى ثورات مسلّحة وحروب داخلية تسببت بقتل عشرات الألوف من المسلمين، وباستنزاف طاقات الأمّة. وراح الفقهاء يدرسون مسألة الخروج على السلطة الحاكمة بحجّة انحرافها عن الجادّة. وقد انقسم الرأي بينهم إلى مذهبين:


مذهب القائلين بوجوب أو جواز الخروج المسلّح على أئمّة الجور والظلم: ومنهم ابن حزم الذي قال: <<إنّ سلّ السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يمكن دفع المنكر إلاّ بذلك>>. وقد استدلّوا على ذلك بآيات من القرآن الكريم تتناول أحكاماً عامّة، وبالأحاديث التي تدلّ على خطر الأئمّة المضلّين، وهذه تحتمل معالجة خطرهم بغير السلاح، كما استدلّوا بفعل الصحابة والسلف، وهذا لا حجّة فيه لوقوع الخلاف الكبير حول هذا الموضوع بين الصحابة الكرام ومن بعدهم.


مذهب القائلين بعدم جواز الخروج المسلّح على الأئمّة المنحرفين: وهو مذهب أغلب أهل السنّة والجماعة طالما أنّ الانحراف لم يصل إلى درجة الكفر. وقد ادّعى النووي في شرحه لصحيح مسلم الإجماع على هذا الرأي، لكن من المعروف أنّ هناك من خالف ذلك من أهل السنّة ومن غيرهم. وقد استدلّ أصحاب هذا المذهب بأحاديث صريحة كثيرة كالتي ذكرناها آنفاً، وبالأحاديث الدالّة على تحريم اقتتال المسلمين في ما بينهم وعلى النهي عن القتال في الفتنة، كما استدلّوا بمراعاة مقاصد الشريعة في تحقيق أكمل المصلحتين بتفويت أدناها، ودفع أعظم الضررين باحتمال أخفّهما، باعتبار أنّ الضرر في الصبر على جور الحكّام أقلّ منه في الخروج عليهم.


ونحن نرى أنّ أدلّة القائلين بعدم جواز الخروج المسلّح على الحكام المنحرفين أقوى من أدلّة الآخرين، ونضيف إلى ذلك أنّ تغير الواقع في المجتمعات المعاصرة حسم الخلاف بين المذهبين لمصلحة الرأي القائل بعدم جواز الخروج المسلّح.


ذلك أنّ القائلين بالجواز أو الوجوب يشترطون للخروج المسلّح شرطين :


الأول: أن لا يكون دفع المنكر ممكناً إلاّ بواسطة الخروج المسلّح.

الثاني: أن يغلب على الظنّ أنّ الخروج المسلّح ينتهي بإنكار المنكر، ولا يتسبب بمنكر أكبر منه.


أقول: في المجتمعات السابقة كان الثوار يملكون نفس سلاح الحكّام (السيف مقابل السيف)، فهناك توازن يجعل انتصار أي من الفريقين محتملاً. أما الآن فإنّ الجيوش النظامية تملك من أنواع السلاح الثقيل من المدافع والدبابات والطائرات ما لا يمكن أن تحصل عليه أية جماعة شعبية. فضلاً عن أنّ جنودها يتمتّعون بميزات التفرّغ والتدريب والتمويل ما لا يمكن أن يتوفّر مثله في المجموعات الشعبية. وأي معركة عسكرية تحصل بين الطرفين لا يمكن أن تكون إلاّ لمصلحة الجيوش النظامية. وبالتالي فإنّ الخروج المسلّح إذا كان في الماضي محتمل النجاح وهو بالتالي قد يؤدي إلى إزالة المنكر، فهو في هذا العصر أقرب إلى الفشل المحتّم، ولا ينتج عنه إلاّ تثبيت الحكم المنحرف وقيام الفتنة بين المسلمين واستنزاف طاقات الأمّة.


وإذا كان المسلمون في المجتمعات الإسلامية الأولى وكذلك جميع الأمم الأخرى لم يصلوا إلى طريقة لمحاسبة حكامهم وعزلهم عند الحاجة إلاّ عن طريق الثورات المسلّحة، فإنّ البشرية اليوم توصلت في أكثر بلاد العالم إلى إقامة أنظمة دستورية، يختار فيها الشعب حكامه لمدّة معيّنة، ويحاسبهم ويعزلهم، كلّ ذلك بالوسائل السلمية التي تحفظ وحدة الأمّة. وبإمكان المسلمين أن يستفيدوا من هذه الإنجازات البشرية، فقد صار بالإمكان تغيير منكر الحكام دون الخروج المسلّح، ومما لا شكّ فيه أنّ هذه الطريقة السلمية في إزالة المنكر أكثر احتمالاً للنجاح، ولا يترتّب عليها ضرر. بينما الخروج المسلّح لا يحتمل النجاح في هذا العصر، ويترتّب عليه ضرر كبير. إنّ المسلمين اليوم هم أحرى الناس باعتماد هذه الوسائل السلمية ولو كان اسمها (ديموقراطية) طالما أنها تحقّق مقاصد الشريعة وبأسلوب شرعي. والتوقّف عن النقاش حول الخروج المسلّح والأدلّة التي تسمح به أو تمنعه.


ونشير أخيراً إلى أن الجمهور الأكبر من العلماء، وبعد تجارب مريرة على مدار التاريخ الإسلامي (استقرّ رأيهم على منع الخروج المسلّح وترك القتال في الفتنة، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمّة وترك قتالهم. يقول ابن تيمية في بيان ترجيح هذا الرأي: <<... لكن إذا لم يزل المنكر إلاّ بأكبر منه، صارت إزالته على هذا الوجه منكراً. وإذا لم يحصل المعروف إلاّ بمنكر، مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف، كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكراً. وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلاّ كان ما تولّد على فعله من الشرّ أعظم ممّا تولّد من الخير>> (منهاج السنّة 2/241).


4- الخروج المسلّح يؤدي إلى (الفتنة) ويعتبر جريمة (حرابة)

إنّ الخروج المسلّح على الدولة يؤدي إلى استعمال القتل والترويع واغتصاب الممتلكات وغيرها داخل المجتمع المسلم، وهو يسمى عند الفقهاء (حرابة) أو (فتنة).


والحرابة هي قيام فرد أو مجموعة من المسلمين بإعلان الحرب ضدّ المجتمع، واستباحة الدماء والأموال والأعراض، والقيام بأنواع من الترويع والإيذاء، وهو ما يعتبر فساداً في الأرض، ويستحقّ عقوبة أقسى من عقوبات القاتل والسارق والزاني، لأنّ الجريمة هنا ليست نزوة فردية لإشباع نهم مالي، أو شهوة جنسية، أو ثأر شخصي، وإنما هي منهج يتحرّك فيه صاحبه ضدّ المجتمع، أياً كانت دوافع هذا التحرّك. قال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض...) المائدة 33.


والفتنة هي وقوع القتال بين فئتين من المسلمين، وكثرة الهرج والمرج، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عن الدخول في أنواع الفتن، وجعل (النائم فيها خيراً من القائم) وجعل (قتلاها كلها في النار) رواه أحمد ورجاله ثقات كما في مجمع الزوائد 7/302، وأمرنا باعتزال الناس عندما تسود الفتنة (فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كان له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه) (رواه الحاكم في المستدرك وصححه الذهبي). وقد اتّفق جمهور الفقهاء من أهل السنّة والجماعة، أنّ الحاكم إذا انحرف لا تجوز طاعته في معصية الله، ويجب نصحه، ومن يفعل ذلك من المسلمين فهو مجاهد. وإذا قتله الحاكم فهو شهيد (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) (أخرجه الحاكم). ولم يبح جمهور العلماء الخروج على الحاكم المنحرف بالسيف خوفاً من الفتنة، والتزاماً بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عندما سأله الصحابه: (ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلّوا) أو (إلاّ أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان) رواهما مسلم.


من منطلق إسلامي صرف ندين الإرهاب بدون تحفّظ

مع الإدانة الكاملة لكلّ عمليات الإرهاب مهما كانت دوافعها وأسبابها

لكننا نرفض أن ينسب الإرهاب للمسلمين، وكلّ شعوب الأرض مارست الإرهاب، وبصورة أسوأ مما فعله بعض المسلمين. ولنتذكّر ما جرى في الحرب العالمية الثانية، وما يجري اليوم في فلسطين والعراق وأفغانستان، والفارق الوحيد بين هذه الحالات أنّ المسلمين لم يمارسوا أي نوع من هذه العمليات إلاّ في إطار الدفاع عن النفس، فعملهم مقاومة مشروعة من حيث الأصل وقعت فيها هذه التجاوزات، أما الآخرون فهم يمارسون الإرهاب ابتداءً، وفي إطار العدوان الواضح على غيرهم كما يحصل في جميع البلاد المحتلّة.


من العجيب أن تسمى العمليات الإرهابية التي يقوم بها المسلمون بغضّ النظر عن أسبابها وظروفها إرهاباً إسلامياً، وتوضع بسببها الخطط لمحاربة الإسلام كدين، وتبذل محاولات لتعديل مناهج التعليم، ولمحاصرة الأعمال الخيرية والدعوية، وتقام مؤسسات دولية لتزييف الفكر الإسلامي وتعديل الثوابت الإسلامية. بينما يقوم الصهاينة بجرائم إرهابية يومية، كان آخرها إطلاق الرصاص على ركاب فلسطينيين في حافلة من قبل جندي إسرائيلي، ولا يجرؤ أحد على تسمية هذه الأعمال إرهاباً يهودياً، وقد قام الصرب بمذابح مشهورة منها مذبحة سربرينيتسا التي ذهب ضحيتها أكثر من ثمانية آلاف مسلم، ولا يتحدّث بسببها أحد عن إرهاب مسيحي أو أرثوذكسي. ومن المعروف أنّ نمور التاميل في سيرلانكا قاموا بالكثير من العمليات الانتحارية الإرهابية، ولم يتحدّث أحد عن الإرهاب الماركسي.


لا بدّ من التمييز بين الإرهاب العدواني الابتدائي، الذي لا سبب له إلاّ العدوان على الآخرين، طمعاً بالتسلّط على بلادهم وثرواتها. وبين المقاومة المشروعة التي تقوم بها الشعوب المقهورة دفاعاً عن حقوقها وكرامتها ثمّ تتورّط ببعض الأعمال الإرهابية.

ولا بدّ لنا من مطالبة المقاومين بتنقية أعمال المقاومة من مثل هذه التجاوزات والاكتفاء بتوجيه السلاح إلى المقاتلين الأعداء، التزاماً بالقيم الإسلامية والإنسانية.