الإسلاميون في السودان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإسلاميون في السودان
1969- 1989

د. عبد الرحيم عمر محيى الدين

الناشر : شركة دار كاهل للدراسات والطباعة والنشر المحدودة.

مقدمة الطبعة الثانية

لقد تأخرت الطبعة الثانية لهذا الكتاب كثيرا رغم نفاد الطبعة الأولى في عامها الأول وكان الأمل أن تقوم دار الفكر اللبنانية التي تكرمت بالطبعة الأولى بإصدار الطبعة الثانية، لكن الظروف التي مرت بها بنان والهجوم الاسرائيلى على مدينة بيروت حال دون صدور الطبعة الثانية إذ أن مطبعة دار الفكر كانت ضمن الأماكن التي قصفها الطيران الاسرائيلى مما أفقد المطبعة الكثير من أصول الكتب والمستندات المرفقة بصورة جعلت إعادة طباعة الكتاب في لبنان مرة أخرى يحتاج إلى عملية جديدة، لذلك تأخرت الطبعة الثانية ليتم طبعها الآن في السودان.

رغم أن مادة هذا الكتاب قد جمعت في مطلع تسعينات القرن المنصرم حيث كانت الحركة الإسلامية في أوج عظمتها تجمع بين قوة الإنقاذ التي قادتها الحركة الإسلامية في أعوامها الثلاثة الأولى تحافظ على ألق الثورة، لكن تجيء الطبعة الثانية من هذا الكتاب والحركة الإسلامية في ظل ثورتها التي انتظرتها كثيرا تخلى مواقع التنوير المعرفي وتتراجع عن دائرة الأثر والتأثير الفكري والثقافي كما تراجعت عن ثلث مساحة السودان في جنوبنا الحبيب.

إذ غاب تأثير الحركة وفاعليتها وقيادتها للفكر في الجامعات والمعاهد والثانويات بل حتى المساجد عدا المساجد التي يؤمها الملأ من الحكام في الجامعات حلت محل ذلك العمل المتميز مجهودات سياسية خاوية من الفكر خالية من الروح مصحوبة ببعض الممارسات غير الشفيفة من أجل السيطرة السياسية على بعض الأجهزة النقابية الطلابية.

تلك النشاطات المصحوبة بذهب المعز وأحيانا سوطه، تأتى لا روح فيها ولا هدى.

كذلك قد أخلت الحركة الإسلامية بعد سيطرة ما يزيد على العقدين على مقاليد السياسة والثروة والسلطة في السودان، قيادة المساجد ومنابر الفكر والدعوة والإصلاح الاجتماعي رغم أنها تمتلك كل مقدرات الدولة وإيراداتها هذا غير الشركات ذات المداخيل الكبيرة التي يضل الطريق إليها المراجع العام.

كذلك ترجلت الحركة الإسلامية عن قيادة الفكر والدعوة رغم امتلاكها لأجهزة الإعلام وبعض الفضائيات الممولة بأموال دولة الحركة الإسلامية وربما بأموال استثمارات الحركة الإسلامية رغم ذلك لم تقدم لنا إعلاما رساليا صالحا مصلحا كما هو في الفضائيات ذات الهدف والقضية كفضائية " المنار" التي قدمن أدبا ملتزما بالقضية والهوية ومناصرا لقضية المسلمين الأولى ( القدس) ولم تقدم لنا فنا ولا مسرحا ولا سينما، كماهو شأن مؤسسات الثورة الإسلامية في إيران تلك الجمهورية التي تدخل عقدها الرابع وما زالت تتقدم من نصر علمي إلى تفوق تقنى رغم الحصار العالمي المضروب عليها، مقدمة القدوة في الريادة والقيادة والشورى والديمقراطية حيث مر عليها منذ تفجرها العديد من الرؤساء الذين تم انتخابهم بصورة شفافة وديمقراطية منذ عهد الرئيس أبو الحسن بني صدر ثم الرئيس محمد على رجائي ثم الرئيس على خامينى ثم الرئيس هاشمي رفسنجانى ثم الرئيس محمد خاتمى حتى الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي تم انتخابه لدورتين كاملتين .

بينما قدمت ثورة الحركة الإسلامية في سوداننا الحبيب رئيسا واحدا استمر في الحكم لما يقارب ربع القرن من الزمان كسائر الرؤساء الأفارقة والملوك العرب تدور حوله ثلة من أبناء الفقراء رعاة الشاة الذين تطاولا في البنيان فتحولوا إلى قوارين وكانزين لأموال السحت التي جمعوها عبر المخصصات العالية التي لم يشهد لها تاريخ السودان مثيلا ثم الجمع بين العديد من الوظائف وعضوية ورئاسة العددي من مجالس الإدارات فصاروا قوارين بعد أن كانوا فقراء مستضعفين، وكان لهذه النقلة من الفقر إلى الغنى المتصل بالسلطان والطغيان أثر كبير في إفراغ البرنامج الإسلامى وإخلاء منابر الفكر والدعوة والإرشاد في كافة ربوع المجتمع السوداني.

ومن هذا الغنى المرتبط بالفساد واستغلال النفوذ والسلطان تم إبعاد الدعاة والمصلحين والناصحين الخلص ليتم استبدالهم بالأهل والعشيرة الذين حيزت لهم عطاءات الدولة ووكالات الشركات الأجنبية المتعاملة معها، حيث احتكرت شركات الأهل والعشيرة كل عطاءات الطرق والمجارى والنفايات والبترول والجسور حتى وكالات شرائح شركات الاتصالات قد حيزت لأبناء الملأ من الحكام وإخوانهم وعشيرتهم في صورة من الفساد لم يشهد لها تاريخ السودان مثيلا.. بل حتى تأثيث مؤسسات الدولة ومصارفها المركزية وغيرها قد أسند لشركات هؤلاء ليتم صرف الملايين من الدولارات على هذا التأثيث الفاخر الفاحش في الوقت الذي كان فيه بإمكان الدولة أن تستورد هذا الأثاث من دولة المنشأ وتدخله من غير جمارك لكن.. حدثني أحد طواق المراجع العام بأنهم اكتشفوا في المؤسسة السياسة المرتبطة بعزنا ودمنا وحماية أرواحنا، أن الفساد في مرفق الوقود وحده بلغ تسعة وعشرين مليار حيث أن الشخص المتعهد بتوريد البترول لهذه المؤسسة قد تحايل واستلم هذا المبلغ من دون أن يقوم بتوريد ما يقابله من البترول.. فسألتهم أين الوزير الهمام حامى أموالنا وعرضنا؟ قالوا ربما يكون في استراحة محارب.

نتيجة لذلك الفساد وغياب القدوة الصالحة في دولة المشروع المضروب تقدم التيار السلفي ليقود المساجد والمنابر والإذاعات والفضائيات في السودان فأصبح السلفيون هم قادة المجتمع الحقيقيون بينما توزع أبناء الحركة الإسلامية على العديد من الطرق الصوفية ليصبحوا تحت مرمى نيران التيار السلفي الذي يسم أرباب هذه الطرق بفساد العقيدة والشرك.

لقد توزع الحاكمون من أبناء الحركة الإسلامية وبعض قواعدها على مشايخ الطرق الصوفية، الحاكمون ينشدون المباركة والدعاء لهم بطول البقاء في السلطة وذلك بعد أن يقدموا المظاريف المليئة بعشرات بل بمئات الملايين لمشايخ تلك الطرق الذين أفسدتهم السياسة فأصبحوا هم وجيرانهم يرفدون مواكب النفاق السياسي ويحرقون بخور الانجذاب العرفانى في حضرة الوالي الذي ( يدفع) بالتي هي أحسن دفع من لا يخشى الفقر ولا الحساب ولا المحاسبة، فظهر الثراء على قادة الطرق الذين تبدلت هيئاتهم ومضيفاتهم ومركباتهم وأنواع الطعام في موائدهم فصاروا كعامة المترفين بعد أن كان يميزهم والتدين يرفعهم والصدع بالحق من شيمتهم.

وهكذا تم إخلاء المساجد ومنابر الدعوة كما تم إفساد الطرق الصوفية بإغداق المال المرتبط بتقديم الولاء والبيعة الوكس.

غابت كل مؤسسات الحركة الإسلامية الرائدة في مجال الدعوة والإصلاح الاجتماعي بل حتى الفضائية التي تساهم فيها دولة الحركة الإسلامية فلا نرى لها ( شروقا) غير شروق الحسناوات اللائي ينافسن مقدمات البرامج في فضائية الـ ( l b c ( اللبنانية وكأن الوجه المليح المبتعد عن المسحة الإفريقية يحدث جذبا وتقوية ومناصرة.

ضاع الطريق وغاب الهدف وضاعت رسالة الاعلامى الرسالة صاحب القضية ونصير الهوية فتخبط الجميع.

إرسال الإسلاميين الذين بعثوهم لأمريكا في السبعينيات والثمانينيات ليدرسوا الإعلام ولم يكن من بينهم ( الوالي) ولا نرى لهم وجودا ولا أثرا في دولة يحاصرها الإعلام المعادى من كل الجنبات والاتجاهات بعد أن حاصرها الفساد المالي وأقعدها.. بعض الفضائيات التي يتولاها بعض الإسلاميين تحولت إلى ملهاة للمديح الراقص عبر الماكياج الراقي والصوت الغنوج.. تحول هؤلاء إلى مداحين للرسول(ص) الذي مدحه القرآن وقال له: ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وقال عنه الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها: ( كان خلقه القرآن) وقال ( ص) عن نفسه ) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخرق) .. فهؤلاء قد أدمنوا المديح حتى صاروا يمدحون سوداتل .. قد تناسى هؤلاء الدراويش الجدد أن رسالة الإسلام لا تقوم على المديح وإنما تقوم على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

وأن الله عندما مدح هذه الأمة ووصفها بالخير لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. فمحاربة الفساد المالي والطغيان السياسي هي من أصول الدين لأن الحرية هي مناط العبادة ومناط التكليف.. فالفضائيات التي لا تحارب الفساد يعتبر الفساد المالي وربما غسيل الأموال هو مصدر تمويلها وإلهائها عن رسالة الإسلامية الحقة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر والصادعة بالحق في وجه الفساد والمفسدين.

الذين عاشوا في صحارى ليبيا وقدموا التضحيات النبيلة من أجل مستقبل مشرق للحركة الإسلامية تعم بركته كل المجتمع المسلم في العالم الإسلامية، هؤلاء لا تكاد تجد لهم أثرا ولاتسمع لهم ركزا وبعضهم تحولوا إلى مستشارين محنطين بالمخصصات والأسفار التي لا تنقطع، استبقوهم من أجل الحفاظ عليهم داخل قطار الدولة الذي يسير بغير هدى ولا علم ولا كتاب منير.. البعض أصبح من رعاة الإبل وباعة ألبانها والبعض الآخر اختار المعارضة وانضم لشيخ الحركة الذي أصبح تردده على السجون أشبه بتردد تلاميذه في السلطة على فنادق الغرب وموائده، فلا يخرج من السجن حتى يعود إليه رغم بلوغه سن الثمانين .

أما البعض الآخر من أبناء الحركة الإسلامية الذين تناولتهم الدراسة فهؤلاء قد حملوا السلاح ليهدموا المسجد الضرار كما زعموا، فولغوا في الدماء الطاهرة النقية البريئة التي قتلت من غير ذنب جنته.

والمقابلون لهم جيشوا القبائل وسلحوها حتى ضج العالم ومحاكمه الدولية، فأحرقت القرى في الحرب الدائرة بين إسلاميي السلطة وإسلاميي المعارضة ولأول مرة نسمع بمصطلحات جديدة في السياسة السودانية ( العرب مقابل الزرقة) ( الجنجويد بديلا للجيش).. الخ.

أما علاقة حكومة الحركة الإسلامية مع الحركة الإسلامية العالمية التي ناصرتها وهللت وكبرت لدولة الحركة الإسلامية في السودان فعنها حدث ولا حرج حيث أصبح التعامل مع الاستخبارات الأمريكية الـ ( c I a ) والتعاون بحجة محاربة الإرهاب الذي مصدره هذه الحركات الإسلامية هو السمة البارزة لحكومة دولة الحركة الإسلامية لدرجة أن أمريكا قد اعترفت بأن ما قدمته لها دولة الإنقاذ من ملفات حول الحركات الإسلامية لم تقدمه لها حتى الدول الحليفة لأمريكا مثل بريطانيا وفرنسا.

هذا علاوة على طرد الحركات الإسلامية التي طلبت الأمان ولجأت للسودان في ظل دولة الحركة الإسلامية.

لقد أيأست دولة الحركة الإسلامية في السودان الحركات الإسلامية في العامل الإسلامى من مجرد التفكير في المطالبة بقيام دولة إسلامية لأننا لم نقدم نموذجا في القيادة الرشيدة التي تتورع عن المال العام، التي تزهد في السلطة بل حتى الحرية التي جعلت مناط الدين لم نتحها إلا لبعض الصحف التي تم شراؤها بواسطة الإعلانات ذات المداخيل العالية والتي تحرم منها كل الصحف التي لا تدخل بيت الطاعة داخل سور الحزب الحاكم وصار الرقيب يطوف ليلا بمقصه على الصحف ليقص كل مقال لا يرضى السلطة حتى صارت الطرف هي: ( أن ضابط الأمن الرقيب هو رئيس التحرير لكل الصحف السودانية) نسوا أن حرية الصحافية وحرية القضاء وحرية الرأي والتعبير هي أقوى الأدوات لتقوية السلطة وإلا سارت السلطة في ظلام الكبت ومواكب النفاق حيث يكثر الفساد والمحسوبية وتسود الشللية والقبلية.

لقد فشل حتى كتابة هذه السطور كل قادة الإنقاذ في تقدين إبراء ذمة عن ممتلكاتهم وأموالهم حتى يحاسبوا عليها، حتى سخرت الصحافة منهم وكتب أحد أفرادها(أن وزراء الإنقاذ لا ذمة لهم) .. جاؤوا للوزارة فقراء من بيوت الجالوص ( اللبن) ومن بيوت الزبالة وبعضهم جاء من بيوت الشعر المترحلة لكنهم الآن قد تطالوا في البنيان المتعدد في الطوابق والمتوزع على الأحياء الراقية، فلماذا يقدمون إقرارات الذمة. كل من دخل الوزارة لا يريد أن يخرج منها وكل من أراد الاستوزار عليه أن يقدم فروض الولاء والطاعة بل ربما يصبح آلية يحركه الحزب الحاكم بل بعض الأفراد فيه حيث شاءوا .. إذا أراد أحدهم أن يصدع بالحق أو أن ينتقد الرئيس أو النائب أو المسئول تذكر أنه سيفقد المنصب والسيارة والمخصصات وربما يتم للأقاليم فتتشتت أسرته وأبناؤه الذين يدرسون في مدارس القبس وغيرها من مدارس الطبقة الصاعدة عن الإسلاميين الجدد.

لم يقدموا نموذجا في الزهد ولا في العفة والطهارة ولا في البعد عن المال العام ولا في ممارسة السياسة بعزة وشفافية حتى أدرك الغرب أنهم قابلون لتنفيذ كل ما يطلب منهم.

استشهد بما سطره أحد أبكار ورواد الحركة الإسلامية الذين دخلوا سجون نميرى في سبيل مبادئ الحركة ومشروعها الإسلامى الذي ظل ينتظره السودانيون والإسلاميون في العالم أجمع ذلكم هم البروفيسير الطيب زين العابدين الذي كتب العشرات من المقالات في الصحافة السودانية ناصحا ومذكرا وناقدا ومعترضا على الكثير من الممارسات .. ولكن لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادى كتب بروفيسير الطيب زين العابدين بتاريخ 18 أبريل / 2011م بصحيفة الصحافة السودانية مقالا بعنوان : ( أزمة دارفور والأفندي والديمقراطية ) نقتطف منه الآتي: ( والسؤال هو : ما الذي يعوق تبنى النظام الديمقراطي التعددى في السودان مع أن كل الأحزاب ( بما فيها المؤتمر الوطني) والحركات المسلحة ومنظمات المجتمع المدني وبعض التيارات الدينية تنادى به؟ أظن أن المعوق الرئيس هو نظام الحكم القائم الذي جاء ابتداء عن طريق انقلاب عسكري على وضع ديمقراطي منتخب، وسعى جهده بعد ذلك للهيمنة على القوات النظامية والخدمة المدنية والسلطة القضائية، وللسيطرة على اقتصاد البلاد وثروتها، وعلى وسائل الإعلام ، وعلى جمعيات المجتمع المدني من اتحادات ونقابات ومنظمات جماهيرية.

سيقول مؤيدو النظام إننا فتحنا الباب للتعددية السياسية وقبلنا بالانتخابات وسيلة لتولى السلطة التشريعية والتنفيذية ووضعنا دستورا يشتمل على وثيقة متميزة لحقوق الإنسان ، ويستطيع ك لمن حسنى مبارك وزين العابدين بن على وعلى عبد الله صالح أن يقول بنفس الدعوى ولكن العالم كله يعلم أن هذه الأنظمة استبدادية وشمولية حتى النخاع وليس فيها الحد الأدنى من الحريات العامة وحماية حقوق الإنسان.

والشواهد على استبدادية النظام وشموليته لا حصر لها فهو لا يسمح بمظاهرة سلمية واحدة تحتج على أي من سياساته منذ مجيئه للحكم حتى اليوم، بل يتوعد من تسول له نفسه بالخروج ضدهم أن يسحقوه في قارعة الطريق وضع قانونا لجهاز الأمن الوطني يخالف صريح الدستور الانتقالي ولم يجرؤ القضاء العاجز على الاعتراض عليه، بل هو لا يلتزم حتى بنص القانون المعيب في معاملته للمعتقلين السياسيين مثل ما حدث للشيخ الترابي الذي اعتقل عدة مرات دون أن يقدم مرة واحدة لمحاكمة عادلة أو غير عادلة، وممارسة تعطيل الصحف أو منعها من التوزيع بعد طباعتها نكاية بالخصوم السياسيين، ومن بين المفوضيات الكثيرة التي نص عليها الدستور عطل النظام قيام مفوضية حقوق الإنسان لأنه لا يحتمل مستحقاتها..) ويستهجن د. الطيب زين العابدين تصريحات بعض صقور الحزب الحاكم المستفزة للخصوم والتي دفعت بعضهم لحمل السلاح، يقول زين العابدين : ( وما زال بعض دعاة عنف البادية في النظام يذكروننا بأنهم جاؤوا إلى الحكم بالقوة ومن يريد أن يأخذ السلطة منهم فعليه أن يستل سلاحه وينازلهم في الفضاء العريض فلديهم كتائب إستراتيجية جاهزة أعدت خصيصا لمثل هذه النوازل، وهذا غيض من فيض.

تم في هذا العهد تدمير التعليم تماما رغم انتشار الجامعات والمدارس حيث غابت رسالة التعليم وفرضت مناهج لا تخدم إلا الماسونية .

كما دمرت الخدمات الصحية لأن الملأ من الحكام ,أسرهم لا يتلقون العلاج إلا خارج السودان وفى أحسن الحالات في المشافى الخاصة ذات التكلفة الباهظة تلك التكلفة التي تدفع من مال المواطن التعبان لذلك فقدت مشافى الدولة ابسط مقومات الإسعافات الأولية فصار المريض يشترى الشاش بل حتى إبرة العملية والمشرط.


ثم أخيرا تم فصل جنوب السودان في عهدهم ولم نسمع أن رئيس وفد الحكومة في مشاكوس أو نيفاشا قد تقدم باستقالته لأن الوحدة الجاذبة لم تتحقق ولأنه خدع الشعب السوداني وبدد أمواله حتى الأشهر القليلة التي سبقت الاستفتاء في سبيل وحدة كتب عليها الفشل منذ توقيع نيفاشا في العام 2005م، لكنهم لم يستقيلوا ولن يستقيلوا لأن لسان حالهم يقول : إذا فشلنا في هذه المرة فليس عندكم من هو أفضل منا فدعونا نجرب مرة أخرى؟ .. ظنوا أنهد قدر الله على عباده في السودان وما على العباد إلا أن يقبلوا بأقدار الله المكتوبة والمنزلة عليهم.

لذلك كتبنا توثيقا لهذه التجربة ليقيننا أنها لن تتكرر قريبا بعد أن ذبحت في باكورة أيامها لعل الحركات الإسلامية تدرسها وتستفيد منها في مقبل أيامها.

كما أجو من الحادبين على دراسة تجربة الحركة الإسلامية السودانية أن يراجعوا أيضا كتابي( الترابي والإنقاذ : صراع الهوية والهوى، تجربة الإسلاميين في السلطة من مذكرة العشرة إلى مذكرة التفاهم مع قرنق) وكتابي الآخر ( مشاهد وشواهد من التجربة الانتخابية في السودان وأضواء على الفخ الأمريكي في مشاكوس ونيفاشا) ، وكتاب( الإسلاميون ومأزق استلام السلطة في السودان عسكريا).. والله نسأل حسن الخاتمة.

الفصل الأول: ماذا الحكومة الإسلامية؟

عندما تصدر الطبعة الثانية من هذا الكتاب يكون قد مضى على الحركة الإسلامية ما يقارب ربع القرن من الزمان منذ أن سيطرت على السلطة السياسية في السودان عبر انقلاب عسكري في 30 / يونيو / 1989م.

- هل نجح الإسلاميون بعد استيلائهم على السلطة السياسية في السودان في تطبيق البرنامج الإسلامى الذي كانوا يبشرون به منذ نشأة حركتهم الإسلامية عند نهاية النصف الأول من القرن العشرين؟

- هل استطاع الإسلاميون الذين هاجروا للصحارى الليبية استعدادا لقيام المشروع الحضاري الإسلامى، المحافظة على وحدتهم العضوية والله يناديهم ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ومن ثم هل حافظوا على وحدة السودان الذي وجدوه واحدا من أكبر دول أفريقيا والعالم العربي؟ أم أن إخوان المعسكرات في الصحارى الليبية قد استلذ بعضهم بنعيم السلطة ومخصصاتها العالية الوافرة فتطاولوا في البنيان بينما ظل البعض بقيادة شيخ الحركة الإسلامية بين السجون والمنافي وبعضهم حمل السلاح وتمرد على الدولة التي سعى لبنائها فصار البعض كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا بينما كفر البعض بأنعم الله؟
- هل كان أبناء الحركة الإسلامية الذين تسلموا قيادة الدولة الإسلامية ، هل كان لهم فقه وافر بماهية الدولة الإسلامية وشروط الحاكم وحقوقه على المحكومين وحقوق الرعية عليه أم أن المشروع الإسلامى قد تنكب الطريق عند منتصف عقدة الأول فأصبح يجافى
- الفكر وينافى الذكر ومن ثم تحول إلى مشروع أموي لا يختلف الحاكم فيه عن يزيد بن معاوية أو الحجاج بن يوسف وغيرهم من الطغاة الذين حكموا الشعوب الإسلامية باسم الإسلام؟
- هل يدرك الحاكمون من أبناء الحركة الإسلامية أن المشروع الإسلامى شعيرة تعبدية وليس شعارا سياسيا فارغا.. شعيرة تعبدية تقوم على الإسلام الحق الذي يجعل الولاء المطلق لله وحده لا شريك له في الحكم والأمر والتشريع ، ولا ند له في استعباد العباد لأن العبودية لله وحده والطاعة المطلقة له وحده.. الحاكم في المشروع الإسلامى عبد من عباد الله إن قدموه تقدم وإن خلعوه تأخر ولا يقول للجماهير ما قاله فرعون( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) ( ما علمت لكم من إله غيري) .. الحاكم في المشروع الإسلامى لا يعتزل الجماهير ولا يحتجب عنهم عبر أجهزة الأمن التي تعزله تماما عن الجماهير ولا يظهر إلا ليتحدث أما أن يستمع وينصت للجماهير أو يقرا ما يكتبون فلا وكلا.. وهذا يناقض مشروع الحكم الإسلامى الذي يقوم على الركائز الآتية:
- تقديم العلماء الأمناء الأقوياء المجتهدين عبر انتخاب مباشر يشارك فيه المجتمع بشفافية كاملة لا ضغط ولا غش ولا تزوير فيها.
-ويبدى العلامة ابن خلدون تشددا في شروط العلم بالنسبة لمن يتولى منصب الرئاسة أو الإمامة، إذ يؤكد أن رئيس الدولة المسلمة ينبغي عليه أن يصل من العلم درجة المجتهد، فيقول( فأما اشتراط العلم فظاهر تقديمه لها، ولا يكفى من العلم إلا أن يكون مجتهدا لأن التقليد نقص والإمامة تستدعى الكمال في الأوصاف والأحوال).
- إشاعة الحرية.
- حفظ وصون حقوق الإنسان، فلا تنتهك حرمات المواطن إلا بجرم يحكم عليه القانون.
- إشاعة الشورى على كافة مستويات الحكم.
- العدالة التي يتساوى فيها الحاكم والمحكوم أمام القضاء وفى الحقوق والواجبات.
- المساواة بين المواطنين في أساسيات الحياة مثل المواطنة والتعليم والصحة والأمن والتوظيف ولا يتميز البعض بخصوصية سياسية أو اثنية أو جهوية.
- في هذا الفصل نقدم ملخصا عن مفهوم الحكومة الإسلامية كما يصورها القرآن الكريم ثم نترك المقارنة والحكم للقارئ الكريم حتى يقرر هل ما يجرى في السودان وما جرى منذ 30 يونيو 1989م هو المشروع الإسلامى الذي ظل ينتظره الإسلاميون منذ أكثر من نصف قرن واستشهد المئات من أجل قيامه؟
- أن يكون الجيش والأمن والشرطة في حماية المجتمع وحقوقه وحفظ الدستور والقانون وليس حماية السلطان وأفراده.

في البدء لابد أن نقرر ونسلم أن لله ملك السموات والأرض ومنه المبتدأ وإليه المنتهى وهو القاهر فوق عباده وهو اللطيف الخبير، وهو الذي جعل الإنسان خليفة في الأرض ليتبع أوامره وتوجيهاته من أجل إرساء قيم الحق والعدل والسلام والمساواة والمؤازرة والتكافل. كما أنه تعالى قد انتخب بني البشر لحمل أمانة التكليف الشرعي الذي يتبع أوامره وتعليمات الخالق في كل صغيرة وكبيرة حتى تكون كل حركات وسكنات وأفكار وأشواق وعواطف الإنسان وفقا لما أمر به الله تعالى وما أراده لنا: ( قل إن صلاتي ونسكى ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) .. نعم إن أمر التشريع والأمر والنهى والحاكمية لله وحده لا شريك له.

لم يترك البارئ الإنسان يسير وفق هواه واجتهاده بل أرسل إليه الرسل والرسالات لتهديه جادة الطريق والصراط المستقيم فجاءت رسل الله تترى تدعو بني البشر لاتباع أوامر الله في حياتهم وسلوكهم وعلاقاتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حتى تسلم الحياة أمرها لله وحده لا ند ولا شريك له . وإليك بعض الآيات الدالة على ذلك ، يقول الله تعالى:

( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) .( الحديد :25).
( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) . ( النساء: 64)
( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) . ( النساء : 105) .
( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع الهوى واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) ( المائدة: 49) .
( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) ( سورة ص : 26) .
( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) ( الأعراف: 3).
( ومن لن يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ( المائدة: 44).
( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) ( النساء : 65).

كما شنع القرآن بالذين يدعون الإيمان بالله ورسوله ثم يتبعون تشريعات وضعت من قبل لبش أو خلطوا التشريع الالهى بتشريعات وضعية من صنع الإنسان أو حصروا التشريع الالهى في جوانب محصورة من الحياة ثم طبقوا التشريع الوضعي في مناحي الحياة المختلفة أو ادعوا تطبيق الشرعية لكنهم أخضعوا الشريعة لأهوائهم وأمزجتهم حتى صارت تبعا لقراراتهم لشخصية وتوجيهاتهم المحلية أو اتبعوا الطواغيت من حكام المسلمين الذين ساروا فيهم بسيرة فرعون والنمرود فأطاعوهم حتى عطلوا العدالة والحرية والمساواة وكمموا الأفواه وأشاعوا الطغيان والفساد، جاء القرآن يشنع على هؤلاء وأولئك جميعا حيث يقول الله تعالى: ( وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أم ركل جبار عنيد) ( هود : 59) .

( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد) (هود: 96- 97).
( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) ( القصص : 8) .
( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) ( النساء: 60).
( قل هل ننبئكم بالأخسرين ‘مالا ، الذين ضل سهيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقاءه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) ( الكهف: 103- 105).

كل الآيات التي أرشنا إليها تتحدث بوضوح وجلاء عن حاكمية نهج وشرع الله في عباده حيث لا يتحقق إيمان أي مؤمن من غير أن يتبع النهج الرباني على مستوى الدولة والمجتمع والفرد بل والتسليم الكامل من غير أي تمرد أو ضجر تجاه أوامر الله الواجبة التنفيذ لأنها المخرج الوحيد للبشرية من التيه والضلال والطغيان والظلم والفساد.

فالمنهج الإسلامى والشرع الإسلامى عندما يقوده العلماء ويتولون تنفيذه في بيئة تسودها الحرية والشورى لا إملاء فيها ولا تبعية ولا قدسية لفرد مهما كان، فالناس سواء في الحقوق والواجبات يتقدمهم العلماء وأهل الذكر والمجتهدون في تولى قيادة المجتمع بعد أن يتم اختيارهم بشفافية كاملة وحيادية تامة لأجهزة الدولة وإعلامها ومالها ووسائلها المختلفة، عندئذ يثمر هذا النهج سلاما وعدالة ورخاء وحبة وأمنا وبركة ورضي من الله.

ملامح الإمامة أو الحكومة الإسلامية وهدفها

وفقا للعلامة أبو الحسن الماوردي ( 364/975- 450/ 1059) صاحب كتاب ( الأحكام السلطانية) فإن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة وحراسة الدين والدنيا، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يؤكد أنعقد الخلافة واجب لمن يقوم بها في الأمة، وهو يشير إلى الخلاف بين العلماء حول واجب إقامة الخلافة، وهل هي واجبة عقلا أم شرعا؟ فالعلماء الذين يرون وجوبها بالعقل يستدلون بأنها وجبت بالعقل لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين وهمجا مضاعين.

وترى طائفة أخرى من العلماء : بل وجبت بالشرع دون العقل واستدلوا بقوله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) ( النساء : 62) واستدلوا أيضا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيليكم بعدى ولاة ، فيليكم البر ببره ويليكم الفاجر بفجوره فاسمعوا لهم، وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم).

كذلك يرى العلامة ابن خلدون أن مقصود الشارع بالناس صلاح آخرتهم فوجب بمقتضى الشرائع حمل الكافة على الأحكام الشرعية في أحوال دنياهم وآخرتهم وكان هذا الحكم لأهل الشريعة وهم الأنبياء ومن قام فيه مقامهم وهم الخلفاء .

ويفرق ابن خلدون بين الملك الطبيعي والذي هو حمل الكافة على مقتضى الغرض الشهوة، والسياسي هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار. فأما الخلافة عند ابن خلدون فهي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أن أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة.

ثم يعطى ابن خلدون تعريفا دقيقا ومحكما للخلافة وهو أنها: ( خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا).

في اختلاف الأمة في حكم هذا المنصب وشروطه

ثم يواصل ابن خلدون تعريفه لهذا المنصب في سياقه التاريخي وكيف أنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسيادة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإماما فتشبيها بإمام الصلاة في اتباعه والاقتداء به، ولهذا يقال الإمامة الكبرى، وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي في أمته، فيقال خليفة بإطلاق وخليفة رسول الله، واختلف في تسميته خليفة الله ، فأجاز بعضهم اقتباسا من الخلافة العامة التي للآدميين في قوله تعالى" إني جاعل في الأرض خليفة وقله: " جعلكم خلائف الأرض" ومنع الجمهور منه لأن معنى الآية ليس عليه وقد نهى أبو بكر رضي الله عنه لما دعي به، وقال : لست خليفة الله ولكنى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن الاستخلاف إنما هو في حق الغائب وأما الحاضر فلا، ثم إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا إلى بيعة أبى بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم وكذا في كل عصر من بعد ذلك ولم يترك الناس فوضى في عصر من الأعصار واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام.

ثم ذهب لتأكيد ضرورة التفريق بين الحكم والفساد، إذ أنه ليس بالضرورة أن يكون الحكم مربوطا على الدوام بالفساد والجبروت.

فالشرع لم يذم الملك لذاته ولا خطر القيام به وإنما ذم المفاسد الناشئة عنه من القهر والظلم والتمتع باللذات، ولا شك أن في هذه مفاسد محظورة وهى توابعه كما أثنى على العدل والنصفة وإقامة مراسم الدين والذب عنه وأوجب بإزائها الثواب وهى كلها من توابع الملك.

يجدر بنا هنا أن نؤكد أنه في الفلسفة السياسية الإسلامية ، يعتبر الإنسان خليفة الله على الأرض، ولذلك عليه أن يخضع لحكام الإلهية ويضعها موضع التنفيذ بمحض إرادته وطيب نفسه، وهذا معنى الإسلام ( التسليم الكامل لمشيئة الله سبحانه وتعالى) ، وهذا الأمر يكون بإرادة الإنسان طاعة مطلقة منه للشرع الذي أنزله الله سبحانه وتعالى.

فالنظرية السياسية في الإسلام مبنية على ثلاثة أسس

- التوحيد.
- الرسالة.
- الخلافة.

هذه الأسس الثلاثة تمثل حقيقة الكون الجوهرية، فالكون خلقه ويراقبه ويحكمه إله واحد هو الله الخالق، رب كل الخلق والمهيمن عليهم، وإرادته وشريعته تنزلت من خلال الوحي لرسله على شكل كتب مقدسة تشتمل على الشرائع والرسل يشرحون دقائق هذه الشرائع، ويكونون قدوة في تطبيقها، والإنسان الصالح بدوره يقتدي بالرسل ويتبع تعاليمهم ويأخذ عنهم مناسكه وطريقة حياته وبذلك يلعب دور المستخلف من الله على الأرض متبعا تلك التشريعات الموضحة له، فيمارس دوره في الحياة مهتديا بالهدى الرباني الذي جاءت به الرسل، ذلك الهدى الذي يحوى الثابت والمتطور في حياة الناس من معتقدات وحياة اجتماعية وطبيعية ومعاش.

لقد تنزل الوحي الالهى ليوجه البشرية وفق أوامر الله سبحانه وتعالى ويوح الحياة كلها ضمن الأهداف التي رسمها، وبذلك تقوم حياة المجتمع الإسلامى على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.

النظرية السياسية الإسلامية لا تعترف بالفصل بين الدين والمجتمع، ولا بين الخاص والعام، أو بين الدولة والمجتمع كما نراه اليوم في المجتمعات الغربية، فمبدأ التوحيد ويعنى توحيد الحياة كلها في جوهرها وعرضها، والخضوع الكامل لله تعال .

لذا تمثل الدولة- في النظرية الإسلامية في الحكم- الشكل والرمز للمجتمع الإسلامى إذن تنشأ من المجتمع الإسلامى وليس العكس.

فالمجتمع الإسلامى الحق هو الذي يفرز قيادة مستنيرة مشبعة بقيم الحق والعدل وهى التي تتولى إشاعة القيم، والمحافظة على هذه القيم الفاضلة في المجتمع حتى لا تندرس أو تتعدى عليها عاديات الطغيان السياسي والاستلاب الثقافي أو التردي الاخلاقى.

إن الأسس الأيديولوجية للدولة الإسلامية تكمن في عقيدة التوحيد، حيث إن توحيد الله يستتبع وحدة الحياة الإنسانية كبرنامج شامل وكلى من العبادة، وهذا المبدأ الأساسي يستتبع عدة اعتبارات يجب توفرها في الدولة الإسلامية ويختصر الشيخ الترابي ملامح الدولة الإسلامية في الآتي:

- أن لا تكون علمانية، فالحياة في الإسلام دينية في جميع جوانبها، يحكمها الشرع الحنيف والممارسة الإيمانية ، ومقصدها الأساسي إدراك وحفظ وتطبيق الشريعة .
- أن لا تكون الدولة قومية وطنية ، فالبيعة لله وللرسول وبالتالي لمجتمع المسلمين كله، أي الأمة.
ولا يمكن للمسلم أن يحد نفسه بأي مسألة قومية وطنية أو بأي حدود، ثم يقول إن الدولة مطلقة وأنها بحد ذاتها غاية أساسية .
وبكلمات أخرى، ليس هناك تكتل عصبي أو عرقى في الإسلام، ولذلك فإن الدولة الإسلامية تكون أكثر انفتاحا وأقل تمييزا في قوانينها المحلية وسياساتها الخارجية، فهي تطور روابط مؤسسية دولية مع المسلمين في الدول الأخرى وتعمل على تحقيق الوحدة الكاملة للأمة الإسلامية.
- وأن تكون الدولة الإسلامية هي الأساس ، فالمؤسسة الأساسية في الإسلام هي الأمة، وليست الدولة سوى بعد سياسي، ومحاولة لجمع المسلمين ، فتطبيق الشريعة في الأصل متروك لضمير المؤمنين الحر أو لوسائل الضبط الاجتماعي غير الرسمية.

ويمكن للإنسان أن يلاحظ أن المجتمع الإسلامى يمثل نقطة محورية في النظرية الإسلامية في الحكم وليست الدولة سوى جزء تكميلى وممثلة عن المجتمع الإسلامى يستمر بمعزل عن وجود بنية الدولة لقرون طويلة( وقد سبق له ذلك) وباختصار ، فإن شكل الدولة الإسلامية تحدده المبادئ أو أصول التوحيد التي ذكرناها سابقا، والتي تستلزم الحرية والعدالة والمساواة ووحدة المسلمين .

وأن لا تكون الدولة الإسلامية ثيوقراطية تفرض حكم رجال الدين لأن الدين بمفهومه الصحيح الشامل يتجاوز الأحكام الشرعية الشعائرية ليستوعب كل الحياة من اجتماع واقتصاد وسياسة وتربية وتنمية وعلم نفس وعلوم تطبيقية.. إلخ.

فأصحاب هذه التخصصات من العلماء هم أهل الذكر والعلم والتخصص الذين مدحهم القرآن ووجه بالرجوع إليهم ما التزموا بصفات المؤمنين التي وردت في القرآن.

أهداف الدولة الإسلامية

1- يقول الله تعالى " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور". ( الحج: 41).

إن أهداف وغايات الدولة الإسلامية هي إقامة شرع الله والحفاظ عليه والأمر بالمعروف الذي أمر به الله وحض على تطبيقه فالمعروف الذي أمرنا للعمل به يشمل اجتناب واستئصال المنكرات والشرور والإخاء التي حذرنا الله منها وخاصة الظلم.

ولذلك فإن صفات وقيم العدل والتواضع والفضيلة والإخاء التي يحثنا الله عليها كلها تندرج داخل دائرة المعروف الذي تدعونا الآية للعمل به، لذلك يجب أن تنمو وتعزز هذه القيم بكل الوسائل في حياة الناس، فيما يجب اجتناب المنكر المتمثل في الظلم والاستغلال والفواحش والفوضى التي تضر بقيم ومصالح المجتمع الانسانى.

2- تقديم النموذج القائد الصالح: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) ( البقرة: 143) .

هذه الآية تشير إلى عالمية الدولة الإسلامية التي يجب أن تكون واضحة وجلية في أذهان من يتقدمون لقيادة الأمة الإسلامية تلك القيادة التي تستوجب في من سيتقدم إليها أن يكون عالما قد بلغ درجة الاجتهاد في علوم الأصل والعصر وأن يكون مدركا لما يحيط به من تحديات وصعاب تقف حائلا في طريق عالمية الإسلام ونشر مبادئه التي تبشر بالأمن والسلام والحرية وحقوق الإنسان وقيم الحق والعدل والفضيلة.

فالدولة الإسلامية عندما تدرك خطها الرسالى ومسئوليتها العالمية تصبح قبلة للدعاة والعلماء والمصلحين ومأوى للمستضعفين والمظلومين والمضطهدين في بلدانهم ولا تقف عند هذا الدور بل تلعب دور الوسيط في إصلاح ذات البين بين الدعاة المستضعفين في دولهم وبين قيادات تلك الدول حتى تحدث نوعا من إصلاح ذات البين بصورة تحقق السلام والأمن وحرية العمل الدعوى الذي يدعم الأمن والسلام والإصلاح الاجتماعي في تلك الدول.

لكن عندما يتقدم العوام وإنصاف المثقفين لقيادة المجتمع المسلم وتغيب الرؤية الكلية العالمية للإسلام عن أذهان هؤلاء القادة يتقدمون لقيادة المجتمع المسلم وهم يفتقدون العلم الزاخر والتدين الباهر لكنهم يدعون أنهم يطبقون الشريعة الإسلامية، عندما يتقدم هؤلاء العوام من القادة الذين لا تملأ قلوبهم ولا عقولهم عزة واستعلاء المؤمن ولا يملكون استعدادا للثبات حول مبادئ وقيم الدين عندئذ ينكسر هؤلاء القادة العوام أمام الهجمات الغربية والقرارات الدولية حيث تنشط أمام ضعفهم أجهزة الصليبية الاستخبارية في اختراق بعضهم واستقطاب البعض لآخر وتروض الكثيرين منهم وعدا ووعيدا وبذلك يقدمون التنازلات تباعا لدول الصليب وأئمة الكفر، تلك التنازلات التي تصل لدرجة تبادل المعلومات حول الحركات الإسلامية بصورة رئيسية تخدم أهداف القوى الصليبية في محاربة الدعاة الرساليين ومطاردتهم والقضاء عليهم، وأحيانا يصل هذا الذل والخنوع والانكسار بل والعمالة لدول الصليب لدرجة تسليم ملفات الحركات الدعوية الرسالية تصبح جزءا من شبكة معلومات وتحركات أجهزة الاستخبارات الصليبية ومن ثم جزء من مخطط محاربة الإسلام والدعاة.. ومثل هذا العمل الذي يقوم به بعض القادة المسلمين في الأجهزة القيادية الأمنية أو السياسية لا يندرج تحت دائرة العمالة أو الخيانة لله ورسوله بل يندرج تحت دائرة الكفر الصريح ولو كان فاعله يؤدى الصلاة في المسجد، فهؤلاء لا يختلفون عن عبد الله بن أبى سلول الذي كان يصلى الجمعة مع رسول الله (ص) في مسجد الرسول ثم ينادى أثناء خطبة الرسول بدعوة أهالي المدينة لمناصرة ومؤازرة الرسول.

هؤلاء يقومون بدور الكافرين علموا أم يعلموا لأنهم بعلمهم هذا يحادون الله ورسوله ويقتلون دعاة الإسلام بل يساهمون في قتلهم وتعذيبهم ومطاردتهم والتضييق عليهم بمساعدة أعداء الإسلام بمدهم بالملفات التي تحوى كل صغيرة وكبيرة عنهم.. وهؤلاء لا يقل دورهم عن دور أصحاب الرجيع الذين غدروا ببعض صحابة الرسول (ص) وقتلوهم مما جعل الرسول (ص) يوجه إليهم حملة كاملة لتأديبهم وقتلهم والقصاص منهم. وما أكثر أصحاب الرجيع بيننا اليوم.

ما كان ذلك ليحدث لو تقدم العلماء لقيادة المجتمع المسلم، أما أن يتقدم أنصاف المثقفين والعوام والمرتبطين بالغرب والذين لديهم قابلية الاستعمار والركوع للإرادة الغربية، فهذا ما جعل العامل الإسلامى في مأذق سياسي حقيقي حيث يسيطر عليه حكام جاء بعضهم عبر بوابة الوراثة التي تقدم أحيانا بعض الجهلاء والأميين الذين تربوا منذ نعومة أظافرهم في محاضن الامبريالية والصهيونية التي تشرف على تعيينهم وتقوم بحمايتهم وحراسة عروشهم ، وبعضهم جاء عبر دبابة العسكر ثم ظل مستمرا لعقود في السلطة متشبثا بكرسيها يديم سلطانه وطغيانه عبر انتخابات مزورة وتزييف لإرادة الجماهير المسلمة تناصره بطانة فاسدة لا يعنى الإسلام والدعوة الإسلامية ومشروعها العالمي شيئا بالنسبة لهم ما داموا يؤدون صلاة لا تنهاهم عن فحشاء ومنكر ولا تأمرهم بمعروف.. رؤساء وأمراء وملوك لا يعرف الحياء طريقا إلى قلوبهم الخالية من الإيمان ولا يجد الضياء كوة يتسلل منها لنفوسهم الخربة.. في دول الصليب لا يستمر الحاكم في السلطة أكثر من ثمانية أعوام هذا إن مدد له الشعب وأعاد انتخابه لدورة ثانية وبعضهم يذهب بعد دورة واحدة مدتها أربع سنوات فلا يعترض ولا يتمترس حول المؤسسة الأمنية أو العسكرية أو القوات الخاصة ولا يتوعد المعارضة بالسحق والقتل كما يفعل حكامنا في العالم الإسلامى .

نماذج من حكام العالم الإسلامى

في تونس دولة القرآن وعقبة بن نافع مؤسس القيروان التي أحالها الرئيس السابق الحبيب بورقيبة وخليفته زين العابدين بن على إلى دولة مرتبطة بفرنسا يطارد فيها الإسلام وأهله.. يسجن فيها الدعاة ويقتلون ويشردون بينما تسرح العلمانية وتمرح برعاية الدولة ، في هذه الدولة انتفض الشعب في يناير 2011م يردد أبيات شاعر تونس أبو القاسم الشابى:

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر

ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر

انتفض الشباب التونسي بعد أن قام الشاب البوعزيزى بإحراق نفسه ليشعل فتيل الثورة ضد الظلم والطغيان الذي يقوده زين العابدين بن على وبطانته الفاسدة، ذلك الطاغية الذي واجه المتظاهرين بالرصاص تشبثا بالسلطة التي لم يشبع منها رغم بقائه فيها لأكثر من ثلاثة عقود وهذه المدة تساوى مدة رئاسة أربعة رؤساء في أوربا وأمريكا لكل واحد منهم دورتين كاملتين.. حصد بن على ما يزيد عن مائتي شهيد لكن في نهاية المطاف انتصر الشعب التونسي وهرب بن على بعد أن ملأ طائرته بالعملات الصعبة من أموال الشعب التونسي الظلوم لتبدأ تون دورة جديدة من الحياة.. هرب زين العابدين بن على ظانا أن طائرته ستحط رحالها وتهبط في مدرج مطار باريس الدولي تلك الدولة التي أفنى ابن على شبابه في خدمتها والعمالة لها حتى أتاه الطوفان.. لكنها ركلته بالحذاء لأن عاصمة الديمقراطية لا تستقبل الذين تلفظهم شعوبهم.. ثم فاجأتنا المصارف الغربية والدولة الغربية بالمليارات التي هربها بن على وعائلته لأوربا وأمريكا من أموال الشعب التونسي الأبي.. وهكذا ما حل الطغيان في بلد إلا تبعه الفساد المالي والأخلاقي.

ثم انطلقت الثورة في مصر أرض الكنانة والأزهر الشريف.. أرض العلماء.. محمد عبده.. رائد الصحوة الإسلامية الحديثة الشهيد الإمام حسن البنا- الشهيد سيد قطب- شلتوت- الشهيد عبد القادر عودة- الغزالي- القرضاوي- العقاد وغيرهم .. مصر أرض العلماء والدعوة لكنها أرض الطغاة من لدن فرعون إلى عبد الناصر والسادات وانتهاء بالفرعون الصغير اللامبارك.. في مصر قدم الشباب أكثر من خمسمائة شهيد والفرعون الصغير يرفض التنحي ويصر على المواصلة.. لكن أخيرا انتصرت إرادة الشعوب المستضعفة وسقط الفرعون الذي يدعى الوطنية وخدمة مصر ..

سقط ذلك الفرعون الذي استمر في السلطة لأكثر من ثلاثين عاما رغم بلوغه الثمانين من العمر وقد كان يفكر في توريث الحكم لابنه لأن التوريث أصبح مشاعا في عالمنا الإسلامى.. سقط الفرعون الذي كان يدعى الإخلاص والولاء لمصر ليكتشف الشعب أن أرصدة مبارك وعائلته في بنوك الغرب تزيد مائة وستين مليار دولارا هذا غير ثروة بطانته من رجال الأعمال الذين زاوجوا بين السلطة والثروة حيث امتلك بعضهم الطائرات الخاصة وعشرات المليارات من الدولارات بينما يعيش الشعب المصري فقرا مدقعا.. في أمريكا وحده كانت ثروة الرئيس مبارك وعائلته اثنين وثلاثين مليار وخمسمائة مليون دولار، لكن القذافى بدد ثروات الشعب الليبي في إشعال الحروب ودعم حركات التمر في الكثير من دول العالم وكان أكثرهم أذى منه جيرانه في السودان وتشاد حيث أسهم الدعم الليبي المبكر لحركة التمرد في جنوب السودان بالمال الليبي، أسهم مؤخرا في انفصال جنوب السودان..

كذلك تأذت منه تشاد منه عهود حسين حبرى وجكونى أويدى.. ثم امتد تبديد المال الليبي في دعم حركات الثوار في نيكاراغوا ودعم الجيش الجمهوري الأيرلندي ومن ثم إسقاط الطائرات وغيرها من الأعمال الصبيانية التي بددت أموال الشعب الليبي في مليارات الدولارات التي دفعت تعويضا لقتلى طائرة لوكربى.. ثم تواصل تبديد هذه الثروات بواسطة أبنائه حيث تحدثت الصحف عن أحد أبنائه الذي دفع مليون دولار أجرا لمغنية من دول الكاريبى أحيت له ليلة غنائية واحدة أثناء قضائه إجازته الصيفية في جذر الكاريبى.

أما الشعب الليبي الذي لا يتجاوز تعداده الخمسة ملايين فإن الكثيرين منه يعيشون أمية كبيرة وقبلية متفشية كما يعانى الاضطهاد السياسي والحرمان من أبسط حقوق الإنسان .. كيف لا ورئيسه العقيد القذافى يصفه بأبشع وأقذر الإساءات مثل الجرزان والكلاب و( المقملين) ؟؟ هكذا ظل القذافى يتعامل مع شعبه رغم أن الشعب الليبي شعب عظيم يعتبر مفخرة للتاريخ العربي الافريقى عبر قائده الفذ المجاهد عمر المختار الذي رفع شعار ( نعيش مجاهدين فوق الأرض أو شهداء تحتها) ، وعبر شبابه الثوار الذين أذلوا كبرياء القذافى ومرتزقته وفضحوا كبرياءه الزائف وعداءه للإسلام والعروبة.

أما الإسلاميون والدعاة فقد كان العقيد القذافى ذو الأصول اليهودية يسومهم سوء العذاب ويطلق عليهم لقب ( الكلاب الضالة)، فعندما يطلق القذافى زبانيته من اللجان الثورية لقب ( الكلاب الضالة) فإنهم يعنون بذلك الدعاة من ( الإخوان المسلمين ) الذين ضيق عليهم الخناق في ليبيا وأعدمهم في الطرقات بل تم إعداد بعض الذين برأتهم المحاكم حيث أطلقت عليهم اللجان الثورية النيران وهم خارجون من قاعات المحاكم لذلك لم يجد الكثيرون من الدعاة الليبيين متنفسا إلا في أفغانستان ليمارسوا الجهاد ضد الشيطان الأكبر الذي يحمى ويرعى القذافى ويمتص ثروات الشعب الليبي عبر هذا الطاؤوس الجهول.

في فبراير 2011 م هب الشعب الليبي في ثورة مباركة انتظمت كل المدن الليبية وكان يمكن للعقيد القذافى أن يتفاوض مع الثوار وأن يقوم ببعض الإصلاحات لكنه أطل من محميته في باب العزيزية ليصف شعبه بـٍ ( الجرزان) و( الكلاب) وأنه سيحيل ليبيا إلى نار حمراء وسيطارد شعبه في كل مكان ( شبر شبر.. دار دار .. زنقة زنقة.. فرد فرد) .. لم يستعمل مع المتظاهرين الغاز المسيل للدموع أو خراطيم المياه كما رأينا في مصر وتونس واليمن بل بدأ القذافى منذ البداية بالرصاص الحي ضد شعبه ثم تطورت مواجهته لشعبه بدك المدن بالطائرات والدبابات وراجمات الصواريخ وصواريخ غراد وغيرها.. لم يجد نصيرا من الجيش الليبي فاستعان بالمرتزقة الذين اصطفوا على أبواب السفارات الليبية في بعض الدول الإفريقية ليوقعوا العقود ذات العوائد المالية العالية ليعملوا في جيش القذافى.. استجلب هؤلاء المرتزقة ليقهر بهم شعبه بلا هوادة ولا شفقة ولا رحمة.. حتى كتابة هذه السطور في منتصف يونيو 2011م قد زاد عدد الشهداء على خمسين ألف شهيد وما زالت كتائب القذافى تواصل قصفها لأجدابيا والبريقة والزاوية ورأسلانوف ومصراته وغيرها من المدن الليبية الصامدة التي رفضت بعزة وشموخ وإباء نظام العقيد القذافى، وقد تحررت بنغازي وأعلنت عن قيام مجلس وطني انتقالي لإدارة المعارضة.

أما في اليمن ومن فبراير 2011 م يسيطر الثوار على ساحة التغيير حيث قدم اليمنيون مئات الشهداء وانضم للثورة العلماء أمثال الشيخ عبد المجيد الزنداني كما انضم إليها قادة الجيش أمثال اللواء علي الأحمر لكن الرئيس الشاويش على عبد الله صالح الذي سيطر هو وأبناؤه وأصهاره وأفراد عائلته على كل مفاصل الثروة والسلطة في اليمن يرفض التنازل ويردد أمام المعارضة ( فاتكم القطار .. فاتكم القطار ) .. وفى أحسن الأحوال سيسعى للتنازل عن الحكم شريطة أن لا يلاحق قانونيا ولا يحاكم.

وهكذا قمعت المظاهرات التي تدعو للتغيير في كل الدول والممالك في العالم الإسلامى.

أما في السودان الذي تدور مادة هذا الكتاب حول محاولات تطبيق وتمكين البرنامج الإسلامى فيه، ففي هذا القطر بطرت الحركة الإسلامية بنعمة الديمقراطية التي منحتها تفويضا نيابيا غير مسبوق في انتخابات 1986 م حيث أحرزت الحركة الإسلامية التي أطلقت على نفسها اسم ( الجبهة القومية الإسلامية ) أكثر من خمسين مقعدا في البرلمان ونالت كل مقاعد خريجي الجامعات في شمال السودان ومقعدا في جنوب السودان .

كان ذلك فتحا ربانيا بعد أن كانت مقاعد الحركة في آخر برلمان قبل انقلاب الرئيس الميرى على الديمقراطية في عام 1969م لم يصل للعشرة مقاعد.

بطرت الحركة الإسلامية السودانية بنعمة الديمقراطية متحججة ببعض الذرائع وكان في ظنها أن المشروع الإسلامى إذا جاء عبر الدبابة سيختصر لها مشوارا طويلا ستسلكه عبر الديمقراطية ومنافسة الطائفية وكان قادتها لم يقرأوا قول الله لنبيه ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) قدمت الحركة أحد أفرادها في الجيش برتبة العميد ليرأس انقلابها في 30/ يونيو / 1989 م وكانت الخطة أن يستمر الرئيس في الحكم دورة مدتها أربعة أعوام ثم يمكن أن يجدد له لأربعة أعوام أخرى عبر انتخابات شفافة ونزيهة.. لكن ظل الرئيس في الحكم حتى كتابة هذه السطور لما يقارب ربع القرن من الزمان. وليته استمر في الحكم وحفظ للسودان وحدته وللحركة الإسلامية التي أتت به وحدتها وقوتها أيضا.. بنهاية العقد الأول من حم الحركة الإسلامية في السودان انشقت الحركة الإسلامية لي نصفين ( المنشفيك) الذين انحازوا لشيخ الحركة الإسلامية و ( البولشفيك) الذين انحازوا للقصر الرئاسي الحاكم.

منذ تلك اللحظة ظل شيخ الحركة يتردد على سجون الحكم الذي جاء به حتى احتفل بعيد ميلاده الثمانين في فبراير 2011 م وهو وراء قضبان السجن.

ثم انشق طرف آخر من أبناء الحركة الإسلامية وحملوا السلاح في دارفور بقيادة الدكتور خليل إبراهيم الذي كان من أبرز مجاهدي الحركة الإسلامية .

ولي الأمر توقف عند هذا الحد بل إن الثورة التي جاءت لإنقاذ السودان ما إن حل العام 2011 م حتى تم انفصال جنوب السودان الذي تمثل مساحته ثلث مساحة السودان.. لقد قدمت الإنقاذ عبر مفاوضيها غير الأكفاء في نيفاشا قدمت الجنوب على طبق من ذهب للحركة الشعبية والصهيونية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وعندما حاولت المعارضة السودانية الخروج في بعض المسيرات المؤيدة للثورة المصرية أو التونسية قوبلت بإجراءات الشرطة المعلومة، كما صرح ذلك الصيدلي بأن حزبه جاهز لسحق المعارضة سحقا شاملا.

فإذا كان هذا هو حال القيادة السياسية الحاكمة في العالم الإسلامى فكيف نكون ( خير أمة أخرجت للناس) هذه القيادة التي تحكم العالم الإسلامى اليوم لا تنطبق عليها معايير الاستخلاف الرباني ومعايير الشهادة على الناس، وليست مؤهلة لقيادة نفسها ومحيطها القطر الضيق ناهيك أن تقود العالم الإسلامى، فهي بهذه الشوفونية والنرجسية والجهل المطبق والفساد المنتشر جعلت الأمة الإسلامية في مؤخرة ركب الأمم المتحضرة بل صارت الدول الغربية تعيش في عالم شفاف تحكمه مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية حيث تشيع في دول الصليب قيم الصدق والعدل وحقوق الإنسان والعدالة أمام القانون والمساواة في الحقوق والواجبات علاوة على إشاعة الصحة العامة والتأمين الصحي للمواطن والسلام والأمن وتشجيع البحث العمى وتحفيز العلماء والباحثين كل هذه القيم الإسلامية لا نجدها في عالمنا الإسلامى الذي تسيطر عليه فئوات عسكرية أو جهلاء الأسر المالكة، بينما نجدها في دول الصليب في أمريكا وأوربا الغربية.

لقد ذهب بعض الدعاة من إخوتنا ( جماعة الدعوة والتبليغ) لأمريكا فقرروا دعوة أحد الرؤساء الأمريكان السابقين، للإسلام وحدثوه عن القيم الفاضلة للاستلام مثل الصدق والوفاء والعدل والمساواة والحرية وحقوق الإنسان والسلام والأمان والرفاهية والإخاء والمناصرة والمولاة ومحاربة الفساد.

فما كان من الرئيس الأمريكي السابق إلى أن أخذ ضيوفه الكرام بكل أدب واحترام إلى غرفة مكتبته فطرح خارطة كبيرة للعالم فقال لهم: هذه خارطة العالم، وهذه كل دول العالم الإسلامى أروني دولة واحدة من دول العالم الإسلامى قامت بتطبيق هذه القيم الفاضلة؟ فنظر إخوتنا الدعاة لبعضهم البعض ثم انسحبوا وأعينهم تقطر دما قبل الدمع، وكأنهم يرددون أبيات الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة: بل محنتي أي لا أرى في أمتي مهرا تقدمه صداق الحور.

بل نقول لابن رواحة شهيد معركة مؤتة: إن محنتنا أن تقدمنا العوام الجهلاء الذين إما قد قام بتنصيبهم الغربي الصليبي أو دخلوا بطوعهم بيت الطاعة الصليبي فأصبح الغرب في قلوبهم أكبر من الله.. طاعته واجبة قبل طاعة اله والخوف منه سابق للخوف من الله( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) ، وأوامر الغرب مطاعة قبل أوامر الله والتعاون الاستخباراتى معه لا يعد من النوافل بل من الفرائض التي تتسخ فرائض الله إلى يحرم موالاة الكافرين وطاعتهم لأن في ذلك كفر وخروج عن الملة" يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) ( آل عمران).

الله أرادنا خير أمة وأمرنا بإخراج البشرية جمعاء من الظلمات إلى النور كما وقف ذلك الصحابة الجليل الذي كان جنديا عاديا في جيش سعد ابن أبى وقاص ولم يكن لواء بجهاز الأمن والاستخبارات ولم يكن ممسكا بملف الأمريكتين ..كان جنديا عاديا رث الثياب وقف أمام كسرى ملك الفرس تملأه كبرياء المؤمن وعزته على الكافرين فقال لكسرى: ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. وتحدث حديثا رائعا أوردته كتب السير التي تحدثت عن معركة القادسية، وعندما طلب منه كسرى مهلة ستة أشهر ليفكر في الأمر قال له الربعى بن عامر : لا بل أمامك ثلاثة أيام إما الإسلام وإما الجزية وإما الحرب.. فسأله كسرى : هل أنت سيد هؤلاء القوم؟ فأجاب الربعى: لا بل من أدناهم.. لكنه الإسلام حيث يسعى بذمة المسلمين أدناهم.

لم ينكسر الربعى بن عامر ذلك الشاويش بل الجندي العادي في جيش سعد بن أبى وقاص كما وصف نفسه من ( أدنى القوم) .. لم ينكسر كما انكسر لواءات المشروع الحضاري في ذلة وصغار مقدمين ملفات الحركات الإسلامية لأئمة الصليب ليفعلوا فيهم الأفاعيل تحت شعار المسجد الضرار ( محاربة الإرهاب) والله يدعونا لإرهاب أئمة الكفر المعتدين ويأمرنا أن نعد العدة العلمية والمادية والعسكرية لإرهاب المعتدين من أئمة الصليب ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) .. الذين يصفونهم بالإرهابيين هم الشباب الإسلامى الذين ضيق عليهم هؤلاء العملاء الخناق فاضطروهم إلى أضيق الطرق.. يصفهم القذافى بالكلاب الضالة ويسجنون ويشردون في المغرب العربي ويموتون في السجون الباردة المظلمة في ممالك وأمارات الخليج والشام وغيرها.. يعيشون غرباء في أوطانهم، القابض فيهم على دينه كالقابض على الجمر.. ينظر هؤلاء الشباب إلى رؤسائهم وملوكهم وأمرائهم فيرون أو ولاء الرؤساء والملوك لدول الصليب وليس لله.. فهم أعداء الرحمن أولياء الشيطان.

الله أرادنا أمة وسطا شهداء على الناس كما أرادنا خير أمة أخرجت للناس .. انظر لقول المولى عز وجل: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ( البقرة : 143).

( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) ( آل عمران) يعلق العلامة الشيخ أبو الأعلى المودودى على آية الأمة الوسط بقوله( إن الفرد أو الجماعة التي يصدر لها أمر من الله كي تكون شاهدا من قبله على العالم لهى في الحقيقة جماعة عالية القدر رفيعة الدرجة في إمامة هذه الدنيا وزعامتها. وحيث توجد الأفضلية ويعلو الشأن يتعاظم عبء المسئولية ويجسم.

وهذا يعنى أنه كما أصبح الرسول شاهدا حيا على هذه الأمة في تقوى الله والاستقامة والعدالة والحق، فلابد من أن تصبح هذه الأمة بالتالي شاهدا حيا على العالم أجمع كي ترى الدنيا قولها وعملها وسلوكها، وتعلم ما هي تقوى الله وما معنى الاستقامة وكيف تكون العدالة وأي شيء هو الحق.

كما يعنى ذلك أن علينا مسئولية وعبئا ثقيلا عظيما في تبليغ قانون الله وهديه إلى سائر البشر، تماما كما كانت مسئولية الرسول عليه الصلاة والسلام في تبليغنا هذا القانون حتى أنه لو قصر في ذلك مقدار ذرة واحدة لحوسب به أمام الله .

فإن عبادك شرعتك وقانونك الذي بعثت إلينا على يد رسولك فلسوف نؤخذ أخذ عزيز مقتدر، ويسقط عنا شرف هذه الأمانة التي أسندت إلينا، لأننا قصرنا بالفعل في فترة تولينا زعامة العالم، فانتشر من الضلالات الفكرية والعملية ما لا حصر له، وظهر من الفتن والمفاسد ما عم ارض الله ، ولذا فسوف نحشر في زمرة أئمة الشر وشياطين الإنس والجن حيث نسأل : أين كنتم: أماتا غافلين عن طوفان الضلال والظلم والمعصية الذي كان يجتاح الدنيا ويطويها تحت أبطيه).

ونقول لشيخنا المودودى إن هؤلاء لم يكونوا أمواتا غافلين بل كانوا عملاء ناشطين لقوى الغواية والضلال يقدمون خارطة طريق الضلال التي يتقدمها الفساد والظلم والطغيان ومطاردة الدعاة الإسلاميين.. كانوا موغلين في العمالة للأجنبي الصليبي الحاقد الذي ليس له هدف عير دك الإسلام ومحو قرآنه من صدور المسلمين .

ثم يدعونا الشيخ المودودى لمحاربة المفسدين الذين يشيعون الفاحشة في المجتمع المسلم فيقول( إن انحراف أي شعب يبدأ بانحراف بعض أفراده.

فإن كان ضمير الشعب الاجتماعي واعيا يقظا لقهر الرأي العام هذه الفئة المنحرفة ولتمت نجاة الشعب جميعا من مهالك الانحراف والبوار.

أما أن يتساهل الناس ويتهاونوا في أمر المخطئين ولم يضربوا على أيديهم وأعطوهم الحرية ليمارسوا أخطاءهم في كيان المجتمع ، لا تسع بالتدريج نطاق الفساد- الذي كان قارصا على دائرة محدودة تضم أفرادا قلائل – ليعم المجتمع بأسره وينتشر في دمه وعروقه، وهذا ما كان سببا في انفراط عقد بني إسرائيل).

( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) ( المائدة: 78- 79).

ثم يتحدث المودودى عن ضرورة مجاهدة العملاء من أئمة الكفر والضلال بآية ( سورة المائدة : 35) ( وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون) ، قائلا: ( الحق أن لفظ جاهدوا المستخدم في هذه الآية لا يتضح معناه تماما في بذل الجهد المجرد وحده، إذ الجهاد يقتضى الحرب والمواجهة فالمعنى الصحيح لهذا اللفظ أن جاهدوا واصرعوا بكل قواكم الممكنة تلك القوى التي تعوق الطريق إلى الله، وتمنعكم من العمل بما يرضى الله تعالى وتحاول إرجاعكم عن سبيله، ولا تبقى عليكم عبيدا له وحده بل تكرهكم على أن تصبحوا عبيدا لها دون الله أو عبيدا لأحد آخر غيره تعالى. ونجاحكم وتوفيكم وتقركم إلى الله يعتمد في أساسه على هذا الجهاد ).

شورى الجمهور

تعتبر الشورى أهم ركيزة في نظام الحكم الإسلامى إذ أن الشورى وفقا لنص القرآن قد جاءت مدحا للمؤمنين ثم جاءت أمرا واجب التنفيذ من قبل القيادة تجاه الجماهير.

( وأمرهم شورى بينهم) ( الشورى: 38).
( وشاروهم في الأمر ) ( آل عمران: 159).

هذه الآيات تؤسس لفرضية الشورى في مجتمع المسلمين على كافة مستويات المؤسسات المجتمعية والسياسية فهي قاعدة قررها وفرضها الله فأي تعدى أو تجاوز لها يعتبر تعدى على أوامر الله وعصيان لإرادته تعالى ومن ثم تشكل ظلما من الإنسان لنفسه ثم ظلما لأخيه الإنسان ثم ظلما لمجتمعه ثم مشاركة الله في بعض صفاته إذ لا يسأل المولى عما يفعل والزعيم الذي يفرض رأيه على الجماهير يقول لهم( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) .

يقول العلامة أبو الأعلى المودودى عن ضرورة إعمال الشورى في المجتمعات والمؤسسات الإسلامية:

إننا إذا تدبرنا أسباب ذلك لاتضحت أمامنا أمور ثلاثة:

1- إن فصل أي إنسان برأيه الشخصي- دون اعتبار للآخرين- في أي مسألة تتعلق بالآخرين، ظلم وإجحاف .
فلا حق أن يدبر الأمور المشتركة ويقتضى فيها بطريقته الخاصة ورأيه الفردي فالإنصاف يقتضى للفصل في أمر ما أن يؤخذ رأى جميع من يتعلق بهم هذا الأمر ، وإن كان يتعلق برأي قطاع عريض من الناس فلابد من التشاور مع ممثليهم الحقيقيين.
2- إن محاولة الإنسان الفصل في الأمور المشتركة وتصريفها وفق ما يراه هو والتعدي على حق الآخرين في سبيل الأغراض الشخصية وتعظيم النفس واحتقار الآخرين كلها صفات أخلاقية قبيحة لا يمكن أن توجد في المؤمن أدنى ذرة منها.
فالمؤمن ليس بالذي في نفسه غرض يتعدى من أجله على حقوق الآخرين لينال فائدة غير مشروعة، ولا بالمتكبر المغرور الذي يعتبر نفسه العقل المدبر والعليم الخبير.
3- إن الفصل في المسائل التي تتعلق بحقوق الآخرين مسئولية جسيمة.
فمن يخشى الله ويعرف كم سيكون حسابه عظيما ثقيلا أمام ربه، لا يمكن أن يجترئ على حمل هذا العبء الثقيل القاصم بمفرده. ومن لا يخاف الله ولا يؤمن بالآخرة هو وحده الذي يجرؤ على فعل هذا، أما من يستشعر خشية الله وحساب الآخرة فلا مفر له من أن يشاور الناس أو ممثليهم بشأن الفصل فيما يتعلق بهم من أمور، حتى يتسنى له الحكم فيها حكما سليما أساسه الإنصاف دون تحيز وحتى لا يتحمل وحده مسئولية أي خطأ يقع جهلا أو سهوا.

ويواصل العلامة المودودى

هذه الأسباب الثلاثة إذا تأملها الإنسان لعلم علم اليقين أن الشورى هي المقتضى الحتمي لما يعلمه الإسلام للإنسان من أخلاق وشمائل، وإن الحيدة والانحراف عنها خلق جد ذميم لا يقره الإسلام أو يبيحه أبدا.

إن اتباع الشورى في كل صغيرة وكبيرة هو الطراز المميز للحياة الإسلامية ، ففي أمور المنزل وشئونه يتشاور الرجل مع امرأته، فإذا ما كبر أطفاله وصاروا شبابا أشركهم في المشورة.

وكذلك الأمر في شئون العائلة حيث يتشاور عقلاؤها البالغون، فإن تعسرت مشاورة كافة الأفراد في قبيلة أو عشيرة أو مدينة، يشكل منهم- بطريقة يتفق عليها- مجلس يمثل كافة الممثلين الثقة الذين ينيبون عن من يهمهم الأمر للفصل فيما يعن لهم من مشاكل.

وكذا الأمر في المسائل التي تتعلق بشعب بأكمله إذ يولى عليهم رئيس أو قائد برضاهم جميعا، فيتشاور في أمورهم أهل الرأي ممن فتثق بهم، ويبقى قائدا رئيسا طالما أراده الشعب كذلك.

شورى اختيار الرئيس

ثم يتحدث المودودى عن مواصفات الرئيس في الدولة الإسلامية قائلا:

إن الإنسان المؤمن لا يرغب أو يحاول أن يكون رئيسا بالقوة أو الجبر، أو أن يفرض نفسه على الشعب فرضا ثم يطلب منهم رضاهم كرها وغصبا ، أو أن لا يتشاور مع من أرادهم الشعب ينوبون عنه برغبته وإرادته الحرة، وينتقى هو بنفسه ممثلين يشيرون بما يرغبه ويوافقون على كل أمر يتخذه وأي هذه الرغبات لا تظهر إلا في النفس التي تلوثت بخراب الضمير والذمة ومن لا يتورع من خداع الله والناس، هو وحده الذي يحاول التمثيل والظهور على الناس بأنه يطبق ) وأمرهم شورى بينهم ) في شكلها الخارجي الظاهر، بينما يطمس في الواقع حقيقتها وجوهرها بالرغم من استحالة انطلاء خدعته هذه على الله، وبالرغم من أن الناس ليسوا عميانا إلى درجة يستطيع معها أي شخص أن يخدعهم في وضح النهار ومع هذا يستمرون بسذاجة وطيب قلب- في اعتباره خادما لهم ساهرا على مصلحتهم وليس دجالا مخادعا أفاكا.

ويرى المودودى إن قاعدة ( وأمرهم شورى بينهم) تتطلب بذاتها خمسة أمور

:أولها: أن ينال الناس الحرية الكاملة في التعبير عن آرائهم في أمور المجتمع التي تتعلق بهم وبحقوقهم ومصالحهم ويعلموا تمام العلم كيف يجرى تصريف هذه الأمور، وأن ينالوا الحق الكامل في أن يزعوا ما يصدر عن ولى أمرهم من خطأ وتقصير ويحتجوا عليه، فإن رأوا الخطأ لا يصلح ويستقيم عزلوا قادتهم وأولى أمرهم واستبدلوهم بغيرهم.. لأن تصريف أمور الناس مع سد أفواههم وتكبيلهم وتركهم دون علم بها إنما هو كفر صريح لا يمكن أن يقبله أي إنسان يؤمن بالآية( وأمرهم شورى بينهم ) ويتبعها.
:ثانيا: إن مسئولية تصريف أمور المجتمع لابد وأن تلقى على كاهل من يتم تعيينه واختياره برضا الناس، وهذا الرضا لابد أن يكون حرا. أما الرضا الناتج عن الإرهاب والتخويف، أو المشترى بالطمع والحرص أو المتحقق بالتزوير والخداع والدجل فليس رضا في حقيقته.
إن القائد الشرعي الصحيح لأي شعب من الشعوب ليس من يسلك كل سبيل ويفعل أي شيء ليتولى الزعامة والقيادة بل من يوليه الشعب قيادته برغبته ورضاه.
ثالثا: أن يختار للتشاور مع القائد أولئك الذين يحصلون على ثقة الشعب، وبالطبع يخرج عن المعنى الحقيقي للحصول على ثقة الشعب من يفوزون بتمثيل الشعب عن طريق الضغط والإكراه والنفوذ وشراء الثقة والأصوات بالمال والرشاوى أو بالتزوير والخديعة والمكر والتحايل.
رابعا: أن يشير هؤلاء الممثلون بما عليهم علمهم وإيمانهم وضميرهم، وأن ينالوا حرية الراى كاملة تامة، وإلا فسوف يشيرون بما يخالف ضميرهم وإيمانهم وعلمهم خوفا أو طمعا أو تحيزا أو مراعاة لمصلحة جماعة ما ، فيصبح الأمر خيانة وغدرا لهم اتباعا وتنفيذا لقاعدة ( وأمرهم شورى بينهم).
خامسا : التسليم بما يجمع عليه أهل الشورى أو أكثريتهم، أما أن يستمع ولى الأمر إلى آراء جميع أهل الشورى ثم يختار ما يراه هو نفسه بحرية تامة فإن الشورى في هذا الحالة تفقد معناها وقيمتها ، فالله لم يقل تؤخذ آراؤهم ومشورتهم في أمورهم وإنما قال(وأمرهم شورى بينهم) يعنى أن تسير أمورهم بتشاورهم فيما بينهم، وتطبيق هذا القول الإلهي لا يتم بأخذ الرأي فقط وإنما من الضروري لتنفيذه وتطبيقه وأن تجرى الأمور وفق ما يتقرر بالإجماع أو بالأكثرية.

ومهما يكن من آراء أوردها علماؤنا الأجلاء حول أهمية الشورى وفرضيتها وكذلك شروط الأهلية لمن يتولى مهمة الإمام أو رئيس الجمهورية أو الخليفة، لكن يبقى الأمر الذي يحفظ الأصل ، الدين ، ويواكب العصر بحيث تحل المؤسسة الشورية مكان هذا الإمام أو الرئيس وأن يتحول الرئيس وحكومته إلى أداة تنفيذية لما تتخذه المؤسسات من برامج وخطط.. وأن يخضع التنفيذيون لمراقبة ومحاسبة الأجهزة التشريعية والعدلية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني وأن ينفردوا بقرار يتنافى مع الدستور والعدلية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني وأن ينفردوا بقرار يتنافى مع الدستور والقانون ولا يندرج تحت الخطة العامة إلا بموافقة الأجهزة التشريعية.

بعد ما أوردناه من آراء الشيخ المودودى فيجدر بنا هنا أن تستعرض آراء الشيخ الترابي حول الحرية. فالحرية عند العلامة الترابي هي حق إلهي لا يجوز لأحد أن ينزعه من أحد ولا يجوز لفرد أن يتنازل عنه لأن مناط التكليف في الدين يقوم على الحرية.. ويدعو الترابي في كتابه القيم الذي أصدره في العام 2002م من داخل معتقل تلاميذه في عهد الإنقاذ بعنوان : ( السياسة والحكم : النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع) ألا يقوم جبروت ويحظر حرية الآخرين، لأن ذلك يعطل المشيئة الطلق، ويفرض نظاما قهريا يستند إلى سيطرة واستبداد حزب واحد هو متسلط. ويرى الترابي أن نظرية الحزب الواحد دائما ما تكون واجهة لفرد مستبد ومتفرعن .

ويذهب إلى أن الحاكم قد يحسب صمت السواد الأعظم عن شموليته هو رضي وتسليم، ولكنه غير ذلك والغالب أن سوادا عظيما من الناس لا يحتملون المخالفة بالحق كما يرونه والمصابرة على العاقبة، بل يؤثرون السكوت والجمود ابتغاء السلامة، وذلك تعطيل كبير، أو يذهبون مذهب النفاق، ينقض باطنهم ظاهرهم فيفسدون الحياة، كما أن تراكم المنافقة من جانب كما يرى الترابي وتراكم المظالم والقهر من جانب السلطة يقود إلى ثورات تدمر كل شيء وتقود إلى فوضى غير محمودة العواقب.

كما يرى أن الخير والصلاح اللذان يقدمان درجا هما في انفتاح المناخ السياسي لحركة نصح الحكام، لأن الحكومة بما يليها والمعارضة بما تباشره من تلمس لمظالم الجمهور، فهذا يكمل ذاك، ومهما تطرفت المعرضة وذهبت تنقب في معايب السلطة الحاكمة، فإن ذلك يدفع الحكومة للمزيد من الاهتمام بالرعية وتقويم أخطائها والرجوع إلى الجادة.

ثم يستشهد الشيخ الترابي بدولة المدينة التي شهدت حرية مطلقة لحركة الأحزاب التي تطرفت لمعارضة قيادة دولة المدينة المتمثلة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلك والقرآن يسميهم الأحزاب ولم يعلن الرسول الأعظم في وجههم حالة الطوارئ ولم يعلق بعض مواد دستور المدينة، وإنما سمح لهم بممارسة نشاطهم بحرية كاملة من غير تضييق أو سجن ما داموا يقودون معارضة سلمية وفى دولة المدينة مهما تذهب الأحزاب وزراء الحق إلى ما يحرمه الشرع أو يكرهه فضلا عما يكرهه الأمير، فإن سنة دولة المدينة أسوة بينة لترك من يحمل كفرا كتابيا أو منافقة مفضوحة أو ترددا بين الكفر والإيمان ليعمل سياسة بتعبير رأى وموالاة عليه كما يشاء..

ويحدثنا القرآن في سورة النور كيف أن حديث الافك في عرض رئيس الدولة ونبي الأمة ثم يأتي الرسول في سورة النور كيف أن حديث الافك في عرض رئيس الدولة ونبي الأمة ثم يأتي الرسول ليتشاور مع صحابته في برلمان المدينة ( المسجد النبوي) ويشكو بثه وحزنه من أن يخوض البعض في عرضه، فيقوم بعض الأنصار معلنا استعد\اده لعقاب أو قتل من خاض في ذلك ولكن يقوم طرف آخر من ألأنصار ليقول للطرف الأول كذبت لن تستطيع ذلك.. هذا يحدث بينما رئيس الدولة واقفا على منصة الرئاسة ( المنبر النبوي) ولا يعلن حالة الطوارئ ولا المحاكم الاستثنائية أو الخاصة أو التعذيب للمعارضين كما يحدث في دول العالم الإسلامى ما ذكره الترابي والذي سنذكره أدناه يعتبر رؤية جديرة بالتدبر والدراسة والمقارنة سيما بالنسبة لكل من يربط نفسه بحركة الإسلام السياسي الساعي لقيام دولة إسلامية على نهج الطراز الأول لدولة المدينة.

يقول الشيخ الترابي

( .. فبوحا لوجدان الفرد المؤمن وسياقه الاجتماعي الخاص في رخصة من جبر السلطان .
وطلاقة لأمانة التكليف في الحياة، ينبغي ألا يقوم جبروت يحظر الحرية في الرأي واختلافه والتوالي على ألوانه ، فذلك نقض لكل أصول الحكمة والأحكام في الشرع لأنه بمعصية الهدى يعطل المشيئة الطلق ويفقر عطاءها ويقطع أسباب التزاوج والتداول والتوالي بين رؤى الناس، ويجمد الشورى مورد الإجماع الذي ينتج وحدة طوعية صادقة، لا وحدة القهر الظاهرية الصماء الجلمد.. ومثل ذلك الموت الجامد يأتي صورة شائعة في نظم القهر وهى إقامة حزب واحد هو المتسلط، وغالب حقيقته أنها صورة وراءها حقيقية استبداد فرد قد تصطرع عصابات خفية على مقعده، وقد يتفرعن ذاتا متألهة حتى يموت.
وما تلك الصورة بصدق حتى في مداها فضلا عن أنها تحتكر ما تركه الله الواحد للناس، وله تعالى من أسباب الترهيب والترغيب والاقهار نفاذا ما لا يملك بشر .
والغالب أن سوادا عظيما من الناس لا يحتملون المخالفة بالحق كما يرونه والمصابرة على العاقبة، بل يؤثرون السكون والجمود ابتغاء السلامة وذلك تعطيل كبير، أو يذهبون مذهب النفاق ينقض باطنهم ظاهرهم فيفسدون الحياة.
ثم إن الرؤى المكبوتة تعتمل سرا ويتوالى عليها الناس خفية يتعاظم قدرها ، ولا يجد متنفسا بالتبعية والظهور الحر، فإذا طمت الضغوط وتكسبت انفجرت وهكذا ، تخرج الثورات ضرورات لا مناص منها، ولكنها لا تطور الحياة درج طباقا بل تنقلب مطبقة على كل ما سلف تخرب أحيانا خيره وشره جميعا.

وإنما الخير والصلاح اللذان يقدمان درجا هما في انفتاح المناخ السياسي لحركة نصح الحكام، وأوقع ما يكون ذلك من قوم يتوالون مخالفة لهم يرون مدعى سياسات الحكم ،وأوقع من نحو آخر.

وإنما يتم صلاح السياسات إذا تكاملت مصادرها، الحزب الوالي يأخذها م حين جد مسؤوليته ووسع إحاطته بما يدير ويشرف عليه من أمور، والذي يقابله معارضا يصدر عن قرب من الرعية لا تحجبه عنهم مراسيم الدواوين وتعالى المناصب، بل يصل رأيهم وحاجاتهم وقد تفتنه المعارضة للتنقيب عن وجوه عيب في ما يبادر به الوالي، وللمبالغة في ما تطلب أطماع الناس العاجلة.

ومهما يكن فذلك يدعو إلى زيادة البيان وتقويم الميزان للأمر العام، وهو أصلح واقرب لوحدة المجتمع. ونصوص القرآن ونهج حكم المدينة بيان لمختلف الأحزاب الحرة النشطة المعارضة منها المتباعدة عن الإسلام وصدقه لا تحظر بالسلطة ، ونقدهم لولى الأمر الذي كان نبيا بالغا ما بلغت شناعته لا يعاقبون عليه، والقرآن يسميها أحزابا ويقص مساءلاتهم ومؤاذاتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولحزب الله المؤمنين ، ولا يوصى بأخذهم بالسنان إلا أن يرفعوا سنانا ، وإنما بمجاوبتهم لسانا أو عطاء في ما هو خير، ومحاجتهم ومدافعتهم قولا في ما هو شر.

وبعض ذلك في سور التوبة والمجادلة والمنافقون سياقا سياسيا مثل سياق المجادلة حول أصول العقيدة في سور البقرة وآل عمران والمائدة.

فهدى الدين أن الحياة العامة فاسحة مسامحة لشتى الأحزاب، لكل وجهة هو موليها بغير إذن أو ترخيص من أمر مرسوم من سلطا الدولة، لئلا يقوم الوالي متسلطا لا يبيح لمن يخالفه مجال خلاف ونصح، أو يضبط بالإذن وشروطه البينة أو الموحى بها قيام أحد لا يرضاه أو مدى نشاطه.

ومهما تذهب الأحزاب وراء الحق إلى ما يحرمه الشرع أو يكرهه فضلا عما يكرهه الأمير، فإن سنة دولة المدينة أسوة بينة لترك من يحمل كفرا كتابيا أو منافقة مفضوحة أو ترددا بين الكفر والإيمان ليعمل سياسة بتعبير رأى وموالاة عليه كما يشاء.

وكان بينا فيها ما هو أولى بالفسحة من خلافات المسلمين اجتهادا ولو غشيتها موالاة لا تقارب الرؤى وحسب، بل بدواعي القربى من قبيلة أو جامع سابقة معا في الإسلام، أو رابط نساء في شؤونهن أو شتى جماعات مضاغطة بما يعنيها).

مبادئ انتخاب القيادات

من جانب آخر يتحدث العلامة المودودى عن مبادئ انتخابات القيادات في الدولة الإسلامية ويرى أن المبادئ التي يتم على أساسها انتخاب القيادات تخالف إلى حد كبير المبادئ التي تتبعها الحكومات الأخرى في هذا الصدد لأنها تقوم على الأهلية والأمانة والتدين والتقوى وحسن الخلق والسلوك يقول الله تعال: ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) . ( النساء: 58) .

يعنى اجتنبوا تلك الآثام التي وقع فيها بنو إسرائيل، لأن من بين أخطائهم الأساسية أنهم كانوا وقت انحطاطهم يعطون الأمانات أي المناصب القيادية والزعامات الدينية والشعبية إلى من لا يصلحون لها ومن على خلق وسلوك وتدين سيء فنجم عن ذلك أن حل الخراب والدمار في الشعب بأسره في ظل القيادات السيئة المنحرفة .

والآية تحذر المسلمين أي لا يفعلوا ذلك وإنما يؤدوا الأمانات إلى أهلها أي من يصلحون لحمل أعبائها والقيام بها.

وهنا نرى أن مفهوم الأمانة يتسع ليأخذ معناه الصحيح إذ أن الأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها إنما هي أمانة قيادة الحياة وفق منهج الصلاح والرشاد وإتباع أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه.. والأمر بأداء الأمانات إلى أهلها يعنى أن تسند أمانة التكليف السياسي ( ألأمانة السياسة) ( الأمانة الاقتصادية أو الاجتماعية) أن تسند للأقوياء الأمناء أهل العلم والتدين والتجرد عن الأهواء الاثنية والجهورية والحزبية حتى لا يخونوا الأمانة التي أوكلت لهم وإلا لم يكونوا أهلا لهذه الأمانة.

ومن علامات الساعة أن تسند الأمانة إلى غير أهلها.. في الحديث إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قيل يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.أما إذا أسندت الأمور في الدولة الإسلامية إلى غير أهله فانتظر الساعة.

أما إذا أسندت الأمور في الدولة الإسلامية إلى غير أهلها فتقدم الفاسدون وأهل الأهواء شاع الفساد ونهب المال العام وتم تكميم الأفواه وصودرت حرية الجماهير في التعبير وإبداء الرأي وأصبحت البلاد تدار بواسطة الطوارئ والأجهزة الأمنية، عندها يأتي أمر الله لعباده المؤمنين: ( ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) ( الشعراء: 151- 152) .

أي لا تطيعوا أمراءكم ورؤساءكم وحكامكم وقادتكم ممن يفسد نظام حياتكم في ظل قيادتهم ورئاستهم، فهو قوم مسرفون خلعوا عن حياتهم ثوب الأخلاق وصاروا كالعير الشاردة الطليقة، ومن ثم لا يمكن أن يتم الإصلاح على أيديهم، بل سينتشر الانحراف والفساد الأخلاقي والمالي والسياسي في النظام يحكمونه ويديرون عجلته . فإن أردتم الفلاح والخير فاتقوا الله وأطيعوني ولا تطيعوا المفسدين.

واجبات الدولة لمسلمة

وبالإضافة إلى ما ذكره ابن خلدون والماوردى من شروط لمن يتولى منصب الرئاسة فإننا قد أضفنا لها بعض التعديلات حتى تواكب التحديات المعاصرة وتلبى تطلعات الأجيال الحاضرة .

هذه الواجبات يجب على الرئيس المنتخب أن يأخذها على عاتقه بجدية ، وهذه الواجبات هي:

- أن يحافظ على الدين وفق مبادئ وهدى الدين مستصحبا مجاهدات واجتهادات الرعيل الأول من الصحابة والأئمة والتابعين وأن ينزل التشريع من مستوى الشعار والهتاف السياسي إلى مستوى التطبيق الذي يقوم على العدل والقسط، وأن يشيع العلم بالدين أصولا وفروعا ومن ثم يحارب البدعة والضلالة وبذلك يحفظ الدين من الضرر ويحمى المجتمع من الزلل.
- أن يقضى بين المتخاصمين ، ويفض النزاعات بين المتنازعين حتى تعم العدالة فلا يظلم أحدهم ويكون ذلك في ظل قضاء مستقل ونزيه لا يحابى أصحاب السلطان ولا يخشى أصحاب الثروات.
- الدفاع عن وحدة وسلامة أراضى الإسلام وحمايتها من الاعتداءات حتى يتمكن الناس من العيش والسفر دون خوف على النفس والممتلكات .
وأن يقيم الحدود الشرعية ليردع أي تعد لحدوده وأوامره، ويحفظ حقوق رعيته من الضرر أو التدمير.
- أن يذود عن الحصون والثغور الحدودية بما يستلزمه الدفاع من ذخائر وقوات حتى لا يأخذهم العدو على حين غرة فيمارس الانتهاكات أو يسفك دماء المسلمين .
- أن يعلن الجهاد ضد من يحاربون الدولة الإسلامية ويضطهدون دعاة الإسلام أو من يقومون بأي أعمال عدائية ضد الإسلام.
- أن يكون حفيظا أمينا على موارد الدولة الإسلامية المالية وعلى حماية صادراتها ووارداتها وحمايتها من استغلال النفوذ المؤدى إلى الفساد ومنع الجمع بين السياسة والتجارة أي منع الجمع بين العمل التنفيذي والعمل التجاري وأن لا يستغل الحاكمون وأصحاب المناصب العليا مواقعهم السياسية والسيادية في التمكين لأسرهم وإخوانهم وأصهارهم وأصحاب العلاقات الإثنية من ذويهم، ولأن هذا يعتبر أس الفساد الذي يقود الدول للانهيار.
- أن يحدد الرواتب وغيرها من العطاءات من وزارة المالية دون إسراف أو تمييز أو تقتير وأن لا تكون هنالك فوارق كبيرة في رواتب السياسيين والبرلمانيين والوزراء وغيرهم من أساتذة الجامعات والعلماء وعامة أفراد السلك الوظيفي، أ أن يكون هنالك هيكل وظيفي عام لا يتميز فيه ضابط جيش أو أمن أو شرطة أو جمارك أو وزير أو برلماني أو مدير شركة تشارك فيها الحكومة بنسبة مقدرة، لابد أن تختفي الفوارق الشاذة حتى لا يتحول المجتمع إلى مجتمع طبقي كذلك أن تدفع الرواتب والمعاشات في وقتها المحدد دون تقديم أو تأخير.
- أن يتحسس صندوق الزكاة ومؤسسات التكافل والرعاية الاجتماعية حاجات الفقراء والمعدمين الذين لا يستطيعون الوصول إلى ديوان الزكاة أو غيره من المؤسسات وأن يقوم بتلبيتها، كذلك تقوم هذه الجهات بإنشاء المشافى العلاجية الخيرية وصناديق القروض الحسنة للخريجين وأصحاب المهن والحرف .
- أن يولى أهل والتخصص المخلصين من الرجال من أجل القيام بالمهام التي ينتدبهم من أجلها وللحفاظ على المال الذي يأتمنهم عليه، فيقومون بما يسند إليهم على أكمل وجه، ويكون المال محفوظا في أيد أمينة، فلا تكون هنالك أموال تدور خارج مراقبة وزارة المالية وأن لا يكون هنالك كبير على المراجعة المالية ، كما يمنع أن تنافس الحكومة التجار في أسواقهم وأرزاقهم وبذلك يجب أن لا تؤسس الحكومة شركات لها بل عليها أن تمهد السوق وفق ضوابط تراعى فيها مصلحة الجمهور وفائدة أصحاب الأموال من التجار من فساد أو إجحاف أو تضييق على الجمهور.
- أن يباشر بنفسه الإشراف على الأمور والتدقيق والتمحيص في الظروف ليتمكن من سياسة المجتمع وحفظ الدين، لا أن يلجأ إلى التفويض ليخلو للعبادة أو لمتعته الشخصية ، لأنه حتى الثقات من الرجال قد يجبر على الخيانة والمخلص قد يلجأ إلى الخداع من حيث لا يدرى.
- أن يتجنب الرئيس استدامة الأشخاص في المواقع القيادية بل يسعى لتجديد القيادات وتغييرهم كل دورة برلمانية أي لا يمكث الوزير في وزارته أكثر من دورة برلمانية ( أربع أو خمس سنوا) لأن استدامة شخصية بعينها لفترات طويلة في الواقع القيادية يقود لتأسيس جيوب للفساد يرتبط بصورة أو أخرى بهذه الشخصيات التي تتربع على مراكز القوى لفترات طويلة وتخيف كل من يقترب من مصالحها ومساءلتها أو محاسبتها لكن عندما يكون هنالك تغيير دوري يمكن ضرب أوكار الفساد عند مبتدئها بصورة تجعلها عظة وعبرة لمن يأتي من بعد.

الشيخ الترابي يتحدث عن حكومته

الآن نعود للأسئلة التي صرحناها في مطلع هذا الباب والتي نعيد سؤالين منها:

- هل نجح الإسلاميون بعد استيلائهم على السلطة السياسية في السودان في تطبيق البرنامج الإسلامى الذي كانوا يبشرون به منذ نشأة حركتهم الإسلامية عند نهاية النصف الأول من القرن العشرين؟
- هل استطاع الإسلاميون الذين هاجروا للصحارى استعدادا لقيام المشروع الحضاري الإسلامى، المحافظة على وحدتهم العضوية ، والله يناديهم( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ومن ثم هل حافظوا على وحدة السودان الذي وجدوه واحدا من أكبر دول أفريقيا والعالم العربي؟ أم أن السودان الذي وجدوه واحدا من أكبر دول أفريقيا والعالم العربي؟ أم أن إخوان المعسكرات في الصحارى الليبية قد استلذ بعضهم بنعيم السلطة ومخصصاتها العالية الوافرة فتطاولوا في البنيان بينما ظل البعض بقيادة شيخ الحركة الإسلامية بين السجون والمنافي وبعضهم حمل السلاح وتمرد على الدولة التي سعى لبنائها فصار البعض كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا بينما كفر البعض بأنعم الله ؟

هنا نستعرض حديث الشيخ الترابي عن المجهودات التي وضعت حتى تسير الإنقاذ وفق طريق الرشاد والطهر السياسي والشفافية والزهد في البقاء في مقاعد السلطة، وذلك عندما وضعت دستورا يستلهم روح الإسلام ويحفظ حقوق غير المسلمين ويفصل بين السلطات ويمنح الجماهير حرية حقيقية لاختيار من يمثلهم نيابة أو من يحكمهم ولاية إقليمية أو رئاسة جمهورية.. ويتحسر الترابي على أن كل هذه المجهودات ضاعت تحت نهم العسكر وشره الشموليين بالسلطة علاوة على العديد من الضغوط الأجنبية فأصبح الدستور نصوصا صورية غير نافذة إلا ما يحفظ الشعار ويسرى على الرعية لا على الراعي .. فيقول :

( والتجربة الأخرى كانت في السودان، أسستها الحركة الإسلامية بانقلاب عسكري اتعاظا من تدابير الغرب السافر التي تجهض أيما نهضة إسلامية ولدتها الديمقراطية الغربية، لأن نفى الدين والإسلام خاصة أعلى قيمة عندهم من مبدأ الديمقراطية وتطاولت التجربة الإسلامية بحمية الجهاد الذي أثارته مكائد دولية عربية وغربية وإفريقية تنال السودان من كل ثغوره لصد مشروعه الإسلامى، ثم رجعت بعد سنين تائبة صراحا إلى الإسلام، لا حكما في معاملات الناس وحسب، كما سبقت السودان بذلك قوانين ، ولكن حكما في شأن السلطان نظامه وسياساته .

ولكن تناصرت أهواء التسلط العسكري وضغوط الدول الكارهة لمثال اسلامى قد يمتد فيبدل نظما ويصد مطمع، ذلك أنه قد وضع دستور فيه أصالة إسلام يبسط السلطان بالحريات والحقوق للمسلم وغير المسلم ويسند السلطان ولكل ولاية ما يليهم وللجمهور استفتاء للتشريع والتنفيذ والقضاء أو انتخابا لنواب يعتمدون التشريعات والقرارات ويضبطون سياسة رئيس منتخب، والنظم كلها تتضابط للتشريع والتنفيذ والقضاء في الخصومات الخاصة والسلطانية، ولإعلان المظالم ولمراجعة حسابات المال العام، ولانتخاب ولاة الأمر التشريعي والتنفيذي بحرية- وعدالة، والسياسات متروكة لقرار الأجهزة المختصة التي تراعى الرأي العام الحر، العفو أو المنتظم، والموجهة بمبادئ هادية، وإن لم تكن قطعية بحرف ملزم، والواجبات مكتوبة على المواطنين ليمارسوا حقوقهم بحرية ومعان رشيدة وتقوى خليقة تضبط السلطة جميعا.

إن وضع الدستور كذلك لم يكن فيه مطعن بحجة الديمقراطية، لكن تسلط عليه الطغيان العسكري الفردي المستنصر بأعداء ديمقراطية المجتمعات المسلمة، فأحاله نصوا صورية غير نافذة إلا ما يحفظ الشعار ويسرى على الرعية لا على الراعي، كما أحال المسلمون من قبل نصوص كتابهم مقولات ومقروءات مقدسة غير مرعية في السلطان بفعل صادق).

ولم ينس الشيخ الترابي أن يتحدث ( في ص 135) عن انقلاب الإنقاذ الذي بدأ إسلاميا وانتهى أمويا، إذ رسم مثال الدستور وفارقه واقع الممارسة إذ غلب الرئيس وجنوده تحت فتنة السلطة وشهوة الحكم.. فيقول :

( وقام انقلاب في السودان ظهر أنه في سبيل نهج سلطان من الإسلام، وتأخر فيه رسم المنهج المثال، ولكن بعد نحو من عشر سنوات وضع دستور يطلق للمجتمع الحرية، ويكل إليه السلطة العليا تشريعا بالاستفتاء المباشر، أو بانتخاب نواب ورئيس يمارسون السلطان بضوابط الرقابة الشعبية.

لكن رسم المثال وفارقه الواقع، فقد غلب الرئيس وجنوده واستلب السلطة من الشعب إلا صور الديمقراطية الظاهرة.

وهكذا فعل العسكر لفتنة السلطان وشهواته، منذ معاوية إلى مسخ الخلافة العثمانية إلى أمثلة أخرى معاصرة، من أحوال شره الجندية وهوى السلطة وضعف الثقافة الشورية الراشدة بين المسلمين وضعف مجتمعاتهم ومكائد الهيمنة الغربية التي لا تريد للسلطان أن تسيره أو تضبطه إرادة مجتمعات مسلمة تزداد تحررا وتأصيلا، فتفسد عليهم موازين الظلم العالمي التي تحتكم إلى القوة الأشد، أو إلى صورة للأمم المتحدة حيث تسود القوة الغالبة على قرار العالم ومجتمعاتها الممثلة في جمعيه عمومية، يركب فوقها مجلس أمن يعلو عليه الطغاة ، لا سيما الأحظى بقوته).

ليس للدولة أن تكره أحدا

الآراء التالية التي أوردها الترابي في كتابه تبدو متسقة مع السياق القرآني والهدى النبوي قولا وممارسة في دولة المدينة لكنها لا تبدو متسقة مع مواقف الشيخ الترابي قبل الأزمة والمفاصلة.. فالشيخ الترابي يذكر موقف الدين المنافي لاسترقاق وقهر العباد وتسخيرهم جبرا في مناشط لا يودونها ولا يحبذونها ولو خيروا ما اختاروها.. وهذا رأى أصيل يتسق مع مفهوم ربط قبول العمل في الآخرة بصحة صد فالنية والإخلاص فيه.. والترابي يشير صراحة إلى بعض الأعمال مثل الخدمة الوطنية أو الخدمة الإلزامية العسكرية والتي كثيرا ما كانت تتم عبر حملات في الشوارع حيث يتم القبض على الطلاب ومن تنطبق عليهم شروط الخدمة من غير رضي الكثيرين منهم بل ومن غير علم ذويهم.. كانت للدولة تبريراتها وحججها بأن البلاد تحتاج لمن يدافع عنها وقد تعين الدفاع عن الوطن على كل مقتدر وكذلك على المسلمين طاعة ولى الأمر ذي الشوكة والسلطان فيما أحب المرء وكره.. كان الشيخ الترابي يومها هو المرشد والنظر والموجه للدولة وكان كل ذلك يتم تحت سمعه وبصره ولم نسمع له رأيا معلنا يعارض فيه هذه الممارسات ويشير إلى معارضتها للحرية الدينية .. ومهما يكن للشيخ الترابي من تبرير لموقفه غير المعلن في معارضة هذه الممارسات، لكن تبقى الحقيقة أنه ليس للحاكم إكراه البشر على عمل لا يرغبون فيه إلا إذا تعاقد معهم على ذلك مثل الجنود والقوات النظامية أو أي أعمال تقوم على شروط واتفاق مسبق، أما أن يتم التقاط الناس من الطرقات فها لا يقره الدين في آياته ولا السنة في أقوالها وممارسات وتطبيقات رسولها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم..

يقول الترابي في هذا السياق

( وكل تسخير للبشر حملا على عمل لا يرضونه إنما يضرب عليهم وجها من الاسترقاق مهما يزعم أنه لا يملكهم لأيدي الخاصة، بل اليد العامة لصالح عام، أو لذريعة ضرورة دفاع خدمة عسكرية إلزامية، أو معاقبة بأشغال عامة تصاحب السجن.
ففي الإسلام يستنفر المؤمنون للجهاد طوعا وإذا تخلفوا قد يضاغطهم المجتمع باللوم وجزاء القطيعة وليس للسلطان إلا أن يذكرهم بمشاعر الدين الحية التي تدفعهم أحرارا صادقين في سبيل الله ، يبيعون أنفسهم ولو تعرضت للأذى والوفاة، وأموالهم لو احتملوا تكاليف الدفاع ثمنا للجنة والرضي عند الله في الآخرة" يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثقالتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " ( سورة التوبة: الآية 38) " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأمواله وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون، فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون، فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيت بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين" ( سورة التوبة: الآيات 83- 81) " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد وما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون" ( سورة التوبة: الآيات 92- 96) .

الفصل الثاني: الحركة الإسلامية بين الأمس واليوم

تعتبر الحركة الإسلامية في السودان ( حركة الاتجاه الإسلامى التي كان أبرز قادتها الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي) الذي تولى قيادتها منذ مطلع ستينات القرن العشرين وحتى نهاية العقد الأخير منه، من أميز الحركات الإسلامية الحديثة التي شهدها العالم الإسلامى في القرن العشرين حيث تميزت هذه الحركة بالنضج المبكر في تفكيرها، والرؤية المستقبلية لأهدافها والاهتمام بقطاع المثقفين عامة والطلاب على وجه الخصوص كشريحة هامة في المجتمع تقوم عليها نهضة وتطور المجتمعات الحديثة لذلك جاء اهتمامها بالنخبة والصفوة في المجتمع تمييزا لها عن سائر الحركات الإسلامية السودانية والعالمية.

كذلك لم تغفل الحركة الإسلامية السودانية قطاعات المجتمع الأخرى كالعمال والمهنيين وحتى العسكريين كان للحركة الإسلامية اهتمام مبكر بهم إذ أنها كانت تظن ظنا حسنا وتعتقد أنهم يمكن أن يقوموا بدور فاعل وبناء في حركة التغيير السياسي والثوري في مجتمعات العالم الثالث كما أنها كانت تظن وتتعشم أنهم أقرب الوسائل للتغيير الثوري الفوري، لذلك كان اهتمامها بهم مبكرا.

كذلك من نعم الله تعالى على الحركة الإسلامية السودانية أن هيأ لها المجتمع السوداني حيث وجدت فيه أرضية ثابتة صالحة للعمل، فالمجتمع السوداني منذ دولة الفونج في القرن السادس عشر الميلادي كان مجتمعا متدينا لدرجة ( الكرامة) وكانت مسحة وروح التصوف السائدة على عقلية المسلم السوداني تمثل ديمومة بارزة وجلية مما جعل أبناء المتصوفة من المثقفين والطلاب يرون في الحركة الإسلامية البديل الأمثل لهم وسط تيارات وحركات التغريب والعلمانية واليسار التي ضربت أوساط المثقفين عند بروز وقيام الحركة السودانية في نهاية أربعينات القرن العشرين.

كذلك عرف السودانيين إبان فترة الدعوة إخلاصهم الشديد في تنفيذ ما يؤمنون به وفدائيتهم وتضحياتهم من أجل تحقيق هدفهم المنشود.. وتسامحهم وبعدهم عن الفجور في الخصومة وتشبعهم بروح الإيثار وبعدهم عن الذات والأنا والمكايدات لبعضهم البعض مما جنب الحركة الإسلامية كل محاولات الانشقاق منذ نشأتها وحتى نهاية القرن العشرين.

كذلك أدت وحدة القيادة وتميز د. الترابي ومن يختارهم لمكتبه التنفيذي إلى إكساب الحركة الإسلامية تجانسا فكريا ووحدة في البرنامج واتفاقا على الهدف والإستراتيجية والتكتيك وعلى آليات التنفيذ.

ورغم أن قيادة د. الترابي للحركة تأتى دائما عبر اختيار مؤتمر الحركة الإسلامية ، والذي يمثل أعلى سلطة في الحركة ويتكون من ممثلين لكافة أوجه وقطاعات الحركة الإسلامية في السودان، لكن هنالك من يرى أن هذه القيادة التاريخية قد أضفت بعدا طائفيا جعل من شخصية الشيخ الترابي شخصية مفتاحية لابد من ظهور بصماتها في كل أمر متعلق بالحركة بل من غيره ربما تدخل الحركة أزمة بقاء أو وحدة أو تجانس مجمع عليه. وهناك من يرى أن قيادة الحركة قد أصبحت أشبه بالقيادة التاريخية التقليدية، وأصبح الكثيرون من الرموز التاريخية لا يرضون بغير أن يكونوا في موقع اتخاذ القرار مما حرم الحركة من دورة التجديد في القيادة وحجب الكثير من القيادات الشابة عن تنسم قيادة الحركة الإسلامية.

كذلك يرى البعض أن اختيار الأمين العام يتم في لحظات انجذاب صوفي عرفاني ووسط جو نفسي لا يقبل أي بديل للقيادات التاريخية أو المؤسسة ، مما يهدد مستقبل الحركة القيادي إذا ما ذهبت هذه القيادة بقدر من أقدار الله.. ومهما يكن هذا الرأي ومدى واقعيته أو تطرفه لكنه بالطبع يحتاج إلى وقفة وتقييم، فكل ما في حق الحركة الإسلامية وحق قيادتها أو كيفية اتخاذ القرار داخلها لا ينبغي أن يقابل بالرفض المطلق.

كذلك هنالك من يرى أن طريقة الحركة الإسلامية في إصلاح ذاتها وتقويم اعوجاجها طريقة منحرفة عن البعد المنهجي المستقيم .

فبدلا من النظر إلى المآخذ التي يثيرها الخصوم أو الناصحون من أبناء الحركة بعين الجد وإخضاعها لمعايير الضبط والجودة والصحة والخطأ والجرح والتعديل والاستفادة منها ف إصلاح قيادة وهياكل الحركة الإسلامية بدلا عن ذلك يكون الرد مشبعا بردود الأفعال العاطفية والدفاع بالحق والباطل عن الوضع السائد بل أحيانا تسمع من القائمين بالأمر كلاما وتبريرا لبعض الأخطاء التي هم أنفسهم غير مقتنعين بها.. لكن يقال مثل هذا القول من باب المكابرة ومن باب الفهم المعكوس للحديث ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما..) .

بل أحيانا يخرج المدافعون عن الحركة الإسلامية عن الموضوعية وعن الموضوع فبدلا من أن يكون الرد حول النقاط التي تثار في حق الحركة وفحص مدى صحتها من عدمه بدلا من ذلك يكون الرد ذا طابع شخصي بصورة قد تصل إلى حد التجني.

ومهما يثار حول صحة انتقادات البعض للحركة الإسلامية لكنها في مجملها لا تخلو من الموضوعية.

وإذا كان ما ذكرناه في هذه المقاطعة عن أمر الحركة وبعض خصائصها، كذلك يمكننا القول إن تاريخ هذه الحركة مع أهميته ومع التطورات الهامة التي صاحبت نمو الحركة لم يجد التدوين المستقل الأكاديمي والموضوعي بل إن ما كتب لا يعدو أن يتعلق بعموميات الحركة الإسلامية ولم يتجرأ أحد على الخوض في تفاصيلها، فأبناؤها زاهدون في الحديث عنها والكتابة عن تاريخها ومواقفها ونقاط القوة والضعف فيها، والمراقبون لها لا يملكون تفاصيلها وأسرارها وما يصلون إليه من معلومات لا يعدو أن يكون رأيا شخصيا أو انطباعا في مجمله والحركة الإسلامية أصبح تاريخها محفوظا عند أفرادها في رؤوسهم وليس مدونا في مذكراتهم مما عرض جزءا كبيرا وهاما من هذا التاريخ للضياع.. فمثلا: عند منتصف الثمانينات ذهب د. التجاني أبو جديري مسئول العلاقات الخارجية في الحركة الإسلامية ذهب إلى ربه إثر حادث حركة وذهبت معه معظم علاقات الحركة الإسلامية الخارجية وأسرارها مما أحدث فجوة في العمل الخارجي عانت الحركة الإسلامية منها كثيرا فيما بعد.

وعند منتصف تسعينات القرن العشرين وإثر تحطم الطائرة التي كانت تحمل وفد السلام في منطقة ربكونا بأعالي النيل.. ذهب إثر هذا الحادث خيرة أبناء الحركة الإسلامية والذين يملكون الكثير من أسرارها ووثائقها وتاريخ مفاوضات السلام في الجنوب السوداني مع حركة التمرد.. وهم الشهيد فضل السيد عبد القادر أبو قصيصة ، الشهيد أحمد الرضي جابر، الشهيد موسي علي سليمان، ذهبوا ولم يتركوا توثيقا لهذا العمل المهم مما يجعل الذين جاءوا من بعدهم يعتمدون على تنشيط الذاكرة .. نعم لم يتركوا توثيقا مكتوبا تستفيد منه الأجيال على مستوى الحركة الإسلامية وعلى مستوى دور البحث العلمي ودار الوثائق القومية.. بل إن التليفزيون عندما قام بعرض على سليمان الذي يعتبر من أهم مفاتيح السلام وصاحب القدح المعلى في الصلات مع الجنوبيين ومع أبناء جبال النوبة منذ أن كان طالبا بكلية التربية بجامعة الخرطوم .. كثيرون ذهبوا وذهبت معهم أسرار الحركة الإسلامية ..وعلى ذات السبيل ذهب الشهيد عبد السلام سليمان في حادثة تحطم طائرة الشهيد الزبير 12/ فبراير / 1998 م .

وذهب كذلك الرجل الأمة الشيخ/ مبارك قسم الله زايد ،والرجلان يعتبران من خيرة أبناء وقيادات الحركة الإسلامية علما وورعا وزهدا وجهادا وارتباطا بمناشطها العامة والخاصة.

هذا دفعني بدوره إلى ضرورة الاهتمام بكتابة وتحليل تاريخ وتطور الحركة الإسلامية ليس ملكا لها وإنما هو ملك للأجيال القادمة من أبناء هذا الشعب وإن لم يكتب أبناء الحركة الإسلامية تاريخها بكل نقاط قوته وضعفه سوف يأتي ( نعوم شقير) آخر ليكتب تاريخ الحركة الإسلامية وسيأتي ( هولت) آخر ليكتب هذا التاريخ من وجه النظر التي يراها هو وليس كما هي من واقع حقائقها وممارستها وسيكتبون تحليلا لمواقف وليس تاريخا حقيقيا وعندها يتحرك البعض في الوقت الخطأ ليدافعوا عنها وليوجهوا سهامهم وحرابهم تجريحا وسلبا للمؤرخ الذي تجنى على الحقيقة .. الخ.

ومن الأشياء التي شجعتني للاهتمام برصد وكتابة تاريخ الحركة انه عام 1991 م وأثناء انعقاد المؤتمر الوطني حول النظام السياسي وأثناء خروج الوفود إلى أقاليم السودان لطرح والتبشير بفكر ومبادئ ثورة الإنقاذ الوطني، طلب منى الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد وهو يعتبر من القيادات المؤسسة للحركة الإسلامية في السودان ومن أبرز قياداتها طلب منى أن أرافقه في تلك الرحلة وأن أطوف عددا من اللقاءات التنويرية في كوستى والدويم وكنانة وعسلاية .. الخ.

أثناء هذه الرحلة لاحظت أن الأستاذ / أحمد عبد الرحمن يمتلك من المعلومات الهامة والأسرار والأحداث السياسية والتنظيمية التي تستطيع إذا جمعت أن تملأ مجلدات بأكملها وأيقنت أن الرجل سيذهب بما عنده كما ذهب أبو جديرى من قبله وأنا أعلم أنه لا ذنب له في ذلك فهو لا يجد الوقت الكافي للكتابة.. فمهامه اليومية وارتباطاته العملية وظروفه الصحية تحول دون ذلك.. كما أن تلك المهمة هي مهمة مؤسسات الحركة الإسلامية التوثيقية التي كان من المفترض أن تقوم بمهمة التسجيل لهذه المذكرات عبر الأشرطة ثم تفريغها وطباعتها ولكن..

ولعل الفرد لا يجد العذر للحركة الإسلامية وهى قد تجاوزت نصف القرن من الزمان منذ نشوئها وهى فترة كافية أن تؤسس فيها كل المؤسسات العلمية البحثية التوثيقية..

وعلى سبيل المثال المقارنة نجد أن الحركة الإسلامية كانت في مجال استقطاب العضوية الجديدة لصفوف الحركة ونشر الدعوة وتوسيع قاعدتها وصفها قد صادف نجاحا وتوفيقا، لكن جانبها الآخر من حيث الاستفادة من إرثها الثقافي قد شهد تخلفا ملحوظا.

فالحركة الإسلامية ظلت تعانى من غبش الرؤية في هذا الجانب وتعانى من غياب المؤسسات ذات الاستمرارية والصبر على البحث والتوثيق.

والحركة الإسلامية ظلت تفتقد إلى المؤسسات البحثية والتوثيقية والتي تقوم برصد أحداثها وتدوينها ونشرها.. فمكتب المعلومات الذي ظل يجمع الكثير من الوثائق عن أنشطة ومنشورات الحركة وكذلك المنشورات والمطبوعات المعادية هذا المكتب ظل كمقابر الفراعنة في مصر حيث تحنط وتحفظ جثث الملوك والعظماء منذ غابر التاريخ وكان من المفترض أن ينشأ فيه بنك للمعلومات التي تخص الحركة الإسلامية وأن يكون أحد مهامه الرصد والتحليل لكل المادة التي يحصل عليها وأن يتبع ذلك البنك المؤسسة بحثية علمية يكون همها نشر وتمويل الدراسات والبحوث التي تصب في ذات الاتجاه.

لكن للأسف إن اهتمام الحركة بالجانب السياسي والاقتصادي والمالي مع أهميته قد طغى على الجانب العلمي التوثيق، بل إنك تجد صعوبة بالغة من حيث التمويل إذا أردت أن تقوم بمثل هذا العمل إما أن تعتمد فيه على مواردك الذاتية أو أن تسعى سعيا فرديا في هذا الجانب.. لقد ظل الحال بهذا الوضع منذ عام 1949 م وحتى نهاية القرن العشرين.

تغطى هذه الدراسة ثلاث حقب زمانية ، وهى :

1- مرحلة الانطلاقة الحقيقية للحركة الإسلامية والتي بدأت بعام 1977 م وهو ما عرف بعام المصالحة الوطنية مع نظام جعفر نميرى ( مايو 1969أبريل 1985) في هذه الحقبة خرجت الحركة الإسلامية من العفوية والانتقائية ومن العزل .. حيث تجاوزت تركزها في أوساط الطلاب دون غيرهم، إلا النذر اليسير .. وأنصارها وسط الذكور دون غيرهم وإلا لنزر اليسير أيضا.. وتجاوز فقهها الجامد المنظور السلبي في التعامل مع المرأة والفن ومع الاقتصاد ومع المجتمع.
كما خرجت من مرحلة التنظير ورفع الشعارات البراقة والعرفانية والوجدانية والهلامية أحيانا إلى إخضاع هذه الشعارات إلى أرض الواقع وإلى فحصها وامتحانها على واقع المجتمع كذلك في هذه الحقبة من الزمان غيرت الحركة الإسلامية كثيرا من فقهها الذي كان صداميا جامدا يقوم على ردود الأفعال وعلى التعبئة المضادة لآخر .. تغير ذلك الفقه وأصبح فقها مرنا يجوز الدخول للاتحاد الاشتراكي ( الحزب الحاكم فترة الرئيس نميرى) والجلوس للتفاوض مع قادة الحكم الذين كان يطلق عليهم في ما مضى أحكاما قاسية مثل ( كافرين ، ظالمين، فاسقين) وإلى غير ذلك من الأحكام القوية التي هي أقرب إلى الهتافات منها إلى الرؤية العلمية الصائبة.
تغير ذلك الفقه حيث احتل العلم والعقل مكان العاطفة.. والتدبر والبعد المعرفي مكان الشعارات الحماسية الفضفاضة وغير العملية أحيانا.. فالكفر الصراح أصبح كفرا دون كفر.. الخ وآيات ( الكافرين، والظالمين، والفاسقين) حلت مكانها آيات " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" ( الأنفال : 61) وصلح الحديبية ظل السبيل الذي عبرت به الحركة الإسلامية إلى انطلاقتها الكبرى.. تلك الانطلاقة التي بدأت عند منتصف عهد النميرى واستمرت حتى قبيل انشقاقها في يونيو عام 2000 وبروز ما عرف بالمؤتمر الوطني الحاكم برئاسة الرئيس البشير وبعض أعضاء الحركة الإسلامية الموالين للسلطان القابض على الثروة والسلطة، والطرف الآخر هو المؤتمر الشعبي بقيادة الشيخ حسن الترابي الشخص المؤسس والعقل المدبر للحركة الإسلامية عبر تاريخها الطويل منذ نشأتها وقد اختار جانب المعارضة بوزارة بعض الإخوان الذين رأوا أن الحق معه ووصفوا مجموعة الرئيس البشير بخيانة العهود والمواثيق وخيانة الحركة الإسلامية وشيخها الذي انقلبوا عليه مؤثرين الفانية على الباقية بعد أن فتنتهم السلطة وآثروها على مبادئهم وثوابتهم.
حقيقة قد شهدت الفترة التي أعقبت 1977 م تطورا إيجابيا عظيما وثورة فقهية وتجددية كادت أن تصل درجة الانفلات في نظر البعض، وقد اخرج هذا التجديد الحركة والدعوة من مقبرة التقاليد ومن المتاحف إلى حياة الناس.
كذلك شهد الجانب الاجتماعي تطورا ومرونة فقهية أفسحت المجال لانطلاقة كبرى جذبت المرأة السودانية إلى صفوف الحركة الإسلامية بصورة فاقت أعدادها أعداد الرجال وأصبح الحجاب الإسلامى في الجامعات والمعاهد العليا هو المظهر الغالب بعد أن كان لا يتجاوز 5% حتى بداية عام 1977 والفضل بعد الله يعود إلى قائد مسيرة الحركة الإسلامية الشيخ الدكتور حسن الترابي الذي قاد ثورة فقهية وتجديدية بجرأة وإصرار مما جلب له الكثير من العداوات المحلية والإقليمية ولكنه كعادته متوكلا على الله ولا يبالى .
كذلك ونحن تؤرخ لمرحلة الانطلاقة الكبرى للحركة الإسلامية رأينا في الجزء الأول أن نوثق لهذه الانطلاقة في محضن الحركة الإسلامية وأهم مراكز تخريجها ومصدر قوتها وعزتها .. المكان الذي نشأت وتكونت وترعرعت فيه حتى شبت عن الطوق.. ألا وهو ( جامعة الخرطوم) ذاكرين بداية الحركة ونشأتها في هذه الجامعة والظروف التي أدت إلى نشأتها والتحديات والابتلاءات التي مرت بها منذ تأسيسها في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين وحتى عام 1977م ام المصالحة الذي خرجت فيه قيادات الحركة من سجون مايو وهو قد تزودوا بالفقه والعلم والمعرفة وحفظ القرآن ليبدأوا الانطلاقة الكبرى.. ثم تناولنا ما بعد عام 1977 م في هذه الجامعة فكرا وفقها وسياسة ذاكرين نماذج من خطب وبيانات ومنشورات التنظيمات المعادية للحركة الإسلامية حتى تتم المقارنة.
كذلك تحدثت الدراسة تفصيلا عن التطور الفكري والفقهي للحركة الإسلامية في تلك الفترة في ما يتعلق بجانب المرأة والفن.. الخ ، ورأيت أن الجزء الأول والذي بين يدي القارئ يشكل مسألة ضرورية لكل الباحثين والمهتمين بأمر حركة الإسلام في السودان كما أنه يمثل فترة زمنية وتاريخية صارمة تنطلق في دراسات المستقبل التي ترصد سلوك وتطورات الخطاب والممارسة عند الإسلاميين عبر تاريخهم وعبر انتقالهم من المعارضة إلى الحكم.
2- الجزء الثاني من هذه السلسلة يتناول مرحلة الجبهة الإسلامية القومية وما بعدها والتي امتدت من عام 1985م مرورا بثورة الإنقاذ 30 يونيو 1989م والتطورات التي واكبتها، وهذا الجزء يعتبر ذو اهتمام خاص خصوصا وأن الحركة الإسلامية التي وصلت قمتها في العقد الأول من عمر الإنقاذ السياسي، لكن وهجها في النفوس قد خبأ وانطفأ وعدها التنازلي قد بدأ فيها الشيخوخة المبكرة عند مطلع العقد الثاني لهذه الثورة التي سعى الإسلاميون لقيامها بما ما أوتوا من قوة، ثم أصاب بعضهم الندم لارتباط الحركة الإسلامية بهذه الثورة وبدأوا يعلنون على الملأ ومن أعلى المنابر توبتهم واستغفارهم مما ارتكبوه في الفترة الماضية في حق الوطن وحق الشعب ( راجع ندوات الشيخ الترابي بعيد قيام المؤتمر الوطني الشعبي).
3- كذلك يعتبر عام 1985م ذا اهتمام خاص ويجاوب على أسئلة ما زالت عالقة بأذهان الكثيرين منها( كيف استطاع النميرى في عام 1985م أن يلقى بالحركة الإسلامية في السجون ؟ في حين أن قادة الحركة كانوا يؤكدون أن زمان الزج بهم إلى غياهب السجون قد ولى إلى غير رجعة؟ وأن نظام النميرى إذا سقط سوف يسقط في أيديهم وهم قد أعدوا العدة لذلك؟ كيف غاب عنهم وعن توقعاتهم هذا القرار لدرجة أنه في الوقت الذي تم فيه اعتقال د. الترابي ومعظم قيادات الحركة الإسلامية كان الرجل الثاني في الحركة الإسلامية الأستاذ / على عثمان محمد طه- وحتى الساعة السابعة والنصف صباح يوم الاعتقال لا يعلم شيئا، بل أنه امتطى عربة مجلس الشعب الذي كان رائدا له وكان ذاهبا لمزاولة عمله اليومي حتى فاجأه الأخ المرحوم حسن بلل بالقرب من ( مكتبة السودان) بأن معظم قادة الحركة الإسلامية قد تم اعتقالهم فجر اليوم بعدها ترجل الأستاذ / على عثمان من العربة وأرسلها مع السائق إلى مجلس الشعب حيث كان أفراد الأمن ينتظرونه بالمكتب لاعتقاله.. أي أنه أفلت بأعجوبة تشبه السذاجة.. أين وعى التنظيم المبكر؟ أين أجهزة المعلومات والغواصات ؟ لماذا لم يسقط نظام النميرى في يد الحركة كما زعم قادتها يومئذ؟ هذه الأسئلة ستحاول الدراسة في الجزء الثاني الإجابة عليها.
كذلك يشمل الجزء الثاني فصلا كاملا عن الجبهة الإسلامية القومية الفكرة- الممارسة- الخطاب – التحالفات- القرارات- الخلافات، حكومة الوفاق الوطني ثم حكومة القصر وثم الإنقاذ .

على مفترق الطرق

المتتبع لمسيرة الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم عبر تاريخه الطويل وحتى قيام انقلاب الإنقاذ الوطني في 30/ يونيو / 1989م يلاحظ ملاحظات كثيرة وفروقات كبيرة بين ذلك التاريخ الناصع وبين الواقع الذي جاء بعد ذلك والذي لا يرضى الطموح .. فالحركة الإسلامية بالأمس كانت في باكورة أيامها وكانت تجد الرفض وعدم القبول والاستهانة بأمرها من قادة ذلك الزمان وكانت تعيش غربة عن الذات وعن الوطن وكان أهلها غرباء بين زملائهم غرباء بين أهليهم.. فعندما رفع الطالب على الحاج محمد الآذان بجامعة الخرطوم في خمسينات القرن المنصرم كأول طالب يؤذن في الجامعة وقتها كان ينظر إليه وكأنه درويش قد جاء به الطريق مصادفة إلى جامعة الخرطوم أو أنه قذيفة هاون انطلقت من مدفعية القرن السابع لتتناثر شظاياها بين أبناء القرن العشرين.

كانت الحركة بالأمس تهتم بأمر إعداد عضويتها قراءة وتفسيرا ودعوة بالحسنة كحال الدعوة في العهد المكي الأول.. واستمر هذا الحال طيلة عقودها الأولى حتى عام 1958 م حيث أصبح للحركة الإسلامية القبول والاستحسان وسط الطلاب مما جعلهم يقدمون الاتجاه الإسلامى لقيادتهم أثناء الفترة من 1958- 1964م ، ويذكر المتابعون لأحداث المذكرة الشهيرة التي رفعها اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بقيادة عضو الاتجاه الإسلامى الطالب جعفر شيخ إدريس في 10 ديسمبر 1959م للفريق إبراهيم عبود مطالبا فيها بعودة الحياة الديمقراطية وعودة العساكر إلى سكناتهم .. واستمر الحال هكذا طيلة فترة أكتوبر والحركة تهتم بأمر إعداد عضويتها وتربيتهم التربية الروحية والشعائرية الصارمة.. وكذلك الحال أثناء مايو الأولى.. كان الطلاب الإسلاميون طيلة تلك الفترات السابقة يقودون المعارضة بشراسة وضراوة وكانوا يمثلون انحيازا للحق ولو على أنفسهم .. كان ذلك يحببهم لنفوس الطلاب التي جبلت على المعارضة والرفض الذي يكون أحيانا رفضا مطلقا وغير مبرر.

فالحركة الإسلامية الطلابية عبر تاريخها الطويل لم تزب في أي نظام وقد تبين ذلك إبان فترة المصالحة الوطنية مع نظام نميرى الممتدة من 7/7/1977م – 10/3/ 1985م طيلة هذه الفترة كانت الحركة الإسلامية شريكا في حكم نميرى وكان جزء من قياداتها مقسم بين الاتحاد الاشتراكي والقصر ووزارة الداخلية وخلافه وكانت إستراتيجيتها التنظيمية تحتم عليها البقاء داخل هذا النظام حتى ترثه إن استطاعت وإن لم ترثه أن تجد الوقت الكافي لإعداد صفها وتحضير نفسها لاستقبال قادمات الأيام وما يصحبها من حوادث وعاديات.. ورغم مشاركة الحركة الأم في نظام نميرى، استطاع الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم أن يميز صفه عن صف السلطة وأن لا يتخلى عن دوره الريادي في الصدع بالحق ومعارضة الباطل..

كما استطاع أن يدير معادلة المصالحة مع السلطة بصورة ذكية وبجدارة أقنعت معظم الطلاب أن الاتجاه الإسلامى أقرب إلى المعارضة منه إلى السلطة وإنه لم يكن مصالحا حقيقيا.. فقد ظل يهاجم كل نقاط الضعف في الحكومة المايوية وكان يقدم النصح متى ما كان ذلك ضروريا، وكان اتحاد [[المعتصم عبد الرحيم الحسن]] من أكثر الاتحادات التي قامت بتقديم النصح وطالبت بحل الاتحاد الاشتراكي في مذكرة ( كوسو) الشهيرة لرئيس الجمهورية، كما كانت ندوات الاتحاد والاتجاه الإسلامى تهاجم كل نواحي الفساد في السلطة.. كذلك ظل الاتجاه الإسلامى طيلة فترة مصالحة الحركة الإسلامية مع نظام مايو حريصا على حرية الجامعة ولا يساوم في هذا المبدأ وكان يعلن عبر متحدثيه وكنت واحدا منهم: أن الحرية لا تعطى هبة أو منة من أحد، وإنما تنتزع وتقدم في سبيلها المهج والأرواح.. وكان الشعار وقتها ( الحرية لنا ولسوانا) .. كما كان الاتحاد تحت قيادة الإسلاميين يحافظ على حرية جميع الطلاب ويتابع عبر الاتصالات والمذكرات إطلاق سراح الطلاب الشيوعيين الذين تقوم أجهزة الأمن المايوية باعتقالهم.

انظر المقابلة التي أجريناها مع محمد جلال أحمد هاشم عضو مؤتمر الطلاب المستقلين .. وأذكر أن الاتحاد قد قام في عام 1980م وكان وقتها تحت رئاسة عضو الاتجاه الإسلامى الطالب أمين بنانى نيو بإطلاق سراح الطالب الشيوعي السر بابو الذي اعتقلته أجهزة الأمن المايوية عندما كان يقوم بتوزيع منشورات الحزب الشيوعي بعطبرة.. ورغم أنه كان يمارس صرفا للحزب الشيوعي وخارج العاصمة القومية لكن الاتحاد أرسل عضوه الطالب نزار ضو النعيم إلى عطبرة لمقابلة أجهزة الأمن هناك وتابع الأمر بالخرطوم حتى تم إطلاق سراحه، ورغم أن الشيوعيين بالجامعة لم ينفكوا يهاجمون اتحاد الطلاب تحت قيادة الاتجاه الإسلامى ويطلقون عليه نعوتا مثل ( إخوان السلطة.. إخوان مايو) .. ( لا لفرع الاتحاد الاشتراكي المسمى بالاتجاه الإسلامى) رغم ذلك لم يساوم الإسلاميون في حرية النشاط أو حرية الفكر بجامعة الخرطوم ولم يقهروا خصومهم انتصارا للسلطة.

صحيح أن الاتجاه الإسلامى طيلة الفترة الممتدة من عام 1977- 1985م لم يخرج مظاهرة ضد نظام مايو- في الخرطوم- وإنما اكتفى بالمذكرات والبيانات والمنشورات التي توزع في الشارع السوداني وعلى الجامعات والمعاهد لكنه لم يمنع أي طالب أو تنظيم أو مجموعة من الخروج للشارع للتظاهر ضد نظام نميرى.. وعندما قامت انتفاضة فبراير 1981م التي استشهد فيها طالب البيطرة الشهيد عبد الحميد أخرج الاتحاد بيانا قويا هاجم فيه السلطة وهاجم فيه رجال الأمن وتابع إطلاق سراح كل الطلاب الذين تم اعتقالهم أثناء تلك المظاهرات..

وأذكر أنه عندما قام رجال الأمن باعتقال الأخ الشهيد محمد طه محمد أحمد لآرائه الجريئة في انتقاد السلطة وكانت وقتها قيادات الجمهوريين والشيوعيين من غير الطلاب في سجن كوبر.. وكان بين الجمهوريين السيد/ أحمد المصطفى دالي.. حينها عقد الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم ندوة سياسية كبرى بمقهى النشاط كنت أول المتحدثين فيها وقد كانت ندوة حاشدة.. ورغم أن المسئول السياسي للاتجاه الإسلامى وقتها الطالب محيى الدين الخطيب قد طلب منى أي لا أهاجم رجال الأمن ولكن كما أذكر بدأت حديثي قائلا : لا يفوتني وأنا في مقدمة حديثي أن أصب اللعنات ثم اللعنات على كلاب الأمن القومي الذين جثموا على صدر الشعب السوداني محاولين تكميم الأفواه ومصادرة الحريات.. ولكن هيهات.. ثم لا يفوتني أن أرسل التحايا.. والتهاني للأسد الذي يربض خلف الأسوار.. أسوار الأمن القومي تحرسه كلاب الأمن وهى مدججة بالسلاح.. ألا وهو آخى المجاهد محمد طه.

فضجت الجامعة بالهتافات المعادية للأمن والتكبير.. وقد كان رجال الأمن مندسين وسط الطلاب.. وفى الصباح الباكر وصل خبر الندوة إلى الجمهوري أحمد المصطفى دالي ومن في السجن قبل أن يصل على محمد طه.. فذهب دالي إلى محمد طه وكانت تربطه به صلة صداقة فقال له كما أخبرني محمد طه فيما بعد: ناس عبد الرحيم عمر هيجوا الجامعة وأنت بكره بيطلقوا سراحك .

بالفعل قد تم إطلاق سراحه ثاني يوم.. يحدث هذا في ظل المصالحة الوطنية مما يؤكد تميز صف الاتجاه الإسلامى الطلابي عن صفه السلطة. كذلك كانت الأسابيع والمواسم الثقافية تفتح لكل الآراء من غير حجر على أحد.

هذا الحال استمر بجامعة الخرطوم حتى 30 يونيو 1989 م . كذلك كان أعضاء الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم في تلك الفترة يعملون بتجرد منقطع النظير في ظروف مادية قاهرة وفى ظروف أكاديمية ضاغطة وكانت وسائل الحركة لا تعدوا المواصلات العامة، وفى أوقات الطوارئ لا تعدوا الدارجة النارية التي كان يمتطيها الطالب سراج الدين عبد الغفار عمر الذي كان طالبا بكلية الزراعة، وكان يجوب بها كل كليات الجامعة أثناء انتخابات الاتحاد حيث يقوم بربط غرف العمليات بالجامعة في همة وتجرد ونشاط، وكان طالب الطب سيف الدين عمر الذي كان يأخذ القلوب بحديثه الممتلئ حيوية وإيمانا والذي يعمل من غير كلل ولا ملل رغم أن النشاط الكثير في أروقة الاتحاد وفى صفوف ومكاتب الاتجاه الإسلامى قد أدى به إلى الفصل الأكاديمي.. لكنه كان شعلة من النشاط، وأذكر أنه بينما كان يتحدث في ندوة بكلية التربية وسط حضور كثيف.. كان يتحدث ويقاوم الإعياء والإرهاق وما إن انتهى من حديثه حتى سقط مغشيا عليه حيث حمل لحجرة الطالب نزار ضو النعيم.

وعلى نفس المنوال كان حفيد عثمان دقنة الطالب الفقيد/ الوليد محمد احمد دقنة رحمه الله وكذلك الإخوان محمد المجذوب وصديقه عمر عبد العزيز اللذان فصلا من كلية الهندسة ليواصلا دراستهما خارج السودان، الأول بتركيا والثاني بماليزيا .. حيث لم يترك الهم الدعوى مكانا للهم الأكاديمي في نفسيهما.. وكذلك الأخ حمد على بتحرير صحيفة " آخر لحظة" والإخوان بكداش أحمد المصطفى وآدم سعد جبارة وإبراهيم محمد على ( إبراهيم الطويل) وكثيرون غيرهم.

بالطبع هذه الإدارة الحصيفة لهذه المعادلة السياسية قيض الله لها قيادات كانت على قدر التحدي واستطاعت أن تقود مسيرة الاتجاه الإسلامى بقوة وحصافة منهم أمناء التنظيم الذين تعاقبوا على قيادة الحركة الإسلامية في تلك الفترة، اذكر منهم : الشهيد عبيد ختم بدوي والأخ الدرديري محمد أحمد، والأخ صلاح محمد علي ، والأخ عبد الإله حسن كوكو، والأخ خالد حسن إبراهيم كما برزت قيادات سياسية أخرى في تلك الفترة مثل : عبد الحليم عبد الله الترابي ، أمين بنانى، صلاح عبد الله (قوش) موسي سيد أحمد- أبو عبيدة محمد د. حسب الله جمال زمقان]]- عماد الدين حسين، يوسف أحمد يوسف- إبراهيم عبد الحفيظ حسان، وقد كان قبلهم رجال ملئوا الجامعة طولا وعرضا أمثال المجاهد محمد عثمان محجوب الشهير بـ(راجل البركس ) وآخرين.

مسببات تدهور العمل وسط الطلاب اليوم

أما الجامعة بعد انقلاب الإنقاذ فظروفها قد اختلفت تماما عن تلك الظروف فالفترة التي أعقبت عام 1989 م تختلف تماما عن الفترة التي أعقبت عام 1969م .. فالرئيس نميرى عندما جاء عام 1969م كان يمتطى شعارات ومبادئ الحزب الشيوعي وكان يمثل عدوا تقليديا للحركة الإسلامية.. مما حتم على الحركة الإسلامية الوقوف ضده بضراوة وصلت حد الاقتتال كما أشرنا في غير هذا الموضع.. أما العميد عمر البشير الذي جاء على رأس ثورة الإنقاذ الوطني في 30 يونيو 1989م فقد جاء بعد أو أدى قسم الولاء للحركة الإسلامية وجاء يمتطى كل شعارات الإسلاميين وبرنامجهم في عهد عمر البشير هي الفعاليات الهامة التي اعتمد عليها في تنفيذ برنامجه في الحكم.. من أمثال محمد عثمان محجوب.. أمين حسن عمر.. بابكر جابر كبلو .. ابن عمر محمد أحمدسيد الخطيب- [[الطيب إبراهيم محمد خير]]- غازي صلاح الدين، مجذوب الخليفة، نافع على نافع، الشفيع أحمد محمد، عبد المحمود نور الدائم الكرنكى، صلاح عبد الله ( قوش) وغيرهم كثير.. بصورة جعلت الكثيرين من المحللين السياسيين على المستوى المحلى والدولي يجزمون بأن هذا الانقلاب هو من صنع وتدبير وتنفيذ الجبهة الإسلامية القومية.. إذن فالوضع في جامعة الخرطوم للإسلاميين اختلف تماما.. فالحركة الإسلامية التي كانت تواجه نظاما عدوا أصبحت اليوم تواجه نظاما من إنتاجها وصنعها أو الذين لا يعرفون حقيقته حتى تلك اللحظة يعتبر نظاما صديقا أو حليفا مما يحتم إخراج العمل السياسي وسط الجامعة بصورة دقيقة وموزونة سيما وأن الطلاب بطبعهم ضد كل حكومة وإن كانت مبرأة من كل عيب.. ولعل الإسلاميين أنفسهم وعبر التاريخ السياسي بجامعة الخرطوم قد أسهموا في تربية الطلاب هذه التربية المعادية والمصادمة للحكومات مهما كانت لونها أو توجهها السياسي.. لذا لزم أن تتبدل المعادلة بصورة كلية وبحكمة واقتدار.

كانت أولى المحاولات للتعامل مع هذا الوضع هو محاولة توسيع صف الحركة الإسلامية وضم معظم الطلاب إليها حتى تستطيع فرض نفسها وبرنامجها عبر قوتها الميكانيكية التي تستطيع خلق رأى عام مؤيد لبرنامج التغيير في ا لخارج.. وكان رأى الكثيرين من مسئولي الطلاب خارج الجامعة هو أن توسيع القاعدة الإسلامية وسط الطلاب لا يمكن أن يتم في صيغة الاتجاه الإسلامى القديمة التي تعبر عن روح حزبية واسم تقليدي مرتبط بفترة زمنية سابقة، فلابد إذن من تجاوز هذا الاسم إلى اسم تستطيع أن تعبر به الحركة الإسلامية إلى القاعدة الطلابية العريضة.. كان أبرز المنادين بهذه الفكرة المرحوم محمد عثمان محجوب مسئول الطلاب حتى 1992م ومن دون شك قد تكون الفكرة في منشئها صادرة عن الأمين العام للحركة الإسلامية الدكتور الترابي، فهذه الأفكار تتوافق مع تاريخه ورؤيته المستقبلية لاستقطاب أكبر عدد من المناصرين لبرنامج التغيير الإسلامى.

قاد المرحوم محمد عثمان محجوب هذا الرأي وكان يتفق معه أعضاء مكتبه الذين كان من بينهم المهندس أحمد البشير عبد الله والذي تولى مهمة الأمين العام للحركة الطلابية بالإنابة إبان ذهاب الأخ محمد عثمان محجوب إلى مناطق العمليات الحربية بالجنوب مجاهدا.. وأذكر في هذه الفترة قد أوكل لي الأخ أحمد البشير دائرة النشاط الطلابي وكلفني بوضع تصور لها وهو التصور الذي تبلور أخيرا فيما عرف بوكالة النشاط الطلابي.

أخيرا تم إلغاء اسم الاتجاه الإسلامى علنا واستعيض عنه بتنظيم آخر أطلق عليه اسم ( الإسلاميون الوطنيون) وعقد له مؤتمر بقاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم ووزعت بطاقات الدعوة للكثيرين لحضور هذا المؤتمر وبالفعل قام تنظيم ( الإسلاميون الوطنيون) ولكن لم يصل عمره العامين إذ سرعان ما ارتفعت أصوات كثيرة معتبرة أن حل الاتجاه الإسلامى هو تذويب للحركة الإسلامية ونهاية لتاريخها الناصع كما أن تنظيم ( الإسلاميين الوطنيين ) قد فتح صفوف الحركة لكل من هب ودب مما يعرض الحركة للاختراق ويهدد أمنها ووحدتها ومستقبلها.

لذلك لم يستمر ذلك التنظيم كثيرا إذ سرعان ما عاد تنظيم الاتجاه الإسلامى إلى وضعه الأول واستطاع أن يتسنم قيادة الاتحاد للدورات اللاحقة وسط تعقيدات أمنية وتشكيكات من الخصوم في نتائج الانتخابات.. وعلى الرغم من أن الحركة الطلابية الإسلامية بجامعة الخرطوم قد شدت إليها الوسط الطلابي نتيجة لقيادتها لحركة الجهاد الإسلامى في جنوب السودان.

فالطلاب بالجامعات السودانية عامة وبجامعة الخرطوم قد كانوا يشكلون معظم مجاهدي الدفاع الشعبي بجنوب السودان.

قد افتتحت جامعة الخرطوم موكب الشهداء بتقديم سيد شهداء الطلاب.. الشهيد أبودجانة الزبير الذي استشهد بجبال تولشى – بجبال النوبة- وأعقبته بعد ذلك قافلة الشهداء من جميع الكليات وبعضهم كان على أعتاب التخرج مثل عبد الخالق الترابي شقيق د. الترابي الذي كان في السنة الأخيرة من كلية لهندسة بجامعة لخرطوم وكذلك طلاب الطب والزراعة.

هذه التضحيات الجسام والخارقة التي ارتبطت في معظمها بعدد من الكرامات استطاعت أن ترفع أسهم الحركة الإسلامية الطلابية وسط طلاب جامعة الخرطوم وجعلت الطلاب ينظرون لقيادات الاتجاه الإسلامى بشيء من الإعجاب والتقدير سيما وأن ممارسات المعارضة خارج السودان وارتمائها في أحضان الامبريالية قد أضعفت من دورها داخل الجامعة، حيث أصبح الطلاب لا يونها بديلا لحكم السودان.

في ظل هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة التي يعانى منها الشعب السوداني والتي عادة ما تنعكس على الساحة السياسية الجامعية، يعتبر البعض أن بركات الشهداء ودماءهم الطاهرة الذكية هي التي حفظت للاتجاه الإسلامى دوره الريادي المستمر في قيادة الطلاب.

لكن وتحت إيقاع حركة السياسة المتسارع في الآونة الأخيرة لم يفت على البعض ملاحظة بعض السلبيات التي تؤخذ على الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم اليوم، منها:

1- لم يستطع أن يميز صفه عن صف السلطة وهذا الأمر قد شكل عليه خطورة مستقبلية أفقدته القاعدة الطلابية العريضة التي كان يتمتع بها لأن الطلاب بطبعهم يبغضون وكلاء السلطة في الأوساط الجامعية.
2- بعض عضوية الاتجاه الإسلامى في دفاعهم عن السلطة القائمة- في أيامها الأولى قد بلغ درجة قهر الخصوم وإرهابهم مما صور أعضاء الاتجاه الإسلامى وكأنهم وكلاء لجهاز الأمن.
فالحركة الإسلامية عبر تاريخها لم تكن وكيلا عن أي نظام.. فالنظام القائم غير مبرأ من العيوب فهو نظام يقوده البشر بكل أخطائهم وخطيئاتهم وتجاوزاتهم وإخفاقهم .. فالحركة الإسلامية الطلابية إذا كانت تراهن على قيادة الطلاب مستقبلا ما كان عليها أن تغمض عينيها عن هذه الأخطاء والتجاوزات.. ولا ينبغي للمجلس الوطني الذي يعمل في دولاب الحكومة ويتلقى أعضاؤه مرتباتهم وكل امتيازاتهم من الحكومة لا ينبغي عليه أن يكون أكثر فاعلية في انتقاد الحكومة من الحركة الطلابية التي عرفت عبر تاريخها في أكتوبر 1964م وفى شعبان 1973م ويناير 1981م ومارس 1985م عرفت بمصادمتها للحكومات وللأنظمة الحاكمة.. لا ينبغي عليها أن تصبح وكيلا داخل الجامعة عن الحكومة.. فالحكومة لها أجهزتها وصحفها ومنابرها التي تدافع بها عن نفسها ويمكن لقيادي الحكومة الرسميين أن يأتوا إلى الجامعة عبر منابرها المفتوحة ويقدموا برامجهم ويطرحوا تصوراتهم ويدافعوا عن الانتقادات التي توجه لهم ويجيبوا على الأسئلة المطروحة في الساحة.. أما أن يتولى طلاب الحركة الإسلامية هذا الدور فهذا يصنفهم في صف السلطة مما يفقدهم بريق القيادة وميزة قولة الحق.
ويمكن لهم أن يناصروا البرنامج الإسلامى الذي تطرحه الدولة ليس بالدفاع عن أخطائها وإنما بإشاعة روح الأسلمة وسط الطلاب ودواعي مناصرة المشروع الإسلامى ومحاولة إصلاح مساره عبر النصح الصادق.
هذا ما فات على الحركة الإسلامية بعد أن أصبح قادتها من الطلاب والمسئولين عنها من أصحاب التوجيهات البرجوازية والمداخيل المالية العالية والسيارات الفارهة لذلك لم يراهنوا على مستقبل حقيقي للحركة الإسلامية لأن الحركة الطلابية ما كانت لتقبلهم بعد أن أصبحوا وكلاء للنظام وجزء من استخباراته بل قد تميزوا عن الطلاب في كل شيء حي بدت مظاهر الثراء على فقراء الأمس الذين تحولوا إلى النقيض.. لكن هذه القيادات قد راهنت على كسب نتائج الانتخابات الطلابية بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة لأنها تريد فقط أن تقول لقيادة الحزب الحاكم أننا قد كسبنا الانتخابات وان قدمتوه من مئات الملايين دعما لحملتنا الانتخابية الطلابية قد أتى أكله.
3- لم يؤثر عن الحركة الإسلامية الطلابية- قبل انشقاقها- أن أخرجت بيانا أدانت فيه أخطاء السلطة أو أرسلت وفدا من عشرة أشخاص من قيادتها للقصر الجمهوري ليسلموا مذكرة للفريق البشير كما فعل المعتصم عبد الرحيم الحسن إبان فترة نميرى.. فقد كان ممكنا للحركة الإسلامية أن تفعل ذلك بصورة سلمية وأن تنتقد ممارسات النظام الخاطئة وتجاوزاته فالنظام قطعا يحتاج للناصح الأمين، كما أن مثل هذا الفعل سيرفع من أسهم الحركة الطلابية وسط الطلاب ويجعلها دوما على قيادة الطلاب.
4- بتلك الممارسات الخاطئة بدأت الحركة الإسلامية تترجل عن القيادة الفعلية للطلاب كما بدأت تفقد مقعدها كقائد ورائد للصحوة الإسلامية والإصلاح الاجتماع لتفسح المجال للتنظيمات السلفية لتحل مكانها في الجامعات والمجتمع بتجفيف منابع الحركة الإسلامية الطلابية فقد المجتمع مصدرا هاما من مصادره التي تقدم له المصلحين والدعاة وأئمة المساجد تلك المواقع التي خلت تماما ليحتلها السلفيون بمختلف مدارسهم.
5- غابت وانقطعت التجربة القيادية التي كانت متصلة في جامعة الخرطوم منذ جيل على عثمان محمد طه، أحمد عثمان المكي، بشير آدم رحمة، داؤد يحيى بولاد، التجانى عبد القادر، المعتصم عبد الرحيم الحسن، أمين بناني، محمد عبد الرحمن مختار عجول، خالد حسن إبراهيم، زيدان عبده زيدان، هذه التجربة قد انقطعت وأهمل جانب تدريب وإعداد الكوادر بالتربية الثقافية والسياسية والشعائرية وأصبحت مظاهر الترف والتطلع وحب الأسفار والوفود سمة بارزة على الحركة الإسلامية الطلابية.. وأصبحت القيادات لا يميزها عن بقية الطلاب شيء يذكر لا فكرا ولا قدوة ولا زهدا ولا فقها أي أصبحت قيادات الطلاب تعمل بنظرية ( رزق اليوم باليوم) .. هذا باستثناء نفحات الشهداء الذين حفظوا معادلة التفوق حتى بعد ذهابهم عن هذه الفانية.. هذا ما كان له أن يحدث في الفترة التي أعقبت عام 1977م حيث شهد السودان.. كل السودان.. معسكرات إعداد الطلاب والذي كان بعضها بمنطقة أربجى في عام 1978م والذي ضم أمراء المدارس من كل مدارس السودان حيث التلاوة والتجويد والفقه والصيام والرياضة وكان يحضر لهذه المعسكرات التي تستمر لمدة أسبوعين كل قيادات الحركة الإسلامية .. د. ترابي.. د. التيجانى أبو جديري.. الكارورى . أحمد عبد الرحمن.. الخ. وكذلك معسكرات .. ألتى.. الحصا . كوستى .. هذه المعسكرات التي تعد فيها القيادات وتربى على الزهد والتجرد والتفاني هذه قد تلاشت بحجة غياب الميزانيات المالية لمثل هذا العمل فمال الحركة الإسلامية بدلا من أن يتجه الاستثمار فخير له أن يستثمر في إعداد قيادات المستقبل.. بالطبع يكون ساذجا من يبرر هذه الأخطاء بالمسؤوليات وتبدل الظروف والأولويات.. فالعربة مهما تكن جميلة وقوية لا يمكن أن تعمل من غير وقود وزيوت واسبيرات وصيانة وقائد ماهر .. الخ.

لكن يبقى القول إن الحركة الإسلامية حتى عام 2000م ليست هي حركة الأمس التي تميزت بالصفوية والانتقائية والتي كان المنتمون إليها يحاولون التشبه بالصحابة في العهد المكي الأول.. زهدا وتدينا واستضعافا وقلة عدد وهجرة فالحركة اليوم اتسع صفها وانتشرت دعوتها وفتحت صفوفها لكل القادمين إليها وبلم يعد حالها كحال العهد المكي الأول، بل أصبح أقرب إلى فتح مكة المكرمة ودخول الناس إليها أفواجا بمختلف نواياهم وتطلعاتهم وخلفياتهم الفكرية والأيديولوجية وأهوائهم وهوياتهم . من مخلصين أتقياء ومجاهدين شرفاء إلى طلقاء ومتسلقين ومندسين وطوابير وغيرهم.

فالحركة السلامية إبان العهد المايوى كادت أن تكون هي الحركة الوحيدة المتصالحة مع نظام النميرى وهى الحركة الأكثر استفادة من الانفراج النسبي الذي أحدثته المصالحة الوطنية في 7/ 7/ 1977م وكانت تعمل على أساس أن مثل هذه الفرصة ربما لن تعود ثانية.. بل كانت الحركة الإسلامية تعمل بجد واجتهاد على أن يسقط نظام نميرى في يدها.

وأذكر أننا كنا نذهب كثيرا إلى منزل الأمين العام للحركة الإسلامية د. حسن الترابي وكان وقتها يشغل منصب النائب العام في حكومة نميرى وكنا وقتها طلابا بجامعة الخرطوم نقود العمل السياسي الإسلامى داخلها- كنا نذهب إليه مشفقين على الحركة الإسلامية من تلويث النظام المايوى لها والإضرار بسمعتها.. وأن هذا النظام سيسقط شعبيا وسوف ينتفض الشعب السوداني ضد هذا النظام بكل رموزه وسيحاكم الحركة الإسلامية كما حاكم الحزب الشيوعي.. وكنا نقول له إن الحكم الإسلامى الذي يدعيه النميرى لا يعدو أن يكون إسلاما أمريكيا.

كان د. الترابي يرد علينا بثقة شديدة ويقول : إن هذا النظام إذا قدر له أن يسقط فسيسقط في أيدينا لا محالة في ذلك. وكان يقول لنا: إن ما فعله النميرى من حيث إعلان الشريعة الإسلامية وكتابة ذلك في دستور البلاد قد وفر للحركة الإسلامية مائة عام كنا نحتاجها للوصول لهذه الخطوة.. وعندما كنا نتناقش عن كبت الحريات وتسلط رجال الأمن المايوى وعن خنق حرية الصحافة.. كان د. ترابي : يقول : إنكم لم تحضروا الديمقراطية الأولى ولا الثانية التي أعقبت ثورة أكتوبر 1964م ولو حضرتموها وما بها من فوضى واستهتار وفساد لفضلتهم عليها هذا الوضع.. ثم أكد لنا أن كل المحاولات التنموية في السودان قد حدثت في العهود العسكرية سواء أن كان ذلك في عهد عبود أو النميرى.

شاهدنا هنا أن الحركة الإسلامية كانت تسابق الزمن وتعمل بجد وثقة وقناعة بأن النظام المايوى سوف يسقط في يدها لا محالة في ذلك .. لكن الذي حدث كان هو العكس تماما.. بل إن الحركة هي التي سقطت في يد النظام بنهاية يوم 10 مارس 1985 م لتعيش أسوأ ظروفه وظل معظم قادتها موزعين على سجون السودان المختلفة ابتداء من كوبر وشالا وانتهاء بسجون الولايات، وكانت قوائم الإعدامات قد أعدت لقيادات الحركة الإسلامية .. فبدلا من شعارها " كل النظام بيد الحركة" أصبحت " كل الحركة بيد النظام" .. وكان ما حدث لحركة الإخوان المسلمين في مصر على يد عبد الناصر أن يحدث للحركة الإسلامية في السودان، لولا لطف الله سبحانه وتعالى وهبة الشعب السوداني في انتفاضة رجب/ أبريل 1985م التي سقط على إثرها نظام مايو.

فما كان للحركة الإسلامية أن تخطيء مثل هذا الخطأ التاريخي وتسلم رقاب قادتها في ليلة واحدة لجهاز الأمن بصورة جعلت النائب الأول للرئيس نميرى ورئيس جهاز الأمن وقتها عندما جاءه وفد من أهالا بربر تربطهم به صلات كثيرة ملتمسين الشفاعة لقادة الحركة الإسلامية ومن بينهم ابنهم السيد/ أحمد عبد الرحمن محمد .. ما كان من النائب الأول إلا أن قال لهم: ديل افرشوا عليهم ( أي أقيموا عليهم مأتما) .. ما كان للحركة الإسلامية أن تصل إلى حافة الهاوية هذه لولا الثقة الزائدة في النفس ولولا التحليل الخاطئ لمجريات الأحداث ولولا الانطباعية في تقييم الأحداث والثقة المفرطة في النفس عند اتخاذ القرارات.. فرغم المعلومات التي كانت تصل إلى قيادة الحركة بأن النظام المايوى يعد لضرب الحركة الإسلامية ، لكن الثقة الزائدة كادت أن تؤدى إلى فناء الحركة الإسلامية .. وأذكر أنه وقبل اعتقالات 10 مارس 1985 بأيام قليلة جاءني الطالب عصام الدين إدريس البناني وكان طالبا بقسم الرياضيات بكلية التربية وأحد أعضاء الاتجاه الإسلامى الذين تمت زراعتهم داخل الاتحاد الاشتراكي.. جاءني يحمل معلومة مفادها أن السيد أبو القاسم محمد إبراهيم قد ذكر البارحة وأثناء احتفالات الشيخ الصائم بأم درمان الجديدة ذكر لبعض قادة الاتحاد الاشتراكي : أن وقت القضاء على الإخوان قد قرب .

جاءتني هذه المعلومة حوالي منتصف الليل ولم يكتمل الثلث الأخير من تلك الليلة ولم يتنفس الصبح حتى امتطيت " موتر" الأخ سيد أحمد يوسف حسن الذي كان يقيم معي بحجرتي بالجامعة وانطلقت من أم درمان إلى جامعة الخرطوم حيث رئاسة مكتب معلومات الاتجاه الإسلامى وكانت بالنسبة لي هي المرة الأولى التي أقود فيها دراجة نارية، وأذكر أنه بالقرب من إشارة المرور ببحري قابلني الأخ/ خليل عبد الله الطالب وقتها بكلية الزراعة وأحد قادة الاتجاه الإسلامى ومحافظ كوستى ووزير الدولة بوزارة الأوقاف في ما بعد قابلني خليل ولاحظ أنني لا أجيد قيادة الدراجة النارية وقال لي: حاتروح فيها يا وزل ( أي سوف تموت بحادث لأنك لا تحسن قيادة الدراجة النارية) .

واصلت سيرى إلى الجامعة حيث أبلغت تلك المعلومات للأخ عبد العلى أحمد البشير الذي كان أبرز رجال المعلومات في الجامعة.. ذكرت هذه الحادثة لأؤكد أن التحذيرات والمعلومات كانت تصل إلى قيادة الحركة ولكن كان للحركة الإسلامية حساباتها الأخرى وأحيانا تعتمد على توكل د. الترابي ومغامراته التي تصل إلى حد المخاطرة..

كانت ضربة 10 مارس 1985م مباغتة لكل الناس وكان الشارع غاضبا على نظام النميرى وعلى كل الذين تعاونوا معه.. كانت لجامعات مغلقة وكانت جامعة الخرطوم وقد تم إغلاقها بعد أحداث " السيخ" الدامية التي شهدها في مطلع عام 1981م وعندما تمت الاعتقالات المايوية لقيادات الحركة الإسلامية كان هناك كشف باعتقالات قيادات الاتجاه الإسلامى من الطلاب.. وقد تم اعتقال الطالب عمر محمد عبد الرحمن القادم من كسلا عند نقطة تفتيش مدني، وتمت مطاردة الطالب خالد حسن إبراهيم رئيس الاتحاد العام للطلاب السودانيين، حيث نصب له كمين افلت منه بأعجوبة.. وأذكر أنه عندما حاول الاتجاه الإسلامى الحفاظ على عدد من قياداته خارج الاعتقال، قد جاءني بمنزل اسرتى بالشجرة الإخوان محمد المجذوب محمد الأمين والشهيد موسى على سليمان وطلبا منى إجراء اللازم لاختفى عند أحد الأخوة بمدينة أم درمان وذلك لأن معلومة وصلتهم من مصدرهم عصام الدين إدريس البنانى بأن أمرا صدر باعتقالي.. فرجال الأمن مصرون على اعتقال كل القيادات الطلابية وذلك لأن فتح الجامعات على الأبواب ويخشون من إثارة الشارع ضدهم وهذا أمر حتمي ما دامت قيادة الحركة الإسلامية وراء القضبان المايوية.

نزلت عند أمر الحركة الذي حمله الإخوان مجذوب وموسى وقمت بإجراء اللازم .

ومن الطرائف التي تأتى وقت المحن أذكر وأنني بعد أن حلقت لحيتي الكثة- نزولا عند أمر الإخوان اللذان يمثلان أمانة الجامعة- وأطلق شاربي ووضعت عمامة كبيرة على رأسي لم يعرفني حتى صديقي الصحفي العبيد أحمد مروح الذي كان يسكن معي في حجرة واحدة في الجامعة وذلك عندما ذهبت إليه وكان يقيم في منزل اٌقاربه غرب سوق أم درمان.

أما شيخنا المرحوم محمد عثمان محجوب هذا الرجل الأمة والمزعج لرجال الأمن وقادة الاتحاد الاشتراكي.. كان معروفا بلحيته الغزيرة ونظارته التي لا تفارقه ولم يكن من مرتدي " الجلابية" إلا نادرا.. أذكر أنني تعرفت عليه داخل بنك فيصل فرع المحطة الوسطى" القديم" وسط عدد كبير من الزبائن وقد أزال لحيته وخلع نظارته ولبس جلبابا كبيرا وعمامة.. فحاولت أن أمثل له رجل أمن فاقتربت منه وقلت له: محمد عثمان محجوب؟ نظر إلى باستغراب وكأنه أراد أن يفعل شيئا ما.. وهو معروف- عليه رحمة الله- بذكائه الحاد وسرعة بديهته.. ولكن استدرك وقال لي : عمر وكان يقول لي عمر كعادته في اختصار الأسماء فضحكت فعرفني وانصرف مسرعا.. وعندما تقابلنا بعد الانتفاضة قال لي: في تلك اللحظة حاولت أن أسدد لك لكمة قوية ثم أصيح الحرامى.. الحرامى.. سيما أن المكان ساحة بنك يكثر فيها الحرامية وألوذ بعد ذلك مختفيا..

وكذلك كنت ألاحظ أثناء سير المظاهرات الأخ أمين حسن عمر خارج بمنطقة بحري- شارع الشعبية- متخفي ومرتديا بنطلون الجنز والقميص الضيق والنظارات الكبيرة.. ورحم الله الطالب أزهري على فضل المولى طالب المساحة بجامعة الخرطوم الذي كان يربط كل هذه الدوائر في مخبئها بكل القرارات والتطورات ممتطيا دراجة نارية يطوف علينا ليلا ونهارا وكنا في تلك اللحظات ننتظر أوامر وقرارات الحركة الإسلامية التي كانت في اجتماعات مستمرة بقيادة الأخ على عثمان محمد طه وكانت تراقب الأحداث على المستوى الخارجي وتتابع تصريحات الرئيس نميرى من أمريكا التي كان يتوعد فيها قادة الحركة الإسلامية .. كنا ننتظر أوامر الحركة مهما تكن تلك القرارات ، وأذكر أن الأخ مبارك ميرغنى محمود القادم صبيحة يوم 10 مارس 1985م من بورتسودان وكان يقول للأخ المهندس عثمان عبد الله بوظتف: إننا ننتظر التوجيهات لننفجر في أي موقع نوجع إليه.. وبالفعل ما حصل في الجزائر بعد اعتقال قيادة جبهة الإنقاذ الجزائرية كان يمكن أن يحدث في السودان سيما وأن تنظيم الحركة الإسلامية في السودان أكثر انتظاما ودقة وربطا لكل فئات المجتمع من تنظيم جبهة الإنقاذ الجزائرية ... كنا نشعر بالظلم والاستضعاف .. ونردد قول الله ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) ( الحج: 39-4-).

وكنا نشعر أن كل الذي حدث كان تدبيرا من الامبريالية والصهيونية العالمية التي تقودها أمريكا سيما وأن الذي حدث للحركة الإسلامية كان وراءه جورج بوش الأب نائب الرئيس الأمريكي ريغان والذي أصبح رئيسا لأمريكا في ما بعد والذي زار في مارس 1985م السودان وقام بإملاء قرارات التخلص من الحركة الإسلامية على نميرى إن أراد الأخير لحكمه الاستقرار والاستمرارية والدعم الأمريكي..

كنا نشعر بأن هذه مؤامرة يهودية ضد الإسلام وقادته في السودان وكنا نتذكر قول الله تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تبع ملتهم) ( البقرة: 120) .

كنا في تلك اللحظات أكثر قربا من الله.. تردد دهاء الرسول الأعظم فى إحدى الغزوات عندما بدأت المعركة بين المسلمين والكفار.. " اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض" ونرد قول الله :" ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" ( الأنفال: 30).

عند المحن تزداد صلة الإنسان بربه وكنا نكثر من قيام الليل وتلاوة القرآن بصورة كادت أن تفضح أمرنا وذلك عندما لحظ العم عثمان كمبال الذي كنت اختفى في بيته بالثورة تحت رعاية ابنه الأخ خالد، والعم عثمان كمبال من الذين يقرأون عند السحر بصوت جميل قراءة صحيحة وجميلة، لكنه ارتاب في أمر وجودي .

فسأل ابنه خالد من هذا ؟ وخالد هذا كان طالبا بكلية القانون جامعة الخرطوم وأحد أعضاء الاتجاه الإسلامى ووالده كان من قيادات الختمية.. ويبدو أن الشك قد ساور العم عثمان وأراد أن يتأكد ولكن الأخ خالد رد عليه قائلا: هذا أستاذ قادم من الأقاليم يشارك في تصحيح الشهادة السودانية وسوف يعود بعد انتهاء التصحيح إلى المنطقة. وقد مر الأمر بسلام.

استمر الأمر هكذا حتى الانتفاضة ومن عجب أن الانتفاضة التي بدأها الشماسة حتى أطلق عليها مظاهرات الشماسة، حاول الإعلام ممثلا في صحيفتي " الأيام" و"الصحافة" وقتها أن ينسب هذه المظاهرات وأحداث الشغب التي تلتها إلى الحركة الإسلامية إمعانا في المكيدة وحض النميرى على التخلص من قيادات الحركة الإسلامية مما دفع النميرى ليصرح من أمريكا للصحف بأن هذه المظاهرات من فعل الإخوان المسلمين وذكر أنهم بهذه الأفعال قد قطعوا أعناقهم وحكموا على أنفسهم بالفناء.. وللحقيقة فإن انتفاضة رجب أبريل 1985م لم تكن من صنع جهة سياسية معينة وإنما كانت من صنع كل أبناء الشعب السوداني بكل فئاته.

من جانبها لم تتوقف الانتفاضة والمظاهرات عن التواصل والشدة إلا عندما أعلن قادة الجيش استلام السلطة بقيادة المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الدهب معلنين نهاية العهد المايوى الذي امتد من 25 مايو 1969 إلى 6 أبريل 1985م.. وهنا دخلت الحركة الإسلامية في امتحان جديد.. وهو عندما حاول التجمع الوطني وقبائل اليسار السوداني والطائفية عزلها سياسيا بحجة أن الشعب السوداني قد انتفض في 6 أبريل 1985م ضد نظام مايو بكل سدنته وبكل رموزه ومن بينهم الإسلاميين.. وحاول التجمع الوطني الذي تكون بعد الانتفاضة من قبائل اليسار والذي كان يقود هذه الحملة ضد الحركة الإسلامية حاول استصدار قانون للعزل السياسي يعزل بمقتضاه الحركة الإسلامية من أي مشاركة قادمة في السلطة وقد شايع التجمع السياسي في هذا الخط الصادق المهدي والذي صمن عن الحديث في السياسة منذ أن قام النميرى بإعدام محمود محمد طه حيث فهم أن إعدام محمود هو رسالة موجهة له وإن لم يكف عن المعارضة سيكون مصيره مصير محمود .. بل أنه عندما قامت مظاهرات أبريل خشي الصادق المهدي أن تنسب إليه فيعتقل ثم يعدم عند عودة نميرى من أمريكا ضمن قائمة الإعدام المعدة سلفا للإسلاميين .. لذلك اختفى الصادق طيلة فترة الانتفاضة الانتقالية فخرج الصادق المهدي ممتطيا صهوة التجمع ليعلن رأيه في الحركة الإسلامية السياسية إلا إذا تبرأت من كل أفعالها السابقة وتابت منها توبة نصوحا.. أي أن الحركة الإسلامية قد ارتكبت عشر موبقات لابد وأن تتوب وتتطهر منها وإلا سيمارس عليها الحجز والعزل السياسي.

في ظل هذه الحملة الشرسة على الحركة الإسلامية أعلن التجمع لندوة سياسية كبرى بالميدان الشرقي بجامعة الخرطوم.. اشتركت فيها كل تنظيمات التجمع من شيوعيين وبعثيين واتحاديين وأنصار وخلافه وكان الصادق المهدي أبرز المتحدثين في تلك الندوة.. وقد تم الحشد الجماهيري لتلك الندوة التي صب المتحدثون فيها جام غضبهم وهجومهم على الحركة الإسلامية .

يومئذ كان قادة الحركة الإسلامية قد خرجوا لتوهم من السجون فعاد د. الترابي وأحمد عبد الرحمن وحاج نور وكارورى وآخرون من سجن شالا بغرب السودان.. حيث أعلنت الحركة الإسلامية لندوة سياسية كبرى في نفس المكان الذي عقدت فيه ندوة التجمع- الميدان الشرقي لجامعة الخرطوم- وهى الندوة التي قلبت الموازين وجعلت المجلس العسكري الانتقالي يعيد حساباته في التعامل مع الحركة الإسلامية .. جاءت الجماهير لتلك الندوة من كل حدب وصوب.. امتلأ الميدان الشرقي على سعته وتعلق الناس بأبراج الكهرباء بالميدان وامتلأ شارع الجامعة وصعد الناس على أعلى الحافلات.. كان المتحدثون في تلك الندوة د. الترابي- مهدي إبراهيم ، والقاضي الشهيد/ أحمد محجوب حاج نور.. وقد كان لي شرف تقديم تلك الندوة والتعليق على الأحداث بين كل متحدث وآخر.. وأذكر أن د. الترابي بدأ حديثه بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الحركة الإسلامية قد كانت أول من دخل سجون مايو 1969م وكانت آخر من خرج من سجونها في 10 مارس 1985م وقد كان حديثا تعبويا تمت فيه تعبئة العضوية للمرحلة القادمة، وأذكر أن هذه الندوة قد تم طبعها على أشرطة لكاست والفيديو وتم توزيعها داخليا على كل بقاع العالم.. انزعج التجمع وقادته عن تلك الندوة ومن كمية الحشود التي حضرتها.. وأذكر أن صحيفة أجنبية قد قامت بتقديم سؤال للصادق المهدي عن رأيه في الحركة الإسلامية التي يقودها د. الترابي .. فأجابها الصادق بأن هؤلاء لا مكان لهم في الشارع السياسي وقد عزلهم الشعب السوداني.. فردت الصحيفة الأجنبية مستفسرة ومتعجبة قائلة: كيف يكون ذلك وقد شهدت شخصيا الندوة التي أقاموها بالميدان الشرقي لجامعة الخرطوم وقد فاق حضورها حضور ندوة التجمع التي كنت أنت متحدثا رئيسيا فيها؟ فرد عليها الصادق المهدي بانزعاج شديد قائلا: ( هذه كل الحشود.. هذه كل الحشود).

الحركة الإسلامية وتجربة توسيع المواعين

وسط هذه الظروف السياسية البالغة التعقيد ووسط الاختراق الأمني الجلي والبين داخل الأحزاب السياسية حيث أصبح لكل الدول وكلاء داخل السودان كان لابد للحركة الإسلامية أن تستفيد من إرثها التاريخي القديم في التحالفات والاستقطاب وأن تخلع قميص الاتجاه الإسلامى الضيق وأن تلبس قميصا فضفاضا يستوعب كل القادمين من أبناء الشعب السوداني والذين يرغبون في العمل مع الحركة الإسلامية وللحكومة الإسلامية تجربتها التي أعقبت ثورة أكتوبر 1964م، وقد عرفت حينها ( بجبهة الميثاق الإسلامى) والتي ضمت في صفوفها الكثير من مسلمي الطرق الصوفية وأنصار السنة المحمدية والكثير من الإسلاميين لا انتماء لهم.

لذلك قررت الحركة الإسلامية أن تخوض المرحلة السياسة القادمة تحت اسم ( الجبهة الإسلامية القومية) وبالفعل دعت الحركة الإسلامية لمؤتمر جامع دعت له كل فعاليات المجتمع وعقد بنادي الأسرة بالخرطوم وسط حضور مكثف من كل أقاليم السودان كما حضره ممثلون من خارج السودان نيابة عن السودانيين المقيمين بالخارج وتمخض هذا المؤتمر عن إعلان ميلاد ( الجبهة الإسلامية القومية) التي فتحت صفوفها لكل فئات المجتمع بما فيهم المسيحيين الذين يتفقون على الحد الأدنى مع الإسلاميين.

كانت الحركة الإسلامية بعد الانتفاضة هي أول من أقام مؤتمرا حزبيا جامعا انتخب مؤسساته المتمثلة في مجلس شوراه وانتخاب أمينه العام وبقية مؤسسات الحزب علاوة على اتخاذ قرارات وسياسات واضحة.

وأذكر أننا كنا نقيم معسكرا للقيادات الطلابية بموقع يقرب من ميدان الأسرة .. وقد قرر مؤتمر الجبهة الإسلامية إعلان بيانه الختامي من أمام مسجد الخرطوم الكبير.. وجاءت إلينا الأوامر لتكون كتيبة الحراسة وتأمين ذلك المؤتمر عند مسجد الخرطوم الكبير.. أذكر أنه قد كان معنا الأخ هشام توفيق طه الذي كان أميرا للتنظيم بجامعة القاهرة بالخرطوم وكثيرون لا أذكرهم الآن .. وما إن بدأ المؤتمر في إعلان بيانه الختامي من أمام مسجد الخرطوم الكبير حتى ظهر ضيق الأحزاب السياسية بالديمقراطية حيث انهالت حجارة الشماسة على الحضور من أماكن كثيرة بصورة يشتم منه رائحة التخطيط والتدبير.. هذه الحجارة التي ظلت تطارد مؤتمرات الجبهة الإسلامية في معظم أنحاء السودان والتي كان وراءها التجمع وقيادات حزب الأمة الذين كثيرا ما تباكوا على الديمقراطية وحرية التعبير واحترام الرأي الآخر.. وهم كانوا أول من لم يحتمل الرأي الآخر وضاق بحرية التعبير وبحرية الرأي..

بقيام الجبهة الإسلامية كانت الحركة الإسلامية قد دخلت مرحلة جديدة في التكوين حيث اتسع صفها واستقبلت قطاعات كثيرة من فئات وأفراد المجتمع مهما يكن من أمر فإن فترة الجبهة الإسلامية كانت تعنى الكثير بالنسبة للحركة الإسلامية وهى تحتاج إلى كتاب منفصل نأمل أن نوفق فيه لاحقا.. ففي هذه الفترة استطاعت الحركة الإسلامية أن تناضل وتجاهد بشراسة أن تستغل كل المنابر وأن تقاوم كل الخصوم في معركة واحدة وتمكنت من إدارة حملة إعلامية شرسة ضد خصومها.. وقد كان ذلك واضحا في باب " حتى لا ننسى" الذي كان يحرر بصحيفة " الراية" وكان يبرز كل مخازي الأحزاب السياسية إبان الفترة المايوية ، وكان الأستاذ الشهيد محمد طه أحمد وحده يشكل أمة وجيشا كاملا في الدفاع عن الحركة الإسلامية وفى كشف مواقف ومخازي الأحزاب يسنده مكتب معلومات الحركة الإسلامية بالوثائق والصور.. وكانت صحيفة " ألوان" التي أسسها السادة حسين خوجلي وأمين حسن عمر ومحمد وقيع الله ومحمد عوض البارودي ، ثم بعد ذلك آلت للأستاذ حسين خوجلي، كانت تمثل حربا على الطائفة والممارسات الحزبية الخاطئة وكانت صفحة " حلمنتيش " التي يحررها د. أحمد الأمين " المتجهجة الأممى" وأقطاب مجموعته أمثال الدكتور الأمين حسن العبد ( المستعرب الخلوي) ومحمد الجاك الصراف- ونجم الدين محمد الأمين وشبرا الغلباوى وآخرين يمثلون إزعاجا بالغا للحكومة في رأس دولتها ونيابتها العامة ومجلس وزرائها، ثم صحيفة " صوت الجماهير " التي تمثل طلاب الاتجاه الإسلامى، ثم صحيفة " الأسبوع" التي كانت شراكة بين محيى الدين تيتاوي وأحمد البلال الطيب وقد كان يوجد تعاون بينها وبين مكتب إعلام الجبهة الإسلامية القومية أما صحيفة ( السوداني) لصاحبها محجوب عروة فهذه كانت تقدم خدماتها الإعلامية داخل وخارج السودان وكان خطها متسقا مع خط الجبهة الإسلامية القومية .. ومحجوب عروة عندما جاءت الإنقاذ –يتقدمها بعض الحنابلة – لم تشفع له كل هذه السيرة العطرة ولم ينظر لتاريخه النضالي واعتقالاته في صفوف الحركة الإسلامية ومجاهداته في الصحارى ولم يغفر له خطؤه – إن صح – رغم أن الحركة قد غفرت أخطاء قادة التمرد والتجمع الذين أصبحوا في ما بعد وزراء في صفوف الإنقاذ .. محجوب عروة لو سلمنا أنه اخطأ فيما يتعلق بـ " السودان الدولي " لكن يمكن أن يغفر له .. ولعل الله قد اضطلع على أهل بدر فقد كانت صحيفة " السودان الدولي " من الصحف المؤثرة والرائجة.

بين الماضي والحاضر

مثلت نهاية الأربعينيات من القرن العشرين نقطة البدء بالنسبة للحركة الإسلامية في السودان- حركة الإخوان المسلمين – ثم بدأت بعد ذلك تنمو نموا مطردا شمل كمها العضوي ومنشطيها الثقافي والسياسي منا أنها ظلت تلعب دورا بارز الأهمية في مسيرة السياسة السودانية بعيد نيل البلاد استقلالها في يناير 1956م حيث بدأت كرد فعل لموجة التغريب العلمانية التي ضربت مجتمع المثقفين على وجه العموم ومن ثم المجتمع الجامعي على وجه الخصوص حيث أضحى التعليم في كلية غردون هو امتداد لثقافة المستعمر وترسيخ قيمه وأخلاقه وسلوكياته .

فالحركة الإسلامية كانت عند منشئها حركة إصلاحية صفوية مستضعفة لا يؤبه لها.. حيث كان التيار الشيوعي والعلماني تيارا راسخا وفاعلا ومؤثرا في أوساط الطلاب والعمال والمثقفين.

ولكن بعد نيل السودان استقلاله أخذت الحركة الإسلامية تأخذ موقعها الطبيعي النسبي الأصيل وأن خرج بالولاء السياسي من الإطار الحزبي والعشائري الضيق إلى ولاء اسلامى متسع يسند الأمر كله إلى الله ويتجه في مقاصده وكلياته في سيرورة تنشد إقامة مجتمع الفضيلة والعدالة والسلام والأمن ، يعيش المجتمع تلك المعاني والقيم التي عاشها المسلمون الأوائل في صدر الإسلام في حياة تعيش العصر وتستصحب الأصل .. تلك المعاني والقيم كانت تمثل أشواقا وعشقا للرعيل الأول من مؤسسي الحركة الإسلامية .

لم يفت على الحركة الإسلامية في باكورة أيامها أن تستفيد من الإرث الديني الضارب الجذور في المجتمع السوداني سواء أكان ذلك في المنحى الصوفي الذي طبع الحياة السودانية منذ عهود الفونج والعبدلاب ومملكة سنار أو النمط الجهادي الذي تمثل في دولة المهدية بقيادة الأمام محمد أحمد المهدي في عام 1881- 1885م ، الذي أقام دولة إسلامية على أنقاض الحكم التركي المصري.

كانت عضوية الحركة الإسلامية في باكورة أيامها صفية منحصرة في صفوف طلاب الثانويات وطلاب جامعة الخرطوم، ولكن العضوية في مجملها ظلت خليطا من أبناء الأنصار والختمية وأتباع الطرق الصوفية، وقد ظلت الحركة الإسلامية تحتفظ بهذه التركيبة إلى يومنا هذا .. مرت الحركة الإسلامية في السودان بتطورات كبيرة خلال تاريخها ومسيرتها وعطائها وقد كانت عبر ذلك تحاول أن تنزل شعاراتها على أرض الواقع السوداني ساعية لإيجاد الأرضية المناسبة لشعاراتها وسط الجماهير، وأن تجد لها أنصارا ومؤيدين ومدافعين عنها سواء أن كان ذلك وسط المثقفين وجمعياتهم أو العاملين ونقاباتهم واتحاداتهم أو وسط السياسيين وأحزابهم.. ولم تيئسها قلة عضويتها من خوض غمار الانتخابات البرلمانية وقد كان لوجودها المحدود في البرلمان الذي أعقب ثورة أكتوبر 1964م دورا كبيرا في قيادة الحملة المنادية بحل الحزب الشيوعي السوداني 1968م، إذ كان أمينها العام حسن عبد الله الترابي عضوا بالبرلمان عن دوائر الخريجين.. كما كان للحركة أيضا دور قيادي وريلادى في ثورة أكتوبر 1964م، والتي انطلقت شرارتها من جامعة الخرطوم حيث كان اتحاد طلاب جامعة الخرطوم تحت قيادة الاتجاه الإسلامى وتحت رئاسة حافظ الشيخ الزاكى الذي كان حينها طالبا بكلية القانون وعند اعتقاله خلفه الطالب ربيع حسن أحمد على رئاسة الاتحاد وكلاهما من أعضاء الحركة الإسلامية بجمعة الخرطوم.

استمرت الحركة الإسلامية ترنو ببصرها لدور طليعي يقود مسيرة السودان السياسية نحو دولة الشريعة الإسلامية واضعة بذلك الخطط والبرامج المدروسة والمفصلة التي تعبر من خلالها إلى نهايات خطتها التنظيمية ومطمحها الذي من أجله تكونت- واستمرت الحركة الإسلامية على هذا المنوال إلى أن جاءت مايو 1969م لتمثل نقطة تحول كبرى بالنسبة للحركة الإسلامية .. تمثل ذلك التحول في الانطلاق السياسي الداخلي والخارجي للحركة الإسلامية ..

أما الانطلاق الخارجي فقد تمثل في إطار الجبهة الوطنية المعارضة لنظام نميرى حيث تولت الحركة الإسلامية منصب السكرتير العام للجبهة الوطنية والذي تولاه عثمان خالد مضوى أما داخليا فقد تمثل ذلك في سلسلة الأعمال المعادية والمناوئة لمايو والتي بدأت بتوزيع المنشورات ومظاهرات المولد 1969م، ثم الاشتراك الفاعل في أحداث الجزيرة أبان 1970م مقدمة أميز قيادتها أستاذ الشريعة الشهيد محمد صالح عمر الذي استشهد في تلك الأحداث.. ثم أحداث شعبان / نوفمبر 1973م والتي قادها اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بقيادة أحمد عثمان المكي.. ثم حركة حسن حسين في سبتمبر 1975م وانتهاء بحركة 2/يوليو1976م والتي أطلق عليها نظام نميرى " أحداث المرتزقة" وأطلق عليها محمد وقيع الله في كتابه " الإخوان وسنوات مايو" غزوة يوليو 1976م .

عبر هذه الأحداث مرت الحركة الإسلامية بتطورات كبيرة حسدت ما كانت تتمتع به من مقدرات وإمكانات مهدت لها أن تشارك بثقة في إدارة دفع الحكم في السودان بعد ارتضائها للمصالحة الوطنية التي بدأت في 7 يوليو 1977م بين الجبهة الوطنية المعارضة وبين جعفر نميرى رئيس الجمهورية حينئذ ومثلت المصالحة الوطنية فرصة طيبة للسلام حاول كل من النظام والحركة استغلالها بالصورة التي تخدم أهداف وخطط وبرامج كل منهما.. فالنظام عبر المصالحة وضع حدا لمعارضة شرسة وطموحة أضعفته شعبيا وحاربته بشتى الوسائل بدءا بالمنشورات وانتهاء بالحرب المسلحة، وقد بدأ النظام يطمئن شيئا ما أما الحركة الإسلامية فقد بدأت في تنظيم صفها وإعادة بناء قواعدها وهياكلها بصورة تلائم الظروف الجديدة كما نجحت في مضاعفة أعدادها مرات ومرات.

كانت المصالحة الوطنية بمثابة القنطرة التي عبرت خلالها الحركة الإسلامية إلى معظم أهدافها المستقبلية على مستوى الإعداد والتخطيط والاستعداد المصحوب بالثقة والطمأنينة بأن المستقبل في السودان لمشروعها الحضاري الذي تتبناه وتكافح من أجل تطبيقه.. حيث أدت المصالحة الوطنية بعد صدور قرار العفو العام إلى خروج المئات من كوادر الحركة الإسلامية من السجون وهم أكثر علما وحفظا للقرآن وفقها بأمور السنة والتشريع وأكثر حماسا للعمل الدعوى والجهادي.

كما أدت المصالحة الوطنية إلى انتشار فروع الحركة الإسلامية ذات المسميات الجديدة في جميع أنحاء السودان مثل : شباب البناء- رائدات النهضة- جمعية القرآن الكريم- جمعية الرعاية والإصلاح الاجتماعي- هيئة إحياء النشاط الإسلامى- النادي الثقافي الإسلامى- جمعية الهدى القرآني علاوة على عودة الاتحادات الطلابية والتي كان معظمها تحت قيادة الاتجاه الإسلامى.. كما ساعد الاستقرار الذي انتظم المؤسسات الأكاديمية بعد المصالحة الوطنية الحركة الإسلامية في زيادة كمها العددي وصقل كيفها النوعي.. كما اكتسبت الحركة الإسلامية خلالها خبرة مقدرة في إدارة دولاب الحكم على مستوى المركز والأقاليم كانت في أشد الحاجة إليها- الخبرة- وهو ترنو ببصرها لوراثة نظام النميرى طوعا أو كرها بل وتعد العدة وتحشد الأنصار في كافة مرافق الانقضاض على السلطة وتسلم مقاليد الحكم في السودان، إذ يعتبر السلطان في فقه الحركة الإسلامية هو الوسيلة الأهم في تنزيل شعاراتها وبرامجها على واقع المجتمع والعودة به إلى المنهج الإسلامى الصحيح الذي ينتظم كل مرافق الحياة.. لذلك ظلت الحركة الإسلامية تردد دوما القول المأثور : " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" لذلك اعتبرت الحركة الإسلامية فترة العمل مع النميرى ذات أهمية خاصة من حيث توسيع مواعين التنظيم ومضاعفة أعداده وحشد الموالين والأنصار لبرامجه.

علاوة على طرح البديل الإسلامى كأنموذج حضاري مستقبلي وتقديم القيادات الإسلامية كبديل للطائفية والعلمانية.

كانت الحركة الإسلامية تعتبر ممارسة السلطة على محدوديتها داخل أجهزة الخدمة الديوانية والسياسية في عهد مايو تجربة تمهيدية للحركة لابد منها.

أما الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم فهو من أهم تنظيمات الحركة الإسلامية فهو الذي جسد فكر الحركة وانطلق بها على المستوى الجامعي حتى أصبح ذا أهمية بالغة في الحياة السياسية بجامعة الخرطوم، إذ راح يرفد مكاتبها وهيئاتها بالكوادر المدربة والمؤهلة والذي يرجع إلى قائمة مرشحي الجبهة الإسلامية لدوائر الخريجين في البرلمان السابق في الفترة من 86- 1989م مثلا يجد معظمهم من قيادات الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم مما يؤكد ما ذهبنا إليه وقد كانت تقع على عاتق الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم في الفترة التي سبقت المصالحة الوطنية المسئولية عن عضوية التنظيم من طلاب الثانويات والمتوسطات في عموم مدارس السودان.

أما على المستوى السياسي في فترة ما قبل المصالحة الوطنية فإن إستراتيجية الاتجاه الإسلامى بالجامعة كانت جزء من إستراتيجية التنظيم الأم بالخارج حيث مثل الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم معارضة سافرة لنظام مايو.

بالطبع فإن قبول الحركة الإسلامية لمبدأ المصالحة الوطنية هو قبول ملزم لكل عضويتها وفروع تنظيمها داخل السودان وخارجه.

نتيجة لذلك بدأ الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم يصول ويجول داخل دائرة المصالحة الوطنية فتارة تجده يقترب من مركز الدائرة بصورة تحسبه فيها حليفا مخلصا للنظام الحاكم حيث يذكر مثلا- ابن عمر محمد أحمد ، أبرز خطباء الاتجاه الإسلامى في فترتي قبل المصالحة وبعدها في إحدى الندوات السياسية التي تلت المصالحة بالجامعة قائلا " إن رجل النميرى اليسرى أفضل من كل الشيوعيين في العالم وذلك على الأقل لأنه يشهد أن لا إله إلا الله".

بالطبع كان يعلم أن مثل هذه العبارات سوف تصل في حينها إلى أذن الرئيس مما يكون له مردود إيجابي على العمل الإسلامى.

وتارة تجد الاتجاه الإسلامى ينأى عن مركز الدائرة ويقترب من محيطها بصورة يكاد يخرج فيها عن دائرة المصالحة تماما وذلك عندما تتحدث صحيفة الاتجاه الإسلامى "آخر لحظة "عن الفساد السياسي والمالي وعن سلطة الفرد المطلقة وعن قمعية رجال الأمن..

كما كانت صحيفة " أشواك" أكثر المنتقدين لنظام النميرى ولسياسته الخاطئة. وبين هذا الاقتراب والاغتراب عن مركز دائرة المصالحة الوطنية كان الاتجاه الإسلامى يصول ويجول رغم المضايقات والتجريح الذي يتعرض له من النظام الحاكم حتى اعتقال قادة الحركة الإسلامية في 10/مارس / 1985م بعد زيارة جورج بوش نائب الرئيس الأمريكي وقتها للسودان مباشرة.. كان التزام الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم بالسير وفقا لخطة المصالحة الوطنية يمثل نقلة كبيرة في تطوره السياسي وما يتبع ذلك من الأطر الفكرية والأوعية والهياكل التنظيمية .. وهذا ما تحاول هذه الدراسة أن تكشف عن موطنه.

نشأة الاتجاه الإسلامى ودواعيها

ارتبطت نشأة الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم بعاملين أساسيين أسرعا في نشأته وساهما في تقويته وانطلاقه ومن ثم تطوره من مجموعة طلابية إصلاحية تسعى لحفظ الفرد وصونه من الضياع وسط تيارات العلمانية التي ضربت جامعة الخرطوم وقتها، إلى تنظيم سياسي جامع يسعى إلى إخضاع الحياة كلها لله تعالى، والعاملان هما:

1- نمط الحياة الغربية والتفسخ والانحلال الذي ضرب أوساط المثقفين والاستلاب الحضاري والثقافي الذي خضع له المثقفون وقابليتهم للتبعية والاستعمار الثقافي كان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية.
2- سيطرة التيار الشيوعي على الحركة الطلابية بوصفه البديل الأنسب للاستعمار فالعامل الأول قد ارتبط بإنشاء كلية غردون التذكارية التي أنشئت تخليدا لذكرى الجنرال الهالك غردون باشا الذي اغتاله مجاهدوا الثورة المهدية في عام 1885م وذلك عند تحريرهم للعاصمة الخرطوم عنوة واقتدارا تحت قيادة إمامهم المهدي رضى الله عنه.

كان تخليد الذكرى يعنى تخليد المبادئ والأفكار في نفوس الجيل الجديد مع إماتة معاني الإسلام الجهادي في نفوس هذا الجيل حتى ينشأ جيلا تابعا للحضارة الغربية، يحمل من السودان اسمه ويتبع سنن الخواجات حتى إذا دخلوا إلى جحر ضب خرب دخلوه خلفهم.

جيل مسلم بشهادة الميلاد ولكنه مشبع بحب وثقافة وأدب وفنون الغرب، جيل منهزم نفسيا ومستلب ثقافيا ، تابع ومنهزم حضاريا ليس له مقومات شخصية نابعة من دينه وتراثه.. بل إن هذا الجيل كان يرى خلاصه في الغرب والتبعية له وكان يرى اللحاق بالعصر والتحديث يتمثل في تبنى قيم وأفكار وأخلاق الغرب لذا فقد حدث الانفصام والطلاق بين بيئة هذا الجيل الفكرية وتطلعاته وطموحاته القائمة على مرتكزات الحضارة الغربية.. ويلاحظ أن السياسة التعليمية في الفترة التي أعقبت سقوط الدولة المهدية كانت تقوم على النقيض لمبادئ الثورة المهدية التي كانت تسعى لتزكية النفس بالزهد والجهاد ونبذ قيم وأخلاق الغرب، مع ملاحظة أن سياسة الحكم الثنائي التعليمية حاولت استئصال كل ما هو ديني وكل ما يمت للدين والجهاد بصلة من مؤسسات التعليم..

إذا كان ما ذكرناه يمثل العامل الأول المحفز لظهور الحركة الإسلامية في جامعة الخرطوم فإن العامل الثاني هو:

سيطرة التيار الشيوعي

في غضون عام 1946م وفى ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية وما تبعها من دعاية للشيوعية التي انتصرت على النازية بتحالفها مع الامبريالية التي تمثلها بريطانيا وفرنسا وأمريكا، إذ تحالفت روسيا مع هذه الدول لدحر ألمانيا ، وفى ظل هذه الظروف ظهرت الحركة الشيوعية في السودان لتلعب دورا مؤثرا، وعلى الرغم من أن الحركة الشيوعية السودانية كانت لها وجود منذ الثلاثينيات على أيدي بعض الأرمن لكن الوجود الحقيقي بدأ عندما قام الانجليز بزراعة الشيوعية وسط طلاب كلية غردون بواسطة جندي يدعى "ستون" ووسط الطلاب السودانيين بمصر بواسطة اليهود مثل هنري كوريل وسوارتز وغيرهم.

في النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين سيطر الشيوعيين على حركة الطلبة وانعطف عدد كبي من طلاب المدارس نحو حركة اليسار وربما كان مرد ذلك إلى خيبة الأمل التي صاحبت انقسام مؤتمر الخريجين ، حيث انعقدت آمال المثقفين على حركة مؤتمر الخريجين واعتبروه أداة المثقفين لتوحيد الأمة وتخليصها من الاستعمار .

لكن مؤتمر الخريجين انقسم إلى الشوقيين والفيليين حيث ظهرت منه مجموعة الأشقاء بقيادة إبراهيم أحمد حيث دخل الأشقاء فى تحالف مع طائفة الختمية بقيادة السيد على الميرغني بينما استظل الاستقلاليون بالسيد عبد الرحمن المهدي وطائفة الأنصار .

أدى ذلك إلى ظهور ردود فعل عنيفة وسط المثقفين وكذلك الطلاب وهم يرون قياداتهم المثقفة ترتمي في أحضان الطائفية وترتبط بالرجعية والعشائرية بحثا عن دور سياسي يتطلعون إليه.. تلك المؤسسات التي نذروا أنفسهم لمحاربتها عند مبتدأ ظهورهم .. هذا السلوك دفع بعض الطلاب للانحياز نحو اليسار إذ كان اليسار وقتها هو البديل المتاح.

كذلك إن الأحزاب السياسية التي ظهرت في الساحة وانقسم حولها مؤتمر الخريجين لم تكن تنطوي على نظرية سياسية للنضال ضد الاستعمار تستطيع أن تجذب لها قطاعات المثقفين وإنما كانت ترفع شعارات فضفاضة تفتقر إلى التفاصيل والسياسات والخطط والبرامج التي تستند عليها مثل شعارات- السودان للسودانيين - وحدة وادي النيل- فلم تشبع تلك الشعارات رغبة الشباب المثقفين للعطاء والنضال والثورة بل إن شعار " السودان للسودانيين" كان يقف وراءه الانجليز وشعار " وحدة وادي النيل " كان يقف وراءه المصريون.. لذلك وجد الكثيرون من المثقفين في شعارات الشيوعيين ضالتهم المنشودة حيث كانت الحركة الشيوعية تقدم فكرة مذهبية إيديولوجية ذات شعارات جذابة تنادى بوحدة الطبقة العاملة وإقامة المجتمع غير الطبقي وطرد الاستعمار من السودان، والتحالف مع الاتحاد السوفيتي نصير الشعوب المضطهدة فوجدت القطاعات الطلابية في مقولات الشيوعيين ونظرياتهم ضالتها المنشودة في وقت عنت فيه الشيوعية التقدم واللحاق بالعصر ، وفى وقت دمر فيه الاستعمار تماما مفهوم الدين والتدين في نفوس الجيل الجديد ، حتى أن الصلاة والصوم وكافة فرائض الدين ما كانت تعتبر من شأن المثقفين.

بل ما كان أحد من طلاب كلية غردون يجرؤ على الجهر بالآذان ، حتى الصلاة كان بعضهم يؤديها داخل غرفته في استحياء في هذا الظرف كانت قد شاعت في المؤسسات التعليمية أخلاق الغرب- السكر- الرقص- والتشبه بالغربيين في مظهرهم.

حركة التحرير الإسلامى

عندما وصل الأمر إلى ما ذكرناه سابقا من استهتار بقيم الدين وتنصل من التزاماته ومجاراته لأساليب الحياة الغربية مما استفز بعض عناصر الشباب المتدين الذي فكر في وسيلة للخلاص والإصلاح الديني والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. وكان على رأس هذه المجموعة بابكر كرار – محمد يوسف محمديوسف حسن سعيد- ومحمد محمد على حيث قرروا تكوين حركة إسلامية بالمحافظة سرية باسم " حركة التحرير الإسلامى وكان الدخول إليها يتم بعد أداء القسم بالمحافظة على سرية الانتماء.

هنا تبز ملاحظة تؤكد ما ذكرناه سالفا عن الاستهتار بقيم الدين والسخرية من المتدينين واستضعافهم ووصمهم بالرجعية وخلافه وما يؤكد ذلك هو بداية حركة التحرير التي اتخذت أمرين يؤكدان ذلك هما:

1- السرية .
2- أداء القسم بالمحافظة على سرية الانتماء.

وقد قامت صياغة دستور للحركة استنبط من كتاب محمد حسين هيكل " حياة محمد" وتأثرت حركة التحرير الإسلامى بمقولات وأطروحات حركة الإخوان المسلمين في مصر وتبنت كثيرا منها إلى أن انتهى بها الأمر إلى اتخاذ اسم الإخوان المسلمون ابتداء من العام 1954م.

استطاعت حركة التحرير الإسلامى أن تبعد الشيوعيين عن قيادة الطلاب وأن تحارب الأخلاق الوافدة الغربية وسط الطلاب كذلك استطاعت أن تخلق وعيا سياسيا وسط الطلاب.

عند تحويل كلية غردون إلى كلية جامعية استطاعت أنتحرك الطلاب في اتجاه خلق منبر جديد للطلاب، وهو اتحاد طلاب الكلية الجامعية بدلا عن مؤتمر الكلية، كما حالفها التوفيق في أن تستحوذ على كل مقاعد الاتحاد العشرة وأصبح أحد أعضائها وهو الطالب الرشيد الطاهر بكر رئيسا للاتحاد وأحمد الشيخ البشير سكرتيرا للاتحاد.

صحيح أن هناك آراء أخرى حول نشأة الاتجاه الإسلامى ودواعي النشأة سوف نذكرها تباعا في هذا السياق لكن الباحث يرقب ملاحظة جديرة بالوقوف عندها..

فإذا كانت الملاحظة الأولى مرتبطة بشيوع روح الغرب والتحلل من قيم الدين واستضعاف المتدينين مما حدا بحركة التحرير أن تبدأ حركة سرية يقسم المنتمون إليها على القسم بحفظ سرها والانتماء إليها.

لكن تبقى الملاحظة الثانية وهى سرعة التأثير القوى والفعال لهذه الحركة التي انتقلت من السرية إلى المجاهرة بالدعوة ومواجهة تيار التغريب وسط الطلاب وأن تطرح نفسها بديلا للحزب الشيوعي وسط الطلاب.

بل استطاعت أن تقنع غالبية الطلاب بطرحها مما جعلها تستحوذ على كل مقاعد الاتحاد العشرة وأن يصبح أحد قادتها الرشيد الطاهر بكر على قمة الجهاز النقابي الطلابي في العام 1955م، وقد تلي ذلك على رئاسة الاتحاد الجديد دورة 1959م عضو الحركة الإسلامية الطالب جعفر شيخ إدريس الذي أصبح رئيسا للاتحاد في الدورة التالية..

ارتباط الحركة الطلابية بجامعة الخرطوم

مما تقدم يتأكد ارتباط نشوء الحركة الإسلامية بالوسط الطلابي على وجه العموم وبجامعة الخرطوم على وجه الخصوص حيث تعتبر الجامعة هي المنشأ الحقيقي والفعلي للحركة الإسلامية في السودان، فيها اتخذت الحركة شكلها النهائي وتكونت أجهزتها التنظيمية وتبلور نمط القيادة لها وطرحت برامجها.

ثم من جامعة الخرطوم انطلقت لتؤسس فروعها في المجتمع السوداني، وفى هذا المجال يقول محمد عمر بشير :" تكونت جماعة الإخوان المسلمين بمصر والسودان على أساس من تعاليم وسنن الإسلام ودعا الإخوان المسلمون إلى إحياء التراث الإسلامى وإنشاء دولة إسلامية في جميع الأقطار التي تدين بالإسلام وإلى وحدة العالم الإسلامى ورفضوا صراحة الأيديولوجيات الأخرى وبوجه أخص الأيديولوجية الشيوعية كما حملوا حملة شعواء على الاتحاد السوفيتي .. ولما انتهى الحكم العسكري في أكتوبر/ 1964م عادت جماعة الإخوان المسلمين لممارسة نشاطها من جددي وتبلور نشاطها بوجه أخص في صفوف طلاب جامعة الخرطوم وأضحت معارضة الحزب الشيوعي والنظام الناصري هما الشاغل لجماعة الإخوان المسلمين بعد 1964م.

وهنا يلحظ الباحث أن محمد عمر بشير قد وصف حركة الإخوان المسلمين بأنها عادت لممارسة نشاطها بعد أكتوبر 1964م من جديد والباحث لا يرى أن نشاط الحركة قد انقطع حتى تواصله بعد 1964م بل يعتبر قمة نشاط الحركة في جامعة الخرطوم هو في الفترة التي سبقت ثورة أكتوبر واستمر ذلك إلى سقوط حكومة عبود حيث كان اتحاد طلاب جامعة الخرطوم تحت قيادة الاتجاه الإسلامى وكان رئيسه وقتها الطالب حافظ الشيخ الزاكى وعند اعتقاله خلفه الطالب ربيع حسن أحمدوهو ذات الاتحاد الذي أشعل فتيل ثورة أكتوبر حيث نظم الندوات وقاد المظاهرات هذا على مستوى الطلاب، أما على المستوى القيادي فقد كان حسن عبد الله الترابي الأمين العام للإخوان المسلمين أبرز المشاركين في ندوات التعبئة التي سبقت ثورة أكتوبر .. كما أن قيادة اتحاد الطلاب في الفترة الممتدة من 1958- 1964م كانت تحت قيادة الاتجاه الإسلامى.. حيث رفع الطالب جعفر إدريس رئيس اتحاد الطلاب بجامعة الخرطوم حينها مذكراته الشهيرة بتاريخ 10 ديسمبر للفريق إبراهيم عبود مطالبا فيها بعودة الحياة الديمقراطية.

في هذا السياق يذكر حسن مكي اندلاع ثورة أكتوبر التي قادها الاتحاد بقيادة الاتجاه الإسلامى- لجنة حافظ الشيخ وحينما اعتقل حافظ ولجنته تمت مواصلة قادة حركة الثورة بالتنسيق مع قيادات الشارع والتي كان أبرزها حسن الترابي العائد من فرنسا بعد نيله درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في القانون الدستوري والذي أهله دوره الكبير في قيادة حركة الثورة لقيادة الحركة العامة للاتجاه الإسلامى في كل السودان..

ونعود إلى الحديث عن ارتباط منشأ الحركة الإسلامية بالوسط الطلابي حيث يشير حسن الترابي إلى ذلك.." كان الطلاب أول وسط في المجتمع مسته نفحات الصحوة الإسلامية فكان مهد نشأتها وبيئتها الأولى وكان الميلاد الأول للحركة في قمة الوسط الطلابي بالجامعة ثم نزل إلى المرحلة الثانوية من المدارس" ، ويمضى حسن الترابي" كان الطلاب هم محور كل الحركة الإسلامية ولم تكن شعب الجماعة خارج المعاهد إلا فروعا خارجية للحركة الأصل في الجامعة.. فالتعليم وقتها كان يعنى الانسلاخ عن الدين لذلك لم يكن غريبا أن تنهال الحجارة على أول طالب يؤذن للصلاة في جامعة الخرطوم ويضطر الإسلاميون لحراسة المؤذن.. وكانت الصلاة قبل هذه الفترة تؤدى في الحجرات سرا لهيمنة اليسار وخوفا من الاحتقار والاضطهاد الذي يقابل به من يعرف أنه يصلى.. واستمرت المعركة سجالا بين الإسلاميين وخصومهم.

الحركة الطلابية لكونها منبت وأساس القيادة تتمتع باستقلال ذاتي مقدر وقد حفظ لها أن تدير هي شؤون عضويتها وتربيتها وأن يتميز بعنوانها " الاتجاه الإسلامى" وأوضاعها التنظيمية وأنماطها العملية وأن تختص في كثير من شؤونها بالمبادرة والقرار تتخذه وفق نظمها الشورية والتنفيذية".

كذلك ظل الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم عبر منشوراته وكتيباته التي يوزعها على الطلاب ظل يؤكد دوما على دوره الريادي في قيادة الصحوة الإسلامية في الجامعة، وعلى محاربته لتيار التغريب الذي كان يهيمن على الجامعة، وكذلك على وقوفه حاجرا قويا في انتشار الشيوعية والأفكار اليسارية وسط الطلاب ففي إحدى نشراته يشير إلى نشأته ودواعيها والظروف المحيطة بها التي كانت تسود الجامعة فيقول:

" في بداية 1952م اجتمعت مجموعة من الإسلاميين لتضع اللبنات الأولى لجماعة تعبد الله في هذه الجامعة بكل ما تحتوى كلمة عبادة من معاني.. ولم يكن الأمر سهلا إذ أن الفساد قد ضرب بأطنابه في الجامعة وأحدث فجوة واسعة بين الجامعة وطلابها من جانب وبين الشعب وأصالته من جانب فكانت الكلية – كلية غردون- برجا لا يستنهض الأمة ولا يعكس آمالها أو يحكى آلامها ولم يكن الشعب ليميز بين طلابها والانكليز ولم يكن يثق فيهم جميعا وكان يكفى دخول الطالب لكلية غردون حتى يصطبغ بصبغة غربية السلوك يسارية المنهج فيصبح غريبا عن مجتمعه منعزلا عن همومه حتى زالت دولة اليسار بالجامعة وانداح المد الإسلامى مرفرفا خفاق".

وفى ذات الاتجاه يكتب أمين حسن عمر قائلا:" قد نشأت الحركة الإسلامية لأول وهلة استجابة لتحدى التعدي الاستعماري الذي نسخ شرائح الأمة وغير قيمها واستلب ثقافتها وألحقها بمؤخرة ركبه تدفع تقدمه الحضاري بجهدها وإمكاناتها المادية دون أن يكون لها أن تحدد للمسار غاية أو ترسم للركب طريقا أو تنشد له مقصدا. جاءت الحركة الإسلامية المعاصرة مسلحة بانفعال عظيم ضد الاستغراب الحضاري والاستلاب الثقافي والتتبيع الاقتصادي والسياسي، فأثارت الكوامن وحركت طاقات الشباب في حركة تعبوية عظيمة أعادت للناس الثقة في عقائدهم وشرائعهم وعرفتهم بالأخطار التي يستتبعها أتباع نصارى الغرب.

وفى موقع آخر يؤكد حسن الترابي هيمنة موجة التغريب والعلمانية والمد اليساري على معاهد العلم قبل طروء الحركة الإسلامية ثم يتحدث بعد ذلك عن الدور الذي لعبته الحركة الإسلامية في مواجهة تلك التيارات العلمانية.

فيقول الترابي" لعل من أعظم فضل الحركة الإسلامية الطلابية أنها هي التي تصدت مباشرة للغزو الثقافي الحضاري المتمثل في معاهد التعليم النظامية، فقد أسست تلك المعاهد في غالب فلسفتها لتستلب النشىء من تقاليد المجتمع وتعزلهم عن نمط حياته ولتكون في غالب تربية للالتزام العلماني والترخص الأخلاقي وبالفعل كانت الاتجاهات الليبرالية والشيوعية رائجة في الوسط الطلابي قبل طروء الحركة الإسلامية كما شاعت بعض ظواهر الفساد السلوكي ولكن الحركة الطلابية الإسلامية أبطلت هذا التدبر وعكست تيار التغريب.. وإن لم تستطع أسلمة التعليم أو تغيير المناهج والأوضاع فقد بدلت مضمون الحياة الطلابية وأضفت عليها صور الالتزام الإسلامى والاستقامة الخلقية وجندت غالب قوة الحركة الطلابية لصالح الإسلام، أما في مجال الفكر فقد حركت الحركة قضايا الفكر في أوساط الطلاب فشغلتهم بالهموم المذهبية والوطنية وصرفتهم عن حياة تافهة، وكان الطلاب الإسلاميون في قيادة حركة التجديد الإسلامى".

وتؤكد ما ذهب إليه حسن الترابي بيانات الاتجاه الإسلامى التي كانت تصدر في المناسبات الوطنية والتي تؤكد فيها أهداف نشأة الجامعة وفلسفتها والنمط الغربي الذي يسود خطابها التعليمي ومنهجها الدراسي وكذلك تشير بيانات الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم بمناسبة الاستقلال إلى الهدف الذي انشأ من أجله الاستعمار كلية غردون:" لقد أراد المستعمر الغاصب أن تقوم جامعة الخرطوم بإحياء لذكرى غردون الذي اقتلعته الثورة المهدية وعصفت بدولته الاستعمارية، ولقد أراد لها الاستعمار أن تكون بؤرة تذكر فيها مبادئه الغربية وثقافته الوافدة وفكره الغريب عن جذور هذه الأمة وأصالتها الكريمة والقيم الفاضلة وتقاليد المجتمع السوداني التي تنبع عن جذور هذه الأمة وأصالتها الكريمة والقيم الفاضلة وتقاليد المجتمع السوداني التي تنبع من قيم الدين وأسس العقيدة الإسلامية .. ولكن الحركة الإسلامية بقيادة الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم قد خيبت فأله وأفسدت سياسته في الاستعمار الفكري والسياسي واستطاعت أن تخلق تيارا إسلاميا مؤثرا وأن تجعل منها قلعة إسلامية أصيلة".

أما اتحاد طلاب جامعة الخرطوم فقد سار على ذات النهج عندما أصدر كتابه عن سيرة الاتحاد فقال :" فإنك إذا ذكرت لك جامعة كمبردج مثلا تمثلت لك صورة الأمة الانكليزية بطبعها الحاضر.. أما إذا ذكرت لك جامعة الخرطوم فسوف تتمثل لك صورة نصفها لحضارة الانكليز وذلك إلى زمن قريب إن لم يكن زماننا هذا وما ذاك إلا لأنها بنيت على خارطة كنيسة وفق منهج ليبرالي يسخر كل الإمكانات ليجعل منها جامعة بلا هوية أو هويتها الغرب يعرض فيها كل الفكر إلا الإسلام.. وتضطهد فيها كل اللغات إلا الانكليزية .. الدخول إليها امتياز والخروج منها تميز والعمل فيها أمنية حتى صار خريجوها طبقة لنماذج خريجي الجامعات الأخرى وإن عظمت ورغم ذلك تبقى القضية الأساسية ، وهى أنها جامعة تبحث عن هويتها وتطالب بمعرفة شخصيتها .. صحيح أنها جامعة سودانية قومية ولكن هل تكون للسودان قومية بدون مقومه الأساسي وهو الإسلام فإلى أي حد تستبعد هذه الجامعات للسودان لغة أهل السودان .. ولماذا تصر على دراسة تاريخ وجغرافية السودان بلغة الانكليز وآرائهم؟ وإذا كانت مهمة الجامعة هي أن تفتق طاقات الأمة فكيف تفعل ذلك هذه الجامعة وبينها وبين الأمة أمدا بعيدا ".

الاتجاه الإسلامى إبان الفترة المايوية 1969- 1977م

عندما جاء انقلاب مايو في صبيحة 25 مايو 1969م كان الصراع في جامعة الخرطوم على قمته بين الاتجاه الإسلامى وتنظيمات اليسار، جاءت مايو بوجهها اليساري السافر وكانت عبارة عن تحالف بين الشيوعيين والاشتراكيين والناصريين مع تنظيم الضباط الأحرار بالمؤسسة العسكرية.

ولما كانت طبيعة الثورات والانقلابات العسكرية أنها تحتاج إلى سند شعبي وموطئ قدم في أوساط النخب والصفوة لذلك جاء انقلاب مايو ليرفد ويقوى التيار اليساري داخل الجامعة إذ أن ثورة مايو جاءت كتيار معارض لحركة الدستور الإسلامى وكرد فعل لحل الحزب الشيوعي السوداني سنة 1968م.

أرادت السلطة أن تصفى حساباتها مع التيار الإسلامى بجامعة الخرطوم والذي يعتبر رأس الرمح في أي حركة سياسية مناوئة أو تحرك شعبي معارض..

لذلك أرادت سلطة مايو أن تقهر هذا التيار مبكرا حتى تلتفت إلى غيره من شئونها.. فباركت السلطة اليسارية الوليدة- إمعانا في الاستفزاز والتحدي للإسلاميين – إقامة حفل للفنون الشعبية في قاعة الاجتماعات بحضور أعضاء مجلس الثورة، كبديل وثأر للحفل الذي أوقفه أعضاء الاتجاه الإسلامى في العام 1968م – وهو ما عرف عند الاتجاه الإسلامى بحوادث" رقصة العاجكو".

كذلك ملئت الجامعات باللافتات والشعارات والدعايات المناوئة لحركة الاتجاه الإسلامى بصورة استفزازية مليئة بالتحرش والوعيد الذي يفهم من صياغة الشعارات- وبالرغم من ذلك ما أن جاءت انتخابات الاتحاد حتى سجل الاتجاه الإسلامى أكبر انتصار له في ظل الاتحاد النسبي إذ أحرز (19) مقعدا من أربعين مقعدا بينما أحرزت بقية الأحزاب من يساريين وحزب أمة واتحاديين ما تبقى من مقاعد الاتحاد الأربعيني .. حيث تسلم الطالب على عثمان محمد طه ( اتجاه إسلامي) رئاسة الاتحاد..

جاء اتحاد على عثمان في ظروف صعبة ومقعده داخل الجامعة وخارجها فداخل الجامعة مثل الشيوعيون واليساريون سندا قويا للسلطة الحاكمة وكذلك الأساتذة الاشتراكيون – كما سيرد لاحقا- وخارج الجامعة تمثل السلطة الحاكمة قمة العداء للتيار الإسلامى الذي اعتقلت قياداته خارج الجامعة وتحين الفرص للانقضاض على أنصاره وعضويته داخل الجامعة من طلاب وأساتذة فكانت السلطة بالخارج واليساريون بداخل الجامعة يتحينون الفرصة للانقضاض على الاتحاد الذي أصبح تحت قيادة الخصم التقليدي لليسار.

فصل الأساتذة

حانت الفرصة عندما أعلنت سلط مايو فصل ثلاثة عشر أستاذا من جامعة الخرطوم بحجة أنهم يمثلون التيار الرجعى، وقد أعلن وقتها رئيس مجلس قيادة الثورة :" إن يد القانون سوف تدخل أى مكان لإيقاف الخونة والمجرمين وأعداء الثورة".

أما الإسلاميون واتحاد الطلاب فقد رأوا في فصل الأساتذة انتهاكا صارخا لحرية الجامعة واستقلالها الأكاديمي حيث كانت جامعة الخرطوم تعتبر قلعة للفكر والحرية ولها شخصيتها الاعتبارية المستقلة ولا يجوز التدخل في شئونها الداخلية من أي جهة كانت .. لذلك كان من الطبيعي أن يبادر الاتحاد وأن يمسك بزمام المبادرة وأن يعلن معارضته لفصل الأساتذة ، وهذا ما فعله بالضبط، إذ قام بإنزال توصية لقاعدته الطلابية بالإضراب لمدة ثلاثة أيام احتجاجا على فصل هؤلاء الأساتذة وهنا يرى حسن مكي" وهنا لجأ اليساريون متحالفين مع إدارة الجامعة إلى تخويف الطلاب وإرهابهم بالفصل والتشريد إن هم وقفوا إلى جانب التوصية مما أدى إلى سقوط التوصية بعدد أصوات وهنا انتهز اليساريون والحكومة من ورائهم الفرصة لتصفية حساباتهم مع الاتحاد فقاموا بتسيير موكب من الجامعة إلى وزارة الداخلية التي كان يتولاها المقدم فاروق حمد الله هاتفين " سقطت سقطت يا حمد الله" ثم عادوا بعد ذلك وقدموا استقالاتهم – من الاتحاد- لمشرف الطلاب مما أحدث انهيارا دستوريا في مجلس الاتحاد وقامت الإدارة فورا بحل الاتحاد وقامت السلطة إثر ذلك بمطاردة واعتقال أعضاء الاتجاه الإسلامى من داخل الحرم الجامعي".

ويلاحظ الباحث أنما قامت به سلطة مايو لم يكن مستغربا في دول العالم الثالث عموما فالانقلابات العسكرية والثورات عموما تلجأ إلى تأمين نفسها وذلك عن طريق القضاء على خصومها إن كانوا خصوما عقائديين يختلفون معها في الأصول فالقضاء عليهم إما أن يكون نهائيا بالتصفية الجسدية أو يكون قضاء على نشاطاتهم وذلك بالحظر والاعتقال ..

أما الذين يختلفون معها اختلافا عموميا في فرعيات وعموميات السياسة فيمكن أن تصل معهم إلى مصالحات واتفاقيات تضمن بها ولاءهم أو حيادهم.

أما بالنسبة للاتجاه الإسلامى فإن عداءه للتيار اليساري الحاكم يقع في خانة العداء التاريخي العقائدي والمنهجي فكل واحد منهم يمثل العدو التقليدي للآخر ونلحظ ذلك بأن أول من دخل سجون مايو من السياسيين هم قادة الحركة الإسلاميةحسن الترابي- يس عمر الإمام – صادق عبد الله عبد الماجد.. الخ.

لذلك كان طبيعيا أن تسعى سلطة مايو إلى تأمين نفسها بكل السبل التي تكلفها لها الشرعية الثورية التي تعتمد عليها سيما وأن اليساريين بخصوص الجامعة قد رفعوا شعارهم المشهور " لن تظل الجامعة جزيرة للرجعية وسط مد ثوري هادر " قاصدين بذلك تصفية مؤسسات الجامعة النقابية والأكاديمية من عناصر الحركة الإسلامية أو عناصر " الثورة المضادة" أو " الرجعية " كما يسمونها.

وبالطبع ما فعلته سلطة مايو 1969 م فعلته الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني في إيران ضد حزب توده ومجاهدي خلق وفعلته ثورة الفاتح من سبتمبر ذات التوجه الناصري ضد الإسلاميين في الجماهيرية إلى درجة التصفية الجسدية في الميادين العامة وتفعله السلطة المصرية اليوم ضد خصومها من الإسلاميين وكذلك في الجزائر وتونس وفى معظم دول العالم الثالث وكذلك في السودان عندما قامت ثورة الإنقاذ سعت إلى تأمين نفسها عن طريق الاعتقال والإحالة للصالح العام في وسط المدنيين من خصومها وإلى مرحلة الإعدامات وسط العسكريين الذين قاموا بالمحاولة الانقلابية ضدها فكل الثورات تدرك عند اندلاعها من هم خصومها الحقيقيون الذين يشكلون خطرا عليها فتبدأ بهم تحييدا أو الوصل إلى تسوية معهم أو تصفيتهم نهائيا بكافة السبل الثورية تحت شعارات ( الشرعية الثورية) أو ( قانون الطوارئ).

سكرتارية الجبهات التقدمية

بعد سقوط توصية الاتحاد وسط طلاب جامعة الخرطوم وانسحاب الشيوعيين من مجلس الاتحاد وحل الإدارة له قام الشيوعيين بتكوين سكرتارية الجبهات التقدمية بديلا للاتحاد حيث تم عزل تيار اليمين منها عزلا كاملا وقد كانت تلك السكرتارية تمثل ذراعا للسلطة داخل الجامعة وقد كان من أقوى شعاراتها لتطهير الجامعة من الإسلاميين ووقف نشاطهم هو الشعار المشهور " لن تظل الجامعة جزيرة للرجعية وسط مد ثوري هادر " بل وفى ندوة أقامها اليسار في الجامعة تحدث فيها مرتضى أحمد إبراهيم- وقد كان وزيرا للري في مجلس وزراء مايو- قائلا" لن يرى الترابي النور بعد اليوم " وقد كان يومها الشيخ حسن الترابي حبيس سجون السلطة" .. وهنا يروى حسن مكي قائلا:" عندما جئنا على الجامعة ونحن طلاب جدد في يوليو 1970 م وذهبنا إلى لقاء مدير الجامعة بالطلاب الجدد وقف مدير الجامعة حينها عمر محمد عثمان وقال : إن الجامعة هي انحياز كامل لليسار وأنها لن تتوانى في ردع أي تخريب يميني ، وأشار إلى الجالسين وراءه هم اتحاد الطلاب.. وهنا قام أحدهم وقال : أنهم ليسوا اتحاد الطلاب وإنما هم سكرتارية الجبهات التقدمية وهم البديل التقدمي للاتحاد وأنهم قرروا تماما عزل الأخوان وأشياعهم من الاتحاد وأنه ليس هنالك مصالحة أو مهادنة مع اليمين ".

في ذلك الجو المتوتر كان الكثير من قيادات الاتجاه الإسلامى بالسجن أمثال جعفر ميرغني، عبد الرحيم علي ، محمد عبد الله جار النبي وخلافهم.

احتلال الجامعة مارس 1971م

وسط هذه الأجواء المتوترة أعلن النميرى ما عرف بخطاب حنتوب فى مارس 1971م والذي أعلن فيه أن الجامعة سيتغير فيها نظام الإعاشة والتسسير وأنها ستتبع لوزارة التربية.. كان الوضع على مستوى العلاقة بين الشيوعيين وسلطة مايو متوترا لكنه لم يصل إلى مرحلة الفصام النهائي والقطيعة البائنة إذ تمت إقالة ثلاثة أعضاء من مجلس قيادة الثورة هم فاروق عثمان حمد الله- هاشم العطا وبابكر النور كما تم القبض على عبد الخالق محجوب وتم إرساله إلى مصر فاهتز موقف الشيوعيين في الحكومة فأرادوا أن يستثمروا ورقة الجامعة والضغط بها على الحكومة، هنا أصدر الاتجاه الإسلامى بالجامعة بيانا سياسيا رفض قرارات حنتوب وخطاب النميرى وأكد فيه أن التغيير يأتي من الجامعة وليس من خارجها ودعا في بيانه إلى وحدة الطلاب وتكوين جبهة طلابية لمقاومة ذلك..

لكن الشيوعيين رفضوا بيان الاتجاه الإسلامى وقالوا لقد انتهى زمن التفاوض مع اليمين .. في هذه الظروف السياسية المتداخلة تكون ما عرف بجبهة وحدة الطلاب والتي أشترك فيها الطلاب الجنوبيون والمستقلون والاتجاه الإسلامى وحزب الأمة واستطاعت أن تقود الطلاب ، ثم قررت جبهة وحدة الطلاب بعد ذلك احتلال الجامعة وكان هذا أول تحد يواجه السلطة العسكرية..

أما الشيوعيون فقد اعتبروا احتلال الجامعة من قبل اليمين هي الفرصة السانحة للسلطة لتصفية اليمين من الجامعة حيث خرج اليساريون من الجامعة في موكب إلى وزارة الداخلية وجاءوا بعد قليل وهم يمتطون ظهور الدبابات برفقة الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم واللواء خالد حسن عباس وهم يهتفون :" اضرب اضرب يا أبو القاسم بالحسم الثوري يا خالد" بينما هتف الطلاب من داخل ا لجامعة :" رجال الجامعة داخل الجامعة.. الوحدة الوحدة يا طلاب" ولما رأت القيادة العسكرية تماسك الطلاب وأن اقتحام الجامعة سيكلف الكثير من الأرواح والممتلكات حينها دخلت في حوار مع الطلاب انتهى بالموافقة على شروط جبهة وحدة الطلاب.

وحول حادثة احتلال الجامعة يروى صديق يونس أحد الطلاب الذين نظموا الإضراب يومها الآتي:" حدث احتلال الطلاب الوطنيين للجامعة في 11 مارس 1971م فحمل الطلاب السلاح وقنابل الملتوف مستقلين سطوح مباني الجامعة بينما تجمع الشيوعيون واليساريون خارج الجامعة على شارع الجامعة بقيادة أبو القاسم محمد إبراهيم وخالد حسن عباس وأحاطوا بالدبابات مهددين بأنهم سيقتحمون الجامعة ويفتحونها عنوة كما فتحوا من قبل الجزيرة أبا .. وأخذ الشيوعيون يرددون الهتافات المستفزة لمشاعر الطلاب محرضين أبو القاسم محمد إبراهيم وخالد حسن عباس :" اضرب اضرب يا أبو القاسم"، " حاسم حاسم يا أبو القاسم" فرد عليهم الوطنيون داخل الجامعة :" رجال الجامعة داخل الجامعة" ، " طلاب الجامعة داخل الجامعة" كما ردوا على أبو القاسم محمد إبراهيم بأن الجامعة لن يدخلها إلا من هم أهل لها بالشهادة والمؤهلات المطلوبة وهنا انطلقت الزغاريد من الطالبات الباسلات اللائي كن يقفن في مواجهة الدبابات المصطفة في شارع الجامعة فأشعلت تلك الزغاريد حماسة الطلاب وصعدت بمعنوياتهم فاكفهر شارع الجامعة بلهيب الحرب.. في هذه اللحظة تدخل الوطنيون من الأساتذة وعلى رأسهم برفوسور مصطفى حسن إسحاق نائب مدير الجامعة واجتمعوا بأبي القاسم وخالد حسن عباس فنادى الأساتذة محذرين بأن أي اعتداء وضرب لمباني الجامعة سينتج عنه تفجير المعامل والمختبرات التي تحتوى على متفجرات ومواد حارقة قابلة للاشتعال وسيمتد الدمار والخراب لكل الخرطوم والكباري والمنشآت العامة والخاصة.. وانتهى الأمر إلى هدنة.

ولكن الأستاذ / يحيى الحسين يرى أن موقف السلطة تجاه الحركة الطلابية قد مر بأربعة مراحل هي :

(1) المرحلة الأولى:
وتبدأ من 69 إلى 1971م وفى هذه الفترة كان غرض النظام الكلى هو قهر خصومه ومعارضيه في الجامعة وفد أعلن رئيس مجلس قيادة الثورة أن يد القانون سوف تدخل أي مكان لإيقاف الخونة والمجرمين وأعداء الثورة.
(2) المرحلة الثانية 1971- 1973م:
وهذه الفترة تبدأ بالمحاولة الانقلابية الشيوعية عام 1971م وتستمر حتى شهر 8/ 1973م وفى تلك الفترة فقد النظام حليفه الأساسي وهو الحزب الشيوعي كما بدأ النظام في التحول من اليسار إلى اليمين وهنا قلت حدة الصراع خارج الجامعة وقد ألقت هذه الظروف بظلها على داخل الجامعة وبدأ حديث الطلاب حول إرجاع اتحادهم وتكونت لجنة لتعطى مشورتها حول قضية الاتحاد ودستوره، وقد قدم اقتراح للجمعية العمومية الطلابية للتصويت على خياري الانتخاب الحر المباشر والتمثيل النسبي ففاز دستور الحر المباشر أو في عام 1972م قامت الانتخابات لينال الاتجاه الإسلامى والجبهة الوطنية، والجبهة الوطنية الإفريقية جميع المقاعد وهو ما عرف باتحاد أحمد عثمان المكي- وهنا أيد الاتحاد خطوات أديس أبابا نحو تحييد الطلاب وعدم الدخول في صراع مباشر معهم.
(3) المرحلة الثالثة 8/1973- 1977م:
وهذه الفترة تبدأ بعد انتفاضة شعبان 1973م في هذه الفترة أراد النظام أن يكسب المعركة ضد خصومه في الجامعة عن طريق جر الطلاب إي تنظيم الاتحاد الاشتراكي السوداني، وقد تم إنشاء فرع له في الجامعة في هذه الفترة تم حل الاتحاد أكثر من مرة وحاول النظام أحلال فرع الاتحاد الاشتراكي محل النظام.
(4) الفترة الرابعة:
وهى تبدأ منذ سنة 1977م وهى فترة المصالحة الوطنية التي تعرف فيها النظام بالاتحاد وتعاون معه أحيانا وقد اكتسبت نشاطاته السياسية قدرا من الشرعية وهنا بدأ الاتحاد يركز اهتمامه على القضايا غير السياسية .

هنا يلاحظ الباحث عدة ملاحظات حول ما دار في هذا الفصل وهى:

(1 ) في غمرة الفرح ونشوة الانتصار باستلام السلطة في السودان ارتكب الشيوعيون أخطاء إستراتيجية وقاتلة أدت إلى إحداث عزلة بينهم وبين معظم الطلاب قاد ذلك إلى حرمانهم من قيادة الاتحاد منذ نهاية 1969م، وقد تمثل ذلك التحدي والاستفزاز لمشاعر الطلاب في الآتي:
1- الولاء السافر لسلطة مايو والتحدث باسمها وترصد كل من يعاديها علاوة على الاستفادة من قوة السلطة لتصفية حساباتهم مع خصومهم السياسيين .
2- السعي لحل اتحاد الطلاب المنتخب من قبل الجمعية العمومية الطلابية وفرض سكرتارية الجبهات التقدمية على الطلاب بشكل بوليسي وإرهابي.
3- عزل كل ما لا ينتمي لليسار من الالتحاق بالسكرتارية بحجة الرجعية وإعلان أن لا مكان للرجعية وسط مد ثوري هادر وأن " الجامعة يسار .. يسار ولا مكان لليمين الرجعى".
4- تأييد فصل الأساتذة من الجامعة ومباركة ذلك الفصل والدفاع عنه.. وهنا يمكننا أن نستعرض بعض فقرات البيان الذي أصدرته الجبهة الديمقراطية بخصوص فصل الأساتذة .. إذا أصدرت الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم بيانا بتاريخ 30 فبراير 1969م أيدت فيه فصل الأساتذة الجامعيين وأدانت دفاع الاتحاد والإخوان عنهم.. جاء فيه :" قام مجلس قيادة الثورة بفصل اثني عشر أستاذا من الجامعة مدشنا بذلك حركة التغيير فيها وتعالت إثر ذلك الصرخات تستنكر فصل ( الكفاءات ) وإبعاد ( الرؤوس المثقلة بالعلم والمعرفة) واجتمعت الجنة التنفيذية وأصدرت إنذارها ومذكراتها المجهولة المصير وحاول الإخوان استغلال هذا الموقف للتعبئة السياسية لمواجهة النظام مستعملين حججا لا تصمد للحظة واحدة أمام الاختبار فالحجة الأساسية التي يرتكزون عليها هي أن التغيير يجب أن يحدث من الداخل ومن الذي لا يعرف بؤس هذه الحجة فاليمين يحتل مراكز قوة داخل الجامعة تؤهله لمقاومة اى تغيير ".
5- أراد الشيوعيون تصفية حساباتهم مع خصومهم السياسيين بالدبابات التي وقفوا خلفها وهم يهتفون اضرب اضرب يا أبو القاسم .. بالحسم الثوري يا خالد.. أمام آلاف الطلاب مما اعتبر نقطة سوداء في سجل حركة الشيوعيين في الجامعة.
6- تجاهل الشيوعيون أقدار التاريخ التي ليس فيها ديمومة أو ثبات لجبهة ما في السلطة بل لعلهم حسبوا أن سلطة مايو هي سلطة البروليتاريا التي ظلوا يبشرون بها ,أنها أبدية سرمدية، لذلك تعاملوا وفق هذا الواقع وبهذا الأسلوب .. وكان بإمكانهم أن يديروا معادلة متزنة لا تثير الطلاب ولا تستفزهم وأن يتركوا أمر سياسات التصفية والعزل- إن كان لابد – للحزب خارج الجامعة. من جانبه كان الاتجاه الإسلامى يسجل ويرصد تلك المواقف للجبهة الديمقراطية في الجامعة من تأييد للنظام المايوى وتأييد فصل الأساتذة وفرض سكرتارية الجبهات التقدمية وتحريض السلطة لضرب الطلاب بالدبابات..
7- إذا كانت مواقف الجبهة الديمقراطية تلك قد حرمتها من قيادة الاتحاد منذ عام 1969م وحتى عام 1986م فإن ذات المواقف قد كانت عاملا مهما من عوامل تطور الاتجاه الإسلامى السياسي بجامعة الخرطوم.

فالصراع في الجامعة كان صراعا عقائديا أيديولوجيا بين الإسلاميين والشيوعيين وكانت الهيمنة والسيطرة في بادئ الأمر للشيوعيين وكانت الشيوعية تيارا مقبولا وسط الطلاب لكن مواقف الشيوعيين آنفة الذكر أدت إلى تأرجح كفة الميزان السياسي لصالح الإسلاميين وبالطبع فإن تأرجح كفة الميزان السياسي لصالح الاتجاه الإسلامى له أسباب كثيرة وهامة لكن مواقف الجبهة الديمقراطية كانت من أهمها وذلك لعاملين هما :

أ‌- مواقف الجبهة الديمقراطية صنفتها في خانة العمالة للسلطة ومعاداة الطلاب والظهور بمظهر المتسلط مما عزلها عن الطلاب الذين أصبحوا أقرب إلى برنامج ومواقف الاتجاه الإسلامى وإلى قيادته.
ب‌- نتج عن مواقف الجبهة الديمقراطية ضد الإسلاميين من استفزازات واعتقالات وتشريد نتج عن ذلك ظهور قيادة إسلامية قوية تصدت للمعارضة ولقيادة الطلاب وأصبحت قيادات معروفة وذات شعبية كبيرة، قادت بعد ذلك العمل السياسي في الجامعة لحقبة كبيرة ومستمرة وفى ظل تلك القيادات ظهرت قيادات جديدة ومن تلك القيادات جعفر ميغنى ، عبد الرحيم على ، على عثمان محمد طه، محمد عبد الله جار النبي، محمود شريف، أحمد عثمان المكي، داود يحيى بولاد، التجانى عبد القادر، محمد عثمان محجوب، المعتصم عبد الرحيم الحسن، وهكذا توالت القيادات جيل بعد جيل .. الخ.

يلاحظ أيضا أن الجبهة الديمقراطية لم تكن وحدها في الجامعة التي تناصر السلطة الحاكمة وتؤيد وتبارك فصل الأساتذة من الجامعة بل قد سار معها في ذات الطريق تنظيم الأساتذة الاشتراكيين بجامعة الخرطوم والذي أصدر بيانا يؤيد فيه فصل زملائهم الأساتذة بتاريخ 9 ديسمبر 1971م نقتطف منه:" لقد ظلت جماهير شعبنا منذ ثورة أكتوبر ترفع شعار تطهير عناصر الثورة المضادة والفاسدة والتي كانت تعمل تحت حكم أمرة الحكم الرجعى للأحزاب الرجعية المبادة والتي ما زال بعضها يتبوأ مراكز في مختلف المؤسسات، وجاءت ثورة الخامس والعشرين من مايو لتؤكد ضرورة التطهير كإجراء ثوري ووضعت له أسسا محددة منها العداء للثورة ومنها الجمود ومنها الفساد بجميع أشكاله، وعليه فإن إبعاد خمسة من هيئة التدريس بالجامعة مساء 3 ديسمبر 1970م كان تطبيقا لتلك الأسس وتأكيدا لرغبة في إزالة كل المعوقات التي تقف في طريق تطوره ومسيرته لبناء الاشتراكية".

موقف النقابات داخل الجامعة من فصل الأساتذة

أما تجمع العاملين بالجامعة فقد أصدر بيانا بتاريخ 9 ديسمبر 1970م حمل أسماء وتوقيعات النقابات الآتية:

أ‌- نقابة عمال الجامعة / أسعد مختار .
ب‌- نقابة موظفي الجامعة / مختار الأمين.
ت‌- التنظيم الاشتراكي للأساتذة السودانيين بجامعة الخرطوم ، محمد الأمين التوم.

نقتطف منه : " لقد سبق لنا أن عبرنا عن وجهة نظرنا في تحركات قوى اليمين داخل الجامعة ابتداءا من ثورة أكتوبر وما بعد ثورة مايو الظافرة وقد نبهنا في كل بياناتنا إلى أسلوب اليمين المتستر وراء استقلال الجامعة كما أشرنا بوضوح بأن عزل العناصر المناوئة والمفسدة من الجامعة هو الطريق الوحيد لضمان سير الجامع في ركب الثورة، وانطلاقا من هذا الموقف الثوري الأصيل أيدنا التطهير الذي تم في الجامعة من قبل والذي تم مساء 3 ديسمبر 1970م بإبعاد خمسة من أعضاء هيئة التدريس لأسباب تتصل أساسا بمستقبل هذه الثورة وتأمين سلامتها وتأكيد سيرها".

لم يكن الاتجاه الإسلامى الذي يصنف وفقا لهذه المواصفات في خانة العداء للثورة وفى خانة الرجعية الواجبة التطهير لم يكن مواجها بالسلطة لوحدها وإنما بأنصارها من طلاب وأساتذة بالجامعة وعمال وموظفين كما تشير بيانات نقاباتهم..

لكن الوضع سرعان ما تبدل لغير صالح كفة الشيوعيين سياسيا وذلك عندما دبر الحزب الشيوعي انقلابه الفاشل على نظام نميرى 1971 م وذلك بعد أن قام النظام بعزل ثلاثة من أنصار الحزب الشيوعي هم هاشم العطا وبابكر النور و[بفاروق عثمان حمد الله]]، كما قام النظام باعتقال عبد الخالق محجوب السكرتير العام للحزب الشيوعي وتم إبعاده إلى مصر عندئذ بدأت المواجهة بين نظام النميرى وكوادر الحزب الشيوعي المدنية والعسكرية والطلابية.

وشهدت الساحة السودانية الإعدامات رميا بالرصاص لكوادر الحزب الشيوعي العسكرية والشنق لبعض كوادره المدنية والاعتقالات لمعظم قياداته الطلابية وهنا حدث التحول الجذري في حياة الرئيس النميرى كليا حيث انتقل من اليسار إلى اليمين كما خف الصراع بين السلطة والإسلاميين لعدة أسباب منها:

أ‌- خروج التيار الشيوعي إلى دائرة المعارضة إذ كان ذلك التيار يؤجج العداء بين السلطة والإسلاميين وبقية الأحزاب الطائفية .
ب‌- ربما أراد النميرى أن يستفيد من عداء الإسلاميين للشيوعيين ويستعمله ترياقا ضد الشيوعيين على قيادة الحركة الطلابية، وهذا ما حدث رغم أن النميرى لم تكن له يد في ذلك ولكن التسلسل المنطقي للأحداث أدى إلى عزل الشيوعيين من قيادة الطلاب. لكن مهادنة الإسلاميين للنظام لم تستمر طويلا إذ تعتبر أهم الأحداث التي أعقبت ذلك حتى مجيء المصالحة الوطنية في 7 يونيو 1977م هي :
أ‌- انتفاضة شعبان 1973م.
ب‌- أحداث الاتحاد الاشتراكي.
ت‌- حركة 2 يوليو 1976م.

ثورة شعبان

ترتبط انتفاضة شعبان 1973م بحركة المعارضة التي تقودها الجبهة الوطنية المعارضة لنظام نميرى بالخارج وأنصارها بالداخل.

وقد كان اتحاد طلاب جامعة الخرطوم يمثل رأس الرمح في معارضة ا لنظام بالداخل وكان الاتحاد تحت قيادة الاتجاه الإسلامى وكان يرأسه حينها الطالب أحمد عثمان المكي.. ففي تاريخ 11 يونيو 1973م أصدر اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بيانا بتوقيع أحمد عثمان المكي رئيس الاتحاد أعلن فيه أن هذا العام هو عام الحسم مع النظام وحذر قائلا:" عن الأمر لم يعد يحتمل التأخير والتأجيل فالجائع لا يحتمل الصبر أكثر من ساعات ، فليستعد كل منكم لتحمل دوره الموكول على عاتقه، ولنكن عند حسن ظن شعبنا بنا نسأل الله أن يجعل هذا العام حافلا وحاسما وأن يوفقنا لنقوم بمسؤوليتنا التاريخية وأن نضيف إلى أمجاد هذا الشعب مجدا آخر".

لقد كانت انتفاضة شعبان عظيمة اشتركت فيها كل مدارس السودان ومعاهده وجامعاته في مظاهرات عنيفة اضطرت النائب لرئيس الجمهورية حينها محمد الباقر أحمد إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد واضطرت الرئيس النميرى الذي كان خارج البلاد، إلى أن يقطع زيارته ويعود للسودان لمتابعة الأمر.

القصة الكاملة لثورة شعبان 1973م

تولت ( لجنة المسائل الطلابية) الإشراف على إجراء الانتخابات التي انحصر التنافس فيها بين قائمتين :

1- قائمة الجبهة الوطنية، وتضم تنظيمات : الجبهة الوطنية الإفريقية ، الاتجاه الإسلامى، الأنصار والاتحاديون.
2- قائمة القوى اليسارية:

وجاءت نتيجة الانتخابات كما يلي:

عدد طلاب الجامعة 4285 طالبا.
عدد الطلاب المصوتين 3633 طالبا.
نسبة التصويت 84,79% .

وفازت قائمة لجبهة الوطنية بجميع مقاعد المجلس الأربعيني للاتحاد كما يلي :

1- الاتجاه الإسلامى 24 مقعدا.
2- الجبهة الوطنية الإفريقية 8 مقاعد .
3- الأنصار الاتحاديون 8 مقاعد.

ومن ثم اختير الطالب أحمد عثمان المكي- رئيسا للاتحاد.

الطالب / تاج السر مصطفي مديرا للمجلس الأربعيني.

وفيما يلي أسماء أعضاء المجلس الأربعيني للاتحاد دورة 72- 73 م :

1- فتحي خليل محمد.
2- أحمد عثمان مكي.
3- تاج السر مصطفى .
4- بشير آدم رحمة.
5- وليم بيور دون.
6- التجانى سراج.
7- ابتسام حسن الطيب.
8- فيصل خضر مكي.
9- حسن مكي محمد أحمد.
10- أحمد صديق عمارة.
11- آسيا محمد .
12- سيد عمر كمبال .
13- الهادي أحمد خليفة.
14- مالك منير.
15- مكي يوسف .
16- تاج الدين الشريف.
17- عباس برشم.
18- عبد الله عشميق .
19- على شمار .
20- سعيد نصر الدين سعيد.
21- علاء الدين زين العابدين.
22- كلتوم أبو القاسم حاج حمد.
23- شارلس ماجاك السير.
24- أحمد عباس محمد.
25- هنري ماكنج.
26- محمد الحسن أحمد بابكر.
27- حامد بشير حامد.
28- سايمون الحاج.
29- سيف الدين محمد أحمد.
30- إبراهيم على محجوب.
31- عبد الرحمن محمد مكين.
32- أحمد عبد القادر صالح.
33- محمد صالح عبد الرحيم.
34- شقاى متات .
35- إسماعيل محمد أحمد.
36- محمد حامد آدم.
37- كلمنت ليقى.
38- سايمون مانوجا.
39- محمد آدم أحمد سعيد.
40- يوانس ماجوك.

ثم تكونت اللجنة التنفيذية للاتحاد كما يلي:

1- أحمد عثمان مكي: رئيسا للاتحاد.
2- عباس برشم : السكرتير العام.
3- عبد الرحمن محمد مكين: نائب السكرتير العام.
4- سايمون الحاج: سكرتير الشئون الخارجية.
5- فتحي خليل : سكرتير الشئون الاجتماعية.
6- حسن مكي محمد أحمد: سكرتير الشئون الثقافية.
7- فيصل خضر مكي: سكرتير الشئون الأكاديمية .
8- شارلس ماجاك: سكرتير شئون الدار.
9- مالك منير :سكرتير الشئون الرياضية.
10- التجانى سراج.

مع بداية دورة الاتحاد الجديدة ، اتجه الاتحاد إلى تأسيس مكاتب له، كما استطاع الاتحاد أن يقنع إدارة الجامعة بزيادة ميزانيته من أربعة آلاف إلى ثمانية آلاف جنيه، ويعتبر هذا بمثابة إنجاز كبير لاتحاد جديد يعد نفسه لنشاطات كبيرة في المجتمع. كما استطاع الاتحاد الوليد أن يحصل على مقاعد له لتمثيل الطلاب في كل من مجلسي الأساتذة والجامعة وهى أعلى أجهزة إدارية بجامعة الخرطوم.

ثم اتجه الاتحاد إلى التعبير علنا موضحا موافقة للرأي العام تجاه مجمل القضايا المطروحة على الساحة مثل:

1- قضية الدكتاتورية والتسلط.
2- إطلاق حريات الصحافة والتنظيم والتعبير عن الرأي والعقيدة وحرية التجمع حسب ما جاء في ميثاق 1964م والذي اتفق عليه ممثلوا الجبهة القومية الموحدة مع ممثلي القوات المسلحة في 27 أكتوبر 1964م.

ثم توالت الأحداث لتقوم السلطة بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة ضد الطلاب الشيوعيين عقب فشل المحاولة الانقلابية التي قادها الرائد/ هاشم العطا انتهى اللقاء بموافقة الرئيس لإطلاق سراح الطلاب المعتقلين في نهاية شهر نوفمبر 1972م.

ثم جاء عام 1973م ليحمل في داخله بذرة ثورة كادت تطيح بالنظام.

ثورة شعبان ( أغسطس 1973م):

عند استئناف الدراسة بجامعة الخرطوم – عقب العطلة الرسمية – في يوليو 1973م بدا واضحا للمراقبين أن الصحف الحائطية بدأت خطة للتعبئة السياسية ضد النظام القائم. وكثرت المنشورات المعارضة لحكم الرئيس جعفر نميري وأصدر الاتحاد بيانا يهاجم فيه السلطة ويحرض فيه الطلاب للثورة على السلطة والاستعداد لخوض معركة كبرى.. جاء ذلك في البيان الذي تلاه رئيس الاتحاد "أحمد عثمان مكي" بتاريخ 11/ 7/ 1973م والذي جاء فيه ما يلي: ( إننا لا نود هنا أن نعدد المشكلات التي تواجه الطلاب فهي لاتحصى ولا تعد ولا نود أن نحدد مناطق معينة فالبلاد م، أقصاها إلى أدناها تعيش أياما سوداء لا تستثنى مرفقا واحدا من مرافق الدولة فالخراب قد أصاب كل مرفق، والنظام كله منها إن تعدد المشكلات لا يعنى هذا الشعب المسكين ولا يطعمه ولا يسقيه، فالمهم هو أن تعلموا أن عيون الشعب كلها تتجه نحوكم أنتم، ترتجى على أيديكم ، وترتقب تحرككم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إن كان ثمة شيء قد تبقى لإنقاذه .

إن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل والتأخير، فالجائع لا يحتمل الصبر أكثر من أيام والظامئ لا يحتمل أكثر من ساعات فليستعد كل منكم لتحمل دوره على عاتقه ولنكن عند حسن ظن شعبنا بنا. أما اتحادكم الذي تحمل المسئولية بوعي كامل بكل تبعاتها فهو على العهد العام وهو أقوى عزما وأصلب عودا لتحمل مسؤولياته التاريخية ولن يكون ذلك إلا بدعمكم ومساندتكم فاتحادكم هو أنتم وبكم ولكم، وأخيرا نسأل الله أن يجعل هذا العام حافلا وحاسما، وأن نوفى بمسئولياتنا التأريخية لنضيف إلى أمجاد هذا الشعب مجدا آخر وانتصارا إلى سجل انتصاراتنا في أكتوبر ومارس انتصارا آخر.. وبالله التوفيق ) .

وكتبت مقالات أخرى تهاجم سياسات الدولة وتصفها بالتخبط والضعف والتبعة . ثم بدأت سلسلة من الندوات السياسية التي أقامها اتحاد الطلاب والروابط الأكاديمية أقيمت أولى الندوات في يوم 18 أغسطس 1973م والتي نظمتها ( رابطة طلاب كلية القانون) ، وكان موضوعها ( الوضع الأمني بالبلاد) .

وقد وجهت الدعوة إلى السياسيين وإلى الحكومة لترسل مندوبا عنها ليشارك في الندوة التحى تحدث فيها كل من :

1- نقيب المحامين السيد / ميرغنى النصرى.
2- السيد / أحمد خير المحامى – وزير خارجية أسبق.
3- د. زكريا بشير إمام – محاضر بكلية الآداب- قسم الفلسفة.
4- د. جعفر شيخ إدريس – محاضر بكلية الآداب- قسم الفلسفة.

ولقد هاجم المتحدثون السلطة هجوما شديدا ودعوا المواطنين إلى الثورة على هذا النظام وإسقاطه. ثم أقيمت ندوة أخرى في يوم 26/ 8/ 1973م ونظمها ( اتحاد الطلاب) .. بعنوان ( الاتحاد الاشتراكي في الميزان) وتحدث فيها :

1- الأستاذ / بهاء الدين حنفي- اتجاه إسلامي.
2- الأستاذ/ محمود برات- اتجاه إسلامي.
3- الأستاذ / آدم عبد القادر – حزب أمة ورئيس شباب الأنصار.
4- الحاج مضوى محمد أحمد – وطني اتحادي.
5- د. زكريا بشير – اتجاه إسلامي.

واستمر المتحدثون في انتهاج سياسة التعبئة العامة ضد الحكم القائم ودعوا الطلاب إلى الخروج إلى الشارع وإسقاط النظام، وأصبحت الجامعة متنفسا للمواطنين فهي المكان الوحيد للتعبير .. وظلت الحكومة تراقب هذه الندوات بقلق شديد ، مما اضطرها للتفكير في إيقاف هذا النشاط المعارض ومحاصرته مبكرا .

في ظهر يوم 29/ أغسطس 1973م ، اصدر السيد / مهدي مصطفى الهادي محافظ الخرطوم ، بيانا بثته إذاعة أم درمان ، هاجم فيه طلاب جامعة الخرطوم لتنظيم الندوات المعارضة للحكومة وطالب مؤيدو ثورة مايو من ( كتائب مايو وأعضاء الاتحاد الاشتراكي والشعب الطلابية) بضرورة إيقاف العمل المعارض واقتحام الجامعة. وحذر البيان من أية محاولة تستهدف قلب نظام الحكم وتقويض السلطة، كما طالب البيان المواطنين بالتحلي باليقظة والحذر وتفويت الفرصة على المتآمرين والوقوف إلى جانب الثورة ضد هذه المحاولات، وأعلنت السلطة في البيان أنها ستتعامل بحسم مع أعداء الثورة.

بعد هذا البيان تسارعت الأحداث داخل الخرطوم، فلقد ثار الطلاب الشيوعيون في وجه الاتحاد ورفعوا مذكرة احتجاج ضد تصريحات السيد / محافظ الخرطوم، يطالبون فيها الاتحاد باتخاذ موقف من هذه التصريحات.. بعد هذا الضغط الطلابي اضطر الاتحاد إلى التعجيل ببعض خطواته التعبوية التي بدأها بإقامة الندوات السياسية .. فقام الاتحاد برفع مذكرة احتجاج بتاريخ 29 أغسطس 1973م كخطوة أخرى ضاغطة ثم تبعت الخطوة ، اتصالات بالنقابات والاتحادات الطلابية ونقابات السكة حديد والنقل الميكانيكي والمخازن والمهمات والنسيج والإدارة المركزية وغيرها وذلك لإعلان الإضراب السياسي الشامل والعصيان المندى.

بحلول فجر 3 سبتمبر 1973م كان رئيس الاتحاد أحمد عثمان مكي يخاطب الأعداد الغفيرة من المواطنين الذين احتشدوا فئ الميدان الشرقي بالجامعة خطابا حماسيا قويا حضره الآلاف من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية، ثم تلا عليهم المذكرة التي سترفع لرئيس الجمهورية وهى ممهورة بتوقيعات ممثلي الاتحادات الطلابية والعمال والأطباء القانونيين تطالبه بالآتي:

1- رفض الحكم العسكري القائم.
2- الاعتراف بأحزاب الجبهة الوطنية وإشاعة الحريات.
3- التأكيد على أن الشريعة هي خيار السودانيين الوحيد.
4- تطوير الحكم الاقليمى وتوزيع الثروات توزيعا عادلا والاهتمام بالجنوب.

ثم وجه رئيس الاتحاد الدعوة إلى كل القطاعات الشعبية، ودعاهم لحضور المؤتمر الهام الذي سيعقد في ديسمبر 1973م.

وبعد خطاب رئيس الاتحاد خرج الطلاب والمواطنون في مظاهرات صاخبة ، تهتف بسقوط النظام، واعترضت قوات الأمن والشرطة المتظاهرين وفى ذات الوقت الذي اندلعت فيه المظاهرات بالعاصمة الخرطوم خرج المواطنون في مظاهرات عارمة في كثير من مدن السودان المختلفة.

ولقد حاولت السلطة قمع المظاهرات بشتى السبل ، وعاونتها على ذلك منظمات الثورة مثل كتائب مايو وأعضاء الشعب الطلابية وقوات الأمن الاحتياطي المركزي والجيش.

وسقط عدد من الشهداء في تلك المظاهرات

1- الشهيد المواطن الشاب/ جمال عبد الرحمن جار النبي. ولقد ظن طلاب الجامعة أنه واحد منهم، وتوجهوا إلى مستشفى الخرطوم لاستلام الجثمان وتشييعه في اليوم التالي وذلك لتكرار مشهد ثورة أكتوبر عند تشييع الشهيد القرشي. ولكن الشرطة تصدت للطلاب داخل المستشفى واعتقلت منهم ( 300) ثلاثمائة طالب، وازدادت التظاهرات وقد انضم إليها طلاب الثانويات والمدارس المتوسطة والابتدائية ، واستشهد خلال هذه المظاهرات:

الطالب/ حاتم المبارك العبيد المواطن/ حمد البشير الأمين أبو كساوى.. واستمرت التظاهرات والاحتجاجات دون توقف وفى يوم 4 سبتمبر 1973م ، أعلنت أحدى عشرة نقابة واتحادا إضرابا عاما عن العمل تضمانا مع قضية الطلاب من بينها نقابة السكة حديد ولنقل الميكانيكي.

وكان لهذا الإعلان أثره الكبير في نفوس الطلاب والمواطنين وبقية النقابات الأخرى وبالفعل بدأت تلوح في الأفق بوادر ثورة شعبية اكتملت حلقاتها بعصيان مدني شامل وفى تلك الأثناء أعلن السيد/ رئيس نقابة السكة حديد في مدينة عطبرة السيد / موسى متى، أعلن الإضراب السياسي.. وتلتها المؤسسات والمصالح ثم أعلن السيد / عثمان جسور رئيس فرعية الخرطوم الإضراب السياسي وكذلك نقابات المحامين والأطباء وأساتذة في جامعة الخرطوم الذين طالبوا السلطة بإطلاق سراح جميع المعتقلين وأعلنوا عن دعمهم لمواقف الطلاب.

إعلان حالة الطوارئ ومحاصرة الجامعة

لم تنجح السلطة الحاكمة في كبح جماح المتظاهرين ، رغم اعتقالها لعدد من قيادات النقابات والاتحادات المهنية والطلابية. وقد كان الرئيس جعفر نميرى موجودا بالمملكة المغربية لحضور جلسات مؤتمر الملوك والرؤساء العرب في الدار البيضاء وبعد مرور أسبوع على اندلاع التظاهرات وفى يوم 6/ 9/ 1973م أعلن النائب الأول لرئيس الجمهورية اللواء محمد الباقر أحمد حالة الطوارئ القصوى بالبلاد، وأوكل إلى الجيش مسئولية الحفاظ على الأمن .

وتولى بعدها الجيش مسئولية حراسة المنشآت الحكومية العامة التي تعرضت للتخريب خاصة مباني هيئة المراهنات الرياضية ( المعروفة باسم توتو كورة) إذ أحرقها المتظاهرون باعتبارها ( أندية للقمار) كما أحرق المتظاهرون طلمبات البترول ومباني الاتحاد الاشتراكي السوداني ومنظماته.

بعد إعلان حالة الطوارئ خرج الطلاب في واحدة من أكبر التظاهرات، ولكن صدرت الأوامر لقوات الشرطة والأمن باحتلال مباني الجامعة وداخليتها، فتسللت القوات الحكومية بعد خروج الطلاب إلى التظاهرات، وعبثت بممتلكاتهم ومنه الطلاب من العودة إلى الجامعة لأخذ أمتعتهم وممتلكاتهم .

وتم ترحيل الطلاب قسرا إلى أقاليمهم المختلفة وقدم عدد من الطلاب والأساتذة والنقابيين إلى المحاكمة.

بإغلاق جامعة الخرطوم، انطلقت تظاهرات أخرى قادها طلاب المعهد الفني وطلاب جامعة أم درمان الإسلامية وطلاب جامعة القاهرة- فرع الخرطوم ( جامعة النيلين حاليا) واستمرت المظاهرات عدة أيام أخرى.

كان لنزول الجيش إلى الشوارع وتوليه مسئولية الحفاظ على الأمن اثر كبير في تهدئة المظاهرات ، وشنت السلطة الحاكمة حملة إعلامية كبيرة تصف فيها ( حركة شعبان) :

1- بالعمالة والارتزاق.
2- الارتهان لقوى أجنبية.

ثم صدرت قرارات أخرى صارمة بحق طلاب جامعة الخرطوم:

1- إغلاق جامعة الخرطوم إلى اجل غير مسمى.
2- حل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وتجميد نشاطه نهائيا.
3- مصادرة النشاط الطلابي ومنعه بالجامعة .
4- منع قيام أي أحزاب بالجامعة .

كان من المفترض أن يشارك الجهد الحزبي مشاركة فعالة في حركة شعبان التي هزت استقرار الحكومة القائمة ولكن لم يحدث كل ما هو مطلوب وتوقفت الدراسة بجامعة الخرطوم في سبتمبر 73 ولم تفتح أبوابها إلا في نوفمبر 1973م بعد إغلاق دام شهرين.

وبعد أن فتحت أبوابها وضعت لطلابها ضوابط صارمة، فصدرت لائحة قواعد السلوك الطلابي التي تنظم النشاط الطلابي داخل الجامعة كما يلي:

1- إلزام الطلاب الجدد بكتابة تعهد بعدم خرق هذه القواعد.
2- منع قيام المظاهرات.
3- تأميم الصحف الحائطية.
4- منع قيام الندوات والتجمعات.

وبعد صدور هذه اللائحة ، تم فصل عدد من طلاب جامعة الخرطوم، وأعلن رسميا أن أعضاء المجلس الأربعيني لاتحاد الطلاب مطلوب القبض عليهم بواسطة البوليس. لم يستجب طلاب الجامعة لتلك الضوابط التي أصدرتها عمادة الطلاب، وبدأوا عمليا في عدم الالتزام بها صراحة إمعانا في التحدي لإدارة الجامعة وللسلطة الحاكمة ومواصلة لثورة شعبان..

فأقيمت ندوة للتحدي، داخل الحرم الجامعي في يوم 28 نوفمبر 1973م وخاطبها رئيس الاتحاد ( وهو مطلوب القبض عليه) الطالب أحمد عثمان مكي ثم تحدث بعده فى الندوة الطلاب:

1- التجانى سراج.
2- الهادي أحمد الخليفة.
3- بشير آدم رحمة.
4- عبد الرحمن مكين.

وكانت الندوة مؤثرة وقوية حضرها آلاف الطلاب الذين حضروا ليخاطبهم رئيس الاتحاد دون أن تستطيع أجهزة الشرطة والأمن إلقاء القبض عليه وفى نهاية الندوة سير الطلاب مسيرة حاشدة إلى مكتب السيد/ مدير جامعة رفعوا خلالها مذكرة تحتوى على المطالب الآتية:

1- إرجاع جميع الطلاب المفصولين حوالي (100) والموقوفين والى (300) طالب .
2- الاعتراف بالاتحاد كممثل شرعي للطلاب.
3- إلغاء الأوامر المؤقتة التي وضعت بعد إغلاق الجامعة في أغسطس الماضي.
4- إرجاع الحريات السياسية في الجامعة.د
5- إطلاق سراح جميع الطلاب المعتقلين.
6- إرجاع الأساتذة المفصولين والمعتقلين لعملهم في الجامعة.

تم عقد اجتماع بين مدير الجامعة وممثلوا الطلاب، بينما بقى الطلاب ينتظرون نتائج الاجتماع بالخارج، إذ خرج رئيس الاتحاد / أحمد عثمان مكي ليعلن للطلاب أن مدير الجامعة قد التزم بأنه سيصدر بيانا الاثنين القادم يلبى فيه مطالب الطلاب ويعترف فيه بشرعية الاتحاد.

عندما جاء يوم الاثنين صدر بيان من مدير الجامعة تنكر فيه لكل عهد قطعه مع الطلاب مما جعل الطلاب يفسرون ذلك بأنه تراجع أمام ضغط من السلطة الحاكمة.. في خضم صراع الاتحاد مع السلطة ومع الإدارة ومع لائحة قواعد السلوك الطلابي، ورغما عن حل الاتحاد من قبل الإدارة وتجميد نشاطه.. رغم كل هذا أطل شهر أكتوبر ( شهر الانتخابات) وكان لابد من إقامة انتخابات جديدة.. ولكن الاتحاد القائم أصلا والذي تعترف به إدارة الجامعة ( طرح استفتاء) لجمعيته العمومية حول ثلاثة نقاط:

1- أؤيد الاتحاد في الاستمرار لحين قيام اتحاد آخر.
2- أؤيد مذكرة الاتحاد وما فيها من مطالب .
3- أؤيد القرارات الايجابية التي تنتج عن المذكرة.

وجاءت نتيجة الاستفتاء كما يلي:

1- شارك في الاستفتاء 78% من الطلاب.
2- الذين يؤيدون استمرار الاتحاد 66% من الطلاب.
3- الذين يؤيدون ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة لإعادة الطلاب المفصولين 60% من الطلاب.

بعد هذه النتيجة استمد الاتحاد شرعية جديدة بحصوله على نسبة 66% من جمعيته العمومية .

وبعد هذا التفويض رأى الطلاب أنه لابد من اتخاذ ( خطوة حاسمة تحقق الآتي):

1- تعيد الحريات إلى الجامعة.
2- تعيد الطلاب المفصولين.
3- تعيد شرعية الاتحاد.
4- تحذر الإدارة والسلطة من مغبة التعرض لنشاطات الطلاب.

والخطوة الحاسمة التي قرر الاتحاد اتخاذها هي ( احتلال مباني الجامعة) .. وحدد للاحتلال تاريخ 10 ديسمبر 1973م .

وقدر الطلاب أن السلطة لن تقف مكتوفة الأيدي لتتفرج على ما يحدث داخل الجامعة وتوقعوا اقتحام الجامعة بالقوة في أي لحظة وتحوطا لذلك، وضع الاتحاد خطة يمنع بها تدخل قوات الأمن والجيش إلى داخل الحرم الجامعي لفض الاحتلال، فتم إحضار كميات كبيرة من السيخ والعصي الغليظة ووزعت الحجارة على مداخل الجامعة وأقيمت الحواجز والمتاريس وأغلقت الأبواب ووضعت القنابل الحارقة ( المولتوف) موزعة بأيدي الطلاب في أنحاء متفرقة داخل الجامعة.

القصة الكاملة للاحتلال

مع بداية الاحتلال تم تقسيم الطلاب على مجموعات في شكل كتائب وكونت وحدات فدائية خاصة سميت بـ ( ميليشيا اليوم الحار) لتتدخل في الوقت المناسب.

وبدأ الطلاب يشكلون الطوابير العسكرية وهم يرددون: ( اليوم الحار ما بدار) ، ( ضرب النار داير ليهو رجال) .

كما تم تقسيم مجموعات أخرى من الطلاب لتقوم بمهمة إيصال المؤن الغذائية والعلاج ، ومجموعات أخرى إعلامية وأخرى لتقوم بمهام استخبارية.

على الصعيد الاعلامى أنشأ الطلاب شبكة إعلامية تربط داخل الجامعة بخارجها بواسطة خمسة ميكروفونات كبيرة جرى توزيعها على أجزاء من الجامعة لإذاعة قرارات اللجنة التنفيذية للاتحاد.

كما أنشا طلاب كلية الهندسة ( إذاعة) تبث من داخل الجامعة موجهة للمواطنين في أنحاء العاصمة المثلثة. فكان المواطنون يلتقطون هذه الإذاعة عبر أجهزة الراديو وهى تبث الأناشيد الوطنية الحماسية وتذيع أخبار الاحتلال وتطورات الموقف داخل الجامعة. وفى ذات الوقت توجه نقدا شديدا لسياسات النظام وتصدر بيانات تحرض المواطنين ضد هذا النظام.

أعلن رئيس الاتحاد/ أحمد عثمان مكي بداية الاحتلال بتاريخ 10 ديسمبر 1973م بعد خطبة عصماء خاطب فيها الآلاف من طلاب الجامعة والمواطنين ، ولقد شاركت التنظيمات السياسية بعضويتها مشاركة كبيرة في تنفيذ الاحتلال، وتناسب خلافاتها السياسية في وحدة طلابية واضحة.

وبعد إعلان الاحتلال بفترة قصيرة كانت قوات الجيش والاحتياطي المركزي وعناصر جهاز الأمن القومي تحكم حصارها تماما حول الجامعة. فقامت بإغلاق شارع الجامعة من الشرق عند كبرى بحري، تجاه داخليات الطلاب ( البركس) ومن الناحية الجنوبية قرب القمسيون الطبي وداخلية تهراقا لطلاب كلية الهندسة، كما أغلق شارع النيل شرقا من تحت كبرى النيل الأزرق ومن الغرب من ناحية وزارة الصحة ومباني كلية الهندسة..

بعد محاصرة الجامعة ترك الأمر للطلاب كي يخرجوا منها بشرط ألا يعودوا إليها مرة أخرى. وقد تسربت أعداد قليلة من العناصر الطلابية لا تزيد عن العشرات. وبدأت السلطة تبث في الإشاعات معلقة أن العدد داخل الجامعة قليل جدا لا يتعدى ألفا من ( الإخوان المسلمين ) والمتعاطفين معهم والذين ستقوم السلطة بكنسهم في دقائق قليلة..

بدأت اللجنة المسئولة عن توفير التموين اللازم للطلاب داخل الجامعة وهم تحت الحصار، بدأت نشاطها لتوفير الآتي:

1- تم شراء أكثر من عشرين صفيحة جبنة وطحينة.
2- عدد كبير من علب المربى.
3- جوالات بلح وسكر وأرز ودقيق وعدس وفول.
4- تم جلب مولد كهربائي من كلية الهندسة للإشراف على الماء والنور وجلبت فوانيس للاحتياط.
5- تم شراء عدد كبير من صناديق الشاي والسجائر والتمباك.
6- تم كسر مخزن الغذاء في الجامعة وقاد أحد الطلاب إحدى العربات لتحمل الغذاءات.
7- أخذ الغذاء داخل الحرم الجامعي عند الساعة (11) صباحا ليتم تخزينها في مسجد كلية القانون.
8- استطاعت لجنة التموين تهريب خبز بمبلغ ( 85) جنيها، عبر مدرسة الخرطوم القديمة، وذلك بعد أن قامت بإنشاء سلالم طويلة تربط بين داخلية مروى وخط السكة حديد .
9- في اليوم الثالث قامت لجنة التموين بشراء رغيف ( 65) جنيها من الخرطوم بحري، وتم ترحيله بعد منتصف الليل وحتى الرابعة من صباح اليوم التالي إلى جزيرة توتى صغير عبر النيل.. ولكن العملية لم تمر بسلام فلقد كانت الخطة تقضى ترحيله مساء بواسطة الزورق إلى الجامعة، ولكن خوف أصحاب الزورق على أنفسهم وترددهم من المغامرات أخرت تنفيذ العملية حتى النهار .
حاول الطلاب إيجاد مراكب أخرى، فتمكنوا من استئجارها مقابل جنيهات لتوصيل الرغيف إلى مستشفى العيون القريب من الجامعة ( هكذا كانت الخطة) .. ولكن انتبه رجال الشرطة إلى جوالات الرغيف المتجهة إلى مستشفى العيون فقال لهم البوليس : ( إن المستشفى لا يأتيها رغيف بالمركب) وعند ذلك هجمت مجموعة أخرى من الطلاب كانت تراقب الموقف وبعد اشتباك قصير استطاع الطلاب الحصول على (27) جوالا من أصل (36) هي كل الكمية:
10- وضعت لجنة التموين خططا أخرى لتزويد الجامعة بالرغيف اللازم وهى تحت الحصار، ووضع مقترح يقضى بإحضار الرغيف من الخرطوم بحري بواسطة عدد من الطلاب ويحملونه في قطار مشترك كريمة، وعند محازاة القطار إلى الجامعة يقفز الطلاب بجوالات الرغيف خارج القطار المتحرك لإدخالها إلى الجامعة.
11- كانت هنالك محاولة أخرى تقضى بأن يذهب عضو الاتحاد / بكرى عثمان سعيد ليلتقي بعضو آخر هو/ عباس برشم المكلف بجمع أموال لشراء رغيف يتم جمعه من عدة أماكن حتى لا ينكشف أمره يلتقيان عند فرن يعرف بـ ( فرن سيحة) بالسوق العرب.. ولكن لم تنجح المحاولة وتعذر التقاء الطرفين.
12- كانت هنالك محاولة أخرى تقضى بأن يقود عضو الاتحاد/ غازي صلاح الدين بص كلية الطب بعد شحنه بالرغيف، ثم يدخل به عنوة إلى داخل الحرم الجامعي ولكن تزامنت ساعة صفر تنفيذ المهمة مع لحظة فض الاحتلال بعد التوصل لاتفاق.
13- أما أحد أهم المحاولات الناجحة هي تلك التي نفذتها لجة التموين، عندما قامت بتكليف طالبين من كلية البيطرة لشراء ستة خراف وإدخالها للجامعة عبر المستشفى البيطري الملاصق للجامعة ( وفق خطة تمويه محكمة) .. قام الطالبان بشراء الخراف ولبس كل منهما ملابس أعراب بدويين ( ملابس بالية وكورة فارغة وإبريق ومسواك) .. لزوم التمويه.. ثم أتوا بالخراف عن طريق الجامعة حيث استوقفهم البوليس طويلا وشك بالفعل في هيئتهم، ولكنهم أوضحوا له أنهم يريدون أن يذهبوا بهذه الخراف إلى المستشفى البيطري للعلاج وأن بقية خرافهم ماتت بسبب المرض.

كان مظهرهم ولغتهم وملابسهم تدل على أنهم أناس سذج حيث أدوا دورهم بإتقان وبعد محاولة طويلة ورغم شكوكه فيهم، سمح لهم البوليس بالدخول واكتفى بمراقبتهم حتى أدخلوا الخراف للمستشفى حيث تم حجزها ، ومن هناك تسللوا إلى داخل الجامعة، فحضرت قوة من الطلاب فأخذوا الخراف واستطاعوا إدخالها إلى الحرم الجامعي وسط فرحة كبيرة من الطلاب الذين لم يتذوقوا لحما منذ بدء الاحتلال.

فض الاحتلال

نشطت لجنة وساطة شارك فيها أساتذة من جامعة الخرطوم بينهم البروفيسور / مدثر التنقارى وذلك لإيجاد حل الأزمة المتصاعدة. وظل الطلاب يقدرون موقف مدير الجامعة مصطفى حسن الذي يعتبره الطلاب منصفا لهم.

وبعد مفاوضات شاقة ، نجحت لجنة الوساطة في التوصل لاتفاق يقضى بالآتي: 1- فض الاحتلال فورا . 2- التزام إدارة الجامعة باعترافها بشرعية الاتحاد القائم وإقامة الانتخابات الجديدة في موعدها . 3- حرية ممارسة النشاط الطلابي بدار الاتحاد. استمر الاحتلال من 10 ديسمبر 1973م ، لينتهي بتاريخ 14 ديسمبر 1973م منهيا بذلك مرحلة مهمة في صراع اتحاد الطلاب مع السلطة.

أحداث الاتحاد الاشتراكي

حاول النظام بعد انتفاضة شعبان أن يجد له موطئ قدم في المحيط الجامعي وأن يجد من يسانده في الوسط الطلابي فأعلن النظام لقاءه بمن أسماهم بقيادة الطلاب في الجامعة وكان مكان اللقاء هو ساحة الاتحاد الاشتراكي، وتمت كل الترتيبات الأمنية والتحوطات والتحسبات لأي طارئ يحدث، وحشد الأمن بكميات كبيرة وبدأ اللقاء بخطاب الرئيس نميرى.. وهنا يروى محمد ويع الله " أقتحم الإسلاميون في جامعة الخرطوم لقاء الاتحاد الاشتراكي الذي دبر بين ( الرئيس المخلوع) وبعض القيادات المزيفة للطلاب وقام الطلاب الإسلاميون بقيادة فضل السيد أبو قصيصة ومحمد محيى الدين الجميعابى بالهتاف الداوى في هذا الإطار، ولكنهم ما لبثوا أن حولوا الهتافات بعدها إلى هتافات صارخة ضد النظام وضد رئيس النظام فهتفوا ( لن ترتاح يا سفاح) ( جوعت الناس يا سفاح) ( لن تحكمنا عصابة مايو) ، وكان ذلك مذاعا على الهواء مباشرة وقد سمعها الناس فى سائر أرجاء القطر وبهت الرئيس وعملاؤه وأجهزة إعلامه، وكانت ضربة داوية انتشر صداها في العالم فعلقت عليها صحيفة الغارديان البريطانية قائلة: إن طلاب الجامعة كأنهم دخلوا على الرئيس في مخدعه الخاص فأرهبوه وبالطبع قد نتج عن ذلك اعتقالات واسعة في صفوف أعضاء الاتجاه الإسلامى.

وحول الفترة التي أعقبت قيام مايو 1969 م وحتى عام 1977م التقى الباحث أحد أبرز قيادات الاتجاه الإسلامى الذين اعتقلوا وشردوا وقادوا الهتافات ضد الرئيس نميرى داخل الاتحاد الاشتراكي هو محمد محيى الدين الجميعابى والذي يرى أن حركة الاتجاه الإسلامى تنظيما قويا جدا داخل الجامعة والجسم المكافئ له في ذلك الحين هو الجبهة الديمقراطية فهي 73- 1974م كانت تعبر في أوج عظمتها وكانت التنظيم الند بالنسبة للاتجاه الإسلامى.. أما الاتجاه الإسلامى من حيث القيادة فقد كانت له قيادات متميزة وتاريخية بقيادة أحمد عثمان المكي- بشير آدم رحمة- التجانى سراج – الهادي أحمد خليفة- عثمان الهادي.

كذلك الجبهة الديمقراطية كانت تمتاز بقيادات متميزة مثل صدقي كبلو، أبو اليسر يونس، الخاتم عدلان، الشائب، أقلع ، ومجموعة من الشيوعيين كانوا على مستوى عال من الخبرة ف العمل السياسي ولم يكن هنالك وجود للوسط، هنالك وجود ضعيف لحزب الأمة ووجود لا يكاد يذكر للاتحاديين ووجود نسبى للجبهة الوطنية الإفريقية.

كما يرى الجميعابى أن التوجه الفكري للاتجاه الإسلامى كان بارزا ومواقف السياسية كانت لامعة، كما أعطت أحداث الجامعة الاتجاه الإسلامى فرصة للقفز بصورة كانت شبه دائمة لقيادة الحركة الطلابية. الطلاب كانوا ينظرون للإسلاميين بشيء من العظمة ويحسون فيهم كل صفات القيادة، لأنهم شخصيات وقيادات أجمعت عليها الجامعة وشخصيات تاريخية.. كما يذكر الجميعابى أن رئيس الاتحاد وقتها أحمد عثمان المكي هو الشخصية التي أجمعت عليها الجامعة عبر تاريخها، وأن القيادة التي جنتها حركة الاتجاه الإسلامى من اعتقالات 74- 74- كانت قيادة صقلتها السجون ودربتها على العمل التنظيمي والقيادة وخلافه.

جاء هؤلاء القادة خارجين من السجن باندفاع شديد وسمعة متقدمة استفاد منها الاتجاه الإسلامى في برنامجه السياسي وكوادره الانتخابية منهم محجوب عروة، عبد العظيم عبد الله التوم، محمد شيخ الدين، عبد الرحيم البدوي، غازي صلاح الدين، سيد الخطيب.. هذه القيادة قد أكملت في سجن كوبر إعدادها التربوي والثقافي والتعبدي وخرجت بطاقات إيمانية وتعبدية كبيرة.. أما بالنسبة للطلاب فقد كان الكثير منهم موالين للتيار العام للاتجاه الإسلامى وقد كانوا مشدودين للبطولات الخارقة لأعضاء الاتجاه الإسلامى 73- 1974م كانت دورة بشير آدم رحمة على رئاسة الاتحاد ويذكر الجميعابى أن دوره 74- 1975م التي كانت دورة داؤد بولاد جاءت تمتطى كل انتصارات ثورة شعبان ومن قادة تلك الدورة بولاد، تجانى عبد القادر، بشير آدم رحمة، غازي صلاح الدين، مطرف صديق، ابن عمر محمد أحمد، سيد الخطيب، محمد البشير عبد الهادي ، الطيب إبراهيم محمد خير، فاروق أحمد آدم.. الخ.

كذلك كانت القيادات السياسية الخارجية للحركة الإسلامية تمثل حضورا للجامعة، حسن الترابي، إبراهيم أحمد عمر، يس عمر الإمام".

وعن الجبهة الديمقراطية يقول الجميعانى

" الجبهة الديمقراطية لم تكن موفقة سياسيا عند احتلال الجامعة في 11 مارس 1971م وكذلك في موقفها من انتفاضة شعبان من هنا لازمتها حالة فشل مستمرة.
بالرغم من أنها في عام 1973م كانت جسما- قويا- جدا وكانت الند للاتجاه الإسلامى لكن الأخير قد استفاد من أخطائها بمستوى كان المعمول الأساسي الذي حمله الاتجاه الإسلامى لتحطيم الجبهة الديمقراطية.. الشيوعيون حاولا أن يفشلوا حركة شعبان 1973م لأنها لم تكن تحت قيادتهم وقد خرجت صحيفة الجبهة الديمقراطية " مساء الخير" أثناء انتفاضة شعبان ومكتوب عليها بالخط العريض أحمد عثمان مكي رئيس الاتحاد ضابط في جهاز الأمن القومي.

هذه الترهات بالطبع كانت مرفوضة لدى الطلاب وقد كان ود المكي شخصية تاريخية أجمعت عليها كل الجامعة ، وبعد الفترة التي أعقبت انقلاب المقدم حسن حسين عام 1975م تدهور وضع التنظيم في الجامعة، تم فصل أعداد كبيرة من الجامعة، تمت كذلك اعتقالات واسعة وسط صفوف الاتجاه الإسلامى .. وكذلك التجربة القيادية بدأت تنقطع، اختفت قيادات الاتجاه الإسلامى بين السجن والهجرة خارج البلاد عدا بعض المناورات التي قادها تجانى عبد القادر، داؤد بولاد كذلك تقوى الاتحاد الاشتراكي داخل الجامعة كجسم مناوئ للاتجاه الإسلامى.

76- 1977م الاتجاه الإسلامى كان يبحث عن وضعية تتيح له فرصة مخاطبة الطلاب بشيء من الأمن والسلام.

وعندما جاءت المصالحة الوطنية جئنا وقذفنا بكل القيادات التاريخية المعتقة إلى داخل الجامعة مما أعطانا فرصة للانتشار الشديد والسريع.. جئنا ولدينا أكثر من 250 قيادي من خريجي السجون والقادمين من الخارج وكلهم كانوا قمما في تجربتهم وتاريخهم النضالي.

وفى أكتوبر1977م نزل الاتجاه الإسلامى إلى ساحة الجامعة بعدده وعتاده وبكوادر لم تكن متوفرة للتنظيمات الأخرى وقيادات تاريخية كانت بمستوى أساتذة الجامعة وبمستوى سيادي داؤد بولاد، التجانى عبد القادر، المعتصم عبد الرحيم، ابن عمر محمد أحمد، أمين بناني، الشفيع أحمد محمد .. الخ. أسهمت تلك القيادات في إرساء دعائم التطور السياسي والفكري الذي حدث للاتجاه الإسلامى بعد عام 1977م.

الفصل الثالث: المصالحة الوطنية

جاءت المصالحة الوطنية بين نظام مايو الحاكم والجبهة الوطنية المعارضة المكونة من حزب الأمة، الحزب الاتحادي الديمقراطي- الإخوان المسلمون، جاءت المصالحة في تاريخ 7 يوليو 1977م بعد مرحلة طويلة من العراك والاحتراب والخصام والكيد السياسي امتدت منذ 25/ مايو 1969م حتى 2/ يوليو 1976م حيث شهدت الساحة السودانية أعنف أنواع المعارضة السياسية التي بدأت بمعركة الجزيرة أبا 1970م والتي راح ضحيتها المئات من المواطنين وفقد فيها الأنصار قائدهم الروحي الإمام الهادي عبد الرحمن المهدي الذي لقي ربه في طريق الهجرة، كما فقدت فيها الحركة الإسلامية أبرز قادتها الشهيد محمد صالح عمر.. كذلك استمر الصراع حيث قامت انتفاضة شعبان 1973م والتي انتظمت كل ربوع السودان، ثم حركة المقدم حسن حسين في عام 1975م والتي اشترك فيها من الحركة الإسلامية القاضي عبد الرحمن إدريس ومن حزب الأمة عباس برشم ثم توجت المعارضة أعنف أعمالها في حركة 2/ يوليو 1976م المسلحة التي أطلق عليه نظام نميرى " أحداث المرتزقة" لذلك عندما لاحت بارقة المصالحة الوطنية لم تجد مقاومة تذكر وتقبلها الطرفان في عمومها وإن ظهرت بعض الخلافات حول فنياتها، ثم عارضها بعد ذلك الشريف حسين الهندي وكذلك تحفظ عليها عثمان خالد مضوى رغم التزام الأخير بقرارات حزبه،وكذلك شارك التيار الاتحادي في سلطة مايو رغم خلاف الهندي مع النظام.

كانت الجبهة الوطنية المعارضة للنظام يرأس مكتبها الصادق الصديق المهدي ويتولى الشريف حسين الهندي منصب نائب الرئيس بينما يتولى عثمان خالد مضوى منصب السكرتير العام للجبهة.

ظهرت بوادر الخلاف بين أطراف الجبهة الوطنية المعارضة بعد أحداث 2 يوليو 1976م .. إذ أن فشل حركة 2 يوليو 1976م قد فتح بابا كبيرا للشك وتبادل الاتهامات بين أعضاء الجبهة الوطنية سيما وأن الحركة كان قد أعد لها إعدادا ما كان ينبغي له أن يفشل وقد كانوا يعدون لها السنين الطويلة.. كان فشل الحركة بمثابة خيبة الأمل التي أحبطت النفوس وثبطت الهمم كما أدت الاتهامات التي تبودلت بين أعضاء الجبهة إلى بروز التناقضات والخلافات المبطنة بعداء النظام حيث ظهر أن الجامع الوحيد بين أحزاب الجبهة الوطنية هو إسقاط نظام نميرى.

وحول هذه التناقضات نورد هنا ما ذكره الأخ محمد طه محمد أحمد في كتابه ( آخر أيام الصادق المهدي) حيث يقول: (.. بعد مصالحة الصادق المهدي التي رفضها الشريف حسين الهندي في لندن اختار الإسلاميون أن يصالحوا أيضا وخرج الدكتور حسن الترابي من المعتقل وأعلن عن حل الجبهة الوطنية.

وبعد تصريح الدكتور حسن الترابي الذي نشرته الصحف غضب الصادق المهدي أيما غضب، ففي اعتقاده أنمثل هذا التصريح يصب في مصلحة النميرى والمصالحة ما زالت طرية العود غضة الاهاب وليس من حق زعيم الإسلاميين الإعلان عن حل الجبهة الوطنية وإنما يجب أن يترك مثل هذا الأمر لرئيسها الصادق المهدي.

لم يكن تصريح الدكتور الترابي إلا توكيدا لواقع ما.. فالجبهة الوطنية قد بدأت في التلاشي والذوبان بعد فضل حركة 2 يوليو 1976م حينما اغتالت سهام المطامع الأهداف النبيلة وحولت الآمال الكبيرة إلى حطام.

كان الصادق المهدي ينظر إلى أغلبيته داخل معسكرات التدريب وكان يقول : عن الاتحاد الديمقراطي لايملك إلا الشريف حسين الهندي، أما شباب الحركة الإسلامية فرغم بسالتهم وسرعة استيعابهم للسلاح المعقد فهم في نظر الصادق المهدي لا يمثلون إلا أقلية.

وحينما استولت الجبهة الوطنية على داخل الخرطوم وأعلن الأستاذ إبراهيم السنوسي المسئول عن قيادة المنطقة المجاورة لكبرى النيل الأزرق وسلاح الأسلحة وجامعة الخرطوم حينما أعلن إبراهيم السنوسي من منبر صلاة الجمعة في مسجد البركس القديم ( إنهم قد أسقطوا مايو تحت رايات الجبهة الوطنية) كان إعلان الأستاذ السنوسي يمثل الشبر الأخير في السفينة التي تكاثرت فيها ثقوب المطامع.. كان السنوسي يقف على المساحة التي لم تصلها المياه بعد، فقبل أن يقول السنوسي كلمته في مسجد الجامعة كان حزب الأمة الذي ظن أنه قد فتح الخرطوم مرة أخرى يخطط للانفراد بالسلطة ومنطقه الذي يقنع نفسه هو امتلاكه للأغلبية التي تدربت في الصحراء.

أين جهد الآخرين وجهادهم؟ ولماذا يبخس حزب الأمة الناس أشياءهم؟ إنها ثقوب في سفينة يظن الجاهلون والظالمون أنها قد وصلت إلى شواطئ الأمان لأن عيونهم لا ترى إلا ما يشبع مطامعها.

فكر حزب الأمة فئ الانفراد بالسلطة وحتى الإذاعة السودانية التي احتلتها قوات من الجبهة الوطنية جاءت التعليمات لمحتليها بألا يقترب من مايكروفونات الإذاعة إلا الصادق المهدي والذي لن يصل مكن طرابلس إلا بعد أن يضمن أن غردون قد قتل .. لكن غردون الجديد ما زال على قيد الحياة..

وإذا كان الأستاذ إبراهيم السنوسي قد حمل سلاحه وجبينه ينزف وصعد على منبر مسجد البركس فقد كان الرجل صادقا في أن يزيل البكم والصمم والعمى عن حركة 2 يوليو.

ولكن جامعة الخرطوم وفى يوم الجمعة لم تكن كافية للإعلان عن الثورة .. إن الإذاعة تحت يد رجال 2 يوليو ولكنها لا تنطق لأنها تنتظر وصول الصادق المهدي..

واستفادت مايو من الحركة البكماء الصماء العمياء وانطلقت شائعة أنها حركة مرتزقة قدموا من خارج السودان للاستيلاء على السلطة، وبدأ رجال القوات المسلحة يتجمعون من هنا وهناك ويقومون ،وأجهضت 2 يوليو قبل أن يصل الصادق المهدي من طرابلس.

إذن فإن ما حدث في حزب الأمة في 2 يوليو ومن خيانة عظمى للحلفاء هي الثقوب التي أغرقت سفينة الجبهة الوطنية فكيف يغضب الصادق المهدي إن أعلن الدكتور حسن الترابي وبعد مصالحة بورتسودان عن انفضاض الجبهة الوطنية)؟ انتهى.

الطيب زين العابدين يطلق مبادرة المصالحة

أما عن مقدمات المصالحة الوطنية فهنالك من يرى أن أول إشارة لمصطلح المصالحة الوطنية وردت في مذكرة رفعها دكتور الطيب زين العابدين والذي كان معتقلا منذ انقلاب المقدم حسن حسين 1975م بسجن كوبر لرئيس الجمهورية جعفر نميرى في ذات يوليو 1976م .. حيث مثلت تلك المذكرة مبادرة شخصية ذكر فيها أنه لا يميل لسياسات سفك الدماء لحل قضايا الوطن واقترح على الرئيس نميرى أن يتبنى سياسات مصالحة وطنية مع الجبهة الوطنية.. وذكر أن الصراع الدائر ليس فيه غالب أومغلوب والخسائر الوحيد سيكون السودان.. لم يستشر الطيب زين العابدين القيادة الاخوانية في أمر مذكرته المرفوعة للنظام لتعذر الاتصال بالقيادة في ذلك الوقت نسبة لظروف السجن ولأنه كذلك رأى أن مبادرته قد تؤدى لحقن دماء عدد من المقاتلين ممن هم تحت المحاكمة أو رهن الحبس.

كذلك جاءت مبادرة الأمير محمد الفيصل آل سعود التي شجعت كل من الرئيس نميرى والصادق المهدي في اتجاه الحوار.

الصادق المهدي يشير إلى جدوى التصالح

في يناير 1977م وفى إحدى فنادق لندن عقد السيد/ الصادق المهدي مؤتمرا تشاوريا مع عدد من قيادات الجبهة الوطنية لمناقشة جدوى التصالح مع نظام نميرى حيث حض اللقاء من الإخوان المسلمين عثمان خالد مضوي، أحمد عبد الرحمن محمد ، ربيع حسن أحمد، ذكريا بشير إمام، أحمد إبراهيم الترابي وآخرون وفى هذا اللقاء مال معظم متحدثي الإخوان المسلمين لخيار الحوار مع النظام باستثناء عثمان خالد مضوى السكرتير العام للجبهة الوطنية.

في 7 يوليو 1977م فوجئ الإخوان بخبر لقاء الصادق نميرى في بورتسودان حيث استغرق اللقاء طويلا وتسرب أن الصادق المهدي قد وافق في اللقاء على :

1- الموافقة على الدستور الدائم الراهن مع تعديله.
2- الموافقة على مبدأ الجمهورية الرئاسية.
3- الموافقة على مشروع الولاية الثانية.
4- الموافقة على التنظيم السياسي الواحد.
5- الموافقة على إطار اتفاقية أديس أبابا .

كما وعد النميرى في المقابل بإصدار عفو شامل عن المحاكمين وإخلاء سبيل المعتقلين ومواصلة الحوار مع الصادق المهدي..

لكن الصادق المهدي قد تحدث لاحقا إلى مجلة الجامعة عن المصالحة الوطنية قائلا:

" بعد يوليو 1976م خشينا من أن يلجأ الصراع إلى الاستعانة بقوى خارجية فقد كان يتحتم علينا التحالف مع أثيوبيا إذا أردنا السير في المعارضة المسلحة إذ لا توجد إمكانية تحرك مسلح من ليبيا بعده.
لذلك بدأ الكلام عن إمكانية قبول المصالحة مبنية على إصلاح حقيقي يقبله الناس، وحصل تفويض على هذا الأساس ، والشيء الوحيد الذي لم يناقش وكان مفاجأة هو مقابلتي للرئيس نميرى في بورتسودان وهذه الخطوة حصلت بعد مراحل عدة شاركت فيها شخصيات أشهرها فتح الرحمن البشير الوسيط بيننا وبين النميرى".
ويمضى الصادق المهدي" لقد حدثت مفاوضات بيني وبين الرئيس نميرى وقد عقدت مؤتمرا صحفيا أعلنت فيه أربع نقاط واعتبرنا برنامجا للمصالحة الوطنية.

وهذه النقاط هي:

أولا:

حل الاتحاد الاشتراكي وإجراء انتخابات من القاعدة إلى القمة وعقد مؤتمر استثنائي للنظر في تسع نقاط لإحداث إصلاح جذري في الاتحاد الاشتراكي.

ثانيا:

النص بوضوح على الشريعة الإسلامية لتكون المصدر الأساسي للقوانين وإزالة جميع الجوانب التحكمية والفردية والفوقية في الدستور الحالي.

ثالثا:

مراجعة القوانين المقيدة للحريات والقوانين الاستثنائية.

رابعا:

مراجعا كل الأداء لطرح السلبي وتثبيت الايجابي في المجالات الاقتصادية والسياسية الخارجية والحكم الشعبي المحلى وخلافه.

وفى إحدى جلسات المؤتمر الأول للإسلام في السودان علق الصادق المهدي أثناء حديثه عن المصالحة الوطنية بقوله:" في تلك الظروف طرح النظام مبادأة المصالحة الوطنية فأزالت المصالحة التوتر والصراع الدموي وخلقت مناخا من التسامح والحرية النسبية ووضعت برنامجا للإصلاح القومي الجزري، ولكن فاتها تطبيق ذلك البرنامج رغم ما أتاحت من مجال تمدد فيه الوعي الإسلامى شعبيا في القطاع الحديث والتقليدي وصار للحركة الإسلامية في السودان بكل روافدها حيوية وزخم عريض.

أما فيما يتعلق برأي الحركة الإسلامية داخل السودان حول إجراءات المصالحة الوطنية فقد قام السيد/ فتح الرحمن البشير بعد لقاء بورتسودان بين الرئيس نميرى والصادق المهدي بمقابلة الدكتور حسن عبد الله الترابي المعتقل بسجن كوبر طارحا عليه ورقة المصالحة الوطنية ومطلعا إياه على ما تم بين الصادق والنميرى.. وقد وجد فتح الرحمن البشير استعدادا كاملا من الترابي للدخول في مشروع المصالحة الوطنية إذا ما شفع الرئيس نواياه بإصدار قانون عفو عام عن المعتقلين السياسيين.. وفى 19 يوليو 1977م أعلن النميرى من خلال برنامج المكاشفة الشهرية أنه قد قابل الصادق المهدي وأنه قد كون ثلاث لجان لتنظر في أمر المعتقلين السياسيين ثم تلا ذلك صدور قانون العفو العام في أغسطس 1977م وتم إطلاق جميع المعتقلين السياسيين باستثناء الشيوعيين .

تعامل الاتجاه الإسلامى مع المصالحة الوطنية

كانت أحداث المصالحة الوطنية بالنسبة لعضوية الاتجاه الإسلامى في جامعة الخرطوم منذ وهلتها الأولى تعتبر حدثا غريبا لم تستطع نفوس الكثيرين من الإخوان التكيف معه أو أن تألفه.. إذ كيف تتصالح الحركة الإسلامية مع نظام شمولي حاربته قرابة العقد من الزمان، قدمت خيرة أبنائها من الشهداء والسجناء والمشردين والمفصولين أكاديميا من الجامعات في سبيل مجاهدته.. قادت المظاهرات وأشعلت النيران ووصل الحال بها للنزاع المسلح ضد النظام في حركة 2 يوليو 1977م ولم يكن سهلا على الكثيرين استيعاب أمر المصالحة الوطنية في بادئ الأمر.

فالمصالحة كما رفضها بصفة شخصية عثمان خالد مضوى السكرتير العام للجبهة الوطنية ولم تقبلها في بادئ الأمر مجموعة الإخوان المسلمين المعسكرين في معسكرات التدريب بليبيا كذلك لم يألفها الكثيرون من أعضاء الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم الذين تطبعوا على أدب المعارضة السياسية الطويلة.. أيضا كان الكثيرون يذكرون شهداءهم الذين استشهدوا في قتال ضار ضد نظام نميرى مثل: الشهيد/ محمد صالح عمر الذي يمثل قدوة جهادية لمعظم شباب الإخوان.. وكذلك زملاء الدراسة الجامعية الذين كانوا حتى الأمس ملء السمع والبصر في الجامعة والذين استشهدوا فى أحداث حركة 2 يوليو 1976م .

والذين لم يستطع النميرى أن يخفى إعجابه ببسالتهم وذلك عندما صرح للإعلام عن سيطرتهم على دار الهاتف بعد فشل 2 يوليو 1976م بقوله( لقد وجدنا صمودا أسطوريا في دار الهاتف والمطار فالميلشيات التحى كانت تقاتل هناك لم تستسلم أبدا وإنما قاومت حتى النهاية وللأسف فقد كانوا من طلاب جامعة الخرطوم.. لذلك لم يكن من السهل على أبناء الحركة الإسلامية أن ينسوا تلك الدماء الطاهرة والنفوس الذكية التي استشهدت في سبيل الفكرة والمبدأ.. فجاء وقع المصالحة الوطنية في نفوس هؤلاء وقعا غير محبب وفيه ابتلاء شديد . في الجانب الآخر كان على قيادة الحركة الإسلامية في الجامعة وخارجها أن تدير حوارا فكريا وفقهيا عميقا لإقناع العضوية بمبدأ المصالحة . ثم المشاركة إن دعا الأمر..

وقد كان فقه الحركة في قبول المصالحة اهتداء بالنص الكريم ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) ( الأنفال : 61) كما استرشدت قياسا بصلح الحديبية . يقول الدكتور حسن الترابي .

معضدا فقه وفكر المصالحة :" .. قديما شارك يوسف عليه السلام في إدارة الشئون العامة لتحقيق مصلحة في رعاية تموين العباد لا تتحقق في السجن بينما كان قد آثر السجن على الفتنة المحتومة.. فاللبيب من عرف متى تكون مشاركته إصلاحا للمجتمع وتثبيتا لنفسه فيقبل.

وحول نية النظام في استدراج الحركة الإسلامية إلى المصالحة والمشركة بغرض الكيد لها والغدر بها وامتصاص شعبيتها أو إذابتها داخل كيانه كان رد الترابي هو لم يكن خافيا على الجماعة مكر النظام الذي يريد أن يتقوى بالحركة ويعزلها من الشعب ثم ينقلب عليها ويضربها متى بدا له منها خطر، لكنها لم تجعل من هذا التخوف رهبة تجمدها في انتظار المصيبة المماثلة، يل توكلت على الله آخذة حذرها عامة على مكانتها مغتنمة كل يوم يؤخر الله بلاءها لتكسب لآجلة تمكينها – إما أن تحتوى الحركة وتذوب طبيعتها وتبتلع في مؤسسات النظام فقد كان واردا لدى البعض من حيث أن الجماعة اضطرت إلى كتم اسمها وكبت كيانها وإلى العمل من خلال التنظيم السياسي الذي أسسه النظام- الاتحاد الاشتراكي – وضمن له بالقانون احتكار الساحة السياسية لكن الجماعة كانت واثقة أنها أركز من أن تنطمس معالمها في إطار النظام الرسمي وأقوى من أن يطوح بها تياره وأكبر وأنصح من أن يحيط بها مكره وقد صدقت التجربة ثقة الحركة بشأنها فما ازدادت إلا تميزا ولا انقلبت إلا بخير كثير".

كانت النقلة الكبيرة من المعارضة والمواجهة إلى المصالحة كان من الممكن أن تحدث انشقاقا كبيرا في صفوف الاتجاه الإسلامى ولكن ارتباط القيادة ممثلة في الشيخ حسن الترابي الأمين العام للحركة الإسلامية والكثيرين من أعضاء المكتب التنفيذي بالوسط الطلابي باستمرار وانتظام كان له الأثر الايجابي في حفظ وحدة الحركة – علاوة على فقهاء الطلاب الذين أفرزتهم السجون مثل- محمد عثمان محجوب، أمين حسن عمر، سليمان صديق، الزبير أحمد الحسن، عبد الرحيم المهدي الجيلى، يوسف فضل الله وغيرهم كثي كان عاصما للتنظيم من الانشقاق بعد رعاية الله ولطفه.

أيضا هنالك عوامل أخرى عصمت الحركة الإسلامية من الانشقاق وساعدت في تقوية وحدتها ، نجملها في :

1- التحدي الكبير الذي واجه الحركة الإسلامية في الجامعة والمتمثل في توسيع الصف الإسلامى كضرورة إستراتيجية والمحافظة على قيادة الطلاب سياسيا وإحداث برنامج الأسلمة في الجامعة.
2- روح التجرد الإسلامى والبعد عن الهوى والمصالح الشخصية كان رافدا لقوة ووحدة التنظيم، كذلك التخوف من التسبب في قيادة فتنة الانشقاق التي تقود إلى ضعف الصف الإسلامى.

لذلك استطاعت الحركة أن تحفظ وحدتها وتنتقل بها كوحدة مترابطة من مرحلة المعارضة إلى مرحلة المصالحة والمشاركة، ولم يحدث سوى مظاهرة احتجاجية أخذت بعدا احتجاجيا منظما لتنتقل بعض آرائها للقيادة وأصدرت مجموعة صغير صحيفة في النشاط أسمتها " الجهاد" كان من أبرز قادة المظاهرة الاحتجاجية ، قيصر موسى الزين- إبراهيم محمد زين – وبعض الطلاب الآخرين ويذكر الأستاذ قيصر وإبراهيم محمد زين أنها لم تكن انشقاقا ولا تنظيما وإنما كانت مظاهرة احتجاجية انتهت بعد أداء مهمتها.

لم يكن الاحتجاج وعدم الرضا عن المصالحة الوطنية محصورا في طلاب جامعة الخرطوم أو الأخ / عثمان خالد بل حتى الإخوان في المعسكرات الليبية قد ابدوا عدم رضاهم وتحفظهم على هذه المصالحة مع نظام نميرى عدو الأمس .

وهنا يجدر بنا أن نورد الرسالة التي بعث بها أعضاء الحركة الإسلامية من معسكرات التدريب العسكري في الصحراء الليبية والتي تحتوى على اعتراض وعدم رضي عن الانخراط في فخ المصالحة الوطنية كما عبروا عن ذلك في مذكراتهم للقيادة التي جاء فيها:

آراء المحاربين حول المصالحة الوطنية

المقدمة

" هذه هي آراء جنود الحركة الإسلامية الذين ينتظرون بعد أن ودعوا إخوتهم إلى جنات الخلد بإذن الله .. جلس نفر منهم وبعيدا عن أجواء الانفعال قلبوا الحديث ونظروا في أمر المصالحة مع نميرى من كل وجه.. وهم إذ يدفعون بآرائهم في المصالحة التي أصبحت على كل لسان يعتبون على الإخوان المسئولين من إهمال مشورتهم ابتداء وإهمالهم حتى هذه اللحظة وهم إذ يقدمون ملخص ندوتهم يسألون اله أن يوفقنا جميعا إلى ما يحب ويرضى.

في بداية الأمر قدم خطاب نميرى لتناقش فقرة المصالحة فيه عن طريق الجبهة ولكن كل الخطوات التي تمت لم يكن فيها تنسيق مع الجبهة وتضاربت الأخبار الرسمية في هذا الأمر إذ جاء في الأخبار " أن المصالحة ماضية مع الإخوان فقط" ونعتقد أن المصالحة مع نظام نميرى فيها خطورة للأسباب الآتية:

كثرة القوى الحانقة على نظام نميرى على المستوى الشعبي إذ أن آلافا من الأسر السودانية تبكى قتلاها على يد نظام نميرى كما أن ضنك العيش أساس الغضب الشعبي. أما على المستوى العسكري فالعداوات لنظام نميرى تترى من كل الاتجاهات نذكر منها أصحاب الثأر والطامحين وهم ..

أ‌- أبناء الغرب أقوى التنظيمات العسكرية ( الجبهة القومية).
ب‌- أبناء غرب السودان ( جبال النوبة).
ت‌- الجبهة الوطنية .
ث‌- الشيوعيون إذ يعتقدون أنهم أكبر أحزاب القارة السوداء والتي ارتفعت رايات الشيوعي فيها في كل اتجاه حتى أن لهم وجودا شرسا في دولة مجاورة.. وقوى كبرى أسكرتها انتصارات.. فبعثت بالكوبيين إلى الحبشة.
ج‌- القوميون العرب الذين يمتازون بوجود داخل الحكومة يطمح في حسم الصراع لصالحه.
ح‌- الأمريكان والكنيسة الذين يوالون النميرى ظاهرا ويعملون على تدريب الجنوبيين وإمدادهم عن طريق كينيا وقد بلغ تدريبهم مستوى القوات المدرعة.
خ‌- الجنوبيون الذين يتدربون بالجيش.
د‌- الجنود الذين لهم طموح شخصي وسيركبون موجة الغضب الشعبي.

يمكن أن نقول إن النظام في عداء من كل أهل السودان على المستوى الشعبي وعلى المستوى العسكري مما يؤكد حتما سقوطه وإن بقى فسيبقى على أنفاس الناس.

كما أن المصالحة تفوت علينا فرصة الإعداد التي أصبحت أخيرا ميسرة ومؤاتية .. مما يجعل الناس يصالحون من موقف القلة المستضعفة.

كما أن كل السودانيين يكرهون نظام نميرى وإن في ربط الإسلام بنميرى فتنة للناس.

كذلك نلاحظ أن اقتصاد نميرى منهار ولن يصلح إلا بتضحيات من الناس الذين يعتقدون أنهم ضحايا سياسة نميرى.. كذلك إن التغيير الذي ننشده هو مطاردة الفساد في كل صوره.. ووزراء نميرى يشكلون صورة أكبر للفساد ولابد أن يكون التغيير شاملا ونميرى لا يرضى بذلك.. ولم تم تغيير مبتور باسم الاتجاه الإسلامى فإن ذلك سيكون بمثابة خذلان للفكرة.

كما أن نميرى متهم في كل كلام قاله عبر تاريخه.. وخطابه الحالي فيه حديث عن الطفرة الإنمائية وعن العدالة في المحاكمات العسكرية ، ولا شك أن الأكاذيب التي أذاعها نميرى من وحى قلم من يسعون بالصلح بيننا .. ونميرى يعادى الإسلام ودعاته قصدا وطبعا.. برز طبعه المعادى للإسلام حين تحدث في مؤتمر موريشص وقال : إن رجال الجبهة يريدون الإسلام وكان يستعدى الناس على إسلام الجبهة فما بالك بإسلام الإخوان الذي يقف العالم كله ضده؟ ولن يفوت على نميرى أن يلعب ذات الدور الذي لعبه من كان قبله .. ويضرب الحركة الإسلامية كما ضرب الشيوعية .. ونميرى ضحل وكذاب وغير جاد في كل أمره وبصفة خاصة في تطبيق الإسلام الذي يجهله .

ويتبين ذلك عندما سأله صحفي من مجلة " الصياد" عن الموجة الدينية في حكومته وسأله هل هي لسحب البساط من تحت رجال المعارضة فقال : نعم.

يبدوا أن النميرى على أحسن الفروض لا يعي ما يقول أو لا يعنى ما يقول.. والرشد والحكمة أمران هامان في الحاكم المسلم.

كما أن نميرى مغامر لم يعرف عنه الوفاء لواحد ممن تعاونوا معه.. لا هم له سوى البقاء في السلطة والهالة والأبهة ويمكن أن يسير تحت راية وفى أي زفة وقد فاوض فرنسا قبل شهور حول استقلال إقليم عفار ويمكن أن ينفذ أقبح مخططاتها.. ونميرى جاهل وما ذكر الحكم في القرآن إلا ذكر معه العلم والرشد فكيف الانخراط في مسيرة هذا قائدها.. كما أن المملكة عميلة وغير محايدة ولم تنفذ إلا ما يحفظ نظام نميرى المتداعي.

والنميرى في خطابه يعتبرنا قلة ونحن لا نجرده من كبر الإمارة ولكن لن نأمنه على دعوة يتهم أبناءها أنهم قلة في الجامعة وليسوا في موضع الخطورة كما مضى، ويقول عنهم إنهم يتاجرون بالدين كما قال في مجلة الصياد في ذات المقابلة .. فكيف بقلة تتاجر بالدين تهاوت كل حصونها أن تصالح نميرى الذي لا أمان له.. وقوانين الشريعة هل ستعود عبر مجلس الشعب الذي فضها.. وستعدل على أسس ديمقراطية لتحكم من بعد ذلك؟

وتفاؤلا نقول إن المصالحة إن كان لابد منها أن يكون المصلح يملك القوة التي تسند الحق الذي صالح عليه.. كما أن أسلوب نميرى في الخطاب لم يكن أسلوب مصالحة .. ولكم أن تنظروا الخطاب مرة أخرى.

والأخوان عندما عادوا النظام لم يعادوا نميرى لشخصه أو لمن حوله فالخلاف إذن خلاف منهج يخالف منهجنا الذي هو البعث والثورة على كل ا لمؤسسات.. أما الترقيع فلا يعدوا أن يكون عملية جراحية موضعية .. ولعل في عدم استفتاء الإخوان والمضي في هذا الطريق إشارة إلى أن بعض المسئولين يسيرون في طريق بغير رفقة.. أما المملكة فإنها ظالمة وهى هدف من أهدافا يوما ما .. ويرى البعض أن الفرار إلى فئة تلتزم بمنهج الإخوان أمر لابد منه إن تمت المصالحة.. لأن من حول نميرى من السدنة لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه .. فكيف يحكمون الشريعة.

أما سادة المملكة والنميرى "الأمريكان" فإنهم يعلمون علم اليقين بحمل الحركة الإسلامية للسلاح وبهيمنة الحركة الإسلامية على دور العلم والخدمة المدنية مما يعقد لواء المستقبل لها لذا لابد من تلويثها وسحب البساط من تحت أرجلها برفع شعاراتها تحصنا بها وشلا لإدارتها الغلابة بإذن الله .. والنميرى في لقاء " الصياد" وصف نفسه بأنه داعية الإسلام الحقيقي ووصف الإخوان بأنهم تجار دين فكيف يحالف رجل مثل هذا عرف تاريخه كلها الغدر والخيانة وقد جرب في شعارات كثيرة طرحها مع أصحابا واليوم يرفع شعار لإرضاء المملكة التي لا تسمح بوجود ولا نشاط للإخوان في أرضها إلا عندما يتفق ذلك مع سياستها وعندما تدور الدائرة تحرم عليهم الحج والعمرة .. عجبا .. وبهذه المناسبة نحب أن نؤكد رفضنا لإدخال المملكة رجلها في أمور الإخوان الأمر الذي يجعلنا ننظر لها بعين الريبة.

بقيت كلمات أخيرة أن نميرى عندما عزم على مفاوضة الجنوبيين كفل لهم من الاحترام أكثر مما كفل للمعارضة واليوم يجمع أبناء الجنوب السلاح لأنهم يعتقدون أن نميرى قد تنكر لاتفاقية أديس أبابا .

كما أننا نعتب على الإخوة الذين فاوضوا سعيهم لأناس ليسوا أمناء على أسرار التفاوض وهم يعلمون أن هبانى من الأسرة ذات الولاء لحزب الأمة فكيف لا يتسرب الحديث إلى أطراف الجبهة ونسجل بذلك خيانة نجاهر بها.. ثم أين قرار التنظيم في العمل تحت لواء الجبهة.. وأين مبدأ الشورى .. وما رأى أمير الجماعة؟ ثم إن الدخول في مصالحة مع نظام نميرى أمر قد لا يتم فكان الأحرى أن يحاط بسرية كاملة لأن على ذلك ستكون آثار مترتبة أولها ضياع ماء وجهنا أمام الجبهة وعدم ثقة الحكومة الليبية والتي نستفيد من إمكاناتها.

في الختام نحب أن ندعوا الإخوة المسئولين لزيارة معسكرات التدريب بليبيا رغم كثرة مشغوليتهم حتى يروا وليس من رأى كمن سمع وهنالك سيسمعون من إخوانهم شفاهة الأمر الذي يجعل آراءهم واضحة لا ذهبها عن معناها جنوح الجبابرة وعدم الدقة في النقل.

وهذا ملخص لما دار بين الإخوة المرابطين وللبعض آراء لم تكتب لأسباب عملية منها استقبالهم ميادين الإعداد والتدريب ويقينهم أن الجهاد ماضي إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل ولا ظلم ظالم والله من وراء القصد إنه نعم المولى ونعم النصير".

يلاحظ من خلال الرسالة أعلاه أنه قد كتبت مباشرة بعد لقاء المكاشفة الشهرية الذي أعلن فيه الرئيس نميرى مؤشرات حول المصالحة الوطنية .

أي قبل أن تعلن المصالحة بصورة رسمية .. وهذا يلاحظ من حديث الرسالة على أن الإخوة في معسكرات التدريب قد تنامي إلى أسماعهم خبر عن مصالحة بين النميرى والحركة الإسلامية وليس الجبهة الوطنية مما اعتبره الإخوان بالمعسكرات نوع من عدم الاحترام لمبادئ واتفاقات الجبهة الوطنية بل نوع من الخيانة للعمل العسكري المشترك.. ويؤكد ذلك الإشارة إلى اسم هبانى الذي تربطه عرقات أسرية بحزب الأمة والذي على علم ببعض محتويات هذه المصالحة مما يعرض أسرارها أن تتسرب لحزب الأمة ولعل الرسالة تعنى بهبانى هذا الناظر عمر إدريس هبانى الذي كان من أقطاب المعارضة لنظام نميرى خارج السودان وكذلك العديد من أفراد أسرته وقبيلته منهم شقيقه تبيرة إدريس هبانى.. وأحمد موسى سعد " بلاع" وإدريس شكيرى وبلال عوض الله الذين كانت لهم أدوار متفاوتة في حركة 2 يوليو 1967م.

كما يتضح من ساق الرسالة أن الإخوان المعسكرين في الصحراء الليبية بعد فشل حركة 2 يوليو لم يكونوا على اتصال ومواكبة بمجريات الأحداث بين النميرى والسيد الصادق المهدي ولا يعلمون أن المصالحة يقودها رئيس الجبهة الوطنية شخصيا السيد / الصادق المهدي وأن الحركة الإسلامية قد قبلتها كـأمر واقع حدد مستقبل إستراتيجيتها في العمل السياسي .

كذلك تشير الرسالة وبقوة إلى عدم رضاء الإخوان المعسكرين في الصحراء الليبية وعدم اقتناعهم بجدوى المصالحة مع نظام نميرى الذي وصفوه بما وصفوه به في رسالتهم.. كذلك تعيب الرسالة على القيادات انقطاعهم عن المعسكر وتفقد أحوال الإخوان وأخذ رأيهم ومشاوراتهم في مثل هذه الأمور الخطيرة. لم تكن هذه الرسالة هو الوحيدة التي تعبر عن رأى الإخوان في المعسكرات الليبية أو تحفظهم حول المصالحة مع نظام نميرى وإنما كانت هنالك العددي من الرسائل والآراء التي كانت تبعث للقيادات سواء أن كانت داخل السودان أو الإخوان في قيادة الجبهة الوطنية بالخارج.

رسالة أخرى من صحراء ليبيا

الرسالة التالية تعبر عن تداول الآراء بين الإخوان وقياداتهم ومستوى الشورى الذين يعيشون فيه بكل صفاء شفافية .

فالأخ/ ع.م. يوسف يبعث برسالته من طرابلس بتاريخ 26/2/ 1977م أي قبل أحداث حركة 2 يوليو 1976م وقبل لقاء الصادق المهدي بالنميرى في بورتسودان.. أي قبل إعلان المصالحة الوطنية بفترة . ونحن هاهنا نوردها كما هي من دون حذف أو إضافة ثم نعلق بعد إيرادها:

26/ 2/ 1977م

تقرير من الأخ / ع. م. يوسف.

هذه ملاحظات أردت أن أكتبها للمكتب وأظن أنها تعبر عن رأى الكثيرين من الإخوان في طرابلس:

1- يرى الإخوان أنه كان من واجب المسئولين ف المكتب زيارة المعسكرات وأماكن التدريب وأن يتدربوا هم أنفسهم حتى يضربوا القدوة لإخوانهم وحتى يكونوا على علم تام بما يجرى ويحسبوا حساباتهم الخاصة دون أي تأثير خارجي من أحد.
2- يقف الإخوان في حيرة شديدة من غموض موقف التنظيم من التدريب ويحملون المكتب المسئولية في شرح هذا الأمر للإخوان خاصة وأن هناك تيارا يقف موقفا سلبيا في التعامل مع الجبهة.. وكل من لا يلزم قرار التنظيم يجب ألا يعتبر أخا بأي حال من الأحوال فهناك مجموعة في مصر عندها موقف وكثير من الإخوان فئ السعودية لهم موقف فما السبب ما دام الأمر مقر من مجلس الشورى . فأرى أن يذهب لهم المكتب ويقنعهم.
3- الإسراع في هذا الأمر من الأشياء الضرورية جدا لأن هذه الفرصة نادرة جدا وهى قابلة للضياع لأن هناك تيارا ليبيا داخل الحكومة يرى أن لا داعي لتعريض ليبيا لمحاربة العالم ومواجهة أمريكا وهذا التيار في ازدياد دائم وكما أعلم أن الشعب الليبي ملول بطبعه ففكرة التغيير عنده سهلة والتنفيذ ربما يتم ما بين يوم وليلة ولا عجب أن يغيروا كل هذا النظام المنيع وهو تغذية الحركات المعادية لحكوماتها تحت شعار مناصرة قضايا الشعوب.
4- أظن أن المكتب يعارض مكث الإخوان في الخلاء بمجموعات كبيرة ولكن أرى أنه لابد منه وذلك لتدريب إخوانهم بأنفسهم لأن الأنصار مع عدم مقدرتهم في سرعة التفهيم للغير أيضا غير مستعدين لتدريب الإخوان لأنهم يعرفون خطر الإخوان ويعرفون أن مجموعات من الإخوان تأتى للتدريب في زمن وجيز ويذهبون وهذا لا يريحهم أولا: من ناحية التخويف لأن الإخوان صاروا خارج ليبيا ويمكن أن يتصرفوا أي تصرف .

ثانيا : يرون أنهم أحق بالسلاح من الإخوان لأنهم مرابطون معه لمدة سنين فكيف بإنسان يأتي لمدة شهر يتعلم ما تعلموه في سنين .

5- يحضر الإخوان للتدريب بشكل مجموعات قليلة أو فرادى في أوقات متباعدة فإنه من العسير تحديد وقت معين للكورس وهو يدخل الإخوة المسئولين في طرابلس في حرج شديد أمام الحكومة الليبية ويظهر عدم جدية الإخوان في هذا الأمر ( مع العلم بأن الكورس الصاعقة يبدأ بخمسة وعشرين على الأقل ) وإذا قارنا بالأنصار فإنهم على أهبة الاستعداد في كل وقت لأنهم مجمعون ويسهل جدا أخذهم من مكان لمكان لتدريب جديد .
6- المعسكرات الأخرى في الجبهة الوطنية لا ترى ثقل الإخوان في الأعداد المتدربة وأيضا عدم ثقلهم في الداخل خاصة بعد فقدان الإخوان للجامعة والنقابات ولذلك أخشى أن يعزلوا في الجبهة التي قد تحول إلى الحبشة عدديا لأن كل الأنصار في ليبيا لا يتجاوزون أربعمائة وهو ألوف في الحبشة والسلاح قد نقل للحبشة ولا أحد من الإخوان هناك، ولذلك أرى أن يذهب بعض الإخوان للحبشة وأن يتم تدريب بعض الإخوان في الحبشة ولا شك أن طريق الحبشة سهل وقريب.
7- تنوى الجبهة عمل عمليات خاصة وقد تكون قريبا وأرى إن حدث هذا إن لم تصب التنظيم منها كارثة فليس بعيدا أن تصيبه شظايا من آثار تلك العمليات فأرى التنبيه حتى يعلموا أي تحرك للأنصار.
8- يرى بعض الإخوان أن تدريب الإخوان يمكن أن يكون داخل البلاد بل داخل الخرطوم نفسها ويمكن أن يلغى ضرب النار من التدريب أو أن يكون في الخلاء بعيدا.. هذا بعد أن يجيد الأخ التفكيك والتركيب والتصويب والتسديد وأوضاع الرمي.
9- المعاملة الليبية معاملة طيبة للغاية ولكنهم في نفس الوقت يريدون أن تكون كل مجموعة يساعدونها جادة ولا يحبون الخلاف ولذلك أرى أن يحافظ الإخوان بقدر المستطاع على عدم إظهار الخلاف الموجود في الجبهة للحكومة الليبية.. مع العلم بأن أحداثا بعينها أظهرته أمام الضباط الليبيين وذلك أن الإخوان جاءوا هذه المرة بفكرة أنهم ثلث الجبهة وهم يحاسبون على كل صغيرة وكبيرة ويقفون مواقف من ذلك.
10- ومن أخطاء المسئولين في طرابلس التي أرى أن تصلح وتعالج ، هي:
أولا: يفهم الإخوان بل بكل تأكيد أنهم جزء جانبي في الجبهة وليسو هم الذين يحددون المواعيد أو يتخذون القرار والفصل في التدريب.

يحددون المواعيد أو يتخذون القرار والفصل في التدريب.

أ‌- عدد الإخوان في الدبابات زاد أربعة فقط عن العدد المقرر فقام الحلفاء لذلك وقعدوا – مع لعلم بأن عددهم زاد أكثر من الضعف وهو 87 بدلا من 40 وتذمر الإخوان كثيرا واتصلوا بعثمان.
ب‌- كان المفروض إعطاء كورس قيادة في مدرسة الصاعقة وتدريب الإخوان على القيادة ولم يحدث هذا .
ت‌- لا يعرف الإخوان ماذا يفعلون الآن هل يمكثون في المنازل أو يذهبون للخلاء ، وماذا في الخلاء المهم لا يوجد تصور صحيح لما يحدث.
ث‌- ذهب الإخوان بعد انتهاء كورس الصاعقة للخلاء ومكثوا 18 يوما في انتظار التدريب ولم يحدث أي تدريب وقد كتبوا في الصحراء لعثمان ويرون أن المسئولين تجاهلوهم.
ج‌- يرى كثير من الإخوان أن علاقة لمسئولين في طرابلس بقيادة الجبهة صارت شخصية ووثيقة مما يصعب على المسئولين الحزم والمواجهة.
ح‌- معظم الإخوان إقامتهم انتهت أو أوشكت أن تنتهي مما يفرض عليهم عدم التحرك لأي جهة من جهات ليبيا ويفرض عليهم مغادرة ليبيا قانونيا ولا يسمح لهم بسكن الفنادق ولم يقم المسئولين بعمل إقامة لهم في الجوازات حتى يخففوا على المنزل في المسكن.
خ‌- أنهى الشريف كورس الدبابات في أسبوع بدلا من أسبوعين وذلك ليتقرب للأنصار بعد مشكلة أمراء الدبابات التي كان الإخوان هم أكثريتها وقال إنه غير معروف من الذي سيحضر العملية.
د‌- فصل الإخوان عن الأنصار هذه المرة أيضا بحجة التدريب .
ذ‌- والذي أحب أن يعرفه الإخوان أن الشريف والصادق المهدي يحاولون تقليل دور الإخوان وأن يقللوه.. وهذه العراقيل التي توضع والخداع كله يهدف لخلق مشاكل للإخوان حتى يشكوا في عمل الجبهة وينحسر عددهم وحتى لا يسببوا لهم مشكلة بكبر العدد وقوة الحجم والوزن.
وأيضا أحب أن يعرف الإخوان أن الشريف والصادق ليسوا جادين في قضية الإسلام ويعرفون أن مودة الإخوان معهم وقتية وزمانها محدود ولذلك يتخوفون كثيرا منهم.
- أيضا يجب أن يعرف المكتب ويطمئن أن كل أخ يأتي إلى ليبيا سوف يسكن ويتدرب ويرجع إن أحب التنظيم ذلك ولا يمكن للشريف مجاهرة الإخوان بالعداء لأنه يحافظ على سمعة الجبهة مع الليبيين ويخشى أن يحدث له ما حدث لبابكر وحزبه.. ولا شك أن موقف الشريف ضعيف من ناحية العدد كاتحاديين فلذلك يسعى بطرق خفية لتقليل عدد الإخوان أيضا.
- يعمل التشريع على عدم مغادرة الإخوان لليبيا وهو أيضا يعرقل ذلك بختم الباسيبورتات وقد قال إن ذلك يخلق مشكلة بين وزير الداخلية ووزير الدفاع وأرى أن يعمل الإخوة المسئولين جاهدين لعدم ختم الباسبورت لأن ختم ليبيا يسبب مشكلة في دخول الأخ السودان بواسطة المطار " انتهى التقرير .

يلاحظ أن هذا التقرير قد كتب قبل المصالحة بفترة كبيرة حيث لم ترد فيه أي إشارة للمصالحة مع نظام النميرة .. كذلك تطرق التقرير إلي عدم الرضي عند بعض الإخوان الذين يرون ضرورة أن تكون القيادة قريبة من القاعدة وأن تضرب المثل الأعلى فئ القدوة الحسنة كذلك ركز التقرير على تحفظ بعض الإخوان في مصر والسعودية على فاعلية التدريب وجدواه وربما كانوا لا يثقون في ليبيا كما أشار التقرير إلى عدم ثبات الليبيين على رأى واحد وجنوحهم نحو التغيير .

لكن الشيء الذي ركز عليه التقرير بوضوح هو الخلاف الباطن والظاهر بين الإخوان في المعسكرات من جانب وبين الشريف حسين الهندي ومجموعات الأنصار من جانب آخر والغيرة التي تصيب الأنصار بسبب أن الإخوان يتعلمون في شهر واحد ما تعلموه هم في سنين .

مداولات الإخوان في الصحراء الليبية

كانت الدولة الإسلامية تمثل أشواقا وعشقا مقدسا في نفوس أبناء الحركة الإسلامية .. من أجله قاسوا الصعب وواجهوا كل المحن والإحن.. تركوا قاعات الدراسة في الجامعات وهاجروا إلى الصحارى ليتدربوا على السلاح بعد أن ضاق بهم السودان وامتلأت بهم السجون المايوية.. كان شعارهم النصر أو الشهادة وأن طعم الموت في أم حقير كطعم الموت في أمر عظيم.. وإن لم يكن من الموت بد فليكن ذلك الموت من أجل الفكرة السامية المقدسة ومن أجل إحداث خلافة الله في الأرض.. ومن أجل تأسيس منهج الأنبياء في الحياة.. كانت الخلافة الراشدة نصب أعينهم وكانت كتب السيرة ومغازى الرسول تملأ جوانحهم حبا للجهاد والشهادة والزهد في الدنيا والتقشف في الحياة.

فلذلك كانوا وهم في الجامعات والمعاهد إخوانا طلابا .. ولم يكونوا طلابا إخوانا.. كانوا جنودا أينما وجهوا ذهبوا ولسان حالهم يردد قول الله ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) ( النساء: 59) ولى الأمر لم يكن الطاغوت المايوى وإنما كان أمير الحركة الإسلامية في قمة هرم الحركة الإسلامية ممثلا في رمزها الشيخ الدكتور حسن الترابي .

وتتنزل الإمارة من أمير إلى أمير حتى أمير الحي وأمير الأسرة في ترابط تنظيمي قل أن تجد له مثلا حتى في المؤسسات العسكرية.

الخيار العسكري لم يكن هو الخيار الأمثل والوحيد للحركة الإسلامية لتسيطر على مقاليد الحكم في السودان.. ولكنه لم يغب عن خاطرها.. لأن إهدار القوة أمرا دينيا مأمور به المسلم كفرد والجماعة كجماعة .. فالقوة أمر ضروري يحتاجه المسلم للدفاع عن نفسه وعن فكره ومعتقده.. والقوة أحيانا تكون ضرورية مسايرة لواقع الحال الذي لا يحترم الضعفاء ولا يحمى لهم حقا ولا يحفظ لهم نفسا ولا دينا.. والقوة تكون ضرورة وفريضة عندما تقفل كل نوافذ الحوار وتوصد كل أبواب الحريات وتصادر الكلمة الحرة والأمينة وتضطهد العقيدة وأصحابها وتفتح لهم أبواب السجون وتنصب لهم المقاصل والمشانق عندئذ لا تكون القوة ضرورة بل تكون فريضة ولا أعنى بالقوى أعدادها فحسب وإنما استعمالها واللجوء إليها كوسيلة لم يتح غيرها.. عندها وعندها فقد يصدق قول شاعر الإسلاميين: صمت لينطق المدفع لأنني أيقنت بأن القول لا ينفع فما دامت رياض الخلد قذائف المدفع فقف واسمع لرشاشي إذا جلل أو قعقع ودر النار كالإعصار في عرصاتهم واردع وصبحهم على حال ومسيهمو على أبشع.

وكبر .. وصح فيهم أنني قادم لرفع الراية الأرفع.

هذه هي الأوقات التي يجوز فيها استعمال القوة لبسط الفكرة وجعلها متاحة لمن أرادها من غير إكراه ولا ترهيب وشرح المنهج والبرنامج في جو حر ومعافى .. أما إعدادها فهو واجب في كل الظروف وأما استعمالها فهو مشروط بما أسلفنا من ضرورات .

فالحركة الإسلامية عندما جاءت ثورة مايو 1969م بقيادة العقيد جعفر نميرى كانت شيوعية التوجه مع تحالف مع القوميين وكانت راياتها حمراء وشعارتها علمانية فلم تجد مايو من أنباء الشعب السوداني المسلم المجاهد مرجعا فكريا غير الأمين العام للحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب.. ولم تجد من عمال السودان الحنفاء الأتقياء من يمثلهم غير الزعيم العمالي الشيوعي الحائز على جائزة لينين ، الشفيع أحمد الشيخ .. وهكذا أصبح الشيوعيون هم أهل الفكر والرأي والتنفيذ والقيادة والريادة في العهد الأول لثورة مايو في توجه قصد منه عزل السودان عن المنطقة الإسلامية وربطه بدول المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي.. وقد كان الحزب الشيوعي السوداني أكبر الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي وإفريقيا.

أراد الشيوعيون وقف التوجه الإسلامى المتنامي الذي عرف به أهل السودان.. وأرادوا كسر الحركة الإسلامية قبل أن تشب عن الطوق.. وأرادوا أيضا ضرب كل البيوت والمؤسسات والمعاهد والجامعات الدينية في السودان.. فشعارهم هو " لن يظل السودان جزيرة للرجعية وسط مد ثوري هادر".

جاء انقلاب 25 مايو 1969 عدما كان البرلمان السوداني يناقش الدستور الإسلامى التي تمت إجازتها في مرحلتي القراءة الأولى والثانية .. فجاء انقلاب مايو ليوقف هذا التوجه الإسلامى للدولة..

وجاءت مايو يمتطى جوادها الشيوعيون بعد أن خرجت جموع الشعب السوداني في مظاهرات عارمة وقوية وحاصرت البرلمان ونادت بحل الحزب الشيوعي السوداني ولم تنفض عن محاصرة البرلمان حتى أصدر قرارا بحل الحزب الشيوعي السوداني.. وذلك لأن أحد أعضائه قد تجرأ ونال من شرف بين الرسول صلى الله عليه وسلم.. وقد كان هذا العضو يومها طالبا بمعهد المعلمين العالي.

لذلك عندما جاءت مايو كان أول سجنائها هم الإسلاميون.. فقد دخل الدكتور الترابي السجن المايوى قبل أن يدخله الصادق المهدي أو الزعيم الأزهري أو باقي قيادات الأحزاب.. ثم توالت اعتقالات قادة الحركة الإسلامية في المجتمع في الجامعات والمعاهد العليا وبدأت المطاردات في الجامعات والطرد من الخدمة باسم الصالح العام وبدا التضييق في الرزق والمعاش من جانب والسعي لمحو التوجه الإسلامى في السودان من جانب آخر..

هنا تقدم خيار القوة على غيره من الخيارات .. فكانت الجزيرة أبا التي تعتبر المبادرة الأولى لتنزيل فقه الجهاد من التنظير إلى التفعيل .. ومن العشق والأشواق إلى المعايشة والممارسة والمجاهدة والمصايرة.. كان زهرة شباب الإخوان الشهيد محمد صالح عمر .. ويلاحظ هنا أن الحركة الإسلامية لم تقدر فتيانها من طلاب الثانويات أو الجامعات ليبدأوا مسيرة الجهاد الحي.. بالذخيرة الحية.. وإنما قدمت شيوخها ليبدأوا المسيرة القاصدة نحو الله والجنة.. حتى يعلم الشباب من بعدهم أن الأمر جد لا هزل فيه، وأن طريق الدعوة والدولة الإسلامية لم يكن في يوم من الأيام مفروشا بالورود والرياحين وإنما بالأشواك والجماجم والأشلاء.. وصدق الدعوة في شعاراتها دليله أن يتقدم هذا الطريق قادتها وليس عامة عضويتها.. فإذا تقدم القادة كان سير الشباب وبقية الأعضاء في هذا الطريق سهلا وسلسا.

لذلك عندما جاءت الجزيرة أبا في عام 1970م قذفت الحركة الإسلامية بقادتها ومؤسسيها لميدان الجهاد فكان أستاذ القانون بجامعة الخرطوم الشهيد محمد صالح عمر.. وكان شيخ مشايخ الإخوان/ محمد محمد صادق الكاروري.. ومن خريجي جامعة الخرطوم كان الشاب المثقف المجاهد مهدي إبراهيم والشاب محمد أحمد الفضل دقشم والمجاهد بابكر العوض وآخرون..

ورغم أن معركة الجزيرة أبا قد حسمت في ظاهرها الدنيوي لصالح معسكر البغي .. وقد استشهد إمام المجاهدين الإمام الهادي المهدي.. لكنها قد فتحت نوافذ الجهاد مشرعه.. فكانت سنة بدأها السابقون من قادة الحركة الإسلامية فسار عليها اللاحقون من جحافل الحركة الإسلامية .

بعد معركة الجزيرة بدأت السلطة المايوية أكثر شراسة وعدوانا على أعضاء الحركة الإسلامية فامتلأت السجون بالطلاب وقيادة الحركة في المجتمع بل امتدت الاعتقالات لتشمل طلاب الثانويات.. وتم فصل العشرات من طلاب الجامعات والثانويات بسبب نشاطهم السياسي.

عندئذ بدأ الإعداد لجولة أخرى ومنازلة أخرى ضد النظام المايوى فكانت ثورة شعبان التي أشرنا إليها في غير هذا الموقع، ثم كانت حركة 2 يوليو 1976م المسلحة التي لم يحالفها النجاح أيضا .

كانت حركة 2 يوليو 76 أن الإخوان المسلمين هم القوة المحركة والعقل المدبر لحركة 2 يوليو فهم الذين احتلوا دار الهاتف وهم الذين أوكلت لهم مهمة المطار لاغتيال الرئيس نميرى الذي كان في مهمة خارج السودان وكان من المفترض أن تهبط طائرته في ذلك الحين حيث كان المجاهدون ينتظرونه على أهبة الاستعداد ولكنه افلت بأعجوبة.. منذ ذلك الحين فكر النميرى جديا أنه لابد من مخرج سلمى سياسي يسلمه شخصيا من كيد الجبهة الوطنية المعارضة ويضمن له حياة سياسية مستقرة.

أما من جانب الحركة الإسلامية فقد كانت حركة 2 يوليو تمثل امتدادا لأشواق أبناء الحركة الإسلامية في الجهاد والاستشهاد وهم يرون زملاء الدراسة أمثال الشهيد عبد الفضيل والشهيد ختم والشهيد عبد الاله خوجلي والشهيد عبد الله ميرغني معلقين حتى الموت داخل مشانق ومقاصل الأمن المايوى.. كان هذا الوضع يمثل حافزا ودافعا للكثيرين من طلاب الجامعات للذهاب إلى معسكرات التدريب في الصحارى الليبية واللحاق بإخوانهم الذين انسحبوا بعد فشل حركة 2 يوليو.

توالت أفواج أعضاء الحركة الإسلامية بعد حركة 2 يوليو على الصحراء الليبية ليلحقوا بمعسكرات التدريب العسكري استعدادا لجولة قادمة لا محالة ضد النظام المايوى.. وقد ظلت أفواج الإخوان تتقاطر على المعسكرات حتى بعيد المصالحة الوطنية أي طيلة عامي 77- 1978م ولم يتوقف ذلك السيل إلا بعد أن تم إعلان حل الجبهة الوطنية وهنا بعد مرور ربع قرن على هذه الأحداث وبعد أن تحولت الحركة الإسلامية من حركة مستضعفة ومضطهدة ومطاردة بين الصحارى والسجون وأصبحت الآن دولة وأصبح بعض الذين كانوا في الصحارى الليبية في معسكرات التدريب العسكري حيث كانوا في العشرينات من أعمارهم طلابا لم يكملوا دراساتهم الجامعية بعد.. قد أصبحوا اليوم في ظل الإنقاذ وزراء وولاة ومحافظين منهم غازي صلاح الدين، الطيب إبراهيم، يحيى حسين ، محمد محيى الدين الجميعابى، أحمد العاص، عصام البشير محمد البشير عبد الهادي، علي كرتي ، عمر عبد المعروف، الصافي نور الدين ، هاشم علي . الخ.

فبعد مرور ما يزيد عن ربع قرن من الزمان وبعد توف الوثائق الأولية عن هذه الفترة ونحن ندون تاريخ الحركة الإسلامية سنذكر بعض مداولات ومراسلات الإخوان في الصحارى الليبية كما نذكر وصايا بعض الإخوان الذين كان شعارهم أما النصر وإما الشهادة.. هذه الوصايا مكتوبة بخط أيادي أصحابها.. نذكرها ونرجوا أن لا تسبب حرجا لأحد فهي قد مضى عليها أكثر من ربع قرن من الزمان كما أسلفنا وأصحابها كانوا في العشرينات من أعمارهم والآن منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وقد تجاوز معظمهم الخمسين من العمر.

قد جال أولئك الشباب وصالوا في الصحارى الليبية.. صادقوا وألفوا معظم أنواع الأسلحة استعدادا ليوم فصل يعز فيه الإسلام وأهله ويذل فيه الشرك والنفاق وأهله اتخذوا أسماء حركية بقصد التمويه وتحصلوا على جوازات لا تحمل أسماءهم الحقيقية حتى لا يتم رصدهم من قبل الأمن المايوى الذي كان إليهم بالمرصاد.. كان الطالب محمد محيى الدين الجميعابى يحمل اسما حركيا هو بشير محمد الحسن.. وكان يحيى يحمل اسم حسن فقير حسين.. وكان عصام البشير يحمل اسم أمين مبارك إبراهيم.. وكان غازي صلاح الدين يحمل اسم سعيد محمد على .. وكان الصافي نور الدين يحمل اسم الشيخ عبد الله الشيخ.

وكان عمر عبد المعروف يحمل اسم محمد حسين خالد.. وكان الشهيد محمد عبد الرحمن مختار عجول يحمل اسم عثمان عبد الرحيم.. وكان عبد الرحيم العقلي يحمل اسم بشار محمد أحمد عركى .

وكان الشهيد فضل السيد عبد القادر أبو قصيصة يحمل اسم ميرغنى عبد القادر الطويل.. وكان الطيب إبراهيم محمد خير يحمل جوازا باسم / عبد الرحيم إبراهيم على .. بينما حمل أحمد العاص اسم معاذ محمد أحمد.

وحمل الشهيد الدكتور محمود شريف اسم عبد الرحمن محمد معروف.. بينما حمل محمد البشير عبد الهادي اسم عبد الرحمن أحمد عمر.

كانت جميعها أسماء حركية مكتوبة بخط يد المذكورين أعلاه مع إعطاء تفاصيل عن أسرة كل واحد منهم ومراحل دراسته وتاريخ التحاقه بالحركة الإسلامية وهل يرغب في العودة بعد نهاية التدريب العسكري إلى السودان أم يود البقاء بليبيا.

وهنا أذكر نموذجا كتبه الأخ الحبيب الشيخ المرحوم / محمد الحسن على عبد الرحمن- من شيوخنا في المنطقة، من قرية الدمبو بالنيل الأبيض- وتربطني به أواصر الإخاء والمودة ونشهد أنه قد كان من الأتقياء الأوفياء وقد انتظم أخيرا في صفوف جماعة البلاغ والدعوة إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى وكأن الصدق والفراسة قد أنبآنه بالفتنة القادمة على جناح شيطان السلطة وسكرتها.. وكان المرحوم محمد حسن يمثل الساعد الأيمن لشيخ الدعاة بالنيل الأبيض الشيخ العارف الحافظ / أمين عثمان علي الذي كان مثالا للزهد والتقشف والموالاة لكتاب الله حفظا وعملا.. رحم الله شيخ الأمين عثمان.

مجاهدون من الصحارى الليبية

بسم الله الرحمن الرحيم
محمد الحسن على عبد الرحمن
ح/ الريح احمد الريح

تاريخ الميلاد 1955

الدمبو شمال النيل الأبيض

كلية التربية السنة الأولى 1977- 1978

العنوان : الخرطوم رئاسة شركة شل عبد الجبار عبد القادر على

حالة الأسرة : الوالد يعمل بمكتب ري التحاميد امتداد المناقل ( قياس) الوالدة على قيد الحياة وثمانية أخوات أربع ذكور أصغر منى في الثانوي العام وثلاث أخوات اثنان متزوجات والثالثة تخرجت هذا العام في معهد تدريب المعلمات.

تاريخ وصول العسكرية : 23/ 6/ 1977

تاريخ مغادرة المعسكر : 16/ 8/ 1977

المدة التي قضاها بالمعسكر 53 يوما

الأسلحة التي تدرب عليها :

كلاشنيك – f n غدارة – مسدس – أغراض r p gبراون فنج – متفجرات – رمانات يدوية .

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري:

1/ المحافظة على المواعيد : ج
2/ اللياقة البدنية : ج
3/ الانضباط : ج
4/ الاستيعاب: ف
5/ القدرة على القيادة

هذا مثال يكاد يكون شبه عام بين الإخوان الذين يمموا شطر المعسكرات الليبية استعدادا لمنازلة سلطة مايو.

كذلك كتب بعض الإخوة وصاياهم تحسبا أن يستشهدوا أثناء تأدية واجبهم.

وهنا نورد وصية الأخ الدكتور سلاف الدين صالح والوزير يحيى حسين والدكتور محمد البشير عبد الهادي وابن عمه الدكتور عصام البشير التي كتبها بخط يده والتي أرفق معها نبذة كاملة أشار فيها إلى أنه من مواليد 27/ 11/ 1956م وعنوان أسرته بتندلتى هو – ص – ب – 43 – ت: 64) ثم ذكر أنه قد درس الابتدائي والثانوي العام بتندلتى- الثانوي العالي بالحصاحيصا الصناعية ثم انتقل إلى مدني الصناعية الثانوية العليا ثم أكمل دراسته الثانوية العليا بمدرسة الكاملين، ثم جامعة الإمام أحمد بن سعود الإسلامية بالسعودية في عام 1976 كلية أصول الدين، ثم قدم خليفة عن تاريخ التحاقه بالحركة الإسلامية والمهام التي أوكلت له وكذلك تفصيلا عن أفراد أسرته وأفاد أنه من أسرة ميسورة الحال حيث يعمل والده بالتجارة، ولنبدأ برسالة الأخ المجاهد سلاف الدين صالح.

بسم الله الرحمن الرحيم .
1- الاسم : سلاف الدين صالح محمد طاهر.
2- الاسم الحركي : الوليد محمد بخارى.
3- المهنة: مساعد باحث- مركز أبحاث الأغذية- وزارة الزراعة- في بعثة دراسية لتحضير الماجستير والدكتوراه بجامعة ريدنج بانجلترا.
4- تاريخ الدخول للتنظيم : 1968م

5- المناصب التي تولاها بالتنظيم :

أ‌- عضو مكتب التنظيم لسنتين بمعهد شمبات الزراعي .
ب‌- عضو مكتب الطلاب لمدة عام 84- 75 الخرطوم.
ت‌- عضو مكتب الزراعيين لمدة عام 74- 75 .

6- متزوج منذ ستة أشهر ، زوجتي بانجلترا

العنوان بواسطة الأخ الزبير بشير طه والدي بالخرطوم ولدى أختين متزوجتين وأخوين في مرحلة الدراسة بالثانوي العالي.
7- العنوان بالخرطوم : صالح محمد طاهر.
منزل رقم 7 ب 2483 الخرطوم.
شارع الملك نمر تقاطع 67 ت: 44541 الخرطوم – 2 .

الوصية :

مبلغ جنيه للأخ مالك حسين حامد- مصلحة المراعى وزارة الزراعة- الخرطوم لدى أمور أخرى وصيت عليها بانجلترا من مبالغ مودعة و – تعلم زوجتي والإخوة إبراهيم نور الدين وعلى عثمان على بجامعة ريدنج- مرفق خطابين لزوجتي ووالدتي.
بسم الله الرحمن الرحيم.

الوالد العزيز

الوالدة الفاضلة

الإخوة الكرام نوار، أسمهان ، نور النبي، ولى الدين

الأهل والإخوة الأفاضل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أكتب إليكم هذه الأسطر وأنا في طريقي للإعداد للجهاد وتقرؤونها وقد أديت واجبي نحو الله عن قناعة تامة واختيار بأن أبذل كل غال ورخيص في سبيل الله وأرجو أن تدعوا الله أن يتقبل منا.

إن الأعمار بيد الله ولكل منا أجل معين إذا جاء يومه لا يتأخر ولا يتقدم- ويموت الناس تحت عجلات العربات أو على المضاجع ومنهم من ضل فيموت وهو على معصية من سكر أو غيره- ولنحمد الله وندعوا أن يأتي يومنا وتقبض أرواحنا على أشرف وأكمل وجه ألا وهو الجهاد في سبيل الله – وأدعوكم جميعا إلى هذا الشرف والمنزلة الرفيعة فهذه الأرواح ليسن لنا ما دمنا قد بعناها لله " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله " ونيتي في ما قمت بت أن أخرج في سبيله لأعد نفسي وأبذل جهد طاقتي لإقامة حكم الله على الأرض ومجابهة كل من حكم بغير ما أنزل الله إذا ما رفض العمل بها.

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه وأدعوه أن يحفف عليكم ويرعاكم ويهدينا وإياكم إلى كل قول وفعل ينال رضاه ويدخلنا الجنة بت – فإلى اللقاء هنالك وما ذلك ببعيد فهو وعد من الله " ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم بت"

غفر الله لي ولكم وللمسلمين أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلاف الدين صالح
ديسمبر 1976 م

بسم الله الرحمن الرحيم.

زوجتي العزيزة عايدة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أكتب إليك هذه الأسطر وأنا في طريقي لإعداد نفسي للجهاد في سبيل الله – ولا أدرى إلى أين يريد الله أن يوجه قلبي ومالي بذلك وهو الأمين عليها.

وبحمد الله وقد كنت خير من تقدريني وتحثين على المضي في سبيل الله وأنت أدرى منى بما يحف هذا الطريق من بذل وإخلاص وفداء بكل شيء- حتى الروح- ونحمد الله أن هدانا إلى هذا الطريق لأنه الوحيد الذي يربح فيه بالرغم مما يظن عباد هذه الدنيا.

أكتب إليك هذه ألأسطر لا كمودع ولكن كواعد إلى لقاء قادم بإذن الله في جنات الخلد حيث النعيم المقيم والدار الباقية – وليكن في ذلك خير دافع إليك لبذل كل جهد وغال ونفيس في سبيل الله ولا أشك في ذلك أبدا.

عزيزتي الرجاء ألا تحزني كثيرا على ما وقع فإن الأجل إذا جاء فلا يستقدم ولا يتأخر والحمد لله أن وفقنا الله في أن يكون في حياتك الأعمال – وأدعو مخلصا أن تمارسي حياتك بكل شجاعة ووعى وتبدأى طريقك من جديد وبإذن الله ستلتقين بمن هو أحسن منى وأتمنى لكما حياة طيبة أرجوكى أن تتقبلي هذا وصدقي بأنني سأكون أكثر رضاء بذلك والله على ما أقول شهيد .

الرجاء أن تغفري لي تقصيري في أي أمر نحوك وأن تدعى الله لنا أن يتقبل منا ما بذلناه .

أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ووداعا وإلى اللقاء .. في جنات الخلد بإذن الله .

والسلام عليكم ورحمة اله وبركاته
سلاف الدين طاهر
رسالة عصام أحمد البشير إلى والده:

الوالد الحبيب أحمد البشير

السلام عليكم ورحمة الله

أرجو الله تتلقاك كلماتي وأنت كما عهدتك.. مطمئن القلب.. واثق الإيمان .. ثابت الجأش .. صابر النفس.. محتسب الأجر لله.. وداعيا لي بحسن القبول.. والدي العزيز .. نحمد الله الذي جعل لنا الآخرة عوضا عن الدنيا.. فإنه من لاح له كمال الآخرة ونعيمها هان عليه فراق الدنيا.. وقد نعانا الله قبل أن نخلق بقوله(إنك ميت وإنهم ميتون ) ( الزمر: 30) وقد وقت الله لكل أجل ميقات لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون والله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها .. ولكن أيها الوالد الحبيب ليس كل من مات فهو في طاعة ربه وما أحسن من قال: ما أعظم أن يموت المرء مستشهدا في سبيل الله وهو يسمع قوله عز وجل ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) ( آل عمران: 157) ، ( والشهداء عند ربهم يرزقون ) ( الحديد : 19) وفى حديث أنهم على حواصل طير خضر.. بعد هذا كله يهون في قلبي حطام الدنيا.. فارتضيت هذا الطريق ولا شك أنك ممن يوقون بصحته.. فنسأل الله أن يجمعنا على جنته ورضوانه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. فعهدي بك أيها الوالد الحبيب وعموم أهلي الدعاء لي بحسن لقبول والعفو والرضا والصبر ما قضى الله ولا تبكوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين .

وأوصيكم ونفسي بتقوى الله والمحافظة على ما يحب ويرضى وموعدنا معكم في جنات الروض بحول الله.. واطلبوا الصفح والعفو لي من الأهل والجيران وكل أهل تندلتى ونسألهم الدعاء الصالح.. واستودعكم الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

ابنكم عصام أحمد البشير
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم الحقيقي : عصام الدين أحمد البشير عبد الهادي

الاسم الحركي: أمين مبارك إبراهيم

الإقامة : تندلتى

تاريخ الميلاد: 27/ 11/ 1956

العنوان : تندلتى – ص- ب- 43 ت64

الدراسة وأماكنها: الابتدائي والثانوي العام بتندلتى الثانوي العالي بالحصاحيصا الصناعية ثم انتقلت إلى مدني الصناعية الثانوية العليا ثم أكملت دراستي الثانوية العليا بمدرسة الكاملين – ثم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

تاريخ التخرج : تخرجت من الثانوي العالي عام 1976 والتحقت في نفس العام بجامعة الإمام بن سعود الإسلامية بالسعودية – ( كلية أصول الدين) ولم أكمل عاما دراسيا واحدا.

الشهادة تخصصا درجة " الشهادة السودانية أدبي نجاح بدرجة 57, 3% .

تاريخ الالتحاق بالدعوة: التحقت بالدعوة عام 1972 .

المهام التي تولاها : توليت منصب المسئول العام بمدرسة مدني الصناعية الثانوية العليا وكذلك منصب نائب رئيس الاتحاد عام 1973 .

وتوليت منصب السكرتير العام لاتحاد المدارس الفنية بالسودان من قبل التنظيم ، ثم انتقلت إلى مدرسة الكاملين الثانوية العليا حيث توليت منصب المسئول العام عن التنظيم بالمدارس لعام 1974- 1975 وتوليت رئاسة جمعية الثقافة الإسلامية من قبل التنظيم بمدرستي مدني الصناعية والكاملين.

وعملت كذلك كمسئول ثقافي في شعبة تندلتى ومسئول ثقافي في العمل الصيفي للطلاب بمدينة تندلتى.

الحالة الاجتماعية : غير متزوج وغير خاطب.

أفراد الأسرة: الوالد أحمد البشير عبد الهادي عمره 45 سنة ويعمل بالتجارة وهو على قيد الحياة

– الوالدة زينب على الحورى متوفية

الإخوان : بشير أحمد البشير 24 سنة يعمل بالتجارة مع والدي – متزوج.

محمد أحمد البشير 22 سنة طالب بالمعهد الفني – كلية الدراسات الهندسية وغير متزوج.

عبد النعم أحمد البشير 13 سنة – طالب بالثانوي العام .

عبد الهادي أحمد البشير 10 سنة طالب بالابتدائي .

منيرة أحمد البشير 28 سنة – متزوجة ولها خمسة أطفال.

منيرة أحمد البشير 1 15 سنة طالب بالثانوي العام.

ثريا محمد المواف 30 – وهى زوجة والدي والتي تزوجها بعد وفاة والدتي.

المستوى المعيشي جيد وعائل الأسرة والدي

الجهة التي عمل بها والمدة : لم أعمل

الشهادات موجودة أم لا : الشهادات موجودة ومكتملة

الجواز أصلى أم لا : الجواز أصلى

المعرفة بقيادة السيارات: معرفة بدائية

وصية يحي حسين بابكر

بسم الله الرحمن الرحيم

الاسم : يحيي حسين بابكر

الاسم الحركي : حسن فقير حسين

العمر: 25 عاما

تاريخ الانضمام للتنظيم : أوائل 1974م

المهام التنظيمية : عضو بالمكتب التنفيذي بالثانويات- المسئول السياسي عن الثانويات – عضو المجلس الأربعيني لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم- عضو مجلس الشورى.

المهنة : طالب بكلية الاقتصاد

التخصص: اقتصاد وعلوم سياسية

العنوان بالسودان: عطبرة – ص.ب 228 الوالد حسين بابكر .

الحالة الاجتماعية : أسرة لا تعانى من مشاكل مادية والحمد لله.

الوصية أدناه كتبها الطالب يحيى حسين بابكر الذي كان طالبا بجامعة الخرطوم كلية الاقتصاد ( اقتصاد وعلوم سياسية ) وكان عضوا بالمجلس الأربعيني لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم وعضو مجلس شورى الاتجاه الإسلامى بالجامعة.. كان عمره يومئذ 25 عاما .. وقد ذكر أنه قد انتظم في صفوف الحركة الإسلامية في أوائل عام 1974 ، وقد كانت وصيته التي كتبها بخط يده كالآتي:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أوصى بت عبد الله : يحيي حسين بابكر قبل مغادرته متوجها إلى التدريب استعدادا للجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى الذي وعد من يقوم بمثل هذا العمل بإحدى الحسنيين الشهادة.. وهى التي أسأل الله أن يرزقنيها .. أو النصر الذي أسأل الله أن يكون حليفا للمؤمنين .

وخير ما أوصى بت نفسي وأهلي هو ما أوصانا بت الله تعالى حين قال( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) ( النساء : 13) وتقوى الله أمر جامع يشمل امتثال أمره واجتناب نهيه وقد أمرنا الله سبحانه بالصبر وعدم الجزع عند المصيبة والرضاء بقضائه، وقد أوصانا الله سبحانه وتعالى أيضا بقوله( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيى ويميت والله بما تعملون بصير) ( آل عمران: 156) .

فالموت كما قال الله سبحانه وتعالى : ( أينما تكونوا يدرككم الموت) ( آل عمران : 154) . بل إنه أمر محقق إذ أن الله سبحانه نعانا قبل أن نولد قائلا ( إنك ميت وإنهم ميتون) ( الزمر: 30) وقال الشاعر :

إذا غامرت في أمر عظيم فلا تقنع

بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر حقير

كطعم الموت في أمر عظيم

وقال : ومن لم يمت بالسيف مات بغيره

تتعدد الأسباب الموت واد

فأرجوا إذا حدث أمر الله أن تكثروا من الدعاء ولا تجزعوا ولا تحزنوا فإنه لا يغير شيئا بل العكس. وهذا ما أردت أن أقوله وأستودعكم الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

وصية محمد البشير عبد الهادي:

أما صديقنا الدكتور محمد البشير عبد الهادي فهو كعادته حازما ومقلا يحب الاختصار والإيجاز في الأمور فقد كانت وصيته مختصرة جدا.. فبعد أن ذكر أنه من مواليد 1952 وأنه طالب بكلية التربية جامعة الخرطوم- قسم الكيمياء والأحياء- عضو اتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 1975 وأنه قد التحق بالحركة الإسلامية في عام 1970 بعد ذلك قدم وصية مختصرة جاء فيها :

1- إذا حصل أن استشهدت في أثناء تأدية واجبي، أرجو أن تفهموا أهلي على أن هذا العمل في سبيل الله وعليه أرجو منهم الصبر وعدم الحزن والإكثار من العفو والرضا- بالذات الوالدين.
2- أن تخبر بنت عمى التي أخطبها أيضا هذا الفهم وأن تعفو لي أيضا إن كنت قد تسببت في تأخير زواجها. والله يوفقنا لما فيه خير الإسلام والحمد لله رب العالمين ".
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم الحقيقي: محمد البشير محمد عبد الهادي.
الاسم الحركي: عبد الرحمن أحمد البشير
تاريخ الميلاد: 1952
المهنة : طالب

التخصص: تربية ( أحياء/ كيمياء)

الحالة الاجتماعية : عازب

المسئولية العائلي : 1/ الأسرة تتكون من 9 أشخاص أكبرهم أنا2/ مسئول عنها الوالد وهو يعمل مزارع مطري يسكن بكريعات 3/ لم أقدم لهم مساعدة إلا بعد أن فصلت من الجامعة في الفترة الأخيرة رغم أنى اخترت كلية التربية لمساعدتهم .

عنوان أقرب الأقارب في الدخل: الوالد / البشير محمد عبد الهادي بكريعات عبد الهادي يمكن الاتصال بت عن طريق الأخ عبد المنعم محمد النور – جامعة الخرطوم كلية الاقتصاد .

تاريخ الانتماء للتنظيم : تقريبا 1970م

المناصب التي توليتها في التنظيم  :

1/ مسئول عن مدرسة رفاعة الثانوية العليا سنتين عندما كنت طالبا بها.
2/ عضو مكتب الكلية وعضو مكتب الطالبات بالجامعة 1974م.
3/ عضو المجلس الأربعيني لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 74/ 1975م.
4/ عضو المكتب السياسي لجامعة الخرطوم ومسئول سياسيا في كلية التربية عام 1979م.
5/ مسئول عن الطالبات في العمل الصيفي سنة 1976م. في العاصمة .

الوصايا المراد تنفيذها :

1/ إذا حصل أن استشهدت في إثناء تأدية واجبي أرجو أن تفهموا أهلي على أن هذا العمل في سبيل الله وعليه أرجو منهم الصبر وعدم الحزن والإكثار من العفو والرضا وبالذات الوالدين.
2/ أن تخبر بنت عمى التي أخطبها أيضا هذا الفهم وأن تعفوا لي أيضا إن كنت قد تسببت في تأخير زواجها والله يوفقنا لما فيه خير الإسلام والحمد لله رب العالمين .
وصية المجاهد حسن إبراهيم شبو :

قبل أن يكتب حسن شبو وصيته ذكر أنه من مواليد 1935 بمنطقة كريمة- قرية المقل ، وأنه درس في أحد مراحله الدراسية بمصر بمدرسة حليمة الزيتونة الابتدائية وتخرج منها عام 1952 وأنه قد التحق بالحركة الإسلامية ببورتسودان عام 1958.

رئيس جبهة الميثاق الإسلامى عام 1965 بحي سلبونة ببورتسودان: عند كتابة وصيته كان له ابن اسمه الترابي وعمره 12 سنة وبنت هي : إيمان وعمرها 4 أعوام .

وقد اتخذ اسما حركيا هو عبد الله فضل المولى.

كتب الأخ حسن شبو عبر صحارى ليبيا عددا من القصاصات بها وصايا لزوجته ولابنه الذي سماه على شيخه الترابي وبعض الأعشار فيما يلي:

رسالته إلى ابنه

ابني العزيز الترابي حسن شبو :

سلام الله عليك ورحمة الله تعالى وبركاته
اعلم يا ابني أن اسمك مصدر سعادتي وراحتي وانضمامك للإخوان هو أملى وغايتي.. وإخلاصك لله سبحانه وتعالى هو أولا وقبل كل شيء مبعث السرور في نفسي وتالله ما سميتك بهذا الاسم لمجرد الصدفة أو الهوى أو المجاملة أو صداقة شخصية وإنما سميتك باسم الداعية الإسلامى ورئيس جماعة الإخوان المسلمين الأخ الدكتور حسن عبد الله الترابي لأنني أشعر شعورا لا يساورنى فيه أدنى شك بأنه مخلص في دعوته لله سبحانه وتعالى وأتمنى أن تكون كذلك.. سر وفقك الله وأسرع في الانضمام إلى معسكران الإخوان تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله وأنا راض عنك وأنت الابن البار بوالديه إن شاء الله .
وأوصيك بأختك إيمان ووالدتها خيرا .

والدك / حسن إبراهيم على شبو

ثم بعث رسالة لزوجته في كريمة اختصرها في سطرين أو ثلاثة ذكرها فيها بارتباطه المبدئي بجماعة الإخوان جاء فيها:

إلى زوجتي العزيزة عواطف:

تعلمين بأن ارتباطنا كان على سنة الله ورسوله كما تعلمين سلفا بأن طريق الدعوة شاق في بدايته وراحة في نهايته.. وتعلمين جيدا ارتباطي بالإخوان المسلمين .. فخذي منهم حراسا وهم أولياء أمورك فهم إخوة صادق عبد الله عبد الماجد الذي تثنين عليه دائما وبأخرقه.. كما أوصيك خيرا بابني الترابي وفقك الله يا أم إيمان.

زوجك / حسن إبراهيم على شبو

قصائد حسن شبو:

بعد ذلك يبدو أن شاعرية أهلنا الشايقية قد تفجرت في دواخل الأخ المجاهد حسن شبو فنراه يسطر بعض القصائد الجهادية حيث يذكر:

أقسمت يا وطني أن أحميك بسلاحي الأكبر .

" قسم الإسلام"

أقسمت يا وطني أن أحميك بإيماني وهو سلاحي الأكبر

وأن أطهر يا وطني الجيش من كل جبان أو خائن عربيد يتبختر

لن تكون في بلادنا مؤامرة تتنكر لعقيدة الشعب أو حوادث يوليو تتكرر

أقسمت يا ترابي ويا ابني الأوحد ذو اللون الأسود

أن آخذ الثأر لذات العشرين ولن أترك إما تتحسر

=مراسلات الصافي السنوسي

عند فشل حركة 2/ يوليو 1976م المسلحة ضد نظام نميرى بدأت رائحة المؤامرة تتضح للحركة الإسلامية من جانب حزب الأمة.

فحزب الأمة كما أسلفنا ومنذ ذلك التاريخ المبكر هو حزب الأغلبية حيث تشكل طائفة الأنصار انتشارا قويا فى غرب السودان والنيل لأبيض وجزء مقدر من شمال السودان .. فحتى ذلك الوقت كانت الحركة الإسلامية الحديثة محصورة فى جامعة الخرطوم وجامعة أم درمان الإسلامية وبعض المعاهد والمدارس الثانوية وبصورة محدودة جدا.. لذلك لم تكن المشابهة والمقارنة وإدارة بين حزب طائفي كبير مثل : حزب الأمة وحركة إسلامية ناشئة كل قادتها من المثقفين وخريجي الجامعات ومعظم عضويتها من الطلاب والقليل جدا من الخريجين .. فحزب الأمة رغم أنه كان يجمع خامات من الكم البشرى لكن تعليمهم فى معظم الأحيان يصل إلى الصفر .. أما ولاؤهم فلا تشوبه شائبة لدرجة تكفير من لا يؤمن بإمامة الإمام المهدي رضي الله عنه .. كان الصادق المهدي يدرك المحدودية الفنية والمعرفية لأنصاره " أهل الحارة" .. ويدرك تماما أن أفندية حزب الأمة يكثرون عند الطمع أما الأنصار فيكثرون عند الفزع وهم وقود المعارك.. لذلك كان بحاجة للتنسيق مع الحركة الإسلامية والاستفادة من كوادرها المتعلمة والمؤهلة والعبور بهم مرحلة المعارضة والمقاومة لنظام نميرى وعندما يحسم الصراع لصالح الجبهة الوطنية عندئذ يكون التمثيل السياسي فى الحكومة حسب الأوزان البشرية والدوائر الانتخابية التي كذلك أدركت الحركة الإسلامية أنه أثناء لحظات التنفيذ التي واكبت حركة 2/ يوليو 1976م كانت هنالك خيانات أدت إلى فشل الحركة ومفادها أنه ينتهي دور الحركة الإسلامية بمجرد استلام المعارضة المسلحة للخرطوم.

والحركة الإسلامية من جانبها كانت تدرك محدودية كمها البشرى لكنه كم يتفوق على الكتل البشرية التي لاحظ لها من المعرفة.. وكانت الحركة تراهن على المستقبل وتراهن على الحريات السياسية ووعى الجماهير .. وكانت تدرك أنها فقط تحتاج للحريات السياسية التي تمكنها من طرح برنامجها السياسي والفكري ومخاطبة الجماهير فى جو حر ومعافى .. عندئذ وعندئذ فقط ينداح الوعي وتغرب شمس الطائفية والولاءات للأسر والأفراد ويتوحد الولاء لله وحده.. لذلك ما إن انتهت حركة 2/ يوليو/ 1976م التي لم يحالفها النجاح والتي قدمت الحركة الإسلامية خلالها شبابا من خيرة شبابها شهداء.. حتى رجع الذين لم تكتب لهم الشهادة ولم يحالفهم النصر إلى صحارى ليبيا مرة أخرى للإعداد لمرحلة قادمة.. وقد لحق بهم أعضاء جدد من أفاد الحركة الإسلامية وأقاموا المخيمات التي أطلقوا عليها أسماء شهدائهم فى حركة 2/ يوليو حيث كانت خيمة الشهيد عبد الإله خوجلى وخيمة الشهيد عبد الله ميرغنى وخيمة الشهيد همت .. الخ.

كان استشهاد هؤلاء حافزا لزملائهم فى الجامعات أن ينضموا إلى موكب المجاهدين بعد ن فاتتهم قوافل الشهداء.. لذلك بدأت جحافل شباب الحركة الإسلامية يتقاطرون على معسكرات التدريب فى الصحارى الليبية وكانوا يخرجون فى شكل منتظم فى مجموعات لا تتجاوز أعداد المجموعة الواحدة العشرة أشخاص.. ونسبة لكفاءاتهم التعليمية العالية فقد كانوا يتقنون ويختصرون الدورات العسكرية فى فترات تقل عن الشهرين يجيدون فيها النظري والعملي فى المجال العسكري ثم يعودون للخرطوم ينتظرون الجولة القادمة ضد نظام نميرى.

من خلال الوثائق التي حصلت عليها من مكتب معلومات الحركة الإسلامية ، قد كان واضحا أن المهندس الصافي نور الدينكان يمثل قناة الوصل بين المعسكر وقيادة الحركة الإسلامية التي كان يمثلها من الجانب العسكري الشيخ إبراهيم السنوسي الذي اشترك ميدانيا فى حركة 2 يوليو ولم تكتب له الشهادة ولم تستطع قوات الأمن المايوى القبض عليه .. لذلك ظل مطلوبا للمحاكمة من قبل النظام المايوى.. فقد كان السنوسي يدير معسكرات الحركة الإسلامية من مدينة طرابلس أو إحدى المكاتبات القريبة من المعسكرات.

المكاتبات بين الشاب يومئذ الصافي نور الدين والذي اتخذ اسما حركيا هو الشيخ عبد الله وبين الشاب السنوسي كانت تشير إلى تقاطر شباب الحركة الإسلامية إلى حيث شهدت معسكرات التدريب خيرة أبناء الحركة الإسلامية من أمثال الشهيد محمود شريف الذي كان يحضر الدكتوراه فى بريطانيا والتحق بمعسكرات التدريب عندما نادى منادى الجهاد.. والشهيد محمد عبد الرحمن مختار عجول الذى كان طالبا بكلية البيطرة وفصل منها لأسباب سياسية والشهيد فضل السيد عبد القادر أو قصيصة الذى كان طالبا بكلية الصيدلة وفصل منها بعد أحداث الاتحاد الاشتراكى التي اقتحم فيها هو ومحمد محيى الدين الجميعابى وآخرون دار الاتحاد الاشتراكى وهتفوا – بينما كان النميرى يخطب وسط أنصاره وأمنه – هتفوا : سفاح سفاح يا نميرى- لن تحكمنا عصابة مايو .. ويقيننا أن تلك المرحلة قد أصبحت تاريخا ملكا لأبناء الحركة الإسلامية فى مرحلة من أدق مراحل تكوينها وقد مضت على تلك الحقبة قرابة الثلاثين عاما والحركة الإسلامية قد مرت خلال هذه السنين بمراحل هامة وخطيرة انتقلت خلالها من الاستضعاف والمطاردة والتشريد إلى مرحلة المصالحة والاستقرار والبناء والانتشار .. ثم إلى مرحلة المنافسة الحرة فى فترة الديمقراطية بعد سقوط نظام ميرى 85- 1989م .. ثم مرت أيضا بمرحلة التمكين حيث سيطرت الحركة الإسلامية – عبر كوادرها المدربة- على مقاليد السلطة عبر ثورة الانقاذ الوطنى فى 30/ يونيو 1989م وقد ذكر ذلك صراحة كل من الشيخ حسن الترابي والرئيس البشير عند احتدام النقاش والخلاف بينهما.. حيث قال الشيخ الترابي أنه قد كتب بيان الثورة وأعطاه إلى البشير حيث ( ذهب هو إلى القصر رئيسا وذهبت أنا إلى السجن حبيسا).

وأثناء مرحلة التمكين مرت الحركة الإسلامية بمرحلة الفتنة والاختراق والانقسام والسعي لتقويض البناء الذى ترك من أجله هؤلاء الشباب قاعات المحاضرات ولذات الدنيا واستبدلوا ذلك بصحارى ليبيا ومعسكرات التدريب وحر الصحراء الليبية وفى مرحلة تمكن الحركة الإسلامية من مقاليد السلطة نجد أن إخوة الهجرة والجهاد والعقيدة قد أودع بعضهم فى سجون حكومة الحركة الإسلامية يقودهم شيخ الحركة الترابي والمشرف العسكري للحركة الإسلامية إبان المعارضة إبراهيم السنوسي ومسئول المعسكرات الميداني المهندس الصافي نور الدين وآخرين من إخوانهم الذين كانوا معهم بالمعسكر..

والبعض الآخر من إخوان معسكرات الصحارى الليبية حكاما ووزراء فى حكومة الحركة الإسلامية منهم غازي صلاح الدينالطيب إبراهيم- عصام البشيريحيى حسين وآخرون .. وهكذا تتكرر معكرة الجمل حيث نجد خيرة الصحابة أمثال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير وهما من المبشرين بالجنة فى معسكر المواجهة ضد معسكر أمير المؤمنين على رضي الله عنه يسانده خيرة الصحابة وأبناؤه سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين ومحمد بن أبى بكر الصديق..

وهكذا تتكرر معكرة صفين .. ويعيد التاريخ نفسه من غير عبرة أو دروس مستفادة ..ويصدق حديث الرسول لصحابته " فما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " تكرر معكرة صفين حيث يخرج نفر من أبناء الحركة الإسلامية شاهرين سلاحهم ضد دولة الحركة الإسلامية التي تنكبت الطريق وتحولت من دولة مشروع حضاري إلى دولة مشروع قبلى سيطرت عليه الجهوية والقبلية وسربله الفساد بجلبابه الكبير من أخمص قدميه حتى شحمة أذنيه فتبخر المشروع الحضاري ليحل محله المشروع العشائري والتكالب على السلطة وارتكاب كل ما يقود للبقاء فى السلطة وتصفية كل من يعارض ذلك. كادت أن تسقط الخرطوم بعد غزوة خليل لها عام 2008م ولم سمع أن وزير الدفاع أو وزير الداخلية أو مدير جهاز الأمن قد تقدم باستقالته متحملا المسئولية عن هذا الاختراق الأمني الخطير ، ثم ينفصل الجنوب بعد أن بشرنا فريق نيفاشا بالوحدة الجرتذبة.. ينفصل الجنوب والنائب الهمام ينفق عشرات المليارات على الجنوب قبيل الاستفتاء بأقل من ثلاثة شهور ظنا منه أن ذلك يحدث الوحدة ثم ينفق حوالي ثلاثين مليارا على منشآت الدورة المدرسية فى جنوب السودان ليتم إلغاء الدورة من قبل حكومة الجنوب .. ثم ينفصل الجنوب بنسبة أكثر من 97% كانت تلك نسبة الذين اختاروا الانفصال ولكن النائب رئيس فريق نيفاشا لم يقدم استقالته وكأن الذى انفصل هو مقطورة من سيارات نقل آليات شريان الشمال وليس ثلث مساحة السودان . الكل كان يتوقع أن يتقدم السيد نائب الرئيس باستقالته لفشله فى تحقيق الوحدة الجاذبة لكنه لم يفعل ربكا كان ينتظر أن يكافئه الشعب بترشيحه لرئاسة الجمهورية فى الدورة القادمة.

الرسائل التالية تمثل المكاتبات التي كانت تدور بين أمير المعسكرات فى الصحراء الليبية المهندس/ الصافى نور الدين الذى أخذ اسما حركيا هو الشيخ عبد الله وبين الشيخ إبراهيم السنوسي المسئول العسكري للحركة الإسلامية وقتها.

1/ الصافي نور الدين إبراهيم
الاسم الحركي: الشيخ عبد الله الشيخ
9 مواليد : 11/ 1950

4/ فني معماري

5/ هندسة معمارية مباني

6/ عازب

7/ لا توجد

8/ الوالد / نور الدين إبراهيم – نيالا السوق ص- ب 88

9/ بواسطة محمد على فؤاد شعبة امتداد الدرجة الثالث ( بلدية الخرطوم) 1969

10/ أمير شعبة بامتداد برى، مسئول من نشر الدعوة بسكرتارية المنطقة الشرقية أخيرا.

11/ الرجوع إلى السودان حسب ( التعليمات التي تلقيناها من هناك).

بسم الله الرحمن الرحيم
( إنا كفيناك المستهزئين )
الأخ/ إبراهيم:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

كيف حالكم وأحوالكم بحمد الله نحن بخير وصلتنا رسلكم وكذلك رسائلكم أثلج اهتمامكم بقضايانا صدورنا زادكم الله حرصا ووفقكم لما يحب ويرضى.

1- وصلنا الأخ/ صالح يرافقه خليل ثم أعقبهما أحمد محمد صالح، من المتوقع أن يكون معه عبد الرحمن معروف إلا أنه حتى ساعة إعداد الرسالة لم يصل نسبة لقيامه بالبر من بنغازي على حد قول محمد أحمد .. وأخيرا وصل الإخوان يس وعمر .. يواصلون جميعا تدريبهم على قدم وساق.
2- وصل مع الأخ / صالح مبلغ 750 جنيه رغم أن خطابكم يشير إلى 800 جنيه وعلمنا أن ذلك صرف فى السفر. كما وصلنا مبلغ آخر مع محمد أحمد محمد 400 جنيه ليصبح المبلغ 1150 جنيه وإليك تفاصيل الميزانية لشهر مارس:
المبلغ المستلم : 1150
الديون : 652
الباقي= 525 +( 30 باقي ميزانية التسفير)= 555 جنيه
يوجد بالمعسكر الآن 27 أخا، عشرة منهم فى انتظار التصفية .. الميزانية المطلوبة لتسفير ( 27_10)= 17.

17 فى 35= ( 595_ 555) = 40 جنيه .

الميزانية المطلوبة لتكملة ميزانية التسفير 40 جنيه ميزانية شهر مارس الحالي 700 جنيه .

الجملة 740 جنيه .

3- أما إذا جاز سؤالكم عن أسباب تأخير الدفعة الأخيرة فلسوء الحظ سافر أبو بكر منذ بداية الأسبوع دون علمنا. وحاولنا الاستعانة بمكتب الأمن الليبي لترتيب سفر الإخوة أي أن ردود مكتب الطيران أكدت عدم وجود مقاعد كما أن أبو بكر سليم لم تكن له مقاعد محددة فى الأسبوع.
وتأكدت لنا من بعض التصرفات من قبل أبو بكر سليم أن تلك بداية لفرض المزيد من الضغوط على المعسكر.
إذ ترتب على سفر أبو بكر سليم قطع التموين والوقود مما حمل الأنصار إلى شراء الوقود نقدا – على حد زعمهم- ومن المتوقع فرض مزيد من المضايقات والله المستعان على ما يفعلون.
4- مرسل لكم عمر عبد المعروف وكان من المفروض فى الأسبوع الماضي ولكن إرادة الله حالت دون ذلك كما تبين نرى الاستفادة من الآتي:
أ‌- أرجو تكليف عمر بحرق أوراق البيانات الاجتماعية التي أرسلت إليكم إذ إنها أصبحت عديمة الجدوى بوجود الرموز والمفتاح هنا.
ب‌- معه كشف يحتوى على جميع الوثائق التي بعثت.. الرجاء تكليفه بمراجعتها وتنظيمها والكتابة لنا بذلك.

5- بخصوص شعبة الأمن :

أولا: إن العمل فى هذا الجانب رغم التوفيق الذى حظي به إلا أنه يحتاج إلى متابعة دقيقة ولابد لتحقيق هذه المتابعة من وضع ضوابط للأسباب الآتية:
أ‌- إن المكتب يمثل سريرة الحركة ومن ثم أي تفريط فيه يكشف نوايا الحركة للأعداء الأمر الذى يكلف التنظيم كثيرا جدا.
ب‌- يقتضى العمل فى هذا الحقل بجانب سرعة البداهة وحسن التصرف يقتضى عدم الحماس المتزايد والانضباط كما يستدعى ابيضا عدم استعجال النتائج.

لهذين السببين انحرف مسار العمل هنا فى الشعبة فى الآونة الأخيرة مما أدى ذلك على الآتي:

1- كشف نوايا الإخوان حيال الأنصار.
2- فتح ثغرة استغلها البسطاء من قادتهم لسد الباب أمام عامتهم الذين كانوا يكنون قدرا من التقدير لأفراد الحركة ناهيك عن الحركة كلها.

لذلك حسما لهذا الأمر رفع المكتب شعارا بعنوان " ترشيد عمل مكتب الأمن " وفى سبيل تنفيذ هذا الشعار حدت النقاط الآتية:

1- تحديد أهداف المكتب فى المرحلة القادمة فى الآتي:
أ‌- المحافظة على تواجد الإخوان بمنزل الكفرة.
ب‌- المحافظة على بعض مظاهر الود مع الأنصار مع إيقاف الهجوم على معتقداتهم وقادتهم.
ت‌- متابعة تحركاتهم بما يضمن سرية العمل لئلا يؤخذ الناس على حين غرة.
ث‌- تغيير بعض الشخصيات التي كانت تمارس هذا العمل فى منازل الكفرة وقصر التناوب على ود بشرى وأحيمر لحين قرار آخر واستمر العمل على هذا المنوال منذ قبل أكثر من شهرين وحتى الآن ولعلنا بعد الترشيد لسياسة الأمن التي اتبعناها انحسر العمل وانحصر فى الجوانب التي حددت بالإضافة إلى جانب آخر هو : جمع المعلومات عن معسكرات الهندي.

ما زلنا نعتقد كمكتب أن ترشيد هذا العمل لابد منه فى أي فترة من الفترات ولضبط سيره خوفا من حدوث ما ذكرناه وتحديد خط عام تلتزم بت فى التعامل مع هذا الجانب لذلك نرى تحديد النقاط الآتية كخط عام:

1- تحديد الأهداف المطلوبة منذ الوهلة الأولى وفق خطط مرحلية ولفترات قصيرة الأجل.
2- ألا يكون المعيار فى اختيار الأفراد الحماس دون التروي.
أ‌- ورد فى خطابكم توجيه بدعم المكتب . ثم ترشيح اثنين من الإخوان سنختار منهم واحدا إن شاء الله .
ب‌- أما بخصوص النقطة "ج" فإن أفراد هذا المكتب مفرغون بطبيعة تواجدهم بالكفرة حتى أنهم نعتوا من قبل إخوانهم هنا" بالمفرغين السياسي " إلا أنى أرى ضرورة لتفريغهم هنا بالمعسكر إذ إن كل رغباتهم وطلباتهم تلبى دون أن تشل حركتهم. وملاحظة أخرى أن تواجد أفراد هذا المكتب بالكفرة حرمهم من ممارسة جميع الأنشطة التي ظل بقية الإخوان يتمتعون بها مما أثر ذلك فى أدائهم، لذا واجبنا أن نوفر لهم بقدر المستطاع الحد الأدنى من التأهيل . لذا نرى مراجعة هذا القرار.
ت‌- بخصوص ترشيح الأخ الذى يمكث بالكفرة نسبة لأهمية الأمر وأنه لا يقل بأي حال من الأحوال من مجمل الأعمال التي ينبغي أن يوليها التنظيم كل اهتمامه.

تم ترشيح الآتية أسماؤهم.. يمكن اختيار واحدا منهم ونفضل أن تعطى الأسبقية وفق الترتيب كما نرجو الإلحاح فى ذلك:

1- صالح مصطفى عبد الغني مهندس بالإدارة المركزية سابقا.
2- الهادي أحمد خليفة مدير تجارى.
3- سيد الزبير مفرغ من قبل مكتب الطلبة .

إننا نفضل صالح مصطفى وأرجو أن تلحوا على التنظيم فى الداخل ، فهو ذو خصائص تميزه عن أخويه بجانب تقمص أى شخصية تحتاجها الحركة ويتطلبها العمل.

إذا تمت موافقتكم يمكن حضوره مع أي أخ بجواز عادى ويمكث بلكوندة الكفرة على أن يبلغنا الأخ لنتولى ترحيله من الفندق دون أن يمر بالمنزل وينبغي أن يكون ذلك فى أسرع وقت ممكن.

بجانب ذلك نرى ضرورة اختراق معسكرات الهندي وتولى الإخوان بشعبة الأمن ترشيح الإخوان الآتية أسماؤهم:

1- عبد الله أبكر – ترزى بكوستى من أبناء أبا.
2- الطيب آدم إدريس – ترزى شعبة أبا.
3- آدم خاطر- ساعاتي يسكن شعبة كوستى من أبناء أبا .

علاوة على ذلك يرى الإخوة فى مكتب الأمن ضرورة القيام بالآتي.

1- محاولة الاتصال بأحمد منصور ويرشح التنظيم من له سابق علاقة بت من الإخوان.
2- مراقبة قرى الاتصال وتنفيذ توصيات مكتب الأمن المذكورة فى التقرير السابق .
3- التوصية لاستكشاف الطريق عبر وادي ملعى ولو من داخل السودان.
4- الخريطة مرسلة إليكم بعد مقارنتها مع الخريطة هنا.
5- المحاولات جارية مع أبو بكر سليم لتعويض خمسة الأسبوع المنصرم.
6- مرسل إليكم تقارير المكاتب الآتية:
7- 1- الأمير 2- المكتب العسكري 3- التوثيق 4- الثقافي 5- المكتب الاجتماعي.
بقيت رسالتان فى طور التكملة رسالة عن الأنصار ، وأخرى عن العمل العسكري .
8- جاء فى خطابكم تحديد عشرة إخوان يظلون بالمعسكر لتحقيق التواجد الفعلي للإخوان ويرى الإخوان بالمكتب فى ذلك الآتي:

أ‌- كان من الأفضل ترك تحديد الشخصيات التي ستبقى لتحقيق هذا الهدف.

كان من الأفضل ترك التحديد لمكتب الشعبة إذ أن بعض الظروف المحيطة بالعمل هنا قد تكون غير واضحة الرؤيا.
ب‌- إذا كان المعسكر سيرتبط إلى حد بمعسكر الأنصار لابد من إدراك الآتي:
1- توفير بعض الاحتياجات لتوفير سبل الحياة فالآن أصبحت عربة النقل الوحيدة التي يستعان بها للماء والحطب عاجزة عن الحركة لهذه المشاوير بسبب عطب لحق باسبيرها الوحيد لذا نرى ضرورة رصد ميزانية لاسبير المارسيدس.
2- إجراء بعض الاصلاحات للتايوتا وتم تقدير ذلك فى حدود الآتي:
1- اسبير المارسيدس حوالي 200 جنيه
2- 2 اسبير للتايوتا 75
3- 125
ك4- اسبيرات خفيفة 100
الجملة 500 جنيه
ت‌- أما إذا أريد للتدريب أن يستمر بصورته العادية للاستفادة من التواجد فالأمر يقتضى فى مثل هذه الحالة توفير بعض الاحتياطات الآتية:
1- الذخيرة إذ إن الكمية الموجودة لا تتجاوز احتياطي الدفاع.
2- إصلاح عربة من عربتي الفيت تقدر الاصلاحات بحوالى 300 جنيه.
12-بخصوص الإخوان القادمين إليكم ظللنا هنا نواجههم بين الحين والآخر بضرورة دخول السودان ونؤكد لهم النقاط التالية:
1- إن طبيعة الصراع فى المنطقة صراع مسلح ولابد للحركة من الاحتفاظ بكوادرها المدربة فى الداخل لصد أي جهة تحرك.
2- إننا لا نتفائل كثيرا بما يجرى فالدس والكيد والمكر.. كب عنصر من هذه العناصر متوقع الحدوث إذ لابد من تواجد الكادر المدرب لئلا نؤخذ على حين غرة.
3- بجانب ذلك إن الانفتاح واختراق صفوف الجماعات عناصر غير مأمونة الجانب لذا لابد من ترسانة للحركة وجموع الإخوان المتدربين مأمونة الجان فى ذلك.
أرجو تزكية هذه الروح علنا نكون قد أعلنا إخواننا على الخير المطلوب.
13- أ – محمد آدم من العشرة الذين اقترحتم فى خطابكم .. رأينا أن نبعثه إلى طرابلس خوفا من مضاعافات المرض إذا رأيتهم ضرورة بقاءه مع التسعة المرسلين أرجو إرساله بعد شفائه وإلا نضع أحدا مكانه بغيابه.
ب- عبد المنعم كذلك ظل يعانى من بعض الاضطرابات منذ قدومه . هذا بالإضافة إلى سندوتشات صغيرة يقدمها لك الأخ محمد حسين لئلا نطيل عليكم.

والسلام

الشيخ عبد الله

الرسالة الثانية : 9 ربيع الأول 1398

أخي / إبراهيم المحترم:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. الحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه.
نحن بخير وعلى خير .نحمده جلت قدرته أن هيأ لنا من الخير ما لا يحصى وأسبغ علينا من النعم ما لا تعد . نسأله تعالى أن يصلكم رسولنا ورسائلنا وتجدكم ذاكرين له شاكرين.

أما بعد ..

1- هذه الدفعة الثالثة معها جوازات الدفعة الرابعة والمعلومات الاجتماعية عن كل فرد.
2- نفد المال المرصود للترحيل إذ إن المال المرصود 200 جنيه وصرفنا حتى الآن للتفسير 385.
3- التدريب يسير على قدم وساق وكل الترتيبات جارية على أساس إنهاء المعسكر فى مدة أقصاها منتصف مارس.

4- الأمن :

أ‌- تحركات الأنصار تشير إلى تصفية الخلافات السابقة إذ إن مجموعة الميدوب المتمردة بالكفرة عادت إي المعسكر.
ب‌- آدم جميل عميل الهندى أيضا حضر إلى المعسكر .
ت‌- حركوا جميع العربات ووصلتهم كميات من اللساتك مما يؤكد واحدا من أمرين :
1- ما أن يكونوا قد أخبروا بالاستعداد للدخول للسودان بسياراتهم بصدق.
2- أما أن يكونوا ضللوا بأكاذيب لتخديرهم.
ث‌-استؤنف كورسات التدريب مرة أخرى وبدأت الرماية مما يؤكد ذلك شعورهم بقرب الميعاد ( الأنصار)
5- علاقات : علاقاتهم معنا لا بأس بها وحاولنا جهدنا بالاحتفاظ بالمسودة السابقة.
ث‌- بخصوص الإخوة هؤلاء:
1- عبد اللطيف غادر المعسكر بحجة رغبة أخيه فى الحضور إلى طرابلس.
2- خليل طالب بالسعودية ولا يمانع الذهاب إلى السودان إذا كان الأمر يقتضى ذلك.
3- أسامة من الذين فصلوا من الجامعة حضر إلى المعسكر فى يوليو.
4- نصر الدين لديه مشاكل مالية ينوى حلها بالعمل فى طرابلس أو السعودية لمدة قصيرة ثم يدخل السودان.
5- دفع الله لم يبد لنا ثمة مشكلة.

وأخيرا : جدول المعلومات الاجتماعية يبين أكثر إذا رغبت .

ختاما تقبل تحيات جميع الإخوان هنا.

السلام

أخوك الشيخ عبد الله

ملحوظة :

مرسل لكم طي هذه الرسالة تقرير الأمن عن آخر معلوماتهم حول تحركات الهندي وجماعته.

الرسالة الثالثة:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أخي العزيز/ إبراهيم السنوسي:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:

نحمد الله نحن بخير وعلى خير نجد راحة فى الضمير وسكينة فى النفس رغم أن كل الذى من حولنا يبدو للذي لا يعلم غيره، وتلك رحمة الله وفضله علينا ليبلونا أنشكر أم نكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فعليها. أما بعد ..

1-هذه هي الدفعة من الدفعات التي ستتوالى عليكم تترا إن شاء الله معها جوازات الدفعة الثانية إن شاء الله .
2- ثانيا سنحاول الاستفادة من طائرة الصادق المهدي لتسفير عشرة إخوان فى الدفعة القادمة إن شاء الله إذا تيسر ذلك .
رغم تأكيدنا من الإزعاج الذى ربما يحدثه حضورهم لكم بهذه العددية . ولكن هذا بالقياس على الفائدة المرجوة يعتبر أخف بكثير .
3- مرسل لكم مستندات الأمن للاستفسار عن أي شيء يمكن الرجوع إلى سعد والطيب.
4- مرفق لكم فى هذه الرسالة المعلومات الاجتماعية المطلوبة عن الإخوة المسافرين.
5- طلب منا الأخ سعيد إعداد كشف ببعض المعلومات جهزنا الكشف ورأينا عرضه عليكم للموافقة.
6- كل الأشياء التي اتفقنا عليها يسير العمل فيها على قدم وساق.

طلبات :

1- أرجو أن تبعثوا لنا لوائح المكاتب الآتية:

أ- مكتب الشعبة . ب- المكتب الثقافي. ج- الاجتماعي د_ التوثيق . هـ- السلاح الطبي.

2- نشادر لحام.

3- الطلبات التي كتبت لكم.

وفى الختام آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

والسلام

أخوك الشيخ عبد الله .

الرسالة الرابعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي العزيز / إبراهيم المحترم:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الحمد لله نحن بخير وعلى خير

كتبنا لك فى رسائلنا السابقة عن أمور مستعجلة نريد فيها رأيا فيصلا .

ورغم تقديرنا لاهتمامكم الشديد بقضايانا إلا أن الزمن أصبح يشكل عنصرا أساسيا فى مجريات الأحداث الأمر الذى دعانا أن نبعث برسولنا إليكم ليخبركم عن قرب بما نحن قادمون عليه وليبين لكم ما ينبغي تبيانه.

وقبل أن أحدد القضايا التي يدور حولها النقاش إن شاء الله الرجاء إنجاز مهمة أبى شامة فى أسرع وقت ممكن وتجهيزه للرجوع فورا .

إذ أنه لا غنى لنا عنه البتة علاوة على ذلك لدينا من الأمور التي ترتبط بالتوثيق لم يكملها بعد ولا أحد غيره يقوى على ذلك.

أما المواضيع التي نريد فيها رأيا إليك رؤوسها:

1- العلاقة بين آدم جمل وود البشرى.

أ‌- الطريق بالاختراق .

السلاح:

أ‌- كل الكمية.
ب‌- خمس قطع.

3-المال .

4- توضيح موضوع صالح والمعلم .

أحمد الزين أكمل فترته وأبدى رغبته في الذهاب إلى بنغازى بدلا من طرابلس .

سررنا لحديث الإخوان يس وعلى عثمان وعبد الجليل .

نسأل الله لهم التوفيق والثبات والسداد.

والسلام وآخر دعوانا

أن الحمد لله رب العالمين .

أخوكم الشيخ عبد الله الشيخ

الرسالة الخامسة:
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي العزيز / إبراهيم المحترم.

سلاما ثم سلاما ثم سلاما .. سلام من الله عليكم ورحمته تعالى وبركلاته..

الجميع هنا بخير وعافية ، وصل أبو شامة الأربعاء يحمل إلينا تحياتكم وأخباركم.

وحمدنا الله على عافيتكم ومعافاتكم.

1- لطرفكم الإخوة الصراف وبخيت. بعد أن أمضينا ثلاثة أسابيع فى عمل شاق مثقل تقبل الله منهم.
2- تخلف ثالثهم لرغبته الشخصية فى إكمال الدورة التدريبية . سيكون لطرفكم فى الأسبوع القادم إن شاء الله .
3- بخصوص بخيت رغم أنه مضى الفترة التدريبية وأداءه فيها لا بأس بت، إلا أنه تبين لي أنه قليل الصبر، كثير الضجر، سريع الانفعال، وكلها حالات لا تتناسب مع طبيعة العمل العسكري .
لذا يستحسن ألا توكل له أعمال فى هذا الميدان خاصة فى مثل هذه الظروف . ويمكن صرفه عن العمل العسكري بالعمل التنظيمي العام.
4- ذكر أبو شامة وصول منصور إلى الكفرة إلا أننا لم نلتق بت، لربما قفل أدراجه.
5- مرسل لكم الوثائق والودائع بجانب شهادات رشوان ومختار.
6- أرجو أن تبعثوا لي بأفلام سينمائية إن وجدت ولا أخالنى أجد قادما منكم سواك إذا تيسر أمر حضورك، مع كثرة الأعباء عليك وقلة الناصر ولكن حسبك الله ونعم الوكيل .
7- حالتنا العامة بحمد الله جيدة جدا خاصة بعد فصل التموين ورغم إيقاف الأنصار لحصتنا من الماء إلا أن الله أبدلنا بما يغنينا عنهم، وقد نسخر عربة الفيت للكفرة للماء أو المارسيدس للبئر.
كلما دعت الحاجة لذلك والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
8- علاقتنا بالأنصار لا بأس بها. استأنفنا الزيارات هذا الأسبوع- من جانب واحد- حفاظا على ما تبقى من ود قديم ومراعاة لواجبات الإسلام.
9- سنسعى إن شاء الله لموافاتكم بتفاصيل الحادث الذى تم بمعسكرهم .

وختاما سلاما إلى الجميع

أخوكم

الشيخ عبد الله

ملحوظة  :

مرسل لكم رسالة أرجو أن تعنونها للأخ عمر عبد المعروف لجهل بعنوانه .

وأخرى لصالح عز الدين دون ذكر أو تعويض.

الرسالة السادسة :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي العزيز / إبراهيم المحترم :

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

بحمد الله نحن بخير وصل إلينا أبو شامة قادما بعد لقائه بكم وأطلعنا على نتائج الرحلة وشكرنا الله كثيرا على ما يجرى عندكم سائلين الله لكم التوفيق والسداد.

لطرفكم الأخ يحيى أحيمر بغرض العلاج وقد أجهده المرض كثيرا ن ورغم صبره الشديد عليه إلا أن شدة المرض أعوزه عن الصبر أكثر من ذلك. لذا رأينا أن يتحرى مظان العلاج.

بعد أن قضى زهاء العشرين يوم فى الكفرة عجز الطب تماما من اكتشاف بين الداء.

والجدير بالذكر أن مرضه مزمن لذا الرجاء أن توفروا له سبيل العلاج حتى ولو خارج ليبيا.

فى اعتقادي بعد قرار التنظيم الأخير باستبطاء التصفية لابد من أن تذكروا الإخوان بالداخل برعاية بعض اسر المرابطين وخاصة أسرتي [بمحمد البشري]] ومحمد أحمد إبراهيم فقي.

بشرنا بقدومكم الأسبوع القادم إن شاء الله أرجو أن يتم ذلك.

أما بخصوص علاقاتنا بالأنصار تحسنت جدا هذه الأيام لا سيما أن أبا بكر سليم أعاد المياه إلى مجاريها بزيارته للمعسكر ومصافحة جميع إفراده.

وختاما آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

والسلام الشيخ عبد الله

ملحوظة :

بخصوص موضوع " الطنطا" الذى بشرنا بها ليعمل فيها المعلم اقتراح الأخ المعلم أن يكون مارسيدس صغير " 2 دفرنش" بدلا من الطنطا إذ إن الفرق فى الثمن قد يكون بسيطا .

وقد أخطرنا المعلم بهذا الأمر للإعلام مع إعانتنا بالكتمان .

الرسالة السابعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
آخى العزيز / إبراهيم :

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

بحمد الله نحن بخير

1- ها هي الدفعة السابعة مكونة من عشرة أشخاص نسأل الله أن تصلكم بالسلامة ثلاثة منهم من إخوان فيهم الأستاذ " يوسف محمد أحمد " والمعروف أنه أمضى أسبوعين فقط .
رأينا ذهابهم إلى مناطقهم مباشرة تخفيفا لكم للأزمة المتوقعة في المنازل.
على أن تتصلوا بهم ليأتوكم من فورهم وقتما شئتم.
2- الدفعة القادمة إن شاء الله أقل من خمسة.
3- أزمتنا المالية حادة جدا لا زلنا نطالب بالاستعجال بمبلغ الـ 740 التي فصلت فى الرسالة الماضية.
4- كل التساؤلات والاستفسارات التي حملتها لكم رسالتنا الماضية تقرر إلى حد كبير وجهة المعسكر نرجوا استعجال الرد عليها.
5- الأخ جابر " حافظ جمعة" رغم أن التفسير ينبغي أن يشمله في الدفعة القادمة إلا أننا أخرناه لحين معرفة مصيره وما تم بخصوص استيعابه في المركز الإسلامى عند ذلك نقوم بترتيب أمر سفره.
6- تم اختيار رشوان خلفا من محمد آدم ليكون من العشرة إذ انه مشرف على الدورة العامة ماليا " البراء بن مالك".
7- نضيف إلى قائمة الاستفسارات عما تم عن الأفلام اوالبرجكتور.
8- الأمن :
أ‌- بدر لنا اقتراح استحسناه هنا وهو محاولة للاستفادة من صالح والمعلم كسواقين للعربات الثقيلة فى خط الكفرة- مليط أو الكفرة باو- إذا وافقتم على الاقتراح نرجو الشروع فى ترتيب اللازم أما من جانبنا فتحنا لهم دورة تخصصية فى قيادة العربات الثقيلة خاصة " المارسيدس" .
ب‌- الأنصار : واصلوا الرماية حتى نهاية الأسبوع الماضي وتوقفت هذا الأسبوع ، أما التدريب على البيادة مستمر بنفس القوة الابتدائية.
ت‌- زيارات الاستكشاف واستقاء المعلومات ما زالت مستمرة من قبلهم ولكننا على يقين أنهم لن يزدادوا إلا جهلا عن حقيقتنا.
ث‌- اختناقات الوقود ما زالت مستمرة بحجة تقليل أبو بكر للكمية المقررة. وتقرر تبعا لذلك تقليل حصتنا إلى 3 براميل فقط فى هذا الشهر. مع العلم أننا لم نحظ ببرميل واحد في الشهر الماضي.

حملت إلينا إذاعة أم درمان نبأ اختيار الترابي عضوا في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى".

1- نرجو أن يوافينا بأسماء الإخوان الذين لم يكتبوا "المعلومات الخاصة".
2- كما نرجو أن يبعث لنا بمعلوماته الخاصة عن نفسه.

والسلام

أخوك الشيخ عبد الله

ملحوظة :

مرسل لك فى هذه الرسالة عناوين الإخوان الثلاثة بـ " سبها" يمكن الاتصال بهم إن شئت وبلغناهم أن يتوقعوا طلبهم فى طرابلس.
الرسالة الثامنة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ : إبراهيم المحتم:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

1- بحمد الله انضم إلى ركبنا الأخ " أحمد الزين" قادما من بنغازى فى مطلع الأسبوع الماضي . بدأ تدريبه بجد ونشاط فى مجموعة النعمان.
2- بما أنه أصبح من العسير جدا العثور على أبى بكر سليم نرجو تحديد صيغة للتعامل مع الإخوة القادمين من قبلكم .
نقترح: تحديد الساعة العشارة إلى الساعة العشرة والنصف صباحا من كل يوم موعدا لمقابلة أي قادم منكم فى حالة عدم وجود أبو بكر سليم- بالمقهى تحت الفندق على أن يقابله أحد الإخوان بالكفرة- يلبس ساعة بيده اليمنى ويوجد شريط أبيض على يده اليسرى مستعينا بكلمة السر المتفق عليها.
3- لطرفكم الدفعة السابعة بحوزتهم بعض الوثائق . وأما الدفعة الثامنة فيها ثلاثة إخوان لطرفكم الأسبوع القادم إن شاء الله.
4- موضوع جابر أرجو أن نفاد فى أول رسالة قادمة بخصوصه.
5- سبق أن كتبت لك بما تبقى ونضيف هنا 35 جنيه قيمة تذكرة الأخ أحمد الزين.
6- أما عن ميزانية أبريل تصبح 350 بدلا من 700 فى الشهر لقلة العدد.
7- الأمن :
أ‌- عمال الهندى يعملون ليل نهار فيهم العريف والترزى وأحمد الميدوبى.
ب‌- كتب لك د/ على فى رسالة مفصلة بعض الأخبار لا شك أنها تفيدكم بعض الشيء.
ت‌- الأنصار قلقون جدا للنقص الذى حدث فى معسكرنا وصار موضع اهتمامكم ومثار سؤالهم.
ث‌- حاولنا اختراق جماعة الهندي تمهيدا لما اتفقنا عليه فى الخطاب الماضي حول متابعة الهندي، وتم الآتي:

أ- اتصل احد أفراد مكتب الأمن بآدم جمل وذكر له رغبته في الدخول معه.

أقسم أمام آدم جمل على ألا يخونه. ثم قابله بلجنة اختبار الجنود المكونة من الجندي والترزى وأحمد الميدوبى وأبدوا له تخوفهم منه إلا أنهم سيتصلون فيما بعد.

ت‌- اخبرنا الأخ بالاحتفاظ بهذه العلاقة على ألا يتجاوزها إلى شيء آخر لحين ردكم.

وفى تقديرنا الآتي:

أولا: بهذه المحاولة تبين لنا رأس الخيط الذى يحرك أمر الهندي هنا ويمكن متابعة هذا الخيط لمعرفة حركة الهندي.
ثانيا : تحديد طبيعة الاتصال للأخ المقترح مكونة بالكفرة إذا تيسر حضوره.
ثالثا: معرفة بعض المعلومات بعد استدراجهم.
رابعا: إمكانية اخرتاقهم إذا رفعتم الراية الخضراء وبالعدم يمكن أن نهدم ما بنيناه مع آدم جمل دون خسرا.

وأخيرا: إذا وافقتم على اختراق جماعة الهندي لابد أن نضع في الاعتبار الآتي:

1- قد يدخل الأخ بحجة أنه أخ مسلم يريد القتال لأن التنظيم رفض القتال .
2- عند ذلك قد يستغل الهندي وجود هذا الأخ ككرت رابح يعلن به انشقاق التنظيم.

هذا ما توقعنا حدوثه لذا رجونا رأيكم نرجو إفادتنا كما نرجو إفادتنا باستيعاب صالح والمعلم كسواقين فى خط الكفرة ومليط وما تم بشأنهما.

والسلام

الشيخ عبد الله

الرسالة التاسعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أخي العزيز / إبراهيم المحترم:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

كيف حالكم وأحوالكم بحمد الله نحن بخير وعلى خير

1- ها هي الدفعة الخامسة من المسافرين معهم جوازات الدفعة القادمة إن شاء الله . أرسلنا لكم جواز حسان في الأسبوع الماضي وتخلف حسان ليكون البخاري بدلا عنه.
2- كما تعلمون أن ميزانية التسفير نفدت منذ الأسبوع المنصرم ولا زلنا نستدين من الإخوان لمواصلة التفسير بلغت جملة الديون حتى الآن 625 جنيه، تفاصيلها كالآتي : 400 ديون من الأفراد في المرة السابقة و200 للحالية . 225 ديون من ميزانية المعسكر . 625 الجملة.
3- العدد المتبقي بالمعسكر حتى ألان 27 فرد منهم 23 من قدامى الإخوان الذين تتراوح مددهم بين 8 شهور إلى عامين .
4- بنهاية آخر أسبوع من شهر فبراير نطالبكم بميزانية الفترة المتبقية. علاوة على الديون.
5- قصر ذات اليد قد يحول دون مواصلة التسفير إذ من المتوقع أن تنفد المبالغ الموجودة بأيدي الناس وبذلك لا سبيل للاستلاف.
6- سبق أن طالبنا بأحذية لبعض أفراد المعسكر بمقاسات مختلفة نرجو أن تصلنا من أول قادم لو تيسر.
7- موضوع سفر أبى شامة لبريطانيا وما تم بخصوصه.
8- أما عن الأنصار يبدو عليهم بعض مظاهر الحركة الدائمة من تدريب متواصل على قيادة السيارات ورماية لأفراد المعسكر. ولكن يبدو ذلك فقط تهدئة خواطر .
9- المجموعة وخاصة المنازل المعدة للإخوان لهذا نرجو محاولة استقبالهم بالمطار.

وختاما : يؤسفنا جدا إزعاجك المتواصل والإلحاح عليكم مع علمنا التام بحرصكم الشديد على تلبية كل رغباتنا، ولكن ربما تلتمسوا لنا العذر إذا علمتم أن دافعنا لهذا الإلحاح هو حرصنا على تنفيذ قرار التنظيم والله نسأل التوفيق والسداد وعليه قصد السبيل .

تقبل سلام كل الإخوان.

أخوكم الشيخ

الرسالة العاشرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي العزيز / إبراهيم المحترم:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..

أملى أن يصلكم كتابي هذا ويجدك بخير وعافية.

وصلني كتابك وتبين لي انزعاجك لما يجرى حولنا من أحداث وأقول لك: لا عليك يا أخي فالله الذي جعل في الصخرة الصماء التي تحيطنا رحمة ولنا في جوارها أنسا وسلوى، قادر أن يجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق فرجا. إخوانك هنا بخير وعلى خير يشغلهم عن كيد الماكرين ومكر اللئام شيء أجل وأسمى .

فهم يتطلعون ويتسامون إلى رب السماء . فيزداد بالصبر على كيد الكائدين قربا من الله عز وجل .

يفيض الله عليهم بعد الصبر رحمة تبارك الكثير وتزيد القليل .

وما ذلك على الله بالعزيز فهو القائل جل شأنه( نجن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفى الآخرة) ( فصلت: 31) وهو القائل ( والله ولى الذين امنوا) ( البقرة: 357).

1- ومن هنا أقول لك ما حولته لنا من مبلغ يسد حوائجنا ولو لشهر واحد، ونحاول أن نقتصد بقدر المستطاع ونوفر لأنفسنا حوائجنا ما استطعنا حتى يجعل الله من بعد العسر يسرا.
2- أما عن إبقاء المعسكر نرى أن الأسباب التي ذكرتها وجيهة ونسأل الله التوفيق .
3- بخصوص الإشارة رفض أبو بكر أن يبعثها بحجة أن وسيلة الاتصال بيننا وبينكم أسبوعية ولا حاجة للتلكس واللاسلكي.
4- موضوع اللتيتر لا حاجة لنا في جديد إذ إن الموجود يفي بالحاجة.
5- صالح مصطفى عبد الغنى والهادي الخليفة حسب وصايا مكتب الأمن .
يمكن بهم اختراق معسكر الهندي لما لهم من مقدرة على انتحال أي شخصية.
وهم إخوة أكفاء تنظيما بالسودان يمكن طلبهم بواسطة التنظيم سريعا لا سيما إننا هيئنا الجو هذه الأيام ووضعنا التدابير التي يمكن بها اختراق معسكر الهندي بالجبل الأخضر والكفرة.
6- هذه الأيام الهندي بالكفرة وتجرى عملية التجنيد على قدم وساق.
7- لهم عربتان تايوتا تعملان كوسائل نقل في نقطة تجمع بين الكفرة ومعسكرنا.
8- حدثت بعض المضايقات لعربات الأنصار من قبل عربات الهندي الأمر الذي دعا الأنصار إلى مزيد من اليقظة وفرضوا على منزلهم بالكفرة دورية حراسة مسلحة لئلا يؤخذوا على حين غرة.
9- كتبت لكم عن موضوع محمد البشرى ومحاولته الاستفادة من آدم جمل خبير الهندي المعروف وبالأمس اتفقوا على مشروع تجارى مشترك في الطريق بين الكفرة ووداى هورر " طريق التهريب حيث لا رقابة ولا أمن " على أن يساهم فيه محمد البشرى بمبلغ 2—جنيه.
ونحن نرى في هذا الأمر الآتي: أ أنها فرصة ثمينة جدا لمعرفة هذا الطريق السري أولا وثانيا توثيق الصلة بآدم جمل الذي أقسم الكتاب على ألا يخونه.
ت‌- نرى بدلا من أن يساهم بمبلغ 200 نرفع المبلغ إلى 600 ونشرك معهم المعلم ليؤازره أولا وليتعاون على معرفة الطري ثانيا.
ث‌- لو تمت موافقتكم على هذا المشروع- الذي أظنه يفتح أمام الحركة الإسلامية الفرصة لمعرفة مداخل هذا البلد ولا شك نحن في حاجة ماسة لذلك – إذا وافقتم على المشروع نرجو أن تبعثوا لنا فورا بأي مبلغ من المال حتى ولو أقل مما طلبناه ونحن نكمل ما تبقى من المال الذي بحوذتنا أرجو الرد سريعا.
10- علاقتنا بالأنصار جيدة وتوالت الزيارات بيننا . كما أنهم يواجهون ضغوطا حادة جدا من أبى بكر سليم مما دفع بهم سوء الحال إلى إرسال شخص لطرابلس لرفع الأمر إلى الصادق بالسودان.
11- أظنك فهمت موضوع صالح والمعلم فهما خاطئا ربما لرداءة الخط. كنت أقصد بذلك أن تدريبهم على المارسيدس يتم هنا بالمعسكر وليس على الطريق المؤدى إلى السودان .
ولعل فرصة إشراك المعلم وود بشرى في المشروع سالف الذكر يفتح لنا فرصة تدريبهم على معرفة الطريق مع سلامتهم دون مخاطرة إن شاء الله .
12- موضوع أبو سته. الطبيب البيطري، تم الاتصال بت بواسطة عاصم وأحيمر ساعة سفر عاصم وأنكر صلته بالإخوان رغم شهادة عاصم وأحيمر أنه كان من خبرة الإخوان كفانا الله شره ولا حول ولا قوة إلا بالله سائلين له الهداية.
13- بخصوص تسفير البقية الباقية عن طريق مليط الكفرة نرجئ ذلك لحين حضورك إذ إنه لا حاجة للعجلة محاولين تجميع المعلومات اللازمة عن هذا الطريق.
14- المهمة الشفهية وصلت وتم تنفيذها ونسأل الله أن يشرفنا بها.
15- ها هي الدفعة الثامنة وحاولنا تذكيركم بضرورة الدخول للسودان يمكن تأكيد ذلك لهم. بخصوص الدفعة التاسعة فيها واحد هو أحمد الزين ورحلته تنتهي في بنغازي إن شاء الله ، لذا قد لا يصلكم قادم من قبلنا الأسبوع القادم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


من مراسلات مهدي إبراهيم وعثمان خالد

أخي الكريم سعد والإخوة أعضاء المكتب

أرجو أن تكونوا بخير من الله وعافية وستر تركتكم وبالنفس رجاء بألا أكون قد فعلت ولكن ما من سبيل .

تذكرت بعضا من الأمور نسيتها حين كنت بينكم وما أنسانيها إلا الشيطان أن أذكرها .

1/ لم أجد بين الأوراق التي سلمتني لها الكشف الكامل بوجهة الجميع وإنما فقط العشرة المستعجلين .

آمل أن توافونا عاجلا مع أول قادم بوجهة البقية لإكمال التقديرات مبكرا.

2/ الإخوة الأربعة الذين وصلوا مؤخرا مع عكاشة والمعلم ومن صحبه أرجو أن تجمعهم وتبلغهم الأخبار والتصورات الجديدة كي يكونوا معكم في الصورة ويسيروا بسيركم فيما تستقبلون من أمور.

3/ حصر عدد أسماء المجموعة التي ليست لديها جوازات سفر وإرسال ذلك مع أول قادم .

4/ ضرورة الالتقاء بأفراد المجموعة التي معكم واحدا بعد آخر لضمان السرية ومعرفة أقاربهم وأصدقائهم أو زملائهم أو أبناء بلدهم الذين في الجيش أو البوليس أو الطيران أو الجمارك والمطارات أو الأمن ومعرفة ذوى الميول الإسلامية منهم أيضا وإحصاء ذلك وإرساله لقصد الاستفادة منه في الداخل.. وأن يسعى كل واحد عند العودة وسط معارفه من هؤلاء لجمع المعلومات منهم وإيصالها للتنظيم ومحاولة تقريبهم نحو الجماعة.

5/ أرجو عمل اللازم نحو توجيه كل الإخوان المسافرين بحلق لحاهم قبل السفر حفاظا على سرية تحركهم وعدم اللفت لأشخاصهم استجابة للظروف التي أشرنا إليها.

وتقبلوا كل التحايا والدعوات أخوكم .

مهدي.

بسم الله الرحمن الرحيم
في 29 مايو 1977
أخي الكريم سعد الإخوة الأبرار

أرجو لكممن الله الحفظ والرعاية وأدعو لكم بالتوفيق في مهمتكم الشاقة في المصابرة والمرابطة وأسأل الله أن يمنحكم فضل القبول.

فارقتكم والله يعلم أنه ليس باختياري ، وطفقت أذكركم طوال فترة غيابي عنكم ، ثم – عدت عشرة أيام برغبة زيارتكم والبقاء لثلاثة أسابيع على الأقل غير أنى منذ وصولي وجدت الأخ إبراهيم متنازعا بين الشواغل العديدة، والاهتمامات الكثيرة، فما كان من مناص .

ووجدت أن لابد من معاونته ريثما يعود عثمان.

وكان ضروريا متابعة المعلومات التي أرسلتم رسولكم بشأنها للوقوف على جليتها، ومقابلة المسئولين هنا في بعض المسائل التي تخصكم بشأن المدربين الليبيين للأدوات الثقيلة، وبشأن زيارة أخوكم في جواريم .. الخ.

وبعودة الأخ عثمان تجددت مسائل أخرى قضت بوجهة جديدة أشد نحوها الرحال.

بعد مغادرتي لكم المرة الماضية التقيت هنا في طرابلس بالأخ الصادق وتفاهمت معه على كل المسائل التي كنا نكثر حولها الحديث حين كنت معكم.

وقد أبدى تفهما كبيرا ووعد بحل كل المشكلات عند زيارته لكم .

ثم سافرت على أمل أن يزوركم إبراهيم وعثمان غير أن الذي حدث هو مجيء الأخ المسئول في لندن فاضطرنا لانتهاز تلك الفرصة معه لأنها أمر بقى مطلوبا منذ سنة1973 دون أن يتحقق، وبقينا عشرة أيام كاملة في النقاش والتفاهم وتبادل المعلومات والتصورات، وتطرقنا لكل المسائل والحمد لله ووعد بالرد علينا بعد عودته. وقد افهمونا أنهم جاهزون لإرسال 150 نسخة من الكتاب الجديد ونأمل أن نتمكن من عمل الترتيبات اللازمة بهذا الشأن ، وأن يكون لكم في هذا بعض العزاء حيث انتم تقيمون بعيدا عما ألف أندادكم من الدعة والاسترخاء.

وصلنا مندوبكم واستمعنا ثلاثتنا لما عنده، وتفهمنا ظروفكم وأسباب قلقكم ومع مقدرة لمن هو في مكانكم ولكنا الحمد لله نلم بأطراف إبعاد كل ذلك ونتابعه باهتمام ونسعى جادين للإحاطة بكل التفاصيل المتعلقة بهذا الأمر عن طريق المسئولين هنا فضلا عما علمناه مباشرة من زملائنا في الشركة ولنا تفسيرات عديدة لهذا الأمر ولكن الذي أصبحنا عليه هو أننا سنحاول المشاركة في هذا الأمر في حدود معقولة لاعتبارات عددية رجحنا بعد المداولة والمشاورة.

ومعذرة لم إن أستطع ذكر كل التفاصيل بهذا الخصوص وإن شاء الله يزوركم عثمان ويتولى إيضاح هذه الأمور. أو يتولى شرحها رسولكم إذا قدر له أم يسبق عثمان وإن مندوبكم الآن في إجراءات العلاج ونرجو الله التوفيق وادعوا له أنتم بذلك.

أخوتكم بجولايم بخير وقد أتموا والحمد لله بمستوى ممتاز واستفادوا كثيرا من دورتهم وسيعود إليكم أكثرهم عما قريب.

واصلكم الإخوان حاملا الرسالة أحدهما في عجلة من أمره والآخر له معكم حوالي الشهر المرجو عمل اللازم وتمكين الأخ العائد من الاستفادة القصوى من أيامه العشرة معكم.

نأمل مشاركتكم بإعداد المواد للإذاعة وإرسالها مع القادمين ، وحتى يزوركم عثمان استودعكم الله ، وتقبلوا تحيات عثمان وإبراهيم.

مهدي

بسم الله الرحمن الرحيم
الخميس 16 شوال 1397 هـ
الموافق 29 سبتمبر 1977
أخي الكريم سعد الإخوة الأبرار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما نزال نلتمس أخباركم عند القادمين منكم نسائلهم عن كل شئونكم التي هي بر شك شئوننا، ومواضع اهتمامنا ولئن كان لنا من عزاء أمام المسافات الأرضية التي تفصل بيننا فإنما هو هذه الرحلات الروحية التي تتخطى بنا الحدود والسدود وتحط الرحال بقلوبنا وعقولنا عند موقعكم المبارك مع جمعكم الكريم الذي قيض الله له أن ينال كل ذلك الفضل، فضل الإعداد والاستعداد والصابرة والمرابطة في وقت انشغل فيه الناس بهموم الحياة وحظوظهم من شئون الدنيا ، وحسبنا وإياكم أن يتقبل الله منا أجمعين وأن يرزقنا الصدق والإخلاص وأن يجعل غاية أعمالنا وجهه الكريم.

سافرت مع الأخ عثمان بعد العيد للحصول على التذاكر.

مهدي

بسم الله الرحمن الرحيم
15/ 6/ 1977
الأخ أمير المعسكر
السلام عليكم ورحمة الله

وبعد ، نظرا للظروف الدقيقة التي نمر بها والتي لا مجال للإبانة عنها في هذه العجالة لن يتوفر لنا الإكثار من السفر من وإلى المعسكر ولابد من تقليل الخروج لأبعد حد.

لذا وباستثناء الأربعة الذين حضروا من السودان مؤخرا وسمح لهم بالبقاء فقط لمدة أسبوعين لا يسمح لأي شخص آخر بمغادرة المعسكر.

ملحوظة

يستثنى الأخ أمير أدهم وأمير :عثمان خالد

بسم الله الرحمن الرحيم
إشارة من لندن من الأخ الزبير
للأخ السنوسي

1/ الباسبورت خاصتي ضاع أرجو أن ترسلوا لو واحد سوداني أو جديد لي.

الأخ مهدي عنده باسبورت سوداني جديد أرجو أن ترسلوه على جناح السرعة وإذا تعثر أرسلوا واحد جديد.

الصور والمعلومات الخاصة لملأ الجواز عند محمود شريف وإذا لم تحصلوا عليها سأرسل صور جديدة.

ومعلومات أخرى مع عثمان خالد الذي سيصلكم يوم الاثنين إن شاء الله ( غدا) .

2/ واحد سيحضر هناك( ليبيا) مسألة قفل الباب للجماعة فيه ظلم لهذا الأخ لأنه تأخر لسبب مقبول ونرجو أن تلحقوه بالجماعة أفيدونا بالمراجعة بالتلغراف لكي نعمل على إرساله.

( انتهى كلام الزيت)

بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير للفروع حول اجتماع مجلس الشورى المنعقد بتاريخ 19/ 8 – 22/ 8/ 1977
الإخوة الأحباب
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

نحمد الله إليكم الذي بنعمته تتم الصالحات ونسأله أن يسلم قصدنا كله وأن يكلل بالنجاح مسعانا لإقامة أمره وشرعه في أنفسنا وبين عباده .

لقد تم بحمد الله وتوفيقه انعقاد مجلس الشورى بالخارج وضم مناديب من كل تنظيماتنا بالخارج في الفترة ما بين 5 و 8 رمضان 1397 هـ الموافق 19و 22/ 8/ 1977 .

وقد كانت أجندة هذه الدورة على النحو التالي:

1/ تقرير مختصر من رئيس مجلس الشورى .
2/ الاستماع لتقارير الأقاليم.
3/ الاستماع لتقرير الأخ المسئول عن المكتب التنفيذي بالأمانة.
4/ مناقشة الخط السياسي العام.
5/ دور التنظيم الخارجي في الظروف السياسية الجديدة.
6/ انتخاب المكتب التنفيذي.
7/ إجازة لوائح المجلس.
8/ تحديد دورة المجلس

وتتجه النية بعون الله إلى تلخيص مداولات المجلس وإرسالها لكم في وقت لاحق وقبل أن يتم ذلك فهذه هي القرارات التي أسفر عنها اجتماع المجلس ويتعين عليكم إبلاغها لكل الإخوة بعد شرحها في اجتماعات مصغرة أو منفردة وبالصورة المناسبة التي ترونها حتى يكون نهجنا دائما تبصير الإخوان بأحوال حركتهم واشتراكهم في تصريف شئونها ومراجعة خططها وسياساتها وأملنا في ذلك تمام النفع وإكمال العدة بواجبات الدعوة على أكمل وجه ممكن إن شاء الله .

الخط السياسي:

اتخذ المجلس عددا من الالتزامات في مجال العمل السياسي:

1/ أن يسعى التنظيم للحفاظ على الاستقرار الحال .
2/ الحفاظ على جو المهادنة الحالي والسعي للوصول إلى اتفاق مع السلطة يضمن المشاركة في كافة الأجهزة السياسية على أن يتم هذا الاتفاق في إطار قومي إن أمكن ذلك وإلا يواصل الإخوان السعي للوصول لاتفاق يحقق الأهداف التي تحددها الجماعة.
3/ أن يكون الاشتراك في المناصب السياسية العليا رهينا بتطور الأحداث وترك تقدير ذلك لمجلس الشورى في الداخل.
4/ أن تكون المبادئ ثابتة في تعامل الإخوان مع المجتمع سواء أن كانوا معارضين للحكم القائم أو مهادنين أو متعاونين معه.

أ-المشاركة في كل أجهزة الخدمة المدنية ومرافق التأثير في المجتمع .

ب‌- مشاركة الإخوان غير الظاهرين وتشجيع الإسلاميين من غير الإخوان لتسليم المناصب السياسية العليا.

ت‌- استمرار العمل الإسلامى غير السياسي.

5/ إقرار مبدأ التدريب كسياسة من سياسات الحركة.
6/ أن يستمر التدريب في ليبيا إلا إذ تبين للإخوان بالداخل أن ذلك مفسد للهدنة القائمة.
7/ يوصى مجلس الشورى المكتب التنفيذي بإرسال وفد لليبيا لتوضيح موقفنا في المرحلة الحالية بالنسبة لمجريات الأحداث.

المكتب التنفيذي:

1/ يتكون المكتب التنفيذي للإخوان بالخارج من سبعة أشخاص أربعة من المملكة المتحدة( لتحقق النصاب في حالة تعذر اجتماع المكتب بكامله) وثلاثة من خارجها.
2/ عدد المتفرغين في المكتب التنفيذي اثنين أحدهما رئيس المكتب والآخر أحد الثلاثة من خارج المملكة المتحدة هذا بالإضافة إلى سكرتير متفرغ من خارج المكتب يختاره المكتب التنفيذي.
3/ الأخ المتفرغ من خارج المملكة المتحدة: الأخ عبد الله مكي.
4/ انتخب المجلس المكتب الآتي:
1 /على الحاج رئيسا للمكتب
2/ عبد الرحيم على
3/ الزبير بشي طه
4/ بهاء الدين حنفي
5 / عبد الله مكي
6/ حسن بشير
7/ مبارك قسم الله
5/ تكوين مكتب سياسي برئاسة الأخ رئيس المكتب التنفيذي وتضم عضويته الإخوة ممثلينا في الجبهة وآخرين.
6/ أن تكون دورة المجلس لعامين كاملين من تاريخ انتخابه.

وفقكم الله وسدد خطاكم وبارك فيكم والسلام عليكم

سكرتارية مجلس الشورى
لندن 24 / 8/ 1977

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ سعد ، والإخوة الأعزاء تحية من عند الله طيبة مباركة.

أخوتي كيف حالكم في هذه المدة التي أراها كامتداد الشهور .

كم نعزى النفس عنكم ونسلها فتأبى .

لقد غلب على ما أقوله فراقكم عنا أو في الواقع فراقي عز على ولم أجد نفسي إلا وأنا مشتاق إليكم.

إخوتي كيف البرد في هذه الأيام وكيف إن شاء الله تكونوا اقتحتم المدينة الجديدة أما أنا فقد بقيت هنا في طرابلس ولم أدر أين أذهب وقبل أن أرتحل عن هذه البلدة أرجو من جميع الإخوان أن يعفوا منى عفوا كثيرا جدا جدا جدا جدا وأشركونا في دعائكم.

لي سؤال :

كيف ميز الأحد إن شاء يكون قدم ما هو شهى وممتع وجميل وأخيرا تحياتي للجميع.

أخوكم دائما وأبدا.

مرزوق عوض خالد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحالي من محرم 1398هـ - كل عام وأنتم بخير .

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله الذي بت اهتدت الأمة المسلمة وأنقذت من ظلمة الجاهلية إلى نور الإسلام فتبارك الله حيث أرسله كافة للناس بشيرا ونذيرا وعلى سيدنا أفضل الصلاة والسلام ( اللهم حببنا إليك وزد فى حبنا لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم).

أما بعد:

من جلال الدين بابكر عثمان

إلى دعاة الحق وإخوتي في الله الغلاسون ( المفلحون إن شاء الله) .

السلام عليكم ورحمة الله

ما أجمل الحياة بينكم والإنس عندكم واللقاء بكم، وما أجمل الحياة في تلك الأراضي الواسعة التي لا تجدها إلا صاحب أو حد النظر.

وما أخصب أرضكم التي دلت التجربة تماما على خصوبتها إذ أن كل ما زرع فيها من خير نما ونبت ولم تكن جذوره سطحية وإنما الجذور أصبحت بعيدة متمكنة في التربة لا يقلعها إلا فناء المزروع والبقاء لله ولا شك أن هذا الزرع هو نجاه البشرية إذ أنه يحمل في كل ورقة من أوراقه الخضراء كلمة التوحيد وبالجانب الآخر نفى الشريك.

فإني أحمد الله الذي جمعني بكم وأسأله أن يجعل حبنا خالصا لوجهه الكريم.

إخوتي لقد كنت بينكم سعيدا كل الذي أراه يقول لا إله إلا الله سواء أكان من الناس أو المخلوقات الأخرى، الحياة عندكم توحد الله فقط لا نعبد سواه كل وجه يذكر بالصحابة ودعوة الإسلام عندما بدأت قبل أربعة عشر قرنا .

الحياة عندكم لا يوجد فيها منكر تراه قط ولكن كيف الآن الحياة في المدينة مزيج من الخير والشر لذا ذهبتم وكنا بينكم نقلب هذا الخير على الشر فتصبح الحياة كلها خير والله المستعان مع ذلك.

إخوتي أن افترقت الأجساد فأحب أن الأرواح لم تفترق بل مرتبطة برباط لن ينقطع .

فأنا الحمد لله على تمام الصحة والعافية ما أصابني مكروه قط فأسأل الله أن يتم العافية كما وأسأله تعالى أن يديم لكم العافية ويتم نعمته عليكم ويبلغ مقاصدنا ويتقبل جهادنا ويجعله في سبيله ويثبتنا على دينه وأخيرا أسأل الله جل شأنه أن يرينا جميعا الحق ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل ويرزقنا اجتنابه.

وأوصى نفسي وأخوتي بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حيث قال له ما معناه: ( يامعاذ عليك بالإخلاص يكفيك العمل القليل ) اللهم اجعلنا من المخلصين .

بسم الله الرحمن الرحيم
أسكوبيا 9/1
والصلاة والسلام على رسول الله الكريم
الأخ سعد والإخوان
تحية طيبة

عساكم والجميع بخير وعافية وكل أموركم تسير على ما يرجو الله لها من خير.

أما نحن قد وصلنا بحمد الله بخير ووجدنا جميع إخواننا بخير وهم يبلغونكم تحاياهم ويتمنون من الله اللحاق بكم نسال الله أن يوفقكم ويجعل أعمالكم خالصة لوجهه تعالى وأن يحشرنا جميعا في زمرة الشهداء والصديقين.

كما أرجو أن تبلغوا تحياتنا لجميع الإخوان بطرفكم كما وأن تسامحونا عن بعض الهفوات وتدعو لنا ولا تنسونا من دعواتكم .

وجزاكم الله كل خير وسدد خطاكم برعايته ورزقكم الشهادة إنه سميع مجيب. كما أرجو أن تبلغ الأخ أمير بأن خطابه قد أرسلته بالفعل.

وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

معز/ بحر

بسم الله الرحمن الرحيم
7 ذو القعدة 1397هـ - 19 أكتوبر 1977
الإخوان سعد ومعاذ وأيوب ورفاقهم الأبرار.

تحية من عند الله مباركة طيبة .

اكتب لكم هذه الكلمات وأنا أغادر هذه الأرض الطيبة التي آوتنا حين طردنا الناس ووجدنا فيها من الخير ما لم نجده في غيرها ولكن عزاؤنا أن الخيرة لله والرسول وليس لنا وما علينا إي السمع والطاعة وثقتنا في الله لا تحدها حدود ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ).

إخوتي في هذه العجالة لا يسعني إلا أن أوصيكم بالدعاء لي خاصة وأنتم في هذه الأرض ، أرض الرباط التي يفوق اليوم والليلة فيها ألف يوم فيما سواه من المنازل كما أرجو منكم العفو عنى جميعكم خاصة وأنى كنت في موقع قد أكون أسأت فيه وأغضبت الكثيرين ( العربات والسواقة) في الختام تحياتي لجميع الإخوان محمد حسين والشيخ والمعلم والرشيد وأبو شامة وجميع الإخوة فردا فردا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم محمد عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين على سيدنا ونبينا محمد قائد المجاهدين وخاتم الأنبياء والمرسلين .

إخوتي الأحباب :

سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته نسال الله سبحانه وتعالى أن تجدكم هذه الرسالة وأنتم جميعا بخير وعلى ما يرام مرابطين رافعين الراية عالية خفاقة لإعلاء كلمة الحق.

أحبابنا الأجلاء جزاكم الله خيرا وأثابكم في الدارين لقد عشنا أياما بينكم فعلمتمونا وصقلتمونا فكنتم خير البشر التقينا أنتم وخير جماعة تآخت لإعلاء كلمة الحق وما هذا إلا نعمة من الله منه علينا فنسأله سبحانه وتعالى أن يديم إخوتنا وأن ينصر الإسلام وأن يتوفانا وهو راض عنا ويرزقنا الشهادة يا رب العالمين .

إخوتي تقبلوا تحياتنا جميعا ونسألكم العفو والعافية والمسامحة وختاما نسأل الله

أن يجمعنا في القريب إنا إليكم مشتاقون

أخوكم أبكر حامد

رسالة طريفة

الرسالة التالية تعكس روح الطرفة عند بعض الذين كانوا بالمعسكر ثم انتقلوا للعمل بطرابلس بعد أن أكمل واجب التدريب لذلك تراه يكتب رسالة فيها نوع من الهزل والجد لإخوانه الذين كان معهم.

بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لكم عاطر التحايا وأحلى الأماني والآمال وليتكم تعرفون البقة علينا من ناس الرحلو طولون وعلى ما سألوا وين انتو الحالة الحين كيف .. واحذروا الفشل.

وما تخافوا نحن حارسين ليكم خيرات طرابلس كلها وطبعا نحن وانتو الحالة واحدة.. والأهدال قالوا شربت موية والمسألة كلها بقت كحل مسوح والمعلم العرديب نزل مصارينو..

الأخ سلوكة:

شهاداتك شبه جاهزة

1/ خريج تجارة 1973

2/ شهادة خبرة ثلاث سنوات كمحاسبة

وبالتالي يوم ما تفكر الوظيفة مضمونة وطبعا المرتبات فوق آلميه على طول الدينارات سختتنا

دعواتكم بالله عليكم أمانة

أخوكم الطويل

الشهيد الحافظ جمعة سهل :
الاسم : الحافظ جمعه سهل
الاسم الحركي: جابر عبد الله محمد أحمد
مكان وتاريخ الميلاد المزروب 1951م

الإقامة:.........

المستوى الدراسي : خريج جامعة

تاريخ الالتحاق بالدعوة: 1968م

المسئوليات التنظيمية التي تولاها:

اتحاد طلاب خورطقت 1969م
اتحاد طلاب معهد المعلمين 72/ 1974م
اتحاد طلاب معهد الخرطوم 74/ 1975م

حالة الأسرة المالية : جيدة

أفرد الأسرة : 4 ذكور و4 إناث

عائل الأسرة : الحبيب جمعة سهل يعول 8 أشخاص

أعزب

الأسلحة التي تدرب عليها:

كلاش – بنك - f n – بريا – استيرلنج- g p m g-r b g
رمانات- متفجرات – براون – م/ ط 12,7.
بسم الله الرحمن الرحيم
بين داود بولاد والطيب سيخة
الاسم : داود يحيى بولاء ح- خالد
تاريخ وصول المعسكر 4/ 8/ 77
تاريخ مغادرة المعسكر 23/ 9/ 77
المدة التي قضاها بالمعسكر 50 يوما
الأسلحة التي تدرب عليها
كلاش – بنك -f n
غدارة – sterl
مسدس – أغراض –r p g
م. ط 1207 – رمانات يدوية متفجرات . درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري
1- المحافظة على المواعيد ج
2-اللياقة البدنية ج ج
3-الانضباط ج
4-الاستيعاب ج ج
5-القدرة على القيادة قيادي ممتاز
بسم الله الرحمن الرحيم
داود يحيى محمد بولاد
نيالا 1952م الإقامة نيالا
ضواحي نيالا - الابتدائية
نيالا - العامة
الفاشر - العليا
جامعة-الخرطوم الهندسية
الهادة - هندسة مدنية
تاريخ الالتحاق بالدعوة 1972م

المسئوليات التنظيمية

1- آخر لحظة
2- نقيب مكتب سياسي
3- مسئول مكتب سياسي
4- عضو لجنة تنفيذية
5- رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
الخروج من السودان عن طريق الجنوب

وضع الأسرة المالي جيد إن شاء الله

أفراد الأسرة

1- يحيى محمد 42 سنة مزارع
2- مستورة الأم 42 سنة مزارعة
3- حسن يحي 14 سنة طالب
4- آمنة يحي 12 سنة طالبة
5- حليمة يحي 8 سنوات
6- عبد الله 6 سنوات
7- على يحيى طالب 8 سنوات
8- خديجة يحي 7 سنوات
9- فاطمة حسين 13 سنة
10- مريم حسين 11 سنة

عائل الأسرة يحيى محمد بولاد

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم الحقيقي : الطيب إبراهيم محمد خير
تاريخ الميلاد: 1/ 1/ 1952

مكان الإقامة : الحقنة السبلوقة

العنوان : أم درمان / توكيل بريد الحقنة ص – ب 106

مراحل الدراسة وأماكنها:

الابتدائي :الحقنة الوسطى: الريفية شندى
الثانوي : شندى
الجامعة : الخرطوم / كلية الطب
أكملت السنة الرابعة طب وبدأت الخامسة وفصلت لأسباب سياسية

الشهادة تخصصا ودرجة : شهادة إكمال رابعة مفصلة

تاريخ الالتحاق بالدعوة : 1967

المهام التي تولاها: عضو المكتبة بالمدرسة الثانوية . عضو المكتب السياسي وعضو الاتحاد عام 1974- 1975 مسئول عن مديرية كسلا بالعمل الصيفي 1975- 1976 .

الحالة الاجتماعية : طالب غير متزوج خاطب

أفراد الأسرة:

الاسم أحمد – العمر 9 – العمل تلميذ –
الاسم : زهرة – العمر11- العمل تلميذ
الاسم سعد الدين – العمر 13 – العمل تلميذ
الاسم آمنة – العمر 18 – العمل ربة بيت- متزوجة – ليس لها أطفال .
الاسم : عائشة – العمر 27 – العمل ربة بيت – متزوجة – ليس لها أولد.
الاسم : نعمات – العمر 15- العمل تلميذة .
الاسم : صديق – العمر 21- العمل- مزارع – غير متزوج .
الاسم : الحسين- العمر 30- لا يعمل – متزوج- له أولاد 4.
الاسم : الحسن- العمر 30- لا يعمل – متزوج – له أولاد 4.
الاسم : عبد الله – العمر 32- العمل ضابط صحة – متزوج – له أولاد 1.
الاسم : عثمان – العمر 24- العمل معلم – غير متزوج-
الاسم : زينب- العمر 26- العمل ربة بيت- متزوجة – لها أولاد 5.
الاسم : نفيسة – العمر 28- العمل ربة بيت- متزوجة – لها أولاد 5.
الاسم : جمال – العمر0 3—العمل ربة منزل- متزوج- له أولاد5.
الاسم : محمد – العمر 30- العمل تاجر- متزوج- له أولد 6.
الاسم : محجوب- العمر 36- العمل أعمال حرة- متزوج – له أولاد 8.
الاسم : يوسف – العمر 33 – العمل عسكري- متزوج – له أولاد5.
الاسم : كلثوم – العمر 37- العمل ربة منزل- متزوج – لها أولاد 5.
الاسم: خديجة- العمر 38- العمل ربة منزل- متزوجة- لها أولاد 6.

الوالدة: أم شروق محمد الحاج

عائل الأسرة : إعانات من الإخوان العاملين

المستوى المعيشي للأسرة : وسط

الجهة التي عمل بها والمدة: .......

المعرفة بقيادة السيارات: لا .

الجواز : غير أصلى باسم حركي .

الشهادات:

بعضها موجود وبعضها غير موجود
شهادة إكمال رابعة مفصلة موجودة
شهادة التطعيم الدولي الأصلية : غير موجودة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم الحقيقي: يحيى حسين بابكر محمد
الاسم الحركي: محمد عثمان

تاريخ الميلاد ومكانه: أكتوبر 1951م- عطبرة.

مكان الإقامة: عبره.

العنوان : عطبره ص- ب 228.

مراحل الدراسة وأماكنها: المرحلة الابتدائية : عطبرة ، الوسطى عطبره، الثانوي العالي الجيلى، جامعة الخرطوم حتى نهاية السنة الثانية بكلية الاقتصاد.

تاريخ التخرج:........

الشهادة تخصص ودرجة: إكمال السنة الثانية بكلية الاقتصاد ، تخصص اقتصاد وعلوم سياسية.

تاريخ الالتحاق بالدعوة: فبراير 1974م.

المهام التي توليتها: عضو مجلس الاتحاد 74- 75، عضو المكتب التنفيذي للثاويات عضو مجلس الشورى ، مسئول نشر الدعوة بالكلية.

الحالة الاجتماعية :

أفراد الأسرة: الشريفة حسين بابكر : متزوجة ولها خمسة أطفال

مريم حسين بابكر : متزوجة ولها سبعة أطفال .

زينب حسين بابكر : متزوجة ولها أربعة أطفال

أم العلاء حسين بابكر : متزوجة ولها طفل واحد

آمنه حسين بابكر : غير متزوجة

فتحية حسين بابكر : غير متزوجة

هاشم حسين بابكر : غير متزوج ، يعمل مهندس

أسامة حسين بابكر : غير متزوج طالب .

صديق حسين بابكر : غير متزوج طالب

الصادق حسين بابكر : غير متزوج طالب

المستوى المعيشي : متوسط

الجهة التي عمل بها : طالب

المعرفة بقيادة السيارات: أقود سيارة ولى رخصة قيادة.

بسم الله الرحمن الرحيم
سيد محمد الحسن الخطيب

الاسم : سيد محمد الحسن الخطيب

عبد الدافع الخطيب 25
عويضة الخطيب 19
نعمات الخطيب 16
جمال الخطيب 15
عادل الخطيب 13
هيثم محمد عثمان 5 ابن اختى

الأسلحة التي تدرب عليها كلاش f n ، بنك، رشاش،g p m ، غرارة ، قاذف ،مسدس ، استرليف، متفجرات رمانات يدوية ، براونتق، م. ط دبابة.

ح: السر سوار الدهب

تاريخ الوصول للمعسكر 21/ 7

تاريخ مغادرة المعسكر 5/ 10

المدة التي قضاها في المعسكر 74 يوما

التعليم والعمل :

الوالد – أولى- ملاحظ- بالتحري
هاشم – جامعة- الفرع- معلم
مي- ثانوي – معلمه
عبد الدافع – جامعة الخرطوم – سونا
عوضيه – مهدي – عالي
نعمات- ثانوي عالي
جمال – ثانوي عام
عادل – ثانوي عام
هيثم – لم يدخل المدرسة
عائل الأسرة الوالد
درجة التحمل والاستعداد للحمل

العسكري : الاستعداد ج

1- المحافظة على المواعيد ج
2- اللياقة البدنية ج
3- الانضباط ج
4- 4- الاستيعاب ج
5- القدرة على قيادة السيارة
6- القدرة على القيادة ج

الطاهر على الطاهر ح- حمزة

تاريخ وصول المعسكر 15/ 7/ 77

تاريخ مغادرة المعسكر 6/ 9/ 77 الفترة التي قضاها في المعسكر 2يوما

الأسلحة التي تدرب عليها:

كلا بنك ، إف إن ، غرارة ، مسدس ، آربى جى ، رمانات يدوية ، براونج، متفجرات .

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري :

1- المحافظة على المواعيد ج
2- اللياقة البدنية و
3- الانضباط ج
4- الاستيعاب ج
5- القدرة على القيادة
بسم الله الرحمن الرحيم
إسماعيل حسن حسين
الاسم الحركة : نافع حسين

مكان الإقامة : المملكة المتحدة

مكان وتاريخ الميلاد: عطبرة 13/ 1/ 1946م

مراحل الدراسة: أولى- وسطى- ثانوي ( عطبرة) جامعة الخرطوم كلية الهندسة.

تاريخ التخرج: 1971م

الشهادة: بكالوريوس هندسة كيماوية

ماجستير هندسة كيماوية ( 1976م) برمنجهام

لجهة التي عمل بها: المؤسسة العامة للإنتاج الصناعي قسم الزيوت المنطقة الصناعية بحري

الالتحاق بالدعوة 1964م

المهام: ؟؟ أسرة- مكتب الثانويات- شعبة المملكة المتحدة-خرج عن طريق لندن

تاريخ دخول المعسكر: 15/ 7/ 77م تاريخ مغادرة المعسكر 13/ 8/ 77

المدة التي قضيتها بالمعسكر 29 يوما

الأسلحة التي تدربت عليها :

كلاش- بنك، إف عن ، أقراحة – آر بى جى ، طفرات
درجة التجنيد والاستعداد للعمل بالمعسكرات
1- المحافظة على المواعيد ج
2-اللياقة البدنية ض
3- الانضباط ج
4- الاستيعاب ج
5- القدرة على القيادة ج صبور مطيع جدا

الحالة الاجتماعية : متزوج وله طفلة عمرها 3 سنوات

أفراد الأسرة: 1- الوالد، -2الوالدة، 3-أسماء 21 سنة- طالبة، 4 -الأمين – 24 سنة – طالب ، 5- محمد المختار – 17 سنة – طالب ، ثلاث أخوات متزوجات .

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : غازي صلاح الدين
الاسم الحركة : سعيد محمد على

المؤهلات : طالب

الخبرة

العمل الحالي:

مكان العمل :

الوضع الحالي: مفصول من جامعة الخرطوم- خامسة طب.

هل ترغب في العمل بليبيا أم العودة؟
إلى كم ستبقى في ليبيا في حالة العمل ؟
إلى أين ستعود في حالة العودة؟
نوع العمل الذي ترغب ومكانه ؟
هل معك شهادات .

أرفق الشهادات التي معك : أفضل الاحتفاظ بها.

أي ملاحظات أخرى أو وصايا :

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : محمد عبد الرحمن مختار عجول
الاسم الحركي : عثمان عبد الرحيم

المؤهلات: طالب بجامعة الخرطوم إكمال سنتين بالجامعة

الخبرة:

الوضع الحالي : تركت الدراسة

هل ترغب في عمل بليبيا : نعم في مواصلة الدراسة أو العمل في حالة عدم توفر فرصة الدراسة.

الشهادات: شهادة إكمال السنة الأولى كلية العلوم

شهادة إكمال السنة الأولى بكلية البيطرة.

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم :محمود محمد شريف
الاسم الحركي : عبد الرحمن محمد معروف

المؤهلات: بى سى سى جامعة الخرطوم كهرباء إم إس سى إلكترونيك امعة سالفورد

الخبرة : 4 شهور

العمل الحالي: الهيئة المركزية

مكان العمل: الخرطوم

الوضع الحالي : في بعثة دراسية لندن

هل ترغب في العمل بليبيا أو العودة؟ أرغب بالعمل -إلى كم ستبقى في ليبيا ؟ في حالة العمل ؟ حتى أتمكن من كتابة رسالة بى إتش دى لمدة عام .

إلى أين ستعود في حالة العودة؟

نوع العمل الذي ترغب ومكانه ؟ في جامعة طرابلس

هل معك شهادات ؟ أرفق الشهادات التي معك.

أي ملاحظات أخرى أو وصايا . العمل بالجامعة سيسهل لي كتابة الرسالة لوجود مواد البحث والأدوات وغيرها

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : محمود محمد شريف
غير متزوج وقابل في أي لحظة

الوالد محمد شريف محمد صالح والوالدة الحمد لله بصحة جيدة والوالد بالمعاش ويعمل موظف بالقطاع الخاص وحالته المادية جيدة والحمد لله الأسرة تتكون من ثلاث أخوات متزوجات وأربعة إخوة- الأخ الأكبر يعمل مهندس مدني بالسكة حديد ومتزوج وله ولدين والإخوة الاثنين الصغار أحدهم ممتحنا للجامعة هذا العام والأخ الأصغر بالثانوي العام .

لا توجد لدى أي التزامات مادية تجاه الأسرة وهم في غنى عنى والحمد لله . وليست على ديون.

العنوان الخرطوم ص- ب 126

تاريخ الالتحاق بالتنظيم : 1965

المهام التنظيمية: نقيب أسرة مسئول الجامعة سنة 1970- 1971 .

مسئول ثقافي بحري 1972- 1973م .

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : ابن عمر محمد أحمد
ح: عثمان محمد على

تاريخ وصول المعسكر4/ 8/ 77

تاريخ مغادرة المعسكر 5/ 10/ 77

المدة التي قضاها بالمعسكر 61 يوما

الأسلحة التي تدرب عليها :

كلاشنكوف، بنكن إف إن ، بى إم جى ، إستترلينق، مسدس ، برتة، قاذف، آ ربى جى، متفجرات ، رمانات يدوية، م. ط دبابة.

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري:

1- المحافظة على المواعيد ج
2- اللياقة البدنية يشكى من غضروف
3- الانضباط ج
4- الاستيعاب: ج
5- القدرة على القيادة: .....

قيادة السيارات.......

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم على احمد كرتي

تاريخ الميلاد: 1953

الدراسة: ثالث حقوق ( شهادة قانون متوسطة)

غير متزوج

الأسرة : أشقاء مصطفى تاجر ، مبارك مدير مدرسة ابتدائية ، عبد الوهاب تجارة، طيبة متزوجة.

غير أشقاء : عثمان مزارع، كمال طالب ثانوي عالي ، إبراهيم طالب ثانوي عالي، نصر الدين ثانوي عام ، أربعة بنات متزوجات ، الأربعة المتزوجات منهن طالبتان.

الأسرة يعولها الوالد والإخوان.

الوالد على قيد الحياة : الوالدة متوفاة منذ 1955م.

الحالة المادية: متوسطة.

تاريخ الانضمام للدعوة: 1967

المسئوليات : مسئول في رابعة وسطى، عضو مكتب اجتماعي عام واحد بالثانوي، مسئول لعامين في الثانوي ، سكرتير المكتب السياسي في الجامعة سنة 1973 ، مدير تحرير آخر لحظة سنة 1974 لعدة شهور ، مسئوليات عامة عضو اتحاد في الثانوي لعام واحد، عضو المجلس الأربعين للاتحاد سنة 1973- 1974، عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد في الجامعة سنة 1974-1975، كسكرتير للشئون الاجتماعية.

طريق الخروج : بورسودان جدة بجواز سفر آخر

جواز السفر : حقيقي الآن

مكان الإقامة : الخرطوم بحري الختمية

العنوان : الخرطوم بحري ص- ب 26 مصطفى أحمد على كرتي

قيادة السيارات : مرحلة تعلم لا بأس بها.

بسم الله الرحمن الرحيم
فضل السيد عبد القادر مختار أبو قصيصة 1951

كلية الصيدلة ثالثة

العنوان : حلفا الجديدة مصنع السكر عبد القادر مختار

حالة الأسرة: الوالد يعمل مفتش في القطاع دى إس الوالدة موجودة وتتكون الأسرة من سبعة ذكور كلهم طلاب عدا الأطفال وأربعة إناث طالبات .

المسئوليات التنظيمية : عضو اتحاد

بسم الله الرحمن الرحيم

الاسم : فضل السيد عبد القادر أبو قصص

ح/ ميرغنى عبد الصادق الطويل

تاريخ دخول المعسكر 23/ 6

تاريخ مغادرة المعسكر 5/ 10

الأسلحة التي تدرب عليها:

كلاشن- إف إن ، أغراض ، غدارة ، إ شتى إيه آر، مسدس ، آ ربى جى ، براوتج، م. ط ، 7، 12 ، رمانات يدوية ، متفجرات.

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري:

1- المحافظة على المواعيد ج
2- اللياقة البدنية ف- و
3- الانضباط ج
4- الاستيعاب ج
5- القدرة على القيادة ج غير أن الطابع المدني غالب عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : محمد محيى الدين الطيب الجميعابى : بشير محمد الحسن

تاريخ الميلاد ومكانه : 1/ 4/ 1953 قرية أم دقرسى

المراحل الدراسية : المرحلة الابتدائية قرية أو دقرسى 1965

الوسطى أبو عشر الأميرية 1969

الثانوي العالي: القطينة العليا سنة واحدة

حنتوب العليا ثلاث سنوات

دخلت الجامعة سنة 1973 كلية العلوم فصلت لمدة عام من كلية الطب السنة الثانية

جامعة الخرطوم سنة 1975

مكان الإقامة:

قرية الجميعاب – ريفي الكاملين

العنوان: الكاملين الجميعابى- محيى الدين الجميعابى

قيادة السيارات : مارستها لفترات متقطعة لكن لا أحمل رخصة قيادة

الحالة الاجتماعية :غير متزوج وغير خاطب

أفرد الأسرة : محيى الدين الجميعابى والدي عامل بمشروع الجزيرة 52 سنة

علوية يوسف خلف الله والدتي والاثنين على قيد الحياة 41 سنة

الإخوة وأفراد الأسرة : عبد المتعال محيى الدين الجميعابى مهندس 26 سنة

محمد محيى الدين الجميعابى جامعة الخرطوم سابقا 9شهور 23 سنة

أسامة محيى الدين الجميعابى أولى طب جامعة الخرطوم 6 20 سنة .

ياسر محيى الدين الجميعابى ثالثة عالي 18 سنة

عمار محيى الدين الجميعابى أولى عام 14 سنة

طارق محيى الدين الجميعابى أولى عام 14سنة

الوليد محيى الدين الجميعابى ثالثة ابتدائي 10 سنوات

شهاب الدين محيى الدين 8 سنوات

النابغة محيى الدين 6 سنوات

عثمان محيى الدين 3 سنوات

الحالة المادية : وسط بعد عمل الأخ الأكبر

الوالد يتعاطى مرتبا قدره 36 جنيها

تاريخ الانضمام للدعوة : 1969- 1970 ووقف نشاطي التنظيم من مايو 1973 إلى الآن المسئوليات : نقابة أسرتين – العمل بلجان الاتحاد- عضو – اتحاد جامعة الخرطوم العمل بمكتب الطالبات- كلية الطب .

جواز السفر: حقيقي

الشهادات:

1- الشهادة السودانية
2- شهادة أولى علوم إكمال
3- شهادة ثانية طب.
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : عبد المعروف مجذوب
الاسم الحركي : محمد حسين خالد

المؤهلات :

الخبرة : خمس سنوات عمل في معامل جامعة الخرطوم

العمل الحالي في بعثة دراسية بانجلترا

مكان العمل : جامعة الخرطوم- كلية الهندسة

الوضع الحالي : فني بالمعامل – الهندسة الكيميائية

هل ترغب في العمل بليبيا أم العودة إلا إذا رأى الإخوان غير ذلك إلى كم ستبقى في ليبيا في حالة العمل إلى أين ستعود في حالة العودة انجلترا لمواصلة الدراسة نوع العمل الذي ترغب ومكانه :هل معك شهادات أرفق الشهادات التي معك أي ملاحظات أخرى أو وصايا إذا لم يكن هناك تحرك نحو السودان حتى منتصف يونيو إن شاء الله فسأعود إلى ليبيا إذا وافق الإخوان للبقاء لأي مدة يرها القائمون على العمل وأقله ثلاثة أشهر في الصحراء بإذن الله .

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : أحمد محمد العاص
الاسم الحركي: معاذ محمد أحمد

المؤهلات : بكالوريوس طب بيطري

الخبرة: سنة

العمل الحالي : بدون عمل

مكان العمل : الوضع الحالي بدون عمل

هل ترغب في العمل بليبيا أم العودة إلى كم ستبقى في ليبيا في حالة العمل لا أرغب في العمل إلى أين ستعود في حالة العودة نوع العمل الذي ترغب ومكانه هل معك شهادات : أرفق الشهادات التي معك أي ملاحظات أخرى أو وصايا.

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : بدر الدين أحمد الجعلى محمد

العنوان : أم درمان – البنك التجاري- يوسف أحمد الجعلى

البلد: عطبره

أفراد العائلة: 13 فردا

الالتزام تجاه العائلة : أكبر أفراد العائلة

تاريخ الانضمام للدعوة: 1969 الأعمال التنظيمية التي قمت بها: نقيب أسرة في الجامعة – مسئول كلية المعمار لفترة قصيرة 1974 – عضوا لمجلس الاربعينى لاتحاد الجامعة دورة 1974- 1975 دوربولاد- السكرتير العام للعمل الصيفي 1976 للعاصمة والأقاليم – عضو لجان العمل الصيفي لإقليم عطبرة( 1973- 1974)

هل سبق أن قمت بعمل عسكري أو فدائي ؟لا هل لك ديون ؟ مبلغ 15 جنيه لأمين حسن عمر .

جامعة الخرطوم / الآداب.

الاسم الحقيقي : بدر الدين أحمد الجعلى محمد

الحركي : الطيب على طه

تاريخ الميلاد: 1/ 1/ 1952م

الإقامة والعنوان : عطبرة/ السكة حديد / قسم شئون المستخدمين أحمد الجعلى محمد

الدراسة وأماكنها : الأولية كوستى

الثانوي العام كسلا

الثانوي العالي : بور تسودان / عطبرة

الجامعة : جامعة الخرطوم كلية الهندسة قسم المعمار

تاريخ الخروج : 7/ 9/ 1975م مفصول سياسيا من جامعة الخرطوم الشهادة تخصصا ودرجة هندسة معمارية إكمال السنة الثانية معمار

تاريخ الالتحاق بالدعوة: 1969م

المهام التي توليتها : العمل بمكتب نشر الدعوة بالجامعة 73- 1974م – عضو اتحاد بالجامعة " المجلس الأربعين" 74- 75م- سكرتير لجنة العمل الصيفي العام 1976م

الحالة الاجتماعية : غير متزوج

أفراد الأسرة: الوالد أحمد الجعلى محمد 45 سنة موظف بالسكة حديد – عطبرة

الوالدة: هجرة العوض محمدانى ربة منزل 42 سنة ، الإخوان: ثريا أحمد الجعلى متزوجة 24 سنة ، يوسف أحمد الجعلى 22 سنة طالب بجمعة القاهرة الفرع وموظف بالبنك التجاري أم درمان ، سعاد أحمد الجعلى 20 سنة متزوجة ، سمية أحمد الجعلى 19 سنة طالبة بالثانوي العالي ، ابتسام أحمد الجعلى 17 سنة ثانوي عام ، عواطف أحمد الجعلى 16 سنة ثانوي عام ، نور أحمد الجعلى ابتدائي 14 سنة ، محمد أحمد الجعلى ابتدائي 11 سنة ، أسامة أحمد الجعلى ابتدائي 8 سنة ، محمود أحمد الجعلى روضة 5 سنة .

عائل الأسرة : الوالد أحمد الجعلى موظف بالسكة حديدالمستوى المعيشي متوسط

الجهة التي عمل بها: بعد أن فصلت من الجامعة 1975 لم يلتحق بأي عمل

المعرفة بقيادة السيارات: لا

الشهادات موجودة أو لا : موجودة / الجواز أصلى أو لا ؟ لا غير أصلى.

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : عبد الغفار عبد الرحيم عبد الرحمن
الاسم الحركي: صالح محمد صالح

المؤهلات : خريج جامعة أم درمان بكالوريوس

الخبرة: عمل لمدة عام في الحكم الشعبي

العمل الحالي: ضابط إداري

المكان : مجلس منطقة جنوب النيل الأبيض

الوضع الحالي : مجهول أو مفصول

هل ترغب في العمل في ليبيا ؟ متروك الأمر للتنظيم هل معك شهادات ؟ شهادة الجامعة وشهادة كورس الإداريين من أكاديمية العلوم الإدارية والمهنية .

ومعه شهادة جنسية .

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم بالكامل : على خضر بخيت
الاسم الحركي: سعد حمزة الحركي

المؤهلات: بكالوريوس الدراسات الإسلامية جيد جدا

الخبرة : .......العمل الحال:.........

المكان : ..........

الوضع الحالي من ناحية العمل :.......

هل ترغب العمل في ليبيا أو لا وإلى أين العودة .

أرغب العمل في يوغندا في التبشير الإسلامى نوع العمل الذي ترغب فيه بليبيا : أي عمل

هل معك شهادات الشهادة الدراسية فقط

أي ملاحظات أخرى :

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : عبد المحمود نور الدائم صالح الكرنكى.

الوطن : مدني

العنوان : السودان . بركات . إدارة مشروع الجزيرة. حسابات التصنيع . الفاتح نور الدائم

الالتزامات العائلية : الأب متوفى – الوالدة – الجدة – خالتان- أربعة إخوة- شقيقة – طفلتان ابنتا خالتي ووالدهم متوفى. أحد عشر شخصا.

الديون :.......

الانضمام : الانضمام المعنوي من الرابعة ابتدائية في إعقاب حمية أكتوبر وتنظيميا في الفترة الأولى من نهاية ثانية 1971 م ثانوي.

العمل التنظيمي: عضو مكتب المدرسة الثانوية .

عضو المكتب الثقافي للتنظيم دورة 74/ 75 .
عضو اتحاد طلاب الجامعة 74/ 75.
وعضوية المكتب الثقافي وكيل المكتب الثقافي للتنظيم دورة 75/ 76.
عضو المكتب السياسي الذي داهمته إحداث حركة حسن حسين 75/ 76 عضو المكتب الادارى للعمل الصيفي 1976م سكرتير ثقافي .. وفى العطلات نعمل فى العمل الصيفي في المواسم الثلاثة الأخيرة منذ تأسيسها تقريبا " العمل في تحرير آخر لحظة" بصورة غير منتظمة.

العمل الفدائي : لا . لم أقم

الاسم الحركي: المثنى عبد القادر زين العابدين

تاريخ الميلاد: 28/ 3/ 1953

مكان الإقامة : مدني

مراحل الدراسة وأماكنها: الغربية الأولية ،الأهلية (ب) الوسطى . مدني الثانوية

العنوان : بركات إدارة مشروع الجزيرة .

حسابات التصنيع . محمد الفاتح نور الدائم

تاريخ الالتحاق بالدعوة : أوائل 1971

المهام التي توليتها : عضو المكتب المدرسة بالثانوية .

عضو المكتب الثقافي للتنظيم دورة 1974/ 1975 .
عضو اتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 74/ 75 .
مساعد مسئول المكتب السياسي 75/ 76. الذي داهمته أحداث حسن حسين في سبتمبر مسئول المكتب الثقافي للعمل الصيفي عطلة 1976 العمل في شعبة مدني.

الحالة الاجتماعية : . ...

أفراد الأسرة تتكون من أحد عشر شخصا. جدة الوالد. خالتان أربعة أشقاء شقيقين طفلتان .

وإخوة للأب سبعة متزوجون عدا واحدا وخمسة أخوات متزوجات .

ويعول الأسرة أخ شقيق يعمل محاسبا.

مستوى الأسرة: وسط.

الجهة التي عمل بها: العمل لفترة قصيرة بالمدارس الثانوي العام، وحسابات شرطة مطاحن غلال النيل الأزرق بمارنجان.

المعرفة بقيادة السيارات:......

الجواز : غير أصلى.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الأمي صلى الله عليه وسلم
تقرير عن أفراد كنية عقبة
الاسم : بخيت عبد الله يعقوب
الاسم الحركي: يوسف حسن

تاريخ الوصول إلى المعسكر 13/ 1978

تاريخ مغادرة المعسكر 3/ 6/ 1978

المدة التي قضاه في المعسكر ثلاثة أسابيع فقط الأسلحة التي تدربه عليها كلاشنكوف بندة إف إن – أغراض عامه- برتا- استرتح – مسدس – قاذف.

كان في نصيبه رمى رمانه الاستريم أفراد لم يتمكن من رميها بالصورة المطلوبة أو أنه قام بجدع البندقية بعد الرمي- نظره ضعيف في التصويب بالاضافة لأنه يستخدم نظاره نظر.

التدريب : دراسة حصة نظري لكل من التشكيلات- كمين – تطهير – والتطبيق العملي حصة في كل درس وكان معلم في الحصصى العملية المعلمون ما عدا الفارة.

الموانع: حصة واحده أداءه دون المستوى- كثير التردد.

الرياضة: التمارين الإثناء عشر أداءه فيها لا بأس به مع المشاركة في كرة القدم.

الاشتباك: مبادئ وأسس الاشتباك- الرميات الثلاثة- مسكت الإمام بذراعين- مسكه الرغبة في الحين- أداءه متوسط.

الحربه: وضع الاستعداد- الاحتراس – عدد خلف- الطعنه القصيرة- والطعن الطويلة.

الزحف: أداءه جميل وقام بتطبيق زحف القطيطه- والفهد – والثقل.

المعارضة: حصة واحده وبعدها أصبحوا يشاركون في الحراسة بالتناوب بالاضافة للأسلحة درس الرمانات الهجومية والدفاعية.

الأداء في الحصص لا بأس ولكنه يتضجر أحيانا .

قيادة السيارات له سابق معرفه بقيادة السيارات ولكنه لم يجد فرصه في المعسكر.

بسم الله الرحمن الرحيم
عبد الحافظ إبراهيم عبد الرازق – الفاتح مصطفى

الخرطوم بحري 14- 9- 1948

الخرطوم بحري – ( حله خوجلى جوار القبة)

بكالوريوس هندسة- ماجستير تكنولوجيا النسيج يونيو 1977

لا يوجد

13/ 5/ 1978

مفتوحة

لعب كرة السله ولعب آلة الساكسفون ( توقفت عنها منذ 9 سنوات)

عبد الحميد إبراهيم – ص. ب 1238 الخرطوم – تلفون 33766 أو 33342

الأمين إبراهيم – 40 عاما- موظف بأبي ظبي- متزوج

عبد الحميد – 38- مهندس ومقاول – متزوج

عبد الرحيم – 36 – موظف- غير متزوج

عبد الرحمن – 34- موظف بابو ظبى- غير متزوج

عبد الله 32 – طالب برومانيا- غير متزوج

محمد نور – 25- طالب برومانيا- غير متزوج

صلاح- 20 – طالب برومانيا – غير متزوج

عبد الحميد إبراهيم .. ثلاثة وهم عبد الله ومحمد نور وصلاح . أعزب.

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : عبد الحافظ إبراهيم

تاريخ الوصول إلى المعسكر : 13/ 5/ 1978

تاريخ مغادرة المعسكر : 17/ 6/ 1978

المدة التي قضاه في المعسكر 5 أسابيع

الأسلحة التي تدرب عليها : كلاشنكوف بنك إف إن – استرينج- سوس فائق- قصبة بروماتن – ( المتفجرات والراجمات اليدوية)

التكتيك قاد بدراسة حصة نظري في كل التشكيلات- الكمين – وتطهير المبنى- غارة وقام بالتطبيق العملي حصة لكل مهمة من حصص التكتيك.

الموقع: حصة واحدة الأداء لا بأس به إلا أنه هناك كثير التردد.

الرياضة والتمارين الاثنا عشر بالاضافة للمشاركة في كرة القدم مع المعلمين وأداءه في التمارين لا بأس به. بالإضافة نسمع أنه لاعب باسكت ممتاز.

الاشتباك: جمع بين أسس الاشتباك ومبادئ الاشتباك- الرميات- المسكات والتخلص منها وضغط الخنجر أداءه لا بأس به.

الحربة: وضع الاستعداد. الاحرس – عدد خلق- الطعنه التعصيره- الطعنة الطويلة- صدمة الأخمس الراسية والأفقية. حصة واحده في الزحف . مارس فيها زحف القطيطه- والفهد- والثقل . والدردقة بالبندقية .

العبادة: ثلاثة حصص واحده في المعارضة وأصبح بعدها يشارك في الحراسة بالتناوب إلى أن تم الكورس. وأصبح يشارك عادى في الحراسة.

لياقته البدنية لا بأس به.

قيادة السيارات: له يابق معرفة بقيادة السيارات . وقيادته جميلة وهو حاصل على رخصة قيادة.

المقدرة على القيادة: جانب المقدرة على القيادة يحتاج إلى كثير من التنمية ويلاحظ تعامله مع الأمور بصورة عفوية.

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : عبد الرحمن أحمد الفادني

تاريخ الميلاد: 1952 رفاعة

العنوان: رفاعة السوق على الفادنى ومنه إلى أحمد الفادنى

الابتدائية: رفاعة

الوسطى : رفاعة

الثانوية : الحصاحيصا

الجامعية : جامعة الخرطوم

تاريخ التخرج أكتوبر 1972

الشهادة: آداب جامعة الخرطوم جغرافيا – عربي الدرجة الثالثة

تاريخ الالتحاق بالدعوة : 1968

المهام إلى تولاها : مسئول مالي بالثانوية – المكتب التنفيذي بالجامعة مسئولا عن الآداب.

الحالة الاجتماعية : غير متزوج

أفراد الأسرة: الوالد : أحمد الفادنى – العمر 68 – العمل مزارع

الوالدة : آمنه أحمد حسن –العمر 52 – الأمين حسن الفادنى – العمر 30- العمل عامل متزوج زينب حسن الفادنى الصادق أحمد الفادنى – الثانوية العليا أحلام أحمد الفادنى – الثانوي العام مأمون أحمد الفادنى – الثانوي العام المستوى المعيشي للأسرة : دون الوسط الجهة التي عملت بها:.

المعرفة بقيادة السيارات: ......

عائل الأسرة: الوالد

الشهادات: موجودة

الجواز : أصلى

بسم الله الرحمن الرحيم
1/ حسن عبد الله عوض مطر
عمر على تيراب
2/ الخرطوم الشرقية الخرطوم
3/ الديوم الشرقية الأولية – الخرطوم .. المؤتمر أم درمان – جامعة الخرطوم نصف سنة جامعة الصداقه موسكو .
4/ الديوم الشرقية الخرطوم.
5/ 1972
6/ ماجستير في العلوم الزراعية- شهادة في الترجمة الروسية الانجليزية
7/ إدارة صيانة واستثمار الأراضي
8/ 1972م
9/ مدينة موسكو 73- 1974 أما في السودان من 1975 نقيب ثم عضو مكتب شعبة كمسئول ثقافي حينا ونشر دعوة حينا آخر- أمين شعبة العمارات إلى يونيو 1977م عضو المكتب الثقافي للتنظيم

من 1976 المسئول فيه عن الآداب والفنون حتى السفر إلى الخليج

10/ جدة طرابلس
11/ دبلوم – دبلوم الترجمة- شهادة جده( كلها غير موثقه) رخصة قيادة السيارات الخصوصية.
12/ قليله
13/ أعزب
14/ مستورة والحمد لله
15/ الأم تقارب الستين أرملة أمية
أخت
أخ أكبر عثمان عبد الله 35 ضابط غابات متزوج وله طفل
آمنه عوض أرملة
17/ عائل الأسرة الأخ الأكبر ولكن يحتاج للعون
بسم الله الرحمن الرحيم
عبد الواحد الخير محمد

الكمير شمال شندى الميلاد 1955م

مراحل التعليم : الكمير الابتدائية – شندى الأهلية الحكومية ومدرسة – شندى الثانوية العليا – كلية العلوم جامعة الخرطوم

الالتحاق بالدعوة : 1973 م

المسئوليات: إخراج جريدة العالم بشندى العليا اتحاد الطلاب بشندى العليا

الخروج من السودان: الجنوب

وضع الأسرة المالي: ضعيف

أفراد الأسرة:

1/ عمر الخير محمد – 17 سنة طالب ثانوي عالي غير متزوج
2/ عائشة الخير – 18 سنة في البيت غير متعلمة وغير متزوجة
3/ عبد الرازق- 23 سنة أعمال حرة ابتدائي غير متزوج
4/ التومة الخير – 24 سنة متعلمة غير متزوجة
5/ الوالدة حليمة محمد سليمان 50 سنة عاملة
الوالد متوفى
عائل الأسرة – عبد الرازق الخير محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : موسي على حمدين
ح. ونيس عبد الله آدم

تاريخ وصول المعسكر 12/ 7/ 1977م

تاريخ مغادرة المعسكر 13/ 8/ 1977

المدة التي قضاها بالمعسكر: 32 يوما

الأسلحة التي تدرب عليها : كلاشن – بنك إف إن – غدارة – مسدس- أغراضه – آر بى جى – رمانات يدوية متفجرات

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري :

1/ المحافظة على المواعيد ج
2/ اللياقة البدنية ض
3/ الانضباط ج
4/ الاستيعاب ج
5/ القدرة على القيادة
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : عبد السميع موسى يوسف
ح: تاج السر دفع الله احمد

مكان الإقامة: جدة مكتب المدير العام بميناء جدة بواسطة خضر هارون

المستوى الدراسي: خريج ثانوي عالي علمي أحياء

تاريخ الالتحاق بالدعوة: 1973م

المسئوليات التي تدربها: مسئول تنفيذي في المكتب بالمدرسة الثانوية العليا

الحالة الاجتماعية : أعزب

حالة الأسرة : وسط

أفراد الأسرة : عمر موسى 32 سنة محاسب خريج كلية التجارة متزوج

يوسف موسى 28 سنة مساعد طبي التعليم الأوسط متزوج وله 3 أطفال
فائز موسى 26 سنة متزوج وله طفلة مساعد طبي
شامة موسى 30 سنة متزوجة ولها طفلين
ميرغنى محمد 21 سنة أعزب
حيدر محمد 19 سنة طالب
إبراهيم محمد 19 سنة طالب
فتح الله محمد 15 سنة طالب
عبد القادر محمد 12 سنة طالب
محمد يوسف 60 مزارع وله 7 أبناء و4 بنات ( عمه)
عبد الله محمد أعزب دكتور بيطري
موسى محمد أعزب حاليا وله 4 أطفال
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : عبد السميع موسى يوسف
ح: تاج السر وقيع الله
تاريخ الوصول للمعسكر 4/ 8/ 77
تاريخ مغادرة المعسكر 21/ 10
المدة التي قضاها في المعسكر 71 يوما

الأسلحة التي تدرب عليها : كلاش إف إن ، بنك، غرارة ، رشاش ، جى .بى . إم. آيه، قاذف ، مسدس، استرلينق، متفجرات ، رمانات يدوية ، براونتق، م.ط دبابة.

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري .

1- المحافظة على المواعيد ج
2- اللياقة البدنية ج
3- الانضباط ج
4- الاستيعاب ج
5- القدرة على القيادة
6- قيادة السيارات ض
بسم الله الرحمن الرحيم
يحيى محمد حسن احيمر
الحركي أيضا يحيى محمد حسن

الإقامة : الجزيرة أبا

الميلاد: الجزيرة أبا في نوفمبر 1953م

مراحل الدراسة: الابتدائي بالجزيرة أبا والثانوي العام والعالي جامعة الخرطوم

الشهادة : إكمال أولى هندسة ( فصل في هذا العام 1977م) لم يعمل إلى الآن

الالتحاق بالدعوة في أكتوبر 1971م

المسئوليات : في الثانوي العالي المسئول العام بالمدرسة

في الجامعة في المكتب التضامني وفى مكتب الثانويات خرج عن طريق يوغندا

أعزب

الأسرة : الوضع المالي ، وسط

أفراد الأسرة:

الوالد : محمد حسن احيمر – 48سنة – مزارع ومقاول حفريات

الوالدة : حواء حسين احيمر – 45 سنة

الإخوة:

أحمد محمد حسن احيمر – 18 سنة – طالب
محمود محمد حسن – 16 سنة – طالب
منى محمد حسن – 13 سنة – طالبة
خالدة محمد حسن – 11 سنة – تلميذة ابتدائي
ليلى محمد حسن – 10 سنة – تلميذ
بهاء الدين محمد حسن – 6 سنة – تلميذ

أكبر الإخوان

عائل الأسرة : الوالد

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم يحيى محمد حسن احيمر
ح: يحيى محمد حسن احيمر

تاريخ وصول المعسكر 21/ 7

تاريخ مغادرة المعسكر

المدة التي قضاها بالمعسكر

الأسلحة التي تدرب عليها : كلاش بنك إف إن ستول – مسدس ....رمانات – متفجرات برانق م/ ط 12, 7.

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : ميرغنى سليمان محمد صالح
الاسم الحركي : صهيب عمر حسن

العنوان : مدني – ص ب 148 مدرسة الصدارة الثانوية العامة

الأستاذ : إبراهيم سليمان محمد صالح

المهنة: معلم ثانوي عام

أماكن الدراسة : مدني الثانوية العليا – معهد التأهيل التربوي- ثانوي عام (لم أكمل)

تاريخ التخرج: يونيو 1974م

تاريخ الاعتماد للدعوة: مارس 1974م

المهام التي توليتها: مكتب نشر دعوة- مكتب طلبة

الحالة الاجتماعية: أعزب

وضع الأسرة المادي: وسط والدي متوفى – الوالدة على قيد الحياة

عدد أفراد الأسرة : تسعة أفراد

تاريخ الميلاد: 1953م تسنين 1955 باسبورت

معرفتك لقيادة السيارات: نعم

أى مواهب أخرى : صحافة – طباعة آلة كاتبة

الشهادات التي بحوزتك: الشهادة الثانوية العليا – شهادة طباعة الآلة الكاتبة ( عربي – انجليزي)

بسم الله الرحمن الرحيم
1/ على حسن محمد
2/ الشبيراب شمال ريفي الخرطوم 1957م
الثورة الحارة الأولى – السابعة- الرابعة
4/ ابتدائى – ثانوي عام – عالي
5/ 1975- 1976
6/ الشهادة الثانوية العليا
7/ شركة رويال للعطور 10 شهور
8/ 1971- 1972
9/ نشر دعوة – نقيب أسمة – راشد أمير – أمير كان أمير الشيبة في مأمورية فاستلمت منه لوقت مجيئه أى كنت مؤقتا
10/ الجنوب
11/
12/
13/ ضئيل
14/ عازب
15/ وسط
16/ 12 محمد 32

الريح 23 – الزراعة

بشير 30 سائق – الزراعة

أحمد 29 – الزراعة

الصافي 27 – الزراعة

محمود 21 – الزراعة

أم الحسن 42 الوالدة – الزراعة

فاطمة 28 – الزراعة

فاطمة 28 – الزراعة

عائشة 26 لها 3 بنات وولد – الزراعة

كنانة 22 – الزراعة

17/ حسن – الزراعة

الاسم : على حسن محمد

ح: محمد رشوان

تاريخ الوصول للمعسكر 21/ 7/ 1977

تاريخ مغادرة المعسكر

المدة التي قضاها بالمعسكر

الأسلحة التي تدرب عليها كلاش . بنك إف إن ، آ ربى جى ، جى .بى ، إم .جى ، رمانات ، متفجرات ، بنادق م/ ط 12,7

بسم الله الرحمن الرحيم
عبد اللطيف محمد علي
الاسم الحركي : الصديق الطيب التوم

تاريخ الميلاد مارس 1954م

المربيعية جنوب غرب الحصاحيصا 24 كم

ود حسين الابتدائية- المسلمة العامة حنتوب العليا

جامعة الخرطوم كلية الزراعة " ثالثة"

المسئوليات التنظيمية :

1/ مشرف تربوي بالثانوي ، 2/ مندوب نشر دعوة بكلية العلوم، 3/ عضو هيئة تحرير آخر لحظة ومدير تحرير صحيفة الاتجاه الإسلامى بكلية الزراعة.

مندوب مؤسسة الطلحة الزراعية مكتب الغابات- مسئول عن الأبحاث البيطرية والزراعة لدورة واحدة وعضو مكتب الشورى بالجامعة لدورة 74/ 75- سكرتير مجلس الشورى بالجامعة 75/ 76 مسئول المكتب الاجتماعي ثم مكتب نشر الدعوة بالزراعة والبيطرة لنصف عام عضو مجلس الشورى بالجامعة للدورة الحالية 76/ 77 مسئول عن اختيار الإخوان بالزراعة والبيطرة للعمل العسكري.

طريق الخروج من السودان : الجنوب

الحالة الاجتماعية: خاطب – وضع الأسرة المالي ضعيف

أفراد الأسرة:

الأشقاء

1- فاطمة – ربة منزل ،
2- عبد الله – فني بالمملكة السعودية
3- عبد الباري – عامل بالمواني خريج ثانوي عام ،
4- عبد الرحيم بدون عمل -ثانوية عامة،
5- حسن تلميذ بالابتدائية ،
6- التومة تلميذة بالابتدائية .

الإخوة غير الأشقاء:

1- رفيعة طالبة بالعالي ،
2- عبد الباقي طالب بالعامة،
3- عوض الجيد – طالب بالابتدائية ،
4- حمزة وعباس أطفال دون السادسة .

عائل الأسرة الوالد 59 سنة

تاريخ وصول المعسكر 12/ 7/ 77

تاريخ مغادرة المعسكر 16/ 8/ 77

المدة التي قضاها بالمعسكر 34 يوما

الأسلحة التي تدرب عليها :

كلاشن – بنك – إف إن- ستريل – مسدس – أغراض – آر بى جى رمانات يدوية – متفجرات .

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري :

1- المحافظة على المواعيد ج
2- اللياقة البدنية و
3- الانضباط ج
4- الاستيعاب ج
5- القدرة على القيادة ج – الجدية
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : النعمان محمد صالح محمد شريف
ح: محمد هاشم

تاريخ الوصول للمعسكر 19/ 7

تاريخ مغادرة المعسكر 19/ 9/ 1977م

المدة التي قضاها بالمعسكر0 6يوما

الأسلحة التي تدرب عليها :

كلاش – بنك – إف إن – غدارة – ستيرل- مسدس - أغراض- آ ربى جى – متفجرات- رمانات يدوية – براوتج- م.ط 12/7

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري:

1- المحافظة على المواعيد ج
2- اللياقة البدنية ج
3- الانضباط: ج
4- الاستيعاب ج
5- القدرة على القيادة ج
بسم الله الرحمن الرحيم
محمد عبد الله الغبشاوي
ح: عبد الحميد

تاريخ وصول المعسكر 19/ 7/ 77

تاريخ مغادرة المعسكر : 16/ 8/ 77

المدة التي قضاها 28 يوما

الأسلحة التي تدرب عليها : كلاشن – إف إن

بسم الله الرحمن الرحيم
جمعة محمد صافي

المجلد 1955

المجلد الابتدائية – رجل الفولة العامة

الخرطوم العليا

تاريخ التخرج : 20/ 4/ 76 – ثانوي عالي إكمال أدبي

الالتحاق بالدعوة : 1975م

المسئوليات التنظيمية :

مسئول تجنيدي بالمدرسة – ومسئول مكتب نشر الدعوة الشعبية امتداد البراري الخروج من السودان بالجنوب وضع الأسرة المالي : جيد والحمد لله

بسم الله الرحمن الرحيم
محجوب محمد الحسن عروة
الاسم الحركي : عبد الرحمن : عبد الرحمن خليل على

تاريخ ومكان الميلاد: 1948 كسلا – ليبيا

العنوان: طرابلس – ليبيا ص. ب 4332- كافو التجارية

مراحل الدراسة وأماكنها- الأولية : الختمية – كسلا

الوسطى : كسلا والقضارف

الثانوية : كسلا

الجامعة : جامعة الخرطوم ، معهد الدراسات الإفريقية

تاريخ التخرج : الجامعة 1973م معهد الدراسات الإفريقية 1973

الشهادة : بكالوريوس جامعة الخرطوم- علوم سياسية ، دبلوم الدراسات الإفريقية

تاريخ الالتحاق بالدعوة : 1965

المهام التي تولاها: نقيب أسرة ، عضو مكتب، مكتب ثانويات ، مكتب عمال

الحالة الاجتماعية : متزوج ولى طفلان

أفراد الأسرة :

الوالد : محمد الحسن عروة – 60 سنة – تاجر
الوالدة : زينب مصطفى – 58 سنة
الأخت : فوزية – 31 سنة – متزوجة
الأخ: كمال – 30 سنة – تاجر
الأخ: مدحت – 26 سنة – طالب
أسرتي : انتصار محمد أحمد عروة – وفاء ، أسامة
عائل الأسرة: الوالد

المستوى المعيشي للأسرة : وسط

الجهة التي عمل بها والمدة : وزارة الإعلام ( 11 شهر) ( الصحافة 6 أشهر) وزارة الاقتصاد ليبيا ( سنة )

المعرفة بقيادة السيارات : لي معرفة حسنة

الشهادات : موجودة

الجواز أصلى .

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : يحيي محمد الحسين أحمد
الاسم الحركي : عبد الكريم مرغنى

المؤهلات : إكمال السنة الأولى بكلية العلوم والسنة الأولى بكلية الزراعة جامعة الخرطوم.

الخبرة: ......

العمل الحالي: طالب

مكان العمل: جامعة الخرطوم – كلية الزراعة

الوضع الحالي : توقفت عن العمل مواصلة الدراسة بجامعة الخرطوم

هل ترغب في العمل بليبيا أم العودة ؟ أرغب في الدراسة

إلى كم ستبقى بليبيا ؟ في حالة العمل مدة الدراسة

إلى أين ستعود ؟ في حالي العودة

فرع العمل الذي ترغب ومكانه: أرغب في مواصلة الدراسة

هل معك شهادات ؟ أرفق الشهادات التي معك- نعم

أى ملاحظات أخرى أو وصايا

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : سراج الدين حامد يوسف

الميلاد في النهود في 6/ 8/ 1953

مكان الإقامة : الأبيض حي أمير منزل رقم 192 السودان

العنوان : بواسطة حامد يوسف- هيئة توفير المياه الأبيض

مراحل الدراسة:

الأولية بالأبيض الجنوبية – الوسطى بالأبيض الأهلية الوسطى – الثانوي بالأبيض الثانوية العليا – ثم جامعة الخرطوم كلية القانون ( ثانية )

تاريخ التخرج: إبعاد من الجامعة في 7 سبتمبر 1975

الشهادة : ......الشهادة المتوسطة في القانون ( ثانية) جامعة الخرطوم .

تاريخ الالتحاق بالدعوة : عام 1968

المهام التي توليتها :

عضوية المكتب السياسي للإخوان بالجامعة منذ عام 1975
عضوية اللجنة التنفيذية للاتحاد دورة عام 1974-
عضوية اللجنة التنفيذية للاتحاد دورة عام 1975-1976- ( شغلت مناصب الشئون الاجتماعية والرياضية ونائب السكرتير أخيرا)

أفراد الأسرة:

1/الأب
2/يوسف حامد يوسف ( 35) مدرس ومتزوج وله طفلا
3/ ريم حامد يوسف (40) متزوجة ولها ستة أطفال
4/ زينب حامد يوسف (36) متزوجة ولها ستة أطفال
ب/ أشقاء
5/ محمد حامد يوسف (25) كاتب غير متزوج
6/ على حامد يوسف (20) طالب بالجامع
7/ محاسن يوسف (20) طالب بالجامع
7/ محاسن حامد يوسف (17) طالبه بالثانوي
8/ أحمد حامد يوسف (14) طالب بالثانوي
9/ مها حامد يوسف (4) طفلة
10/ منال حامد يوسف (7) بالأولية
11/ مناهل حامد يوسف (9) بالأولية – بالإضافة للوالد والوالدة
12/ الوالد حامد يوسف محمد (67 عام ) عاطل
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : عمر أحمد فضل الله
الاسم الحركي : فاروق أحمد عمر

المؤهلات : الشهادة الثانوية السودانية

الخبرة: ......

العمل الحالي : طالب

مكان العمل : جامعة الملك عبد العزيز

الوضع الحالي : مفصول من جامعة الخرطوم ( وجامعة الملك لعدم الانتظام في الدراسة بالسنة الأخيرة هل ترغب في العمل بليبيا أم العودة : لا أرغب في العمل أرغب في البقاء بالمعسكر إلى كم ستبقى في ليبيا ( في حالة العمل حتى صدور أمر من التنظيم

إلى أين ستعود ( في حالة العودة) ....

نوع العمل الذي ترغب ومكانة : .....

هل معك شهادات : أرفق الشهادة التي معك الشهادة السودانية

أى ملاحظات أخرى أو وصايا

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : محمد أحمد عثمان ( باكستان)
الاسم الحركي: كرار عبد الله

تاريخ وصول المعسكر 24/ 6/ 1977

تاريخ مغادرة المعسكر 5/ 8/ 1977

المدة التي قضاها بالمعسكر 42 يوما

الأسلحة التي تدرب عليها:

كلاشن- بنك- إف إن – ستريل- مسدس- أغراض – آر بى جى – براوقنج- رمانات يدوية – متفجرات.

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري:

1/ المحافظة على المواعيد ج ج
2/ اللياقة البدنية ج
3/ الانضباط ج ج
4/ الاستيعاب ج
5/ القدرة على القيادة
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : محمد عثمان أحمد سليم
الاسم الحركي : عكاشة عبد الله

مكان العمل : شندى

العنوان : شندى ص- ب رقم 48

مراحل الدراسة : الابتدائي سنة 65 عطبرة والثانوي العام ودبانقا والثانوي العالي الدامر سنة 1973م .

شهادة ثانوي عالي 1973 وشهاداتي بالسعودية عند شقيقي بالرياض.

تاريخ الالتحاق بالدعوة : سنة 1969

المهام التي أوكلت لي: المسئول العام ونشر الدعوة في فترة الثانوي والمسئول عن مكتب الطلاب بشندى سنة 19731974 وعطبرة سنة 75- 76

الحالة الاجتماعية : خاطب

الوالد يعمل ناظر محطة سكة حديد سنار شقيقي الأكبر يعمل بالسعودية بالرياض وزارة الصحة الإدارة المالية قسم العلاج وهو أخ ملتزم اسمه نور الدين أحمد سليم وبعده شقيقي الذي يكبرني بثلاث سنوات شيوعي ملتزم ( والعياذ بالله) يعمل بالكويت ومتزوج يليه آخر يجلس هذا العام لامتحان الشهادة العليا ثم آخر تليه أختان الأول في الصف الثاني الثانوي العام والثانية سادسة ابتدائي والأصغر في أول ابتدئي.

الحالة المعيشية: جيدة والحمد لله


الجهة التي عملت بها : شندى سنة 73- 74. وعطبرة سنة 75- معلم ابتدائي

لا علم لي بقيادة السيارات

الجواز : حقيقي وموجود معي

شهادتي عند شقيقي الأكبر بالرياض

العائل الأولى للأسرة الوالد وبعض المساعدات الخفيفة من شقيقي الأكبر .

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : عبد الرحيم دفع الله أحمد ( العقلي)
الاسم الحركي : بشار محمد أحم عركى

مكان وتاريخ الميلاد: الخرطوم 1951

الإقامة : طرابلس

المستوى التعليمي : بكالوريوس جامعة أم درمان الإسلامية آداب

تاريخ الالتحاق بالدعوة : 1974

المسئوليات التنظيمية التي توليتها: مسئول عن مكتب نشر الدعوة وشئون العضوية بمكة وعضو بمجلس المنطقة .

المدة التي سيقضيها بالمعسكر : ستة أشهر

المواهب:

حال الأسرة المادية متوسط

أفراد الأسرة: العمر . متزوج

الوالد (85)

عائل الأسرة الحقيقي كاتب هذه السطور

الأفراد الذين على مسئولية العائل الحقيقي 5 أشخاص

الحالة الاجتماعية : متزوج

العنوان: طرابلس ص- ب 433

عنوان أقرب الأقربين مكتب الخرطوم إبراهيم العقلي

الوضع الحالي:

أرغب في العمل لظروف خاصة ولا مانع لو كان بأديس أبابا أو يوغندا ( مرشد ديني) انشر الدعوة الإسلامية وفى أديس أبابا ( مرشد ديني أو معلم) بمدرسة اليمن العربية ( الجالية) وهى بالاشتراك مع سفارة ليبيا بأديس أبابا لا توجد لدى شهادات.

بسم الله الرحمن الرحيم
- الاسم : عبد القادر يوسف
الاسم الحركي : خليل بيومي
- تاريخ وصول المعسكر 21/ 7/ 1977م
- تاريخ مغادرة المعسكر 5/ 10/ 1977م
- المد التي قضاها بالمعسكر 74 يوما

- الأسلحة التي تدرب عليها :

كلاشن – بنك- إف إن – غدارة – ستريل – أغراض – مسدس – أى بى جى – براونج- م. ط 12,7 – قنابل يدوية – متفجرات.

- درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري

- المحافظة على المواعيد ج

- اللياقة البدنية ج

- الانضباط ج

- الاستيعاب ج

- القدرة على القيادة ج

بسم الله ارحمن الرحيم
الاسم الحقيقي : محمد الجاك الصراف
الاسم الحركي: عبد الوهاب محمد

الدوينيب : يعنى الحصاحيصا 1948

طرابلس : جامعة الخرطوم . اقتصاد 1973

تاريخ الالتحاق بالدعوة: 1963

نقيب أسرة – عضو مكتب

وصول المعسكر يوم 13/ 5/ 1978 المصادف 6 جمادى الآخرة

سأقضى بالمعسكر 21 يوم

رسام وخطاط وشاعر

الحصاحيصا- الجاك الصراف ص- ب 100

طرابلس ص- ب 4332 – شركة كافو

حالة الأسرة المالية- صفر كل الاعتماد على شخصي

الوالد : الجاك الصراف- 82 سنة فلاح

الوالدة: عائشة أبو القاسم 50 سنة

أمنة الجاك : 38 سنة متزوجة

أحمد الجاك: 63 سنة متزوج – كهربجى

مرضية الجاك : 24 سنة – غير متزوجة – عاطلة

عواطف الجاك : 18 سنة – غير متزوجة – طالبة في الثانوي العالي

عمر الجاك: 17 سنة – غير نتزوج – طالب ثانوي عالي

سامية الجاك: 15 سنة – غير متزوج – طالبة ثانوي عام

العائل الحقيقي للأسرة : محمد الجاك الصراف

عدد الذين على مسئوليتي : هم 6

الحالة الاجتماعية : عازب

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : الزين أحمد خير
الاسم الحركي : إسماعيل أيوب

مكان الإقامة : قرية الزيادية مكتب 76 أم سنيطة – المناقل

الميلاد: أبو قوته 1955م

المراحل الدراسية : أبو قوته الابتدائية – العام والعالي القطينة – التخرج من الثانوي العام 1975- الشهادة السودانية الميثاق الأدبي .

متفرغ تنظيميا

الالتحاق بالدعوة عام 1970

عملت بالتدريس الثانوي العام

خرجت من السودان عن طريق يوغندا- كينيا

أعزب

أفراد الأسرة:

عائشة – 27 سنة ربة منزل – تعليم أولى – متزوجة ولها طفلان
محمد – 25 سنة نجار – ابتدائى – متزوج وله طفلان
على 23 سنة – ابتدائى – متزوج
محجوب – 17 سنة – طالب – عالي – غير متزوج
نفيسة – 13 سنة – طالبة – ابتدائى
حياة – 11 سنة – طالبة – ابتدائى

تاريخ وصول المعسكر 21/ 7/ 1977 تاريخ مغادرة المعسكر 7/ 12/ 1977م

المدة التي قضاها بالمعسكر 135 يوما

الأسلحة التي تدرب عليها: كلاشن – بنك- إف أن – استرلينج- برين – مسدس- إم جى – جى بى – آر بى جى – رمانات – متفجرات – براونق – م/ط12,7.

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري

1- المحافظة على المواعيد ج
2- اللياقة البدنية ف .ص
3- الانضباط ج
4- الاستيعاب ج
5- المقدرة على القيادة ج
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : عوض حاج علي
الاسم الحركي : خالد

مكان الإقامة : بريطانيا

الميلاد: بورتسودان 1953م

المراحل الدراسية : ابتدائى بورتسودان ، كذلك أوسط وثانوي- جامعة الخرطوم

التخرج: جامعة الخرطوم 1975م

الشهادة: بكالوريسو شرف رياضيات جامعة الخرطوم

الالتحاق بالدعوة : 1967م

المسئوليات : مكتب الثانويات- مكتب نشر الدعوة

الطريق من مطار الخرطوم لبريطانيا

الشهادات : بكالوريسو شرف رياضيات- دبلوم إحصاء كمبيوتر

غير متزوج

وضع الأسرة المالي : وسط

تاريخ وصول المعسكر 15/ 7/ 1977

تاريخ مغادرة المعسكر 13/ 8/ 1977م

المدة التي قضاها في المعسكر 29 يوما

الأسلحة التي تدرب عليها :

كلاشن بنك- إف إن – أغراض- آ ربى جى – متفجرات – لم يكمل دراسة أوضاع القاذف بصورة مطمئنة

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري :

1- المحافظة على المواعيد ج
2-اللياقة البدنية و
3-الانضباط ج
4-الاستيعاب و
5-القدرة على القيادة .......
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم الحقيقي : سليمان حامد أحمد
الاسم الحركي : حسن عبد الرحيم محمد

تاريخ الميلاد: 1954

مكان الإقامة : النهود – قرية المناصير

العنوان : النهود حسن العشارى تاجر ومنه إلى سليمان حامد

الدراسة وأماكنها:

أم لبنا الصغرى- أبو زبد الأولية- أبو زبد الوسطى- نيالا الثانوية- الجامعة الإسلامية أم درمان

تاريخ التخرج : إكمال الثانوي – علمي رياضيات

( الإيقاف من الدراسة للظروف السياسية في نهاية السنة الثانية سنة الآداب قسم اللغة الانجليزية سنة 1976- 1978م)

الشهادة تخصصا ودرجة: آداب لغة انجليزية – السنة الثانية لم أجلس للامتحان الثاني

تاريخ الالتحاق بالدعوة " ديسمبر 1974م

المهام التي توليتها:

عضو مجلس الشورى في شعبة الجامعة الاسمية – مسئول ثاني من مكتب الطالبات – مسئول عن مكتب الإعلام – مسئول عن المكتب الثقافي – مقرر لجنة تنظيم العمل الصيفي سنة 75 – عضو مجلس الأوقاف – عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد .

الحالة الاجتماعية : غير متزوج ولا خاطب

أفراد الأسرة:

الوالد : حامد أحمد حميدة – مزارع – 52 سنة

أخ طالب في معهد الصناعات القومية – أحمد حامد أحمد -18 سنة
أخت شقيقة – مريم حامد أحمد – 13 سنة
أخت للأب – آمنة حامد أحمد – متزوجة ولها أطفال
أخت للأب – منى حامد أحمد
أخ للأب: محمد حامد أحمد – 7 سنة
جده : مناهل حمد – 60 سنة

عائل الأسرة : الوالد حامد أحمد

الجهة التي عمل بها:

المعرفة لقيادة السيارات : لا

الشهادات موجودة أم لا : موجود بعضها

الجواز أصلى أم لا : الجواز غير أصلى

الشهادات المطلوبة :

تسنين – جنسية – إكمال الثانوي – إكمال السنة الثانية بالجماعة .

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم : تاج الأصفياء العاقب
ح: خالد عمر

تاريخ وصول المعسكر 26/ 7/ 77

تاريخ مغادرة المعسكر 6/ 9

المدة التي قضاها 42 يوما

الأسلحة التي تدرب عليها :

كلاش – بنك- إف إن – غدارة _ ستريل – مسدس – أغراض – أي بى جى – رمانات يدوية – متفجرات

درجة التحمل والاستعداد للعمل العسكري

1- المحافظة على المواعيد ج
2- اللياقة البدنية ج
3- الانضباط ج
4- الاستيعاب ج
5- القدرة على القيادة

قوائم بأسماء بعض الذين كانوا بمعسكرات التدريب العسكري بليبيا

الرقم الاسم نمرة الجواز تاريخ الدخول حالة الجواز ملاحظات 1

2 -بابكر دفع الله على -المنصور عبد الله إسماعيل -عمر أحمد فضل الله -عوض محمد العوض -عبد الحميد سمير التوم -بدر الدين أحمد الجعلى -آدم حسين عبد الله -صديق عبد الرحمن التوم -حسن محمد على التوم

-أحمد عثمان الحسن -محمود حمزة على -محمود محمد شريف -سعيد ساتى عبد الرحمن 97655 جى 14955 إيه

65431 إف 35831 جى

298998 إيه 49880 جى 33260 إيه 90761 جى 539 إتش

63156 إيه 40097إإتش 28352 إتش 86808 إف

5/9/77 8/ 42/ 73

14/1/78 15/1/78

15/1/78 4 يناير 78 1 يناير 77 18 يناير 77 22/9/77 10/2/76 22/9/77 17/2/68 7/12/76

تجديد السياحة مسجل

غير مسجل غير مسجل

غير مسجل غير مسجل غير مسجل غير مسجل غير مسجل

غير مسجل مسجل

خروج وعودة غير مسجل

الاسم العمل السابق ومكانه مدة التغيب إضافات أخرى عبد المنعم الرشيد محمد طالب بجامعة الخرطوم كلية العلوم – السنة الثانية – فصلت منها في مايو 1977 م منذ يونيو 1977م الرغبة في الدراسة بليبيا وقدمت الشهادات لذلك وفى حالة عدم التوفيق هذا العام، الرغبة في العمل بليبيا ، ثانيا الرغبة في الدراسة بالسعودية محمد أحمد إبراهيم فكى

محمد سعيد الفاضل المحاكم الشرعية موظف حلفا الجديدة

عملت بالجيش لمدة 6 سنوات وفى عام 1974م خرجت إلى السعودية وعملت بمؤسسة محمد الفيصل لمدة 6 شهور وانتدبت إلى فرعها بالسودان – الدمازين منذ فبراير 1976 ووصل هنا في منذ 28/ 9/ 1977 ووصل هنا في نوفمبر 1977

منذ فبراير 1976مجموعة يوليو ابتغى العمل بليبيا ثم مواصلة الدراسة بها أو بأي قطر من أقطار أوربا كما أن لي التزامات للأسرة خرجت من السودان عند أهلي أنني أعمل ولذا أود أن أعمل لمدة شهر واحد وبعده أذهب إلى السودان وأحبذ أن أعود عن طريق السعودية

مستعد إلى تنفيذ ما يطلبه منى التنظيم سواء الدخول إلى السودان أو إلى أي مكان آخر

الاسم الجهة التي تنوى السفر إليها إذا كان السودان فما طريق العودة ما هي التزاماتك العائلية المال أو الوسائل التي تغطى بها فترة غيابك ئ المدة بالمعسكر أو التدريب حمزة العركى السودان عن طريق السعودية السرة تتكون من الوالدين وثلاث أخوات وأخوين صغار ليس لي من المال أو الوسائل التي أغطى بها فترة الغياب مجموعة يوليو الطيب نصر الدين طرابلس ملحوظة طلب منى السفر إلى طرابلس لذا لا أستطيع تحديد أي شيء الآن مهدي السودان السعودية / الخرطوم ليست لدى أي التزامات عائلية غير أنى مقبل على الزواج إنشاء الله عشرون يوما خرجت للحج ومنه إلى التدريب عمر عل سيد طرابلس – أوربا الغربية أما إذا طلب منى السفر إلى السودان فيكون عن الطريق جدة السعودية مسئول عن أسرة تتكون من والدة وعمة، كمالا يوجد لدى مال أو وسائل أخرى لتغطية الغياب بل توجد على ديون قدرها 105 جنيه من 25 رمضان إلى 2 ربيع الأول مجموعة بيروت يد الزبير الشيخ السودان السعودية التزامات خفيفة نحو والدتي وأختي من 23 يناير 10 من فبراير

الاسم العمل السابق ومكانه مدة التغيب أي إضافات أخرى ( دراسة عمل ) عبد الرحيم عبد القادر حامد موظف بشركة أبا كمبال التجارية بأم درمان خريج الثانوي 1975م – تغيب عن العمل باستقالة وخرجت بتاريخ 12/ 1/ 1977 – وصلت ليبيا بتاريخ 29/ 3/ 1977م منذ يناير 1977 ووصلت هنا في 9/4/1977 رغبة في الدراسة بليبيا وقدمت الشهادات لذلك وفى عدم التوفيق هذا العام الرغبة في العمل بليبيا حتى إتاحة فرصة الدراسة بليبيا

محمد أحمد محمد الأغبش الثروة الحيوانية – الخرطوم منذ 5/12/1975 " مجموعة يوليو " أبتغى العمل الحاج يوسف التجانى معلم ثانوي عالي – بورتسودان الفنية منذ 5/12/1975 " مجموعة يوليو " أرغب أن أعمل بالخارج لفترة قصيرة لاعتقاد أعلى إني أعمل بالسعودية وبعدها أعود إلى السودان، وأرغب في عمل في الداخل محمد الصدق

صلاح على حسن

وزارة الزراعة – الجزيرة

تخرجت من الثانوي العالي بعطبرة 1975 وذهبت إلى السعودية للدراسة في مايو 1976م منذ 5/12م1975 " مجموعة يوليو " الاعتقاد في السودان أنى أعمل في الخارج وعليه من غير المعقول الرجوع فورا

الآن أرغب في الدراسة بالسعودية

الاسم الحقيقي الاسم الحركي اسم الجواز
حسن طمبل عبد القادر النعيم يعقوب حسن طمبل محمد صالح
عبد العظيم محمد صالح خليل إبراهيم عبد العظيم محمد صالح
محمد الصديق على عاصم بابك على محمد الصديق على
يوسف محمد الطيب مختار الشيخ محمد يوسف محمد الطيب
عبد الله حماد حبيب إدريس عبد الله حماد
أحمد خليل حمزة هاشم إبراهيم عبد الله التجانى
محمد صالح سالم إدريس محمد جادين عوض محمد
عبد المنعم الرشيد محمد محجوب كعود عبد المنعم الرشيد
على حسن محمد محمد رشوان على حسن محمد
حماد عجيب حماد المهل عبد الله حماد عجيب حماد
شرف الدين على مختار الظافر أحمد عيسى بدر الدين أحمد
محمد سعيد الفاضل أبو بكر سليمان محمد سعيد الفاضل
محمد أحمد محمد الأغبش محمد أحمد أبو شامة محمد أحمد الأغبش
صلاح سليمان قاسم طه صلاح سليمان
عبد الرازق الطيب الأمين عبد الراز الأمين
محمد الحسن هاشم الحاج متوكل حسن مختار محمد الحسن هاشم الحاج

الاسم العمل السابق ومكانه مدة التغيب أي إضافات أخرى " دراسة عمل "

محمد البشرى مهدي فصلت من جامعة الخرطوم كلية الهندسة العام الدراسي 75/1976م أولى هندسة ثم عملت لمدة 3 شهور بنيالا الفنية العليا-نيالا منذ فبراير 1977م " مجموعة بيروت" لي الرغبة في مواصلة الدراسة ويتطلب منى ذلك العمل بليبيا لفترة حتى استطيع مواصلة الدراسة

محمد عثمان أحمد سليم

يحيى محمد الحسن أحيمر

بسم الله الرحمن الرحيم

قائمة أخرى:

1- الحاج يوسف التجانى – معلم المدارس الثانوية العليا / التدريب بفرق الانتداد.
2- عبد الحليم المقبول معلم الثانويات العامة/ مفصول من المعهد بعد أحداث شعبان.
3- محمد سعيد الفاضل عبد القادر – ميكانيكي / غير متزوج/ يفضل البقاء والمشاركة في التدريب أو الانتقال إلى أي موقع يحدده التنظيم .
4- مصطفى ميرغنى إدريس- طبيب بيطري/ يفضل العمل بالمعسكرات ليست له التزامات أسرية .
5- عبد الغفار عبد الرحيم عبد الله حمد- متزوج/ يفضل الالتفات للواجبات الأسرية والبقاء مستعدا.
6- حامد : التفرغ للعمل الطبي في طرابلس
7- عبد الله عمر مهاجر/ غير متزوج/ يفضل العمل في بل افريقى ويكون مستعد إذا نودي.
8- محمد بخيت المفتى/ معلم ثانوي عالي / مستعد للعمل في اى موقع/ ليست له ظروف خاصة يفضل المعسكرات.
9- على خضر بخيت / خريج الجامعة الإسلامية لأعمل له / لا يعارض التفرغ للعمل / ليست له مسئولية عائلية مباشرة
10- عوض جادين محيى الدين / طالب علوم/ لا يمانع في الدراسة في ليبيا
11- محمد الفاتح عثمان/ مهندس / مستعد للعمل أو الإقامة في المعسكرات إذا وجدت
12- أحمد العاص/ طبيب بيطري / لا يمانع في البقاء إن كانت هناك معسكرات / ليست له مسئوليات مباشرة
13- عبد الرحيم دفع الله / معلم ثانوية عام / التزامات أسريه/ يطلب عمل ويبقى في الانتظار.
14- عبد الله التجانى عثمان/ معلم ثانوي عام . متفرغ للثانويات / يشارك في المعسكرات إذا وجدت/ ليس له مسئوليات عائلية .
15- محمد أحمد محمد الأغبش / طبيب بيطري/ مسئوليات عائلية / يشارك في المعسكرات/ ويفضل الاستمرار.
16- محمد الصديق على / زراعي / ليست له مسئوليات عائلية مباشرة / يفضل مواصلة العمل .
17- محمد عبد الرحمن مختار/ طالب ثانية بيطرة / يريد مواصلة الدراسة
18- يحيى محمد الحسين أحمد / طالب ثانية زراعة/ يريد مواصلة الدراسة
19- عبد العظيم عبد الله التوم/ طبيب بيطري / الشهادات فى السوداني تستخرج من الجامعة وتوثق .
20- غازي / نيجريا / تركيا.
21- هاشم على محمد خير .

الفصل الرابع : الخطاب والوسائل الفكرية والسياسية للاتجاه الإسلامى

عند بداية المصالحة الوطنية كان لزاما على الاتجاه الإسلامى أن يجرى قدرا من إعادة الترتيب للأهداف والخطط والبرامج والرؤى التي تناسب الظرف السياسي حيث أن الحركة في مجملها أخذت تنتقل من أجواء المعارضة السافرة للنظام إلى حركة تبحث لها عن شخصية جديدة ودور جديد تسهم بهما في تنفيذ برنامجها للتغيير السياسي والإصلاح الاجتماعي .. فكان عليها أن تصمم خطابها السياسي والفكري بصورة تلاحظ فيها عدة نقاط مثل :

1- إن فقه المعارضة يختلف عن فقه المصالحة إذ أن المعارضة سهلة وجذابة وتقوم على ردود الأفعال وتتبع سقطات وأخطاء السياسيين القائمين على أمر الدولة ، أما المصالحة والمشاركة فتعتورها مشاكل وتعقيدات سياسية ونفسية وربما صراع داخلي بين المثال المنشود والواقع المأزوم.
2- لابد للخطاب الفكري والسياسي أن يصمم بصورة تراعى فيها الموازنة بين ضرورة التصالح من أجل الوطن والمبادئ وضرورة مساندة الحق ومحاربة الباطل السياسي المتمثل في تجاوزات السلطة السياسية الحاكمة.
3- ظلت مناصرة الطلاب المستمرة للاتجاه الإسلامى إعجابا ببطولاته في المعارضة ومواقفه الصلبة في وجه طغيان النظام مما يحتم تحويل هذا الإعجاب الطلابي إلى موالاة سياسية والتزام تنظيمي لأن الظرف الذي جمعهم قد اختفى
4- إن التنظيمات السياسية في ا لجامعة والتي تبلغ التسعة تنظيمات سياسية جميعها تقف في خندق المواجهة مع الاتجاه الإسلامى وضد المصالحة مع النظام.. وجميعها لها وجود إعلامي وسياسيي متفاوت وسط الطلاب..

فهذا الواقع قد تحسب له الاتجاه الإسلامى .

فمثلا نشر في هذا البحث إلى البرنامج الانتخابي للجبهة الديمقراطية لانتخابات الاتحاد دورة 80- 1981م حيث جاء فيه عن المصالحة الوطنية " وليس صدفة أن ارتضى الإخوان المسلمون دخول السلطة من باب المصالحة فما يجمع بينهم وتسلط حكم الفرد هو الاتجار بالدين والعداء لحركة الجماهير الديمقراطية واحتقار الوطنية السودانية وضيق الأفق والتعصب والاستعلاء والفزع من تطور وعى الشعب والحياة السياسية الراشدة وادعاء الشجاعة تغطية للجبن وممارسة الغوغائية والسوقية في العمل السياسي وفرض الوصاية والقهر على الرعية في الداخل والخنوع لمشيئة حكام السعودية وأمريكا في الخارج تحت ستار حماية الإسلام من الخطر الشيوعي " .. يلاحظ أن الجبهة الديمقراطية قد كتبت على غلاف برنامجها الانتخابي الخلفي الشعارات التالية :

• ضد قانون أمن الدولة .
• لا لفرع الاتحاد الاشتراكي الجديد المسمى بـ " الاتجاه الإسلامى " داخل الجامعة .
• الحرية للمعتقلين السياسيين.
• فلتتحد قوى المعارضة الشعبية لإسقاط سلطة الفرد.
وعلى نفس الوتيرة سار إعلام بقية التنظيمات الذي كان يطلق على الاتجاه الإسلامى أسماء مختلفة مثل " إخوان مايو " "إخوان السلطة ".

إما صحيفة حزب الأمة فقد كانت تطلق عليهم " الاتجاهيين " وليس الاتجاه الإسلامى .. والسؤال هنا هو كيف أدار الاتجاه الإسلامى خطاب السياسي والفكري وكيف استخدم أدواته حتى استطاع أن يحافظ عبرها على قيادة الطلاب طيلة الفترة التي أعقبت المصالحة الوطنية في 1977 وحتى عام 1985 عدا دورتين ؟

أدار الاتجاه الإسلامى معادلته السياسية ووجه خطابه الفكري والسياسي من خلال أداتين هما :

الأداة الأولى :

تنظيم الاتجاه الإسلامى كتنظيم سياسي وعقائدي له إمكاناته وبرامجه ووسائله ومنابره الفكرية والسياسية المقتدرة وله كوادره المدربة والمجربة .

الأداة الثانية :

اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ذلك الجهاز النقابي الذي يمثل جميع طلاب جامعة الخرطوم بكل اتجاهاتهم السياسية والفكرية والحيادية .. إذ ظل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم عبر السنين له وقعه السياسي والمعنوي والفكري الخاص في نفوس الكثيرين من أفراد الشعب السوداني والسياسيين بصفة خاصة فمجرد السيطرة عليه تعتبر دليل وقوة ..
كما أن للاتحاد منابره الثقافية والفكرية المتمثلة في المواسم الثقافية – مجلة الجامعة – وإمكانية جمع الطلاب وحشدهم للخطاب السياسي- العمل الصيفي.. إصدار البيانات السياسية .. وقد ظلت كل هذه الإمكانات تحت إدارة الاتجاه الإسلامى طيلة السنوات التي أعقبت المصالحة عدا دورتين .
وبتناول الأداتين يتضح دورهما الفاعل في دفع وتطور الاتجاه الإسلامى السياسي والفكري والعضوي في الجامعة .

أداة التنظيم :

كان تنظيم الاتجاه الإسلامى يعمل فى جبهتين في وقت واحد ويوجه خطابه الفكري والسياسي لذات الجبهتين .

فالجبهة الأولى :

هي جبهة الدعوة أي ألأمر بالمعروف والتبشير بالمشروع الإسلامى الذي يدعو له الناس بكل السبل والوسائل المتاحة.

الجبهة الثانية :

هي ما يكاد يطلق عليه " النهى عن المنكر" وهى مقارعة ومواجهة التنظيمات الأخرى التي تعادى الاتجاه الإسلامى داخل الجامعة.. علاوة على مواجهة تجاوزات النظام الحاكم بالخارج.

الأمر بالمعرف والنهى عن المنكر:

ظل الشيخ حسن الترابي عبر ندواته في الجامعة يذكر أنصاره والموالين للاتجاه الإسلامى بأن أمر الشريعة قد اقترب..

ففي محاضرة ألقاها في قاعة الامتحانات بالجامعة- تم طبعها في ما بعد – يقول الترابي " نسال الله سبحانه وتعالى ألا ننتكس وأن لا نتعثر في هذا السير الذي استقام نحو شريعة الإسلام وأن يضطرد سيرنا ويتسارع في غير ما اقتحام حتى يرفق بالناس ولا يتهور بهم فيوقعهم في الفتنة ، وفى غير ما تلكؤ يسوف تطبيق الشريعة ويؤخر البركات الواسعة الوفيرة التي ستعود علينا إن شاء الله بتطبيقها .. إننا موعودون إذا أقمنا أمر الله سبحانه وتعالى أن سيأتينا الرزق من فوقنا ومن تحت أرجلنا وستزول عنا المعيشة الضنك التي ابتلانا بها الله سبحانه وتعالى بما أعرضنا عن ذكره، فالبركات التي تعود من تطبيق الشريعة الإسلامية لا تقتصر على إصلاح أخلاق الناس وإنما تتجلى أيضا في اتساع حياتهم المادية بما يحقق نهضة دينية شاملة ".

كانت مثل هذه الندوات الفكرية التي يقدمها الاتجاه الإسلامى تمثل جرعات قوية لأعضاء الاتجاه الإسلامى تدفعهم لمزيد من الكسب والعطاء وتمثل حافزا ودعوة للتيار الموالى من الطلاب للانضمام إلى صفوف الحركة الإسلامية .

كان النشاط الدعوى مكثفا في الجامعة وكانت أمانة النشاط الجاري بالهيكل التنظيمي للاتجاه الإسلامى من أنشط الأمانات فالحركة الإسلامية كانت تدرك عظم المسئولية التي تقع عليها وتدرك حجم التحدي الذي تواجهه في داخل الجامعة وخارجها وكانت تدرك أن أي هزيمة في جامعة الخرطوم للاتجاه الإسلامى كانت تعنى الحرج السياسي الذي ربما يقود لمضايقة قيادة التنظيم خارج الجامعة التي تشارك في أجهزة سلطة مايو مما يعنى أو وجود الحركة الإسلامية على قيادة الحركة الطلابية بجامعة الخرطوم كان بمثابة كرت قوى تستعمله قيادة الحركة في حواراتها مع النظام وكأنما تقول له إن وجودنا على قيادة الطلاب يعنى الكثير .. كما أن النشاط الدعوى المكثف تتنزل بركاته كما وكيفا على العمل السياسي بصورة مضطردة.. لذا فقد اتبع الاتجاه الإسلامى أساليب عدة في أمر نشر أفكاره والتبشير بأهدافه وبرنامجه وقد كانت أدواته تشتمل على الصحف الحائطية مثل صحيفة " آخر لحظة" – أركان النقاش- الندوات الفكرية- النشرات التعريفية – والكتيبات الدورية – الاتصال الفردي المباشر للطلاب- المساجد المركزية بالجامعة والكليات.

كما كان الاتجاه الإسلامى يستغل كل المناسبات الدينية والوطنية للتبشير ببرنامجه ، وقد استطاع الاتجاه الإسلامى من خلال وسائله المتعددة إثراء الجامعة بالنشرات والمطبوعات الفكرية .

وهنا يجدر بنا أن نشير إلى بعض النماذج من خطاب الاتجاه الإسلامى الدعوى للطلاب.

كان قدوم الطلاب الجدد ( البرالمة) يتزامن في معظم أحيانه مع موسم انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وكان الوسط السياسي في الجامعة يطلق على موسم الانتخابات وقدوم الطلاب الجدد اسم " سوق عكاظ" الذي يعرض فيه كل تنظيم فكره.

ففي عام 1982م قام الاتجاه الإسلامى بطبع وتوزيع جدول محاضرات لكل طلاب السنة الأولى بكل الكليات في شكل كروت ممتازة ومصقولة من حيث ورق الطباعة وقدم فيها تعريف وبأطروحاته نقتطف منها " يسرنا ويشرفنا في الاتجاه الإسلامى أن نهنئكم بالنجاح الباهر الذي حققتموه في امتحانات الشهادة السودانية ودخولكم للجامعة قلعة العلم ومنبت الفكر صانعة المجاهدين وأم الشهداء، ومن حسن الطالع أن قدومكم يتزامن مع بعث إسلامي ونهضة في المسلمين وكل ذلك يبشر بفجر جديد تسود فيه القيم الإسلامية حيث العزة لله ولرسوله والمؤمنين ).

فهذا الجدول الذي يمر عليه الطالب صباح مساء يعتبر رسالة إعلامية مستمرة، كذلك في واحدة من النشرات التي أصدرها الاتجاه الإسلامى بالجامعة تحت عنوان " الاتجاه الإسلامى والوحدة الوطنية دعا فيها الطلاب إلى وحدة الصف المسلم وعزل أعداء التحرير والتعمير من العملاء وأصحاب الأفكار المدمرة والمعادية لقيم الشعب، ثم ذكر أن وحدة الصف ضرورة تفرضها طبيعة المرحلة ثم ذكر أن المسلمين يقفون على مفترق الطرق والأعداء يحاصرونهم من كل جانب.

وفى كتيب صغير أصدره الاتجاه الإسلامى وجه سؤالا للطالب الجامعي والطالبة الجامعية يقول فيه" لماذا لا تنضم للاتجاه الإسلامى "؟ حيث جاء في الغلاف الآتي:

- لكل مسلم يعتز بإيمانه.
- لكل باحث عن القيم النبيلة.
- لكل من يريد إفناء شبابه في سبيل الله .
- لكل من تؤرقه قضية الإنسانية المعذبة.

ثم وصف الكتيب دعوة الاتجاه الإسلامى بأنها دعوة لهزيمة ليل اللامبالاة ليشرق فجر المشاركة فتصبح لحياة الفرد معنى حينما يندفع بقوة الجماعة، ثم ذكر.. إن الحياة الإنسانية لم يكتب لها الاستقرار والاستمرار إلا في ظل الجماعة المنطلقة من قواعد الإيمان .. ومن أجل الجماعة كانت صلة السماء بالأرض وكان خط النبوة المستقيم من عهد آدم.

وفى نشرة أخرى من ثمانية صفحات أصدرها الاتجاه الإسلامى عام 1983 م بعنوان الاتجاه الإسلامى يقدم العمل التنظيمي من منظور اسلامى نقتطف منها:

- ليس البديل عن التنظيم إلا الفوضى.
- رفض التنظيم يعنى اعتماد الفوضوية .
- الفوضى والعفوية نقيض القوة.
- الفوضى والعفوية نقيض النواميس الكونية.
- النظام والتخطيط أساس كل عمل ناجح.
- التنظيم أساس المنهج الإسلامى .
- التنظيم عنوان الهدى القرآني.
- التنظيم أساس عمل الرسول (ص).
- ضخامة التحدي للإسلام تفرض التنظيم .

أما في النصف الثاني من أكتوبر الذي يمثل فترة انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم كما ينص دستور الاتحاد، في هذا الشهر تستعر حمى الانتخابات ويظل الاتجاه الإسلامى في حالة طوارئ مستمرة وحالة استنفار دائم حيث ترتفع حرارة الاستعداد وسط عضويته إلى الدرجة القصوى حيث يتم هذا الاستعداد على مستوى جميع الكليات.. وفى غرف عمليات الاتجاه الإسلامى يتم إحضار قوائم الطلاب الذين يتم تصنيفهم إلى : منضمين – موالين – محايدين – أعداء.. ثم يبدأ بعد ذلك العمل وفق خطة انتخابية تبدأ بتنشيط الموالين وكسب المحايدين وكسر شوكة الأعداء.. في هذه الظروف الانتخابية يقاطع معظم طلاب الاتجاه الإسلامى الأكاديميات وحضور المحاضرات وتتحول كل الطاقات إلى الحماة الانتخابية ..

وقد جرت العادة في هذه المحاضرات وتتحول كل الطاقات إلى الحملة الانتخابية .. وقد جرت العادة في هذه الفترة أن يظل إعلام كل التنظيمات السياسية بالجامعة موجها ضد الاتجاه الإسلامى بصورة سافرة.. وأحيانا تجتمع ه التنظيمات فيما عرف باسم " اللجنة السياسية للتنظيمات الطلابية" ، وكان أهم أهدافها هو إزالة الاتجاه الإسلامى من قيادة الطلاب وكانوا يطلقون عليه " الكابوس الذي جثم على صدر الطلاب" كان الاتجاه الإسلامى يدرك حجم هذا التحدي لذلك كان يدير إعلاما وحملة انتخابية بمستوى كبير .. وكما ذكرت في فصل سابق أن الاتجاه الإسلامى كان يفخر بعضويته وقياداته التي صقلتهم السجون والتجارب والظروف المعارضة، لذلك كان الاتجاه الإسلامى يؤكد دوما أن من يقدمهم لقيادة الطلاب هم من فئة " القوى الأمين " وهم أصلب العناصر لأصعب المواقف وهم الذين تم إعدادهم ليوم كريهة وسداد ثغر ففي إحدى ملصقاته التي تملأ الجامعة جاء الآتي:

الاتجاه الإسلامى :

- أصالة في الفكر وأخلاقية في الممارسة.
- خبرة في العمل النقابي .. قيادة واعية.
- لحماية استقلال الجامعة وصيانة حريتها.
- أصلب العناصر لأصعب المواقف.
- للمشاركة القومية الصادقة.

وفى إحدى الملصقات الأخرى جاء:

أيها الطالب .. أيتها الطالبة

- صوتك أمانة في عنقك..
- صوتك سيف يقطع دابر المفسدين ..
- صوتك إدانة للاغتيال السياسي..
- صوتك رفض للفوضى وتكريس للنظام..
- صوتك تميز للحق من الباطل..
- صوتك رفض للعلمانية والماركسية ..
- صوتك دفع لبرنامج حركة التغيير الإسلامى ..
- صوتك يبرهن أن الدين ليس أفيونا للشعوب..

كما أصدر الاتجاه الإسلامى بيانا عن ضرورة قيادة الحركة الإسلامية للاتحاد وعدد فيه صفات أعضاء الاتجاه الإسلامى التي تؤهلهم لقيادة التحاد وذكر فيه أهمية الاتحاد نقتطف منه:

" إن العمل في المؤسسات الطلابية باتحاد طلاب جامعة الخرطوم يحتاج إلى كثير من القدرات والمؤهلات ولا يقوى على تحمل أعباء القيادة فيه إلا من وطد نفسه وأعدها إعداد المجاهدة والمكابدة والتضحية بكل مرتخص وغال من أجل المصلحة العامة.. فالذي يريد أن يكون في قيادة الاتحاد عليه أن يكون مستعدا للتضحية بوقته وراحته البدنية والنفسية وأكاديمياته ودراساته الجامعية وحياته إن لزم الأمر وذلك لا يتسنى لأحد إلا إذا صغرت الدنيا وهانت في عينيه واتخذ من الدنيا وملذاتها ومعاناتها وسيلة لغاية أسمى أحب إليه من الدنيا وما فيها فيقبل على العمل العام باعتباره تكليفا ربانيا تهون أمامه الأكاديميات وتسهل في سبيله التضحيات بالنفس والنفيس.

وذلك لا يتم إلا لمن تجرد لله سبحانه وتعالى وكان صادقا في تجرده ومسعاه، أمينا مع نفسه ومع الطلاب فيكون بذلك حارسا أمينا لحقوق ومكتسبات الطلاب، لا يثنيه عن ذلك منصب أو عناء ما دام واثقا بأن عمله هذا ما هو إلا جهادا يتقرب به إلى الله زلفى ويتقى فيه عذاب يوم لا يسلم فيه إلا من أتى الله بقلب سليم .. والعمل العام في ذلك كله يحتاج إلى الصمود عند البلاء والتصدي لكل من يعتدي على حرية الجامعة والاندفاع نحو الأهداف السامية بقوة الرجال وعزم وعزيمة المجاهدين الذين يحرصون على الشهادة في سبيل الله كحرص الكافرين على الحياة.. ولا يجدي في مثل هذه الحالات التباكي على الحرية والمناداة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من وراء الجدران كما يفعل الزملاء والزميلات اليوم فالحرية تؤخذ ولا تعطى بالتسول والتباكي على حرية المناضلين .. والعمل في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم يحتاج إلى الكوادر الإدارية والنقابية والعملية والذي يمثل " كوسو" ينبغي أن يكون مؤهلا تأهيلا فكريا وعلميا ليمثل الطلاب فى المحافل القومية والدولية تمثيلا يشرف طلاب جامعة الخرطوم".

ثم يتحدث البيان عن مواصفات التنظيم الذي ينبغي أن يقود الاتحاد فيقول " والتنظيم الذي يقود كوسو بأعبائه الداخلية والخارجية ينبغي أن يتمتع بالقدرة الحركية .. ويحتاج إلى قاعدة عريضة ملتزمة يحركها كيف يشاء وأنى شاء .. والاتجاه الإسلامى والحمد لله هو التنظيم الوحيد الذي تتوفر فيه كل هذه الصفات وهو زاخر بكل المؤهلات التي تؤهله لقيادة الطلاب، فقد عرفت قيادته بالأمانة والصدق والوفاء بالعهود والالتزام بالمواثيق.. وقد عرف الطلاب تحت قيادة الاتجاه الإسلامى التضحية ونكران الذات وعرفوا فيهم الصمود والتصدي فكانوا بحق وحقيقة " أصلب العناصر لأصعب المواقف .. تسندهم قاعدة عريضة ملتزمة تقف وراءهم في أحلك الظروف.."

وقد كان الاتجاه الإسلامى يذكر الطلاب دوما أن الاتحاد ليس هو الأربعين طالبا الذين يكونوا المجلس الأربعيني وإنما هو مئات الأشخاص الذين يقومون بمهام اللجنة التنفيذية ويساعدون إخوانهم في تحمل أعباء التكليف، وكان الطلاب يشاهدون عشرات الطلاب من عضوية الاتجاه الإسلامى النشطة تتعرض للفصل الأكاديمي والملاحق وإعادة السنوات الدراسية .. ويشاهدون أعضاء الاتحاد يشكلون غيابا شبه كامل عن حضور المحاضرات الأكاديمية وكانوا يكبرون هذه التضحيات من أجل العمل العام...

الاتجاه الإسلامى عند فقدانه الاتحاد

كان الاتجاه الإسلامى يعبر عن رأيه في السياسة الداخلية والأحداث العالمية عبر منبر الاتحاد ولكن عندما يفقد قيادة الاتحاد يتخلف عن أداء دوره في أى حدث من الأحداث بل يحاول جر الاتحاد الذي يسيطر عليه خصومه لمواف محرجة للاتحاد ويقوم بتعبئة الرأي الطلابي لمناصرة الحدث المعين .

فمثلا عندما وقعت أحداث الغزو الروسي لأفغانستان عام 1979 م لم يكن اتحاد طلاب جامعة الخرطوم تحت قيادة الاتجاه الإسلامى وإنما كان تحت قيادة تجمع التنظيمات السياسية وكان الشيوعيون – لجبهة الديمقراطية – يحتلون أهم المراكز في اللجنة التنفيذية ( السكرتير العام) وكان يتولى ذلك الطالب الصديق الزيلعى حيث لا يمكن للجبهة الديمقراطية أنتخرج الاتحاد في مسيرة لإدانة الاتحاد السوفيتي مما جعل الاتحاد في موقف حرج إزاء مطالبة صحيفة الاتجاه الإسلامى ( آخر لحظة) التي ظلت باستمرار تطالب الاتحاد باتخاذ موقف من الغزو السوفيتي لأفغانستان وتطالبه بالخروج في مسيرة جماهيرية لإدانته.. بالطبع لم يستطع الاتحاد أن يدي الغزو الروسي لأفغانستان وإنما اكتفى بالرد بأن الروس قد دخلوا أفغانستان بناء على طلب الحكومة الشرعية في كابل ".

كانت (آخر لحظة) تعبئ الطلاب ضد الاتحاد الذي أصبح بوقا للحزب الشيوعي ولم يناصر المسلمين في أفغانستان وكانت تفرد صفحتين بصورة دائمة مكتوبا عليهما " المجد للمجاهدين في كابول والجبال " .

وفى 29/12/1979م قرر الاتجاه الإسلامى أن يتخطى الاتحاد وأن يخرج في مسيرة هادرة إلى الشارع وإلى السفارة السوفيتية لإدانة هذا الغزو كما أصدر بيانا نقتطف منه" .. تشهد البلاد الأفغانية اليوم معارك ضارية في كل ربوعها في أعنف اعتراك بين الكفر والإيمان في هذا العصر والقتال لا يكاد يهدأ بين شعب حمل السلاح دفاعا عن دينه وشرذمة كافرة تعمل لإزالة الدين وإبادة المؤمنين مدعومة من الاستعمار السوفيتي.. تطوعت الامبريالية الشيوعية بجيوشها وبالإمداد العسكري لتسهم في حرق القرى التي تتهم بإيواء المجاهدين دون تورع حتى عن استخدام الأسلحة المحرمة من نابا لم وغيره دون تفريق بين طفل وشيخ ورجال ونساء و العالم لا يحرك ساكنا ولا يمد يد العون للمستضعفين والمجاهدين الذين استجابوا لنداء الجهاد.

شعب يقاتل من أجل الحرية وتأكيد ذاتيته الإسلامية وللحفاظ على استقلاله وأراضيه.. ( ثم يمضى البيات مخاطبا الاتحاد السوفيتي.. قد فضح تدخلكم السافر كل الأقنعة والدعاوى التي كنتم تخادعون بها وتخدعون من مناصرة الشعوب التي تجاهد من أجل الحرية والسلام ويعيد تدخلكم للأذهان تاريخا أكثر بشاعة وشناعة ولتعلموا أن غزوكم لأفغانستان اعتداء موجه لكل جماهير المسلمين وفى كل مكان ولن يكون مصير هجمتكم الاستعمارية بأي حال من الأحوال أفضل من الهجمة التي سبقتها وتأكدوا أن أفغانستان ستكون مقبرة للغزاة".

".. قد كانوا أربعين رجلا قبل عام لم يكد ينقضى حتى انتفضت الأمة بأجمعها تقاتل في سبيل الله .. إن الشعب الأفغاني بتصديه للاستعمار الشيوعي يدافع عن عقيدة كل المسلمين برده للزحف الشيوعي وسيجعل من بلاده مقبرة للشيوعيين وللجيوش الشيوعية وسيكتب هذا الشعب المجاهد ملحمة للجهاد المسلح الذي تقوده الجماهير ضد كل أنواع الاستعمار والاستبداد ومحاولات عزل الأمم المسلمة عن جذورها الإسلامية بعثا للجهاد وحب الاستشهاد ".

والباحث يرى أن مثل هذه البيانات التي تخاطب وجدان المسلم وتشعره بالاستهداف الشيوعي أو الصليبي لعقيدته الإسلامية تعتبر في حد ذاتها دعوة للطالب لاستشعار التحدي الحضاري الذي يواجه المسلمين وما أفغانستان إلا واحدة من عدد من الدول المستهدفة.. فالبيان يخاطب وجدان الطلاب ويدعوهم لمناصرة إخوانهم المستضعفين في كابول والجبال وفى نفس الوقت يعتبر البيان والمسيرة الشعبية إدانة إسلامية وسياسية للاتحاد الذي كان ينبغي أن يقوم بهذا الدور لولا سيطرة اليسار عليه..

كذلك وجه الاتجاه الإسلامى بالجامعات والمعاهد العليا رسالة لرئيس الاتحاد السوفيتي ليونيد برجنيف جاء فيها:

" بتدخلكم العسكري في أفغانستان تؤكدون لشعوب العالم بأجمعها أنكم تعبرون إلى المياه الدافئة بروح توسعية استعمارية على أشلاء ودماء شعب ابتلى بجواركم وانطلقت جيوشكم تدمر وتقتل لتجعل أفغانستان دولة تابعة لكم..".

كما أصدر الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم بيانا آخر إلى جماهير المسلمين نقتطف منه " يا جماهير المسلمين .. الجيوش الروسية تتدفق على أفغانستان طائرات ودبابات تقصف وتدمر في حرب شرسة لا تفرق بين الشيوخ والنساء والأطفال والثوار.. خمسة وأربعون ألفا من الجنود السوفيت يحملون الموت والدمار وأربعون ألفا آخرون ينتظرون على الحدود والنيران لا تكاد تخمد أزيز المدافع لا يكاد ينقطع والمجاهدون في كابول يتسابقون إلى الموت ليكتبوا لأمتهم الحياة".

الإعلام المضاد

إذا كان المحور الأول من أداة التنظيم يمثل الأمر بالمعروف.. نشرا للدعوة والفكر الإسلامى وإشاعة لروح التدين وسط الطلاب، فإن المحور الآخر هو محور النهى عن المنكر والذي يمثل خط دفاع الاتجاه الإسلامى.. ففي هذا المحور تتركز آليات الاتجاه الإسلامى السياسية والتي تقوم بمواجهة التنظيمات الأخرى المعادية ومقارعتها الحجة بالحجة وكشف مواطن ضعفها والانقضاض عليها متى ما وجدت ذلك ممكنا سيما إذا علمنا أن جميع التنظيمات السياسية التي سيرد ذكرها لاحقا كان يجمعها العداء للاتجاه الإسلامى، وما عدا ذلك فتى شراذم أحزاب تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى.

لذلك كان على الاتجاه الإسلامى أن يقوم بإدارة المعادلة السياسية بين الحركة الإسلامية ونظام نميرى بكفاءة عالية تحفظ للحركة الطلابية حريتها السياسية في إبداء الرأي ونقد التجاوز والفساد السياسي للنظام بصورة لا تصل لمرحلة المواجهة.. ذلك لأن الحركة الإسلامية الطلابية في دواخلها لم تكن ترى في المصالحة الوطنية إلا هدنة مع نظام نميرى لذلك إن انتقاد أخطاء النظام المايوى يعتبر أمرا لابد منه لسببين هما:

1- صدعا بالحق وإعمالا لمبدأ المناصحة لحكام المسلمين .
2- حتى يدرك الطلاب أن الاتجاه الإسلامى في مصالحته للنظام لا يغض الطرف عن الباطل ولا يجامل في قولة الحق، كما أنه لم يذب في صفوف مايو كما يدعى خصومه.

لذلك نرى أن صحيفة آخر لحظة وبعد مظاهرات 4/1/1982م التي انتظمت معظم المدن السودانية .. تكتب تحت عنوان " دعوة للجماهير " الآتي " أزمة الشعب السوداني ليست هي زيادة أسعار السكر أو الدقيق أو البترول وإنما هي أزمة نظام بكل مناهجه ومؤسساته.. أزمة أن يسرق الكبار ليموتو من التخمة بينما تموت الجماهير من الجوع، أزمة أن يصبح الفرد هو الإله المعبود، أزمة آلاف المنافقين والذين يحتلون مواقع قريبة من " معبود الجماهير " .. هذه البلاد ليست فيها سلطة تشريعية مستقلة وليست فيها سلطة قضائية مستقلة وليست فيها حتى تنظيم سياسي له القوة على محاسبة رئيسه .. وإنما لها رئيس يأخذ بتلابيب تنظيمه في مواقف المراجعة والترجيع .. نحن أحوج ما نكون إلى دستور يضع رئيس الدولة تحت القانون وليس فوق القانون كما قال النميرى في إحدى خطاباته الدورية .. قضية الشعب السوداني ليست زيادة الأسعار وإنما هي قضية الحرية وقد كان مجرد كبش فداء لحماية النظام وامتصاصا لغضبة الطلاب الثائرين .. لقد ثار الطلاب لأن رئيس الجمهورية حرم اللحم يومي السبت والأربعاء وأحل الخمر في كل أيام الأسبوع وثاروا لتعطيل قانون الثراء الحرام حتى لا يطال سدنة الصحافة وكهان رئاسة الجمهورية .. إن الترقيع والتخدير والخداع بواسطة وسائل الإعلام لن يحل قضية الجماهير ،وعلى الجماهير أن تختار بديلا مناسبا وتنحاز له ونحن نقدم لها هذا البديل في الإسلام فهل تنحاز الجماهير للحركة الإسلامية في السودان لإقامة دولة الإسلام في السودان".

ويلاحظ هنا الآتي:

أ-إن الاتجاه الإسلامى لم يخرج في تلك المظاهرات لأنها ضد نظام هم جزء منه مهما ادعوا ومهما كتبوا وأن إدانة النظام هي إدانة لكل النظام بكل تركيبته السياسية صغر دور المشاركين أم كبر .
ب-الحركة كانت تخطط لوراثة نظام مايو ولا تريد له أن يسقط إلا في أيديها فهي تعد العدة وتسابق الزمن لذلك.. ونلحظ ذلك في خاتمة كلمة "آخر لحظة" أعلاه.
ت-هاجم المقال النظام الحاكم هجوما مرا أثبت للاتجاه الإسلامى تميز صفه عن صف النظام وذلك حتى لا يظهر وسط الجامعة بمظهر الشريك الراضي عن تصرفات النظام سيما وأن " مساء الخير " صحيفة الجبهة الديمقراطية – لسان حال الحزب الشيوعي- كانت تسمى الاتجاه الإسلامى باسم فرع الاتحاد الاشتراكي المسمى بالاتجاه الإسلامى "..

أما بالنسبة لتصدى الاتجاه الإسلامى للتنظيمات الأخرى فإن ذلك أشد ما يكون في فترة انتخابات الاتحاد والذي كث فيه النشاط الطلابي السياسي، ويمتلئ مقهى النشاط الطلابي بالصحف السياسية والندوات وأركان النقاش، وتتحول الجامعة إلى معرض سياسي كبير تسمع فيها أصوات مكبرات الصوت من مكان بعيد لدرجة جعلت إدارة الجامعة تتدخل أكثر من مرة لمنع استعمال مكبرات الصوت أثناء فترات الدراسة الصباحية داخل الجامعة.. كان إعلام الاتجاه الإسلامى إعلاما قويا ومنتظما وكان عدد صحفه بمقهى النشاط الطلابي يزيد عن صحف جميع التنظيمات السياسية مجتمعة لأن هنالك بعض التنظيمات لا تظهر لها صحف على مدار السنة إلا في شهر أكتوبر ، موسم الانتخابات وهو ما يطلق عليه الاتجاه الإسلامى " البيات الشتوي للتنظيمات الكرتونية " .. لم تكن هنالك صحف توالى الصدور بانتظام غير صحيفتي " آخر لحظة" وصحيفة " مساء الخير " لسان حال الجبهة الديمقراطية .

صحيفة " آخر لحظة " هي الصحيفة الأم للاتجاه الإسلامى التي ظلت تواظب الصدور في أحلك الظروف ومنذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.. إلى جانبها كانت تصدر صحف الاتجاه الإسلامى الأخرى مثل " معالم في الطريق " ، " آفاق"، " البلاغ" ، " القلم" ، " أشتات "، " أشواك" ، " الصباح الجديد " والأخيرة كانت صحيفة فكرية تهتم بأخبار الحركات الإسلامية في العالم وتقدر نماذج من الأفكار الثورية أمثال كتابات الفكر الإيرانى على شريعتي ومقولات الإمام الخميني، وقد كانت من أميز صحف النشاط وكان لها قراء ومعجبون كثر وكان محرروها يكتبون تحت عنوانها الشعار الآتي " الصباح الجديد .. صوت الضمير الانسانى".

وكان من أبرز محرريها : محمد طه محمد أحمد- محمد المجذوب محمد الأمينناجى شريف بابكر .

كما كانت مجموعة بكداش أحمد المصطفي ، آدم سعد جبارة، إبراهيم محمد عليحمد على من أبرز صحيفى الاتجاه الإسلامى بالجامعة الذين تولوا إصدار " آخر لحظة" طيلة وجودهم في الجامعة.. للأسف الشديد ، فبعد قيام ثورة الإنقاذ الوطني في 30 يونيو 1989 لم نجد أثرا لهؤلاء الإعلام من الصحفيين الأفذاذ الذين يشكلون مدرسة ويمثل الفرد منهم أكثر من دبابة أو راجمة في دفاعه عن البرنامج الإسلامى..

لكن يبدو أن الانقاذ بعد محاربتها للصحفي الإسلامى محجوب عروة، أرادت أن تعتمد في إعلامها- لا أقول على المتردية والنطيحة وما أكل السبع- ولكن على بعض تجار الصحافة وبعض الذين يكثرون عند الطمع.. لذلك تفرقت كوادر الحركة الإسلامية الصحفية في الأصقاع ولم يبق منهم غير الأستاذ محمد طه وحسين خوجلي وكل يعمل وفق اجتهاداته وإمكاناته الفردية ويتعرض للكثير من المضايقات والرقابة. وحتى المؤتمر الوطني – بعد انشقاقه – عندما قرر إنشاء صحيفة خاصة به اختار لها اسم " المؤتمر " أتى بشخص مغمور لتولى قيادتها متجاهلا الرصيد الهائل للإسلاميين في العمل الصحفي .. اهـ.

عموما كانت صحيفة " آخر لحظة" تمثل هاجسا بالنسبة للتنظيمات حيث كانت تفاجئ التنظيمات بنشر محاضر جلساتهم السرية وبسرد أقوالهم داخل الاجتماعات وبأرقام الغرف التي يجتمعون فيها.. حتى ظنت بعض التنظيمات أن الاتجاه الإسلامى يمتلك أجهزة للتنصت ولكن حقيقة الأمر أن الاتجاه الإسلامى كان يستفيد من كوادره " المزروعة" داخل التنظيمات السياسية التي تتبوأ مواقع قيادية تؤهلها لحضور الاجتماعات والتحدث باسم التنظيمات السياسية .. ونذكر هنا مثالا من حملة " آخر لحظة" على التنظيمات السياسية ..

في يوم الثلاثاء 9 ديسمبر 1980 م أصدرت صحيفة " آخر لحظة" عددا خاصا ومطبوعا وزعته على الطلاب، ويلاحظ أن هذا العدد جاء بعد أحداث الجامعة التي استشهد فيها الطالب الغالي عبد الحكم حاج المكي 1979م بواسطة أحد أعضاء الجبهة الديمقراطية .. نقتطف منذ لك العدد ما يلي: " في هذا العدد نحدثكم عن التنظيمات السياسية .. النشأة .. الميلاد.. الفكرة .. الطبيعة والممارسة ، نحدثكم حديث الشاهد العارف عن التاريخ الناصع للحركة الطلابية في هذه المؤسسة العريقة .. عن المواقف المشرفة والأمجاد العظيمة.. ونحدثكم عن التاريخ الأسود لأعداء النضال الطلابي واخترنا هذا الوقت بالذات حتى نميز الخبيث من الطيب ونحن مقبلون على انتخابات الاتحاد حتى نضع كل عابث في حجمه الطبيعي... وتواصل " آخر لحظة" حديثها عن التنظيمات السياسية :" تنظيم المؤتمر.. كانت البداية السياسية الفعلية لتنظيم المؤتمر هو يوم أن أخرج هذا التنظيم بيانا سياسيا معلنا بذلك ميلاد تنظيم جديد يمثل امتدادا لفكر المواطن السوداني.. وتأتى بعد ذلك الأسئلة متدفقة عن مصادر تمويل هذا الحزب الجديد.. منأين يتحصل عن آلات الطباعة وما هي أهدافه؟ والحقيقة أن هذا التنظيم أو هذه اللافتة المزورة التي تخبئ خلفها التنظيمات السياسية الكسيحة بالجامعة قد صنع يوم 3 أكتوبر 1979م أى قبل 18 يوما فقط من انتخابات الاتحاد الماضية وذلك حتى يجمل قائمة تحالف التنظيمات الورقية وكان أن تكالبت التنظيمات كلها بواسطة كوادرها السرية لاستلام مواقع القيادة فيه حتى أصبح هذا التنظيم برلمانا صغيرا يضم كل أحزاب الجامعة اليسارية .

وأصبح من المألوف أن تجد شيوعيا أو بعثيا أو غيرهم وهم يعلقون بيانات أو إعلانات تنظيم المؤتمر .. كما سيطر تنظيم الأساتذة الاشتراكيين بقيادة عميد الطلاب الحالي ( عبد الوهاب بوب) على قيادة هذا التنظيم بالتعاون مع العناصر اليسارية وأصبح العميد منظرا أيدلوجيا ومفكرا سياسيا ، وكانت النتيجة أن اغتيل أحد الطلاب.. وبعد انكشاف الحقيقة سقط المؤتمر في جميع الروابط في العلو م والآداب والزراعة والاقتصاد وأصبح قيادة بلا قاعدة أو قيادة هي القاعدة..).

ثم تحدثت " آخر لحظة" عن الجمهوريين قائلة " المحموديون .. وهم جماعة باطنية خارجة عن الملة بإنكارها القطعي الثابت من أصول العقيدة وبرفضها للشريعة الإسلامية وتبنيها لبرنامج اشتراكي ديمقراطي علماني يفصل الدين فصلا تاما عن التأثير على الواقع الاجتماعي وذلك بإعادة تأويل القرآن والسنة مع مقتضيات البرنامج العلماني المطروح ونسخ ما تعارض مع البرنامج المزعوم بدعوة نبي الرسالة الثانية .

والجمهوريون قد أبدوا عداء سافرا وواضحا لبرنامج التغيير الإسلامى وتطاولوا بالشتم على لجنة تعديل القوانين لتتناسب مع الشريعة الاسمية وعلى أعضائها وعلى رئيس القضاء بينما صمتوا صمت الكلب الذليل عن صاحب القرار الجمهوري الذي كونت بموجبه اللجنة".

وعن الحزب الاتحادي الديمقراطي ذكرت " آخر لحظة" : " هذا الحزب بلا قاعدة في الجامعة والمجتمع وبلا أيدلوجية فمرة ينادى بالإسلام مجاراة للإسلاميين في الجبهة الوطنية المنحلة ومرة ينادى بالقومية على النسق الناصري مجاراة للعقيد القذافى ، ثم يقوم الآن ليعلن عداءه لبرنامج التغيير الإسلامى متقربا لأسياده الجدد في العراق رافعا راية القومية العربية على النسق العراقي البعثى التكريتي- أما أتباعه في جامعة الخرطوم فهم شرذمة من اليساريين الانتهازيين الذين انضم احدهم في أكتوبر الماضي قبل انتخابات الاتحاد ليفوز بمقعد في الاتحاد مؤهلا نفسه وزيرا لحكومة الشريف الهندي القومية العلمانية البعثية التكريتية القادمة".

أما عن حزب الأمة فتذكر " آخر لحظة": " هو حزب طائفي يعتمد على طائفة الأنصار .. علماني يعتمد على خريجي كلية غردون من غلاة العلمانيين أمثال المحجوب والشنقيطى.. وهو حزب متناقض من حيث تكوينه فقاعدته إسلامية تقليدية متحمسة للشريعة وقيادته علمانية تدعو إلى الاشتراكية .. ولهذا التناقض ظل الحزب يرفع راية الصحوة الإسلامية لإرضاء قاعدته ثم لا يبذل أى خطوة لإنفاذ هذا الوعد إرضاء لقيادته المهيمنة ولم يجد هذا الحزب أى حرج في التحالف مع الماركسية الدموية الحمراء ودماء شهداء الأنصار التي سفحها الشيوعيون في مجزرتي أبا وود نوباوى لم تجف بعد".

كذلك تتحدث " آخر لحظة" عن التاريخ الأسود للجبهة الديمقراطية ثم تذكر أن الشيوعيين هم الذين جاءوا بمايو عام 1969 م وهم الذين حلوا اتحاد على عثمان محمد طه عام 1969م وفرضوا سكرتارية الجبهات التقدمية وهم الذين أحضروا الدبابات لضرب الطلاب في أحداث احتلال الجامعة في 11 مارس 1971م ، وهتفوا اضرب .. اضرب أبو قاسم .. وهم الذين اغتالوا الطالب الغالي عبد الحكم .. وهم الذين غنوا للنميرى .. يا حارسنا فارسنا وجيشنا ومدارسنا .. يا سيف الفداء المسلول تشق أعداءنا عرض وطول".

وتختم " آخر لحظة" مقالها عن تحالف التنظيمات بقولها".. وبعد عزيزي القارئ فهل يلتقي من جديد حزب الأمة الطائفي الرجعى مع الحزب الشيوعي الأحمر التقدمي وهل يصفق المادي الماركسي للباطني الجمهوري وهل يصفق الجنوبي المتعصب لداعية البعث العربي الشيفونى؟".

فاعلية اتحاد الطلاب السياسية

ظل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم جهازا نقابيا يمثل جميع الطلاب بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية .. الطلاب يخوضون حملته الانتخابية كتنظيمات سياسية ولكنهم يتقدمون للترشيح لعضويته كأفراد أو طلاب فقط .. والاتحاد بالنسبة للاتجاه الإسلامى ولأى تنظيم يعنى الكثير خصوصا إذا كان في مستوى اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بتاريخه الناصع وسمعته الطيبة فهو الاتحاد الذي فجر ثورة أكتوبر 1964 والذي قاد ثورة شعبان 1973 والذي رفع المذكرات السافرة في معارضتها لنظام نميرى، وهو الجهاز النقابي الذي يتيح للتنظيم الذي يسيطر عليه مخاطبة كثير من الجهات خارج السودان وداخله، مما يترتب على ذلك علاقات مستقبلية طيبة بين تلك الجهات خارج السودان وداخله، مما يترتب على ذلك علاقات مستقبلية طيبة بين تلك الجهات والتنظيم المسيطر على الاتحاد.. كذلك إن للاتحاد ميزانيته المعتبرة وشخصيته الاعتبارية التي تجعله يؤثر في كثير من القرارات الجامعية التي تخدم خطه الفكري والسياسي.

وإذا كان الخطاب الفكري الذي يقدمه الاتجاه الإسلامى عبر أداة التنظيم في معظمه تأصيلا لقيم المجتمع ودعوة المجتمع ودعوة لجماهير الطلاب للالتفاف حول برنامجه للتغيير الإسلامى وفى جانبه الآخر ملاحقة للتنظيمات السياسية المناوئة كما أسلفنا .. فإن أداة الاتحاد كان خطابها خطابا سيايا في معظمه.. حيث برز الاهتمام بالثورات العالمية .. والمؤتمرات الخارجية .. والاهتمام بالمواسم الثقافية الفكرية .. كذلك على مستوى السياسية الداخلية لعب الاتحاد دورا مقدرا في انتقاد سياسة النظام المايوى فيما يتعلق بالمواقف الدولية فيما يهم أمر السياسة الخارجية .. لقد لعب الاتحاد في هذا المضمار دورا جعله يميز صفه فيما يهم أمر السياسة الخارجية .. لقد لعب الاتحاد في هذا المضمار دورا جعله يميز صفه عن صف النظام وجعله يقف موقف الناصح الأمين الذي لا يخشى في الحق لومة لائم .. سيما وأن الاتجاه الإسلامى قد سيطر على كل الاتحادات الممتدة من 77- 1985م عدا دورتين ، علاوة على سيطرته على كل الاتحادات – منذ 1969م.

وعندما جاءت المصالحة الوطنية في 7/7/1977 بين الجبهة الوطنية ونظام نميرى أصدر الاتحاد بيانا قويا بشأنها بتاريخ : 2/ 8/ 1977 م نقتطف منه الآتي :

" يا جماهير شعبنا الصابرة.. إن المصالحة أطلت من بين الوحل والدم وبدأت مشوراها وهى تتعثر على أكوام الظن والحقد والظلمات، كما أن ما تبشر به الحكومة من حرص على تنقية الأجواء وحسم الخلافات بينها وبين المعارضة يشكل خطا جديدا لا يفتقد إلا أن يكن جادا وقاصدا.. ويجدر أن نقرر هنا أن البداية الصحيحة لهذا الطريق أن تطلق حرية المواطنين في التعبير عن آراءهم وأن يكون ذلك مدخلا للحريات العامة ( ثم يمضى بيان الاتحاد حول المصالحة) ونحن في قيادة الحركة الطلابية نذكر الحكومة والمعارضة على السواء بأن الحركة الطلابية ثابتة عند مواقفها المبدئية المنحازة بلا تحفظ للمصلحة العامة ولعل مواقفنا الثابتة من سلطة مايو منذ مجيئها أكبر دليل على صدق ما قلناه وحتى هذه اللحظة ونحن نعانى من جراء ما اتخذته ضدنا الحكومة من قرارات قضت بحل اتحادنا وتشريد أعضائه وفرض أجواء غريبة على مؤسساتنا التعليمية ولكننا صدمنا لكل تلك الأعاصير ، ولن نلقى الراية حتى يسقط آخر فرد منا .. كما وأننا لن نتردد في دعم أى اتجاه من شأنه أن ينقذ بلادنا من التمزق الذي أصابها من جراء الحكومة والمعارضة .. إن الحركة الطلابية ظلت صخرة صلبة تحطمت عندها كل السياسات الرامية لتطويقها ولا نذيع سرا، إن قلنا الحركة الطلابية ى تعارض حبا في المعارضة ، ولكن تعارض رفضا للظلم والتسلط وأنا بهذا الصدد لعلى استعداد لأن نفتح صدورنا حتى للأيادي التي تلطخت بدماء الشهداء منا شريطة أن تكون في ذلك مصلحة البلاد وأن تتحقق به حرية الحركة الطلابية في التعبير عن رأيها دون إملاء من أحد .. ونؤكد أننا لسنا حريصين على الحرب إذا ما جنح من نحارب للسلم وهذا مبدأ نقرره ونلتزم به.

بالطبع هذا البيان لم يقصد به نظام نميرى في المقام الأول ولم تقصد به جماهير الشعب السوداني المعنون لها بالمقام الأول أيضا ، وإنما قصدت به القاعدة الطلابية بالجامعة حيث أراد البيان أن يؤسس أرضية صلبة وسط الطلاب لمقبولية مشروع المصالحة الوطنية الذي ستتناوله كل التنظيمات بالنقد والتجريح والتحليل ، وتحاول أن تخلق منه موضوعا لحصار الاتجاه الإسلامى، لذلك جاء البيان قويا يحمل عبارات الصمود والاستعلاء والاستعداد لتقديم الشهداء وأن الراية لن تسقط.. وما دام من نحارب قد جنح للسلم فعلينا فقها أن نجنح للسلم مقدمين مصلحة الوطن على ما عداه حتى لو أدى ذلك أن نصافح من تلطخت أياديهم بدماء شهدائنا.. ولعل البيان قد أشار إلى الآية الكريمة :" وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله"الأنفال .60. وذلك بقوله " هذا مبدأ نقرره ونلتزم به " وهذه الآية من المرتكزات الفكرية والنفسية لمقبولية المصالحة الوطنية ".

أما على مستوى السياسة الداخلية لنظام مايو فقد كانت الحركة الإسلامية تعلن آراءها في الأحداث السياسية والفساد والتجاوزات السياسية عبر الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم بأدواته المختلفة من اتحاد إلى صحف إلى بيانات حزبية ونقابية .. وقد لعب اتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورا هاما في ها المضمار عبر البيانات التي أصدرها وكانت معنونة إلى رئيس الجمهورية أو إلى جماهير العشب السوداني، وقد كانت تلك البيانات تحمل وجهة نظر الحركة الإسلامية فيما يستجد من أحداث .

والباحث هنا يستعرض الخطاب السياسي والفكري للاتجاه الإسلامى يورد طرفا من تلك البيانات .

مثلا : عند انعقاد المؤتمر الخامس عشر لمنظمة الوحدة الإفريقية بالخرطوم في يوليو 1978م أصدر الاتحاد خطابا موجها للسادة رؤساء وملوك الدول الإفريقية ابتدره بالتحية والترحاب بالضيوف الذين يجتمعون بالخرطوم في وقت له طابعه الخاص عالميا وإفريقيا ، ثم تحدث قائلا :

" إن اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وهو يضطلع بدور حيوي وهام في نطاق الحركة الطلابية والإفريقية والعربية والعالمية ، ويسهم بفعالية في الحياة السودانية سياسيا وثقافيا واجتماعيا ليدرك عظم المهام التي يمكن أن يقوم بها الطلاب من خلال مؤسساتهم إذا أتيحت لهم فرص للتعامل والانطلاق بحرية وأمان.

كما تحدث البيان داعيا الرؤساء إلى إفساح المجال أمام الحركات الطلابية وأن ترفع عنها الوصاية وتزال من أمامها كل عقبة كذلك أدان كل أنواع التفرقة العنصرية ودعا لإزالة الأنظمة العصرية ، كما دعا إلى الحوار بالكلمة بدلا من البندقية بين أبناء البلد الواحد كما دعا إلى إلغاء كافة صور القهر والإرهاب ضد الشعوب ودعا أيضا إلى توثيق أواصر حسن الجوار وعدم التدخل في شئون الغير .

والبيان يعتبر قمة في الوعي والنضج السياسي ويحمل مؤشرات سياسية خارجية لدولة بأكملها وكأنه صادر من وزارة الخارجية.

كذلك أصدر الاتحاد بيانا عن ما اسماه المسألة الاقتصادية الخانقة التي يصبر عليها الشعب السوداني هذه الأيام .

وتساءل بيان الاتحاد :

- إذا كانت الموارد قليلة فلماذا الأريحية في الصرف والجزالة في العطاء؟
- وإذا كان الخلل في السلطة التنفيذية فلماذا لا تغير ؟
- وإذا كان القصور في الرقابة الشعبية فأين المنظمات الجماهيرية والأمانة الفرعية التي تحظى بإعانة الدولة ورعايتها؟
- إذا كان الخلل في ميزان المدفوعات فأين هي التدابير الراشدة التي تعيد إلى الناس الطمأنينة والثقة؟

وتحدث بيان الاتحاد قائلا : "التقت اللجنة التنفيذية برئيس الجمهورية في 28 أغسطس باعتبار أن الطلاب هم البرلمان المفتوح الذي لا يوادد السلطة خشية ولا يعاديها تحرشا ودان النقاش خمس ساعات تناول فيها الاتحاد قضية الساعة وشرح فيها احتجاج الطلاب واحتجاج الشعب وآرائهم جميعا والتسيب الادارى والصرف البزخى والرقابة المفقودة والعملة المنخفضة وآثار كل ذلك على حياة المواطن الذي ظل يصبر ويستبشر وينتظر أمدا طويلا، كما تعرض الاتحاد لقضية أمن الدولة ولحرة المواطن وقضية التركيز الاقتصادي".

كذلك أصدر الاتحاد بيانا آخر موجها إلى جماهير الشعب السوداني تحدث فيه عن أزمة اقتصادية طاحنة تعيشها البلاد وعن المعاناة التي تعيشها الأمة ووصف البيان بعض المشاريع التي طرحتها الدولة لتحسين أحوال المواطنين ( التقويم الوظيفي) بأنها ذات دوافع سياسية يرمى النظام من ورائها لامتصاص غضب الشعب.

كما تحدث البيان عن الفساد السياسي والاقتصادي وتحدث عن أن هناك قروضا تستجلب لأغراض إنمائية ضخمة يتم تحويلها إلى استهلاكية ويذهب بعضها لتحقيق المطامع الشخصية من قبل السياسيين والإداريين مع غياب المحاسبة الصارمة وغياب الضمير الذي أصبح من أميز مميزات القائمين على أمر أجهزة الحكومة الاقتصادية .. كما هاجم البيان الصرف على الاحتفالات والكرنفالات والتنظيمات الوهمية.

ورغم مشاركة الحركة الإسلامية في نظام النميرى ضمن هذه المصالحة لكن الاتجاه الإسلامى ظل يميز صفه عن صف النظام بصورة جعلته لا يصدر بيانا أو وثيقة عن الوضع السياسي السوداني إلا وتكلم فيها عن الفساد السياسي وغياب الضمير وضرورة الإصلاح وعن صبر الجماهير وما حدثت أزمة من الأزمات إلا ومثل انحيازا فيها لقضايا الشعب أو الفئات المظلومة .

ويتضح ذلك عند إضراب القضاة الشهير في فبراير 1981 والذي بموجبه قاموا بتقديم استقالات جماعية قام النظام بقبولها.. هنا اصدر الاتحاد بيانا انحاز فيه للقضاة ولقضيتهم التي وصفها بأنها عادلة ، حيث جاء في بيان الاتحاد ظللنا نتابع باهتمام بالغ القضية المطلبية العادلة للقضاة السودانيين وتطوراتها اللاحقة التي أدت إلى استقالتهم وقبولها من مجلس القضاء العالي في اجتماعه المنعقد يوم 17/2/1981م " ويمضى المقال في فقرة أخرى ليقول : " نعلن بكل صراحة ووضوح تأييدنا المطلق لمجمل المطالب التي تقدم بها القضاة السودانيون للسيد رئيس الجمهورية ولرئيس القضاء ونؤكد على عدالتها ونزاهتها .

وكان قبل ذلك في أغسطس 1979 م أن أصدر الاتحاد بيانا موجها إلى رئيس الجمهورية يتحدث حول الأزمة السياسية والاقتصادية بالبلاد نقتطف منه " .. من هذا المنطلق كانت كل المذكرات التي رفعناها لكم والبيانات التي أصدرناها لجماهير شعبنا .. ونخاطبكم اليوم وقد بلغت الأوضاع السياسية في التنظيم السياسي ما وصفتم ووصلت الأحوال الاقتصادية حدا لا سبيل معه إلى حل جزئي أو معالجة موضوعية ، فقد سئم الناس شعارات ترفع ولا تنفذ والمفسدون من الإداريين والسياسيين يتحولون من موقع إلى آخر ناقلين جرثومة الفساد ملونين كل مرافئ الحياة العامة..

نخاطبكم اليوم محددين رأى اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في أوضاع البلاد دعوة لإصلاحها وتصحيحا لمسارها والذي لا يتأتى إلا بالآتي:

أولا: حل الاتحاد الاشتراكي والمسارعة بطرح صورة جديدة للوفاق الوطني.
ثانيا : التعبير الصريح والواضح عن دين هذه الأمة وقيمها.
ثالثا: إلغاء جميع التعديلات والقوانين الاستثنائية المقيدة للحريات.
رابعا : منح المزيد من السلطات للجهاز التنفيذي.
خامسا : إعادة النظر في وضعية مجلس الشعب وحقه في مراقبة الجهاز التنفيذي ومحاسبته.
سادسا : حل الجهاز التنفيذي والادارى ومحاسبة الفاسدين من الوزراء والإداريين .

كذلك تحدث البيان عن ضرورة حية قوانين الانتخابات حتى تكفل الفرص لكل المواطنين عن التدخل القبلي والحكومي.

كذلك كانت " مجلة الجامعة " التابعة للاتحاد إحدى الأدوات التي تعبر خلالها الحركة الإسلامية عن رأيها في سياسات النظام.. فقد كتب مكي على بلال أحد أعضاء الاتجاه الإسلامى البارزين بمجلة الجامعة مقالا بعنوان " أزمة نظام أم أزمة تنظيم " نقتطف منه " إن الاتحاد الاشتراكي قد عجز عن استمالة الشعب السوداني واستقطابه فكان لابد من استعمال إغراءات أخرى مادية كانت أو غيرها، فأصبح بذلك مكانا للنفعيين في اغلب الأحيان.

ولو أن الاتحاد الاشتراكي لتمكن من استقطاب الشعب إلى جانبه ومن تفجير خدماته في عمل ثوري بناء .

ذلك أن العمل في هذه الحالة يكون واجبا بل ومسئولية دينية يستشعر فيه الإنسان معاني العبادة.. وأزمة المنهج عند التنظيم السياسي؟

وأجيب على هذا السؤال وبكل بساطة بالنفي بل أن أزمة الديمقراطية قد وصلت حدا يصبح فيه إطلاق اسم التنظيم السياسي على الاتحاد الاشتراكي من باب المجار فالتنظيم السياسي لا يكون تنظيما إذا فقد السيادة .. والسيادة لا تعنى أن يكون رئيس التنظيم على رأس الدولة ولكنها تعنى نفاذ إرادة التنظيم على جميع أفراده بما في ذلك الرئيس، الأمر الذي لا وجود له داخل الاتحاد الاشتراكي فالقرار هو ما يرتضيه الرئيس.. ولو تناقض مع المواثيق.. وقاعدة التنظيم لا دور لها في الاعتراض أو المراجعة أو المحاسبة إلا بقدر ما يسمح به الرئيس وبالتالي لم يعد هنالك تنظيم يدور حوله أفراد.. بل فرد يدور حوله أفراد تحت مظلة التنظيم اقتصر دورهم على التبرير والمدح بمناسبة وبغير مناسبة..

وعند اندلاع مظاهرات 4 يناير1982 والتي تلتها مواجهة كبار الضباط بقيادة الفريق عبد الماجد حامد خليل وعدد من عمداء الجيش مما أدى إلى عزلهم.. في تلك المناسبة كتب محمد طه محمد أحمد في " مجلة الجامعة" مقالا بعنوان " المصالحة الوطنية لمصلحة من ؟" ونحن نستعرض خطاب الاتجاه الإسلامى في الفترة موضوع البحث نقتطف منه ".. إن السلطة قد تأكدت عزلتها الجماهيرية وإلا فأين قوى التحالف لتقف في وجه المخربين والمشاغبين ؟ أين الكتائب والطلائع واتحادات الشباب وتنظيمات النساء؟ أين الملايين التي غنى لها سيد خليفة بل أين سد خليفة نفسه.. فالثورة التي لا تحميها جماهيرها لا تستحق اسم الثورة..".

ويمضى المقال " من أراد أن يحقق الخير لشعبه عليه ألا ينفرد بصنع القرار وعليه ألا يصدق أغنية عبد العزيز داؤد ( نقولها نعم ليك يا القائد الملهم) .

فقد ولى الزمان الوحي والإلهام والحياة كلها تدار بالحوار الديمقراطي وحكم المؤسسات ( ويواصل المقال ) وللحقيقة فإننا نعايش أغرب جمهورية رئاسية تمر على التاريخ فقد نسى الناس برنامج الولاية الثانية وأفزعهم قول أمير المؤمنين الذي صرح في لقاء المكاشفة بأن الدستور يكفل له الحق في أن ينادى أى رجل بوليس ليطلق النار على أى سوداني ومن دون محاكمة.. فالنهج الإسلامى لماذا؟

والإجابة تأتى سريعة وقاسية " لكي يبطل النميرى قرار مجلس أم درمان بتحريم الخمور " وهذه هي القيادة الرشيدة التي تخالف دستورها الذي ينص صراحة بأن المحكمة العليا وحدها هي التي تفسر القوانين والدستور .. ويتحدث كذلك كاتب املال – وهو من أبرز صحفيي الاتجاه الإسلامى في الجامعة – عن أن القوانين الإسلامية لم تجز لأن من ضمنها قانون الثراء الحرام ثم يصف النظام بأنه قد ارتمى في أحضان الامبريالية فيقول " والنظام قد ارتمى بشدة في أحضان الامبريالية الأمريكية ولم يحقق الحياد في الخارج فالنميرى يسير في ركب العم ريغان ، وهذا واضح في خطته وخطواته فقد بارك كامب ديفيد وحالف السادات وشيعه إلى القبر وتحرش بليبيا ووقف ضد الثورة الإسلامية في إيران بلا مبررات وصرح النميرى لمجلة الحوادث قائلا " ما يجرى في إيران لا علاقة له بالإسلام" وأكثر من هذا فإن الرئيس قد قال في المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي : أنه لا يسمح بخمينيات في السودان وهو بهذا يحذر الإخوان.." .

والباحث يرى أن مثل هذه المقالات الساخنة والحادة في هجومها وانتقادها للنظام ولرئيس النظام بصورة لم يجرؤ عليها حتى المعارضين للنظام.. هذه المقالات كانت تقوى من مواقف الاتجاه الإسلامى السياسية وكانت تؤكد صدق شعاراته في الصدع بالحق كما كانت تشير إلى أن النظام والحركة الإسلامية ليسو على وفاق ووئام وإنما كل منهم يغتنم الفرصة لتحقيق أغراضه حتى تحين ساعة المفاصلة.

وحقيقة تلك المقالات تجعل قادة الحركة الإسلامية المشاركين في السلطة في حرج شديد إذ يغتنم التيار المعارض للمصالحة الوطنية داخل النظام مثل هذه المقالات ويذهب بها إلى رئيس النظام ليؤكد له نفاق الإخوان المسلمين وعدم صدقهم في مسألة المصالحة الوطنية وأنهم كالسوس ينخرون من داخل النظام.

كان قادة الحركة الإسلامية في النظام يردون بأن هؤلاء شباب وطلاب ولهم انفعالاتهم الشبابية ولهم ظروفهم المحيطة بهم وأي ضغط عليهم سوف يدفعهم لمزيد من التطرف .. كذلك نجد أن التنظيمات السياسية داخل الجامعة لم تكن تعجبها مثل تلك المقالات لأنها تأتى على خلاف ما كانت تصف به الاتجاه الإسلامى مثل " إخوان مايو" و" إخوان السلطة" و" وفرع الاتحاد الاشتراكي المسمى بالاتجاه الإسلامى" كان الجمهوريون من أكثر الساعين بالوقيعة بين النظام المايوى والحركة الإسلامية وكانوا يصدرون الكتب التي تعلق على مثل هذه المقالات ، وكانوا يتحدثون فيها عن أن الإخوان المسلمين يعلبون على الحبلين ( حبل المشاركة وحبل المعارضة) .. وكانوا يحذرون النظام من مكر وغدر الإخوان المسلمين .. وكان الرئيس نميرى يستجيب لمثل تلك الانتقادات بالرد غير المباشر في خطاباته التي يتحدث فيها عن المتاجرين بالدين وإخوان الشياطين ..

وعلى ذات نهج انتقاد النظام السياسي نجد أن عددا آخر من مجلة الجامعة يحمل مقلا للدكتور للطيب زين العابدين بعنوان "حول التنظيم السياسي" نقتطف منه : " هل أدى الاتحاد الاشتراكي السوداني الدور المناط به في النظام الأساسي ؟

  • هل كان فعالا فى قيادة العمل الوطني وفى وضع السياسات والخطط والبرامج ؟
  • هل تصدى للدفاع عن مصالح الجماهير وقام بدوره في الأشراف والمراقبة على أداء الجهاز التنفيذي باسم الشعب؟

الإجابة في تقديري أنه لم يؤد هذا الدور وقصر عنه قصورا شنيعا".

ويمضى كاتب المقال في مكان آخر " إنني أشعر بحيرة حقيقية حين أسمع أن أربعة ملايين شخص ينضوون تحت عضوية الاتحاد الاشتراكي وأن آلافا من المتفرغين السياسيين في طول السودان وعرضه يعملون لحسابه، وأن ميزانية ضخمة ترصد له 3,5 مليون جنيه في العام المالي 79/80 ولا أجد لكل ذلك أثر يذكر في حياتنا السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية".

ويرى الباحث أنه عندما يكون الكاتب هو شخص في مقام الطيب زين العابدين فإن الرأي هنا لا يكون رأى الحركة الإسلامية الطلابية، وإنما هو في غالبه الأعم رأى الحركة الإسلامية الأم.

وهذا في حد ذاته يخدم التنظيم السياسي داخل الجامعة ويعكس أن عملية انتقاد النظام الحاكم ليست قاصرة على قادة الاتجاه الإسلامى من الطلاب وإنما تصدر أيضا من قياديين أمثال كاتب المقال المشار إليه.

أيضا من البيانات والخطابات التي تنتقد السياسة الداخلية لنظام مايو الخطاب الذي وجهه اتحاد طلاب جامعة الخرطوم إلى رئيس الجمهورية الذي تحدث فيه عن العجلة في اتخاذ القرارات والفساد السياسي المعلوم .

نقتطف منه ما يلي:

" .. لقد أصبحت القرارات المتعجلة والسريعة الفشل سمة ظاهرة وقانونا ثابتا يحكم حياتنا اليوم وليس من متضرر ولا منكوب إلا البسطاء والفقراء من أبناء هذا الشعب، با لصبحت مشاريع الرخاء والنعيم وقوائم المنجزات الوهمية مجالا تمرح فيه وسائل الإعلام للاستهلاك السياسي في مجتمع جائع بائس.."( ويمضى الخطاب) :" إذا كانت العجلة في اتخاذ القرارات وعدم التخطيط سمة رئيسية في سياساتنا فإن الفساد السياسي والادارى في هذه البلاد واضح وجلي ..".

الموقف من اتفاقية كامب ديفيد

كانت الحركة السلامية تنظر لاتفاقية كامب ديفيد بأنها " خيانة" للأمة الإسلامية والعربية وبيع للقضية الفلسطينية وتفرقة للصف العربي والإسلامى لذلك كانت تعارضها وقد تجلى ذلك عبر بيانات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم إلى الشعب السوداني وإلى طلاب الجامعة، وخطاب الاتحاد إلى رئيس الجمهورية .. ففي صبيحة يوم 20 يناير 1979 م ذلك اليوم الذي وصل فيه الرئيس أنور السادات إلى الخرطوم حيث ينعقد مجلس شعب وادي النيل ، في هذا اليوم أصدر اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بيانا بعنوان :" لا مرحبا بك يا سادات".

نقتطف منه :" يصل إلى السودان هذا اليوم السادات وينعقد ما يسمى بمجلس شعب وادي النيل تحت عمل إعلامي كثيف من التكامل بين مصر والسودان، ونحن في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم لنا موقف ثابت منكل هذا سبق أن بيناه ولا يزال .. إننا نرفض زيارة السادات للسودان ونقول لا مرحبا يا سادات فأنت دكتاتور كمم أفواه شعبه وساقه قهرا وظلما.. ولم يسلم من كبتك حتى أعضاء مجلس الشعب فلاحقتهم فصلا وطردا وحرمانا .. وأنت حرب على الإسلام والمسلمين تتاجر بالدين وتتظاهر به بينما تتعبد لأعداء الله وأنت مثبط لهمة أمتك وخائن إذ تسلبها قولا وعملا المقدرة على تقرير مصيرها عندما تعلن أن 99% من حل القضية العربية بيد أمريكا..

وأنت غيظ للشعوب المؤمنة المجاهدة باحتضانك وتأييدك لكل حاكم دكتاتور يرفضه شعبه ويثور عليه .. وأنت الفريد الوحيد الذي جاء بالعجب وألغى عن وجهه برقع الحياء بعيدا وراح يعانق " بيغن" و" دايان" ويتقاسم الجوائز مع اليهود، بينما شعبنا العربي المسلم كله يصرخ .. أن أفق إلى نفسك يا سادات.. وتصر وتغلق أبواب مصر أمام الفلسطينيين المجاهدين لتفتحها لليهود.. لهذا نرفض زيارة السادات للسودان ونرفض تكاملا مع نظام يرى أنه يمكن أن يقوم بدور المروض للشعوب الثائرة، ونرفض تكاملا يقوم على أن " النيل يربط بيننا " فهذه وثنية جاهلية .. ونرفض مجلسا للشعب يصفق ويرقص للدكتاتور ويلبى رغباته في سن القوانين المقيدة للحريات وطرد أعضائه إذا رفضوا السير في ركب النفاق والتهريج.." .

وفى فبراير 1980م أصدر الاتحاد بيانا إلى جماهير الشعب السوداني حول " تطبيع العلاقات مع إسرائيل " نقتطف منه :

" أخيرا ارتفع العلم الاسرائيلى فوق سماء القاهرة وتسرب الغزاة ومصاصو الدماء في دول الكنانة الحزينة فما بكت المآذن وما ارتجف الأزهر.. وقال الشيخ الأجير : إن جنحوا للسلم فاجنح لها فصارت إستراتيجية ..."منه ".. إن علاقة السودان ومصر مهما كانت مصيرية وأزلية فإنها تصبح أوهن من خيط العنكبوت إذا كانت ستربطنا بطريق مباشر أو غير مباشر مع إسرائيل .. من هذا تجيء مطالبنا بأن تتخذ حكومة السودان من الإجراءات والخطوات ما يحفظ لها انتماءها الإسلامى العربي وأن تعلن براءتها عن كل ما يؤدى لتمزق الصف العربي وانقسامه..كما وجه الاتحاد خطابا لأعضاء مجلس الشعب لإدانة كامب ديفيد وإدانة مصر وتحديد موقف منها لخروجها عن الإجماع العربي.

ويرى الباحث أن مثل تلك الخطابات والبيانات والمقالات الصحفية تمثل قمة المعارضة لسياسات مايو، علاوة على النقد الذي كان يوجه للنظام في أركان النقاش وفى الليالي السياسية والندوات الفكرية .. كان ذلك عاملا مؤثرا في نمو وتمدد وتطور الاتجاه الإسلامى الايجابي إذ أن هذا الأسلوب الساخن في مخاطبة رئيس الجمهورية هو أسلوب قيادات ما قبل المصالحة والتي أتت وخرجت من السجون بعد صدور قانون العفو العام، الذي أصدره الرئيس نميرى.

جاءت هذه القيادات – كما ذكرنا سلفا- مشبعة بإيمانيات عالية وبغبن تاريخي على نظام نميرى.

نخبة ممتازة من قياديي وصحفيي الاتجاه الإسلامى

لم تؤمن قيادات الاتجاه الإسلامى في يوم من الأيام أن ما هم فيه هو مصالحة إنما هي مهادنة بين طرفين لم ينكسر أحداهما للآخر.. هذه القيادات بصماتها كانت ظاهرة في أسلوب التخاطب السياسي.. كان ابن عمر محمد أحمد – أحد أبرز خطباء الاتجاه الإسلامى- يوجه الحديث من أعلى منبر الاتجاه الإسلامى بالجامعة إلى قيادة الاتحاد للاشتراكي الذين يهاجمون الاتجاه الإسلامى ويقول لهم" بإمكاننا أن نرسل لكم فتية من فتيان الاتجاه الإسلامى ليؤدبونكم فردا فردا" .. وكانت القيادات الجديدة التي دخلت الجامعة بعد فترة المصالحة الوطنية تنظر بإعجاب وبفخر لتلك القيادات المتمثلة في : التجانى عبد القادر حامدابن عمر محمد أحمد- المعتصم عبد الرحيم الحسنسيد الخطيب- محمد طه محمد أحمدمحمد محيى الدين الجميعابى- أمين بناني- داؤد بولاد- سيد أحمد الحسن- محمد عبد الرحمن مختار عجول- عبد الحليم عبد الله الترابي- عبيد ختم وآخرون.

وقد أدى ذلك إلى أن تتصل التجربة القيادية بين جيل ما قبل المصالحة وجيل ما بعد المصالحة في تواصل وتدريب وتأهيل ممتاز ، أدى إلى حفظ الموازنة والمعادلة السياسية حتى نهاية المصالحة الوطنية .

كان من أبرز جيل ما بعد المصالحة الوطنية في قيادات الاتجاه الإسلامى بالجامعة.. خالد حسن إبراهيم- ميرغنى أبكر الطيب- زيدان عبده زيدان- سيف الدين عمر- عمر محمد عبد الرحمن- خالد التجانى النور- معتصم عوض محمد الأمين ، هذا على مستوى العمل السياسي المعلن.

وعلى المستوى الصحفي بكداش أحمد المصطفيآدم سعد جبارة- إبراهيم محمد عليحمد على أحمدالوليد محمد أحمد دقنه- ناجى شريف بابكر- العبيد أحمد مروح- نجم الدين محمد الأمين ( أشتات) .

كما كان من أبرز قادة العمل الداخلي في تلك الفترة محمد المجذوب محمد الأمينسراج الدين عبد الغفار عمر- عبد الإله حسن كوكو- عبد العلى أحمد البشير- صلاح أحمد عليأحمد مختارأسامة عبد اللهطارق محجوب وآخرون .

وهؤلاء جميعا تفرقت بهم السبل ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. وفى كلية التربية جامعة الخرطوم- التي كان الإسلاميون يطلقون عليها اسم " البقعة المباركة" _كان هنالك جيل متفرد توارث التميز والتفاني والإخلاص جيل بعد جيل أذكر منهم صديق فضل الله منصور- هاشم بشير خالد- عبد العظيم صديق الجعلي- محمد على الخضر- عمران التيجاني- حسن مبرك- على محمد علي- عز الدين ميرغنى عثمان- الشهيد العميد/ سليمان محمد بشارةالناجي أحمد محمدعثمان إبراهيم آدم- الشهيد / موسى على سليمان- الوليد محمد أحمد دقنة- يوسف محمد أحمداللازم الطيب أحمدعبد الباقي أحمد عيساوي- عثمان الأمين وتمتد هذه السلسلة الذهبية حتى تصل إلى فتية خلص ومجاهدين أذكر منهم عبد الرحمن عبد الله علي ( حرقة) وعمار محمد عثمان أربابقريب الله خضر عليحيدر عثمان أحمدعبد القادر حسان- أحمد المصطفى ميرغني ( التميراب) – بشير محمد بشير- أنور محمد عمارة- الصادق آدم( عكاز الدين)- صديق يوسف هجو ( المشهور بصديق هجوم)- إدري أزرق الشهير بالإسلامبولىحب الدين يحي أبكر ، وغيرهم من رجال المعلومات أمثال عبد الرحمن عبد الكريم الشهير بحجر الطير – يعقوب سليمان ومحجوب سعيد- محمد أحمد حسن وآخرون يعلمهم الله .

وكان من أبرز عضوات الاتجاه الإسلامى في فترة بعد المصالحة ، هند مأمون بحيرىزينب عثمان سعيد- إلهام يس حاكم- مروة عثمان جكونفتحية شبو- رقية يحييشريفة مختار- بدرية الباقر ميرغني- علوية محجوب النصري- نجوى سعيد الخليفةكوثر التني- طاهرة عبد القادر وأخريات.. كان المؤلف واحدا من هذه السماء التي تأثرت بقيادات ما قبل المصالحة وعملت معها في معظم الأجهوة التنظيمية والنقابية.. كما ظل المؤلف متحدثا ومشاركا في كل ندوات الاتجاه الإسلامى السياسية وأركان نقاشه الممتدة من 81- 1985م .

ويذكر المؤلف أن الاتحاد عندما كان بصدد إصدار بيان إلى جماهير الشعب السوداني منتقدا فيه سياسات النظام، كنا وآخرون نحمل هذه البيانات بعربة الاتحاد لتوزيعها في محطات المواصلات والأسواق والأماكن العامة على الجماهير، وكان كثير من الطلاب الذين يقومون بمثل هذه الأعمال يتعرضون لاعتقال رجال الأمن .. ولكنه اعتقال لا يتعدى اليوم أو الساعات وكان ذلك يشيع في الفرد روح المغامرة والتحدي والمواجهة التي تعتبر عوامل مهمة لصنع قيادات جديدة.

أثر الثورة الإسلامية فى إيران

الثورة الإسلامية التي فجرت في إيران في فبراير عام 1979م كانت تعنى الكثير للحركة الإسلامية بالسودان وكانت تمثل تجديدا لدين الله في الأرض، سيما أن الحركة الإسلامية ظلت تبشر ببرنامج التجديد، وأن هنالك من يأتى ليجدد للأمة أمر دينها ونذكر هنا ما أورده الشيخ حسن الترابي " إن الدين ينهض به جيل أو قرن من الناس هم الذين يجاهدون ويكابدون لتأسيسه ثم يأتى قوم من بعدهم يتكلون على سالفة ذلك الجهاد ويتراخون حتى يتغير أمر الدين وفكره وتتضاءل مظاهره الحية ويتجه المجتمع الديني كله للانحطاط ، إلى أن يقيض الله له تجديدا وتعميرا على يد جيل جديد .. وتدور دورات التجميد والتجديد والانحطاط والانتهاض، فالعصر الذهبي للإسلام ليس هو عصر بالأمس مضى إلى غير رجعة .

صحيح أن في عهد الرسول (ص) وخلفائه الراشدين وفى بعض عصور السلف الصالح صورا مثالية نعتبر بها ونقيس عليها ولكنها ليست زهرة الدين التي تذبل من بعد إلى ألأبد .." .

لقد كانت ثورة الإمام الخميني في إيران من أهم عوامل الدفع والتطلع للحركة الإسلامية لقيادة الحياة السياسية في السودان.. وكانت ثورة الخميني تجرى في عروق شباب وشيوخ الحركة الإسلامية في السودان.

لذلك سبقت الحركة الإسلامية السودانية إلى تأييد الثورة الإسلامية منذ حلول آية الله الخميني في باريس حيث تتالت وفود المساندة الإسلامية السودانية في نوفل لوشاتو بقيادة أمين العلاقات الخارجية للحركة الإسلامية الدكتور تجانى أبو جديري وعثمان خالد. امتدت تلك اللقاءات من فرنسا وانتهاء بطهران ومدينة قم.

كذلك أبدت الاتحادات الطلابية التي يسيطر عليها الإسلاميون دعمها ومباركتها للثورة وسيرت المظاهرات ورفعت المذكرات واستطاعت الحركة الإسلامية السودانية أن تخلق موجة تعاطف عامة وسط الشعب السوداني للثورة الإسلامية في إيران، كما أصبح الخميني مثلا وقدوة معاصرة للشباب السوداني المسلم.. كما أصدر اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الخطابات والبيانات والرسائل في مؤازرة الثورة الإسلامية في إيران.

وهاجم الشعب أو الحكومة السوداني إزاء صمتها تجاه ثورة الجماهير المسلمة في إيران مما حدا بالحكومة إلى إصدار خطابات تأييد ومؤازرة تراجع عنها النميرى لاحقا خوفا من نقل التجربة إلى السودان، وأعلن في الصحف اليومية أنه لن يسمح بتكرار تجربة الخميني في السودان ولا يريد خمينيات في السودان.

وقد رد عليه خطيب الاتجاه الإسلامى وقتها ابن عمر أحمد في إحدى ندوات الاتجاه الإسلامى " أن الخميني إذا جاء لا يستأذن أحدا".

وهنا نستعرض بعضا من خطاب الحركة الإسلامية من خلال الاتحاد في شأن الثورة الإسلامية في إيران.. ونستعرض ما ذكرته وحدة إعلام الاتحاد عبر نشرتها " أقام الاتحاد يوم السبت 10/ 2/ 1979م ندوة هامة تناولت الأوضاع في إيران والهزة العنيفة التي تركت آثارها على العالم أجمع.. هذا وقد أبدت بعض وكالات الأنباء والإذاعات العالمية الخارجية اهتماما بالغا بالندوة وتناقلت بعض مقتطفات من خطاب التجانى عبد القادر وللأخ ابن عمر محمد أحمد وسيد الخطيب والأخ عثمان خالد .."

وتحت عنوان الطلاب في كل مكان ذكرت النشرة" كان يوم الأحد 11/ 2/ 1979م يوما مشهودا من أيام جامعة الخرطوم إذ بدا الناس يتدفقون عليها منكل حدب وصوب منذ الثامنة صباحا، وكانت الأغلبية الساحقة من هؤلاء طلابا وإن اختلفت أعمارهم وتباينت معاهدهم وتمايزت تخصصاتهم واتجاهاتهم الدراسية ونذكر منهم طلاب جامعة أم درمان السلامية ، ومعهد الكليات التكنولوجية ، جامعة القاهرة فرع الخرطوم والمدارس الثانوية العليا بالعاصمة المثلثة .. وماجت أرجاء الجامعة وأصبحت هناك حركة دائبة في كل أرجائها ولما ضاقت بهم ممراتها بدأوا يتجمعون في الميدان الشرقي حيث نادى فيهم ابن عمر محمد أحمد عضو المجلس الأربعينى أن سيروا إلى مقهى النشاط حيث يوجد الأخ/ المعتصم عبد الرحيم رئيس الاتحاد الذي سيلقى كلمة للمتظاهرين تتجه بعدها المسيرة إلى قلب العاصمة.

وتدافع السيل إلى النشاط بمختلف الممرات داخل الجامعة.. وبعضهم سلك شارع الجامعة وتجمعوا في النشاط حيث التقى بهم الأخ المعتصم عبد الرحيم الحسن رئيس الاتحاد وتحدث حديثا صافيا صفق له الناس تصفيقا اهتزت له جنبات الجامعة..

ثم خرجت إلى شارع الجامعة أضخم مظاهرة في تاريخ الخرطوم وتدافعت إلى الأمام وجنبات الشارع تعتز من دوى هتافها .. وقد كانت شعارات تلك المسيرة هي :

الله أكبر لا إله إلا الله ولا ولاء لغير الله – القرآن دستور الأمة.
يا خمينى رفع الراية .. أنت الشعلة أنت بداية.
إيران إيران في كل مكان.
شعب مسلم يهتف باسمك يا إيران.
منحازون للإسلام.. لا حياد إزاء الثورة.
موقف فاصل يا حكومة – موقف واضح يا حكومة .
مصير الشاه مصير الطغاة.
خائن خائن يا سادات.
الاسم يا حكام.
عميل مأجور يا شهبور.

كما أرسل الاتحاد رسالة إلى الإمام الخميني وصفت أنصار الثورة في إيران بأنهم جند الله الذين هبوا وما هانوا وما استكانوا ، ووصفت الشعب الإيرانى بأنه تصدى لمهمة أقل ما توصف أنها تضخ الروح في جسد العالم الإسلامى الذي تخدر واسترخى زمانا طويلا ثم وصفت الرسالة ثورة الإمام الخميني بأنها ثورة العصر والأصل والنصر التي جعلت بعون الله الكبار صغارا والذين كانوا صغارا كبارا.. ثم وصفت الرسالة بقولها: " الأخ الأمام نؤيد كل خطواتكم المباركة وننتظر قيام جمهوريتكم الإسلامية ونؤيد حكومتكم المؤقتة ونطالب كل حكومات العالم الإسلامى ومنظماته الوقوف معكم اتساقا مع مواقف الجماهير المسلمة والنصر لكم وعاش الشعب الإيرانى المجاهد والخزي والخسران لأعدائه أعداء الإسلام".

كانت الحركة الإسلامية ترى في حركة وثورة الإمام الخميني أشعاعا لنور الثورة الإسلامية التي يجب أن لا ينطفئ ، وترى فيها بعثا للإسلام من مقبرة التقاليد والجمود وترى فيها نهاية لروح اليأس والقنوط والاستسلام الذي أرخى سدوله في ربوع الأمة الإسلامية .. لذلك خلقت من مناسبة الثورة فرصة لتعبئة الشباب المسلم تجاه الالتزام الثوري والجهادي بصورة أخافت الحركة الإسلامية نفسها مؤخرا من أن يفلت زمام أمر الشباب الثائر والمناصر وأعضاء الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم.. فكانت صورة الإمام الخميني تملأ كل حجرات أعضاء الاتجاه الإسلامى وصور قيادات الثورة أمثال محمد على رجائي وآية الله محمد بهشتي وآية الله حسين على منتظري ومفكر الثورة الإيرانية الشهيد الدكتور/ على شريعتي وكانت خطب ومقولات الإمام الخميني يحفظها الشباب ويرددها.

كما كانت حجرات شيوخ الاتجاه الإسلامى بداخلية البركس بجامعة الخرطوم يطلق عليها اسم " قم مدينة الآيات" وكان يسكنها الشيخ عبيد ختم بدوي ، والشيخ محمد كبير عز الدين وآخرون من قيادات الاتجاه الإسلامى وحفظة القرآن .. كما كانت السفارة الايراينة التي تقع على شارع البلدية بالقرب من الجامعة امتدادا لمسجد الجامعة إذ يسجل أعضاء الاتجاه الإسلامى حضورا كبيرا هناك لتناول مطبوعات الثورة ورسائلها أمثال مجلة الشهيد والمحجبة- وصحيفة كيهان وكتب الإمام الخميني أمثال " الحكومة الإسلامية " وغيره..

كذلك ظهر في الجامعة وسط أعضاء الاتجاه الإسلامى ما عرف بخط الإمام وكان من قادته أمين بناني وأمين عباس وصلاح على محمد الأمين وإبراهيم كرتي، وكان المؤلف واحدا منهم .. وقد خشيت الحركة الإسلامية أن يتطور ذلك الخط بصورة تهدد وحدة وتجانس التنظيم خصوصا عندما تمت الدعوة إلى بلورة خط الإمام فيما عرف " بجمعية العمل الرسالة" عندها تدخلت قيادة التنظيم بمنع تكوين الجمعية وحاولت تخفيف هذا الولاء والحماس.

كذلك اعتبرت الحركة الإسلامية ثورة الإمام الخميني بمثابة رسالة لحكام المسلمين الذين يضطهدون الحركات الإسلامية ويشايعون حكام الغرب.. أرادت أن تذكرهم بمصير الشاه الذي لم تحمه ترسانة الأسلحة التي يمتلكها ولا أجهزة الأمن والاستخبارات التي كانت تحيط به ولا الحماية الأمريكية والدعم الذي كان وفره له الغرب.. لذلك أرادت الحركة الإسلامية عبر الاتجاه الإسلامى أن تجعل من الثورة الإسلامية في إيران مناسبة حية فأرسلت الوفود الطلابية إلى إيران- ابن عمر محمد أحمدمحمد عبد الرحمن مختار عجول- الذين قابلوا الإمام الخميني وعادوا وهم أكثر حماسا للثورة وتأييدها.. وهنا نورد البيان الذي أصدره الاتحاد قبل خروج مسيرة التأييد التي أخرجها الاتحاد:

" لقد ظل اتحادكم يتابع عن قرب وباهتمام تظاهرات الثورة الايراينة وينتظر الفرصة التي يعبر فيه عن تضامنه المطلق مع هذه الثورة وتأييده لها ولا سيما وأن كل المنابر الرسمية وغير الرسمية في البلاد التزمن الصمت المطبق حيال الأحداث المجيدة التي يكتبها مسلمو إيران بدمائهم وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب.. ونحن نبدأ أولا بإدانة هذا الصمت المريب غير المبرر فما هي مصلحة الشعب السوداني في بقاء نظام الشاه حتى يتساءل المتسائلون عن بديل إذا ما ذهب؟

أم ترى لابد أن يبدل النظام المصري موقفه ويؤيد مرغما ثورة الجماهير الإيرانية لكي نلحق نحن به بعد ذلك؟

إننا نعبر عن دعمنا المطلق وتأييدنا الكامل للثورة الايراينة التي يتزعمها المجاهد الخميني وندين كل المحاولات اليائسة لقطع الطريق على هذه الثورة ، ونتهم كل موقف حياد كاذب تجاه هذه الثورة ، وليس هنالك من خيار أمام كل الشرفاء غير التضامن مع هذه الثورة الجبارة".

ثم أرسل الاتحاد رسالة إلى الإمام الخميني جاء فيها " حركتكم الرائدة لا تقف بنا عند حدود المشاركة العاطفية فحسب بل هي إعلان رسمي ببداية عهد الثورة الإسلامية في كل مكان.. صوتنا الداوي بتأييدكم ومساندتكم هو الصوت الحقيقي للجماهير السودانية .. نحن واثقون أنكم بنفس الحكمة والصلابة اللتين استطعته مبهما أن تطردوا الشاه سوف تواصلون مسيرتكم حتى تقوم الجمهورية الإسلامية التي هي أمل كل المسلمين في العالم والتي تقدم إسهاما إلى حضارة الإنسان هي أحوج ما تكون إليه .. أيدكم الله بنصر من عنده وتقبل الشهداء منكم وثبت من ينتظر" .

وتكتب افتتاحية مجلة الجامعة عما يجيش بدواخل أعضاء الاتجاه الإسلامى تجاه ثورة الخميني ومدى الأمل الذي بعثته فيهم.. ويبدو أسلوب سيف الدين عمر ظاهرا في المقدمة التي تقول " ليس حدثا عابرا هذا الذي شهدته إيران أخيرا.. إن قيام جمهورية اسمية ليس نكتة يا فتى.. بل هو أمر له ما بعده بلا ريب.. ولكن ما زلنا مأخوذين ومبهورين ومستغربين فيما كان قبله .. فالواقع أن هذه الجمهورية لم تقم إثر مفاوضات سياسية مطولة ، ولا أقيم حفل باسم صارخ رفع فيه علمها تلقائيا على تراب إيران.. والمذهل الجديد في كل ذلك أن الذين قاموا بكل هذه الأعمال كانوا يؤدونها ثم يموتون .. هذا الموت بعث حياة صاخبة في رقعة جغرافية مديدة اسمها الرسمي الوطن الإسلامى.

إننا مهتمون بما حدث قبل إعلان الجمهورية الإسلامية في إيران لأنه كان " ثورة " ..ثورة حقيقية هذه المرة لا تمنيا ولا تحليلا وثورة لا يخلع عليها هذا الاسم جهاز إعلام أو وريقات دستور بل تكتب اسمها على جبينها بالدم المهراق.. ثورة شعبية لا يمارى في ذلك إلا حاكمان على بلدين إسلاميين وأرجوز رئيس على بلد مسلم إفريقي.. ثورة إسلامية أكرر والعزة تملؤني " إسلامية " لأول مرة في قرننا نعيش .. وهذا هو الذي يحيى الأفئدة .. هذه أيها القراء أمجد وأنبل حقيقة في عصرنا الحديث.. عصرنا الغاضب الثائر المؤمن بالقوة لحد العمى.. اليوم حق لعالم إسلامي نام في عهد أتاتورك أن يصحو على دوى الحياة المؤمنة المعاصرة في إيران ( وحق للمؤمنين أن يفرحوا بنصر الله ) وأن يدفعهم هذا الفرح إلى التأسي .

ولما كان موقف حكومة النمير سالبا من ثورة الإمام الخميني كذلك المؤسسات الدستورية في البلاد، أرادت الحركة الإسلامية أن تستصدر بيانا مؤيدا للثورة من أجهزة الحكم، لذلك وجه الاتحاد خطابا لرئيس وأعضاء مجلس الشعب جاء فيه " إن كنتم تمثلون الأمة حقا ،فإن الأمة ليست ببطاقات اقتراع تتذكرونها عند الاحتياج إليها.. إن للأمة طموحات وعقيدة وروابط بعالم لا يزال يعانى من تجبر العملاء وقهر الطواغيت .. وإن كنتم قد دخلتم هذا المجلس بعد اتساع الحريات وباسمها فإن الحرية الآن تجد لها طعما ولونا وبعدا جديدا بثورة الثورات.. ثورة الشعب الإيرانى المسلم.. وبما أننا قد استمعنا إلى موافقتكم المؤازرة للكثير من حركات التحرر وقد ساءنا أن لا يكون لكم موقف منحاز لهذه الثورة التي جعلت من بين أهدافها حرية فلسطين وبما خطته من نهج ثوري جديد تسهم في تحرير الشعوب المسلمة من آخر أشكال الاستعمار.. وأنه لمن المؤسف حقا أن تتزلزل الكيانات السياسية ويعاد رسم خرائط العالم وترتبط وجداناتها بهذه الثورة المتفردة وأنتم لا تولون لهذا الأمر اهتمام وكأن السودان جزيرة معزولة عن العالم.. قولوا كلمة الحق و عبروا عن وجدان شعبكم واحذروا غضب الله وغضب الشعب السوداني.

كما أسلفنا فإن الثورة الإسلامية في إيران تعنى الكثير الكثير للحركة الإسلامية في السودان بل وكانت الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامى ترشح السودان ليكون الثاني في مجال الثورة الإسلامية التي تصل إلى سدة الحكم .. لذلك اغتنم قادة الحركة الإسلامية أجواء ثورة الإمام الخميني في تعبئة عضوية الحركة بروح الثورة والتطلع والاستعداد للقيام بذات الدور كما سعت لبث روح الثورة وإمكانية التغيير الإسلامى الثوري في السودان وكان ذلك ظاهرا في الشعارات التي كان يرددها متظاهروا الحركة الإسلامية في شوارع الخرطوم مثل :

  • يا خمينى رفعت الراية ..
  • أنت الشعلة أنت بداية .
  • مصير الطغاة مصير الشاه.

رسائل الإسلاميين إلى رؤساء وملوك العالم

لم تكتف الحركة الإسلامية عبر اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بالتأييد الداخلي للثورة الإسلامية في إيران وبدفع مؤسسات الدولة للمساندة والتأييد كما أسلفنا، بل خطت خطوة أبعد من ذلك عندما دبج اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الخطابات إلى رؤساء العالم الذين ناهضوا الثورة ، كما أرسلت الخطابات لملوك وحكام العالم تدعوهم فيها لمناصرة الثورة ، ونستعرض هنا ما أرسل من الخطابات في هذا الشأن ونبدأ بخطاب اتحاد طلاب جامعة الخرطوم إلى الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الذي كان رئيسا لأمريكا إبان قيام الثورة والذي جاء فيه : " لقد ظلت أمريكا تبرز وجها لعالم حر لدولة كبرى تظهر حرصا على حقوق الإنسان وفوجئنا بحكومتكم تزيل هذه المساحيق بصورة مذعورة عن وجه معاد للشعوب ولمعتقداتها وثقافاتها وجذورها الحضارية ، يلم يعد ممكنا أن نصدق أن لدولتكم الكبرى دورا أخلاقيا في العالم وموقفا ثابتا من قضايا الحرية.. كان هذا واضحا وبجلاء في موقفكم من ثورة الشعب الإيرانى المسلم وهى تبدأ عهدا جديدا في سياسات العالم وبأجمعه إن شاء الله – ونؤكد أن المارد المسلم وهو يتنفس سيكرر معجزات إيران في كل بقعة من بقاع المسلمين وعليه فلن يكون من مصلحة أحد أن يعلن عداء لحركة البعث الإسلامى ، ولا حرصا على دمى تخون شعبها وتقهره وتكون كلابا أمينة على مصالح الاستعمار.. ونحن على ثقة يا سيادة الرئيس من أن الشعب الأمريكي لا يمكن أن ينخدع مرة أخرى فيكرر خطأ فيتنام الفادح.. ولا مصلحة لكم في معاداة الشعوب ولا معتقداتها وثقافاتها وأنتم تعلنون تدينا كان سببا في وصولكم إلى الرئاسة وترفعون رايات حقوق الإنسان".

أما رسالة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم للسيد / شهبور بختيار الذي عينه شاه إيران خلفا لع عندما اشتدت المظاهرات في الشارع الإيرانى فنقتطف منها:

" .. لم يكن الإمام المجاهد آية الله الخميني وهو يقود أمة هبت لنصرة دين الله يعتمد على الاستعمار ومخابراته ولا على أمريكا وأسلحتها بل اعتمد – وهو يعتمد – على الله الواحد القهار ولا يظن أحد أن الله لن يفي بوعده".

وفى خاتمة الخطاب جاء " نطالبك بالاستقالة فورا وتسليم الحكم إلى أصحاب الشرعية التي يشهدها العالم وللمرة الأولى في هذا القرن.. إنها شرعي ثورة الجماهير المتجذرة في معتقداتها.. إنه أمر الله وقد قام عباده فى إيران لإقامته . إنهم لمنصورون ".

أما الرسالة الأخرى التي بعثها اتحاد طلاب جامعة الخرطوم فقد كانت إلى الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي وقف ضد الثورة وقام بإيواء شاه إيران محمد رضا بهلوي في مصر مما يعتبر عداء للثورة والثوار جاء فيها:

" لقد أصبحت مواقفكم من قضايا العالم الإسلامى والعربي تتوالى باتجاه مضاد لإرادته والانحياز التام لأعداء الأمة الإسلامية .. وصار جليا أنكم تحرصون الحرص التام كله على خدمة صديقكم كارتر والين معه وتوادون بيغن والطغاة والأشباه ومن حاد الله ورسوله بلا تمييز ولا مواربة.. وقد عجز المسلمون عجزا تاما عن تأويل موقفكم من ثورة إيران المسلمة تأويلا حسنا وساءهم جميعا أن تجير العميل الذي سقط ( محمد رضا بهلوى) وأن تحذر من محاولة تكرار الظاهرة الإيرانية .

وتكرار هذه الظاهرة يا سيادة الرئيس لا يحتاج لمرسوم سلطاني ولا لقرار جمهوري تؤيده استفتاءات الأرقام الفلكية والوقوف ضد الشعوب وضد ثورات الشعوب وضد آمالها وفوق ذلك ضد حركة التاريخ وفى وجه الحق".

وقبل أن نستعرض رسالة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم للملك الحسن كملك المغرب في ذات الخصوص، نلاحظ أن كل بيانات وخطابات الحركة الإسلامية عبر الاتحاد عن الثورة الإيرانية كلها تتحدث عن الحكام الطغاة والمتجبرين والعملاء الذين يقفون ضد إرادة وتوجه الجماهير المسلمة.. ويلاحظ أن كل البيانات والخطابات تعتبر ثورة غيران ما هي إلا مقدمة لثورات قادمة بإذن الله .

أما رسالة الاتحاد للحسن ملك المغرب فقد جاء فيها:

"لا نظن أنكم لا تدركون أن ثورة الشعب الإيرانى الإسلامية بقيادة آية الله الخميني هي ثورة العصر التي ستلد ثورات أخرى ستزلزل الطغيان والطواغيت .. وفى يقيننا أن عمالة الشاهنشاه الإيرانى الهارب من غضبة شعبه المؤمن لا تخفى على أحد وأنه قد أصبح رمزا لخدمة الاستعمار وقهر الشعوب ومعاداة معتقداتها، ولهذا كله فإننا نعلن لكم إدانتنا لتصرفكم غير المرضى مع الشاه والمعادى لشعب إيران المسلم ونؤكد لكم أنه لن يكون إلا نذير شؤم لكم ولسائر الملوك والمتاجرين..".

كما وجه الاتحاد خطابا لكافة حكام وملوك الدولة الإسلامية في إيران كذلك أصدر الاتحاد بيانا تحدث فيه هذه المرة عن شاه إيران وسياساته التي يحاول فيها بناء الإمبراطورية الفارسية ، محاولا محو الآثار الإسلامية وإلغاء التاريخ الهجري، وإصدار قانون بتحريم الزى الديني على المرأة المسلمة متبعا بذلك سياسة كمال أتاتورك في تركيا ، وأنه بإمكانه أن يجمع بين حضارة فارس الوثنية وحضارة الغرب الميكانيكية على أنقاض حضارة الإسلام التي يمثلها " دراويش الشيعة" كما تدعوهم وكالات الأنباء العربية.

وعلى ذات المنوال أصدر الاتحاد بيانا آخر عن الثورة الإيرانية يصف فيها الشعب الإيرانى بأنه شعب جسور يجدد النذارة والبشارة جهادا واستشهادا.. أمطره رصاص الطواغيت والعملاء فأنبت فرسان النهار والليل ورهبان القتال والاستبسال.. ويصف البيان الشعب الإيرانى قائلا: " هو شعب منا ونحن منه " ثم يواصل حديثه عن الشعب الإيرانى" ها هو الشعب الإيرانى يبدأ محو السلطان الثقافي والاستعلاء ليعيد الاستعلاء لأهله.. وها هو شعب إيران يتحكم في دم الاستعمار من جديد بتوليها ويفقده خط أمان متقدم عسكريا ويثبت له عجز مؤسساته وتفوق إنساننا الذي يحقق استخلاف الله له ويملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا.

الفتور تجاه لثورة الإيرانية

ما تقدم ذكره من مواقف إيجابية للحركة الإسلامية تجاه الثورة الإسلامية في إيران ينطلق من ثلاثة محاور هي :

1- أن الثورة الإسلامية التي انتصرت في فبراير 1979م قد أخرجت الإسلام والإسلاميين من دائرة الاستضعاف والاضطهاد إلى دائرة الحكم في واحدة من أغنى بلاد العالم من حيث صادرات وعائدات البتر ودولارات ذات الأرقام الكبيرة، والتي ستساعد في تثبيت أركان الدولة الوليدة.
هذا بدوره يؤكد أن تجربة الثورة الإسلامية قد قامت على أرضية اقتصادية ودينية صلبة تمكنها من تقديم أنموذج إسلامي لا يتأثر بالضغوط الاقتصادية للاستكبار العالمي ويؤهلها أيضا لرعاية ودعم الحركات الإسلامية المستضعفة في العالم.
2- أن الثورة الإسلامية في إيران قد أجابت وبصورة قاطعة على السؤال الذي كان يطرح نفسه دائما في أوساط المجتمع المسلم التقليدي الذي طال العهد بينه وبين الحكومة الإسلامية والسؤال هو ( ما علاقة الإسلام بالسياسة؟) أو هل الإسلام دين ودولة؟ فأجابت الثورة الإسلامية على هذا السؤال بالإيجاب وقدمت أنموذجا طيبا في هذا المنحى خاصة في أيامها الأولى .. فبعد أن كان الوضع في الماضي هو : ( ما لله .. لله .. وما لقيصر لقيصر).. أصبح الأمر كله لله وهذا الوضع قد شكل أرضية صالحة للعمل بالنسبة للحركة الإسلامية السودانية ، سيما وأن الثورة الإسلامية في إيران قد انتصرت في وقت شهد فيه العالم الإسلامى صحوة إسلامية شدت الجماهير المسلمة للالتفاف حول شعارات الإسلام وأقنعت الكثيرين بأن الحل الإسلامى قد أصبح ضرورة وفريضة وأن لا بديل للأمة الإسلامية لكي تخرج من غفوتها غير الرجوع إلى الإسلام.
3- عند قيام ثورة الإسلام في إيران كانت الحركة الإسلامية في السودان لم يمض على خروج قياداتها وأعضائها من السجون المايوية أكثر من عامين .. تلك السجون التي قضى فيها شيخ الحركة الدكتور الترابي قرابة الثمانية أعوام .. وعانى بعض أعضائها خلال تلك الفترة كل أنواع الاضطهاد والتشريد والتقتيل ، لذلك كانت ثورة إيران بالنسبة لهم بارقة أمل ظلوا ينتظرونها منذ أمد بعيد حتى تتصل مسيرة الانطلاقة الكبرى وحتى تختفي دائرة الشك حول قيام الحكومة الإسلامية وسط ركام جاهلية القرن العشرين.
لذلك كان التأيد تأييدا قويا من غير تحفظ ..وقد استمر ذلك التأييد طيلة فترة النظام المايوى.
ثم بدا يفتر ذلك التأييد تدريجيا إبان الفترة الديمقراطية 1985- 1989م ولعل الموازنات السياسية والنظرة المستقبلية قد تدخلت بصورة مباشرة في التأثير على سير الأحداث وعلى علاقة الحركة الإسلامية السودانية بالثورة الإيرانية.

وإذا كان لقيادة الحركة الإسلامية السودانية موازناتها وحساباتها الخاصة الداخلية والخارجية والتي جعلتها تعيد حساباتها في علاقاتها مع إيران أوعلى الأقل أن تقلل من الحماس المطلق لصالح الثورة الإيرانية .. فإن للجانب الآخر في الثورة الإيرانية دور كبير في تقليل ذلك الحماس.

فالثورة الإسلامية في باكورة أيامها شهدت استشهاد معظم قادتها الذين يرجع لهم فضل قيام وانتصار الثورة الإيرانية والذين يؤمنون بأممية الثورة الإسلامية ووحدة الهدف والمصير بالنسبة للإسلاميين في العالم ، وكان من أبرز تلك القيادات التي استشهدت في حادثة تفجير مبنى مقر رئاسة الحزب الجمهوري الإسلامى بطهران الشهيد آية الله محمد بهشتي والذي يعتبر فيلسوف الثورة ورجلها القوى بعد الإمام الخميني، وكذلك الشهيد محمد جواد باهونار، والشهيد محمد على رجائي ، الشهيد محمد المنتظري ابن آية الله حسين على منتظري وغيرهم كثير والذين يزيدون عن الخمسين شهيدا مما أفقد الثورة رجال صفها الأول أو معظمهم مما جعل خلفاءهم يقلون عنهم كثيرا في الفهم والممارسة بل كانوا ( برجماتيين) في تعاملهم مع الأحداث وتنقصهم الخبر.

علاوة على ذلك فقد سيطرت على عقولهم ( عقدة أمريكا) فأصبحت الحركات الإسلامية في العالم الإسلامى في نظرهم أقرب إلى أمريكا .

وقادتها أقرب إلى عملاء أمريكا وحتى الحركة الإسلامية السودانية لم تسلم من مثل هذه الاتهامات الظالمة .. فالعقلية الإيرانية بعد استشهاد رجال الصف الأول في الثورة أصبحت عقلية محافظة في فهمها للسياسة إن لم تكن عقلية رجعية وواقعية تنحاز لمصلحتها أولا.. ويلاحظ أن الاتهامات بالعمالة لأمريكا لم يسلم منها حتى قادة الثورة الأوائل مثل صادق قطب زادة وزير خارجية الثورة الذي خرج هاربا من إيران داخل ثياب نسائية – كما تقول الرواية – ولم يسلم منها مهدي بازركان رئيس الحكومة الانتقالية إبان الثورة ولم تسلم منها كل الحركات الإسلامية السنية التي تمثل في نظرهم الإسلام الأموي المزيف الذي لا يتفق ورؤيتهم المذهبية وحكمهم على كل الإرث السني.

وأذكر أنني زرت طهران ضمن مجموعة الوفد السوداني في فبراير 1988م للمشاركة في أعياد الثورة وقد التقينا بكل القيادات الإيرانية.

وفى لقاء لنا مع السيد هاشمي رفسنجانى رئيس مجلس النواب يومئذ ، إذا به يحدثنا عن المنافقين وعملاء أمريكا ويذكر حزب ( نهضة آذاى ) أى ( نهضة الحرية ) الذي يتزعمه مهدي بازركان وإبراهيم يردى ويصفهم بالمنافقين .. في تلك اللحظات كان الرجل الثاني بعد الخميني على مستوى الآيات، آية الله الحسين على منتظري يقيم في مدينة " قم " وكانت المؤامرات تحاك ضده من مجموعة رفسنجانى كما علمت هناك في طهران .. وعند لقائنا به شعرت بعدم الرضا في حديثه عما يدور اليوم في غيران وكان ذلك في آخر أيام آية الله الخميني.

وأذكر جيدا وأنا وقتها كنت صحفيا ورئيسا لتحرير مجلة " الكلمة" التي كانت تناصر الثورة الإسلامية في إيران بصورة قوية.

كما أذكر أيضا أنني عندما كنت في طهران أن طلبت من مرافقي السيد / إبراهيم الحسيني والذي كان طالبا بالجامعة أن يهيئ لي لقاء مع حجة الإسلام محمد تقي الدين المدرسي.. هنا تجدر الإشارة إلى أن مجموعة المدرسي الكثيرة كانت تفوح منها رائحة الخلاف مع الثورة مع نظرية ولاية الفقيه.

رأيت أن مرافقي قد امتعض من هذا الطلب، فقلت له : يا إبراهيم إنني رجل صحفي أبحث عن الحقيقة وإننا نناصر الثورة الإسلامية في إيران في كلياتها وخطوطها العريضة وقد نختلف معها في الكثير من التفاصيل وهذه فرصة لنلتقي بقيادات هذه الثورة ونسمع منهم ولكنه لم يقتنع بحديثي.. عندها تعرفت على أحد الشباب ويبدو أنه من مجموعة المدرسي وطلبت منه أن يحدد لي لقاء مع السيد المدرسي.. وبالفعل قد قام هذا الشباب بترتيب هذا اللقاء .

وأنا بدوري قد أخبرت مرافقي بأنني سألتقي اليوم بالسيد محمد تقي المدرسي وسأجرى معه لقاء صحفيا.

وبالفعل ذهبت إلى الحسينية التي يقدم فيها المدرسي محاضرة أسبوعية وبعد انتهاء المحاضرة أخبرت بأن السيد المدرسي في انتظاري.. حاول مرافقتي إبراهيم الحسيني بإصرار أن يحضر هذا اللقاء ولكن مجموعة ( المدرسي) قد حالت بينه وبين ذلك.

قابلت ذلك الرجل.. كان رجلا متواضعا.. كان الوقت وقت عشاء ولم يتجاوز عشاؤه صحنا واحدا به قطعة من ( فطيرة القراصة) ومعه قليل من الخضرة ( الجرجير ).. فقلت في نفسي : لو كان هذا العشاء في السودان لأحضرت له المأكولات من أرقى الفنادق ولوصلت فاتورته الحد الخرافي.

المهم جلست لأحاور ذلك الرجل وقد وجدته يعلم عن السودان ما يجهله الكثيرون من أبنائه .. حدثني عن مشكلة الجنوب وغيرها.. وعندما سألته عن الثورة الإيرانية حدثني بألم وحسرة وحدثني بأنها تتعرض ( للتدجين ) أو الترويض وتسير سيرا حثيثا للتخلص من شعاراتها التي تدعو لمناصرة المستضعفين في الأرض وأنه في سبيل إعادة علاقاتها مع حكومات الخليج وسوف تتخلى عن كل الحركات الثورية العربية التي لجأت إلى إيران وربما تطردهم أو تسلمهم إلى حكوماتهم.

وبعد نهاية اللقاء ودعته والألم يعتصرني. بعدها علمت من تلاميذه أن السيد المدرسي ضد ما يعرف في الفقه الشيعي ( بولاية الفقيه) ويعتبرها لا تتماشى مع روح الإسلام في مفهوم الشورى الواسعة المؤسسية ويطرح بديلا عنها ( شورى المراجع) .. ولعمري هي أقرب إلى روح الإسلام من " ولاية الفقيه" لأنها تمثل شورى أهل الحل والعقد من أهل التخصصات المختلفة.

وأذكر أنني في اليوم الذي تحدد لي فيه مقابلة المدرسي جاءني مرافقي ليخبرني بأن الوفد السوداني اليوم سيتناول وجبة العشاء مع السيد رئيس الجمهورية حجة الإسلام على خامنئى وقد اعتذرت عن ذلك.. عندما سألني في اليوم التالي قائلا " يا أخ عبد الرحيم لماذا فضلت لقاء المدرسي على لقاء رئيس الجمهورية؟

قلت له : إنني لم أفضل لقاء المدرسي على لقاء رئيس الجمهورية لكنني فضلت اللقاء الفكري مع المدرسي على مأدبة عشاء مع رئيس الجمهورية ورئيس الجمهورية يجد عندي كل احترام وتقدير " وأذكر أنني بعد ذلك قابلت في الفندق الذي نقيم فيه الأخ عبد الأمير الموسوى المستشار الثقافي الإيرانى وكان وقتها لم يعمل بعد بالسودان ويبدو أنه كان مسئولا عن منطقة إفريقيا وقد سألني عن مآخذي على الثورة الإيرانية فقلت له : يجب أن تتحرروا من عقدة أمريكا .. العقدة التي بسببها دمرتم معظم الخدمة المدنية وكل الآرث الدبلوماسي وكل الكوادر الدبلوماسية ،

وقلت له : أن سفاراتكم اليوم في العالم وفى السودان على وجه الخصوص تفتقد للدبلوماسيين المقتدرين ومعظم الذين بها هم شباب في العشرينيات لم يكملوا تعليمهم الجامعي بعد.. بعدها علمت أن الأخ الموسوعي مسئول إفريقيا الأول حتى تلك اللحظة لم يكمل تعليمه الجامعي هو أيضا .. بهذه الصورة ورغم إخلاصهم وتوريثهم تنقصهم أمور كثيرة وضرورية تقتضيها أصول وأعراف العمل الدبلوماسي .. فضحك الموسوى بصوت عال وقال لي : لقد صدقت وضرب مثالا قال فيه " إن الجالية الإيرانية في فرنسا عندما أخرجت بعض المسيرات احتجاجا على بعض المواقف المعادية للثورة ، كان الذي يقود المظاهرات هو السفير الإيرانى نفسه وقد عرضت صورته في التلفزيون الفرنسي ، وكان المعلق السياسي بالتلفزيون يعلق متعجبا قائلا " انظروا هذا هو السفير الإيرانى يقود المظاهرات في فرنسا.. ؟

هذا فيما يتعلق بالجانب الإيرانى أما فيما يتعلق بالحركة الإسلامية السودانية التي تنتمي إليها فإنها قد فقدت الأمل في أن تجد أرضية مشتركة تمثل دعما مقدرا وتنسيقا استراتيجيا مضمون المستقبل من إيران حتى تواصل موالاتها وحتى تنشط فاتر العلاقات معها، بل إن إيران قد فهم عنها تعصبها المذهبي وأنها لا تتعامل إلا مع الشيعة وأنها لا تثق إلا فيمن كان شيعيا.

كذلك كان للحركة الإسلامية علاقاتها المتطورة والايجابية مع الإسلاميين وكثير من الرسميين في الخليج والذين يعتبرون في نظر قادة وإعلام الثورة الإيرانية أنهم عملاء للغرب وللامبريالية .. لذلك ما كان للحركة الإسلامية في السودان أن تخسر هؤلاء الخليجيين الذين يمثلون لها دعما اقتصاديا مقدرا ومفهوما إسلاميا واستراتيجيا مشتركا وتقاربا في الرؤى والأفكار يصعب توافره عند المؤسسة الشيعية فى إيران.

فهؤلاء الإسلاميون من العرب قد أسهموا في اسلمة الحياة الاقتصادية في السودان ولهم علاقات وطيدة وتاريخية مع الحركة الإسلامية في السودان.. لذلك يرى قادة الحركة الإسلامية أنه لا يمكن للحركة الإسلامية أن تضحى بهؤلاء من أجل مستقبل مجهول مع ثورة لا تستقر على رأى وتعمل بعقلية البازار ولا تدعم إلا بمقابل وقد استمر هذا الحال طيلة الفترة التي امتدت من عام 1986 م لغاية عام 1989م وبالطبع قد تحركت العلاقات مع ثورة إيران نحو الإيجاب واتصلت الجسور ونشطت العلاقات في الفترة التي تلت عام 1989 سيما بعد سقوط دولة جمهوريات الاتحاد السوفيتي القوية وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم تسندها بعض توابعها من دول أوربا الغربية .

تعود أسباب تحسن العلاقات بين الجمهورية الإسلامية في إيران وجمهورية السودان التي سيطر على الحكم فيها الإسلاميون عبر انقلاب عسكري في 30 يونيو 1989م إلى أن الإسلاميين في السودان قد تيقنوا أن إسلاميي الخليج ما هم إلا جزء من حكوماتهم فهم من غزية وحكوماتهم لا تعصى لأمريكا طلبا خاصة في ظل البوارج الأمريكية الراسية في مياه الخليج.

كذلك بعد أحداث 11 سبتمبر 2000م في أمريكا شنت الولايات المتحدة الأمريكية حربا ضروسا على الإسلام والإسلاميين لدرجة أنها تدخلت في مراجعة المناهج الدراسية في المؤسسات التعليمية في دول الخليج وكثير من الدول الموالية لها لقناعتها أن هذه المناهج الدينية هي التي تفرخ الإرهاب وتؤجج روح الكراهية لليهود والأمريكان لذلك تم حذف كل المناهج التي تتحدث عن اليهود والجهاد وغير ذلك حتى يدرس الطلاب إسلاما أمريكيا كما يقول الشهيد سد قطب.

كذلك قامت أمريكا بتجميد أموال الكثيرين من الإسلاميين الذين كانوا يناصرون السودان وحتى الذين ما كانت لهم أموال في المصارف الأمريكية تم الضغط عليهم من قبل حكوماتهم حتى لا يدعموا السودان وقد لعب فرعون مصر الرئيس مبارك دور الجاسوس على نشاط الإسلاميين العرب ودعمهم للحكم والجهاد في السودان فكانت تقارير المخابرات المصرية تزود حكومات الخليج بنشاط هؤلاء العرب مما أدى لتجفيف الكثير من المؤسسات الخيرية العاملة في السودان حيث توقف أسامة بترجى ويس قاضى ويوسف الحجى والشيخ الخريجى وصندوق الزكاة الكويتي وغير ذلك.

كذلك وضع اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وتوالى الحصار الأمريكي على السودان، فأدركت الإنقاذ أن لا مناص من التعامل مع إيران.

من جانب آخر تعلمت إيران من خلال تراكم التجربة السياسية أن عزلتها التي تعيشها تحتم عليها مراجعة مواقفها المتطرفة خاصة تجاه الإسلاميين الذين ناصروها بقوة إبان فترة الثورة الأولى، فهؤلاء أقرب إليها من كل الحركات القومية بل إن الحركات القومية مثل البعث والناصريين هم أعداء للثورة الإسلامية .

لذلك بدأت الثورة مراجعة موقفها من الحركات الإسلامية خاصة حركة الإخوان المسلمين التي تعتبر كبرى الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط وبدأت الثورة الإسلامية فتح خط معها بعد أن كانت تصف تلك الحركة وأنصارها بأنهم عملاء أمريكا.

كذلك قربت مناصرة الثورة الإسلامية لحركات الجهاد والمقاومة الإسلامية في فلسطين بين الثورة والحركة الإسلامية إذ أن تلك الحركات السنية هي أقرب لحركة الإخوان المسلمين بل إن حركة حماس هي جزء لا يتجزأ من حركة الإخوان المسلمين ثم قام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ليضم في عضويته أعضاء بارزين من جماعة الإخوان المسلمين حتى أصبح نائب رئيسه هو الدكتور يوسف القرضاوي العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين كما ضم شخصيات كبيرة من قيادات الإخوان المسلمين أمثال الهلباوي من مصر والبروفيسير عبد الرحيم علي من السودان والكثيرين من أعضاء الحركة الإسلامية من سوريا والأردن ولبنان ومصر وغيرهم.

وما زال أمام الجمهورية الإسلامية الكثير لتلعبه من أجل خلق وحدة إسلامية حقيقية تتجاوز تعصب بعض رجال الحوزات الدينية الذين لم يخرج الكثيرون منهم عن دائرة اللعن واللطم وكأننا قادمون من غدير خم لمحاصرة سقيفة بني ساعدة.. لابد من الخروج من كهوف التاريخ الحزين المليء باللعن واللطم ولابد من إدراك أن الشيعة والسنة جميعا تحت مرمى الصواريخ والبوارج الأمريكية والصهيونية وأن هذه البوراج لا تفرق بين سني وشيعي فكلاهما عدو يجب سحقه وسحله.. كما لابد من أن يدرك إخوتنا في الحوزات أن يزيد ليس هو العامل السني وإنما الشيطان الأكبر الذي يستهدف السنة والشيعة معل فهل نتجاوز تلك الخلافات التاريخية التي أججها الوضاعون والكذابون حتى نظل في خلافات دائمة؟

المساجد الرسالية داخل الجامعة

كانت الحركة الإسلامية تستغل كل المنابر السياسية والفكرية المقامة في الجامعة لتنشر برنامجها الفكري وخطها السياسي، وأحيانا تقوم بخلق منابر وجمعيات جديدة لذات الغرض.

فمنابر الاتحاد وحدها لم تكن تكفى ومنابر التنظيم كذلك لم تستوعب تدفق النشاط الثقافي والفكري الذي أسهمت فيه هدنة المصالحة الوطنية وحفزته انتصارات الثورة الإسلامية في غيران على اكبر الحكام الموالين لأمريكا في العالم الإسلامى.. فقد كانت هنالك منابر المساجد والتي تبدأ بمسجد " البركس" أولا ثم مسجد جامعة الخرطوم أخيرا.. فقد كان مسجد البركس الذي يتوسط مجمع الداخليات بمثابة مرحلة الأساس التي يلتقي فيها شيوخ الاتجاه الإسلامى وتلامذته الجدد حيث يتم التعارف بين القدامى والجدد وبين الجدد وبين الشيوخ والأشبال، وهنا يتم التأثير ويتم توزيع الأعضاء الجدد على الإخوان القدامى ويكون مسجد البركس هو المحطة التي يلتقي عندها الجميع حيث يتم التعرف .. الصلاة الجماعية .. ورد التلاوة اليومي، وهو جزء من القرآن ، حلقات التجويد والفقه والمدارسة والفكرية ، الصيام الجماعي.. التهجد وقيام الليل ، تنظيم برنامج الزيارات لأعضاء الأسرة الواحدة..

فقد كان مسجد البركس وكذلك مساجد الكليات في كل أنحاء الجامعة تحت قيادة وتوجيه أمانة الفكر والدعوة بالاتجاه الإسلامى فهم الأئمة وخطباء الجمعة وكانوا مؤهلين لذلك حيث أن عددا كبيرا منهم من الحفظة والفقهاء أمثال الأمين عثمان علي وعبد الرحيم المهدي الجيلي والشيخ عبيد ختم والشيخ محمد كبير عز الدين .. أما مسجد جامعة الخرطوم فقد اجتهد أعضاء الاتجاه الإسلامى اجتهادا كبيرا في تشييده وجمع التبرعات من داخل السودان حتى تم افتتاحه في عام 1981م، وكان الطالب إبراهيم طه من أبرز المهتمين بأمر إكمال هذا المسجد إذ تغيب عن الدراسة قرابة العام الدراسي الكامل ليجمع التبرعات لهذا المسجد من منطقة الخليج..

لعب مسجد الجامعة دورا سياسيا واستراتيجيا في نشر وبث فكر الحركة الإسلامية وخطها السياسي وتوجيهات القيادة بصورة غير مباشرة فهو المسجد الجامع لعضوية الحركة الإسلامية التي توجه خطابها أحيانا وبطريقة غير رسمية من خلاله كما تتم التعبئة للعضوية وإعلان المواقف من أعلى منبره، كما ظل المسجد يقدم نموذجا للخطاب السياسي الذي تشكل مفرداته مدارس إسلامية مختلفة بين الثورية والمحافظة .. فعندما ينداح الخط الثوري المتأثر بأفكار الثورة الإسلامية في إيران وأفكار قادتها أمثال الخميني وعلى شريعتي من على منبر مسجد الجامعة حيث يمثل هذا الفكر في قمته من خطباء الجمعة بالمسجد الأستاذان أمين بناني وسيد احمد الحسن اللذان ظلا يتحدثان عن ثورة المستضعفين في وجه المستكبرين وعن القيادة القدوة التي ينبغي أن تشبه الجماهير في مأكلها ومسكنها ومركبها ويتحدثان عن الإمام الخميني مفجر ثورة القرن العشرين يسكن كوخا في حي شعبي من أحياء طهران ويفترض الأرض مما جعله يتربع على قلوب الجماهير قبل أن يتربع على كرسي الحكم، ويهاجمان ظاهرة التسابق في بناء العمارات والقصور وامتلاك العربات الفارهة ويذكران الآية ( وبئر معطلة وقصر مشيد)(الحج : 45).

كانت مثل تلك الخطب لا تعجب بل تزعج نفرا من قادة الحركة الإسلامية والأغنياء منهم على وجه الخصوص ويبدون تضجرهم هذا بصورة عجلت بإنهاء دورتي الأستاذين أمين بناني وسيد أحمد الحسن في إمامة الجمعة بمسجد الجامعة رغم الشعبية الكبيرة التي كانا يتمتعان بها ورغم إيمان الكثرة الغالبة من عضوية الحركة الإسلامية بمثل هذا الطرح.. لكن للحركة الإسلامية موازنتها ومعادلتها التي تسعى بها للابتعاد عن أدب الخلاف وأدب المواجهة بين أعضاء الجسم الواحد..

كما أن الحركة الإسلامية في قيادتها العليا ظلت تتمتع بحساسية كبيرة ضد شعارات " مترفين .. ومستضعفين .. ومستكبرين" وخشيت أن يتم تصنيف الأثرياء من الإخوان في كفة المترفين والعكس.. لذلك كان سريعا ما يخلف أولئك القادة الذين يمثلون الخط الثوري في إمامة مسجد الجامعة شيوخ محافظون يحفظون المعادلة سريعا بحديث في الأصول والسيرة والتفسير وكان من أمثال أولئك الشيخ أحمد محجوب حاج نور- الدكتور حسين أيوب- الدكتور عبد الرحيم علي ، وكانوا شخصيات ذات احترام وتقدير وسط الإخوان.. كذلك كان هنالك تيار سياسي فكرى تعاقب على الخطاب على منبر مسجد الجامعة وكان يميل إلى الثورة المربوطة بالتأصيل ومن أبرز هؤلاء التجانى عبد القادر حامد، أمين حسن عمر، محمد عثمان محجوب.. وكان ثلاثتهم يتمتعون بحب وتقدير من قاعدة الحركة الإسلامية الطلابية في فترتي ما قبل المصالحة الوطنية وما بعدها.. وهنا نقتطف جزء من خطبة التجانى عبد القادر بمسجد الجامعة إبان الاستفتاء الثالث على رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس النميرى حيث هاجم التجانى إعلام مايو الذي يسعى لتأليه الفرد، وحذر التجانى الشعب من أن يستعبده الإعلام كما استعبد السامرى بني إسرائيل بعجله الذي اصطنعه لهم من حلى الذهب وذلك بعد أن أفسد الطغيان السياسي الفرعوني الطويل طبيعة بني إسرائيل وجعلهم قابلين للاستعمار والاستعباد.. كما ذكر أن عجل السامرى الذي عبده القوم أشبه شيء بأجهزة الإعلام .. فقد كان العجل ذا منافذ تخرج أصواتا وصفيرا كلما مر عليها الهواء.. وذلك من غير أنتكون للعجل حياة ولا روح ولكنه مع قيمته التافهة هذه أذهل بني إسرائيل ببريقه وصوته.. فما أحرانا أي لا ننساق بضجيج الإعلام الذي يدعونا في هذه الأيام لنؤله الحكام ونظامهم السياسي.

الترابي يسجل حضورا متواصلا مع أنصاره

وعلى ذات النهج الخطابي السياسي السافر تحدث الشيخ الترابي بكلية الطب عن ظاهرة الاستفتاءات في العالم الثالث وهى ما عرفت " بندوة كلية الطب" التي خلقت أزمة بين النظام والتنظيم وجعلت النميرى يوعز لأعوانه بإسقاط الترابي في انتخابات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي مما يعتبر ردا لما ذكره الترابي في ندوة أعوانه بكلية الطب.. في تلك الندوة ذكر الترابي : الاستفتاءات التي تجربونها الآن هي استفتاءات غالبا ما تكون على رئاسة الجمهورية وهى استفتاءات لا يتاح لكم إلا خيار واحد.. والناس بطبعهم حتى لو أتيحت لهم حرية كاملة وإذا لم يتعين لهم غير طريق واحد يفضلون الجن الذي يعفونه على الذي لا يعرفونه.. ولذلك ما قام استفتاء على زعامة ألمانيا هتلر ولا في إيران مصدق وقبله الشاه ولا في السودان إلا كانت النتيجة 99% وتسعى من الواحد الباقي .. ويا ليتهم يجاملوننا شيئا ما ويتيحون لكل المعارضين والمتحفظين مثلا 5% ولكن يقع النزاع في الـ 1% وأما الـ 99% فهي سلم لهم ( تلك إذا قسمة ضيزى) ( النجم: 22) ، (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب) ( ص: 32) الآية .. ولذلك فأنا لا أعتبر هذه الاستفتاءات إلا لتقرير ما هو مقر وتعبئة للناس فيما يعلمون سلفا".

كذلك أشار الشيخ الترابي إلى أن فشل الأحزاب هو سبب مجيء العسكر للحكم فقال " .. إن هذه الأحزاب قامت على التاريخ وعلى العصبية وعلى الزعامة وأنها تتصارع من أجل السلطة فقط وأنها عندما يشتد الصراع تتساقط.. ولما تقع على الأرض يأتي الجيش مرة ثانية ويبتدئ من الأول وحايجى رئيس يتعلم فيكم النحو تانى من الأول ويتعلم فيكم الاقتصاد ويتعلم فيكم الحكم من الأول".

هذه العبارات التهكمية الساخرة كانت تطعن بوضوح في شخص الرئيس جعفر نميرى ومؤسسته العسكرية.. وقد كانت كلمات الترابي وقتئذ تقاطع بالتصفيق والضحك على الحكم المايوى.. هذا بالطبع يؤكد أمرين :

الأول : هو عدم قناعة الحركة الإسلامية بالنظام القائم وإنما تتعامل معه بصورة تكتيكية تعلمها الحركة ويعلمها النظام نفسه. فكل منهم محتاج لمهادنة الآخر ولو إلى حين..
والأمر الثاني: هو طبيعة الشيخ الترابي التي من صفاتها الجرأة والميل للتحدي وإبداء عدم الاستسلام ، هذه الطبيعة لازمت الشيخ الترابي في كل حركته السياسية ولم تكن ناتجة لمؤثرات جانبية ، فهو رجل متوكل لدرجة المخاطرة وشجاع لدرجة الجسارة والمخاطرة أيضا وعنيد لدرجة بعيدة يدفعه في ذلك علم زاخر وتاريخ جهادي وافر يعرفه كل منصف أمين مع نفيه، لكن هذه الصفات كثيرا ما تورده موارد الخلاف وربما تقوده لخسارة أقرب الناس من جيله أو من تلاميذه الذين تعهدهم بالرعاية والإعداد أمدا طويلا.

بين منتدى الأصدقاء والموسم الثقافي

ذكرنا في موضع سابق أن نظرة الاتجاه الإسلامى للإسلام هي أن يؤخذ بكلياته.. وأن يخضع المسلم كل حركاته وسكناته وجوراحه لله تعالى ( كل شيء لله) وذلك استجابة للآية ( قل إن صلاتي ونسكى ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ( الأنعام : 162- 163) .. لذلك لم يجد الاتجاه الإسلامى فرصة لنشر الفكر الإسلامى إلا واغتنمها .. كما ذكرنا أن الاتحاد ما هو إلا قناة من هذه القنوات التي يبث الاتجاه الإسلامى خلالها أفكاره وإن كان الاتحاد يأخذ الطابع القومي الذي يمثل كل الطلاب لكن أحيانا نكاد نجد تشابه كبير بين ما يبثه الاتحاد وما يبثه الاتجاه الإسلامى على مستوى الفكر السياسي الإسلامى- بالطبع أن الاتحاد لا يدخل في صراع مع التنظيمات ولا يعترف بها، وإما الحديث عن التنظيمات هو من شأن الاتجاه الإسلامى كتنظيم- لذلك نواصل الحديث عن الخطاب السياسي والفكري للاتجاه الإسلامى وأدواته، مستعرضين نموذجين أحداهما للاتجاه الإسلامى وهو ما يعرف بـ " منتدى الأصدقاء الفكري" والآخر من أنشطة الاتحاد وهو ما يعرف ب، " الموسم الثقافي للاتحاد".

منتدى الأصدقاء

وصفت الورقة التعريفية فكرة المنتدى بأنها نشأت استشعارا لضرورة الحوار بحسبانه أحد أهم الفعاليات لتطوير الفكر الإسلامى وتجديده وأهم الروابط والمعبر بين الأجيال والاتجاهات المتعددة وبحسبانه أيضا وسيلة لدعم شخصية المحاور والنهوض بها عبر التعليم والتأمل اللذان تتيحها فرصة عرض القضايا وتبادل الأفكار والآراء .

كما أريد للمنتدى دون ذلك أن يلعب دورا اجتماعيا بالتقريب بين الطلائع المثقفة وتحقيق التعارف فيما بينها كما أريد أن يكسر حاجز الجفوة والارتياب بين الإسلاميين وعامة المثقفين وأهل الفكر والرأي من التوجهات المختلفة.. كما أريد للمنتدى أن تتأكد فيه النقاط التالية:

1- أن تتأكد فيه حرية الرأي فلا قداسة للأشخاص ولا للآراء السائدة والمسبقة ولذلك كان من أدب أعضاء المنتدى تقبل الفكرة الغربية بحسن الظن في منطلق شتى المحاورين وبالود والدماثة في ألأخذ والرد والاتفاق والاختلاف.
2- أن يقاس نجاح وإخفاق جلسات المنتدى إلى ثراء العرض وتعدد الآراء واتساع المشاركة فالمنتدى ظل تنظيما لهواة الحوار لا هواة الاستماع.
3- لم يرد للمنتدى أن يتحول لمنتدى للفلاسفة والمنظرين بل جلسات للمدارسة والبحث حول القضايا الواقعية والمشكلات الراهنة للمجتمعات الإسلامية والمجتمع السوداني خاصة لا يمنعها ذلك من التطرق للقضايا النظرية والفلسفية التي تمثل مشكلات حقيقية للعقلية المسلمة المعاصرة.. وقد عقد المنتدى ثمان وأربعين جلسة في العام وناقش العديد من القضايا المتنوعة واستمع إلى وجهات نظر متباينة..

والباحث هنا يستعرض ما قدم من أوراق في عام 1981م ضمن جلسات هذا المنتدى ويذكر أسماء من قدموه ثم يبدى بعد ذلك عددا من الملاحظات..

الجدول رقم : (1) يوضح الأوراق التي قدمت ضمن منتدى الأصدقاء عام 1981م وأسماء مقدمي الأوراق واتجاههم السياسي .

الاتجاه السياسي اسم مقدمها اسم الورقة

اتجاه إسلامي الأستاذة زينب عثمان سعيد

1- مدارسة حول قضايا المرأة السودانية

اتجاه اسلامى الأستاذة هند مأمون بحيرى

2- النهج السلكي لدى الإمام الغزال في كتاب منهاج العابدين

اتجاه اسلامى الأستاذ أمين حسن عمر

3-كيفية التعامل مع النص

اتجاه اسلامى الأستاذ أبو بكر الشنقيطى

4-نحو معالجة أصولية للمشكل الثقافي

اتجاه اسلامى الأستاذ عصام عبد العزيز

5-المشكل الفلسطيني- منظور إسلامي

اتجاه اسلامى الأستاذ سيد الخطيب

6-ثلاث مؤثرات في توجيهات المجتمع السوداني

مستقل السيد مأمون بحيرى

7-ملاحظات حول الاقتصاد السوداني

اسلامى د. جعفر ميرغنى

8-تطوير اللغة العربية إشارة لصلتها بالقرآن اسلامى

اتجاه اسلامى د. إبراهيم عبيد الله

-مدارسة حول الاقتصاد الإسلامى

مستقل الأستاذ أحمد محمد بدوى

10-تطور ممارسة الشورى عبر التاريخ الإسلامى

مستقل بروفسور مدثر عبد الرحيم

11-تطور ممارسة الشورى عبر التاريخ الإسلامى

مستقل د. الطيب حاج عطية

12-ظاهر الإعلام الغربي واتساق التغير في المجتمع

اتجاه اسلامى الأستاذ عبد المحمود نور الدائم

13-مفهوم الشيطان وأثره

اتجاه اسلامى الأستاذ أمين حسن عمر

14-النظرية النسبية وتأثيرها على الفكر الانسانى المعاصر

مستقل الأستاذ الصادق المهدي

15-المصالحة الوطنية، التاريخ والموقف الراهن

اتجاه اسلامى الأستاذ محمد عثمان السيد

16-مدارسة حول فكر دكتور على شريعتي

اتجاه اسلامى الأستاذ مهدي إسحاق

17-مدارسة حول فكر مالك ابن نبي

زعيم حزب الأمة الأستاذ عبد المحمود نور الدائم

18-نظرية جديدة حول ظاهرة النبوة

اتجاه اسلامى الأستاذة نفيسة أحمد الأمين

19-اتحاد نساء السودان

مستقل د. الطيب زين العابدين

20-الدين والبروليتاريا

اتجاه اسلامى الأستاذ ربيع حسن أحمد

21-الإسلام والدولة الحديثة

اتحاد اشتراكي الأستاذ حسن مكي

22-صراع المحاور في إيران

اتجاه اسلامى الأستاذ أمين بناني

23-الحركة الإسلامية في شمال إفريقيا

اتجاه اسلامى الأستاذ أحمد محمد شاموق

24-كيف يفكر الإخوان المسلمون

اتجاه اسلامى د. حسن الترابي

25-الحكومة الإسلامية

اتجاه اسلامى الأستاذ التجانى عبد القادر

26-فلسفة التاريخ عند ابن خلدون

اتجاه اسلامى د. إبراهيم أحمد عمر

27-نظرية المعرفة عند المسلمين

اتجاه اسلامى الأستاذ سليمان صديق

28-حول بناء الذات الثورية- ملاحظات حول كتاب على شريعتي

اتجاه اسلامى الأستاذ المحبوب عبد السلام

29-نحو ميثاق ثقافي للحركة الإسلامية

اتجاه اسلامى الأستاذ فتح الرحمن عبد الله

30—مدارسة في فكر أبى الأعلى المودودى

اتجاه اسلامى السيد أحمد عبد الرحمن محمد

31-التطور الفكري والسياسي للحركة الإسلامية بالسودان

اتجاه اسلامى الأستاذ محمد يوسف محمد

32-إمكانية التعايش بين الماركسية والإسلام

اتجاه اسلامى د.ذكريا بشير

33-نظرية التطور عند دارون وأثرها على الفكر الانسانى المعاصر

اتجاه اسلامى الأستاذ عبد المحمود نو الدائم الكرنكى

34-الحوار بين الإنسان والحيوان

اتجاه اسلامى الأستاذ أبو بكر عثمان السيد

35-فلسفة الخلاف وأدبه عند الإسلاميين

اتجاه اسلامى الأستاذ أبو بكر الشنقيطى

36-نحو نظرية إسلامية للأدب

اتجاه اسلامى الأستاذ التجانى عبد القادر

37-الحركات الإسلامية ونظرية التغيير الاجتماعي

جدول : (2) يوضح الأوراق المقترحة ضمن منتدى الأصدقاء وأسماء المشاركين .

اسم مقدمها

الأوراق المقترحة

السيد عبد الله بدري

1-حول تجربة المصرف الإسلامى

د. الطاهر حسين

2-أفكار حول المسرح والسياسة

د. ناصر السيد

3-حول الاشتراكية الإسلامية

الأستاذ محمد محجوب هارون

4-الحركة الإسلامية والقوى الكبرى

بروفسور عمر بليل

5-نحو صياغة جديدة للطالب الجامعي

الأستاذ صديق أزرق

6-الثورة كوسيلة للتغيير الاجتماعي ( الايجابيات والمحاذير)

الأستاذ محمد خوجلى صالحين

7-الإعلام – اتجاهات نحو أسلمته وتطويره

د. أبو ساق

8-الدور السوداني في الثقافة الإفريقية

الأستاذ أمين عباس

9-نحو تجديد صورة الرسول (ص) في الوجدان المسلم

الأستاذ حاج نور نظرات حول مناهج تفسير القرآن

والباحث يلاحظ الملاحظات التالية:

1- هذا الزخم الفكري المتنوع والمتعدد عبر أداة واحدة من أدوات التنظيم وهى المنتدى وهناك العديد من الأدوات الأخرى التي يتم خلالها مثل هذا العمل في مختلف الكليات.
2- مثل هذا النشاط الثر والمكثف ما كان يحدث في فترة ما قبل المصالحة الوطنية نسبة للتضييق الأمني وغياب الكوادر الاخوانية.
3- محاصرة الطالب الجامعي بمثل هذا العمل المكثف والمتنوع والمشوق أحيانا يكون له مردوده الايجابي في خلق أرضية ثقافية للحوار الإسلامى تمثل هذه الأرضية قنطرة يعبر منها الطلاب للالتزام التنظيمي.
4- معظم متحدثي المنتدى من قيادات الاتجاه الإسلامى الطلابية التي صقلتها السجون ونوعت عطاءها الثقافي واهتماماتها الفكرية والسياسية مما يؤكد ما ذهب إليه الباحث أن فترة السجون والمعارضة استفاد منها الاتجاه الإسلامى في إعداد كادره القيادي بصورة واضحة وجلية.
5- استطاع الاتجاه الإسلامى أن يجتذب بعض الكوادر المستقلة وبعض القيادات الحزبية الأخرى للمنتدى: الصادق المهدي- سعاد إبراهيم عيسى- ونفيسة احمد الأمين- مما يعتبر مؤشرا للمرونة وتقبل الرأي المخالف.. ومما يعتبر تكتيكا لجذب الرأي الآخر من الطلاب لجلسات المنتدى.

نموذج من الخطاب السياسي قبل عام 1977م

لقد تعرضنا بشيء من الإبانة والتفصيل لوضع الجامعة قبل عام 1977م وعن وضع الاتحاد الإسلامى فيها.. لكن يبقى من الأهمية أن نورد هنا مقتطفات من خطاب الطالب داؤد يحيى بولاد رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في الفترة الممتدة من 74-1977م .. ذلك الخطاب الذي أصدره في نهاية دورته والتي امتدت حتى مجيء المصالحة الوطنية.. والذي يبين جزء مما كان عليه الاتحاد في الفترة التي سبقت المصالحة الوطنية ، يقول بولاد" الإخوان والأخوات.. بعد مضى ثلاث سنوات على انتخابنا ممثلين لكم اسمحوا لي اليوم أن أخاطبكم شاركا لكم نجاح لجنتي وموضحا مواقفها مع تحديد العقبات التي واجهتها .. لقد سارت هذه الدورة بانتظام شديد تؤدى الإشراف على خدمات الطلاب وتضع البرامج المستقبلية سواء كان ذلك في السكن، أم الدراسة،ن أم الطعام إلى غير ذلك.. ولقد كانت تضطلع الإدارة بالعديد من المشروعات البناءة والهادفة كمشروع إنارة الميدان الشرقي ومشروع تأسيس المخبز الآلي ومشروع مؤتمر القضايا الأكاديمية ، وكذا مشروع إشراك الاتحاد في لجان البعثات الأكاديمية الخارجية.. ولقد كانت لجنتي هذه موفقة- والحمد لله وحده- في إنجاز بعض مشروعاتها برغم العديد من العراقيل التي تعرفونها.

أما على الصعيد القومي فإن هذه الدورة شهدت الكثير من ألأمور الكبيرة في البلاد وصارعت في وجه محاولات متنوعة ترمى إلى شل حركة الطلاب في الجامعة وضرب اتحادهم ".

ويمضى داؤد بولاد في خطابه متحدثا عما أسماه تفتيش الجامعة ، 7 سبتمبر 1975م فيقول " في صباح الأحد 7 سبتمبر 1975م بعد الحركة الانقلابية بيومين فوجئت البلاد كلها عموما وطلاب الجامعة على وجه الخصوص بآلاف الجنود وهم يحاصرون داخليات الجامعة كلها.. شاهرين أسلحتهم في وجه الطلاب .. والآلاف من موظفي الأمن العام يقبلون الجامعة رأسا على عقب ويختطفون الطلاب من حجراتهم بدون أدنى مبررات.. ويتصيدون أعضاء الاتحاد بغية اعتقالهم .. وكانت تلك العملية المهووسة واحدة من المحاولات الرامية إلى إسكات صوت الطلاب إلى الأبد فاعتقل في ذلك الصباح 28 من مختلف داخليات الجامع ومن بينهم :

1-داؤد يحيى بولاد رئيس الاتحاد هندسة
2-فاروق أحمد آدم عضو اللجنة التنفيذية البيطرة
3-العبيد فضل المولى عضو اللجنة التنفيذية التربية
4-بكرى عثمان سعيد عضو المجلس الأربعيني الطب
5-حسن مكي عضو المجلس الأربعيني آداب
6-يحيى حسين بابكر عضو المجلس الأربعيني اقتصاد

قضوا جميعا عدا رئيس الاتحاد فترة تقارب العامين في السجون.

ثم تحدث بولاد عن فرية السلاح قائلا:" ومن الأسباب التي ذكرتها أجهزة الأمن العام لتبرير حصار الجامعة وتفتيشها وجود الأسلحة والعملة الصعبة السودانية داخل حجرات الطلاب.. وأحب هنا أن أؤكد أن هذه الأكذوبة على الرغم من مستوى انحدار صانعيها إلا أنها مع ذلك لم تنطل على الشعب السوداني وبقيت غصة تقض وتقلق خواطر مخترعيها.. ولم توجه أجهزة الأمن سؤالا واحدا لأي من الطلاب حول الأسلحة والأموال .. فلقد كان افتراء رخيصا، ولم يحقق مع ذلك شيئا يعود على الأمة بالتزكية..".

ويتحدث بولاد عن حل الاتحاد قائلا" ثم بعد ذلك توالت الأحداث فأصدر أمر جمهوري حل به الاتحاد وصودرت ممتلكاته التي هي ممتلكات الطلاب وجمدت أمواله، واعتبر أعضاؤه الباقون خارج السجن مجرمين مطلوب القبض عليهم ورصدت لذلك الأموال .. بل إن الأمن العام استباح بعد ذلك مكاتب الاتحاد في الدار وفى قسم شئون الطلاب فاستولى على كل ما أراد الاستيلاء عليه وأضاع للطلاب ثورة ضخمة من التجربة النقابية المسجلة والمكتوبة.. كما تم فصل أعضاء الاتحاد من الجامعة لمدة سنة لعضو المجلس الأربعيني وسنتين لعضو اللجنة التنفيذية .. كل ذلك واتحاد طلاب جامعة الخرطوم الشامخ أبدا يزداد أعضاؤه تماسكا وإصرار .. وواصلوا أعمالهم المكثفة وأصدروا العديد من المنشورات والكتيبات...".

ويواصل بولاد الحديث عن مدير الجامعة المعين من قبل السلطة الحاكمة ووصفه بأنه عدو الطلاب الذي خان أمانة العلم وجئ به صنيعة لجهاز الأمن حيث يقول بولاد" وفى هذا المجال أود أن أعرج قليلا على حقيقة هامة وهى أن الرجل الذي يدعى عبد الله أحمد عبد الله ، المدير السابق للجامعة والذي يحمل في طيات قلبه للحركة الطلابية عداء مستحكما قد وجه فرصته الذهبية آنذاك، فجيء به صنيعة لجهاز الأمن العام لينكل بالطلاب ويهزأ بهم ويسقط التاريخ . وقد فشل المدعو عبد الله أحمد عبد الله أيما فشل في مهمته كما هو شأنه دائما الفشل ولا يزال وله مع الطلاب محاولات سابقة كان مصيرها الخسران.. ونحب أن نشير إلى هؤلاء الناس لا يصمدون أبدا أمام متقلبات الحياة وأنهم يصارعون ضد التيار..

هذه حقيقة نسجلها للتاريخ عن هذا الرجل ليعرفها الطلاب جيلا بعد جيل .. مرت الجامعة بعد ذلك بعدة أحداث جسام نذكرها هنا.. منها محاولات مقاطعة امتحانات الملاحق وتوجيه الاتحاد للطلاب بمقاطعتها .. والأساليب الرخيصة الإرهابية التي اتخذت ضدهم.. ومع ذلك فإن الاتحاد يفخر بعدد من الطلاب واجهوا ذلك الإرهاب وسخروا منه ودخلوا السجن مرفوعى الرأس .

ومرت الجامعة كذلك بمحاولات تشتيت الطلاب وتمزيق صفهم فاتجهت إدارة الجامعة إلى خلق كيانات متعددة داخل الجامعة، وإلى صنع أجهزة طلابية ضعيفة ومهزوزة وذات وظائف لا تتعدى الحفلات الغنائية والرحلات.. تطبيقا للتجربة المصرية.. ومارست عليهم أساليب عديدة فإذلال الطالب، منها في الخدمات وفى الحياة الأكاديمية وغيرها.. ليفقد الطلاب الثقة في أنفسهم وحتى تنحدر اهتماماتهم إلى مستوى طلاب الثانويات العامة.. كل هذا والأمن العام في أروقة الجامعة وفى أبوابها يتبختر وبعض الناس الذين جمع بينهم الخيال وصور لهم أنهم أهل ليكونوا بدلا عن الاتحاد، فاشتطوا أيما شطط.. ثم لما لم يجدوا ثغرة ينفذون منها إلى جدار صف الطلاب المتراص- لجأوا للإغراء بالجاه والمال والرحلات وغيرها.. واستمالوا الطلاب بوسائل عديدة لا نحب الإشارة إليها، غير أنها لم تفلح جميعا، ذلك لأنه لا يمكن لأي جهة كانت أن تحل بسهولة محل اتحاد طلاب الجامعة اسم اتحادهم وتاريخهم البطولي ووقفاته.. ولا يمكن أبدا حتى لإدارة الجامعة أن تقدم لطلاب الجامعة نوع الخدمات التي يمتاز الاتحاد بها.. وسقطت كل المحاولات الفاشلة " ويواصل بولاد عن هجرة أعضاء الاتحاد للخارج فيقول " ونسبة لضرورة الكفاح وأهمية الاتصال بالأصدقاء في الخارج والمؤسسات المماثلة فلقد أوفد الاتحاد أعضاءه للخارج في شكل ثلاث وفود متتالية :

الوفد الأول بقيادة :

1- سيد عمر كمبال السكرتير العام.
2- سراج الدين حامد عضو اللجنة
3- على احمد كرتي عضو اللجنة

وأربعة من أعضاء المجلس الاربعينى ..وبعد انقضاء مدة على سفرهم بعث الاتحاد وفدا آخر بقيادة الأخ/ المعتصم عبد الرحيم الحسن السكرتير الاكاديمى وعضوية:

1- فضل السيد أبو قصيصه عضو المجلس
2- عبد الحميد عبد الباقي سراج عضو المجلس

وواصل الأعضاء الباقون عملهم من الداخل فأصدروا كتيبا عن تاريخ الاتحاد ومستقبل العمل الطلابي، ومؤشرات السياسة السودانية الجديدة..

وتم تكوين لجنة ظل سرية وإعدادها لتسيير أعمال الاتحاد الخاصة ولجمع المعلومات وتجمع الطلاب، ثم سافر رئيس الاتحاد على رأس وفد آخر في عضويته.

1- ابن عمر محمد أحمد مدير المجلس الأربعيني
2- سيد الخطيب السكرتير الثقافي

اتجهت كل هذه الوفود إلى الاتصال بالجهات الخارجية الطلابية ووسعت دائرة علاقات الاتحاد بالاتحادات الطلابية وشملت زياراتهم أوربا، وأفريقيا وآسيا. وإنا لنأمل أن نرى ثمرات هذه الاتصالات في المستقبل القريب إن شاء الله .

ثم يتحدث بولاد عن الجامعة في فترة المعارضة قبل 1977م قائلا"عاشت جامعة الخرطوم سنوات سوداء كالحة، مات النشاط الطلابي الهادف وهدمت مناشط الحياة الطلابية.. وشهدت الحياة الثقافية في الجامعة ركودا رهيبا .. وضاعت مواهب الطلاب الفكرية المبدعة، وهبطت مستويات العمل النقابي وقلت التجربة.. وفى الجانب الآخر فلقد انحدرت الخدمات وساءت .. وكانت الدراسة مع الحراسة .. وكان البوليس والتفتيش .. وكان الميدان الشرقي معسكرا لقوات البوليس .. كانت الجامعة أسوأ ما يمكن أن تكون كمؤسسة .. وكان النشاط الطلابي تحت الصفر.

ولقد ثبتت حقيقة لكل الناس أن جامعة الخرطوم لا يمكن أن تكون مؤسسة جامعية سوية بدون هذا الاتحاد.. وأن جميع محاولات حل هذا الاتحاد أو تعطيله مع أنها دائما تبوء بالفشل، إلا أنها كل يوم تفتح لطلاب الجامعة ومؤسساتهم الدستورية آفاقا جديدة من التجربة الناضجة والتمرس المقتدر على مواجهة الصعاب فيخرجون منها وهم أكثر مضاء وأصلب عودا .

ثم ختم خطابه قائلا" وفى ختام هذا الخطاب .. وفى ختام دورتي هذه ، يطيب لي أن أشكر أخوتي طلاب وطالبات جامعة الخرطوم الذين أولونا ثقتهم وشدوا على أيادينا وصمدوا صفا واحدا خلف اتحادهم في أحلك الظروف حتى اجتاز الطلاب أكبر العقبات واستمر اتحادهم عملاقا.. وإني لأسأل الله أن أكون وأخوتي أعضاء المجلس الأربعيني واللجنة التنفيذية قد أدينا واجبنا، وقمنا بحقوق الطلاب على وجه نرضى به الله أولا..

وعاش اتحاد طلاب جامعة الخرطوم:

داؤد يحيى بولاد

رئيس الاتحاد دورة 74/ 75/ 1977م

يلاحظ أنه رغم أننا قد تحدثنا عن جامعة الخرطوم قبل المصالحة الوطنية ودورها في المعارضة لكننا أردنا بإيراد خطاب داؤد بولاد- رئيس الاتحاد- أن نجمل ملخصا للأوضاع في الجامعة بقلم أحد صناع الأحداث وأحد أبرز قيادات الاتجاه الإسلامى في الجامعة.. الذين تأثروا بالأحداث وأثروا فيها.. كما أردنا بإيراد خطاب بولاد أن يكون خاتمة حية للحديث عن الفترة التي سبقت المصالحة الوطنية ليدخل بعدها الباحث في فترة ما بعد المصالحة الوطنية .. كذلك من دواعي التركيز على هذه النقاط التي وردت في خطاب بولاد هو مقارنة أقوال وأفعال الاتجاه الإسلامى عندما كان معارضا وعندما آلت إليه مقاليد السلطة في السودان بعد ثورة الإنقاذ الوطني في 30 يونيو 1989م ، ولماذا تغيرت المواقف وتبدلت الشعارات وجنح طلاب الاتجاه الإسلامى ليمثلوا دور وكيل السلطة وأجهزتها الأمنية في الجامعات ؟؟؟ أما كان من الأحرى أن يحفظ طلاب الاتجاه الإسلامى ذات المواقف المتميزة التي تجعل منهم صمام أمان، يحفظ الإنقاذ وأجهزتها الأمنية من أى انحراف أو تجاوز ؟ ألم يكن من الحكمة أن تتذكر قيادات الطلاب أن الحركة الطلابية تقاد بالمواقف السياسية الحكيمة البعيدة عن الاستفزاز والقهر وإبداء العضلات والتخويف؟

لماذا فات على قيادات الطلاب أن مواقفهم الباسلة ومجاهداتهم في مناطق العمليات والشهداء الذين قدموهم حتى أصبحوا قدوة للطلاب.. لماذا فات عليهم أن هذا البنيان الشامخ يمكن أن يهدمه أى تجاوز أمنى داخل الجامعة.. لقد قدنا نحن جامعة الخرطوم بعد المصالحة الوطنية وكانت الحركة الأم شريكة في نظام نميرى لكننا استطعنا أن نميز صفنا عن صف السلطة وأن نقنع الطلاب بأنه لا بديل للاتجاه الإسلامى .. بل كنا نسعى لإطلاق سراح الطلاب الشيوعيين الذين كانت تعتقلهم أجهزة الأمن .. ورحم الله قيادات تلك الفترة أمثال محمد محيى الدين الجميعابى والشهيد محمد عبد الرحمن مختار عجول وأمين بناني وخلافهم.

لكن طلاب الاتجاه الإسلامى بعد مجيء ثورة الإنقاذ أصبحوا في نظر الكثيرين من الطلاب هم امتداد لأجهزة الأمن وعينها داخل الجامعة. وقد فات عليهم أنه من المفيد جدا أن نخسر الانتخابات دورة أو دورتين ونقود معارضة فعالة لمن يقود الاتحاد من تنظيمات المعارضة وفى هذه الفترة نستطيع أن نربى قياداتنا الطلابية ونعدهم لدورات قادمة. ذلك أفيد من السعي لتأجيل الانتخابات بحجج واهية".

أما أن نقود الاتحاد أو نحله أو نجمده " الخاسر الأول من غياب الحكمة والوعي السياسي وقراءة المستقبل السياسي الطلابي بصورة صحيحة الخاسر هو الاتجاه الإسلامى في عضويته الملتزمة وفى مناصريه في برنامجه الدعوى وفى شعاراته ومبادئه التي تدعو للحرية ( الحرية لنا ولسوانا).

نعود بعد هذا الاستطراد إلى اتحاد بولاد وهنا سيذكر الباحث قائمة أعضاء الاتجاه الإسلامى الذين كانوا أعضاء بالاتحاد في تلك الدورة الطويلة من 74- 1977م وعدد كبير منهم يحتل الآن مواقع مهمة في دولاب حكم الإنقاذ.

كما يذكر الباحث قائمة بالاتحاد التي سيطر عليها الاتجاه الإسلامى من عام 1969م إلى عام 1977م

انتخابات الاتحاد دورة 1974م

في الأسبوع الأول من ديسمبر1974م أجريت انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في جو ديمقراطي حر وفقا لدستور الانتخابات الحر المباشر وكانت النتيجة كالآتي:

7217 طالب أولا: عدد طلاب جامعة الخرطوم
4063 طالبا ثانيا : عدد الذين أدلوا بأصواتهم
56,3% ثالثا: النسبة المئوية للتصويت

وكانت النتيجة كالآتي:

الجدول رقم : (2) يوضح نتيجة الانتخابات لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 1974م
الأصوات التي نالها الاسم
3796 1-بشير آدم رحمة
3426 2-داؤد يحيى بولاد
3417 3-غازي صلاح الدين
3317 4- سيد الخطيب
3258 5-الحافظ جمعة سهل
3235 6-ابن عمر محمد أحمد
3234 7-بكرى عثمان سعيد
3214 8-آمنة محمد بدوى
3212 9-حسن مكي محمد أحمد
3202 10-الأمين الزين صغيرون
3196 11-سيد عمر كمبال
3192 12-فاروق أحمد آدم
3155 13-سمية محمد أحمد أبو كشوة
3139 فتحية حمزة الخليفة
3102 15-المعتصم عبد الرحيم الحسن
3056 16-على أحمد كرتي
3053 17-سراج الدين حامد
3053 18-الطيب إبراهيم محمد خير
3049 19-العبيد فضل المولي
3042 20-محمد البشير محمد
3030 21-عثمان عبد الله نصر
3022 22-التجانى عبد القادر حامد
3018 23-إحسان حمزة عباس
3014 24-عبد الإله أحمد عبد الله
3013 25-فضل السيد عبد القادر أبو قصيصة
2996 26-محمد محيى الدين الجميعابى
2994 27-الطاهر على الطاهر
2988 28-عبد الحميد عبد الباقي
2988 29-عبد المحمود نور الدائم الكرنكى ت
2960 30-إسماعيل الأمين صبير
2960 31-محمد الكفيل زكريا
2944 32-عثمان سليمان بشير
2942 33-مطرف صديق على
2930 34-عبد الرحمن عمر الحسن
2917 35- محمد يوسف على يوسف
2902 36-بدر الدين أحمد الجعلى
2898 37-يحيى حسين زكريا
2888 38-عبد الله محمد آدم
2882 39-أحمد عباس محمد أحمد
0326 40-إبراهيم عبد الرحمن
0314 41-حامد عثمان حمد
  • ويشكل الأربعون الأوائل مجلس الاتحاد.
  • يمكن ملاحظة أصوات الطلاب رقم : (42) و( 41) وهى الأصوات التي تلي قائمة الاتجاه الإسلامى لتتم ملاحظة الفرق في الأصوات..

رصد وتحليل نتائج الانتخابات للاتحاد 77-1985م

في هذه الفترة بدأ التمدد الحقيق أفقيا ورأسيا للاتجاه الإسلامى وكان لهذا التمدد مسبباته المنطقية.. ويذكر الباحث هنا ما أورده محمد محيى الدين الجميعابى عن هذه الفترة فقال: " عندما جاءت المصالحة الوطنية، كانت كل القيادات التاريخية المعتقة .. جئنا وقفنا بها داخل الجامعة.. وقد أعطانا ذلك فرصة للانتشار الشديد والسريع.. نحن جئنا وعندنا أكثر من 250 قياديا خريجي السجون والقادمين من الخارج وكلهم كانوا قمم في تجربتهم وفى سنهم وتاريخهم النضالي..

في أكتوبر 1977 م نزل الاتجاه الإسلامى ، بعدة وعتاد لم تكن متوفرة للتنظيمات الأخرى.. قيادات تاريخية كانت بمستوى عال من الكفاءة والدراية".. كانت سنوات 77-78-1979م تمثل مرحلة انتشار تنظيمي معروف إذ نفذت الحركة الإسلامية من داخل جامعة الخرطوم حوالي 56 معسكرا في أنحاء السودان- الحصاحيصا- أربجى- التي.. طلبة – طالبات.. قيادات.. فقد كانت الحركة الإسلامية تريد أن تسبق الأحزاب الأخرى.. المعسكر تتراوح عضويته ما بين 100- 250 عضوا .. من طلاب الثانويات .. بعد ذلك جاءت هذه الأعداء أو معظمها إلى الجامعة طلابا مما شكل قوة دفع لمسيرة الاتجاه الإسلامى السياسية والفكرية.

وعن أهمية الاتحاد للاتجاه الإسلامى يقول الجميعابى :" كان الاتحاد هو المنبر الذي تبرز من خلاله قيادات الاتجاه الإسلامى التاريخية والسياسية ، فهو منبر للتدريب والتأهيل ومختبر تعليم مستمر .. وهو الوسيلة التي من خلالها يؤثر على الناس وهو النافذة التي عبرت بها القيادات التاريخية من الجامعة إلى المجتمع السوداني العريض.." على ضوء ما تقدم يستعرض الباحث انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في الفترة موضوع الدراسة 77- 1985م ثم يتم التعليق والتحليل لها بعد ذلك:

1- انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 77- 1978م

7786 طالبا (أ) عدد طلاب جامعة الخرطوم
6572 طالبا (ب)عدد الذين أدلوا بأصواتهم
83,1% (جـ) النسبة المئوية للاقتراع

هذه الانتخابات اكتسحها الاتجاه الإسلامى اكتساحا كبيرا وبفرق كبير في الأصوات ونال جميع مقاعد الاتحاد الأربعين حيث أصبح الطالب التجانى عبد القادر حامد رئيسا للاتحاد.. وقد كان على رأس قائمة الاتجاه الإسلامى من حيث عدد الأصوات الطالب داؤد يحيى بولاد- رئيس اتحاد ما قبل المصالحة- والذي نال 4712 صوتا أي نسبة 52,2% من أصوات البدوي منقاش 1797 صوتا بنسبة 27,3% أما أدناهم فقد كان الطالب المهدي عمر الدود الذي نال 1143 صوتا بنسبة 17,39% علما بأن قائمة الجبهة الديمقراطية هي القائمة الثانية من حيث قوة المنافسة الانتخابية.

2- انتخابات الاتحاد دورة 78-18979م

في هذه الدورة فاز الاتجاه الإسلامى أيضا بجميع مقاعد الاتحاد الأربعين وأصبح الطالب [[المعتصم عبد الرحيم الحسن]] رئيسا للاتحاد وكانت نتيجتها كالآتي:

7864 طالبا (أ) عدد طلاب الجامعة
5525 طالبا (ب) عدد الذين اشتركوا في التصويت
70,26% (جـ) نسبة التصويت

في هذه الدورة كان أعلى قائمة الاتجاه الإسلامى هو الطالب التجانى عبد القادر حامد الذي نال 3609 صوتا بنسبة 65,26% من أصوات الطلاب، أما آخر قائمة الاتجاه الإسلامى فقد كان الطالب إبراهيم بابكر محمد الذي نال 3026 صوتا بنسبة 54,7% أما بقية الأصوات فقد وزعت على بقية التنظيمات.

3- دورة 79- 1980م

وهى عرفت بدورة التحالف والتي فقد فيها الاتجاه الإسلامى قيادة الاتحاد عندما تحالفت ضده تسعة تنظيمات في قائمة واحدة هي قائمة التحالف التي ضمت :

1- الجبهة الديمقراطية .
2- مؤتمر الطلاب المستقلين.
3- رابطة الفكر الجمهوري.
4- حزب الأمة.
5- الحزب الاتحادي الديمقراطي.
6- الحزب الناصري.
7- الجبهة الوطنية الإفريقية .
8- حزب البعث.
9- جبهة كفاح الطلبة.

ورغم أن الاتجاه الإسلامى في تلك الدورة قد فقد قيادة الاتحاد إلا أنه استطاع اختراق قائمة التحالف وإدخال ثلاثة عشر عضوا من قائمته إلى عضوية المجلس الأربعيني للاتحاد بل أن مرشحيه قد تصدروا قائمة الفائزين حيث جاء [[المعتصم عبد الرحيم الحسن]] على رأس قائمة الفائزين وكانت الانتخابات كالآتي:

7997 طالب (أ) عدد طلاب الجامعة
7086طالب (ب) عدد الذين اشتركوا في التصويت
88,6% (ج) نسبة التصويت

حيث نال :

3756صوتا بنسبة 53,% (أ) المعتصم عبد الرحيم الحسن
3624 صوتا بنسبة 51,1% (ب) محمد محيى الدين الجميعابى
3352 صوتا بنسبة 47,4% (ج) أمين بناني نيو

وهؤلاء من جملة الثلاثة عشر الذين اخترقوا قائمة التحالف وقد ترأس تلك الدورة الطالب سليمان الأمين عباس من مؤتمر الطلاب المستقلين ولم تكمل لتلك الدورة فترتها كما حدثت في عهدها اضطرابات طلابية أدت إلى مقتل طالب كلية الزراعة الشهيد ( الغالي عبد الحكم حاج المكي) ونسف الاستقرار في الجامعة.. كما انسحب الطلاب الجمهوريون من عضوية مجلس الاتحاد لأسباب سياسية.

4- دورة 80- 1981م

في هذه الدورة أحرز الاتجاه الإسلامى مقاعد الاتحاد الأربعين حيث أصبح الطالب أمين بناني رئيسا للاتحاد وكانت كالآتي:

8034 طالبا (أ) عدد المسجلين للجامعة
6018 طالبا (ب) عدد الذين أدلوا بأصواتهم
74,88% (ج) نسبة التصويت

في تلك الدورة نال أعلى أصوات الاتجاه الإسلامى الطالب أمين بناني نيو محرزا 3633 صوتا بنسبة 60,3% .

كما نال أدنى أصوات الاتجاه الإسلامى الطالب الدرديرى محمد أحمد الذي نال 3290 صوتا بنسبة 54,66% . أما أعلى أصوات القائمة الثانية وهى قائمة مؤتمر الطلاب المستقلين فقد أحرزها الطالب سليمان الأمين الذي نال 1839 صوتا بنسبة 30,5% .

أما اعلي قائمة الجبهة الديمقراطية فقد كانت الطالبة آمال جبر الله سيد أحمد والتي نالت 568 صوتا بنسبة 9,4%.

أما أدنى قائمة الجبهة الديمقراطية فقد كان الطالب بابكر محمد أحمد الذي نال 370 صوتا بنسبة 6,3% ويلاحظ هنا أن سليمان الأمين وهو رئيس اتحاد الطلاب في فترة التحالف السابقة لهذه الدورة لم يستطع الفوز واختراق قائمة الاتجاه الإسلامى لهذه الدورة ليصبح عضوا بالاتحاد كعادة رؤساء الاتحادات إذ أن الاتجاه الإسلامى عندما فقد قيادة الاتحاد دورة 79- 1980م استطاع أن يدخل ثلاثة عشر عضوا لمجلس الاتحاد من بينهم رئيس الاتحاد السابق [[المعتصم عبد الرحيم الحسن]].. مما جعل الاتجاه الإسلامى يصف فوز التحالف في انتخابات 79- 1980م بأنه قد كان فوزا عشوائيا حدث محض صدفة.

5- دورة 81- 1982م :

هذه الدورة فاز فيها الاتجاه الإسلامى بمقاعد الاتحاد الأربعين حيث أصبح الطالب محمد عبد الرحمن مختار عجول رئيسا للاتحاد وقد كان مؤلف هذا الكتاب عضوا بالمجلس الأربعيني للاتحاد في هذه الدورة وكانت كالآتي:

8049 طالب (أ) عدد المسجلين للجامعة
5598 طالبا (ب) عدد الذين أدلوا بأصواتهم
69,54% (ج) نسبة التصويت

حيث نال أعلى قائمة الاتجاه الإسلامى، وهو الطالب أمين بناني نيو 3068 صوتا بنسبة 54,8% أما ادني قائمة الاتجاه الإسلامى فقد كان الطالب سراج الدين عبد الغفار عمر الذي أحرز 2748 صوتا بنسبة 49% أما أول قائمة الطلاب المستقلين فقد كان الطالب سليمان الأمين الذي أحرز 2223 صوتا بنسبة 39,7% وآخر قائمة المؤتمر هو الطالب برهان أحمد الصافي الذي أحرز 1833 صوتا بنسبة 32,7% أما أول قائمة الجبهة الديمقراطية فقد كان الطالب أبو بكر الصديق الزيلعى الذي أحرز 603 صوتا بنسبة 7,10% أما آخر قائمة الجبهة الديمقراطية فقد كان الطالب شكر الله أحمد على الذي أحرز 478 صوتا بنسبة 8,5%.

6- دورة 82- 1983م :

في هذه الدورة أحرز الاتجاه الإسلامى جميع مقاعد الاتحاد الأربعين وأصبح الطالب خالد حسن إبراهيم رئيسا للاتحاد وكانت كالآتي:

8056 طالبا (أ) عدد الطلاب المسجلين
5344 طالبا (ب) عدد الذين أدلوا بأصواتهم
66,34% (ج) النسبة المئوية

حيث نال أعلى قائمة الاتجاه الإسلامى ، وهو الطالب محمد عبد الرحمن مختار عجول 2702 صوتا بنسبة 50,56% أما آخر قائمة الاتجاه الإسلامى فقد كان هو الطالب يوسف محمد صالح لبس الذي أحرز 2501 صوتا بنسبة 46,8% أما أول قائمة مؤتمر الطلاب المستقلين فقد كان الطالب فيصل جلال عبد العزيز الذي نال 2028 صوتا بنسبة 38,9% أما أول قائمة الجبهة الديمقراطية فقد كانت الطالبة هالة بابكر النور التي أحرزت 417 صوتا بنسبة 7,8% وآخر قائمة الجبهة الديمقراطية قد كان الطالب محمد حسن العجيلى الذي أحرز 363 صوتا بنسبة 6,79% أما أول قائمة حزب الأمة فقد كان الطالب صديق موسى الشيخ بولاد الذي أحرز 152 صوتا بنسبة 2,8% أما آخر قائمة حزب الأمة فقد كان الطالب حامد عبد الكريم محمد الذي أحرز 100 صوتا بنسبة 1,8% .

7- دورة 83- 1984م.

في هذه الدورة أحرز الاتجاه الإسلامى مقاعد الاتحاد الأربعين حيث أصبح الطالب ميرغنى أبكر الطيب رئيسا للاتحاد وكانت كالآتي:

8407 طالبا 1- عدد الطلاب المسجلين
5766 طالبا 2- عدد الذين أدلوا بأصواتهم
154 بطاقة 3- البطاقات التالفة
68,59% 4- النسبة المئوية

حيث نال أعلى قائمة الاتجاه الإسلامى، وهو الطالب خالد حسن إبراهيم الذي نال 2897 صوتا بنسبة 51,6% .

وكان آخر قائمة الاتجاه الإسلامى فقد كان هو الطالب عز الدين حسن عبد القادر الذي أحرز 2716 صوتا بنسبة 48,39% .

أما أول قائمة مؤتمر الطلاب المستقلين فقد كان الطالب عمر يوسف الدقير الذي أحرز 1742 صوتا بنسبة 31,04% .

أما آخر قائمة المؤتمر قد كان الطالب عاطف حسن أحمد الذي نال 1540 صوتا بنسبة 27,44%.

أما أول قائمة الجبهة المؤتمر عاطف حسن أحمد الذي نال 1540 صوتا بنسبة 27,44%.

أما أول قائمة الجبهة الديمقراطية فقد كان الطالب مأمون سيد أحمد الذي نال 723 صوتا بنسبة 12,8.

8- دورة 84- 1985م:

في هذه الدورة شهدت جامعة الخرطوم تحالفا للتنظيمات السياسية كسابقه الذي حدث في دورة 79- 1980 م ( عدا حزب الأمة) وقد استطاع تجمع التنظيمات من نيل جميع مقاعد الاتحاد عدا مقعدا واحدا للاتجاه الإسلامى الذي اخترق قائمة التنظيمات ليدخل عضوه الطالب ميرغنى أبكر الطيب ( رئيس الاتحاد السابق) إلى عضوية المجلس الأربعيني وقد أصبح الطالب عمر يوسف الدقير رئيسا للاتحاد .. وكانت تلك الدورة كالآتي:

6898طالبا 1- عدد المسجلين بالجامعة
4937 طالبا 2- عدد الذين أدلوا بأصواتهم
71,57% 3- نسبة التصويت

كان أعلى مرشحي التحالف هو الطالب عمر يوسف الدقير الذي أحرز 2343 صوتا بنسبة 47,45% بينما نال آخر القائمة (40) وهو مرشح الاتجاه الإسلامى ميرغنى أبكر الطيب 2106 صوتا بنسبة 42,65% كما نال آخر قائمة الاتجاه الإسلامى العضو رقم )79) وقد كان الطالب حامد بكر حنون 1969 صوتا بنسبة 39,88% أما أول قائمة حزب الأمة فقد كان الطالب الفاضل آدم إسماعيل الذي أحرز 476 صوتا بنسبة 9,64% وآخر مرشح الأمة فقد كانت الطالبة نفيسة عثمان والتي أحرزت 345 صوتا بنسبة 6,98%.

ويلاحظ في هذه الدورة أن الاتجاه الإسلامى كان يحتاج إلى 8% من أصوات الطلاب لينال جميع مقاعد الأربعين. دورات الاتحاد من 77- 1985م:

• الجدول (3) يوضح دورات الاتحاد من 77- 1985 م والتنظيمات التي فازت بها مع ذكر اسم رئيس الاتحاد لكل دورة:
اسم رئيس الاتحاد اللون السياسي تاريخ الدورة
التجانى عبد القادر حامد الاتجاه الإسلامى 1/ 77 – 1978م
المعتصم عبد الرحيم حسين الاتجاه الإسلامى 2/78- 1979م
سليمان الأمين تحالف التنظيمات 3/79- 1980م
أمين بناني نيو الاتجاه الإسلامى 4/ 80- 1981م
محمد عبد الرحمن مختار عجول الاتجاه الإسلامى 5/81- 1982م
خالد حسن إبراهيم الاتجاه الإسلامى 6/82- 1983م
ميرغنى أبكر الطيب الاتجاه الإسلامى 7/83- 1984م
عمر يوسف الدقير تحالف التنظيمات 8/84- 1985م
زيدان عمر زيدان الاتجاه الإسلامى 9/85- 1986م
• الجدول أدناه (2) يوضح الأصوات والنسب المئوية التي حاز عليها الاتجاه الإسلامى في الدورات التي سيطر فيها على قيادة الاتحاد من أصوات طلاب جامعة الخرطوم قاطبة.
أدنى أصوات الاتجاه الإسلامى ونسبتها المئوية أعلى أصوات الاتجاه الإسلامى ونسبتها المئوية الدورة
2432- 52,2% 4712- 71,6% 77-1978م
3026- 54,7% 3906- 65,32% 78-1979م
3290- 54,66% 3633- 60,3% 80- 1981م
2748- 49% 3068- 54% 81- 1982م
2501-46,8% 2702- 50,56% 82- 1983م
2716- 48,39% 2897- 51,6% 83- 1984م

تحليل نتيجة الانتخابات

من إيراد الأرقام والنسب التي برزت من نتائج الانتخابات التي شهدتها جامعة الخرطوم فى الفترة موضوع الدراسة يستطيع الباحث أن يلمح الملاحظات التالية:

1- استطاع الاتجاه الإسلامى أن يكسب جميع الانتخابات التي جرت حول مقاعد الاتحاد منذ المصالحة الوطنية عام 1977م وحتى عام 1985م عدا دورتين هما دورتي التحالف لعامي 79- 1980م وعام 84- 1985م.
2- لم يستطع تنظيم واحد أو تنظيمان في حالة التحالف من إسقاط الاتجاه الإسلامى في الانتخابات مما جعل التنظيمات تتحالف جميعها ( تسعة تنظيمات) في دورة 79- 1980م لإسقاط الاتجاه الإسلامى.. ورغم ذلك استطاع الاتجاه الإسلامى اختراق قائمة التحالف وإدخال ثلاثة عشر عضوا من قائمته لمقاعد الاتحاد.. بل إن مرشحي الاتجاه الإسلامى تصدروا قائمة الفائزين محرزين أعلى الأصوات مما يعتبر مؤشرا إيجابيا للاتجاه الإسلامى.
3- انخفض مؤيدو الجبهة الديمقراطية حيث كانت هي المنافس الوحيد للاتجاه الإسلامى في انتخابات 78- 1979م ، حيث أحرزت قائمة الجبهة الديمقراطية في تلك الانتخابات 1797 صوتا كأعلى الأصوات التي نالها أحد مرشحيها بنسبة 23, 3% من أصوات الناخبين، بعد ذلك تدنت أصواتها لتصل إلى 568 صوتا في انتخابات 80- 1981م بنسبة 9,4% وأدناها 380 صوتا في ذات الانتخابات بنسبة 6,3% كما يمكن ملاحظة التدني في أصوات الجبهة الديمقراطية في قمة معارضتها للنظام المايوى وفى قمة معارضة الطلاب للنظام المايوى أن تنال 750 صوتا في الانتفاضة حيث كانت أصواتها تتراوح بين 380- 478- 363- 723- صوتا..
4- يعتبر التدني في شعبية مؤيدي الجبهة الديمقراطية مؤشرا إيجابيا لصالح الاتجاه الإسلامى الذي استطاع أن يدير إعلاما قويا ضد الفكر الشيوعي والممارسة الشيوعية مما حيد الكثيرين من الطلاب.. وهذا يندرج تحت دائرة الأسلمة والصحوة الإسلامية التي شهدتها الجامعة بعد المصالحة الوطنية .
5- احتفظ الاتجاه الإسلامى بنسبة ثابتة من طلاب الجامعة في كل الانتخابات تراوحت بين 65% إلى 46% من طلاب الجامعة المشتركين في العملية الانتخابية.. وحتى عندما تحالفت عليه التنظيمات السياسية عام 79/80 كانت أصوات أعضائه الفائزين تتراوح بين 53% بالنسبة للمعتصم عبد الرحيم – 51,1% بالنسبة لمحمد محيى الدين الجميعابى – 47,4% لأمين بناني .. هذه النسبة الثابتة حتى الانتفاضة ظلت تؤهله للفوز في أي انتخابات تخوضها التنظيمات غير متحالفة إذا لم يحدث تحالف كامل.. وفى حالة التحالف الكامل استطاع أن يخترق قائمة التحالف.
6- أثبتت الاتصالات والإحصاءات والتصنيفات التي تديرها غرفة عمليات الاتجاه الإسلامى ارتفاعا كبيرا في نسبة الطالبات اللاتي يؤيدون الاتجاه الإسلامى وهذا لم يكن موجودا قبل 1977م.
7- يعزى الباحث الهبوط وسط التيار المناصر للجبهة الديمقراطية لعدة عوامل منها:
أ- الصحوة الإسلامية التي انتظمت العالم الإسلامى والسودان جزء منه حيث أصحت النظرية الشيوعية لا تجد حماسا ولا أنصارا وسط المثقفين السودانيين والجبهة الديمقراطية ظلت تقدم نفسها كحزب سياسي أكثر منه إيديولوجي .
ب- الاتجاه الإسلامى يشن حملة ضد الجبهة الديمقراطية ويركز على مقولات قادة الشيوعية العالمية التي تصف الدين بأنه أفيونا للشعوب,, وتركز على النظرة المادية الشيوعية للأشياء مما يخلق عازلا بينها وبين الطلاب.
ت- ارتبط اسم الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية بمجيء نظام مايو وفصل أساتذة الجامعة وضرب المسلمين في الجزيرة أبا وود نوباوى وقتل الضباط فيما عرف بمجزرة قصر الضيافة.. كل تلك العوامل كانت تضعف من أنصار الجبهة الديمقراطية.

البرنامج الثقافي للاتحاد

شملت اللجنة التنفيذية للاتحاد سكرتارية تهتم بالعمل الثقافي وهى سكرتارية الشئون الثقافية والتي تنضوي تحتها مجلة الجامعة وكل الأنشطة الثقافية بالجامعة.. وكانت خطة الاتجاه الإسلامى هي تسخير كل المتاح من وسائل وأدوات الاتحاد لبرنامج التغيير الإسلامى الذي تطرحه الحركة الإسلامية .. فكانت مجلة الجامعة واحدة من هذه الأدوات الهامة.. إذ أن لها قراء ومعجبون.. فعبرها يتم الحديث عن قضايا التأصل الثقافي والفكري وتتم الدعوة للالتزام الإسلامى وعبرها تعلن الحركة الإسلامية خطها السياسي وآراءها السياسية.. حيث شهدت مجلة الجامعة في إطار الثقافة السياسية مقالات التجانى عبد القادر عن "الأسئلة الصعبة في السياسة السودانية" ومقالات سيد الخطيب "من المقاعد الخلفية " ومقالات محمد طه محمد أحمد وحسن مكي.. وخلافه.. كما أصدرت السكرتارية الثقافية جريدة " الرأي " الأسبوعية السياسية والفكرية لذات الغرض.. كذلك قام الاتحاد بطبع وترجمة عدد من الكتيبات التي يرى فيها خدمة لخطه الفكري مثل كتب المفكر الإيرانى على شريعتي وكذلك كتاب أحمد محمد شاموق عن ثورة أكتوبر وكتيب " كوسو بين الماضي والحاضر" وكتيب أمين حسن عمر كذلك طرح الاتحاد برنامجا ثقافيا على مستوى المجتمع السوداني وذلك عبر برنامج العمل الصيفي والذي كان يقوم تحت شعارات كبيرة مثل:

" محو الأمية أبجديا وحضاريا " حيث كانت قوافل العمل الصيفي التابعة للاتحاد تجوب أرياف المجتمع السوداني تقدم التوعية وتشيد المدارس وتقدم الندوات والدروس والمحاضرات كما درج الاتحاد داخل الجامعة أثناء العطلات على قيام الكورسات الأكاديمية لطلاب الثانويات والتي يتم خلالها عمل دعوى منظم.

لكن العمل الدعوى الكبير يتجلى فيما عرف في تاريخ الاتحاد بـ" الموسم الثقافي للاتحاد" وهو موسم يتم سنويا ويتم الإعداد له على مستوى كبير وتتم الاتصالات الداخلية والخارجية بالمدعوين والمفكرين من أنحاء العالم ويتم الإعداد المكتمل لذلك والموسم الثقافي للاتحاد يمثل فرصة لالتقاء الحركات الإسلامية والمفكرين الإسلاميين حيث يتم طرح الأفكار وتبادل الآراء بين قيادات العمل الإسلامى فهو صورة مصغرة لما عرف مؤخرا بالمؤتمر الشعبي العربي والإسلامى الذي ترأسه الشيخ الدكتور حسن الترابي والذي تم حله عند أزمة انشقاق الحركة الإسلامية وجمد نشاطه.

في تلك المواسم تطرح الحركة الإسلامية العالمية رأيها في كثير من قضايا الاجتماع والاقتصاد والسياسة بصورة تمثل تعبئة لعضوية الاتجاه الإسلامى ودعوة لبقية الطلاب للالتفاف حول برنامج التغيير الاجتماعي الذي تطرحه الحركة الإسلامية عبر الاتجاه الإسلامى .. وإذا كان الباحث في ثنايا حديثه عن الخطاب السياسي والفكري للاتجاه الإسلامى قد افرد حديثا إضافيا عن دور الاتحاد في ذلك مما يعتبر رافدا لهذا الفصل في الحديث عن الطرح الثقافي للاتحاد، لكن في هذا الفصل يستعرض الباحث ما قدم من ا,راق في أحد المواسم الثقافية لتتم المقارنة التي أشار إليها الباحث في موضع متقدم من هذا البحث بين ما طرحه " منتدى الأصدقاء الفكري" التابع للاتجاه الإسلامى كتنظيم ، وبين ما يقدمه " الموسم الثقافي" للاتحاد كجهاز نقابي قومي.. حيث يتضح وجه الشبه بين الأمرين بصورة تدعو للتطابق.

قضايا التحول الإسلامى المعاصر داخل الموسم الثقافي

والباحث هنا يستعرض ما طرح في " الموسم الثقافي الثالث" الذي عقد في 23/ سبتمبر / 1981م تحت شعار" قضايا التحول الإسلامى المعاصر" وهنا نستعرض أسماء المحاضرات والمحاضرين والمناقشين والمقدمين واتجاهاتهم السياسية.. كما يذكر أن هذه المواسم كانت تتم بالقاعة الكبرى المعروفة بقاعة الامتحانات بالجامعة..

جدول رقم : (4) يوضح الموسم الثقافي الثالث لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم المنعقد في 23/ سبتمبر 1981م.

الموضوع المتحدث اللون السياسي

1/ تجديد الفكر السياسي د. إبراهيم أحمد عمر مناقش: المحجوب عبد السلام تقديم : سيد أحمد الحسن اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

2/ قضايا الحرية والوحدة في النظام السياسي الإسلامى د. حسن الترابي

تقديم : سيد احمد الحسن اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

3/ قضايا التغيير الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية د. زكريا بشير إمام

د. بلقيس بدري

تقديم : عمر الأمين الحسن اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

4/ الأدب واللغة ودورهما في التحول الحضاري د. محمد الواثق

د. جعفر ميرغنى

مناقش: أبو بكر الشنقيطى

تقديم : عمر محمد عبد الرحمن اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

5/ الاقتصاد الإسلامى الجديدة الأستاذ : عبد الرحيم حمدي

د. إبراهيم عبيد الله

تقديم : ميرغنى أبكر

مناقش: محمد منصور اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

6/ المرأة ودورها في التحول الاجتماعي الأستاذة : نفيسة أحمد الأمين

الأستاذ : أحمد محمد شاموق

مناقشة : لبابة الفضل اتجاه اشتراكي

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

7/ مشكلات الثورة الإسلامية العاصرة هند مأمون بحيرى

د. عبد الرحيم على

مناقش: حسن مكي محمد أحمد

تقديم: خالد حسن إبراهيم اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

8/الشورى والمؤسسات السياسية المعاصرة

د. الطيب زين العابدين

الأستاذ : على عثمان محمد طه

د. عبد الحميد أبو سليمان

مناقش: تجانى عبد القادر

تقديم : محمد محجوب هارون اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

9/ التعايش الثقافي في عصر الثورة الإسلامية د. إسماعيل الحاج الموسى

د. الطاهر الحسين

مناقش : عبد المحمود نور الدائم

تقديم : محمد محجوب هارون اتجاه اشتراكي

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

10/ القوى العظمى وموقفها من التحول الإسلامى د. تجانى أبو جديرى

الأستاذ : إسماعيل راجي

الفاروقى ( قادم من أمريكا)

تقديم : عمر الأمين الحسين اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

اتجاه اسلامى

11/ ظاهرة الإقليمية والقوى والتحول الإسلامى المعاصر والقومية والتحول الإسلامى المعاصر بروفيسور مدثر عبد الرحيم

الأستاذ : إبراهيم المصري

تقديم : عمر محمد عبد الرحمن مستقل

اتجاه اسلامى من لبنان

اتجاه اسلامى

المصدر : مطبوعات اتحاد جامعة الخرطوم ، مكاتب الاتحاد الخرطوم.

مما تقدم يلاحظ الباحث الآتي:

1- وجه الشبه الكبير بين ما طرحه الاتجاه الإسلامى عبر "المنتدى" وبين ما طرح عبر الموسم الثقافي للاتحاد من طرح فكرى.
2- تبدو هنا أهمية الاتحاد بالنسبة للاتجاه الإسلامى واضحة إذ أنه يمثل لافتة قومية لا يتحرج المفكرون الأجانب من تلبية دعوتها والحضور لمناشطها على العكس من واجهة الاتجاه الإسلامى التي لا تتجاوز محيط الجامعة.
3- مثل الموسم الثقافي ملتقى للمفكرين والأدباء الإسلاميين كما مثل فرصة للتعرف بين الحركات الإسلامية على مستوى العالم والاطلاع على تجارب بعضها البعض والاستفادة من تجارب المفكرين الإسلاميين غير المنتمين .. حيث حضر مواسم الاتحاد الشيخ راشد الغنوشى زعيم حزب النهضة التونسي- والمفكر الإسلامى عمار الطالبى- وعماد الدين خليل – ومحمد فتحي عثمان- والمفكر المصري محمد خفاجة- ومن أمريكا جاء الفاروقي .. وممثلين للحركة الإسلامية اليمنية وكثير من حركات التحرر العالمية.
4- كان الموسم فرصة لتدريب وصقل أعضاء الاتجاه الإسلامى الذين يقومون بمرافقة المفكرين الأجانب.. وتقديم المتحدثين في الندوات وحضور لقاءاتهم مع القيادات الأخرى مما يحفز فيهم روح الثورة والتطلع نحو العلى ونحو قيادة المجتمع بالفكر والثورة معا.

الثقافة التعبوية .. الإسلامبولى

نختم هذا الفصل باستعراض جزء من البث الثقافي التعبوي للاتحاد .. وإذا كنا قد تعرضنا لجزء كبير منه في الحديث عن الخطاب السياسي والفكري للاتجاه الإسلامى في موضع متقدم من هذا البحث مثل الحديث عن ثورة الإمام الخميني في إيران وبيانات التأييد والإعجاب وكذلك بيان للغزو الروسي لأفغانستان وخلافه .. فشأن الباحث أن يستعرض هنا الثقافة التعبوية الثورية التي اتبعها الاتحاد إبان إقدام الملازم خالد الإسلامبولى على إعدام السادات.. ورأى الاتحاد معروف سلفا في الرئيس السادات وقد تمت الإشارة إليه عند عرض بيانات الاتحاد " لا مرحبا بك يا سادات" .

ففي نشرة الاتحاد التي كانت تعرف بنشرة كوسو وتحت اسم " أحداث دولية" كتبت النشرة " لن نتحدث اليوم عن خالد الإسلامبولى فإن ما فعله خالد يستوجب وساما من أعلى الطبقات.. ولن نبكى على خالد فإن روح خالد اسمي من أن تزرف عليها الدموع .. إن والدة خالد لم تقف منتحبة باكية عندما سمعت الحكم على ابنها بالإعدام، بل وجهت إلى العالم الإسلامى رسالة قالت فيها إن خالد ورفاقه لم يقدموا على ما أقدموا عليه إلا بعد أن أعلن السادات في خطبه وقال " أنا لن أرحمهم أبدا" وأنع قال " لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة " ثم قالت: إن القانون الذي يحاكم ولدها قانون باطل ومخالف للشريعة الإسلامية وأن ابنها ورفاقه قتلوا الطاغي الباغي " فامتد إعجاب الناس إلى الأم التي ربت والحضن الذي رعى والثدي الذي أرضع.. وقد علمته كلمة الحق ووقفة الحق ويفخر هذا الشعب بأنه أنجب مثل هذه الأم التي أنجبت مثل هذا البطل.. إن الناس جميعا يموتون وتختلف الأسباب ولكن الناس جميعا لا ينتصرون مثل هذا الانتصار إنما هو اختيار الله وتكريمه من عباده لتشارك الناس في الموت وتنفرد دون الناس بالمجد.

وبعد أن أصدرت المحكمة حكم الإعدام في حق خالد الإسلامبولى وأربعة من رفاقه والسجن المؤبد لخمسة آخرين والسجن مع الأشغال الشاقة لعدد يتراوح بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة لاثني عشر شخصا .. هنا كتبت نشرة كوسو تتحدث عن الإسلامبولى تحت عنوان " الإسلامبولى ورفاقه في سجل الخالدين " : " لقد أثارت هذه القضية في جميع مراحلها ردود فعل شديدة على كافة المستويات فبإقدام خالد الإسلامبولى ورفاقه على قتل السادات أثناء العرض العسكري أثار مشاعر الإعجاب بشجاعة هؤلاء الشبان الذين تقدموا بمنتهى القوة والحزم والعزم باسم ملايين المسلمين .. قتلوا الرجل الذي تحالف مع أعداء الله واستسلم إليهم بدلا من أن يقاتلهم .. ووقفة خالد الإسلامبولى ورفاقه في المحكمة وهو في منتهى الإباء والاستعلاء يردد:

في سبيل الله قمنا

نبتغى رفع اللواء

فليعد للدين مجده

أو ترق منا الدماء

خيبر خيبر يا يهود

بيت المقدس سوف يعود

أثارت في جميع الناس بلا استثناء مشاعر الحب والإعجاب والتقدير لهذه الفئة التي رفعت رؤوس المصريين والمسلمين أجمعين عالية مزهرة دون أن تستعطف الباطل بل تتحداه حتى أن القوة السياسية المختلفة في العالم العربي وبعضها من غير المسلمين اعتبر خالد الإسلامبولى أنشودة لغد مؤزر.. وتواصل النشرة.. وعندما نطقت المحكمة بالحكم وكان معروفا سلفا على الإسلامبولى قال " كل ما حدث كان متوقعا بل إننا تعجبنا أن تستمر هذه المسرحية كل هذا الوقت " وأثارت هذه الوقفة الشجاعة المؤمنة إعجاب الناس ابتداء من المحامين وانتهاء بعامة الناس الذين طالبوا بأن يطلق سراح البطل ويقدم أولادهم بدلا منه ثم وجهت النشرة مضمون هدفها مما تقدم قائلة" بعد أن تم إعدام الشهيد خالد الإسلامبولى ورفاقه الأربعة هل يتعظ خلفاء السادات في كل العالم الإسلامى ويعلموا أن كل مسلم أصبح خالد آخر.. لقد أصبح خالد رمزا حيا في قلب كل إنسان حر يعشق الحرية ويؤمن بها وأصبح أنشودة يتغنى بها كل من يرفض الاستعمار والإذلال".

والباحث يلاحظ أن هذا المقال يخدم غرضين هامين للحركة الإسلامية هما:

1- تعبئة قواعد الحركة الإسلامية تعبئة جهادية فدائية وجعلها تستعد لمثل هذه المواقف إن ادعى الأمر.
2- رسالة إلى الوضع الحاكم بأن التضييق على الإسلاميين يمكن أن يؤدى إلى ما أدى إليه في مصر على يد الإسلامبولى ورفاقه.

كذلك يذكر الباحث هنا جزء في هذا الشأن من البرنامج الانتخابي لقوة التمثيل لنسبى لدورة 1979م حيث تحدث البرنامج عن احتكار الاتجاه الإسلامى للاتحاد لتنفيذ مخططاته الحزبية فقال: " لقد ظل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم منذ قيام دستورا الحر المباشر حكرا لتنظيم الإخوان المسلمين حوله إلى أداة لتنفيذ مخططاته وأغراضه الحزبية" ثم يتحدث البرنامج عن الموسم الثقافي فقال: " وعندما حاول الإخوان تقديم برنامج ثقافي جاء معزولا عن الطلاب ومعبرا عن فكر الإخوان داخل وخارج السودان، أما مجلة الجامعة فلم تكن أوفر حظا".

السياسة الخارجية للاتحاد

توجد اللجنة التنفيذية للاتحاد سكرتارية تختص بالشئون الخارجية مثل خلق علاقات طيبة للاتحاد بالاتحادات المماثلة خارج السودان وكذلك بحركات التحرر العالمية وكذلك بالمؤسسات القومية والأكاديمية .. فعبر هذه السكرتارية نفذت المواسم الثقافية وتم الاتصال بالمفكرين الأجانب وغيرهم.. وعبر هذه السكرتارية كانت العلاقات الوثيقة بحركات التحرير اريترية حيث استشهد رئيس الاتحاد دورة 81- 1982م على الطريق الأريتيرى حيث كان ذاهبا لحضور مؤتمر أحد الفصائل الآريترية .. ومعه رئيس رابطة كلية الاقتصاد وعضو الاتجاه الإسلامى الطالب سالم عبد الفتاح.

وكذلك حركة التحرري الفلسطينية وحركات تحرير الأمور وحركة المقاومة الإسلامية في سوريا، وحزب النهضة الإسلامى في تونس وخلافه من العلاقات الخارجية التي تمت عبر الاتحاد.. ويؤكد أهمية اتصال الاتحاد بالخارج ما ذكره داؤد بولاد في خطابه الذي اشرنا إليه في موضع متقدم من هذا البحث حيث ذكر " ونسبة لضرورة الكفاح وأهمية الاتصال بالأصدقاء في الخارج والمؤسسات المماثلة فلقد أوفد الاتحاد أعضاءه للخارج في شكل ثلاثة وفود" ويمضى قائلا "اتجهت كل هذه الوفود إلى الاتصال بالجهات الخارجية الطلابية ووسعت دائرة علاقات الاتحاد بالاتحادات الطلابية وشملت زياراتهم أوربا، إفريقيا واسيا وإنا لنأمل أن نرى ثمرات هذه الاتصالات في المستقبل القريب إن شاء الله".

كما أقام الاتحاد علاقات طيبة مع الاتحاد العام للطلاب المسلمين بالولايات المتحدة الأمريكية والذي كان يترأسه أحد رؤساء اتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 72- 1973م..

كما وطد الاتحاد علاقاته باتحاد الطلبة المسلمين بالمملكة المتحدة وأيضا كان به عدد من قيادات الاتجاه الإسلامى الذين كانوا طلابا بالجامعة.. كما كان الاتحاد حريصا على حضور كل المؤتمرات الطلابية العالمية وأن يطرح رأى الطلاب السودانيين فيها وأن ينقل تجربة الحركة الطلابية السودانية للخارج.. ويذكر أن الاتحاد قد أوفد مؤلف هذا الكتاب ليمثل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في مؤتمر طلاب جامعة صنعاء المنعقد في صنعاء في أغسطس 1982م..

ومن المشاركات الخارجية أتى أحدثت جدلا كبيرا هي مشاركة الاتحاد في مؤتمر طلاب دول عدم الانحياز في مالطا والذي تموله ليبيا والعراق.. في ذلك المؤتمر مثل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الطالب أمين بناني سكرتير الشئون الخارجية للاتحاد دورة 78- 1979م .. وقد كانت المفاجأة عندما وجد بناني شخصا آخر من الشيوعيين السودانيين يزيد عمره عن الأربعين وليست له علاقة بجامعة الخرطوم ولا بأي جامعة سودانية.. جاء ليمثل طلاب جامعة الخرطوم ونترك أمين بناني ليروى ما يتعلق بهذا الأمر..ط كانت مسألة التمثيل مشكلة أساسية حالت دون انعقاد المؤتمر، وذلك لأن معظم المنظمات التي حضرت إلى المؤتمر، وبعضها بدون دعوة كانت منظمات غير شرعية ووهمية لم تستطع أن تحدد اللجنة التحضيرية هويتها ولم تستطع هي أن تتحدث عن شرعيتها، وذلك كله حدث لمحاولة سرقة حركة الطلاب السودانيين بحضور شيخين اشتراكيين وتقدميين جبهويين ليؤذنا في مالطا وقد نسيا صيغة الآذان حتى على الطريقة السودانية .

هنا لابد أن أقف قليلا لأؤكد للاخوة الطلاب أن أحدا يدعى فتحي فضل لا يقل عمره عن 45 عاما جاء من " براغ" بدعوة ممثل الطلاب السودانيين ولكنه جاء شيئا فريا حين ادعى أن الطلاب في السودان جبهة سماها هو ولا نريد أن نذكر لها اسما في هذه النشرة البيضاء والذي أعلمه وأكدته للجميع في مالطا هو أن اتحاد طلاب جامعة الخرطوم هو الممثل الشرعي وهو أكبر من أى تنظيم سياسي أو جبهة وهمية.

ما ذكر يؤكد حرص الاتحاد على الحضور وتمثيل طلاب السودان في المؤامرات الدولية التي تكسب أعضاء الاتحاد خبرات نقابية وعلاقات دولية تؤهلهم ليلعبوا دورا قياديا ورياديا في المستقبل .. ولكن تتجلى سياسة الاتحاد الخارجية في المواقف الصارمة من الأحداث الآتية :

1- ثورة الإمام الخميني في إيران 1971م.
2-الغزو الروسي لأفغانستان .
3- الموقف من كامب ديفيد.
4- القضية الفلسطينية.
5- غزو إسرائيل لجنوب لبنان .

وقد تجلى ذلك في البيانات والخطابات التي أصدرها الاتحاد وأرسلها للرؤساء والملوك وأهمها التي أرسلها الاتحاد للرئيس كارتر وشهبور بختيار والحسن ملك المغرب، والرئيس السادات أبان إحداث الثورة الإيرانية والرسالة التي أرسلها إلى الرئيس السياسي ليونيد برجنيف.. وقد ورد ذكر ذلك مفصلا في فقرة الحديث عن الخطاب السياسي والفكري للاتجاه الإسلامى في فصل متقدم من هذا البحث.

الاتجاهات السياسية بالجامعة

تضم جامعة الخرطوم في الفترة موضوع الدراسة عددا من التنظيمات السياسية المختلفة، وهى :

1- الاتجاه الإسلامى ، وقد سبق الحديث عنه
2- الجبهة الديمقراطية
3- مؤتمر الطلاب المستقلين
4- الجبهة الوطنية الإفريقية
5- الجمهوريين
6- جبهة كفاح الطلبة ( البعث)
7- الحزب الناصري.
8- حزب الأمة .
9- الحزب الاتحادي
10- الاتحاد الاشتراكي ونتناول هذه التنظيمات واحدة تلو الأخرى.

الجبهة الديمقراطية

أول خلية للحزب الشيوعي في جامعة الخرطوم كانت عام 1946م، وفى 1949م كون الشيوعيون مؤتمر الطلبة والذي أقاموا بديلا عنه الجبهة الديمقراطية والتي تتكون من عنصرين :

أ- الطلبة الشيوعيون ، وهم أساس الجبهة.
ب- الطلاب الديمقراطيون ومنهم يتم انتقاء الأعضاء الجدد للحزب الشيوعي .

حتى النصف الأول من الخمسينات كان للفكر الشيوعي وجود شعبي وسط الطلاب وعدد كبير منهم قد تأثروا به.. لكن الماركسية تضاءلت جاذبيتها ولم تعد لها جاذبية وسط الطلاب ثم بدأت تتوارى وتنزوي إلى أن حرر لها قرباتشوف شهادة الوفاة بإعلانه للبروسترويكا.

في الفترة من 69- 1971م ساندت الجبهة الديمقراطية نظام نميرى إذ أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني تأييدها لنظام نميرى في 25 مايو 1969م وذكرت " أن الشيوعيين السودانيين يشعرون بالمسئولية العظمى التي تقع على عواتقهم لحماية ودعم هذا النظام لأنهم يعتبرونه نتيجة لنضال القوى الثورية السودانية ".

ولقد سبق الحديث عن مواقف الجبهة الديمقراطية من الاتحاد وإعلانها سكرتارية الجبهات التقدمية وموقفها من فصل أساتذة جامعة الخرطوم، ومن احتلال الجامعة.. وبعد محاولة انقلاب الجبهة الديمقراطية لكسب قيادة الطلاب.. كما حاولت توحيد الطلاب في جبهة واحدة ويذكر أن الجبهة الديمقراطية فقدت كل الاتحادات من نهاية عام 1969م وحتى عام 1985م عدا دورتي التحالف المذكورين في مكان متقدم من هذا البحث.. كما ظلت الجبهة الديمقراطية تقود إعلاما معاديا للاتجاه الإسلامى الذي يمثل العدو التقليدي للجبهة الديمقراطية ..

فلا تكاد تخلو صحيفة الجبهة الديمقراطية الرئيسة " مساء الخير " من هجوم على الاتجاه الإسلامى وكانت تطلق عليه " فرع الاتحاد الاشتراكي المسمى بالاتجاه الإسلامى ".. والباحث يستعرض هنا جزء من بيان للجبهة الديمقراطية تحدثت فيه عما أسمته بالانحطاط الخلقي للاتجاه الإسلامى والتدني بالممارسة السياسية حيث ذكرت " في مظاهرة تأييد الثورة الإيرانية في فبراير الماضي هتف الطلاب بقيادة الجبهة الديمقراطية وتجاوب معهم الشارع السوداني- مصير نميرى الشاه- هنا هتف عملاء الأمن الجدد- لا شيوعية ولا إلحاد – وأثبتت أحداث العنف التي نظمها وشارك فيها الاتحاد في تلك المظاهرة عن مدى الانحطاط الخلقي والتدني بالممارسة السياسية والعمالة لجهاز الأمن الذي يمثله الاخوان واتحاد الحر المباشر . مثال آخر يكشف ضعف القيادة بعد أحداث 2 يوليو 1976م انتظم الاخوان في هجرة جماعية إلى أوربا وغير أوربا رغم" صلابة عناصرهم" وخبرتهم في العمل النقابي وعادوا ليدخلوا الاتحاد الاشتراكي وليجروا معهم الاتحاد في انحرافاتهم كأداة للمساومة والضغط على الحكومة لتعين أميرهم نائبا عاما أو لترفع راية الشريعة كطلاء جديد لتجميل وجه الدكتاتورية القبيح..

على هذا المنوال العدائي للاتجاه الإسلامى سارت الجهة الديمقراطية في كل خطابها السياسي .. لكن ذلك لم يؤثر على نمو وتمدد الاتجاه الإسلامى الذي شهد صحوة إسلامية انتظمت العالم الإسلامى .. مما يذكر أن الجبهة الديمقراطية قد تأثرت بالانشقاق الذي ضرب الحزب الشيوعي بعد 1970م ، كما تأثرت أيضا بضربة الحزب الشيوعي بعد محاولة الرائد هاشم العطا الانقلابية .

مؤتمر الطلاب المستقلين

الطلاب المستقلين قطاع كبير جدا في الجامعة.. وأول محاولة بدأت لتوحيد وتجميع الطلاب المستقلين في تنظيم واحد كانت 1950م فيما عرف بالديمقراطيين الاشتراكيين لكنها لم تستمر .. وفى عام 1979م وقبل انتخابات الاتحاد في أكتوبر ، طرح بعض الطلاب فكرة قيام تنظيم مستقل لقيادة النشاط الطلابي السياسي وتأكيد دور الوسط كقوة سياسية .. وقد أعلنوا أنهم ضد اليمين المتزمت واليسار المتطرف وأنهم امتداد لفكر المواطن السوداني.. ويتحدث تنظيم المؤتمر عن نفسه قائلا" خير الأمور أوسطها.. فالطلاب الوسط ه أولاد البلد.. وصدر أصالتهم الالتزام بالتراث والتراب.. تراثنا مبادئ راسخة وفكر متكامل .."

ثم تحدث عن التراث قائلا " التسامح.. والتسامح بحق هو دستورنا وأساس ترابطنا رغم اختلافنا شعوبا وقبائل .. وهو الوعاء الفكري للقومية السودانية .. هو الضمان الوحيد لتطور الأمة السودانية .

دخل المؤتمر التحالف ونادى بالتمثيل النسبي في عام 1979م ونال مقعدا في تلك الانتخابات وأصبح رئيس الاتحاد في تلك الدورة واحدا من أعضائه .. وجد المؤتمر عند بداية منشأه بريقا وجاذبية لدى الطلاب ساعد في ذلك تراكم أخطاء الاتجاه الإسلامى الذي طل متربعا على قيادة الاتحاد لفترة طويلة .. كما ساعد أيضا حب الطلبة للتغيير في قيادة الاتحاد.

واجه المؤتمر حملة إعلامية قوية معادية من الاتجاه الإسلامى ورد ذكر جزء منها في الحديث عن الخطاب الفكري والسياسي للاتجاه الإسلامى .. وما يذكر أن المبادئ التي طرحها المؤتمر في برنامجه كانت مجالا لتندر والسخرية من إعلام وصحافة الاتجاه الإسلامى .. التي تحدثت عن أهم ركيزتين للمؤتمر هما إنهم " أولاد البلد"، وهنا رد عليهم سيف الدين عمر في إحدى ندوات الاتجاه الإسلامى ووصفهم بالطفولة السياسية .. وأنهم برلمان للتنظيمات اليسارية..

جاء المؤتمر إضافة جديدة للجبهة المعادية للاتجاه الإسلامى بل ظل صاحب اكبر عضوية في تحالف التنظيمات وصار خطابه شيمته العداء السافر للاتجاه الإسلامى.. نلحظ ذلك في برنامج التحالف حيث جاء فيه " لقد ظل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم منذ قيام دستور الحر المباشر حكرا لتنظيم الإخوان المسلمين فأحاله لأداة لتنفيذ مخططاته وأغراضه الحزبية فسلب بذلك الحقوق الدستورية للجمعية العمومية وصار يتعامل معها بالقرارات الفوقية وغير القابلة للنقاش..

لكن المؤتمر لم تكن به كوادر مثل كوادر الاتجاه الإسلامى ولا الجبهة الديمقراطية في مستوى القيادات والخطاب السياسي.. لذلك فإن إعلامه كان يميل للإسفاف وعدم الموضوعية .. ويرى الجميعابى أن " الوحيدين الذين انحطوا بالممارسة السياسية هم تنظيم المؤتمر".

الجبهة الوطنية الإفريقية

منذ عام 1958 شعر الطلاب الجنوبيون بالجامعة بالحاجة إلى تنظيم أنفسهم لذلك قرروا تكوين ......................من أجل تحسين أوضاعهم لكن في أول سبتمبر 1970 م تغير الاسم إلى ...................أي تحولت من جبهة تسعى لتحسين أوضاع عضويتها ورفاهيتهم إلى جبهة سياسية تتناول قضايا قومية وتعلق على مجريات الأحداث السياسية السودانية لكن الـ ....فشلت في إبراز إطار أيديولوجي تعلم من خلاله برنامجها للجنوب لذلك أصبحت رهينة لعضويتها القليلة المحصورة في الجنوبيين والتي بدأت تقل عند افتتاح جامعة جوبا.

في عام 1972 م دخلت الـ ......فى تحالف مع الاتجاه الإسلامى والجبهة الوطنية في الانتخابات تحت دستور الحر المباشر ونال التحالف جميع مقاعد الاتحاد.

منذ توقيع اتفاقية أبابا في مارس 1972م ظلت الـ....تساند نظام نميرى..وفى عام 1979م دخلت الـ ....فى تحالف التنظيمات السياسية ضد الاتجاه الإسلامى لكن لم يفرز أي من مرشحيها.

جبهة كفاح الطلبة

عرفت في جامعة الخرطوم منذ مارس 1975م عندما قامت بتجميع عدد كبير من إمضاءات الطلاب الذين يرغبون في تمديد السنة الدراسية وتأخير الامتحانات عن التاريخ المعلن.. وقد استطاعت أن تجعل الاتحاد يقدم توصية للجمعية العمومية بذلك.. وقد فازت توصية تأخير الامتحانات.. وتتكون " كفاح" من الطلبة البعثيين الموالين للعراق لذلك كانت ضد نظام نميرى منذ يونيو 1971م ، كما أنها تعارض الاتحاد وسياسته لسيطرة الاتجاه الإسلامى عليه . عضويتها قليلة جدا لذلك ظلت تقاطع كل الانتخابات عدا انتخابات 1979م التي تمت في إطار التحالف حيث نالت ثلاثة مقاعد في مجلس الاتحاد.

الأمة والاتحادي

كلاهما بدا في جامعة الخرطوم في عام 1966م ولم ينجحوا في تعبئة الطلاب وجذبهم إليهم وذلك لتركيبة أحزابهم الطائفية والأسرية وغياب الطرح الفكري.. أنصارهم قليلون جدا مما جعلهم تنظيمات موسمية تظهر في فترة الانتخابات وتختفي بعد ذلك لتعود في العام المقبل...

منذ انتخابات 72- 1973م حيث شارك حزب الأمة بـ 8 مقاعد في مجلس الاتحاد لم يدخلوا اى اتحاد بعدها حتى عام 1979م حيث دخلوا ضمن قائمة التحالف إلى مجلس الاتحاد.. ظل إعلامهم بعد المصالحة الوطنية وعند إعلان الرئيس نميرى للتشريعات الإسلامية 1983م يشن هجوما عنيفا على الاتجاه الإسلامى ويطلق عليهم " سدنة مايو" " الاتجاهيين" وخلافه.

فرع الاتحاد الاشتراكي بالجامعة

عرف فرع الاتحاد الاشتراكي بجامعة الخرطوم بعد أحداث شعبان سبتمبر 1973م بهدف استيعاب الطلاب بالجامعة في التنظيم الواحد في السودان لكنه وجد مقاومة من الطلاب واعتبر الانتماء إليه نوع من العمالة للسلطة لذلك ظل أنصاره معزولين عن النشاط السياسي للطلاب. وصحيفته الحائطية هي الوحيدة بين الصحف التي تتعرض للاعتداء عليها من الطلاب.. لم يشترك قط في انتخابات الاتحاد.. لا متحالفا ولا منفردا وحتى بعد المصالحة الوطنية ظل معزولا من قبل الطلاب..

الناصريون : هم مجموعة قليلة وغير نشطة في الجامعة ومواقفهم تتسم بالعدائية للنظام منذ عام 1971م عندما تحول النظام إلى اليمين كما أنهم ضد الاتحاد الذي ظل يسيطر عليه الاتجاه الإسلامى بصفة مستمرة منذ عام 1969 م وحتى عام 1985م عدا دورتين .

في عام 1979م دخلوا في تحالف التنظيمات المطالبة بالتمثيل النسبي ونالوا مقعدين في مجلس الاتحاد.. كما دخلوا الاتحاد أيضا في التحالف الثاني دورة 84- 1985م ضمن قائمة التحالف.

وربما جاء ضعفهم نتيجة لموت عبد الناصر في مطلع السبعينات وظهور السادات الذي بدأ شهرته على حساب عبد الناصر والناصرية.. كما أنهم ليس لهم فكر مطروح في الساحة ولا يظهرون إلا في مواسم الانتخابات ثم يختفون بعد ظهور النتيجة.

الجمهوريون

الحزب الاشتراكي حزب علماني يقدم أفكاره في سياق ديني وينادى برسالة ثانية لأن رسالة القرن السابع لا تصلح لإنسان القرن العشرين .. أعداده قليلة في الجامعة ونشاطه يقوم به خريجون من خارج الجامعة أمثال – دالي- متوكل- أسماء محمود محمد طه وآخرون... له صحيفة تكتب خارج الجامعة.. لكنه كان حزب نشط له أركان للنقاش في الجامعة وهم رواد النقاش الهادئ والساخر في نفس الوقت..

لعب الجمهوريون أهم الأدوار في تجميع كل الجبهات في تحالف عام 1979م ضد الدورة وقدموا استقالاتهم لأن الاتحاد موقفا ضد نظام النميرى، إذ كانوا مدافعين بشدة عن نظام النميرى ويعتبرونه النظام الأمثل كما كان النظام يعتبرونهم جرعة مضادة للإخوان والشيوعيين ، وحول موقف التنظيمات السياسية ضد نظام مايو الذي بسببه قدم أعضاء الاتحاد الجمهوريون استقالاتهم من الاتحاد ذكرت صحيفة " الفكر" خرج علينا تجمع التنظيمات المختلفة في الجامعة ببيانات تهاجم نظام مايو وتتحدث عن جبهة تجمعت من هذه التنظيمات المختلفة الأهواء، المتباينة الآراء وهى تطرح عدة مطالب تهدف في النهاية لإسقاط النظام.. ولم يتبرع أحد أفراد هذا التجمع بطرح السؤال التالي على بقية الجامعة.. إذ تم إسقاط نظام مايو فمن الذي يحكم البلاد؟ فإن اقترحوا تنظيما واحدا فإنما هو الصراع الذي يهدد وحدة الشعب وأمن الشعب.. زيادة على أن أي تنظيم من هذه التنظيمات لا يزيد كفاءة عن نظام مايو وإن قالوا إن الهيئات والتي لم تسفر إلا عن السيطرة البشعة للطائفية للحد الذي جعلها تحل الأحزاب وتطرد النواب من البرلمان ثم تسعى لتحكيم ما تسميه بالدستور الإسلامى ..

كان الجمهوريون ضد فكرة القوانين الإسلامية وظلوا يحرضون النظام ضد الإخوان المسلمين ويصفونهم بأنهم منافقون يلعبون على "الحبلين " ويمسكون العصا من " النص" وقد أصدروا كتيبات في هذا الشأن كما ركزوا همهم على أمرين هما:

أ- الدعوة للرسالة الثانية.
ب- مهاجمة الإخوان المسلمين بحسبانهم خطرا يتهدد الرسالة الثانية .

وفى الجامعة كان ركنهم اليومي في معظمه انتقادا للاتجاه الإسلامى فكرا وممارسة وكانوا يركزون على أخطاء الاتجاه الإسلامى ويسلطون الأضواء، ولأن أعضاء الاتجاه الإسلامى كانوا يعملون بنشاط وهمة وهم على قيادة الاتحاد.. والذي يعمل معرض للخطأ..والجمهوريون يرصدون فقط جعلتهم العامل المهم في تجميع التنظيمات السياسية عام 1979م وفقدان الاتجاه الإسلامى للاتحاد لكنهم كما سبق قدموا استقالاتهم قبل نهاية الدورة وقد أصدروا كتيبا أسموه" سقوط الاخوان في الجامعة" وآخر أسموه" بداية نهاية الإخوان المسلمين " والكتابان جزء من أربعة كتب أصدرتها رابطة الفكر الجمهوري بعنوان " لكي يعرف الشعب السوداني ما يجرى بجامعته".

والباحث هنا يستعرض جزء من هذه السلسلة لتباين نوعية الخطاب الجمهوري المعادى للاتجاه الإسلامى .. فعند فوز قوى تحالف التنظيمات السياسية في عام 1979م أصدر الجمهوريون سلسلتهم تلك نقتطف منها" لقد تربع الإخوان المسلمون على قيادة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم طيلة الست سنوات الماضية فكانوا كابوسا أسودا جثم على صدر الطلاب تحت شعارات التهريج والتضليل والبطولات الزائفة واستغلالهم السىء للدين.. أوقدوا نار الحرب في فتنة شعبان بكل ما تحمله البلاد فيها من خسائر مادية ومعنوية ، وأوصلوا أعمال شغبهم وتهريجهم في أحداث كلية الطب وأحداث الملاحق الشيء الذي مرغ سمعة الجامعة في الوحل وحط من هيبتها ومكانتها في نفوس الشعب السوداني ، فانحرفت الجامعة تحت قيادتهم عن مسارها كمنارة للعلم والفكر الحر لتغذوا موطنا للشغب والفوضى ومسرحا لأعمال العن التي تمارس زورا وبهتانا باسم الله العظيم.

وعلى صعيد الجامعة الداخلي حاول الإخوان المسلمون تكميم أفواه خصومهم السياسيين وفرض أنفسهم كأوصياء على هوية الطلاب الدينية والفكرية.. فقد اعتدوا على ندوة للجمهوريين بالسيخ والعصي كما تكرر اعتداؤهم على منبر الجمهوريين اليومي بالنشاط، واعتدوا بالضرب على الطلاب وعضوية الجبهة الديمقراطية أكثر من مرة".

ويمضى الجمهوريون في كتاباتهم" .. أطلقوا يدهم في إمكانيات الاتحاد استغلالا لها لنشر فكرهم والهجوم على خصومهم دون أن يعطوا خصومهم أدنى فرصة للتعبير عن وجهة نظرهم.." ثم تحدث الكتاب عن أن الإخوان المسلمين تربعوا على قيادة الاتحاد وهم لا يملكون أغلبية في الجامعة فذكروا ".. فقد تربع الإخوان المسلمون على الاتحاد وهم لا يملكون أكثر من 43% من أصوات الطلاب.." وحول إعلام الاتجاه الإسلامى ضد التنظيمات وتحالفها ذكر الكتاب : " ومنذ البداية وتاجه الإخوان المسلمون حركة قوى التمثيل بحملات التشكيك المحمومة بالشعارات الورقية المطبوعة في المطابع الفاخرة والتي كلفت الكثير من الأموال، كما وزعوا بالمجان الكثير من البيانات والكتيبات الصغيرة التي توجهت بالسباب غير الموضوعي لقوى التمثيل النسبي... وجاء من ضمن حملاتهم التشكيكية تساؤلهم عن الأسباب التي جمعت بين هذه التنظيمات وهى مختلفة فكريا وتحت عنوان الاخوان يستحقون الهزيمة ذكر الكتاب الآتي" لم يترك الإخوان لأنفسهم فضيلة يفوزون بها، فقد أعماهم تشبثهم بالكراسي وخوفهم من فقدانها عن كل عرف وكل دين، فتورطوا في الكذب الرخيص والكيد الأعمى وساقط القول فانهزموا في نفوس الطلاب وأعينهم قبل أن ينهزموا في الانتخابات.. وجاءت هزيمتهم النكراء في الانتخابات جزاء وفاقا لدكتاتوريتهم وسوء ممارستهم وقد انتظمت الجامعة موجة طاغية من الفرح بزوال كابوس الجهل والظلام إلى أشاعه الاخوان بالجامعة وسارت مظاهرات الطلاب والطالبات وهى تعبر عن هذا الفرح.. وكانت هزيمة الاخوان وعودة الديمقراطية إلى الجامعة هي بمثابة هدية طلاب وطالبات الجامعة إلى الشعب السوداني باحتفاله بالذكرى الخامسة عشر لثورة أكتوبر المجيدة.."

وتحت عنوان " الإخوان المسلمون يشهرون سيف الإرهاب الديني" ذكر الكتاب الآتي : " ورغما عن الهدوء الظاهري الذي يحاول الاخوان التظاهر به إزاء نتيجة الانتخابات إلا أن ردة فعلهم كانت عنيفة فقد حاولوا مرة أخرى رفع سيف الإرهاب الديني.. هذا الاتجاه الذي بدأوه منذ أن حاولوا تصوير المعركة الإرهابية كمعركة بين الكفر والإسلام ونحب هنا أن نؤكد أن الدكتاتورية كما مارسها الإخوان المسلمون وبين الديمقراطية كما تعبر عنها قوى التمثيل النسبي ولا يخدعن أحد محاولة الإخوان المسلمين تزيف هذه الحقيقة ونحن نؤكد فوق ذلك كله أن الإسلام بريء تماما مما المسلمين تزيف هذه الحقيقة ونحن نؤكد فوق ذلك كله أن الإسلام بريء تماما مما يفعل الإخوان المسلمون". ويلاحظ في هذا الكتاب مدى الفرح والغبطة التي سادت الجمهوريين عند سقوط الإخوان المسلمين في هذه الانتخابات بصورة دفعتهم إلى إصدار أربعة كتيبات في هذا الشأن..

كما يلاحظ أيضا أن الجمهوريين من حيث لا يريدون أثبتوا أن الاتجاه الإسلامى لوحدة يمتلك 43% م، أصوات جامعة الخرطوم، مما يعنى أن بقية التسعة تنظيمات لا تملك هذه النسبة إذ قدرنا أن 15% من طلاب الجامعة لا ينتمون إلى أي تنظيم.

يلاحظ أيضا أن الجمهوريين لم تدم طويلا إذ لم يكمل اتحاد التحالف دورته لمدة عام.. وكانت تلك الفترة للاتجاه الإسلامى بمثابة هدنة جاء من بعدها ليسيطر على كل مقاعد الاتحاد من 19801984م .. مما يؤكد أن الاتجاه الإسلامى لم ينهزم في نفوس الطلاب.. بل عندما تردت الخدمات أبان اتحاد النسبيين والتحالف . كان الطلاب يهتفون وهم في صفوف سفرة الطعام " عائد .. عائد يا بناني".

كذلك أصدر الجمهوريون كتابا آخر لهذا الشأن جاء فيه".. وبدلا من أن يعكف الإخوان المسلمون على أنفسهم ليتدارسوا الهزيمة التي لحقت بهم، رغم كل ذلك ومن أجل الانتخابات اتجهوا إلى محاولة تبرر الشغب الذي سوف يثيرونه في الجامعة، فحشدوا الحشود من خارج العاصمة في مساء الثلاثاء 23 أكتوبر 1979م وارتفعت أصواتهم بالهتاف مثل " أن للإسلام قوة وشباب وفتوة" أو " فليعد للدين مجده أو ترق فيه الدماء أو "إيران إيران في كل مكان" ولم يرتفع متحدثوهم عن مستوى هذا التهريج الفارغ حتى أن ابن عمر محمد أحمد صاحب الأقوال المعروفة التي تعاقبتها الصحف في حينها فقد قال : " إن رؤوسا كثيرة ستتطاير في هذه الجامعة"وقال " إننا سوف نعريهم وبعد التعرية الجلد والضرب والقتل وفى نفس هذا الاتجاه للخطاب الأجوف قال داؤد يحيى بولاد: " إننا في الاتجاه الإسلامى باقون في الميدان، صامدون في الميدان ، قائمون في الميدان.. أقوياء في الميدان " ولما شعر أن حديثه بلا محتوى أردف قائلا" لا أقول هذا لأبعث الحماس فيكم" مذل هذا العبث يحاول الاخوان أن يلبسوه ثوب الدين وقدسيته ، ليخلقوا مبررا للعنف بخصومهم الذين أنزلوا بهم الهزيمة في الميدان الديمقراطي وفى هذا الاتجاه قال المعتصم عبد الرحيم في تلك الندوة العجيبة: "أن الشيوعيات الصفيقات هتفن لا إسلام بعد اليوم" ولقد جاء في منشور الاتجاه الإسلامى .. ومما جاء في مظاهرة الشيوعيين الصغيرة " الجامعة تدين رجال الدين" .. فإذا كذب الاتجاه الإسلامى على مظاهرة كاملة فلا أحد يستبعد أن يكذب المعتصم على طالبة شيوعية .

ومهما يكن من أمر فإن الاخوان يخفون أغراضهم السياسية خلف شعارات الإسلام حتى يبرروا ما ينوون إشاعته من إثارة وشغب.. ولقد قال بولاد في تلك الندوة:" إنني أحذر الشيوعيين والمحموديين بالذات فإننا قد أطلقنا سراح أخوتنا".. وقال ابن عمر محمد أحمد : " لقد كانت الدبلوماسية تقيدنا زمنا طويلا أما الآن فقد أطلق سراحنا" .. ولما كانت عليه الدبلوماسية في الحفاظ على الكراسي هي التي تقيد الإخوان المسلمين وليس تربيتهم الدينية فإنهم على حد قولهم سيلجأون إلى العنف والفوضى لأنهم قد فقدوا الكراسي فلم يصبح هناك أي وازع يعظهم اللهم إلا إذا كانوا من الذكاء بحيث يدركون أن أي شغب يحدثونه سيفقدهم هذه الكراسي التي هم عليها حريصون" في الخاتمة ذكر الكتاب " إن سقوط الإخوان المسلمين في انتخابات جامعة الخرطوم، هي ثمرة ونتيجة طبيعية لعمل طويل في سبيل التوعية وفى سبيل كشف المزيفين لإرادة الطلاب والمضللين باسم الدين .. إن هذه النتيجة أصدق دليل على الوعي الكبير الذي انتظم جموع الطلاب بالجامعة وجعلهم ينتبهون ويرفضون السيطرة التقليدية التي ظل يفرضها عليهم تنظيم الإخوان المسلمين بشتى أساليب العنف والخداع والتحريف".

ويلاحظ كما أسلفنا أن فرحة الجمهوريين التي جعلتهم يطبعون أربعة كتب عن سقوط الاخوان بجامعة الخرطوم هذه الفرحة لم تدم إذ جاء الاتجاه الإسلامى في السنة التالية مباشرة لينال جميع مقاعد الاتحاد ويستمر في ذلك لسنتين متواليين.

كذلك حاول الجمهوريون إقناع الطلاب بأن الاتجاه الإسلامى قد انتهى وإلى الأبد وذلك للوعي الكبير الذي انتظم الجامعة.. والجمهوريون يعلمون غير ذلك بدليل الزخم الاعلامى الذي قاموا به وطباعة الكتيبات عن انتخابات عادية للاتحاد.. أرادوا أن يبثوا هذه النفسية وسط الطلاب وإقناعهم بأن الاتجاه الإسلامى قد ولى وإلى غير رجعة .. ولكن هيهات.. هيهات.. فلم يمض أقل من عام حتى حقق الاتجاه الإسلامى نصرا كاسحا وأحرز جميع مقاعد اتحاد طلاب جامعة الخرطوم لتأتى دورة جديدة يقودها فتى الاتجاه الإسلامى الأخ أمين بناني.

كذلك لم يكن الجمهوريون صادقين في حديثهم عن قوى التمثيل النسبي ( التحالف) بأنها تسعى لخلق جو ديمقراطي وأنها البديل الحضاري وأنها هدية الجامعة للسلطة بدليل ما ذكرته صحيفة الفكر الجمهوري عن هذه التنظيمات عندما أرادت أن تتخذ موقفا ضد سلطة نميرى مما حدى بالجمهوريين إلى تقديم استقالاتهم المختلفة في الجامعة ببيانات تهاجم نظام مايو وتتحدث عن جبهة تجمعت من هذه التنظيمات المختلفة الأهواء المتباينة الآراء .. " وتضيف صحيفة "الفكر" وفكرة هذه التجمع ( التحالف ) شيوعية طرحها الحزب الشيوعي عام 1977م عندما دعا لجمعية ديمقراطية لإنقاذ الوطن وحتى لا تشعر التنظيمات بأنها مستقلة من الشيوعيين كما هو واقع الأمر أخذت تضلل نفسها بأن هذا التجمع رغم اختلافه إنما غرضه هو السودان.."

رغم أن الفكر الجمهوري قد انتهى كنشاط منظم ومتحرك وفاعل بإعدام زعيم الحزب محمود محمد طه في صبيحة الجمعة 18 يناير 1985م.. حيث أن الفكرة كانت ترتبط بشخص محمود ولما مات النشاط وخمدت الفكرة وأصبحت مجرد ذكريات في نفوس أنصارها السابقين.. لكن الباحث يثبت الملاحظات التالية:

1- كان الجمهوريون أكثر الناس جرأة على نقد الاتجاه الإسلامى وهو نقد أقرب إلى الموضوعية وبعيدا عن الإسفاف .. فمثلا: كان الاتجاه الإسلامى عند إعلانه صور مرشحيه للانتخابات لا ينشر صور المرشحات من طالبات الاتجاه الإسلامى وذلك لموقف نفسي تراثي- لا علاقة له بفقه أو دين ، فكان الجمهوريون يستغلون هذه النقطة في الحديث عن اضطهاد الاخوان للمرأة بصورة أجبرت أعضاء الاتجاه الإسلامى في الدورات اللاحقة أن ينشروا صور المرشحات في كتيبات البرنامج الانتخابي جنبا إلى جنب مع زملائهن الطلاب.
2- يرجع لهم الفضل في تأسيس أركان النقاش في الجامعة فهم الذين أسسوا للحوار السياسي والفكري الهادئ بدلا عن الندوات السياسية الصاخبة التي كانت شأن التنظيمات السياسية سابقا.
3- أجبروا الإسلاميين على الحوار الهادئ وقللوا الحدة التي كانت سائدة وسطهم وجعلتهم يقبلون سماع الرأي الآخر مهما كان مخالفا لرأيهم في هدوء تام من غير انفعال.
4- كانوا يتابعون أخطاء الاتجاه الإسلامى ويجعلون منها مادة لأركانهم مما جعل الاتجاه الإسلامى يلتفت لهذه الخطاء ويحاول إصلاحها.
5- أدى نشاطهم السافر ضد الاتجاه الإسلامى إلى أن يلتفت لهم الاتجاه الإسلامى بطريقة حكيمة أدت إلى نهايتهم من السودان.. انضوت على قاعدة أن الناس لم يناقشوا الجمهوريين في مسائل أصولية وجوهرية وكان جل النقاش حول مسائل هامشية وفرعية مثل مسألة الأضاحي والتراويح.. إلخ، ورأت الخطة بأن يكون النقاش في لب الفكرة الجمهورية وأن تكون الأسئلة حول مسائل جوهرية.. مثل : من هو الله في الفكر الجمهوري ، ومن هو الإنسان الكامل؟ وعن الإباحية في الفكر الجمهوري.. وتم جمع أمهات الكتب الجمهورية في هذا المجال مثل : الرسالة الثانية- رسائل ومقالات – حول فهم عصري للقرآن الكريم- تطوير شريعة الأحوال الشخصية ، الإسلام والفنون وغيرها من الكتب التي اتضحت فيها بجلاء إباحية الفكر الجمهوري وأن الإنسان الكامل هو الله.. وأن محمود محمد طه هو الإنسان الكامل.. وبدأ النقاش في هذه المسائل الجوهرية التي نظموا تلك الدورة التدريبية عن الفكر الجمهوري هو طالب الهندسة محمد المجذوب محمد الأمين ، كما شارك مؤلف هذا الكتاب في تلك الدورة وكان يقوم بتقديم أركان نقاش مستمرة عن خطورة الفكر الجمهوري بل وذهب مؤلف هذا الكتاب إلى محمود محمد طه في بيته بالثورة الحارة الأولى وحاوره حوارا قويا نشرته صحيفة الصباح الجديد بالجامعة تحت عنوان : الأستاذ عبد الرحيم عمر محيى الدين يحاور زعيم الحزب الجمهوري في عقر داره.. لكن أميز الذين بالجامعة تخرجوا في تلك الفترة وأصبح يناظر الجمهوريين ويهزمهم هو الطالب عبد السميع حيدر الذي كان يدرس بكلية طب الأسنان.

عوامل التقدم الايجابي للاتجاه الإسلامى

خصوم الاتجاه الإسلامى يشهدون له

كانت الحركة الإسلامية شريكا في سلطة مايو بعد المصالحة الوطنية وحتى الانتفاضة في 6 أبريل 1985م .. ورغم المعارضة الشعبية الواسعة التي كان يواجهها نظام مايو لكن الحركة الإسلامية ظلت شريكا في السلطة تنفيذا لإستراتيجيتها التنظيمية التي رسمتها لفترة المصالحة الوطنية.. ورغم هذا الوضع الضبابي لكن الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم استطاع أن يواصل انتصاراته السياسية والنقابية وأن يتمدد أفقيا ويتميز راسيا وسط القاعدة الطلابية.

ويرجع محمد جلال أحمد هاشم ( أحد أبرز قيادات مؤتمر الطلاب المستقلين) انتصارات الاتجاه الإسلامى في جامعة الخرطوم بعد المصالحة الوطنية للأسباب الآتية:

1- يعود السبب الأول لنوع القابلية الثقافية داخل المجتمعات المسلمة في هذا القرن وفى النصف الثاني منه حيث يوجد انبعاث اسلامى وصحوة إسلامية وهذا هو المنبع الذي تستقى منه الحركات الدينية قوة الدفع المعنوي حيث ظل الضخ الجماهيري متواصلا إليها منذ السبعينات إذ تأتيها الخامات المتصلة بالإسلام.

"2- الطبيعة التنظيمية للاتجاه الإسلامى تتكثف فيها ممارسة التنظيم في إطار ضيق مما يحول التنظيم إلى قوة استقطابية، ومن الصعب لهذه التنظيمات أن تكون طاردة لعضويتها بل هي جاذبة لعضويتها يتولد لدى الأعضاء إحساس قوى بالانتماء مرده علاوة على المقومات الفكرية هو طبيعة ممارسة السلطة داخل التنظيم .

3- عندما جاءت المصالحة الوطنية وبعد أن كان الاتجاه الإسلامى عبارة عن مجموعة مضطهدة تستقطب الناس لمعاداة النظام قامت بتحويل الناس لصالح شعارات الأسلمة التي ظهرت في تلك الفترة وتبناها النظام نفسه.

"4- عندما جاءت المصالحة الوطنية كانت البنية السياسية في الجامعة تتكون من الجبهة الديمقراطية والاتجاه الإسلامى وقليل من البعثيين والناصريين وحزب الأمة والاتحاديين والجسم الوحيد الذي يمكن أن ينظر إليه بعين الاعتبار هو الجبهة الديمقراطية وهى نفسها كانت قد تلقت ضربة قاصمة من قبل نظام نميرى بعد حركة هاشم العطا مما أتاح المجال لحركة الاتجاه الإسلامى أن تلعب في الساحة وحدها علما بأنها في فترة مايو لم تتلق ضربة الحزب الشيوعي.

وحول هذه النقطة يذكر الشهيد محمد طه محمد أحمد :

" إن الاتجاه الإسلامى لم يأت المصالحة مع مايو من بوابة المودة والسلام وإنما جاءها من بوابة الدم حيث قدم الاتجاه الإسلامى خيرة أبنائه طلاب جامعة الخرطوم شهداء في حركة 2 مايو يوليو 1976م المسلحة.
وظلت سجون مايو مليئة بقيادات الاخوان الطلاب منذ أن جاءت مايو محمولة على أعناق الشيوعيين عام 1969م وحتى المصالحة الوطنية في 7 يوليو 1977م وفى تلك الفترة كان أعضاء الاتجاه الإسلامى بين سجين وشريد ومفصول من الجامعة كما أن الحزب الشيوعي لو لم يتلق أي ضربة على ذلك لما استطاع أن يقود الطلاب في فترة يشهد فيها العالم الإسلامى صحوة إسلامية والدليل على ذلك موقف طلاب جامعة الخرطوم إبان احتلال الجامعة الشهير في مارس 1971م، وفى تلك الفترة لم يتلق الحزب الشيوعي أي ضربة من النظام".
والباحث يرى أن ما ورد في كلام الشهيد محمد طه محمد أحمد فيه كثير من الحقيقة وهو الأقرب إلى الصواب لأن الشيوعية قد فقدت رواجها ومقدرتها على قيادة الوسط الطلابي الذي يشهد صحوة إسلامية .

يواصل محمد جلال حديثه ذاكرا أنه في الثمانينات ظهرت المؤسسات الإسلامية بإمكاناتها المادية الضخمة والتي كانت تدعم الاتجاه الإسلامى لأنه يدافع عنها وعن ممارستها، كما أن الاتجاه الإسلامى كان يمارس نشاطه السياسي بإمكانيات لم تكن متوفرة لأي تنظيم. ويرى أيضا أن الطبيعة البرجماتية للاتجاه الإسلامى في ممارسته السياسية أعطته حنكة سياسية كبيرة مدعومة بمنهج برجماتي لاستغلال الظروف. من حيث المقدرة السياسية والتكتيكية ، أضف إلى ذلك خبرة كبيرة في العمل النقابي والسياسي علاوة على ذلك التنظيم الكبير بالخارج والذي كان يعول تعويلا كبيرا على الطلاب، لذلك جاء اهتمامه بهم وإعدادهم ليكونوا زخرا له.

ويعزى محمد جلال انتصارات الاتجاه الإسلامى المتكررة للآتي:

أولا: ضعف أداء التنظيمات السياسية التي لم تمارس ممارسة سياسية تخلق لها كادرا مواليا يمكن تسخيره ضد الاتجاه الإسلامى، حيث كانت هنالك تنظيمات يطلق عليها الاتجاه الإسلامى عن حق اسم " التنظيمات الورقية" إذ ليس لها عضوية متميزة غير المؤتمر والشيوعيين ، وكان التحالف يضم هذه التنظيمات لمجرد الظهور بالحجم الكبير فقط، وهى لم تمارس ممارسة سياسية تستطيع أن تجنى ثمارها ضد الاخوان في فترات المعارضة من حيث التمدد الأفقي وسط الطلاب.
ثانيا : الاتجاه الإسلامى نتيجة للتناقضات والمفارقات والأخطاء التي تتراكم ضده عبر السنين حيث تقوم التنظيمات المعارضة باستثمار هذه الأخطاء في الانتخابات فتفوز بمقاعد الاتحاد ولكن ما إن تفوز حتى تأتى التناقضات داخل جسم التحالف حيث لا يوجد انسجام بين التنظيمات في الاتحاد كما هو موجود في عضوية الاتجاه الإسلامى في الاتحاد.
وهناك من تنظيمات التحالف من يسعى لاستثمار موقفه في الاتحاد للتمدد الجماهيري وهكذا تحدث بعض التناقضات والتحاربات بين التنظيمات التي تقعد بالأداء النقابي والسياسي والخدمي للاتحاد، علاوة على كل ذلك أن التنظيمات تقوم بنقد بعضها البعض وأذكر أنه في اتحاد عمر الدقير دورة 84- 1985م ، الجبهة الديمقراطية عضو في الاتحاد، قد قادت مظاهرة ضد الاتحاد.
إذ أن التنظيمات السياسية قد فقدت الانسجام في الاتحاد أما في الاتجاه الإسلامى فقد كان الانسجام متوافرا يسمع أن أعضاء الاتجاه الإسلامى في الاتحاد قد اختلفوا وتبادلوا الاتهامات ضد بعضهم البعض.
ثالثا: الاتجاه الإسلامى لم يسجل غيابا عن الساحة السياسية ولم يكن يبيت بياتا شتويا في فترة المعارضة عندما يفقد الاتحاد.. بل في المقابل كان يتفنن في المعارضة تفننا جعل سليمان الأمين – رئيس اتحاد التحالف- يقول عنه" هذه فئة تفوق سوء الظن " إذ إنك عندما ترتكب خطأ وتخشى استغلال هؤلاء الجماعة لهذا الخطأ فكيفما أسأت بهم الظن يأتي فعلهم ويفوق سوء ظنك بهم، وإن كان سليمان قد وضعها بسخرية لكنها تأتى بالإيجاب بالنسبة لهم، فهم أكثر حذقا لكيفية الممارسة السياسية وهذا ما أشرت إليه بالبرجماتية ..

رابعا: هناك تواصل بين قيادة الحركة الإسلامية بالخارج والجامعة وتناقل للخبرة ، بينما هذا التواصل مقطوع بالمرة بالنسبة للتنظيمات الأخرى.. أما المؤتمر فقد كان يمارس السياسة من خلال جيله الأول وهم شباب في العشرينات محكومون بتجاربهم العمرية.

لكل هذه العوامل كان الاتجاه الإسلامى يأتي في المرة القادمة للانتخابات وهو أكثر قوة حتى أن الاتجاه الإسلامى في انتخابات 85- 1086م وثورة أبريل قد قامت والثورة لم تقم من أجل شعاراته بل إنها قامت ضد شعاراته مثل قوانين سبتمبر جاء في أكتوبر وفاز بمقاعد الاتحاد الأربعين رغم أن المد الوطني كان ضد الاتجاه الإسلامى عامة.
خامسا: الاتجاه الإسلامى ظل يرسخ مفهوما عجيبا وسط الطلاب، هو طالما أن الاتجاه الإسلامى على قيادة الطلاب فلا توجد قلاقل ولا اضطرابات ، وطالما جاءت هذه التنظيمات فإن استقرار الجامعة سينسف لا محالة.. وهذا فعلا ما حدث عام 1980 م إذ أدت الاضطرابات إلى موت طالب وكذلك عام 1985م أدت مصادمات إلى أذى جسيم لبعض الطلاب وإغلاق الجامعة.
سادسا: كان الاتجاه الإسلامى يظهر بمظهر غير الراضي عن نظام مايو واستطاع أن يقنع قاعدة كبيرة من الطلاب بذلك وأن يخلق بنية وعى خاصة به وسط الطلاب الذين ينظرون لحركة الإخوان المسلمين كجسم منفصل عن مايو ويستطيع أن يحارب مايو ويشن عليها حربا شعواء لكنه يهادنها لغرض ما هو في عمومياته الشريعة الإسلامية في خصوصياته السلطة التي يسعى إليها فمتى ما دافع عن مايو كان يدافع عن توجهاته الإسلامية هذه نقطة أجادها الإعلاميون في الاتجاه الإسلامى.

البونى

وعن مبررات فوز الاتجاه الإسلامى ، يرى عبد اللطيف البونى أن الاتجاه الإسلامى في الجامعة في الفترة ما بعد المصالحة الوطنية استطاع أن يميز صفه عن صف السلطة وأن يظل امتدادا لفترة ما قبل المصالحة الوطنية حيث لم يتغير شيء من خطابه ولهجته وهجومه وانتقاده للسلطة وقد ساعده في ذلك الصراع الذي كان واضحا داخل صحافي بين موسى يعقوب وآمال عباس، وكامل محجوب ويسن عمر الإمام، ومحمد طه محمد أحمد وحسن ساتى.

في نفس الوقت تفادى الاتجاه الإسلامى الاحتكاك المباشر بالسلطة مثل : النزول إلى الشارع، وقيادة المظاهرات ضد السلطة أي : أن الاتجاه الإسلامى قد أدار المعادلة السياسية بمقدرة فائقة. كذلك قوة التنظيم ومقدرته على التفريخ من الثانويات وهو يكاد أن يكون الوحيد الذي تأتيه عضوية جاهزة من الثانويات علاوة على رغبة الاستقرار لدى الطالب الجامعي، خاصة أن المصالحة كانت مقبولة لدى الشعب. كذلك مقدرة الاتحاد كان شبه متفرغ لخدمات الطلاب.. كذلك الصحوة الإسلامية التي انتظمت العالم الإسلامى تعتبر رصيدا عضويا للاتجاه الإسلامى ، علاوة على ضعف التنظيمات السياسية .

كذلك شهدت الجامعة عددا من المواسم الثقافية التي كان يأتيها المفكرون الإسلاميون من مختلف بقاع العالم وتطرح فيها قضايا التحول الإسلامى. كذلك تحولت الحركة الإسلامية من حركة صفوية إلى حركة جماهيرية مما ساعد وساهم في نشر الفكر الإسلامى في الجامعة على نطاق واسع.

وعن الأسلمة التي شهدتها الجامعة بعد المصالحة الوطنية مما يعتبر أرضية ممهدة لانتصارات الاتجاه الإسلامى حول هذا الأمر يقول عادل أحمد الباز : استطاع الاتجاه الإسلامى أن يقود حركة فكرية واجتماعية في المجتمع الجامعي تمثلت في جانب الطالبات في مسألة الحجاب أو الزى الإسلامى، وعن الدور الاعلامى للاتجاه الإسلامى في الفترة موضوع الدراسة، يقول عادل الباز " أبرز تلك الفترة قيادات إعلامية معروفة مثل : بكداش أحمد المصطفى ، آدم سعد، إبراهيم محمد على ، محمد طه محمد احمد ، نجم الدين محمد الأمين ، الوليد محمد أحمد دقنة، العبيد مروح، ناجى شريف .. " حيث كانت صحيفة " آخر لحظة" الصحيفة الرسمية للاتجاه الإسلامى تصدر في لحظة واحدة وسط الجامعة وفى كليات الأطراف وكان لها قراء كثيرون وكانت ذات مستوى عال من الفن الصحفي والإخراج والتحليل وذات مقدرة عالية على تشكيل الرأي العام وتوجيهه حسب الخط السياسي المرسوم، علاوة على صحيفة " آخر لحظة" توجد صحف – الصباح الجديد، أشواك، الرأي ، أشتات ، آفاق، معالم ، وفى الصحافة الساخرة والهزلية مثل " لالبونا ولا تمر الناس" كان يصدرها أحد أعضاء الاتجاه الإسلامى ن وأذكر والحديث لعادل الباز أن أحد الشيوعيين كان يأتي إلى النشاط ويقرا " آخر لحظة" ثم يلتفت ويجد صحف الاتجاه الإسلامى تملأ النشاط فيعلق قائلا: " إعلام إمبريالي " حيث يشتمل على الندوات- أركان النقاش- المنشورات- البيانات – أما مسجد الجامعة فقد لعب دورا كبيرا في إشاعة الروح الإسلامية وسط الطلبة والطالبات، حيث يوجد فيه جناح كامل للطالبات شهد معسكرات التحفيظ والتجويد والصيام والقيام ودروس الفقه والمحاضرات الدينية حيث تصلى فيه الطالبات جميع الأوقات.

وعن التنظيمات السياسية بالجامعة يقول " هنالك ثلاثة تنظيمات في الجامعة هي : الاتجاه الإسلامى، الجبهة الديمقراطية ، الجمهوريون ، أما بقية التنظيمات فهي تنظيمات شتوية أو موسمية تظهر فى موسم الانتخابات ثم تختفي.. فالحزب الشيوعي بعد حركة يوليو 1971م وإعدام قياداته، وضح الضعف فيه وبعد المصالحة الوطنية كان له أمل في قيادة الحركة الطلابية ضد النظام لكن لم تكن له قيادات سياسية وفكرية بارزة عكس الاتجاه الإسلامى الذي رفد الجامعة بعد 1977م بقيادة سياسية وفكرية مؤهلة صقلتها التجارب والسجون وفترة المعارضة، أيضا الحزب الشيوعي لم يكن له برنامج فكرى يستطيع أن يطرحه للطلاب يتضمن رأيه في الدين والشريعة والدولة الإسلامية ، حيث لم يقدم ندوة فكرية واحدة يتناول فيها الشيوعي كدعوة ومنهاج هذا لم يكن مطروحا أصلا في الجامعة لأن الطلاب بطبعهم ضد الشيوعية ،وما كان يطرحه الحزب الشيوعي هو عبارة عن طرح سياسي في إطار معارضته لسلطة مايو.

أما الفكر الجمهوري فرغم اجتهاده في بث أفكاره ونشاط أعضائه لكن غرابة الفكرة نفسها والإعلام المكثف ضدها أدى إلى تحجيمها وإحداث قدر كبير من التشويش ضدها، لكن الجمهوريين قد تخصصوا في تتبع هفوات وأخطاء الاتجاه الإسلامى العملية والفكرية وركزوا هجومهم عليه بصورة كثيفة وقد لعب الجمهوريون دورا بارزا ومؤثرا في تجميع التنظيمات السياسية في انتخابات 79- 1980م ولكن ممثليهم قدموا استقالاتهم قبل اكتمال الدورة.

د. تجانى عبد القادر يعدد عوامل تمد الاتجاه الإسلامى:

وحول توسع وتمد الاتجاه الإسلامى وسط طلاب وطالبات الجامعة يعزى التجانى عبد القادر حامد ذلك لعوامل كثيرة منها: أن الاتجاه الإسلامى بعد المصالحة الوطنية استطاع أن يبنى تنظيما قويا ومتطورا وأن يصحح أخطاءه ، كما استطاع الاتجاه الإسلامى بوجوده المستمر في قلب الأحداث في الداخل والخارج أن يحول الصراع في الجامعة إلى صراع مبدئي علما بأن الطلاب في الجامعة لهم انجذاب كبير للمبادئ والتصورات النظرية والقيم الأخلاقية ، لذلك استطاعوا أن يروجوا للمذهب الإسلامى والفكر الإسلامى والصحوة الإسلامية.
ويرى التجانى أن صورة الاتجاه الإسلامى في أذهان الطلاب كانت أكثر بريقا من حيث المبدأ المتسق والواضح، إذا أضفنا التجارب السياسية المتراكمة مما يؤكد انجذاب الطلاب له، كذلك يرى تجانى أن البيئة الاجتماعية والثقافية للطالب لها أثرها على انتماءات الطلاب الفكرية والسياسية ويرى أن أعدادا كبيرة من طلاب الجامعة ذوى أصول ريفية ولم يتعرضوا لتفسخ اجتماعي وأنهم من أصول متدينة ومن أصول اجتماعية ريفية متواضعة، يرى أن هذه الخلفية هي الأقرب إلى مراد الاتجاه الإسلامى إذ أن بعض هؤلاء الطلاب يعتبر أن النموذج الإسلامى يمثل أشواقا بالنسبة له ، لذلك كان من الميسور للاتجاه الإسلامى أن يحول هؤلاء الطلاب إلى صفه ليعبروا عن أشواقهم كما أن عددية منهم تصوت للاتجاه الإسلامى عند الانتخابات دون أن تنتظم في صفوفه.

د. عبد الله على إبراهيم يحلل عوامل توسع الاتجاه الإسلامى:

أما الأستاذ عبد الله إبراهيم فيعزى انتصارات وتوسع الاتجاه الإسلامى لعدة أسباب مثل : التركيبة الطلابية في الجامعة التي يغلب عليها طلاب الريف، والمناطق المتخلفة اللذين لم يكن للحزب الشيوعي وجودا بينهم بدلا من طلاب " عطبرة وبحري" كما يرى أن التوسع في الثانويات أدى إلى المجيء بطلاب لهم إشكالات الريف وقد كانوا أقرب إلى الإخوان المسلمين لأن وسائل الإخوان بسيطة هي البرش للصلاة.. والله أكبر .

كذلك استطاع الاخوان أن يخلقوا حركة قوية تستطيع أن تحتوى الخلاف داخلها كما أنها حركة ملامسة للشباب والشابات ولها وجهة حضارية وبرنامج طموح وعلاقات عالية، كذلك يرى عبد الله على إبراهيم أن ضعف التنظيمات السياسية بالجامعة قد لعب دورا كبيرا في توسع الاتجاه الإسلامى ويرى أن الحزب الشيوعي يعيش أزمة فكرية منذ ثلاثين عاما ولم يستطع أن يجاوب على أسئلة الطلاب..

ويرى أن الإخوان ظلوا يحاصرونه بمسألة " الدين أفيون الشعوب" فترة الستينات قد شهدت تمدد حركة الاخوان في الجامعة وشهدت البروش للصلاة أمام الداخليات ، ويقول :" إن الصلاة لم تكن رائجة في شكلها الجماعي وكانت عملية كيزان وبدأت بهذه الجماعة".

ويرى المؤلف أن عاملين مهمين ساعدا في تقوية الاتجاه الإسلامى وكان لهما القدح المعلى في حماس عضوية الاتجاه الإسلامى لتنفيذ قراراته والدفاع عنها لدرجة تصل حد المصادمة والاحتراب.

والعاملان هما:

1- الشورى وعلاقاتها باتخاذ القرار.
2- الأمن والمعلومات.

الشورى واتخاذ القرار

يختلف الاتجاه الإسلامى عن التنظيمات السياسية الأخرى والتي يعتقد أن قراراتها تأتيها من خارج الجامعة وما عليها إلا التنفيذ، فالاتجاه الإسلامى الذي سبق لنا الحديث عن نوعية قياداته وتأهيلها وثقافتها الإسلامية، هو اتجاه يعتبر الشورى قيمة أصولية في منهجه وأنها ملزمة وليست معلمه ولا يجوز لألا أمير متخصص أو أمير كلية أو رئيس وحدة إدارية صغيرة أن يتخذ أى قرار بمفرده مهما كان ذلك القرار صغيرا.. لذا تميزت أجهزة الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم باحترامها لقيمة الشورى وإلزامية قراراتها، فالاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم كان له الدور الكبير في إشاعة وترسيخ قيمة الشورى والدعوة إليها على مستوى المجتمع.

لقد كانت الجامعة هي بوتقة الاختبار لكل تجارب الحركة الإسلامية الأم، لذا لقد كان التنظيم رائدا في ممارسة الشورى حيث ظلت الشورى تحتل الصدارة والإلزامية مهما كانت الظروف الأمنية، ومهما كانت سيطرة القيادة المتمثلة في الأمير أو الأمين وأحيانا كان التنظيم يغامر بالناحية الأمنية من اجل اخذ الرأي ومشاورة عضوية الاتجاه الإسلامى فيما يتخذ من قرارات، فيحدث أنتعقد شعبة الجامعة وفى أحرج الأزمات السياسية مؤتمرا طارئا يفوق حضوره الـ 300 عضوا من طلاب الاتجاه الإسلامى بالجامعة وفى داخل مباني الجامعة، كذلك تحدث لقاءات استنارة واسترشاد بالجمعية العمومية للاتجاه الإسلامى يصل عدد الحاضرين فيه أحيانا إلى 800 عضوا .

حيث تنزل الشورى من قمة الهرم إلى أدناه، وكان هنالك تساؤل يتم حول فاعلية الأجهزة التنظيمية وسرعة القرار وبين ضرورة وإلزامية الشورى ولكن وحتى لا تضيع قيم الشورى جندت الأمانة العامة مجموعة من الشباب الطلاب كسكرتارية تقوم بدعوة أعضاء الأمانة في الأطراف- الطب وسط الخرطوم- الزراعة والبيطرة بشمبات – التربية بأم درمان- لينعقد الاجتماع في الساعات الأولى من الصباح أو في الأوقات الحرجة، وقد تم تزويد هؤلاء الشباب بوسائل للحركة- دراجات بخارية- وذلك حتى لا تنتهي قيمة الشورى.

أيضا لقد كان قرار الاتجاه الإسلامى طلابيا صرفا تتخذه الأجهزة الشورية الطلابية بالجامعة وكان يشترك أحيانا في النقاش بعض خريجي الاتجاه الإسلامى حديثي التخرج من الجامعات خصوصا جامعة الخرطوم لإنعاش النقاش وللاستفادة من تجاربهم في الأحداث المشابهة ، كما أنهم لا يشاركون في اتخاذ القرار.

كما حرص مكتب الجامعات على إعطاء استقلالية لشعبة الجامعة في إدارة وتصريف أمرها ما لم يحدث تعارض مخل مع إستراتيجية الحركة الإسلامية بالخارج.

ولما كان مجتمع الجامعة مجتمعا ضيقا وعلاقات الإخوان ببعضهم علاقات إخاء وصدق، حيث لا توجد أسرار سياسية يختص بها البعض دون الآخر، لذلك لا يستطيع مسئول تنظيمي أن يتخذ قرارا ذو شأن بمفرده إذ سرعان ما يتضح أمره ويتعرض للمحاسبة الغليظة والتي ربما تقود إلى عقوبة صارمة تصل إلى حد الحرمان من تولى المواقع القيادية لعدة أشهر .

هذه المسألة الشورية جعلت طلاب الاتجاه الإسلامى عموما يمتلئون عزة وثقة بأنهم هم الذين يتخذون القرار داخل تنظيمهم وأنهم أحيانا يعترضون وبصورة سافرة داخل الاجتماعات ويشنون هجوما عنيفا على قيادة الحركة الإسلامية ويصفونها بالتراخي وعدم المتابعة لما يدور في كواليس سلطة مايو مما يعرض الحركة للخطر. كان ذلك الهجوم يتم وحسن الترابي يكون حاضرا بل والمتحدث الرئيس في ذلك الاجتماع.

كان الطلاب يقولون آراءهم بجرأة وحرية بصورة تضايق بعض القيادات الخارجية التي تبدى عدم ارتياحها لجسارة طلاب الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم وكانوا يشكون ذلك لحسن الترابي الذي كان أكثر التصاقا بالجامعة وطلابها.

هذه الممارسة الشورية جعلت عضوية الاتجاه الإسلامى تنفعل بالقرار وتسعى لتنفيذه بشتى الأغلبية كان ملزما للجميع بل كان الذين لم يقفوا معه ولم يساندوه أثناء التصويت هم أول الداعين له والمتحمسين لتنفيذه لأنه أصبح قرار جماعة .

والباحث هنا يذكر حادثتين أحداهما حدثت عام 1984م بعد أعياد الاستقلال حيث هاجم النميرى الحركة الإسلامية ووصف الإخوان المسلمين بأنهم إخوان الشياطين ، وكان مدفوعا بمسألة الغير ة السياسية وبتحريض أعضاء الاتحاد الاشتراكي الذين كانوا يسعون بالفتنة والوقيعة بين الحركة الإسلامية ونظام النميرى فكتبوا " لن تعلو راية فوق راية الاتحاد الاشتراكي" وكانوا يقصدون بذلك التشريعات الإسلامية التي أعلنها النميرى، وداخل الجامعة شن إعلام الاتجاه الإسلامى هجوما عنيفا على سلطة مايو وعلى رئيسها وعلى الاتحاد الاشتراكي بصورة كادت أن تنهى المصالحة الوطنية .

في تلك الفترة دعت الأمانة السياسية إلى لقاء جمع بين قيادات العمل السياسة والتنفيذي بالجامعة مع الأخ/ على عثمان محمد طه والذي يعتبر من أبرز قياديي الحركة الإسلامية – كنت ضمن هذه المجموعة التي دعيت لحضور ذلك اللقاء- فدار حوار ساخن وجهنا فيه هجوما سافرا على الحركة الإسلامية التي ارتضت أن تساير النظام في ما أعلنه من تشريعات لم يكن صادقا ووصف أعضاء الاجتماع ما أعلنه النميرى بأنه " إسلامي أمريكاني" و" إسلام خليجي" كما هاجم الاجتماع الحركة الإسلامية ووصفها بأنها حولت مسار الحركة الإسلامية من حركة زاهدة ومتقشفة إلى حركة تسير في خط الترف والتوجه الرأسمالي وذلك بعد تسنم بعض قيادات الحركة إدارة العديد من هذه المؤسسات.

ويذك والباحث أن الاجتماع استمر حتى الساعات الأولى من الصباح بين أخذ ورد وكان على عثمان يحاول إقناع تلك المجموعة الثائرة إلى درجة أنه قد اقسم على المصحف بأنه لا يملك مليما واحدا في بنك فيصل ، ثم تحدث عن إستراتيجية المصالحة ودعا الناس إلى الصبر والمصابرة والمرابطة وأن يعتبروا ذلك ابتلاء فيصبروا عليه لخير قادم إن شاء الله ، وقد كان على عثمان حتى ذلك التاريخ محط احترام وتقدير لأعضاء الاتجاه الإسلامى لأدبه في الحوار وتواضعه وزهده في حطام الحياة فقد كان يرد على ثورة الطلاب بتبسم وصمت ثم بيان شافي.

ويذكر الباحث أن من أميز من حضروا ذلك الاجتماع هم الشهيد عبيد ختم عليه رحمة الله ، والشهيد على سليمان عليه رحمه الله، محمد مجذوب محمد الأمين ، خالد حسن إبراهيم ، الشهيد أحمد إسحاق ( السلفي) خالد حسن إبراهيم، عبد الإله حسن كوكو، خالد التيجانى ، وآخرون.

ومن الطرائف في ذلك الاجتماع أنه قد حصل سوء تفاهم بين الأستاذ على عثمان والشهيد موسى على سليمان وذلك عندما احتد نقاش قيادات الجامعة وامتد مع الأستاذ على عثمان مما جعله يردد:

" قطار الدعوة ساير ناس يركبوا وناس ينزلوا" فما كان من الشهيد موسى على سليمان ( رضي الله عنه) إلا أن انتفض وقال للأستاذ على : " هذا تهديد نحن لا نقبله فقطار الدعوة نحن الآن في عربة قيادته ونستطيع أن نغير مساره من عطبرة إلى نيالا"، فما كان من الأستاذ على عثمان إلا أن أوضح أنه لم يقصد ذلك وكلنا شركاء لا إجراء ولا حجر على أحد في إبداء رأيه، فأمر الجماعة شورى بينهم .

كان الشهيد موسى يمثل أدب القيادة الراشدة التي تحترم رأى أعضاء الحركة الإسلامية خصوصا إذاكن أولئك الأعضاء في مقام طلاب جامعة الخرطوم.

صورة أخرى كانت في أبريل 1985م بعد الانتفاضة مباشرة عندما أوفد التنظيم بالخارج الأخ/ عوض أحمد الجاز لتنوير شعبة جامعة الخرطوم عن تطور الأحداث السياسية حتى قيام الانتفاضة، وجاء عوض الجاز وتحدث إلى الاجتماع حتى أكمل حديثه لكن الطلاب عبروا عن اعتراضهم وعدم رضاهم على انتداب عوض الجاز لتنويرهم من قبل التنظيم برفضهم أن يوجهوا له أى سؤال بحجة أن عوض الجاز لم يكن هو الشخص الذي يفترض أن ينورهم لسبب واحد رغم كفاءته وتاريخه الطويل في الحركة الإسلامية لكن لأنه عند قيام الانتفاضة كان خارج السودان .. فشعبة الجامعة التنظيمية هي أدرى منه بتطورات الأحداث.

نتيجة لذلك الموقف القوى أوفد التنظيم شخصا آخر للتنوير كان الطلاب يدفعهم لذلك الصدق والتجرد والابتعاد عن الأهواء والمطامع والمكايدات، وكانوا يرون في الحركة الإسلامية قصة أشواقهم وتطلعاتهم الحضارية لقيادة المجتمع لذلك مارس طلاب الاتجاه الإسلامى الشورى داخل الجامعة بصورة لم تستطع الحركة الإسلامية خارج الجامعة أن تنتهجها خاصة حينما آلت إليها مقاليد الأمور بعد انقلاب 30/ يونيو / 1989م حيث أصبح الكل تبع الرئيس فيما قاله وما سيقوله ، وظهرت مراكز قوة يتجسس كل منها على الآخر ويعاديه ويتربص به الدوائر.

الأمن والمعلومات

مكتب الأمن والمعلومات يعتب من أهم مكاتب الاتجاه الإسلامى ويتبع للأمين العام مباشرة، فهو الذي يغذى الأمانة العامة بالمعلومات والأخبار السياسية والسرية وهو الذي يراقب التنظيمات السياسية الأخرى ويتابعها متابعة دقيقة.. اجتماعاتها ، أماكن الاجتماعات، عدد الحضور، من من القيادات الخارجية جاء لهذه الاجتماعات ، وماذا دار داخل الاجتماع.

كذلك عبر هذا المكتب يتم تأمين اجتماعات ولقاءات وأوراق ووثائق الاتجاه الإسلامى ويتم التأكد من سلامة العضوية وتاريخ انتمائها لحركة الاتجاه الإسلامى وهنا يتم تأمين الحركة الإسلامية من الاختراق. وهذا ما افتقدته الحركة الإسلامية بعد قيام الإنقاذ حيث فتحت صفوفها لكل من هب ودب حيث دخلتها المتردية والنطيحة وما أكل السبع من بقايا الاتحاد الاشتراكي والمايويين وعملاء الاستخبارات الذين عندما كانوا على قمة سلطة مايو كان همهم الأول هو الكيد للحركة الإسلامية وإحداث الوقيعة بينها وبين النميرى واليوم تبوأوا أرفع المواقع في الإنقاذ وساهموا في إحداث الوقيعة والانشقاق الذي حدث داخل صفوف الحركة الإسلامية .

كل ذلك حدث لأن الحركة الإسلامية لم تواصل منهجها الصارم الذي كان متبعا في الجامعة في حصر العضوية وتصنيفها حتى يسهل التعامل معها، وإنما اتبعت منهجا عجيبا تحت شعار ( العبرة بمن صدق وليس بمن سبق) رغم أن الصدق يعلمه الله وحده لكن السبق يشكل صمام أمان مضمون الولاء.

ولم تكتف الحركة بذلك بل دفعت بهؤلاء الاشتراكيين الإنقاذيين الجدد إلى مقدمة الصفوف السياسية والتنفيذية حيث تنحى الأبكار من أهل بدر والخندق والحيرة تملأ نفوسهم ليحل محلهم وهؤلاء الشطار الذين يجيدون حلو الحديث ومنمق الكلمات وعبارات المدح والثناء التي تألفها النفس البشرية وتتمنى سماعها دائما.

ظل هؤلاء يتقدمون وتتأخر الحركة الإسلامية إلى أن وجدت نفسها على مفترق الطرق شيخها وأعضاؤها جزء منهم بين سجين وطريد، والجزء الآخر يشمر عن ساد الجد ويصارع حتى لا يسقط صرح الإنقاذ الذي شيد بدماء المجاهدين من أبناء الحركة الإسلامية والخلص من أبناء الشعب السوداني الأبي.

جميل جدا أن تستوعب كل من قدم إليك ولكن المؤمن كيس فطن.. ليس بالخب ولا الخب يخدعه. فالضابط حديث التخرج من الكلية الحربية يعطى دبورة واحدة أى ملازم ولا يجوز له أن يكون عضوا في هيئة الأركان آو ناطقا رسميا باسم القوات المسلحة أو وزيرا للدفاع.. التدرج ضرورة أمنية وإستراتيجية ، لكن إخوتنا في الإنقاذ يبدو أنه قد أعجبتهم فهلوة البعض أنهم قادرون على تسخيرهم، لكن قد انقلب السحر على الساحر وهذا ما عبر عنه الترابي معلقا على تقدم سبدرات المستمر فقال : " أردناه ممثلا فأبى إلا أن يكون مخرجا بارعا".

نعود بعد هذا الاستطراد إلى مكتب المعلومات بالجامعة فمكتب المعلومات يقوم بمهمتين :

الأولى: هي تأمين الاتجاه الإسلامى.
والثانية : هي جمع المعلومات عن التنظيمات الأخرى وأحيانا عن بعض الإخوان الذين تؤدى تصرفاتهم إلى حرج سياسي أو خلل أمنى.

وكان من مهام هذا المكتب: الإحصاء ، الأرشفة متابعة التنظيمات ، خلق المصادر المختلفة، تدريب الكوادر.

فعبر هذا المكتب استطاع الاتجاه الإسلامى الحصول على وثائق مدمر للتنظيمات السياسية واستطاع الحصول على أدق أسرار اجتماعات التنظيمات، وقد استطاع الاتجاه الإسلامى أن يخترق عددا من التنظيمات أن تكون له مصادر تمده بأخبار وأسرار تلك تنظيمات ويذكر أن صحيفة " آخر لحظة" كانت تنشر في أعدادها محتضر اجتماعات الجبهة الديمقراطية على التوالي وتذكر مكان اجتماع الشيوعيين وعدد الحضور والساعات بدأ فيها الاجتماع وماذا قال المتحدث الأول والثاني، كان ذلك يزعج التنظيمات جدا وفى نفس الوقت كان يطهر الاتجاه الإسلامى بمظهر التنظيم المقتدر والخطير ويذكر أنه في اجتماعات عام 1979م التي كانت تعقدها تنظيمات التحالف مساء ثم يأتي الصباح لينشر محضر الاجتماعات في " آخر لحظة" مما حدى ببعض التنظيمات وعلى رأسهم الجمهوريين أن يصفقوا الاتجاه الإسلامى بأنه تنظيم له أجهزة تصنت وبنفس القدر استطاع مكتب الأمن والمعلومات تأمين الاتجاه الإسلامى ومن الاختراق فلم يحدث أن تم اختراق الاتجاه الإسلامى من أى من التنظيمات السياسية مما جعله تنظيما قويا متماسكا.

كذلك استطاع هذا الجهاز مد الكادر السياسي والخطابي للاتجاه الإسلامى بمعلومات هامة عن التنظيمات الأخرى التي كانت تستعمل في حينها وتمثل ضربة قوية للتنظيمات الأخرى. كنت أحد خطباء الاتجاه الإسلامى الرئيسيين في الفترة من 1981م1985م بجامعة الخرطوم وكثيرا ما يمدنا مكتب المعلومات أثناء الحديث فى الندوة السياسية بمعلومات يكون لها أثر السحر في تعبئة المستمعين والحضور من الطلاب.

وكنا نعلنها كالآتي:" جاءنا من مكتب الرصد والمتابعة بالاتجاه الإسلامى ما يلي ." وقد كان ذلك يثير إعجاب الطلاب، وأذكر أن الأخ خالد حسن إبراهيم أثناء تلاوته لمعلومة هامة وصلته من مكتب المعلومات وبعد تلاوتها ردد قائلا :أحيى أخي عبدو في أجهزة الرصد والمتابعة.. وكان يشير إلى الأخ المجاهد/ عبد العلى أحمد البشير مسئول مكتب المعلومات بالجامعة وقتها. كان الاتجاه الإسلامى يجد فقها واسعا يجوز التجسس على التنظيمات التي يصنفها فى دائرة العداء للإسلام وكان يستدل بالصحابي الذي أرسله الرسول (ص) ليتجسس على معسكر الكافرين قائلا له : خذل عنا فإن الحرب خدعة وقد كان رسول الله (ص) أول من أمر باستطلاع أخبار مشركا قريش أبان حربه معها فكان يبعث أصحابه ليأتوه بأخبار القرشيين أو ليجدوا أماكن تجمعهم أو ليرصدوا تحركاتهم.

وجهاز المعلومات متجربة بدأت بجامعة الخرطوم كانت تجربة منضبطة يحكمها الورع والتدين سيما وأن بعض أعضاء الاتجاه الإسلامى يدلون بآرائهم في الوضع السياسي بالبلاد أو في مواقف الحركة الإسلامية بصورة تكاد تصنفهم في دائرة المعارضة، ولكن جهاز المعلومات كان يحكمه التدين والورع الشيء الذي افتقده في بعض الجامعات السودانية الأخرى ذات الالتزام التنظيمي والإسلامى الهش مما جعل ذا الجهاز السودانية الأخرى ذا الالتزام التنظيمي والإسلامى الهش مما جعل هذا الجهاز وسيلة للكيد الشخصي وتصفية الحسابات في صورة تنم عن عدم الورع والتقى وبصورة أقرب إلى التلفيق والكذب، وقد صاحب هذه الصفات غير الحميدة بعض العاملين في الجهاز على مستوى جامعة الخرطوم إذ أخطأ في حق بعض الإخوة خطأ غير مقصود تم تداركه بكل الشجاعة والصرامة والاستغفار.. لكن ظل وما يزال جهاز الأمن والمعلومات من أهم أجهزة التنظيم فهو خط دفاعها الأول وصمام أمانها الأساسي وهو عينها على الأعداء والخصوم وهو رقيبها على الأنصار والمريدين.

كان دور ذلك الجهاز لا يتعدى المراقبة والمتابعة السياسية للتنظيمات المعادية ولا يتجاوز ذلك ليتابع سلوك الطلاب أو خصوصياتهم لأن ذلك ليس من شأنه وليس من أخلاق الحركة الإسلامية أن تتجسس على السلوك الشخصي للأفراد أو تتابع علاقاتهم الاجتماعية و العاطفية ، فنشاط مكتب المن والمعلومات كان محصورا في متابعة التنظيمات السياسية ونشاطها السياسي المعادى للاتجاه الإسلامى فقط.

الفصل الخامس: الاتجاه الإسلامى في قفص الاتهام

لقد ظل تنظيم الاتجاه الإسلامى يقود الحياة السياسية والفكرية بجامعة الخرطوم طيلة الفترة الممتدة من نهاية عام 1969م وحتى عام 1986م .

طيلة هذه الفترة لم يفقد الاتجاه الإسلامى قيادة الاتحاد عدا دورتين اخترق فهما قائمة التنظيمات المتحالفة ضده.

طيلة تلك الفترة حاول خصوم الاتجاه الإسلامى أن يحددوا نقطة الضعف في صف الاتجاه الإسلامى ويضربوه من خلالها، لذلك ركزوا شعاراتهم حول بعض القضايا مثل وصم الاتجاه الإسلامى بالإرهاب.

وأنه تنظيم إرهابي من أعضاء الاتجاه ويواجه الفكرة باليد الباطشة، ومن الذين وجهت لهم سهام الإرهاب من أعضاء الاتجاه الإسلامى : طالب الهندسة وقتها محمد عثمان محجوب، وطالب الطب مطرف صديق على ، وطالب الزراعة هاشم على محمد خير والذي عرف بـ " هاشم كراتى" طالب الهندسة طارق محجوب، طالب الآداب سليمان الشهير بـ ( خبرة) طالب الآداب على أحمد علوان، آخري..

ولكن مع اندياح المد الإسلامى والصحوة الإسلامية التي ضربت كل العالم الإسلامى لم يكن لتلك الشعارات رواج سيما وأن الذين يروجون لها هم الشيوعيون والجمهوريون كذلك حاول خصوم الاتجاه الإسلامى استغلال مسألة المصالحة الوطنية ووصم الاتجاه الإسلامى من خلالها بأنه من " سدنة مايو" وأنه عميل للسلطة وكانوا يطلقون على الاتجاه الإسلامى " فرع الاتحاد الاشتراكي الجديد المسمى بالاتجاه الإسلامى" ولكن الاتجاه الإسلامى كما أسلفنا استطاع أن يدير معادلة سياسية موزونة وأن يضع نفسه في خانة المعارض لفساد وسياسيات السلطة.

أيضا حاول المعارضون أن يصفوا قيادات الاتجاه الإسلامى بالتعالي والغرور والترفع وأنهم يتعاملون مع الطلاب من خلال القرارات الفوقية وأنهم يملون إرادتهم على الطلاب، ولكن كانت نتائج الانتخابات تكون عكس ذلك إذ تأتى دوما لصالح الاتجاه الإسلامى كما أسلفنا. وبما أن الاتجاه الإسلامى ظل قويا ومسيطرا على الساحة السياسية والفكرية بالجامعة فإن نقاط الضعف فيه ظلت هامشية وعادية وليست إستراتيجية.

وإصلاحها يكون من باب نشدان الكمال التنظمى والعضوي وأنها نقاط ضعف فنية وليست إستراتيجية .

هنا تذكر طالبة الهندسة وقتها الأخت رقية يحيى على يحيى بعض نقاط الضعف والتي ترى أن طبيعة الحياة الجامعية والظروف السياسية والتنظيمية قد فرضتها أعضاء الاتجاه الإسلامى منها:

1- تميز الإسلاميون بانتقائية في علاقاتهم الاجتماعية حيث ترفعوا عن الشللية المفتوحة ومجاراة الطلاب في نقاشاتهم الخاصة والعامة والخوض معهم في ما يشتهون أو ما يطيب إليهم، وهذا بدوره مثل عزلة شعورية وربما مادية عن كثير من جلسات الطلاب الخاصة وهمومهم مما يؤدى إلى صعوبة معاشرة الطلاب وقد يقود إلى علاقة غير راسخة وهامشية على المستوى الجامعي.

وترى رقية أن ذلك يعود إلى أن التنظيم كان به قدر كبير من الجدية والصرامة وكان أعضاؤه يشعرون بأن الخصوم يحصون عليهم أنفاسهم ناهيك عن أخطائهم فلذلك يتحسبون لكل أمر.

كذلك المسئوليات التنظيمية الجسام كانت تحول بين أعضاء الاتجاه الإسلامى ومشاركتهم للطلاب أفراحهم وأتراحهم، كذلك هنالك صورة معينة مرسومة في أذهان كثير من الطلاب عن أعضاء الاتجاه الإسلامى تعنى الموضوعية والجدية والصرامة والابتعاد عن المسائل الهامشية والانصرافية وأحيانا حسم الفوضى والانحلال باليد والقوة.. أيضا كان ذلك يشكل أمرا عازلا بين الطلاب وبين الاتجاه الإسلامى على المستوى الاجتماعي لكن نظرة الطلاب للاتجاه الإسلامى بهذه الصفات تجعله كبيرا في أعينهم وتجعله يمثل الأنموذج اذلى لا يستطيعون الوصول إليه .

أيضا تذكر رقية يحيى أن التصنيف الذي يقوم به المكتب السياسي للاتجاه الإسلامى لطلاب الجامعة بهدف معرفة الموالين والمحيدين والخصوم هذا التصنيف يصاحبه أحيانا ظلم كبير لعدد كبير من الطلاب والطالبات إذ يتم التصنيف من خلال المظهر العام وأحيانا يكون مظهر الطلاب في شكله العام يوحى بعدم التزام وعدم جدية، وربما عدائية لكن في جوهره يكون ذو معدن أصيل وذو فطرة سليمة، وربما يأتي يوم يكون من خيرة العاملين في صفوف الاتجاه الإسلامى وأحيانا يدرك بعض الطلاب أن الاتجاه الإسلامى يصنفهم في خانة الخصوم مما يدفعهم ذلك بالفعل لاتخاذ مواقف عدائية ومعرفتهم لذلك التصنيف تتم من خلال المناقشات والاحتكاكات والتي كثيرا ما تظهر أناسا كانوا في خانة السلب حسب بتصنيف الاتجاه الإسلامى لهم فيظهروا بمواقف ايجابية تطابق مواقف الاتجاه الإسلامى في الموقف المعين والعكس صحيح.

كذلك ترى رقية يحيى أن علاقات كثير من أعضاء الاتجاه الإسلامى بالأكاديميات كان يشوبها الضعف وذلك لأنهم لا يجدون أنفسهم في تلك المحاضرات العقيمة التي تدرس في الجامعة والتي لا تشبع فيهم روح البحث والتنقيب طلاب الاقتصاد يدرسون في تلك الكتب التي يرون لا فائدة منها، ف مثلا اقتصادا هو أقرب إلى تاريخ الاقتصاد منه إلى النظريات الاقتصادية الحديثة، ويظلون يرددون تلك النظريات الاقتصادية العقيمة الربوية في صورة من التلقائية والببغاوية وفى صورة أقرب إلى أداء الواجب منها إلى الاتجاه المعرفي والتأصيل، وطلاب القانون يدرسون قوانين من صنع البشر تبيح ما حرم الله فهي إذا قوانين ضد رغباتهم وضد أهدافهم وضد برنامج التغيير الإسلامى الذي يطرحونه ومن أمثال هؤلاء : الطالب عبد المحمود نور الدائم الكرنكى الذي كان من أكثر طلاب الاتجاه الإسلامى بحضور المحاضرات وإنما يقومون بالمرور على دفاتر المحاضرات عند قرب موعد الامتحانات فمنهم من يستطيع النجاح في الامتحانات ومنهم من يفصل الجماعة فصلا أكاديميا.

لكن هنالك من يرى أن الذين يفصلون أكاديميا من أعضاء الاتجاه الإسلامى يعود بسبب فصلهم إلى الأعباء والواجبات التنظيمية والتكليفات السياسية التي تقع على كواهلهم بصورة تجعلهم يؤرثون العمل التنظيمي بكل وقتهم على العمل الأكاديمي سيما وأن الأحداث كانت تطرد وإيقاعها يمر سريعا بصورة جعلت بعض الطلاب يجمدون عاما دراسيا كاملا من أجل العمل التنظيمي مثل الطالب الوليد محمد أحمد دقنة- حفيد عثمان دقنة- الذي كان يدرس بقسم الكيمياء بكلية التربية وغيره كثير فهنالك بعض أعضاء الاتجاه الإسلامى اللذين تجدهم في قلب الأحداث في كل حدث يمر على الجامعة منهم محمد المجذوب محمد الأمين الذي فصل من الهندسة ليكملها مؤخرا في تركيا ، وصديقه عمر عبد العزيز الذي فصل أيضا من الهندسة ليواصل في ماليزيا مؤخرا، وسيف الدين عمر الذي دخل كلية الطب وكان رابع السودان في الشهادة السودانية وفصل ليواصل مؤخرا في العلوم الإدارية في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية ، ومنهم سيد احمد الحسن وعصام الدين محمد حسين اللذان فضلا من الهندسة ليواصلا في تركيا، وكذلك زميلهم عمر محمد عبد الرحمن الذي كان من أبرز خطباء الاتجاه الإسلامى بالجامعة، ومنهم أسامة عبد الله الذي شغل منصب الأمين العام للاتجاه الإسلامى بالجامعة لعام 1984م فصل من كلية الهندسة لينتهي به الأمر منسقا للشرطة الشعبية، وكذلك عصام الدين عثمان السيد الذي فصل من كلية الطب ليواصل بالصين الشعبية، وحمد على خطاط صحيفة آخر لحظة- الذي فصل من الهندسة وصديق فضل الله منصور الذي فصل من قسم الرياضيات بكلية التربية في السنة النهائية وغيرهم كثير.

ويرى الباحث أن الأعباء التنظيمية التي كانت تقع على عاتق أعضاء الاتجاه الإسلامى كانت كبيرة جدا بدرجة تشغل الكثيرين عن أكاديمياتهم مما سببت نقطة ضعف يصف بها البعض الاتجاه الإسلامى ويلصق به تهمة عدم الاهتمام بالأكاديميات وتوحي للبعض بأن الانتماء للاتجاه الإسلامى يعنى إهمال الأكاديميات الذي لم يكن له مبرر إذ أن هنالك نماذج من قيادات الاتجاه الإسلامى كان عليهم عبء تنظيمي وسياسي قيادي كبير، وبعد ذلك تخرجوا في الوقت المحدد ومنهم من تخرج بدرجة الشرف مثل : التجانى عبد القادر الذي سبق الحديث عنه، والطالب إدريس إبراهيم طه الذي قام التجانى عبد القادر الذي سبق الحديث عنه، والطالب إدريس إبراهيم طه الذي قام بجولة في الخليج ليجمع معظم الأموال التي شيد بها مسجد جامعة الخرطوم والأمثلة كثيرة .. لذلك لم يكن هنالك مبررا لعدم الاهتمام بالأكاديميات بل على العكس إن الاهتمام بالأكاديميات يعتبر في حد ذاته دعوة للطلاب.

أيضا من نقاط الضعف التي يذكرها البعض أن الجيل الذي خلف جيل ما قبل المصالحة الوطنية يقل كثيرا عن الجيل الأول من حيث التأهيل والثقافة والمعرفة بأمور التشريع والأصول والحديث بل صار الاهتمام والاضطلاع والثقافة ليس من الأولويات مما جعل جيل ما بعد المصالحة جيلا غير مميز تمييزا واضحا عن بقية الطلاب. وهذه حقيقة ولكن لها أسبابها والتي منها:

1- جيل من قبل المصالحة أتاحت له فترة التشريد والسجون فرصة نادرة حفظ من خلالها القرآن ودرس علومه ودرس علوم الحديث وكتب الفكر الإسلامى إذ إن بعضهم ظل في السجون أكثر من عامين عاصروا ورافقوا فيها قيادات الحركة الإسلامية أمثال شيخ الحركة الإسلامية حسن الترابي وصادق عبد الله عبد الماجد ويسن عمر الإمام والكارورى وخلافهم مما جعلهم يؤصلون فكرهم وتجاربهم.
2- بعد المصالحة الوطنية طرحت الحركة الإسلامية إستراتيجيتها والتي دعت فيها إلى مضاعفة عددها " عشر مرات" لذلك استوعب ذلك البرنامج كل طاقات الشباب في الدعوة والاستقطاب للطلاب بصورة جلبت أعدادا كبيرة للحركة الإسلامية وبعضها فطير جدا مما أدى بروز مجموعتين أو مدرستين فكرتين أحداهما: تدعو إلى الاهتمام بالكيف دون الكم ومن ثم صقل العضوية والاهتمام والتأهيل والتأصيل والتدريب فقليل مبارك ومدرك خير من كثرة غثائية..

ويضربون لذلك الأمثال والأدلة ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة).. وتيار آخر على رأسه الترابي يدعو إلى مضاعفة العدد من غير تجاهل للكيف وكان منطقهم " أن الكم نعمة من الله على الكيف" وقد حاول الاتجاه الإسلامى معالجة ذلك الضعف بالمعسكرات التربوية والكتائب والصيام الجماعي والتهجد وخلافه. أيضا من النقاط التي تعتبر سالبة وموجبة في وقت واحد هي أن حس عضوية الاتجاه الإسلامى السياسي أكبر من حسمهم الدعوى الانتشاري بمعنى أن هنالك الكثير من عضوية الاتجاه الإسلامى لا يهتمون بحضور الاجتماعات ولا يشتركون في كثير من المناشط الدعوية ولا يقدمون الدعوة لأي شخص، وإنما فقط يلتزمون بأداء الشعائر والأكاديميات ولكن ما إن يحدث حدث سياسي أو احتكاك يؤدى إلى الصدام بالسيخ والملتوف بين الاتجاه الإسلامى وخصومه من الشيوعيين ومن يتحالف معهم إلا وتجدهم في مقدمة صفوف المواجهة وفى مقدمة ما يطلق عليه الاتجاه الإسلامى " كتائب الجهاد" كذلك هذه النوعية تجدها في موسم الانتخابات تقوم بواجبها على الوجه الأكمل هذه المجموعة جعلت بعض أعضاء الاتجاه الإسلامى يطلقون عليهم " إخوان الحارة".

الاتجاه الإسلامى والطالبة الجامعية

الحديث عن الحركة الإسلامية وسط طالبات جامعة الخرطوم لا ينفصل عن الحديث عن نظرة الحركة الإسلامية الأم للمرأة وعن وضعية المرأة في فقه ونظرة الحركة الإسلامية ، وإلى أي مدى تأثرت الحركة الإسلامية وخلطت الأثر الاجتماعي التقليدي الوضعي بمعاني وقيم وتنزيلات الدين عليه فإن الحركة الإسلامية قد مرت بثلاث مراحل في تعاملها مع المرأة وهى :

1- الموقف الأول: هذا الموقف صاحب نشوء الحركة في باكورة أيامها، حيث كانت متأثرة بمجتمعها وبموروثاتها الثقافية وهى لم تنشأ كحركة أصلية – كما ذكرنا- وإنما نشأت كرد فعل لمواجهة التيار اليساري الشيوعي الذي سيطر على قطاعات كبيرة من الطلاب. لذا لم يكتمل برنامجها الفكري والثقافي المتصف بشمول الدين لتطرحه للمجتمع.. وكانت كثيرا ما تأخذ من أعراف وتقاليد المجتمع ما تعتبره عرفا يساير مقصود الدين فكانت نظرة الحركة الإسلامية للمرأة ولدورها نظرة هامشية ، وكانت تعتبر أن الدين هو خطاب للرجال في المقام الأول وأن شأن الدعوة والجهاد في سبيل الله أمرا مقصورا على الرجال لذا لا ينبغي أن نقحم النساء فيه.. وكانت ترى أن صلاح المجتمع أمر مرهون بصلاح الذكور فإن صلحوا صلح المجتمع، وإن فسدوا فسد المجتمع، والمرأة في ذلك تبعا للرجل وعلى دين زوجها فالحركة كانت ساعة مبتدئها بنت مجتمعها الذي يعتبر أمر الاتصال بين الرجال والنساء الأجانب الذين لا يربط بينهم رباط شرعي أمر غاية البدعية والمنكر.. لذلك كانت الحركة زاهدة في أي دور إصلاحي تقوم به النساء وحذره من أي صلة بهن.
2- الموقف الثاني: بعد ثورة أكتوبر 1964م مباشرة بدأ تطور موقف الحركة الإسلامية وتم تأصيل فكرها ومراجعة مواقفها التقليدية من المرأة . تلك المواقف التي لا تتسق وشمول الدين لذلك بدأت الحركة تلتفت للمرأة والذي دفعها لذلك هو الاستفزاز والتحدي العلماني واليساري الذي كان يجذب المرأة بدعوى التحرر والمساواة وحقوق المرأة ، فقد كانت الحركة الشيوعية تجتذب المرأة المثقفة بتلك الشعارات.. لذ كانت الحركة النسوية في أواسط الطلاب حكرا على الحركة الشيوعية فكان الإسلاميون يدركون أهمية الطالبة الجامعية ومناصرتها للحركة الإسلامية ولكنهم في ذات الوقت يخشون فتنة المرأة والشبهات التي تصاحب الاختلاط بها بدأ ينتابهم شعور الاقتحام لعالم المرأة وكان يعز عليهم أن يتركوا الاهتمام بالطالبات خوفا من فتنتهن ويقلقهم أن يقارنوا كسبهم الانتخابي فيجدوا أن الزى يؤخرهم هو صوت النساء إذ كان صوت الطالبات هو رصيد مضمون لمرشحي الحزب الشيوعي بالجامعة..
كما ظهر على مستوى الشارع السوداني " الاتحاد النسائي" وكانت قيادته من كوادر الشيوعيات اللامعات في وقت كان فيه الحزب الشيوعي السوداني من أقوى الأحزاب الشيوعية العالمية والإفريقية- هنا اضطرت الحركة الإسلامية أن تتجاوز موقفها القديم تحت وطأة التحدي وانتدبت مجموعة من الأخوات المسلمات لتعبئة ما سمى بـ " الجبهة النسوية الوطنية" ولم ينسب اسمها إلى الإسلام وذلك خوفا من إثارة ومعارضة التقليديين ، وقد كان قيام " الجبهة النسوية الوطنية" رد فعل لمنافسة الاتحاد النسوى السوداني الشيوعي.
كذلك من دواعي تغيير الحركة الإسلامية لموقفها هو ظاهرة خروج المرأة السودانية إلى العمل، غذ تكاثر عد الخريجات العاملات في دواوين الدولة وأخذت أعداد النساء ومشاركتهن في الشئون العامة تتزايد وكان ذلك بمثابة مؤشر ومنبه للحركة الإسلامية بأن المرأة يوشك أن يكون لها دور فعال ومميز في المجتمع غير ما كان لها في الماضي رضيت الحركة الإسلامية أم أبت.. وأن فساد المجتمع وإصلاحه لن يكون بمعزل عنها لذلك بادرت الحركة الإسلامية وتبنت الدعوة إلى مشروعية السياسية للنساء.
3- المرحلة الثالثة: هذه المرحلة جاءت بعد عام 1969م إذ برزت الحركة الإسلامية في هذه الفترة كقوة معارضة للنظام الشيوعي الحاكم وطرحت بديلا لذلك هو الإسلام في شموله، وقد توفر للحركة الوعي الشامل وضرورة الموازنة في صفها بين النساء والرجال وقد عاصرت فترة السبعينيات تجويد وتأصيل الفكر والفقه عند قيادات الحركة الإسلامية والشباب منهم وقد أتاحت لهم فترة السجون الطويلة وهدأة العمل السياسي الحزبي الصاخب أتاحت لهم وقتا كافيا تم استثماره في تقويم كسب الحركة الإسلامية والتحسب لمآلها وقد أدت تلك الخلوات في السجون إلى شيوع فكر ناقد للفقه والموقف التقليدي عموما في شأن المرأة والدين والمجتمع والإصلاح.. كما لاحظت الحركة الإسلامية المفارقة الكبيرة بين أعداد عضويتها في صفوف النساء والرجال إذ أن حظ النساء لا يكاد يذكر مقارنة لكسب الحركة من الرجال.. فأدركت الحركة قصورها في فهم الدين الذي جاء خطابا عاما للنساء والرجال " يا أيها الذين آمنوا" .. رجالا ونساء.. ويا أيها الناس ..رجالا ونساء وحيث جاء التكليف متساويا للرجال والنساء وجاءت بشارات الدين أيضا للرجال والنساء المؤمنون والمؤمنات والمسلمون والمسلمات والقانتون والقانتات والسائحون والسائحات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات هكذا جاء خطاب الدين لبنى الإنسان.. ولاحظت الحركة الإسلامية مشاركة النساء في دولة الرسول (ص) في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد شاركن في الهجرة والجهاد في سبيل الله .

فالموقف الثالث بعيد عن مرحلة تطور الفكر والفقه عند الحركة الإسلامية التي بدأت رهينة لموروثات المجتمع فيما يتعلق بشأن المرأة.. ثم أخذت تسرع الخطى في إيقاع سريع نحو الفهم الصحيح لمقتضى أوامر وتوجيهات الدين في شأن المجتمع والسياسة وما كان أمر الانفتاح على العنصر النسوى يمكن أن يمر غير أن تصحبه أزمة داخلية وخارجية لأنه كان يشكل صدمة عنيفة لموروثات المجتمع وللغبش الذي ساد مفاهيم الكثيرين من أعضاء الحركة الإسلامية عن المرأة.. فقد كانت ممارسة التصور الفقهي والفكري الجديد تمثل خروجا على المعهود في سنة الجماعة والمعروف في عرف المجتمع وقد اقتضى الأمر حوارا داخليا وتعبئة وتهيئة لترسيخ التأصيل الديني للتغيير وتجاوز الرواسب النفسية والعادات التنظيمية المتمكنة.

كانت عضوات الحركة الإسلامية فيما مضى تحتويهن أطر مخصوصة تابعة للإشراف المباشر للأمين العام للحركة الإسلامية بل كن لا يحسبن في إعداد العضوية العامة ولا يصلن بأي صلة تنظيمية بشعب الجماعة الفرعية.. فأول ما بدأ الإصلاح أن دمجت العضوية ووحدت مشاركتها في التنظيم فأصبح النساء في الحركة الإسلامية يتمتعن بحقوق العضوية ويحتملن تكاليفها فيما يليهن من أصعدة التنظيم..

كما صدرت التكاليف التنظيمية الصارمة لكل شعب الجماعة وتكويناتها أن تستدرك ما فاتها من دعوة النساء .. وقد كان التكليف غليظا على البعض لكنهم حوسبوا عليه رضوه أو كرهوه بمتابعة صارمة، ثم جاء الانفراج السياسي المصاحب للمصالحة الوطنية لتنزل الحركة الإسلامية للساحة السياسية بفقه متجدد واستراتيجيه طموحة أقل أهدافها أن يتضاعف عدد الحركة الإسلامية إلى عشرة أضعاف وفى وقت قليل أتى التوجه الجديد ثماره وانقشعت الشكوك التي كانت تراود البعض في صحة الفقه وحكمته إذ رأوا تأويله خيرا عظيما فنهض العمل النسوى في حساب الجماعة إذ أصبح أعداد النساء أو عطاؤهن يوازى شأن الذكور ويضاهيه فشاركن في الدعوة والمجاهدة ونافسن في عمل الخير وأخذن يستدركن كثيرا مما سبق به واحتازه الرجال .. وبذلك يكون قد اعتدل أمر الحركة الإسلامية وسار خطابها ووضعها وفقا لمعايير الدين لا معايير العرف.

وفى جامعة الخرطوم ما كانت الجامعة إلا جزء من المجتمع بكل إرثه الثقافي ومفاهيمه الاجتماعية.. وما كانت حركة الاتجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم إلا جزء من الحركة الإسلامية الأم بل كانت عند منشئها هي أصل الحركة ومنبعها الأصيل فما ذكر عن مراحل التطور الثلاث التي مرت بها الحركة الإسلامية ينطبق على وضع الحركة الإسلامية بالجامعة.. رغم أن الجامعة بها شيء من التحرر وصراع الأفكار لكن ظلت الحركة الإسلامية رهينة للموروث الديني التقليدي الجامد.. مما جعل مجال الطالبات مسرحا خصبا لحركة الشيوعيين . لقد كانت حركة الاتجاه الإسلامي في الجامعة تعانى من افتقار حاد للعنصر النسائي الملتزم أو الموالى.. فقد كان عطاء الاتجاه الإسلامي في أوساط الطالبات لا يكاد يذكر.. أما ظاهرة الالتزام التنظيمي وظاهرة الحجاب الشرعي أو الزى الإسلامي قبل 1977 م فقد كانت ظاهرة نادرة وعدد الطالبات اللائي يلتزمن بالزى الشرعي لا يكاد يذكر..

وذلك لعدة أسباب منها ما ذكر سالفا أن تدين بعض أعضاء الاتجاه الإسلامي هو تدين مصحوب ببعض العادات السودانية التي تنظر للمرأة بعين الحذر والوسواس وكان كل ما معهم من فقه هو " ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان ثالثهما" وأن المرأة فتنة يجب على الأخ الداعية أن يتجنبها وأن مخالطتها والوقوف معها يقع في دائرة الشبهات التي ينبغي على الأخ الداعية أن يتقيها.. وكان هنالك عدد من أعضاء الاتجاه الإسلامي لا يصافح زميلاته الطالبات مطلقا ولو على سبيل المجاملة ولا يتكلم إليهن، ويحنى رأسه إذا مر به جمع من زميلاته الطالبات.

وقد كان ينظر لعضو الاتجاه الإسلامي الذي يتحدث إلى زميلاته ويجلس معهن في بعض الأماكن العامة والمناسبات الاجتماعية مثل الرحلات وخلافه كان ينظر إليه من قبل " الشيوخ" بأنه أخ غير ملتزم أو غير منضبط " أخ فالت".

كذلك من الأسباب الإعلام الشيوعي المكثف الذي يستغل الموقف السلبي من الاتجاه الإسلامي تجاه الطالبة الجامعية محاولا إظهار الاتجاه الإسلامى بأنه عدو المرأة وأنه يضطهد المرأة.

ويتضح ذلك في فترة الانتخابات حول الاتحاد حيث تشير الإحصاءات إلى تقدم قائمة الجبهة الديمقراطية على قائمة الاتجاه الإسلامى في صفوف الطالبات، فالطالبات ظللن في تلك الفترة دوائر شبه مقفولة للشيوعيين .. وقد وصف أحد خطباء الاتجاه الإسلامى الإعلام الشيوعي وسط الطالبات الذي يصور لهن عداء الإخوان للمرأة بقوله ".. قالوا لهن تعالين يا أخوات .. زميلات وغير زميلات.. نحكى لكن الأحكيات.. كان يا ما كان في قديم العهد والزمان غول اسمه الاخوان يلتهم النسوان.. ويمنعهن من تسريح شعورهن" ثم يردف قائلا وسط جمع كبير من الطلبة والطالبات" .. ما هذا السخف ؟ ما لنا وشعور النساء ومنهن أمنا حواء ومريم العذراء وخديجة بنت خويلد..".

ومن هنا تبدو المرونة في ا لخطاب وتبدو معالم الفترة الثالثة التي أشرنا إليها.

لكن تعتبر الرسالة التي أصدرها شيخ الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي تحت عنوان " المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع" هي بمثابة المرشد والدليل العملي والفقهي والفكري للثورة التوسعية التي شهدتها الحركة الإسلامية في صفوف المرأة بعد المصالحة الوطنية، وقد حاول الترابى أن يسترشد في تلك الرسالة بكل الأدوار التي قامت بها المرأة في صدر الإسلام وفى سيرة الرسول (ص) وعن الخطاب القرآني لها.. وعن دورها الريادي في السبق للإسلام وفى السبق للشهادة والسبق للهجرة والجهاد..

وأشار إلى أن المرأة قد أسلمت وأخوها كافر كفاطمة بنت الخطاب شقيقة عمر بن الخطاب.. وأسلمت وأبوها كافر كأن حبيبة بنت أبى سفيان .. وأسلمت المرأة وزوجها كافر مثل زينب بنت الرسول (ص) وكان زوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع.. وأم سليم بنت ملحان وزوجها مالك بن النضير وأم هاني بنت أبى طالب وزوجها جبيرة بن عمرو.. وقد أسلمت المرأة دون أهلها وهاجرت مثل أم كلثوم بنت عقبة وهى أول من هاجرت من النساء بعد هجرة الرسول (ص) وسمية بنت الخياط التي كانت شهيدة في الإسلام، ومنهن من كانت تدعو النساء سرا حتى ظهر أمرها فعذبها أهل مكة وطردوها، ومنهن من دعت خاطبها وجعلت شرطا لزواجها ومهرها إسلام الخاطب وهى أم سليم التي قالت لخاطبها" والله ما مثلك يا أبى طلحة يرد ولكنك رجل كافر وأنا مسلمة ولا يحل أن أتزوجك فإن تسلم فذلك مهري فذهب ثم جاء وأسلم".

ويستدل الكتاب بمجاهدات امرأة فرعون ومريم ابنة عمران التي ذكرها القرآن " وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجنى من فرعون وعمله ونجنى من القوم الظالمين، ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين" ( التحريم: 11-12) كما يستشهد المؤلف بقول أم سليم لرسول الله التي قالت " يذكر الرجال ولا نذكر فى القرآن " فنزلت الآية .. ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) ( الأحزاب : 35).

ويمضى دكتور الترابي في توجهه نحو إخراج المرأة من ظلمات إرث المجتمع فيقرر أن الشريعة بأصولها السوية أعطت للمرأة أهلية وحرية مثلما للرجل .. فلها أن تخطب الرجال شفاهة وكتابة وأن تختار الزوج وأن ترفض من تكره عليه وأن تفارق الزوج وهو راغم.. ويذكر الترابي أنه ليس هنالك للرجال اختصاص في الدين دون المرأة سوى أمور تجب عليهم وتجوز لها هي جوازا.

ولا سلطان للرجال على النساء إلا في إطار الزوجية وهى تنشأ وتحل برضى المرأة وتقوم في الأصل على الشورى والإحسان وليس للرجل فيها إلا قوامة الإنفاق والأمر والتأديب بالمعروف..

ويذكر أن الحياة العامة ليست مسرحا للرجال وحده دون النساء ،ويقرر أنه لا عزل بين الرجال والنساء في مجال جامع فالصلاة مشتركة والحج مشترك وللمرأة أن تستقبل ضيوف الأسرة وتحدثهم وتخدمهم ويذكر أن هنالك من النساء من كان يزورها رسول الله (ص) ويأكل عندهن ويعودهن مثل: أم أيمن وهى التي هاجرت من مكة إلى المدينة وليس معها أحد وذلك في حر شديد ، ومنهن خولة بنت عميس والتي أخرج الطبراني عن ابن الحارث أنه سمعها تقول اختلفت يدي ويد رسول الله (ص) في إناء واحد.. ويذهب الترابي في رسالته التي تعتبر ثورة تجديدية في وضع المرأة ثم يعلق عن عدم مصافحة النبي (ص) للنساء يذكر أن ذلك أمرا يخص النبي كنبا " أنى لا أصافح النساء" ثم تحدث عن جواز التناظر والتحدث للمتخاطبين والمتطالقين مع بعضهما البعض ثم دعي الترابي الإسلاميين للثورة على الأوضاع النسوية التقليدية ذاكرا أن الثورة على الأوضاع النسوية التقليدية آتية لا محالة ودعي إلى المبادرة والمسارعة في الإصلاح الإسلامى قبل أن ينفلت الأمر وتتفاقم الاتجاهات الحديثة الجاهلية.

وحذر الترابي الإسلاميين من أن يوقعهم الفزع من الغزو الحضاري الغرب والتفسخ الجنسي المقتحم في خطأ المحاولة لحفظ القديم وترميمه بحسبانه أخف شرا وضررا.. ووصف المحافظ على القديم بأنها جهد يائس لا يجدي.. لقد كانت رسالة الترابي عن المرأى تمثل ثورة تجديد قوية تصدت لكل الإرث البالي الذي قعد بالمرأة عن أداء دورها الرسالى في تبليغ رسالة الدين ودعوة الإسلام.. وجعل من النساء كما سالبا وتابعا في حركاته وسكناته للرجال .. فقد مثلت تلك الرسالة زادا فكريا وفقهيا تزود بها أعضاء الحركة الإسلامية وتوكلوا على الله ودخلوا إلى خضم المرأة وخضم الطالبات في جامعة الخرطوم..

كانت تلك الثورة بعد عام 1977م.. فقد واكبت تلك الثورة استراتيجيه الانفتاح والتمدد الأفقي للتنظيم وشعار مضاعفة العضوية لعشرة أضعاف وظهرت المرونة وسط أعضاء الاتجاه الإسلامى تجاه الطالبات حيث وضع برنامج منظم يبدأ من الإحصاء والتصنيف والاتصال الفردي والدعوة الجماعية للطالبات عبر كافة الآليات المتاحة للاتجاه الإسلامى وفى وقت وجيز شهدت جامعة الخرطوم صحوة إسلامية في أوساط الطالبات وأصبح الحجاب بعد أن كان شيئا غريبا ومستهجنا ويعنى لونية سياسية معينة، أصبح مظهرا مشاعا للكل عدا التيارات العلمانية واليسارية وسط الطالبات.

وحول هذا الأمر يقول عادل الباز "استطاع الاتجاه الإسلامى أن يقود حركة فكرية واجتماعية في المجتمع الجامعة تمثلت في جانب الطالبات في مسالة الحجاب والزى الإسلامى.. مثلا عام 1977م كانت ظاهرة الحجاب أو الزى الإسلامى ظاهرة نادرة أو مجال تندر وسخرية لدى الكثيرين .. ولكن خلال برنامج فكرى وثقافي اشتمل على معارض للزى الإسلامى وندوات ومحاضرات إسلامية ومعارض كتاب وحوارات ومنتديات فكرية كثيفة، وحتى مجيء عام 1981م كاد مظهر الطالبة الجامعية أن يتغير تماما حيث أصبحت ظاهرة الحجاب ظاهرة بارزة ومقدرة وموضع احترام وتقدير بعد إن كانت موضع تندر وسخرية، وبعد أن كان الحجاب يعنى اتجاها سياسيا معينا أصبح مظهرا عاما للكثيرات من طالبات الجامعة" وحول ذات الأمر يذكر د. محمد محيى الدين الجميعابى قائلا" بدأت الحركة الإسلامية التمدد وسط الطالبات بعد عام 1977م واستمر التمدد في تواصل 78- 1979م وهذه الفترة مثلت فترة انتشار تنظيمي معروفة إذ نفذت الحركة الإسلامية من داخل الجامعة حوالي 56 معسكرا في أنحاء السودان المختلفة في الحصاحيصا- أربجى – التي – للطلبة والطالبات من قيادات الحركة الإسلامية في الثانويات..

وكنا نريد أن نسبق التنظيمات السياسية الأخرى وكانت عضوية تتراوح بين 100- 250 عضوا سواء إن كان في معسكر الطلاب أو الطالبات.. وبعد ذلك جاءت أعداد كبيرة من هؤلاء الطلاب إلى الجامعة طلابا نظاميين مما شكل قوة دفع للاتجاه الإسلامى.. وفى عام 1979م بدأت حركة الأسلمة المؤسسية مثل رياضة الطالبات من وراء حجاب بعد أن كان يحضرها الطلاب سابقا ونفذ ذلك القرار.. وفى 79- 1980م أصبح وجودنا وسط الطالبات وجودا غالبا وبعد ذلك أصبحنا نتخطى الشيوعيين وسط الطالبات بعد أن كانت الطالبات حقلا خصيبا للحركة الشيوعية".

لقد اجتهد الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم في نشر وتثبيت برنامج الأسلمة وسط الطالبات بصورة جعلت قيادة الحركة الإسلامية تنسب أمر الأسلمة في الجامعة ومن ثم المجتمع إلى قيادات الاتجاه الإسلامى الطلابي ويشير الترابي إلى ذلك بقوله" أما ظاهرة المتاب في الدين في أوساط النساء والشابات إنما يعود الفضل فيه الأكبر إلى مبادرات الطلاب ولعل أثر حركتهم التربوية عموما لا يضاهيه شيء من أثر الأسرة والمجتمع أو المعاهد النظامية وغدت الحركة كلها تعول على فرعها الطلابي في الوفاء بحاجتها في تربية الأطر والقيادات التي تمدها.

ويقر حسن الترابي أن الصحوة الإسلامية التي قادتها الحركة الإسلامية في السودان يعود الفضل فيها بعد الله إلى الحركة الطلابية وذلك عندما يقول " ويمكن أن نقرر ختاما أن الحركة الإسلامية تعتبر منشطها الطلابي أخطر مقوماتها بعد أصل وجودها وترى ازدهار حاضرها فيما زرعت في الحقل الطلابي وجلال وعدها المستقبل بقدر ما تعد له بين الطلاب.. فهم ركنها المكين وورثة أمانتها في الأرض ولذلك كانت توليهم اهتماما مقدرا وتجند لحركتهم شطرا كبيرا من إمكاناتها" ، وبعد ذلك تحدث الترابي عن التوسع الأفقي الذي أحدثه الاتجاه الإسلامى في أوساط الطلاب بما يتجاوز العشر التزاما وتنظيما صارما والنصف ولاء سياسيا وتوجها إسلاميا وأكثر من ذلك مراعاة لشعائر الدين ومظاهره، وعن تمدد الصحوة الإسلامية وسط طالبات الجامعة تذكر وقفات رقية يحيى أن ظاهرة الزى الإسلامى كانت جديدة وتظهر على استحياء وخجل وكانت تواجه بحرب من الشيوعيات،فقد كانت الشيوعيات في محاربتهن للاتجاه الإسلامى يصفن الأخوات المسلمات " بجاهلات القرون الوسطى"..

وترى رقية أن هناك عاملان سهلا عملية الأسلمة أولهما هو نوعية الطالبات اللائي يحضرن إلى الجامعة فمعظمهن من طالبات الأقاليم المبرزات أكاديميا وذوات مستوى معقول من الفكر وعندهن المقدرة على التمييز ولم يكن سهلات القياد، والسبب الثاني: هو قيادة الاتجاه الإسلامى للوضع السياسي والفكري مما جعله يقدم طرحا " إسلاميا معاصرا وجذابا ومقنع وذلك عبر الندوات والمؤتمرات والمواسم والمعارض التي يتم فيها عرض الكتاب والزى الإسلامى.. وترى رقية أن ذلك كان بمثابة أرضية مهدت للدعة والاتصال الفردي ومن ثم الانخراط في صفوف التنظيم أو إشاعة الجو الإسلامى الصالح. وترى أيضا أن وضعية المرأة في الفترة التي سبقت نهاية الثمانينات في الهيكل التنظيمي كانت مختلفة جدا إذ كان يوجد شخص من الطلاب بالأمانة العامة لتنظيم الاتجاه الإسلامى يكون مسئولا عن الطالبات.. فقطاع الطالبات كله – مع قلته- لا تمثل له داخل الأمانة العامة. وإنما يشرف عليه طالب.. ومن أمز الطلاب الذين تولوا مسئولية العمل الإسلامى وسط طالبات الاتجاه الإسلامى هو الطالب إدريس سليمان الذي كان بكلية العلوم.. وعند مطلع الثمانينات تغير الوضع شيئا ما إذ أصبح للطالبات جسم منفصل يقمن لوحدهن بإدارته والإشراف عليه وأصبحت لهن مسئولة من بين صفوفهن وتولت تلك المسئولية الطالبة سنية مصطفى التي كانت تدرس بكلية الهندسة.. وظل جسم الطالبات ينمو بسرعة موازيا جسم الطلاب.

ثم تطور الوضع ليصبح أمر عضوية الأمانة العامة " أمرا يتنافس عليه الجميع طلاب وطالبات في اجتماع لعضوية التنظيم بالجامعة من الطلبة والطالبات فيتم الترشيح وتتم إجراءات الترشيح من جرح وتعديل ويتم الاقتراع وتظهر النتيجة وتعلن .. وكانت تكون خليطا من الطلاب والطالبات.. ومن الطالبات اللائي دخلن للأمانة العامة عبر اختيار المؤتمر العام للإخوان بالجامعة هما الطالبات إلهام يس حاكم والطالبة رقية يحيى.

وأخيرا أصبح لكل كلية من الكليات مكتبها التنظيمي الذي يتولى إدارة العمل التنظيمي داخلها وكانت الأمانة العامة تشرف على كل تلك المكاتب الفرعية.. ويذكر أن في عام 1982م تولت أمانة التنظيم في كلية القانون الطالبة مروة عثمان جكنون .. وكانت من أميز طالبات الاتجاه الإسلامى.

الفن

علاقة الحركة الإسلامية بالفن من الإشكاليات التي بدأ نقاشها داخل السجن في فترة ما بين المصالحة الوطنية بين قيادات الحركة الإسلامية .. وقد برزت من خلال السمنارات التي كانت تعقد داخل السجن مدارس عدة، فهناك من اهتم بحفظ القرآن ودراسة السيرة والفقه ومنهم المرحوم الأمين عثمان على طالب الاقتصاد وإمام مسجد البركس وقتها والطالب عبد الرحيم المهدي الجيلى طالب الاقتصاد يومئذ ، وهناك من اهتم بدراسة الأصول وعلم الحديث وهناك من اهتم بالسيرة وعلوم القرآن.

كذلك برزت تيارات اهتمت بمناقشة قضية الفن والتأصيل والشورى، فمثلا من الذين اهتموا بالمسرح والتأصيل له بابكر حنين ومن الذين اهتموا بقضية التأصيل الثقافي أمين حسن عمر ومن الذين اهتموا بقضية الشورى ووجوب تنزيلها محمد عثمان محجوب.ز خرج هؤلاء الباحثون من السجون بعد\ المصالحة الوطنية وجاءوا إلى الجامعة طلابا مثلوا وحدة فكرية للحركة الإسلامية بالجامعة.. ورغم أن الجامعة عند الاتجاه الإسلامى هي البوتقة التي تنصهر فيها الأفكار والتجارب ثم تخرج إلى رحاب الحركة الإسلامية الواسع إلا أن وجود هؤلاء الرواد كطلاب من الجامعة لم يمكنهم من تقديم نموذج للفن الإسلامى وذلك لأن الفرصة لم تتح لهم وذلك لأن الاتجاه الإسلامى بدخوله المصالحة الوطنية وقبول المشاركة في نظام مايو قد دخل في مرحلة تحد كبير وانشغل بهموم وقضايا كبيرة شغلته عن دائرة الفن..

وكان الكثيرون من أعضاء الاتجاه الإسلامى عدما تطرح قضية الفن وضرورة أن تهتم الحركة الإسلامية بالفن وأن تقدم البديل الإسلامى للفن الموجود في الساحة السودانية والذي تعتبره الحركة الإسلامية فنا هابطا.. وكان ينبغي على الحركة الإسلامية وهى أن تقدم نفسها وبرنامجها كبديل سياسي للحكم، كان عليها أن تقدم بديلها للفن المطروح فى الساحة فإن كثيرا من أعضاء الاتجاه الإسلامى يعتبرون قضية الفن " قضية انصرافية " سابقة لأوانها ويقولون الحركة الإسلامية عندما تصل إلى سدة الحكم سوف تخلق فنها الذي ينبع من الظروف المصاحبة لقيام الدولة .. وترى انه داعي لإهدار طاقات الشباب في قضايا انصرافية لا فائدة منها.

لكن الوضع في الجامعة الخرطوم ما كان له أن ينصرف عن قضية الفن، سيما وأن الجامعة بها جمعيات تخصصية مثل : جمعية الموسيقى، والمسرح، وجمعيات الثقافة، والآداب والتي كان يسيطر عليها الشيوعيون ويسخرونها لإلهاء الطلاب وجرهم لمسائل في نظر الاتجاه الإسلامى انصرافية وغير جادة وتصب في خانة تمييع الصراع في الجامعة وإبعاد الطلاب من موجة التوجه الإسلامى. فمثلا: عندما كان يعلن الاتجاه الإسلامى لندوة كبرى يتحدث فيها دكتور الترابي.. أو عند قيام الموسم الثقافي الذي ينظمه الاتحاد هنا يعلن الشيوعيين عبر جمعية الموسيقى والمسرح أسبوعا للأغنية السودانية.. ويحضرون إليه كبار الفنانين محمد وردى – محمد الأمين – أبو عركى البخيت وخلافه وذلك لصرف الطلاب عن حضور مناشط الاتجاه الإسلامى.

محاولات عباس السيد الفنية

كان الشيوعيون يصفون الاتجاه الإسلامى بـ "التزمت " و" عدو الفن" والموسيقى وأنه " تنظيم إرهابي" لا علاقة له بالعواطف الوجدانيات. دفع ذلك الاتجاه الإسلامى نحو مزيد من التأصيل لحركة الفن ونحو مزيد من البحث عن مشكل الفن في محيط الاتجاه الإسلامى.. وأول ما فكر فيه الاتجاه الإسلامى هو السيطرة على جمعيات الموسيقى والمسرح والثقافة والآداب وأخذها من سيطرة الشيوعيين وقد نجحوا في ذلك ففي عام 1981م سيطر الاتجاه الإسلامى على جمعية الموسيقى والمسرح وأصبح الطالب عباس على السيد رئيسا لها.. وهنا يذكر خالد حسن إبراهيم " قاد الشيوعيون نغمة مفادها أن الإخوان المسلمين إرهابيون وعنيفون ولا يقدرون المرأة ولا يحترمون الفن .. كانت تلك حواجز أراد الشيوعيون وضعها أمام الطلاب الجدد حتى يحولوا بينهم وبين الاتجاه الإسلامى.. لذا ظهرت الحاجة إلى تقديم نماذج تعبر عن الفن الإسلامى لهؤلاء الطلاب والطالبات.. وشاءت الأقدار أن يقدم النموذج أحد أعضاء الاتجاه الإسلامى الموسومين بالإرهاب والعنف في الجامعة، هو الطالب عباس على السيد رئيس رابطة طلاب الآداب وأحد قيادات الاتجاه الإسلامى المعروفة بالعنف الثوري عند اللزوم .. وله أغنية مشهورة من تأليفه وتلحينه وغنائه يقول فيها:

الحب عظيم والله

ياليت الناس تدريه

يخلى حياتنا سعادة

وتهوى الناس واديه

حبيت لقلب طاهر

قلبا سريرته نقية

يا رب بارك آمالي

يا رب صفى النية

الزول الزين أهواه

وأتمنى يوم أرضيه

وللأخ عباس على السيد بعض القصائد الملحنة يقول في إحداها:

وله من الملاحم الثورية التي كان يترنم بها..

مبادئ صحابة ما بتنهار

ما بتتردد في اليوم الحار

يوم تعطش روابينا مياهك نيلنا هدارة

ويوم تغضب جموع شعبي كتائب الجامعة جبارة

وعز كررى بنادى رجب ودار عزة بتشيل تارة.

لكن تلك كانت مبادرات أقرب إلى الفردية ، وكانت محصورة جدا ولم تقدم نموذجا متكاملا لمنهج فني للاتجاه الإسلامى في الجامعة.. وكان أهم أعضاء الاتجاه الإسلامى هو السيطرة على جمعية الموسيقى والمسرح ثم إماتتها وقتلها وكانوا يرون في ذلك درءا للفتنة.

الترابي يؤصل لقضية الفن

دفع ذلك الدكتور حسن الترابي إلى تقديم محاضرة في مسجد جامعة الخرطوم بعنوان " حوار الدين والفن" تحدث فيها عن أن صلة الفن بالدين صلة وثيقة وأن نبي الله داود كان بمزاميره وتراتيله في الزبور يبلغ حد الإحسان فتتجاوب معه الأصداء وتأنس به الطير والجبال .. ووصف الفن بأنه ابتلاء للإنسان يقوده للإيمان أو الكفر لأن الله قد هدى الإنسان النجدين وألهم النفس فجورها وتقواها وقد ركب في الجمال طبيعة مزدوجة حيث يمكن أن يظل ويفتن.. فالفن التماسا وإدراكا وصناعة للجمال تجاوب شهوة في الإنسان المحب للصور الجملية .. والفن من حيث هو ممارسة رمزية تومئ إلى مثال جمالي وتفاعل مع خيال الفنان وتتجاوز به الواقع المباشر ويقترب من الدين بأكثر من كل ممارسة أخرى كالحكم أو الاقتصاد أو الجنس فهذه لا تنطوي على قيمة رمزية مثل الفن.. ويعقد الترابي المقارنة بين الدين والفن في الصفة الرمزية ويصف الدين بأنه كالفن في رمزيته، إذ أن ممارسة تتفاعل مع الغيب وتجاوز ظاهرة الحياة الدنيا وتتطلع للخلود فتدرك من كل شيء آية ويذكر الترابي أن الدين والفن يمكن أن يتساوقا فيهدى الفن الفنان إلى الأيمان ويلهمه إيمانه فنا زائدا.. ويتحدث الترابي عن أن الإنسان الموحد يمكن أن يتخذ الفن وسيلة إلى الله .

يأخذه بذلك خصائصه دون كبت أو تعطيل ويسخره للعبادة .. فالتدين يهب الفنان مردا روحيا لرمزية أوسع وتنهض بالفنان دوافع الدين من حب شدد لله وخوف وشكر له.. ثم يذكر الترابي أن الدين يشمل الفن وأن كل تجربة جمالية هي تجربة دينية حيث يرقى الدين بمشاهدة الجمال وصناعته فيدخل الفن في الدين وتكون له إيجابيات التدين رصيدا للفن فيرقى الفن بدوافع الدين ومده الروحي بجماعيته والتزاميته ويعدل الحياة المتدينة ويقدم رقى الفن إلى الدين نهضة ورقيا..

ويذكر الترابي أن الرسول (ص) وصحابته كانوا يحفون عبادتهم بأشكال الجمال ويلتمسونه في صور أدائها، فكانوا يقدرون الصوت الجميل والنغم الجميل في قراءة القرآن كما كان شان ابن مسعود، وكانوا يصرون على الطرب عند الزواج فرحة وتوقيرا ويفحون في أعيادهم بالغناء.. ويستشهد الترابي بحديث السيدة عائشة التي دخل عليها والدها أبو بكر ووجد عندها جاريتان تغنيان يوم عيد بما تقوله الأنصار يوم بعاث فأنكر أبو بكر ذلك وأقره الرسول (ص) ووصيته بأن يرسل لأهل العرس بمن يغنى ويضرب الدف والغربال.. ويذكر الترابي أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا في سياق حياتهم يغشون الفن ترويحا عن أنفسهم يعينهم على سائر شئون الحياة.. ويستقبلون الوافد بالغناء وينشطون بالإنشاد على أداء الأعمال مثل حفر الخندق ويشهدون الحبشة وهى تلعب فنا شعبيا في مسجد الصلاة..

ويلح الترابي على أنه لابد للحركة الإسلامي أن تتربى اليوم بضروب وأنواع الفن الذي تحتاجه غدا لئلا يغلب الله عليها الابتلاء فتلقى نفسها بغير منهاج مرسوم أو تجربة في التدين بالفن في حال جديد ويعيب الترابي على الحركة الإسلامية أنها كثيرا ما تتلهى بحاجات مرحلة الدعوة والجهاد عما وراءها فإذا واتتها ظروف التمكين وجدت نفسها غير مهيأة لظروف الابتلاء والتمكين..

في وضع آخر يحاول الترابي أن يؤصل لأمر الفن بصورة واضحة جلية حيث يصف العلاقة بين الدين والفن بأنها علاقة وطيدة وعريقة وضاربة في أبعاد التاريخ البعيد فمنذ أن عرف الدين ، عرف التعبير الفني الايقاعى أو الحركي أو المصور ملتحما به.. ويذكر أن التعبير الديني قد ارتبط بالطقوس ذات الحركة الإيقاعية والرموز والتشكيل المتجانس والتي هي الأدوات الرئيسة للتعبير الفني ويذكر أن الدين هو منظومة المعايير التي تحدد القيم والمبادئ بينما تهيأ الفن على مد التاريخ للقيام بدور في التعبير الجميل المتناسب والمنسجم مع هذه القيم والمبادئ .

ويذكر أن القرآن جاء في سياق متناسق التشكيل اللفظي متكامل البناء الدرامي عامرا بالتغيم المتجاوب مع الفكرة حتى لكأنه الموسيقى التصويرية لتلك الأفكار والمبادئ التي جاءت في أثواب الفن الوضيئة زاهية مزدانة قريبة إلى الروح والقلب لكن على الرغم من هذا التأصيل والزخم الفكري الكثيف وقرب قيادات الاتجاه الإسلامى وصلتها مع الترابي رغم ذلك لم تستطع حركة الاتجاه الإسلامى أن تقدم نموذجا فنيا يمكن أن يشار إليه.. وربما يكون من أهم أسباب ذلك أن القيادات التنظيمية التي تولت إدارة الأجهزة التنظيمية في تلك الفترة لم تكن ذات ميول لهذا الضرب من النشاط فكانت قيادات تبدو عليها الصرامة وتكسوها مسحة من السلفية الصوفية المبتعدة والمنسحبة من ضوضاء الآلات الموسيقية وصخب المسرح وربما تخشى أن يكون ذلك مزلقا من مزالق الشيطان.. كان من هؤلاء الشهيد عبيد ختم بدوى، صلاح أحمد على ، عبد الإله حسن كوكو، وخالد حسن إبراهيم .. وإن كان مثل ذلك النشاط لم يجد حظه في البروز في أوساط الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم لكنه وجد ح؟ه في جامعات أخرى مثل فرع القاهرة.

الهيكل التنظيمي للاتجاه الإسلامى

حتى عام 1979م كانت شئون التنظيم تدار بواسطة أجهزة تتكون من :

1- المؤتمر العام للاتجاه الإسلامى بالجامعة.
2- مجلس الشورى.
3- المكتب التنفيذي.

نسبة لعدم فاعلية الأجهزة السابقة لحدوث بعض المتغيرات السياسية بعد عام 1977م تغير الوضع عام 1979م ليتكون الجهاز الادارى التنظمى من التكوينات الآتية:

1- المؤتمر .
2- الأمانة العامة وتضم (25) شخصا.

حيث كان ينعقد المؤتمر العام للاتجاه الإسلامى ويتم التصعيد لحضور المؤتمر بأن يختار كل ثمانية من الاخوان شخصا ينوب عنهم في حضور جلسات المؤتمر.. ويقوم المؤتمر بانتخاب الأمين العام أعضاء الأمانة العامة.. وكان المؤتمر يقوم بإجازة السياسة العامة التي تضعها الأمانة كما يقوم بمحاسبتها وله الحق في عزل الأمين العام وإكمال النقص من الأمانة العامة وقد كان الطالب عبيد ختم بدوى أول أمين عام بعد التغيير الهيكلي الذي حلت فيه الأمانة العامة مكان المكتب التنفيذي..

كما كان الطالب عبد الرحيم المهدي الجيلى هو آخر رئيس لمجلس الشورى، وفى عهد عبيد ختم استطاع الاتجاه الإسلامى أن يعيد سيطرته على الاتحاد الذي فقده قبل أحداث 1979م كما أدار معركة الاستفتاءين اللذين أجريا حول دستور الاتحاد في تلك الفترة.

بعد ذلك برز رأى يدعو إلى تقليص عضوية الأمانة العامة بحجة أن الأمانة العامة أصبحت جسما متضخما أخذ الكثير من الكوادر التنظيمية والسياسية مما يؤثر سلبا على الكليات.. إذ أن خيرة الأمانة العامة كان بحكم أنها على سلطة تنفيذية في الاتجاه الإسلامى بالجامعة كان يختار لها خيرة الاخوان من حيث الأقدمية والخبرة التنظيمية والحنكة السياسية .. وعضو الأمانة لا يمارس أي أعباء تنظيمية أخرى في كليته عدا التي تكلفه بها الأمانة.

وفى مؤتمر جامع تم تقليص الأمانة من (25) عضوا إلى ( 21) عضوا وأصبح صلاح أحمد على أول أمين عام بعد التقليص .

كانت الأمانة العامة تتكون من أمانات متخصصة يقوم الأمين العام بتوزيع أعضاء أمانته على الأمانات المتخصصة حيث كان هيكل الأمانة يتكون من :

1- الأمين العام ويتبع له مباشرة.
أ- سكرتير الأمن والمعلومات.
ب- السكرتير العام للأمانة.
2- أمانة الشئون السياسية.
3- أمانة الفكر والدعوة .
4- أمانة التنظيم. وكانت كل أمانة تحتوى على عدد من الشعب المتخصصة فمثلا الأمانة السياسية وهى التي ترسم سياسة الاتحاد، ولا يمكن للاتحاد أن يتخذ أي قرار سياسي أو قرار خطير من غير الرجوع إليها وأخذ موافقتها.. وكان مسئول الاتحاد بالأمانة السياسية يسجل حضورا منتظما بمكاتب الاتحاد بصفة غير رسمية ويراقب تصرفات بعض أعضاء الاتحاد.. الخ.

وكانت أيضا شعبة التنظيمات والتي تهتم بأمر التنظيمات السياسية وأيضا شعبة الإعلام ( الصحافة السياسية) مثل " آخر لحظة" والصحف الأخرى والإعلام الدعائي.

وأخيرا تم فصل شعبة الإعلام لتصبح شعبة الصحافة شعبة مستقلة وشعبة الإعلام تضم الإعلام والدعوة.

وكذلك هناك شعبة العلاقات السياسية .. وكان أول أمين سياسي للاتجاه الإسلامى في عهد الأمانة العامة هو الطالب أمين بناني نيو. أما أمانة الفكر والدعوة فقد عدلت لتسمى أمانة الثقافة والإعلام وينضوي تحتها النشاط الجاري وكل ما يتعلق بأنشطة الدعوة والفكر.

أما أمانة التنظيم فقد كانت من أهم الأمانات إذ تنص اللائحة على أنه في غياب الأمين العام يتولى أمين التنظيم مهما الأمين العام.. وتتولى هذه الأمانة عمل جميع الكليات وعمل طلاب السنة الأولى الذين كانوا وحدة قائمة بذاتها وتشمل عضويتها أمراء الكليات ومسئولية الطالبات وأمين الطلاب الجدد.. وقد مر على أمانة الطلاب الجدد " البرالمة" إدريس إبراهيم طه- خضر محمد على- خالد حسن إبراهيم.

كانت هنالك علاقة وطيدة بين الإدارة التنظيمية للاتجاه الإسلامى بالجامعة وبين مكتب الجامعات الذي يتبع لمكتب الطلاب بالخارج وكان مكتب الجامعات من أهم إدارات مكتب الطلاب المركزي وكان يقوم بالإشراف على النشاط التنظيمي والسياسي داخل الجامعة..

وعليه أن يحترم الأجهزة التنظيمية داخل الجامعة وأن يحترم قراراتها الداخلية التي لا تؤثر على مسار الحركة بالخارج ( الخط السياسي) لكنه يعترض أحيانا على بعض القرارات ويطلب من الأجهزة مراجعتها.. ولم تكن هنالك لوائح تفصيلية دقيقة تحدد علاقة الإشراف تلك والأمر كان متروكا لقوة الأمانة الداخلية.. فإذا كانت الأمانة قوية لا يعترض على قراراتها وإذا كانت ضعيفة تشهد تدخلات كثيرة فهي تشكل صمام أمان للتنظيم.. وقد كان مكتب الجامعات في معظمه مكونا من خريجي الجامعات حديثي التخرج ومن لهم ارتباط وثيق وتجارب جيدة بالعمل السياسي الطلابي أبان وجودهم بالجامعة ومن أبرز هؤلاء الشهيد موسى سيد أحمد.

رسم يوضح الهيكل التنظيمي للاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم:

المؤتمر

أ- الأمين العام
ب- الأمانة العامة

الأمين العام

أ- سكرتارية الأمانة
ب- أمانة المعلومات

الأمين العام

أ- أمين سياسي
-شعبة متخصصة
-الأمناء السياسيون
- بالكليات
ب- تنظيم
-أمراء الكليات
- مكاتب الكليات
- الوحدات الإدارية
ج- فكر ودعوة

أمناء متخصصون

أمناء الفكر والدعوة بمكاتب الكليات

دستور الاتجاه الإسلامى

العلاقة بين دستور الحركة الإسلامية الأم وحركة الاتجاه الإسلامى من حيث الدستور هي علاقة الأصل بالفرع فبينما جاء دستور الحركة الإسلامية دستورا شمل جميع جوانب الحياة السودانية جاء دستور الاتجاه الإسلامى مختصا بأمر الحركة الطلابية في عمومها.

وإذا كان دستور الحركة الإسلامية قد جاء في أربعة أبواب و ( 68) مادة إلا أنه في مقدمة الدستور قد تحدث عن خصائص الحركة الإسلامية واصفا إياها بأنها حركة إسلامية تقوم على أساس الفكر الإسلامى وأنها أصولية تعتصم بالقرآن والسنة وأنها حرك تجديد الدين مما علق به من شوائب وأنها حركة شمولية الأهداف وواقعية المنهج وهى في واقعيتها تتبع المنهج السني في تحقيق الدين تدرجا في المراحل .. وأنها حركة إصلاح ديني تدعو الناس للإيمان بالله ثم الاستقامة على أمره كما أنها حركة تغيير اجتماعي لا تقتنع بإصلاح الفرد بل تتخطاه لإصلاح المجتمع وأنها حركة مترفقة تسعى لأهدافها بالإقناع بالحسنى لكنها تؤمن بالجهاد الصابر الصادق في وجه الاستبداد والبطش.. وأنها حركة شورية جماعية تتسع لتباين المذاهب الفقهية والمشارب النفسية وألوان التعبد ولا تضيق بالرأي الآخر.

أما حركة الاتجاه الإسلامى فلها دستور مكتوب عرف أمرها وعدد وحدد المبادئ والأسس والأهداف التي يقوم عليها الحركة.. وقد جمل دستور الاتجاه الإسلامى المبادئ الأساسية للاتجاه الإسلامى في ثمانية نقاط بعد أن وصف الاتجاه الإسلامى بأنه حركة تقوم على أساس الإيمان والأصل التوحيد الذي يوحد بين الدنيا والآخرة ويرد الأمر كله لله استهداء بتعاليم الإسلام واستنهاضا للطاقات الإسلامية ، وأنها حركة أصولية تعتصم بالقرآن والسنة ولا تنقطع عن الذات الموصولة باجتهادات الصالحين من سلف الأمة.. ثم جاءت الأسس لتصف الاتجاه الإسلامى بأنه اتجاه لتربية الفرد والجماعة على هدى الإسلام والالتزام بالإسلام قولا وفعلا هدفه نشر مبادئ القرآن وسط الطلاب والاهتمام بحفظه وتجويده وتلاوته وعلومه، كما يدعو لإحياء السنة في نفوس الشباب والطلاب..

ثم تحدثت النقطة الثانية عن الروح الجماعية التي تسود التنظيم والموالاة والإخاء بين أعضائه ووصفت الاتجاه الإسلامى بأنه حركة تغيير اجتماعي تعبر عبر الفرد إلى الجماعة والمجتمع وذلك عبر وسائل التعبئة المنهجية والتنظيم المحكم والتخطيط الدقيق.. كما وصفته النقطة الثالثة بأنه اتجاه للإصلاح وحركة للجهاد ولا تغيب عن آلياته الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.. كما أنه يترفع عن الترقيع والتسويف ويسعى لإصلاح كامل ولو أدى ذلك إلى الجهاد الثائر في وجه الاستبداد والبطش والذي يطفئ نور الله.

وفى النقطة الرابعة يتحدث عن اهتمامه بالطلاب من أجل خلق نموذج لقيادة تقوم على الطهارة والاستقامة فيتخرج للمجتمع جيل ملتزم بالسلوك القويم والقيم الإسلامية الفاضلة.

وفى النقاط الخامسة والسادسة والسابعة جاء وصف الاتجاه الإسلامى بأنه دعوة لإصلاح مؤسسات التعليم وتحويلها إلى مؤسسات تربوية تعمل على بناء جيل وطنا ملتزم بالمبادئ والقيم الإسلامية ومرتبط بهموم وقضايا الأمة وذلك عبر إصلاح مناهج التعليم، كما أنه يهتم بتدريب قيادات وكوادر تتحمل عبء الدعوة وسط الطلاب.. كما أنه تنظيم يقوم على الشورى والطاعة في غير معصية الله واحترام العهود والمواثيق .. كما أنه يهتم بشعائر الإسلام وأماكن العبادة وتنظيمها وافتتاح المزيد منها. الأهداف:

أما الأهداف التي من أجلها قام الاتجاه الإسلامى فقد بلغت أربعة عشر هدفا تضمنا الدستور حيث هدفت النقاط من (1-6) إلى سيادة الإسلام في المجتمع عقيدة وشريعة وإشاعة روح التدين وسط الطلاب ودفعهم للالتزام بالسلوك الإسلامى، وإشاعة روح التوادد والإخاء والإيثار بينهم ودفعهم للانحياز لقضايا المسلمين واستشعار الانتماء للاستلام وجعله محور حركتهم.

كذلك بث روح الجهاد في أوساط الطلاب وإزكاء روح الحمية الإسلامية فيهم لتحرير ولائهم من سلطان الهوى والشهوات والعصبية علاوة على تشجيع وترسيخ الثقافة الإسلامية متمثلة في القرآن والسنة وعلومهما والتاريخ الإسلامى وكافة مناحي العلم والمعرفة الموصولة بمعاني الدين علاوة على إشاعة روح السعي للعلم النافع وتشجيع البحث العلمي الهادف.

وتحدثت النقاط من ( 7-10) عن تحقيق العدالة الاجتماعية بدءا بمجتمع الطلاب ورفع مستوى الثقافة لدى جموع الطلاب وتأهيل عضوية الاتجاه الإسلامى للقيام بواجب الدعوة والجهاد، وإقامة نموذج راقي في التسامح الديني وصيانة حقوق الديانات الأخرى واحترام عقائدهم ما راعوا عهد الإخاء والسماح ، كذلك إصلاح نظم التعليم في البلاد ومناهجه حتى تجيء إثراء لقيم الإسلام تبشيرا به ودعوة إليه.

وتحدثت النقاط ( 11- 12) عن ضرورة قيام علاقات خارجية بين الاتجاه الإسلامى والحركات الشبابية والطلابية العالمية لخدمة الإسلام، كذلك دعم كل الكيانات الاجتماعية والنقابية العاملة في السودان وخارجه والتي تلتقي أهدافها بأهداف الحركة المتضمنة في الدستور.

ثم تحدثت النقاط ( 13- 14) عن النهوض بأوضاع الطالبات والنهوض بهن ليؤدين دورهن في بناء المجتمع المؤسس على قيم الدين في إنقاذ جموع النساء من التقاليد المجافية للدين موروثة كانت أم دخيلة.. كذلك جاءت الإشارة إلى ضرورة المساهمة في محو الأمية الأبجدية والحضارية في البلاد والإسهام في خدمة المجتمع من أجل صحة البيئة ورقى الخدمات وتوظيف طاقات الطلاب لذلك.

أما الوسائل التي تنفذ عبرها حركة الاتجاه الإسلامى برنامجها فقد حددها الدستور بثلاثة وسائل هي :

1- الهيئات الطلابية النقابية من اتحادات وروابط وجمعيات وتوجهها لخدمة الأهداف التي ذكرت في الدستور.
2- اتخاذ أسلوب المشاركة في كافة المناشط الجماهيرية والشعبية والمؤتمرات والمنتديات المحلية والعالمية .
3- استعمال وسائل العرض والنقل والاتصال كالصحف والمجلات والنشرات والبيانات والمهرجانات وكافة وسائل التعبير الاعلامى والجماهيري. كذلك عرف الدستور في نقطتين عضو الاتجاه الإسلامى هما :
أ- كل طالب مسلم سوداني يوافق على الأهداف المقررة في الدستور ويلتزم بالعمل وفق النصوص الواردة فيه.
ب- يلتزم كل عضو في الاتجاه الإسلامى بلوائح التنظيم والعمل وفق الخطط والبرامج التي تضعها أجهزة الاتجاه الإسلامى ويلتزم مواقف الاتجاه الإسلامى في كافة المسائل التي تحددها أجهزة الاتجاه الإسلامى.

خاتمة الدراسة

تلخيص ونتائج

تناولت هذه الدراسة موضوع التطور السياسي للاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم في الفترة من 69- 1985م وقد كان السؤال الرئيسي الذي حدد مشكلة البحث هو :" ما هي معالم التطور الذي طرأ على الاتجاه بجامعة الخرطوم في الفترة من 69- 1985م وما هي المؤثرات التي ساعدت على ذلك التطور؟ ثم جاءت عدة فرضيات جاءت كما يلي:

1- إن الفترة من 77- 1985م ذات أهمية خاصة في تطور الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم.
2- هنالك علاقة إيجابية بين المصالحة الوطنية وتوسيع مجال النشاط السياسي للاتجاه الإسلامى.
3- إن تصدى الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم للاتجاهات السياسية الأخرى مكنه من ترقى قيادته السياسية وتطوير وسائله التنفيذية.
4- ظل اتحاد طلاب الخرطوم من أهم مصادر قوة الاتجاه الإسلامى فعبره تأهلت القيادات ومن خلاله تنفذ البرامج الكبيرة كما ظل وسيلة للربط الخارجي والتعارف العالمي.
5- شهد مكتب المرأة بالاتجاه الإسلامى انفتاحا كبيرا وتوسعا قاعديا ملحوظا في صفوف الطالبات مما أدى إلى ظاهرة الحجاب الإسلامى بصورة كبيرة وسط طالبات الجامعة.

ثم قام الباحث باستعمال بعض المناهج التي تعتبر ضرورية بالنسبة لموضوع الدراسة حيث تم استخدام المنهج الوصفي والمنهج التحليلي والمنهج التاريخي. المنهج المقارن وأداة تحليل المضمون وكان استعمال تلك المناهج ضروريا لمثل هذه الدراسة.

اعتمد الباحث في هذه الدراسة على المعلومات الأولية والتي اجتهد الباحث في جمعها من الجهات الرسمية ومكاتب أرشيف وتوثيق التنظيمات علاوة على مكتبات بعض المهتمين بهذه الجوانب، علاوة على المقابلات التي رفت وأضافت إلى هذه الدراسة معلومات مهمة قل أن توجد بين الوثائق والمنشورات والمجلات وخلافه.

كذلك أسهمت المعلومات التي حصل عليها الباحث من المصادر الثانوية كالكتب والندوات والصحافة في تأصيل الجانب الفكري والسياسي للدراسة.

تناول الفصل الأول من هذه الدراسة الخطوط العريضة للمراحل التي مرت بها الحركة الإسلامية وكذلك ظروف النشأة في ذلك التاريخ والدواعي التي أدت إلى قيام حركة إسلامية إصلاحية محافظة ثم تحولها إلى حركة إسلامية ذات نظرة شاملة للمجتمع.. كذلك تناولت الدراسة الظروف التي مر بها الاتجاه الإسلامى من 69 إلى 1977م والتا كانت كلها أحن ومحن بالنسبة للاتجاه الإسلامى ثم فترة المصالحة الوطنية وتعامل الاتجاه الإسلامى معها ثم استعراض الخطاب السياسي والفكري في الفترة موضوع الدراسة.

كذلك قدمت الدراسة عرضا كاملا عن اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، الخطاب السياسي، البرنامج الثقافي والسياسة الخارجية ثم رصد وتحليل جميع نتائج الانتخابات في الفترة من 77- 1985م.

كذلك تناولت الدراسة بالعرض والتحليل جميع الاتجاهات السياسية بجامعة الخرطوم ودورها في العمل السياسي داخل الجامعة كما تناولت عوامل التقدم الايجابي للاتجاه الإسلامى وعوامل الضعف عنده.. تتبعت الدراسي تطور عمل الاتجاه الإسلامى وسط الطالبة الجامعية منذ أن كان شيئا لا يذكر إلى أن أصبح رقما كبيرا لا يقدر.. كذلك تناولت الدراسة تعامل الاتجاه الإسلامى مع الفن وعرضت بعض النماذج، كذلك تم استعراض الهيكل التنظيمي للاتجاه الإسلامى علاوة على دستور الاتجاه الإسلامى.

وبالرجوع إلى الفرضيات التي قامت عليها الدراسة وبمتابعتها لمتن الدراسة يمكن ملاحظة النتائج الهامة والتي كان من أهمها صحة الافتراض الرئيسي القائل: الفترة من 77- 1985م ذات أهمية خاصة في تطور الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم.

كما كشفت الدراسة عن صحة الافتراضات الأخرى والتي تمثلت في أن تصدى الاتجاه الإسلامى للاتجاهات السياسية الأخرى قد أسهم في ترقى وتدريب وتأهيل قياداته ومنحهم مزيدا من الحنكة كما تبين من الدراسة صحة الفرضية التي ترى أن اتحاد طلاب جامعة الخرطوم يعتبر من أهم مصادر قوة الاتجاه الإسلامى من حيث تأهيل القيادات وتنفيذ البرامج السياسية والفكرية وخلق العلاقات الداخلية والخارجية.

كذلك أثبتت الدراسة صحة الفرضية التي تقول إن مكتب المرأة بالاتجاه الإسلامى قد شهد انفتاحا كبيرا وتوسعا ملحوظا كذلك انتشار ظاهرة الحجاب الإسلامى وسط الطالبات الجامعيات.

وكذلك أثبتت الدراسة صحة الفرضية القائلة بوجود علاقة إيجابية بين المصالحة الوطنية وتوسيع مجال النشاط السياسي للاتجاه الإسلامى كذلك جاءت الأرقام والجداول ونتائج الانتخابات وأحيانا كتابات الاتجاهات السياسية المناوئة للاتجاه الإسلامى جاءت لتثبت أن الاتجاه الإسلامى قد استفاد من فترة المصالحة الوطنية، وقد استطاع أن يدير المعادلة السياسية بصورة مقتدرة وأن يميز صفه عن صف النظام، وقد كان ذلك واضحا في المقابلة التي بين يدي هذه الدراسة والتي أجراها الباحث محمد جلال أحمد هاشم زعيم مؤتمر الطلاب المستقلين بالجامعة.

وقد كان ذلك واضحا في منشورات أحمد هاشم زعيم مؤتمر الطلاب المستقلين بالجامعة.

وقد كان ذلك واضحا في منشورات الجمهوريين وكذلك في بيانات الجبهة الديمقراطية التي كانت تصف الاتجاه الإسلامى بأنه الكابوس الذي جثم على صدر الطلاب.

كل ذلك التطور والكسب ما كان له أن يحدث في فترة السجون والتشريد والفصل من الدراسة في الفترة التي سبقت هدنة المصالحة الوطنية.

لذلك تعتبر فترة 1977- 1985م من أهم فترات الحركة الإسلامية على وجه العموم والاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم على وجه الخصوص.

ملحق خاص عن قائد ثورة شعبان الفقيد أحمد عثمان مكي

( إن شعبان عندي شعبان كلما مات شعب قام شعب آخر يحمل الراية) الراحل المقيم أحمد عثمان مكي قائد ثورة شعبان.

( لفت نظري في أحمد عثمان مكي عدة أشياء أولها ثقافته الواسعة والتي كانت جماعا لآراء بن تيمية وكتابات ابن القيم وتفسير ابن كثي وكذلك اطلاعه الواسع على الاخوانيات ابتداء من الشهيد حسن البنا مرورا بسيد قطب ومحمد الغزاليوسيد سابقوغيرهم) حسن مكي.

(كان ود المكي رحمه الله يتمتع بكاريزما وجاذبية شخصية لم تتحقق لسياسي سوداني قبله ولا بعده، كما ظهر من قدرته الشخصية على تحريك الجماهير بطريقة لا يستطيعها الآخرون.

ولكن جاذبيته وتأثيره الجماهيري لم يكونا أبرز مزاياه كما ظهر من الطريقة التي قاد بها انتصار الإسلاميين في جامعة الخرطوم في وقت كانت فيه كل الظروف ضدهم.. كثير من المشاهير ورجال العمل يسعدك أن تقرأ لهم أو تطلع على انجازاتهم ، ولكن مجرد الاقتراب منهم يجعلك تتمنى لو أنك ظللت على جهلك بأحوالهم.

ولكن أحمد عثمان مكي من أولئك القلائل الذين تزداد احتراما وتقديرا لهم كلما اقتربت منهم أكثر.

فالرجل كان يرحمه الله دمث الأخلاق ، حلو المعشر، شديد الحياء، عذب الحديث .

كان مفكرا من الطراز الأول يقل نظراؤه ليس فقط في السودان بل على نطاق العالم الإسلامى)

عبد الوهاب الأفندي

( صدقني أخي أحمد لقد كنت أسائل نفسي مرارا وتكرارا همسا وجهرا حيت تأتى الرئاسات والوظائف والمقامات أين ود المكي من كل ذلك؟ .. وحين ألتقيك وتحدثني عن الهم العام عن الطلاب والمنابر والنقابات والجمعيات والمجتمع المدني.. كنت حينها أجد الإجابة الشافية بأنك وزير فوق الوزراء وسفير فوق السفراء وقائد فوق القادة وها أنت تمضى أخي أحمد كالبرق الخاطف متعاليا على الوظائف والمناصب تمضى رمزا خالصا إلا منك أنت أنت لا غير الحب المحض والإيثار والرفعة والشموخ والتعالي على الصغار والصغائر..).

حسين خوجلي

الحديث عن الفقيد أحمد عثمان مكي هو حديث عن رجل امة.. همة عالية وثورة لا تهدأ .. شوق للقيم وسعى نحو المعالي.. حب للمؤسسية ورفض للطائفية وتولى السوقي والجهلاء لمقاليد الأمور.

سمعت كثيرا عن ود المكى واستمعت لندواته المسجلة لكنى تعرفت على الشيخ الفقيد ود المكى بعد المصالحة الوطنية حيث كان مسئولا عن الطلاب في السودان.. التقينا في معسكر أربجى لقيادات الحركة الطالبية بالثانويات- معسكر أمراء المدارس في العام 1978م – كنت يومها بالصف الثاني الثانوي بمدرسة القطنية الثانوية وقد كنت أميرا لمدرستي.. كان ود المكى يحاضر ويؤانس ويناقش في تواضع وخفض جناح.. قدم لنا ذلك المعسكر محاضرة عن " دور الشباب المسلم اليوم" وطلبت منه بعد نهايتها أن تطبع هذه المحاضرة وتوزع على المدارس.. تقابلنا بعد ذلك بصورة أكثر بعد تخرجنا من الجامعة إبان الجبهة القومية الإسلامية .. كان ود المكى نائبا عن خريجي الإقليم الشرقي.. وكنت يومها أحد العاملين بالمكتب السياسي لحزب المعارضة ( الجبهة القومية الإسلامية ) .. لم تكن الجبهة الإسلامية تستطيع أنتوفر سيارات لنوابها ومنهم ود المكى الزعيم والقائد التاريخي الذي قل أن تجود الحركة الإسلامية بمثله .. لم يطلب ود المكى من قيادة الحركة الإسلامية أن تميزه بسيارة عن بقية النواب وإن كان متميزا عبر تاريخه بجهاده وعطائه وعلمه وعلاقاته العالمية ، لكنه آثر أن يكون كسائر النواب يسير ويتواصل عبر المواصلات العامة مقدما القدوة الحسنة لمن يحب أن يتقدم للقيادة.. وعندما صدقت حكومة الصادق المهدي للنواب بسيارة لكل نائب وقد استلم ود المكى سيارته.. لم يفكر في ادخارها له ولأسرته وإنما نذر أن يبدأ حركة لا تنقطع من أجل المبادئ والبرنامج الإسلامى.. أذكر جيدا أننا كنا جلوسا بمكتب الشيخ الترابي الأمين العام للجبهة الإسلامية القومية وكان هنالك ود المكى وأحمد عبد الرحمن وآخرون.. سأل العم أحمد ود المكى عن سيارته؟

فرد ود المكى: قد استلمتها وتانى إن شاء الله لو رفعتم طوبة تلقونا تحتها " أى : أننا سننتشر في كل مكان.

عندما تم تعيينه رئيسا لتحرير صحيفة ( الراية) لسان حال الجبهة القومية الإسلامية، أرسى ود المكى دولة المؤسسات داخل دولة المؤسسات داخل الصحيفة وخرج بها من دار الأنس وتجاذب الحديث حول الأحزاب إلى مؤسسة الغرب الصحيفة.. حدد مواعيد الزيارة بعد الساعة الثانية ظهرا وأن تكون بالاستقبال ويحظر على أى زائر الصعود إلى مكاتب الصحيفة فالزيارات واللقاءات تتم داخل الصالون المخصص لها وبمواعيد مسبقة,, وعندما زاره شقيقه وحاول الصعود إليه كان رأى ود المكى أن الزيارات تتم داخل الصالون المخصص لها في المواعيد المحددة ونزل هو إلى شقيقه في صالون الضيوف مقدما القدوة والمثل الجيد للقيادة.

وعندما أصدرنا " مجلة الكلمة" كان ود المكى مشجعا ودافعا وناصحا لنا.

آخر لقاء لنا وع ود المكى كان في كورالامبور بماليزيا عام 1988 حيث وصل إلى هناك لينضم إلى الدكتور عبد الله سليمان العوض أمين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني. . استقبلناه في مطار كوالامبور أنا وصديقه بروفيسور حسن عبد الرازق النقر.. جاء ود المكى الذي تربطه علاقات واسعة بعدد من القادة الماليزيين وعلى رأسهم صديقه أنور إبراهيم نائب رئيس الوزراء ووزير المالية بماليزيا وهو أحد رموز الإسلاميين في ماليزيا وقد لفقت له الحكومة الماليزية بعض التهم حتى تبعده من دائرة السلطة. في ماليزيا وداخل فندق.........دار بيني وبين ود المكى حديث عن الحركة الإسلامية السودانية ودورها شبه الغائب في إدارة دولة الإنقاذ وأنه لابد من عمل شيء حتى تصبح الحركة هي المرجعية الرئيسية.. فود المكى ينظر لنفسه كشريك في القيادة خصوصا أن فارق السن بينه وبين القيادات ليس كبيرا جدا وسيرته تجعله من رجالات الصف الأول بامتياز.. لا يستعمل عبارة " شيخ حسن" كان كثيرا ما يقول : قلت لحسن وقال لي حسن . بالطبع هذا لا يقلل من مكانة الشيخ الترابي في نفس ود المكى.. لمكنه الزعيم الذي تأثر بسيادة المؤسسية في الغرب إذ يتلاشى الأفراد وتسود المؤسسية .. في ذلك الفندق قال لي ود المكى: قلت لحسن، قلت له مازحا: من حسن هذا هل هو حسن النقر؟ وكان بروفيسور حسن النقر حاضرا معنا في استقبال ود المكى وهو من الإسلاميين وشيخهم بماليزيا .. ضحك ود المكى .. وقال للنقر: ناس عبد الرحيم ديل حيران يحبون ختم شيخ حسن الترابي.

كان ود المكى مليئا باستعلاء المؤمن وتواضع الداعية المحسن.. قال أحد الذين يختلفون معه لأحد أصدقاء ود المكى : صاحبك ده قايل نفسه نبي؟ فرد صديق ود المكى : لا .. أقل من ذلك شويه.. يعنى مهدي منتظر؟ فرد صديق ود المكى: ى .. أكبر من ذلك شوية.

وحقيقة فقد كانت ود المكى مصلحا وقائدا وكبيرا يترفع عن الصغائر ألا رحم الله ود المكى وجعل البركة في أهله وذريته.

ونحن في هذا الكتاب رأينا أن نرد القليل من الجميل وذلك بتوثيق بعض الذي كتب عن ود المكى من قبل زملائه وأصدقائه ومعارفه.. فنورد ما كتبه كل من رفقاء دربه وصدقه حسن مكي وحسين خوجلي وأحمد كمال الدين .. ومحمد أحمد عثمان .. عبد الوهاب الأفندي وإمام محمد إمام.

ود المكى من نجباء العقل السياسي الإسلامى :

بقلم د: حسن مكي.

أول ما سمعت به كان في أبريل 1969م حينما جئت الخرطوم حاملا مقالة مناصرا فيها تيار التربية داخل الحركة الإسلامية وكنت أطمع أن تنشر في جريدة الميثاق الإسلامى التي كان يرأس تحريرها حينها الأستاذ عبد الرحيم حمدي. وحينما سلمت الأخ حمدي المقالة نظر إلى مبتسما قائلا: لقد أوقفنا هذا الحوار على صفحات الجريدة لأن المؤتمر قادم وسيفصل المؤتمر في هذه القضية ، ولذا لن ننشر أية مقال وقد تلقيت- أيضا مقالة من أحمد عثمان مكي بكسلا وهى كذلك لن تنشر.

خرجت من مكتب حمدي بفوائد ثلاث أن قضية الحوار ما بين السياسة والتربية ستحال إلى المؤتمر وأن هنالك شخصا يحمل اسما شبيها باسمي هو كذلك سعى أن تنشر مقالته، وما بدا لي أن مقالة أحمد عثمان مكي كانت كمقالتي مناصرة لتيار التربية . ولكن كذلك فإننا كنا في طور التكوين العقلي والفكري ولم يكن هناك نضوج ولا تجارب وكانت هذه المقالات مجرد تمارين للبناء العقلي والفكري وفهم مطلوبات حركة الدعوة الإسلامية ووظائفها.

ثم أطلت الحقبة المايوية ودخلنا مع إطلالتها الجامعة وتوثقت عرى العلاقات ما بين تلك المجموعات التي كانت تتلمس طريقها في البناء الروحي والفكري.. وهذا جعفر ميرغنى وعزائمه وذاك حاج نور، ولكننا لم نكن في قامة هؤلاء حيث شملت شلتنا أحمد عثمان مكي، وبهاء الدين حنفي، وقرشى محمد على، ومجذوب الخليفة، وعبد الإله خوجلى وعبد الله ميرغنى.. الخ.

ولفت نظري في أحمد عثمان مكي، عدة أشياء أولها: ثقافته الواسعة والتي كانت جماع لآراء ابن تيمية وكتابات ابن القيم وتفسير بن كثير وكذلك اطلاعه الواسع على الاخوانيات ابتداء من الشهيد حسن البنا مرورا بسيد قطب ومحمد الغزاليوسيد سابق وغيرهم.

ثانيا : لفت نظري اهتماماته التنظيمية والحركية في وقت اشتدت فيه قبضة الشيوعيين واليساريين على الجامعة وكونوا سكرتارية الجبهات التقدمية التي قامت مقام الاتحاد .

أما الأمر الثالث : فقد كان اهتمامه بالصلاة وكان دائما في الصف الأول ودارت الأيام وتوثقت العرى وبرزت ملحمة حركة 11 مارس 71 تلك الحركة التي أطاحت بسكرتارية الجبهات التقدمية ومكنت من إطلاق سراح الإسلاميين وعودتهم إلى الجامعة مثل جار النبي وحاج باب وقطبي المهدي وآخرين.

وكان ممن قادوا الحركة بالإضافة إلى على عثمان محمد طه، والشهيد محمود شريف، وعبد الله محمد سيد أحمد وأخيرا أحمد عثمان مكي، وتابع أحمد عثمان مكي تطوراته التنظيمية والحركية حتى أصبح مسئولا عن الاتجاه الإسلامى في عام 1972م ثم رئيس لاتحاد دورة شعبان 70- 72 ثم أصبح زعيما طلابيا أسطوريا وكان ينتقل في الخفاء ما بين بيت وبيت ما بين منزل بكرى عديل إلى منزل المرحوم توفيق عثمان صالح وإلى منزل آل أرو وقد أحسنت هذه المنازل استقباله وضيافته وإيواءه وحمايته إلى أن جاءت المصالحة الوطنية.

وفى فترة السجن وقبل المصالحة بدأ في كتابة دراسات حاول أن ينزل فيها أفكاره مثل دراسة ساعة مع الصحابة، ودراسة عن الشوكة في أدب الحركة الإسلامية ولكن يا حسرتاه لا أدرى إن كانت هذه الدراسات في الحفظ أم ضاعت.

وبعد المصالحة أصبح رئيسا للمكتب التنظيمي للعمل الطلابي حيث عملنا سويا وكنت مسئولا وقتها عن مكتب الجنوب كما برزت في هذا المكتب أسماء مثل : أمين حسن عمر، وسليمان صديق، وأحمد تاجر وحسن عثمان رزق.

ثم وبجهد مقدر سافر هو والأستاذ مهدي إبراهيم إلى أمريكا لدراسة الإعلام ولكنه لم يواصل في دراساته فوق الجامعية وصرف طاقاته وقدراته في بناء تنظيم إسلامي للمسلمين في أمريكا وأصبح هذا التنظيم قوة معتبرة على مستوى نشاطاته وعلى مستوى خطابه وعلى مستوى المؤسسات الإسلامية التي بدأ يشرف عليها ولعل فترة أحمد عثمان مكي هي الفترة الذهبية للعمل الإسلامى في أمريكا حيث نضجت في إطاره القوى المختلفة للتنظيمات الإسلامية في أمريكا من مصريين وماليزيين وفلسطينيين كما أصبح له شبكة في العلاقات ابتداء من نائب الرئيس الماليزي أنور إبراهيم وانتهاء بمجموعة الجهاد وحماس والتنظيم الدولي ولم يكن أحمد عثمان مجرد عضو إنما كان القائد وإنما كان الزعيم والباني.

وانصرف أحمد عثمان بكلياته إلى قضية العمل الإسلامى والجسم الإسلامى الكلى فى أمريكا ولكنه عاد بعد الانتفاضة إلى السودان وأصبح رئيسا لتحرير جريدة الراية ثم عضوا في البرلمان ، ثم ظل يتابع نشاطات الإنقاذ ما بين أمريكا والسودان وكان تلميذا وفيا بل صديقا شريكا للدكتور الترابي في همومه ومسئولياته وهو الذي رتب له جلسة الاستماع في الكونغرس ، ثم لقاء كندا حيث داهمها هاشم بدر الدين والقصة معروفة.. كما أنه لم يكن واردا في حساباته ذلك الانقسام الذي أخذ بالحركة الإسلامية حيث صدمته تلك التجربة صدمة شديدة لأنها كانت خارجة عن حساباته تماما..

رحم الله أحمد عثمان مكي لقد كان من رواد العقل السياسي الإسلامى ورواد العقل السياسي الحركي والتنظيمي، وكان يهتم بقضايا المحرومين كما كان وفيا للطبقة الأولى من رجال الدعوة الإسلامية أمثال المرحوم سعيد والمرحوم سليمان مصطفى أبكر والأستاذ عبد الرحمن قسم السيد وكانت شبكة علاقاته واسعة إلى ح مذهل ، وكان صبوا وطويل البال وكان العمل الإسلامى محور حياته ونشاطاته وجهاده وقد خلف بنتين هما هند وثويبة رحمه الله.

صحيفة الرأي العام
السبت 28/9/2002م
أحمد عثمان المكى والرحيل من الرحيل
( أفضل زعيم لم يسعد به السودان)
د. عبد الوهاب الأفندي

لم يعلن الحداد في الخرطوم يوم الخميس الماضي، ولم تنكس الأعلام وتقطع الإذاعة برامجها تذيع آيات القرآن الكريم. وبالطبع لم تخرج الجماهير إلى الشوارع .

الإعلام الرسمي سجل الحدث، وأصدقاء الراحل تسابقوا في التنويه بفضله، ولكن كثيرا من قرائهم قد يسارعون بطرح السؤال : من يكون الرجل؟

فليس الجيل الحالي وحده الذي لم يسمع باسمه، فقد كان الإعلام الرسمي حتى في أوج شهرته لا يذكر اسمه فضلا عن التغني بمناقبه.

وهذا يعنى بالضرورة أن قلة ستتساءل عن الخبر داخل الخبر: كيف رحل السوداني الوحيد الذي استحق بجدارة صفة نجم النجوم في مجال السياسة بهدوء بعيدا عن الوطن ، وبالكاد لاحظ البلد غيابه الفاجع؟

الإجابة على هذا السؤال تلخص تاريخ السودان القريب ومحنته.

مثل كل النجوم فإن الغالبية لا تعرف أمثال أحمد عثمان مكي قبل أن نتعرف عليه، ولم أكن أنا استثناء ن فقد سمعت عنه كثيرا قبل أن أشاهده، وشاهدته وهو يؤدى دوره ومهمته قبل أن أتعرف عليه. كان ذلك في عام 1975م قبيل نهاية العام الدراسي، وكانت المناسبة حشدا انتخابيا دعا له الاتجاه السياسي الذي كان يهيمن على اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ويواجه في ذلك العام أكبر تحدياته بعد عامين من سيطرته الكاملة على الاتحاد.

فقد قررت كل القوى السياسية في جامعة الخرطوم مقاطعة انتخابات الاتحاد احتجاجا على نظام الانتخاب المباشر الذي يسمح للإسلاميين بحيازة نصيب الأسد ن مقاعد الاتحاد.

وطالبت هذه القوى بالعودة إلى نظام التمثيل لنسبى الذي كان يعطى كل حزب قدرا من التمثيل، وفى سبيل تحقيق هذه الغاية قررت الأحزاب مقاطعة الانتخابات لخلق أزمة دستورية تشل الاتحاد، وتجبر الإسلاميين على الدخول في مفاوضات لإعادة الحياة إليه، ولكي تفشل هذه الحيلة كان لابد أن يقترع أكثر من نصف الطلاب في الانتخابات، وهى نسبة تعجيزية حتى في أحسن الظروف.

كانت هذه المعركة تستدعى إخراج الأسلحة الثقيلة، ولم يكن لدى الاتجاه الإسلامى سلاح أكثر فاعلية من ود المكى أسطورة العمل الطلابي وقتها، وكان أحمد عثمان في ذلك الوقت قد تخرج ،ولم يعد طالبا في الجامعة ، وكان أيضا المطلوب رقم واحد لأجهزة أمن السلطة.

وكانت مجرد إشاعة أنه سيخاطب اللقاء الانتخابي الختامي للاتجاه الإسلامى كافيا ليحتشد أكثر من أربعة آلاف طالب وطالبة( من سبعة آلاف هم كل طلاب الجامعة) في ميدان النشاط ليشهدوا هذا الحدث التاريخي.

لم يخيب أحمد عثمان الظن بدءا من ظهوره الدراماتيكي وانتهاء بخطابه الهادئ والناري في نفس الوقت، الذي ذكر فيه الطلاب بأمجاد اتحادهم ودعاهم للتمسك به. وكان يكفى أن تكون هناك وتلمس مباشرة الأثر المغناطيسي لحضور الرجل لتعرف أن الانتخابات قد كسبت في تلك اللحظة، حتى بدون انتظار المظاهرات الحاشدة التي انطلقت بتأثير كلماته.

كان ود المكى رحمه الله يتمتع بكاريزما وجاذبية شخصية لم تتحقق لسياسي سوداني قبله ولا بعده، كما ظهر من قدرته الشخصية على تحريك الجماهير بطريقة لا يستطيعها الآخرون، ولكن جاذبيته وتأثيره الجماهيري لم يكونا أبرز مزاياه كما ظهر من الطريقة التي قاد بها انتصار الإسلاميين في جامعة الخرطوم في وقت كانت فيه كل الظروف ضدهم.

صحيح أن الإسلاميين أصبحوا القوة السياسية الأكبر في جامعة الخرطوم متغلبين في ذلك على منافسيهم الشيوعيين في عام 1969م، وهى السنة التي أصبح فيها على عثمان محمد طه رئيسا للاتحاد. ولكن اليساريين كانوا قد جاءوا إلى السلطة مع انقلاب مايو 1969، وكان من أول أعمالهم حل اتحاد الطلاب واستبداله بجهاز سياسي حكومي.

وكانت تلك الفترة التي برزت فيها الميزات القيادية الحقيقية لأحمد عثمان مكي، فهو الذي قاد المعركة المضادة، ونجح في خلق أوسع تحالف طلابي تحت شعار ( جامعة حرة أى لا جامعة) وقاد اعتصاما طلابيا في الجامعة في آذار (مارس) عام 1971م نجح في وقت واحد في ضرب العزلة على التيارات السياسية بالعمل بجدية كاملة داخل الجامعة ، وبتحرير الطلاب من قبضة السلطة.

ولعل التاريخ الصحيح لانهيار اليسار الراديكالي الذي كان يقوده الحزب الشيوعي السوداني ليس هو تموز ( يوليو ) 1971 تاريخ الانقلاب الفاشل وما رافقه وتلاه من مجزر بل هو آذار ( مارس) 1971 م الشهر الذي شهد الفرز الطلابي بين غالبية تدافع عن حرية الجامعة وكرامتها ، وأقلية وقفت وراء الدبابات التي فرضت الحصار على الجامعة، ومنعت الطعام والماء على الطلاب، وهددت باقتحام الحرم الجامعي بالقوة ، فقد كانت هذه حقا العملية الاستشهادية الحقيقية للحزب الشيوعي السوداني.

النقطة النوعية في فكر واستراتيجيه الإسلاميين التي تطلبها خلق ذلك التحالف العريض لم تكن بالأمر اليسير ، فالإسلاميون السودانيون مثل إخوانهم في مناطق أخرى كثيرة، كانوا مشغولين بالقضايا الصغيرة كما ظهر من أزمة عام 1968م التي تفجر فيها العنف في الجامعة بسبب اعتراض الإسلاميين على حفل راقص.

تحت قيادة أحمد عثمان تحول التوجه إلى التركيز على الحرية والديمقراطية وتوسيع قاعدة التحالف المؤيد لها، كان أول اتحاد قاده المكى هو أيضا أول اتحاد شاركت فيه القوى السياسية الجنوبية كشريك كامل، وأصبح اتحاد الطلاب يدعم حرية الجميع، بما في ذلك الحفلات الغنائية التي كان الاتحاد يمولها أحيانا.

هذه المهارة في خلق وتوسيع التحالفات السياسية ، والقدرة على جذب التيار العريض من القطاع الطلابي.

كانت أكثر من الجاذبية الجماهيرية هي المساهمة التي قدمها ود المكى لتطور فكر وممارسة الحركة الإسلامية السودانية. ويمكن بدون مبالغة أن نقول أن الحنكة السياسية التي أدار فيه ود المكى هذه التجربة الانفتاحية كانت هي المفتاح الذي حول الحركة الإسلامية السودانية من تيار هامشي إلى تيار له موقعه في قلب الساحة السياسية ( البعض اجتهد الآن والحمد لله في إعادته إلى القمم) .

الطريف في الأمر أن أحمد عثمان مكي كان ينتمي لدى دخوله الجامعة في مطلع السبعينات إلى تيار غلاة السلفية داخل التنظيم، ولكنه نجح بسرعة في التأقلم مع الواعي السياسي، وهى ميزاته برزت أيضا لدى انتقاله إلى الولايات المتحدة في نهاية السبعينات، حيث دخل بسرعة إلى قلب العمل السياسي هناك. وخلال سنوات إقامته في شيكاغو ساهم ود المكى مساهمة فعالة في إرساء أسس العمل وخلال سنوات هناك ورأس لسنوات طويلة اتحاد المنظمات الإسلامية في أمريكا الشمالية.

وإذا كانت أمريكا كسبت ود المكى وجهوده المباركة فإن السودان بالقطع كان الخاسر الأكبر.

وليس هذا لأنه بخل بجهوده على وطنه الأم،ولكنه مهما كانت قدرات الرجل فإن تشتت جهوده بين بلدين وقارتين ، وواقعين سياسيين في غاية الاختلاف كان لابد أن ينعكس سلبا على النتائج ، إضافة إلى تدهور صحة الرجل في سنواته الأخيرة.

وكان أحمد عثمان قد عاد إلى السودان في عام 1985م وانتخب نائبا في البرلمان في العام التالي كما تولى لفترة رئاسة تحرير صحيفة الراية التي كانت تعدها الجبهة القومية الإسلامية ، ولكن أداءه في تلك المواقع كان للسف دون التوقعات لأسباب كثيرة، منها غيابه المتكرر عن البلاد، وبوادر الاحتكاك بينه وبين قياديين بارزين في الحركة نقموا عليه لأشياء منها مثاليته المفرطة، وكون الدكتور الترابي كان بفضله على كثيرين شارك غيره ويتمنى لو يكون خليفته في قيادة الحركة.

وبينما شارك أحمد عثمان الكثيرين خيبة أمل الحركة السودانية الإسلامية في الحكم بعد انقلاب حزيران( يونيو) 1989م إلا أنه كان متفائلا أكثر من غيره بإمكانية الإصلاح، وفوق ذلك يرى أن الدكتور الترابي ما يزال قادرا على قيادة تيار الأحلام.

ولهذا السبب فإنه انحاز إلى معسكر الترابي وكان مهندس حملته المضادة التي نجح فيها في إعادة فرض هيمنته على حزب المؤتمر الوطني وإجبار الرئيس البشير ومجموعته على نقل المواجهة إلى مرحلة أخرى.

في آذار ( مارس) الماضي كنت محظوظا بما يكفى لالتقى أحمد عثمان مرة أخرى لم يكن أى منا بالطبع يتوقع أنها الأخيرة، بل بالعك تواعدنا على لقاءات كثيرة قادمة، سعدت بزيارته لي في مقر إقامتي بضواحي شيكاغو حيث كنت أقضى فترة عمل قصيرة في إحدى الجامعات. استذكرنا الأيام الخوالي، واجتررنا آلام الوطن والأمة، وتحسرنا على خيبتنا وفشلنا، ولكنه كالعادة لم يدع الأمر يتوقف هنا، بل كانت لديه أفكار مدهشة في تفاؤلها، واقتراحات عملية لعمل مشترك من أجل إنقاذ البلاد، ولمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الأمة الإسلامية.

كان أحمد عثمان رحمه الله كما يقول التعبير الانكليزي أفضل زعيم لم يحصل عليه السودان، ولكنه كان فوق ذلك وقلبه إنسانا بمعنى الكلمة.

كثير من المشاهير ورجال العمل يسعدك أن تقرأ لهم أو تطلع على إنجازاتهم ولمن مجرد الاقتراب منهم يجعلك تتمنى لو أنك ظللت على جهلك بأحوالهم، ولكن أحمد عثمان مكي من أولئك القلائل الذين تزداد احتراما وتقديرا لهم كلما اقتربت منهم أكثر فالرجل كان ، يرحمه الله ، دمث الأخلاق ، حلو المعشر، شديد الحياء ، عذب الحديث ، كان مفكرا من الطراز الأول يقل نظراؤه ليس فقط في السودان بل على نطاق العالم الإسلامى.

ومن المؤسف أنه مثل غالبية السودانيين لم يخلف تراثا مكتوبا، ولم يكن يميل إلى الكتابة والتأليف ولكنه خلف مؤسسات ومدارس فكرية تمتد من كاليفورنيا إلى مقاطعة سنكيانج في الصين ، لعلها تكون ذخره الباقي .

حيت التقيت أحمد عثمان آخر مرة كان قد عاد لتوه من الصين حيث قضى ستة أشهر هناك ضمن مشروع لدعم القدرات الفكرية والاقتصادية لمسلمي الصين، ولعل بلاءه في هذا المجال وفى بناء المؤسسات السياسية والفكرية والإعلامية للجالية الإسلامية في أمريكا تكون على المدى الطويل أكثر نفعا لمسلمي العالم مما لو اقتصر نشاطه على وطنه المنكوب.

إنها لمن متع الحياة الدنيا ونعم الله على العبد أن يسعد بمعرفة أمثال أحمد عثمان مكي، تشحذ محاورتهم الفكر ، وتجلو الروح وتعيد معرفتهم ثقة المرء بالإنسانية ، ألا رحم الله أحمد عثمان حيا وميتا ، وعوض بؤس العالم عن فقد أمثاله، وأقال عثرة البلد الذي صدره إلى أمريكا والصين وأغلق الباب في وجه مساهماته كما أغلقها في وجه كثيرين من أهل الغيرة على البلاد لأن بؤس الفكر وفكر البؤس هو الذي يحكم هذه الأيام للأسف. صحيفة القدس العربى

الثلاثاء: 1/ 10/ 2002م
الألفيات : أحمد عثمان مكي.. في ذمة الله
بقلم الأستاذ: أحمد كمال الدين.

وهكذا يزداد النقص في الأنفس ، وهو أعز ما تملك البلاد في كل أمة، وبهذا النقص المتسارع في خيار الشباب وخيار الرجال وشيوخ الحركة الإسلامية والحركة الوطنية يكون الابتلاء شديد حيث صار الابتلاء في دوائر حركة الإسلام متواكبا ومتعاظما، حتى ازدحمت على جسم الحركة بنات الدهر ونوائبه الكبريات، وتكسرت النصال على النصال.. من بعد الفتنة الكبرى، والفتنة أشد من القتل، وفى إزالتها إحياء للأرواح والنفوس.. أما الشهداء والصديقون فليقلدهم الرحمن عنده بقلائد الحياة الباقية ، المترعة بالرزق والرحمة والفرحة الأبدية.

في فجر الجمعة الماضية وأنا أتوضأ للصلاة زاحمتني ذكرى رؤيا عجيبة... لم يمض عليها حينئذ سوى ساعة أو بعض من ساعة، رأيت فيها تجمعات كبيرة للرجال وهم ينظرون جثمان فقيد عظيم، اجتمع لوداعه خلق كثير، معظمهم من قدامى عناصر الحركة الإسلامية ، من هذا الحزب أو ذاك بغير تفريق وطفقوا يتحدثون عن موعد وصول الجثمان، حتى جرت مهاتفة بين هذا الكاتب ، في الرؤيا وأحد الوزراء الاتحاديين، يسأل عن موعد وصول الجثمان، وعند الإجابة لم تكن المعلومة مكتملة، فتعذرت ، لكن طائرة نفاثة ظهرت تندفع بقوة على الرغم من أنها قادمة في اتجاه المطار .. وعندما اقتربت هدأت من سرعتها وتبين أنها تريد الهبوط وقلت لمحدثي عبر الهاتف المتحرك إن طائرة الجثمان وصلتـ لأن الجثمان قادم من أوربا والطائرة مكتوب عليها بالانجليزية كلمة ( جنيف) وعليها علم تلك البلاد.. قلت له: سيكون الدفن حينئذ بعد حوالي أربعين دقيقة، لأن الجثمان سيصل جاهزا سلفا.. وانتهت الرؤيا ولم أروها لأحد.. وفى منتصف النهار علمت بالخبر المحزن الأليم من أحد الإخوة الأطباء، وعلمت من بعد موقع تقديم العزاء لأسرة الفقيد..

إن الأستاذ أحمد عثمان مكي كان يمثل نمطا دعويا قائما بذاته، يمتلئ إقداما وثقة وثباتا في الحق ، لون تاريخ الحركة الطالبية في السودان من مركزها التاريخي جامعة الخرطوم بلون فريد جذاب، يستعصى على أفضل اختصاصي العلاقات العامة، في وقت لم تكن فيه الدعوى تمتلك من أدوات الترويج للرسالة إلا الصحف المخطوطة بالأيدي وحناجر الرجال الأشاوس.. وكان أحمد عثمان مكي من هؤلاء .. رمزا للمقولة المشهورة عن قيادات الطلاب الإسلاميين حينها( أصلب العناصر ن لأصلب المواقف) ولم يكن غريبا أن يظل كذلك حتى وفاته لا يفت فيه عضد ولا تلين فيه قناة.

عرفناه منذ عام 1976م في مطلع الحياة الجامعية، عندما كانت الأكاديميات في جامعة الخرطوم تعد لأمثالهم من توابع تلك السياسة الكبرى.. وعرفناه بعدها ولومن خارج البلاد خلال الثمانينات وهو يصول ويجول في مدان الصحافة الإسلامية مع رفاقه فيها،وزرناه في داره في مدينة شيكاغو الأمريكية قبل عقد من الزمان ، حيث أحسن استقبالنا وإغراقنا بالكرم السموح الفياض.. والأحاديث المليئة بهموم رسالة الإسلام.

هكذا يغادرنا أحمد عثمان مكي، ليتأكد لنا مرة من بعد مرة أن ههذ الحياة لا تعدل شيئا، وأنها مثل الخرقة القديمة البالية الرخيصة المزجاة.. أحمد عثمان مكي الشهير بالكثير مثل عبارته التي رد بها على محالات أجهزة حكومة النميرى آنذاك منع التعبير الصحافي الحر في حرم الجامعة وفى ( مقهى النشاط) الشهير بوصف خاص، قال حينها من ذات المكان: ( من أراد أن يعلق قميصه في هذا النشاط فليعلقه) .. وعاش الطلاب قيم المبادئ القومية الوطنية مثل :الحرية ، والشهامة ، والنخوة ، والمساواة في كل ذلك.. ليفارقنا أحمد عثمان مكي في يوم ليس الحديث فيه عن تعليق القميص أو الجهر بالرأي في مكان عام، بل يضيقون على أهل السودان ويستكثرون عليهم رفع العقيرة بالتهليل والتكبير ويعين أئمة الكفر على ذلك بعض من أبناء العروبة والإسلام من .. أهل افريقية .

إلا رحم الله أحمد عثمان مكي، وأسكنه الجنة وسقاه من الريان والكوثر بأضعاف ما قدم لهذه الأمة ولدين الإسلام.. إنا لله وإنا إليه راجعون ..

ألوان
الأحد 29/ 9/ 2002م
أبرز قيادة طلاب إسلامي في رحاب الله
إمام أحمد إمام.

في طريقي إلى بون بألمانيا صباح الجمعة الماضي للمشاركة في مؤتمر عن " تعليم المسلمين في أوربا" بحكم عضويتي في جمعية علماء الاجتماعات المسلمين في بريطانيا ، التي نظمت هذا المؤتمر بالتعاون مع منظمات وجمعيات المسلمين في بريطانيا ، التي نظمت هذا المؤتمر بالتعاون مع منظمات وجمعيات إسلامية أوربية أخرى، نعى إلى الناعي وفاة الأخ الصديق أحمد عثمان مكى، الذي يعد من ابرز قيادات العمل الطلابي الإسلامى في السودان، والناشط الإسلامى في مجال العمل الإسلامى في أمريكا.

ولقد توفى ود المكى يوم الخميس 26 سبتمبر ( أيلول ) 2002م ، نتيجة نوبة قلبية بعد عملية جراحية بسيطة.

كان الفقيد ناشطا مخلصا كرس وقته واهتمامه من أجل العمل المتواصل في خدمة القطاعات الطلابية والشبابية في السودان، وكذلك في خدمة مجتمعه المسلم في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان الفقيد ذا ثقافة واسعة واطلاع كبير، وهو على فراش المرض كان يطلب الصحف والمجلات وآخر ما طلبه كان مجلتى " نيوزويك" و" التايمز"الأمريكيتين ،ولكن الأجل كان أسرع في الوصول إليه من هاتين المجلتين.

لا يمكن لأحد أن يتحدث عن ود المكى ومآثره الطيبة وجهده المخلص واجتهاده النير في العمل الإسلامى السودانى، إلا أن يذكر مواقفه الشجاعة إبان رئاسته لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم وقيادته لحركة شعبان، حيث برع فى تنظيم الاعتصامات وتسيير المظاهرات ضد نظام مايو في عام1973م ، فعجزت قوات الأمن عن اعتقاله، على الرغم من أنه لم يكن خارج الخرطوم، بل كان مرابطا في بعض الأحيان داخل جامعة االخرطوم نفسها قائدا وموجها ومصداما.

كان دائما يستشعر خطورة أمانة الرئاسة، فلذلك عندما انتهت دورة رئاسته للاتحاد، جاء بالأمر العجاب، إذ أعلن عن مكان وجوده ودعا قوات الأمن إذا أرادت اعتقاله أن تطلبه في العنوان المعلن. وبالفعل ألقى القبض عليه وقضى عامين في السجن، ثم أطلق سراحه بعد المصالحة الوطنية بين نظام الرئيس السودانى الأسبق جعفر محمد نميرى وقيادات المعارضة السودانية بما فيها الحركة الإسلامية في السودان بقيادة الدكتور حسن عبد الله الترابى. وكعادته في العزوف عن المناصب لم يسع إلى منصب بل رفض العديد من المناصب التي رشح لها، بدءا بفترة المصالحة الوطنية ومرورا بالعهد الديمقراطى وانتهاء بحكم الانقاذ الوطنى، ليس ترفعا عن المنصب أو تهيبا من المسئولية ، بل لأنه كان يؤمن إيمانا صادقا بأن العمل الفوقى لا يثمر حركة فاعلة في قيادة المجتمع إلى الأهداف المنشودة.. عرفت المكى عندما كنت طالبا في مدرسى كسلا الثانوية في السبعينات، وبحكم أن كلينا نشأ في كسلا حاضرة الاقليم الشرقى في السودان، وكان معلما في المدرسة الشرقية الابتدائية بينما كنت تلميذا في المدرسة الغربية الابتدائية بكسلا، فكان عصاميا حرص على مواصلة تعليمه فدخل جامعة الخرطوم عام 1969م ، ثم توثقت هذه العلاقة بعد أن أقمنا في المهاجر تواصلا وتوددا أما ألأمر الذي استدعى انتباهى في شخصية المكى هو مقته للرئاسات وعزوفه عن المناصب ودليلى على ذلك أمران:

الأول: في عهد الديمقراطية الثالثة انتخب عضوا في الجمعية التأسيسية ( البرلمان) عن الجبهة القومية الإسلامية ، وشاركت هذه الجبهة في حكومات السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء آنذاك فلم يقبل المكى أى منصب في تلك الحكومات، كل الذي قبل به هو رئاسة تحرير صحيفة " الراية" لسان حال الجبهة القومية الإسلامية ، فجعل منها الصحيفة السياسية اليومية الأكثر توزيعا في السودان آنذاك.

أما ألأمر الثانى: في عهد الانقاذ الوطنى قبل الانشقاق فكان عندما عرضت عليه الوزارة فرفضها ثم عرضت عليه السفارة فرفضها، وأخيرا عرض عليه منصب كبير في المؤتمر الوطنى فرفضها قبل أن يتشعب إلى مؤتمرين، وطنى وشعبى، فلم يكن مصير هذا المنصب بأحسن من الآخرين.

ولكن بمعرفته اللصيقة يتبدد الاستغراب وينتفى الاستعجاب.

زار ود المكى السودان بعد انقسام الحركة الإسلامية في فبراير ( شباط) 2001م ، فالتقيته عند زيارتى إلى السودان في تلك الفترة، حيث زرته والأخ محجوب عروة الناشر السودانى المعروف لتقديم واجب العزاء في وفاة والد زوجته، فعلمنا منه أنه كان قبل مجيئنا في لقاءين مع طلاب المؤتمر الوطنى( الحزب الحاكم) وطلاب المؤتمر الشعبى ( حزب الترابى) كل على حدة، فلم نستغرب ذلك لمعرفتنا بالفقيد ومعرفتنا أيضا بحرصه الأكيد على الحركة الطلابية الإسلامية منذ كان مسئولا عن مكتب الطلاب في الحركة الإسلامية السودانية.

لقد هاجر المكى إلى أمريكا للدراسة واستقر به الحال في مدينة شيكاغو، فشيكاغو لمن لا يعرفها موطن طيب من مواطن العمل الإسلامى ، خاصة بين الأمريكيين السود وغيرهم من الأقليات العرقية الأخرى بالإضافة إلى أهلها الأمريكيين البيض، فهو رجل يؤمن بفقه الأولويات متأثرا في ذلك بآراء ابن تيمية، فرأى أن الأولوية في هذه المرحلة للعمل الإسلامى وليس للدراسة والتحصيل الأكاديمى، وقليل من الإسلاميين يعرفون أن الفقيد كان وراء إقناع الدكتور الترابى بابتعاث شباب الحركة الإسلامية السودانية إلى أوربا وأمريكا.

المهم أنه انخرط في العمل الإسلامى بأمريكا منذ عام 1979م إلى أن توفاه الله تعالى عدا سنوات العهد الديمقراطى في السودان ( 1986- 1989) وهو من دعاة التجديد والتحديث والأخذ بأساليب العصر في العمل الإسلامى في السودان أو أمريكا .

ولقد التقيت الفقيد في شيكاغو عند زيارتى الأخيرة إلى الولايات المتحدة في يوليو ( تموز) الماضى فوجدته مليئا بالحركة والنشاط والتفاؤل رغم آثار تداعيات 11 سبتمبر على الإسلام والمسلمين .

فالحق يقال أن الفقيد عمل جاهدا ومخلصا وأمينا من أجل خدمة الإسلام والمسلمين في مجتمعه الأمريكى بذل جهدا مقدرا في العمل مع الاتحاد الإسلامى لأمريكا الشمالية ( أسنا) حتى ظن البعض أنه في فترة من الفترات تولى رئاسة هذا الاتحاد، ولكنه كما ذكرنا آنفا كان يخلص في كل عمل يوكل إليه ويبادر لإنجاح مهمته في ذلك الموقع فتحسبه رئيس ذلك الموقع.

وكان المكى يمثل الاعتدال والوسطية في الحركة الإسلامية السودانية ، وكان ناشطا في الكثير من المنظمات الإسلامية ، والذين يعرفونه من قيادات العمل الإسلامى في أمريكا يعتبرونه شخصا قياديا متفانيا في عمله ومخلصا لدعوته.

وختاما: أسأل الله تعالى أن يتقبل أخنا قبولا طيبا حسنا ويلهم ذويه وأصدقاءه ومعارفه الصر الجميل. " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا"

صحيفة الشرق الأوسط
الثلاثاء 1/ 10/ 2002م
انتبهوا أيها الغافلون لقد رحل ود المكى
بقلم الأستاذ : حسين خوجلي

أخى أحمد عثمان مكي: لم أكن أدرك أن النقص في الأنفس بكل هذه القسوة إلا حين هاتفنى الناعى فجرا بأنك غادرت في هدوء هذه الفانية.. وأنت بعيد غريب وحيد حزين وكسير الفؤاد ولكن في قوة ، ومبتسم المحا وأنت تبكى لكن في عرفان تبكى تمزقنا وتفرقنا وهواننا على الناس.

تغادرنا أخى أحمد ونحن لم ننعم بعد بدفء الأخوة المطلقة والبحث عن الأتقياء الأخفياء في أطراف العاصمة أصحاب الأدوار الكبار الذين تخطاهم كمبيوتر الاختيار والتوظيف والشورى ولم يخطئهم قلبك الكبير.

إننا أخى أحمد لم نسجل بعد بطولات شعبان وخطبك البيارق التي كنت تدسها في قلوب كل السودانيين في ليالى الجهاد الطويل ضد ليالى الكبت والاستبداد المايوى .

لقد كنت ماردا في دروب تكاثر فيها الأقزام ، وكبيرا في زمان تكاثر فيه الصغار ، وعالما في دهر تطاول فيه الجهلة، وشجاعا في معترك سعى فيه الجبناء، لقد كان للبيات سحر حين تعتلى المنابر وكان للقيادة وهج حين تدير الطلاب وجماهير الشباب ومن أبناء وآباء المستقبل وتحيل الأقوال إلى أفعال والأفعال إلى مآثر.

دخلت العمل فتركت في كل موقع سيرة ورجال وذكرى. شرفت إعلام وصحافة الإسلاميين ، وشرفت برلمان الديمقراطية الثالثة وشرفت كل العواصم التي مثلتنا فيها محاورا بارعا ومتحدثا لبقا وخطيبا مصقعا وعالما تهف له القلوب وتخضع له العقول جادلت وناضلت وجاهدت باسمنا فجلبت للسودان آلاف الأصدقاء من الصفوة من كل ملة ومن كل لسان، اقتحمت المجتمع الأمريكى فصارت آلاف الحكايات في قلوب المستضعفين والحيارى والباحثين عن الحق والحقيقة صار ود المكى رديفا للسودان.

صدقنى أخى أحمد لقد مكنت أسائل نفسى مرارا وتكرارا همسا وجهرا حين تأتى الرئاسات والوظائف والمقامات أين ود المكى من كل ذلك.. وحين التقيتك وتحدثنى عن الهم العام، عن الطلاب والمنابر والنقابات والجمعيات والجماعات والمجتمع المدنى.. كنت حينها أجد الاجابة الشافية بأنك وزير فوق الوزراء وسفير فوق السفراء وقائد فوق القادة ، وها أنت تمضى أخى أحمد كالبرق الخاطف متعاليا على الوظائف والمناصب. تمضى رمزا خالصا إلا منك أنت. أنت لا غير الحب المحض والإيثار. والرفعة والشموخ والتعالى على الصغار والصغائر..

مضى أحمد عثمان مكى صديق الجميع وحبيب الجميع ومرتجى الجميع بلا وداع، وترك ثغرة الأمل بأنه سيعود ليحاول مع الكبار جمع الصف من جديد إن لمن يكن من أجل الإسلام فليكن من أجل شباب هذه الأمة من الذين تمزقت قلوبهم وهم ينظرون إلى دعاة التوحيد وهم يتنافرون وإلى دعاة الوحدة وهم يتمزقون..

كنا نتظر عودة أحمد عثمان ليبصر أصحاب الكبرياء الزائف وأصحاب الاعتداد الكذوب من زوار المصائر والمقابر.

عندما يبكى الرجال بكاؤهما يشفى
وإن كان لا يجدي
بقلم : محمد أحمد عثمان.

في رثائها لأبيها أبى بكر الصديق وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة تمثلت الصديقة بنت الصديق بالبيت المتواتر والمأثور :

لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فأجابها رضى الله عنه : ما هكذا يا بنت ابى بكر ولكن قولى" وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" ) ق/ 19) ولأنه ( كل نفس ذائقة الموت) أل عمرا: 185 ، وكل شيء إلى زوال فلن يبقى غير وجه ربك ذي الجلال والإكرام، وربما لايكون الموت خاتمة للإنسان وقد تبقى له حظ من خلود وأجر شهيد وفى ذلك يقول الحق عز وجل " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" أل عمرا: 169.

ولابد للناس من ذكر محاسن موتاهم بلا ظلم فالموتى يلتقون في الآخرة مثلما يلتقي الأحياء في العالم الحاضر وفى ذلك يقول أبو العلاء المعرى في اللزوميات:

لا تظلموا الموتى وإن طال المدى

إني أخاف عليكم أن تلتقوا

وربما يكون في الموت راحة كبرى من تحمل واحتمال الأثقال والنهوض بالأعباء لمن كره الجهد وأبرمته المشقة وحمل الأثقال فآثر الموت حتى يحط عن كاهله كل الأثقال والأعباء والسلاح وفى ذلك يقول صاحب معرة النعمان:

يدل على فضل الممات وكونه

إراحة جسم أن مسلكه صعب

وبالفعل تصعب المسالك عندما يظل الأمر كما يقول المتنبي:

إذا كانت النفوس كبارا

تعبت في مرادها الأجسام

وفى نفس المعنى الذي اقتبسه أبو العلاء المعرى:

ألم تر أن المجد تلقاك دونه

شدائد من أمثالها وجب الرعب

وفى شهداء الأطياف الأربعة يقول الشهيد سيد قطب : ( الناس يموتون أما هو فيستشهد) والناس يستبشرون بالمواليد الجدد القادمين من أرحام الأمهات ويبتئسون عندما يشعيون الموتى كما يقول أبو العلاء المعرى:

قدمنا والقوابل ضاحكات

وسرنا والمدامع ينبجسنه

ولا يستثنى من ذلك سوى أعراس الشهداء لأنهم ( أحياء عند ربهم يرزقون ) آل عمرا: 169؟ وكذلك يشتمل الاستثناء نجوم الهدى والتقى لأن غيابهم يترك الناس في ظلمات يعمهون حتى وإن لم يكونوا في عداد الموتى وأضحوا في عداد السجناء أسارى الرأي والفكر . ويصور ذلك أبو العلاء المعرى.

وقد غابت نجوم الهدى عنا

فماج الناس في ظلم دمسنه

وفى كتاب ( صدمة المستقبل) حذر ( الفين لوفكر) من اختفاء الطبعات القديمة من الكتب التي تحمل تراث الماضى. ولك يكن شهيد ( الغربة) بشيكاغو صديقنا الحميم أحمد عثمان مكى يشكل إحدى الطبعات الوثيقة من تراث الحركة الإسلامية وتاريخها فحسب ولكنه كان يمثل حصانه السجل التاريخي والقدرة على التعامل مع المستقبل والوعي المبكر والقدرة على الخيال الذي اتسمت به قيادات الحركة الإسلامية ، وفى ذلك يقول الفيلسوف الألمانى( كانت) قلما يعى الناس قدر الخيال وخطره. وهزة ثورة شعبان المجيدة 1974م أركان النظام المايوى الشمولى الاستبدادي، وكشفت لأول مرة عن ضعف النظام المايوى وترهلة. وكانت مثل القشة التي قصمت هيبة الدولة.

وكان ود المكى عام 1973م وفى خضم الثورة بشعبان آثار شيخه وأستاذه ومعلمه الأول الدكتور حسن الترابي الذي قاد ثورة أكتوبر 1964م وكان يماثل رجال الثورة الكبرى التي اجتاحت أوربا في 1968م.

وكان مثل فإسلاف هافل" بتشيكوسلوفاكيا و" آدم ميت شنك" في بولندا واللذتين عادا من جديد لقيادة التغيير عام 1989م عند سقوط حائط برلين ليصبحا رئيسين لبلادهم.

وفى ذلك يقول بول بهيرمان في كتابه( قصة يوتوبيتين) : " إن قادة ثورات 1989م – مثل فإسلاف هال بتشيكوسلوفاكيا وآدم ميت شينك في بولندا كانوا هم أنفسهم هؤلاء الأشخاص البطوليين الذين قاموا عندما كانوا راديكاليين شبانا بأدوار في قيادة حركات 1968م الثورية التي اجتاحت أوربا آنذاك".

وفى خضم أحداث ثورة شعبان التي قاد رحاها الراديكالي الشاب المكى لتخليص العباد من طاغوت مايو إلى أعتاب الحرية رحاب الديمقراطية ومن ضيق الدنيا إلى سعتها وسعى الآخرة، ومن جور النظام إلى عدل الإسلام.

ولكن القوى الطائفية الخائنة والجبانة طلبت منه بدلا من الانخراط في المظاهرات والمجابهة أن يجعل الثورة متقدة ومشتعلة وكأنها كوب من القهوة تضعه بالقرب من الموقد حتى يبقى ساخنا لتستمتع قوى التخلف باحتسائه عندما تتلقف من على البعد أخبار سقوط النظام وقد عجزت أن تصبح الماجن امرئ ألقيس عندما قال بعد أن بلغه مقتل أبيه: ( اليوم خمر وغدا أمر).

وكان الطلاب إبان ثورة 1968م في بيركلى وباريس يرفضون الحيات والديمقراطية ويمجدون المشروع الشيوعى وكانوا على الطرف الآخر في وارسو وبراغ يمجدون الحريات والديمقراطية ويرفضون الشيوعية. وهكذا بلغت التناقضات شأوا لا يوصف وأضحت مثل من قال :

كل من لاقيت يشكو دهره

ليت شعري هذه الدنيا لمن؟

ورغم هذا التناقض المفضوح كان هنالك العددي من الخيوط المشاركة بين طلاب أوربا في ثورات عام 1968م رغم التباين الأيديولوجي وتقاطعات كتنور الجغرافيا السياسية وفى ذلك يقول آدم ميت شنك في كتابه:" ما أجمل اللون الرومادى" ( رغم ذلك التناقض كانت هنالك ثمة خيوط مشتركة الروح المعادية للاستبداد والإحساس بالتحرر) ولهل الطائفية الرجعية التي وقفت تتفرج على حركة أولاد المكى في شعبان وقد افتضح وجه النظام ولم تجد ما تقوله لطلائع الثوار سوى ( دعوها ساخنة) كانت تعبر بالفعل بعقول ( ربات الحاجل) عن الغيرة السياسية وتتنكر ( للخيوط المشتركة) ولأنها لم تكن تملك روحا معادية للاستبداد المايوى ولم تكن تملك المشاعر والإحساس بالتحرر من العبودية بسبب جرثومة القابلية للاستعباد.

ولأن الطائفية نفسها تتشكل وفق قواعد نظام العائلات القائمة على الاستعباد والاستبداد، ولا تزال الطائفية الرجعية تتمترس خلف جبال النفاق والأماني الكاذبة في انتظار الفرج الذي ربما أتاها من أبناء الحركة الإسلامية وفى سخاء البلهاء فيسقطون لها النظام ويقدمونه لها في طبق من ذهب وليتها وبدلا عن تلك الأماني النازفة أصابها كسف من السماء.

لقد كشفت حركة أولاد المكى في شعبان من خلال التجارب المرة عندما آثر الطائفيون من تجار الخلاعة السياسية أن يضعوا الحركة الإسلامية عارية تماما ( إلا بحبل من الله وحبل من الناس) وجها لوجه أمام النظام المايوى الطاغي المستبد حتى تتم وعلى الأقل تصفية وإبادة قادتها الدكتور حسن الترابي ومن كانوا معه وراء القضبان ولعد\ة سنوات.

بينما كان الحسيبان النسيبان ينعمان مثل: الحمر الوحشية المستنفرة بالغابات الاستوائية بالهواء الطلق.

وعبر الآلية القذرة للطائفية الحقودة والقائمة على قواعد الدجل البغيض على شاكله ( وأشغل أعدائي بأنفسهم) لم يسوأ أبدا روح التآمر وأكذوبة ( دعوها ساخنة) المشتقة من ( الفتنة) والمقتبسة من فتنة ( المديدة حرقتنى) الفتنة النائمة والتي لعن الله من أيقظها، ولعله ومنذ ذلك التاريخ المشهود بثورة شعبان كشعبة ارتكاز ونقطة تحول آثرت الحركة الإسلامية الاعتماد الكلى بعد الله جل وعلا على نفسها وطاقاتها وإمكاناتها وعلى ألا تعول على أحد من أحزاب النفاق الطائفي والدخل الخادع والشعوبيين والمرتدين.

وكانت نتائج حركة ما تعرف عليه الاسم ( بالمرتزقة) عام 1976م والت طفحت فيها الخيانة الطائفية تأكيدا لعدم التعويل مطلقا على البثور الطائفية المتقيحة التي لا تؤدى إلا إلى الاشمئزاز والتقزز.

ويعد ذلك بكل تأكيد من النتائج الايجابية لأيدلوجي الصراع لاتحاد أولاد المكى مع النظام المايوى الشمولي البغيض. وفى الجاهلية الأولى عندما سقط ( كليب) بن مرة وقد أصابه _ ساس) غيلة من وراء ظهره كتب بدمائه القانية على الصخرة التي مات إزاءها ( لا تصالح) وفهم أخوة ( المهلهل) الرسالة فطلق الدنيا وما فيها:

كليب لأخير في الدنيا وما فيها

إذا أنت خليتها فيمن يخليها

وهكذا اشتعلت حرب البسوس وأكلت الأخضر واليابس بسبب الطيش الآثم الذي طال المرجعية وداس دستور القبلية بقدميه وأنتج الفراغ السياسى القائل لأكثر من أربعين عاما بسبب الكابح السالبة ( لا تصالح) وعندما كتب جورج أور ويل روايته( 1984) عام 1948 جعلها وثيقة الصلة بالحاضر بدرجة تثير الدهشة.

وقام فيها بتسليط الأضواء على العملية التي تنشى نظاما شموليا بحزب واحد يتولى السلطة إلى الأبد .

وعندما سقط أخيرا أحمد محجوب حاج نور في أحراش الجنوب مضرجا بدمائه موشحا بأشلائه وكان ممن قال فيه الفارسيون حليف زهد كما يشير أبو العلاء صاقل ضمن وصاياه بشريط كاسيت لحظة احتضاره( أطلقوا سراح الشيخ لتطلقوا سراح الحركة الإسلامية ففي اعتقال الشيخ اعتقال للحركة الإسلامية ) وعلى الحكومة تنفيذ الوصية للمساهمة التجريدية في انتفاء حديث أبى العلاء:

على السخط بتنا مجمعين وحالنا من العرب حال المجمعين على الحمد.

1/ 10/ 2002م

الوثائق

وثيقة رقم(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

يا جماهير المسلمين :

تشهد البلاد الأفغانية اليوم معارك ضارية في كل ربوعها في أعنف اعتراك بين الكفر والإيمان في هذا العصر. والقتال لا يكاد يهدأ بين شعب حمل السلاح دفاعا عن دينه وشرذمة نافرة تعمل لإزالة الدين وإبادة المؤمنين مدعومة من الاستعمار السوفيتي وتتورط الامبريالية الشيوعية بجيشها بالإمداد العسكري لتسهم في حرق القرى التي تتهم بإيواء المجاهدين دون تورع حتى عن استخدام الأسلحة المحرمة من نابلس وغيره، دون تفريق بين طفل وشيخ ورجال ونساء والعالم لا يحرك ساكنا ولا يمد يد العون للمستضعفين والمجاهدين الذين استجابوا لنداء الجهاد وقد كانوا أربعين رجلا قبل عام لم يكد ينقضي حتى انتفضت الأمة أبجمعها تقاتل في سبيل الله.

أيها المسلمون:

إن الشعب الأفغاني بتصديه للاستعمار الشيوعى يدافع عن عقيدة كل المسلمين وعن كل المسلمين برده للزحف الشيوعى، وسيجعل من بلاده مقبرة للشيوعيين وللجيوش الشيوعية وسيكتب هذا الشعب المجاهد ملحمة للجهاد المسلح الذي تقوده الجماهير ضد كل أنواع الاستعمار والاستبداد ومحاولات عزل الأمم المسلمة عن جذورها الإسلامية بعثا للجهاد وحب الاستشهاد.
وقد تمكن المجاهدون الذين يقتاتون بالنبات وأوراق الشجر منان ينزلوا النظام الشيوعى زلزالا شديدا.
وأن يحرروا جزءا كبيرا من البلاد من سيطرة الحكومة الكافرة. وسينتصرون لأنهم نصروا الله العظيم ولينصرن الله من ينصره، وما معركة الشعب الإيرانى ببعيدة عن الأذهان. سيكونون عونا لتسريع البعث الإسلامى الذي تنتظره جماهير المسلمين .

أيها المسلمون:

إن المسلمين في توادهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، إن استنصروا تناصروا وإنه لما يؤسف له إن إخواننا يقتلون لأنهم قالوا : ربنا الله ولا يجدون من يمد لهم يد العون وهم يقاتلون في الجبال بين الثلوج والأعاصير ويقتلهم الجوع قبل قنابل الشيوعيين وغازاتهم السامة.

سيشهد عالمنا أشكال الناصر ضد المسلمين دون أن يحس المسلمون بالخطر الذي يتهددهم من أعدائهم الذين يعملون للسيطرة على موادهم وعلى بلادهم.

يا جماهير المسلمين :

يتوجب علينا أن نقدم كل عون ممكن لإخواننا الأفغان المجاهدين ماديا كان أ معنويا. فمئات الآلاف من اللاجئين لا تجد المأوى ولا المأكل وكذلك المقاتلون الذين باعوا أنفسهم لله بأن لهم الجنة.
فل في مستوى البعث الإسلامى، ولنقدم الدعم المادي مهما كان قليلا، ولنخرج في مواكب وتظاهرات لتقديم الدعم السياسى لهذه الثورة الشعبية الفريدة التي قامت لإعلاء كلمة الله فجنودها يقدمون الأرواح رخيصة في سبيل الله .
والله أكبر
والعزة للإسلام والمسلمين
الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم
10/ صفر / 1400هـ الموافق 29/ 12/ 1979م .

وثيقة رقم (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

يا جماهير المسلمين:

الجيوش الروسية تتدفق على أفغانستان- طائرات ودبابات تقصف وتدمر في حرب شرسة لا تفرق بين الشيوخ والأطفال والنساء والثوار- خمسة وأربعون ألفا من الجنود السوفيت يحملون الموت والدمار.

أربعون ألفا آخرون ينتظرون على الحدود- النيران لا تكاد تخمد أزيز المدافع لا يكاد ينقطع.

والمجاهدون في كابول يتسابقون إلى الموت ليكتبوا لأمتهم الحياة- الشهداء يتساقطون والدماء الطاهرة تسيل .

ربع مليون من الشهداء ذهبوا يحتسبون أجرهم عند ربهم وأكثر من ثلاثمائة وثمانين ألفا من الشيوخ والنساء والأطفال لجئوا إلى باكستان فرارا بدينهم وعقيدتهم، السجون ضاقت بالعلماء والمجاهدين وهم على الموت في سبيل الله أحرص، وكيف ى وتاريخ الأفغان جهاد واستشهاد ويكفى أنه عندما صار العالم الإسلامى كله بعد الحرب العالمية الثانية تحت سيطرة ونفوذ الاستعمار الغربى شذت عن ذلك دولتان كانت أفغانستان إحداهما . بل إن المرة الوحيدة التي أفنى فيها جيش لبريطانيا من دولة صغرى. والإمبراطورية في أوج جبروتها في القرن التاسع عشر كان على أيدي فرسان أفغانستان البواسل في واقعة مضيق كابول 1842م.

لقد بدأت محنة المسلمين في أفغانستان بعد الانقلاب الشيوعي في 27 أبريل 1978م بقياد نور تراقى الذي بدأ يذبح المسلمين ويستحيى نساءهم ويسومهم سوء العذاب حتى نادي فيهم منادى الجهاد فاستجابوا لنداء ربهم وبدأت المقاومة بأربعين رجلا كل عتادهم خمس بنادق صيد فعلها بقوة الجبار المنتقم القاهر فوق عباده وانتظمت كل البلاد ثورة إسلامية هادرة ازدحم فيها الشباب والشيوخ وهزت أركان النظام الشيوعي ودب الذعر في قواتهم المسلحة وتصدع الجيش وتمرد فبدأت السلطة تأكل بنيها وجاء الانقلاب الشيوعي الثاني بحفيظ الله أمين الذي أطاح بزميله في النضال ودفع به إلى الجحيم غير مأسوف عليه والثوار يحررون الأرض مقاطعة ويرفعون رايات الإسلام على أنقاض وأشلاء جثث العملاء والملاحدة، ولم يكن النظام الجديد أوفر حظا من سابقه، وما استطاع أن يوقف الزحف المقدس ويسكت الأصوات التي تهتف ركضا إلى الله بغير زاد فجاء الانقلاب الشيوعي الثالث في الأسبوع الماضي بقيادة باتراك كالرمال فشرب حفيظ الله أمين من نفس الكأس جزاء وفاقا، وذهب كسابقه بعد ما أدى دوره، والخير ينتظر ، فما زال المجاهدون يدافعون عن دينهم وعن عقيدتهم ويقفون سدا منيعا أمام الاستعمار الشيوعي الذي بدل وغير في حكامه ولكن الثوار لم ينخدعوا ، فجاء بجنده وعتاده لإنقاذ عملائه في الداخل بالغزو السافر في حملة مسعورة لإبادة المسلمين وتنكيس راية الإسلام فالامبريالية الروسية تحاول الآن أن تفعل ما فعلته في طشقند وسمرقند وبخارى أوزبكستان تلك البلاد التي أنجبت الإمام البخاري والطبري وغيرهما من العظماء فأصبحت اليوم سجنا حصينا لخمسين مليون مسلم لا يكاد يسمع بهم احد ولا يكادون يسمعون بأحد، وقد ضرب بينهم وبين حضاراتهم بباب يمنعهم حتى من حج البيت العتيق.

إنه لما يؤسف حقا أن يقوم بيننا أدعياء يتدثرون بستار الحرية والديمقراطية ، يحملون نفس الفكرة ونفس المعتقد ويقومون بدور العميل للدب الروسى ويتربصون لعقيدة هذا الشعب الدوائر عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابا أليما.

أيها المسلمون:

إن الثوار المسلمين اليوم يحاربون في ظروف قاسية بين الجليد ونار القناصة الروس وطائراتهم وآلياتهم يكاد يقتلهم الجوع قبل رصاص الأعداء مما اضطرهم لأن يأكلوا أوراق الشجر وهم يخوضون معركة كفر وإيمان الأمر الذي لا يقبل الحياد فالعقيدة التي تجمعنا بهم تطالبنا بمناصرتهم- ومثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى- فواجب الشعوب المسلمة أن تتحرك دعما لهذه الثورة الإسلامية وإدانة للغزو الأجنبي حتى لا يسقط العالم الإسلامى دولة ويباد شعبا بجيوش الاستعمار الروسي.

يا جماهير المسلمين :

بالمال والهتاف الداى نشارك في معركة الإصلاح ضد الإلحاد والاستعمار الشيوعي فلا تحقروا من المعروف شيئا ولتهبوا لمناصرة إخوانكم والمشاركة في مظاهرة تأييدهم وإدانة الغزاة صباح الخميس هاتفين ضد الغزو الشيوعي وعملاء السوفيت وطواغيت أفغانستان الخزي والعار للغزاة السوفيت ، ولهم الهزيمة والدمار، والنصر للمجاهدين الأفغان..

والله أكبر والعزة للمسلمين
الاتجاه الإسلامى بجامعة الخرطوم 2/ يناير / 1980م

وثيقة رقم (3)

بسم الله الرحمن الرحيم
اتحد طلاب جامعة الخرطوم
الثلاثاء 25 رمضان
الموافق: 29/ أغسطس ، 1978م.

الإخوة الطلاب :

كأنما لا يحتاج أحد التقدميات مزوقة في المسالة الاقتصادية الخانقة التي يصبر عليها الشعب السوداني هذه الهيام، فقد فاقت المألوف مهما قيل في شرحها وتبريرها.

والإنسان السوداني وهو يمضى سحابة نهاره في التربص والانتظار والمطاردة لوسيلة المواصلات من أى جنس كانت ، يرنو لنا- بعين راجية وأذن صاغية وزفرة مكتومة- أن نحدث له من أمره يسرا، يرنو لنا أن نقول كلمة الحق التي ما بقى في الأمة من خير إن لم تقلها وما بقى في الدولة من خير إن لم تسمعها.

فالإنسان السوداني من قبل قد عرف حقا نكبات الطبيعة وقسوتها وصبر عليها وتعاون فيها إلا أنه يشعر هذه المرة أن مواد التموين الضرورية التي تنجو من السيول والأمطار تذهب في شبكة المجارى التحتية التي هي أضر بالإنسان من أقدار الله الجارفة لقضبان الحديد وكباري كوكر- بور تسودان التي عجزت الدولة عن إصلاحها وعجزت أيضا عن الاحتياط لنواتجها ( بعد أن عجزت عن لتحوط منها) فيجب أى لا تعجز عن وضع سكك جديدة لعدالة التوزيع وعزيمة ناجزه في الضبط الادارى الذي يستل الجشع من المكثرين ويستل الهلع من المقلين .

فالشعب – والحق يقال – قد مرت عليه مده فقد فيها سلامة النفس وكاد الضجر والضيق أن يفسد عليه شهر الصيام والبر، أما مفردات الاقتصاد التي تسوقها الصحافة والتحليلات الفلسفية التي تطرحها لا يملك الشعب أمامها إلا منطق البداهة الذي يقول:

• إذا كانت الموارد قليلة فلماذا الأريحية في الصرف والجزالة في العطاء؟
• وإذا كان الخلل في السلطة التنفيذية فلماذا لا تغير؟
• وإذا كان القصور في الرقابة الشعبية فأين المنظمات الجماهيرية والأمانات الفرعية التي تحظى بإعانة الدولة ورعايتها؟
• وإذا كان الخلل في ميزان المدفوعات فأين هى التدابير الراشدة التي تعيد للناس الطمأنينة والثقة؟

ذلك هو منطق الفطرة البديهى الذي يسوقه الشعب وهو يقف في صف أو ينفض من صف صفر اليدين وذلك هو نوع الأسئلة المريرة التي ظل الاتحاد يتجرعها مع الجميع ويتلقاها من الذين لهم معرفة بالاقتصاد حسنة ومن الذين لم يعرفوا من الاقتصاد إلا السوء، ولقد ناقش المجلس الأربعيني للاتحاد المسألة باعتبارها قومية المنحنى شديدة الضرر تقطع أواصر المودة وتقوى نوازع الشر والرذيلة وتسقط كرامة المواطن الذى تداعت عليه الحاجة والعوز.. ناقشها المجلس الأربعيني كما ناقشها كل الطلاب في حجراتهم وطرقاتهم حتى صارت الجامعة برلمانا شعبيا مفتوحا، ولا غرو في ذلك فالطلاب هم أبناء الشعب وهم بناة المستقل برلمانا لا يهتم بأمر الأمة تعتبر قيمته صفرا في حساب الوطنية وإن نال من المعارف النصيب الأوفى.

لا غرو في هذا ولا غرو في أن تجتمع اللجنة التنفيذية للاتحاد برئيس الجمهورية باعتباره المسئول المباشر لدى العشب عن كل ما يعانيه الشعب..

التقت اللجنة التنفيذية برئيس الجمهورية في الثامن والعشرين من أغسطس هذا باعتبار أن الطلاب هم البرلمان المفتوح الذي لا يتوادد السلطة ولا يعاديها تحرشا، ودام النقاش خمس ساعات تناول فيها الاتحاد قضية الساعة وطرح فيها احتجاج الطلاب واحتجاج الشعب وآراءهم جميعا في التسيب الادارى، والصرف البذخى والرقابة المفقودة والعملة المنخفضة وآثار كل ذلك على حياة المواطن الذي ظل يصبر ويستبشر أمدا طويلا، كما تعرض الاتحاد لقضية أمن الدولة وحرية المواطن ولقضية التركيز الاقتصادي وتناول بالنقد ولتبرير التقليدي الذي يرجع كل أزمة لكوارث الطبيعة وأسعار البترول وعبر عن رأى الطلاب والشعب في أجهزة الإعلام وفى تأثير مطروح مقروءا ومسموعا، وعبر عن رأى الجمهور وفى أداء الهيئة المركزية وعدم رضائه عنها رغم أنه قد تولى شخصيا الإشراف عليها.. طرح الاتحاد كل هذه القضايا فى وضوح وجهد وعبر عنها في صدق الذي لا يرجو شكرا ولا يشكر مطلقا.

هذا وقد سمعنا وكتبنا ما قاله رئيس الجمهورية شارحا وموضحا ومبررا، نقتضب في الأسئلة ويسهب في الإجابة حتى تجاوزنا منتصف الليل بساعة نؤكد له إصرار الطلاب على الرقابة والنقد ويؤكد لنا استماعه للآراء واستعداده للإصلاح ما استطاع.

الإخوة الطلاب:

سيظل قدركم مرتبطا بقدر الأمة تجهرون بما تهمس به وتصرخون بما تجهر به سيظل الاتحاد مرابطا ومراقبا مع تاريخه الطويل لا ليحبس الطلاب في الرفض الأبدي ولا لينهج بهم نهج لاسكندر كلما اعترضنه عقدة ولكن ليحفزهم للمشاقة في المسئولية التي تقيم فيها الكلمة بقدر ما فيها من صدق ويقيم فيها المجهود بقدر ما فيه من قصد وتحمد فيها المواقف بقدر ما فيها من مصلحة للأمة وإصلاح للجميع.
هذا وسيتيح الاتحاد للجميع أن يقولوا آراءهم مسموعة ويسعى للمعلومات والإحصاءات في أوثق مصادرها ويتيحها للجميع لأنه لا يغترف بالسرية فيما له تعلق بالقضايا القومية ولنحترم الآراء ولتصطرع الأفكار فما كانت الجامعات منذ عصور الظلام إلا مركزا للنور ومناطق للتحول نحو الأفضل والإرشاد، ولنعلم جميعا أن شعب السودان لا يحمد لنا عاطفتنا فقد بديلا لكل قصور ننتقده أو نرفضه. فلنجعل أنفسنا أهلا للثقة ولنجهر بالانتقاد ما وسعنا ولكن لنجتهد في البدائل النافعة حتى لا نكون رمزا للشكوى اليائسة والضجر المفترس في مرحلة تستعد فيها الأمة للنهوض وتتلمس طرقها للرفعة.

وليشمر الجميع للعمل فإنا مشمرون

اللجنة التنفيذية

وثيقة رقم (4)

بسم الله الرحمن الرحيم
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
إلى جماهير الشعب السوداني:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعيش البلاد اليوم أزمة اقتصادية طاحنة وتعانى انهيارا تاما في نظامها الاقتصادي تفصح عنها هذه المعاناة التي تعيشها الأمة وأعلنت عنها رسميا الأجهزة السياسية في البلاد.

ولقد جاءت الإجراءات الاقتصادية الخيرة دليلا قاطعا على فشل النظام التام وعدم مقدرته على الرسم والتخطيط والتنفيذ لسياسة اقتصادية سوية تحقق أدنى مقومات مجتمع الكفاية والعدل الذي ما انفكت تتغنى به وسائل إعلامنا المضللة كل يوم.

وعلى الرغم من التنبيه المتكرر والإشارات الصريحة والتشخيص الواضح لعلل وأسباب كسادنا الاقتصادي من المجمعات العلمية بجامعة الخرطوم والمذكرات التي رفعها الاتحاد بهذا الشأن للدولة إلا أن عدم احترام الآراء وانغلاق الأجهزة الرسمية وانكفائها على ذاتها وانفرادها بالتخطيط هو الذي قاد إلى هذه النهايات المؤلمة والمآزق الحرجة التي أدخلنا فيها مجموعة السياسيين الذين يتسلمون الأجهزة الاقتصادية والمالية في البلاد ويقومون بدور المخطط والموجه فيها بأهوائهم السياسية الواضحة.

ومهما تذرعت الدولة بتردي الأحوال الاقتصادية العالمية والعوامل الطبيعية وغيرها من الأسباب التقليدية التي تقال في كل مناسبة إلا أن الحقائق الآتية تظل هي الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة وينبغي معالجتها بالعزم والحزم.

أولا: إن الدوافع الأساسية الانمائية والاقتصادية وبعض المشاريع التي طرحتها الدولة لتحسين الأحوال المعيشية للشعب ( التقويم الوظيفى) كانت دوافع سياسية في المقام الأول يرمى النظام ورائها لامتصاص غضب الشعب وتجاوز الأزمات الموقوتة والآنية التي تبرز من حين لآخر وظلت شعارات سياسية للاستهلاك ومادة دعائية دسمة وجزء من أدب المديح الذي تروج له وسائل الاعلام لتضلل الجماهير وصرفها حتى وصل الأمر إلى درجة اضطرت فيها الدولة إلى مواجهة الشعب بالحقائق لا بالحلول.

وهنا لابد أن نشير إلى أن الهجوم الأخير على ألأجهزة وحل مجلس الوزراء ما هو إلا معالجة سياسية للأزمة الاقتصادية التي يعانى المواطن ويلاتها كل صباح .

وتأتى محاولة التنصل من المسئولية وتجريم العاملين – كل العاملين- ضربا من دفن الرؤوس في المال، ومواصلة لسياسة الإيهام بوجود أعداء هم مبعث كل شر.

ثانيا : لقد بلغ الفساد الاقتصادى في البلاد إلى حد تستجلب فيه قروض إنمائية ضخمة يتم تحويلها إلى استهلاكية ويذهب بعضها لتحقيق المطامع الشخصية من قبل السياسيين والاداريين مع غياب المحاسبة الصارمة وغياب الضمير الذي أصبح من أميز مميزات القائمين على أمر أجهزة الحكومة الاقتصادية منها بوجه أخص، وأضحت المعونات الأمريكية ظاهرة جديدة ودعامة أساسية في مرحلة ترميم وترقيع الاقتصاد السودانى في مقابل حريتنا واستقلالنا وسيادتنا وصارت أقدارنا الاقتصادية والسياسية المطلقة لأمريكا والامبريالية العالمية بعد تحررنا من الطغيان الشيوعى في بداية السبعينات.

ثالثا: لقد كانت السياسة الخارجية التي تنتهجها الدولة عاملا أساسيا من عوامل انهيارانا الاقتصادى وإفقار الشعب سواء كان بتوجهاتها الرأسمالية الخالصة والتبعية للغرب أو عزل السودان عن الأسرة العربية أو التحضير لأجواء الحرب الباردة والساخنة وتوجيه كل مواردنا الاقتصادية لمواجهة ما يسمى بالأخطار الخارجية والمعارك الوهمية وخلق أجواء التوتر وعدم الاستقرار.

كل هذه العامل كانت سببا في ما وصلنا إليه اليوم وكان من جراء هذه السياسة الخارجية التي لا تخدم مصالح شعبنا الداخلية تماما وإنما تخدم مصالح أمريكا والغرب مقابل معونات هى للحرب وليست للسلام والأمن الاقتصادى السودانى.

رابعا: إن التضييق على الحريات السياسية والنقابية في الآونة الأخيرة والدخول في مواجهات مع بعض الهيئات والقطاعات المنتجة يؤثر دائما في تدنى معدلات الإنتاج لانعدام الثقة بين المواطن العامل والموظف من جهة والدولة من جهة أخرى- وكانت تلك المعارك وسوء المعالجات من صنع فئات داخل النظام تحاول من خلالها تثبيت أقدامها وخدمة مصالحها على حساب جماهير الكادحين والمستضعفين في السودان.

وتضييق الحريات يؤدى دائما إلى عدم الإسقرار والصراع وتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية ويضعف اقتصاديات البلاد ويقلل من الثقة المتبادلة بين المواطن والنظام ولها أمور يجب تلافيها بالتأكيد على الحرية وتوسيع نظاما وإطارتها.

خامسا: إن الصرف على الاحتفالات والكرنفالات والتنظيمات الوهمية التي أثبتت التجربة عدم جدواه وهو من أسباب هذه الأزمة الطاحنة، ولابد من ترشيد هذا الصرف وإلغاء هذه التنظيمات الوهمية ألأمر الذي كنا دائما نؤكد عليه.

سادسا: إن ما تعانيه البلاد اليوم من تسيب كبير وفساد واضح في الأجهزة السياسية ونفسية هذه المؤسسات ، ولن تجد أبدا ببرنامج متكامل للتغيير يمس بنية وذهنية ونفسية هذه المؤسسات، ولن تجد أبدا هذه الخطوات العفوية الارتجالية التي تنتهجها الدولة مستعملة الترهيب كعامل أساسى للإصلاح، إن الإجراءات التي اتخذتها الدولة لانضباط الشارع وتفريغ العاصمة وضبط الأسعار بدعوى رفع المعاناة عن الجماهير عن طريق محاربة التسيب أثبتت عدم جدواها وجديتها وكانت ثمراتها تشريد الضعفاء والمساكين، وانتهاك الحريات السياسية وإذلال المواطن، فقد أفلت المجتمع وليس غريبا أن تتلوها مباشرة مرحلة إعلان الإفلاس العام والانهيار الإقتصادى .

واتحاد طلاب جامعة الخرطوم إذ يشير إلى ههذ الأسباب كما أشار لها من قبل يطالب الدولة بمعالجتها إذ يشير إلى هذه الأسباب كما أشار لها من قبل في مراحل التخطيط والتنفيذ وإنها على ثقة مطلقة أن شعبنا يملك القدرة الكافية على إيجاد الحلول لنفسه وتجاوز مشكلاته بكل الوسائل والأساليب التي يملكها.

ونحب أن نؤكد للغافلين أن شعبنا- الذي يمد حبل الصب والأمل قادر كما كان من قبل – على اجتثاث الفاسدين وسحق العابثين بمقدراته وحقوقه وتذريتهم لرياح اللعنة ونحن نرى رأى العين أن التذمر يستحيل إلى لهب غاضب، وما أمتنا برافضة لتوبة تائب وارعوا سادر في غي الافساد والتضليل

( والله يقول الحق وهو يهدى السبيل)
اللجنة التنفيذية لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم
1 نوفمبر 1981م

وثيقة رقم (5)

بسم الله الرحمن الرحيم
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
الاخوة والأخوات طلاب وطالبات جامعة الخرطوم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ظللنا نتابع باهتمام بالغ القضية المطلبية العادلة للقضاة السودانيين وتطوراتها اللاحقة التي أدت إلى استقالتهم وقبولها من مجلس القضاء العالى في اجتماعه المنعقد يوم 17 فبراير 1981م.

ولقد كنا على اتصال وثيق بلجنة القضاة السودانيين وبعض الجهات الحادبة على حل هذه المسالة الهامة والمتعلقة بأمر وسيادة البلاد محاولين فوق كل ذلك الاتصال بالجهات التي اتخذت القرار بغية حوارها وإفهامها موقف القضاة العادل ورأينا في الصورة التي عالج بها المجلس مسألة الاستقالات.

ولقد كنا ومنذ البداية نعلم أن حساسية هذه المسالة تقتضى معالجتها بعيدا عن الضجيج والتسويف ومحاولة المتاجرة بها أو تسييسها لخدمة أغراض ليست هى أغراض القضاة ولا القضاء السودانى.

وحتى لا نطمس معالم القضية وتشوه صورة المطالب العادلة التي تضمنتها مذكرات القضاة المتتالية وإيمانا بدورنا في مجال التصدى لمشكلات الوطن وما يحتمه علينا دورنا الرائد في أواسط الحركة النقابية السودانية نعلن بكل صراحة ووضوح:

1- تأييدنا المطلق لمجمل المطالب التي تقدم بها القضاة السودانيون للسيد/ رئيس الجمهورية ولرئيس لقضاء ونؤكد على عدالتها ونزاهتها.
2- قبول الاستقالات والصورة التي تم بها مدعاة للأسف الشديد وإن أى إجراءات اتخذت لتلا في الأضرار التي نجمت عن هذا القرار لا يمكنها أن تحقق العدالة ولا ألأمن والاستقرار إذ هى محاولات يائسة لتلافى الخطأ الخطير الكبير.
3- إن الحديث عن الأساليب والإجراءات الفنية التي اتبعها القضاة أثناء تقديم استقالتهم لا يمكن أن يكون مبررا لقبول الاستقالات وإدخال البلاد في حالة شاذة غذ إن الظلم وحده كان هو الدافع لكل حدث، وإن تقديم الأمور لا يكون إلا برفعه عن كاهل القضاة ، عليه فإننا نطالب بالآتى:
أ- نطالب بوقف كل الإجراءات المتخذة الآن بصدد تعيين غير المؤهلين أكاديميا وإبعاد من عينوا بغرض تحقيق العدالة في البلاد من ضباط الشرطة المتقاعدين والإداريين وغيرهم
ب- أن يراجع رئيس الجمهورية قراره القاضى بقبول الاستقالات، وأن تكون مهمة اللجنة التي كونها عشية اتخاذ القرار- أن تكون مهمتها دراسة مطالب القضاة بنزاهة تامة بالإضافة لأى مقترحات جديدة تراها مناسبة لتمكين الهيئة القضائية من أداء واجبها بكفاءة واقتدار.
ت- نرى أى حل لقضية القضاة السودانيين لابد ألا يتجاهل تحسين أوضاعهم المعيشية والتأكيد على استقلال القضاء وإبعاد أى عنصر يؤثر عليه كسلطة مستقلة في إصدار أحكامها.

وفى سبيل هذه الأهداف سوف نواصل السعى الصبور لإيجاد حل لهذه الأزمة الحقيقية طامعين في عون الله والمؤازرة التي نجدها من بعض الهيئات النقابية المهتمة بهذه المسألة.

وبالله التوفيق
اللجنة التنفيذية لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم
24 فبراير 1981م

وثيقة رقم (6)

بسم الله الرحمن الرحيم
بيان إلى الشعب السودانى
بمناسبة تطبيع العلاقات مع إسرائيل

أخيرا: ارتفع العلم الإسرائيلى فوق سماء القاهرة وتسرب الغزاة ومصاصو الدماء في دروب الكنانة الحزينة فما بكت المآذن وما ارتجف الأزهر الشريف وقال الشيخ الأجير: ( ,عن جنحوا للسلم فاجنح لا ) فصارت استراتيجية .. وأفرغ الدجالون الدين من علياء المجاهدة والثورية إلى تمتان بلهاء لخدمة الظلمة والظلام.. وبقى الفرعون الجديد – أنور السادات- رئيس أول محكمة من محاكم الثورة التى استباحت دم الشباب المصرى بقى حريصا على وداد شعب الله المختار الذي شرب الدم من أطفال دير ياسين وبحر البقر وقتل فينا كبرياء المتصادمة والجهاد منذ عام 1948م بيد الصهاينة أولا، وبيد الحكام العرب العملاء الذين قتلونا سحلا وشنقا قبل قتال العدو.. وصدقنا أحاديث اليهود( إنكم كل عام ترسلون).

وأترعت قلوبنا بالصبر الجميل والتواكل وبقى الكل .. وكان آخرهم العميل أنور السادات المحصلة الأخيرة لكل تخلفنا وتراجعنا وانهزامنا.. فقد رباه عبد الناصر على الهزيمة والمذلة أليس هو الخليفة فليسبح باسمه الأغبياء ليلا ونهارا تسبيحا وتبجيلا ويشرب الباقون من البحر الذي وعدوا أن يرموا فيه إسرائيل .

وما زالت المسرحية الأمريكية تلاقى الإعجاب والتصفيق منذ أن سافر بطلها الرقيع إلى إسرائيل إلى أن أوقدوا بيرقها في فضاء مصر الجريحة، وما زلنا نلاحقهم بدعوة الشهيد يوسف طلعت ( اللهم اجعل دمى لعنة على رجال الثورة..)

وأخيرا: ماذا بقى على الساحة الفقراء.. بقيت السلطة المصرية الخارجة، وأهل البعث لآلف مشانقهم صامدة على شعوبهم وقد باعوا الجولان فيما مضى باخس الأثمان.. والتكريتيون ما انفكوا يقاتلون بالكلمات الصخرية التي ستتحطم بها أدمغتهم الحجرية قريبا إن شاء الله وهذه بداية الانتصار.

وما دون ذلك تبقى المشيحات والممالك تتعامل بردود الفعل الوقتية بلا هدى ولا كتاب منير. وأما البقية منهم فلا يملكون غير صوت المذياع وشاشة التلفاز فليتعاركوا فيها حتى يستبين الخيط الأبيض من الأسود.

والشعب الفلسطينى المسكين يشكو الجوع والعطش والهزيمة وقادته لا يملكون المنهجية ولا يعملون لها متناسين أن البندقية بلا عقيدة ضرب من الانتحار العاجل والآجل، والقوى العظمى ما زالت تقتسم الغنائم فلتنتظر الشعوب الفقيرة دورها حتى يتم قمع الشعب الأفغاني المسلم إلى مرحلة الركود والانحناء على يد الامبريالية الروسية الهمجية الجديدة.

أتريدون الحق أخيرا؟

فالطريق على القدس يمر بإيران المسلمة أتعلمون ما ننتظر؟

ننتظر صلاح الدين تحت راية محمد وإنا لمنتصرون .

اللجنة التنفيذية
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
27 فبراير 1980م

وثيقة رقم (7)

بسم الله الرحمن الرحيم
اتحاد طلاب جمعة الخرطوم

والصلاة والسلام على إمام المجاهدين محمد بن عبد الله الذي أتى في الكون نذيرا..

إنه شعب جسور يجدد لنظارة والبشارة جهادا واستشهادا.. أمطره رصاص الطواغيت والعملاء، فأنبت فرسان النهار والليل ورهبان القتال والاستبسال..

هو شعب منا ونحن منه ( وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السب فتفرق بكم عن سبيله ) .. ثار ثورة لواحة على طواغيت البشر لا تبقى ولا تذر، وستندح مطهرة الأرض من أجراسها وأنجاس بعون الله ودفع إيمانى هو الأنقى والأقوى..

وكنا يا جماهير شعبنا المسلمة- قد انفلتنا من سلطان الاستعمار العسكري.. وحاولنا من سلطانه السياسى والاقتصادى انفلاتنا فتعثرنا مرات ووفقنا أخرى.

وها هو الشعب الإيرانى يبدأ محو السلطان الثقافى والاستعلاء ليعيد الاستعلاء لأهله وهم الأعلون إن كانوا مؤمنين والمنصورون إن نصروا الله.

وها هو شعب إيران يتحكم في دم الاستعمار ومن جديد بتروليا ويفقده خط أمان متقدم عسكريا، ويثبت له عجز مؤسساته وتفوق إنساننا الذي سيحقق استخلاف الله له ويملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا ويخرج العباد من عبده أمثالهم إلى عبادة رب العباد والله أكبر.

يا امة أخرجت للناس لتكون خير أمة صغارا وكبارا ورجالا ونساء .

هبوا لما يحييكم، وشاركوا في بناء عالم جديد. الطريق طريق الثورة المؤمنة حيثما تكون ووقتما تزلزل واقع ركون ومذلة ركود.

قفوا مع الأحرار تزداد حريتكم وتربو. ادعموا بما تستطيعون ولا تنتظروا فحركة التاريخ مسرعة.والأمة الإيرانية تدفع الثمن، ومن دمها الوقود وتتقدم الزحف يا من ولدتكم أمهاتكم أحرارا لتكونوا أحرارا.. وجاءكم هدى الإسلام لتقاتلوا في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان.

توجب عليكم قتال ولكن لا عذر لكم في عدم مناصرة المقاتلين. فلنكن مع الأحرار بالقلب والكلمة . وإنها للكلمة الطيبة الراسخة السامعة، وسيذهب الزبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس. اخرجوا جميعا في سبيل الله مناصرة لجنده في إيران ، ون جنده لهم المنصورون الغالبون..

اتحاد طلاب جامعة الخرطوم.

وثيقة رقم (8)

بسم الله الرحمن الرحيم
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
التاريخ: 28 ربيع الثانى 1399 هـ
الموافق : 27 مارس 1979م
السيد رئيس الجمهورية

د

بواسطة السيد مدير الجامعة
السلام عليكم ورحمه الله

في هذا الوقت الذي تتعرض فيه الأمة العربية المسلمة لأخطر التهديدات بنسف استقرارها وتصدع بنيانها نخاطبكم مبدين رأى طلاب جامعة الخرطوم في الذي يجرى هذه الأيام حيال القضية الفلسطينية هو حقوق الشعب الفلسطيني المشرد وحقه في تقري مصيره- كما كانت دعوتنا للفلسطينيين بالاتحاد ونبذ الفرقة والشتات وجاء رفضنا لها واستنكارنا الشديد لتصرف الحكومة المصرية وخط سيرها الرامى لعزلها عن ألأمة العربية المسلمة وتنكرها لواجبها تجاه قضية فلسطين.

السيد رئيس الجمهورية:

إن علاقات السودان ومصر كانت مصيرية وأزلية فإنها تصبح أوهن من خيط العنكبوت إذا كانت ستربطنا بطريق مباشر أو غير مباشر مع إسرائيل ويجب أن نكون في ذلك واضحين كل الوضوح مع علمنا أن كثيرا من المواقف تفرضها ظروف قاهرة ومصاعب تجعل الخروج عليها مستحيلا. وقد يصدق هذا أحيانا ولكن عظائم الأمور تحتاج عظماء الرجال.

والتاريخ لا يقف ينتظر الذين يتفرجون على الرصيف ولكنه يحنى هامته للذين يمتطون صهوته ويوجهون أحداثه.

السيد رئيس الجمهورية: من هنا تجيء مطالبتنا بأن تتخذ حكومة السودان الإجراءات والخطوات ما يحفظ لها انتماءها الإسلامى والعربي، وأن تعلن براءتها من كل ما يؤدى لتمزيق الصعق العربي وانقسامه. وأن ترفض التنازل لإسرائيل وارتباط معها. وأن تراجع جميع مواقفها من الحكومة المصرية إن أصرت على السير حتى نهاية الشوط في هذا الطريق.

والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم

اتحاد طلاب جامعة الخرطوم

وثيقة رقم (9)

بسم الله الرحمن الرحيم
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم السيد شهور باختيار

وبعد: إن أول عضو في جسد العالم الإسلامى يستعيد حياته وبفعالية في هذا القرن هو غيران. لقد كان الشعب الإيرانى المسلم ولا يزال متجاوزا لكل عوائق الانهزام والاستسلام وتعقيدات الأوضاع التي مكن لها الاستعمار في العالم المسلم حتى الانهزام والاستسلام وتعقيدات الوداع التي مكن لها الاستعمار في العالم المسلم حتى تقعده عن أداء دوره في إنقاذ البشرية وليكون شهيدا عليها.

والشلل الذي أصاب مؤسسات القهر والعمالة لم يكن بسبب تفوق مادي ولا عسكرى لشعب المعجزات المجاهد بل كان وسيكون في بقية أنحاء العالم الإسلامى بسبب براكين الإيمان التى هبت كل قشوري زائف.

ولم يكن الإمام المجاهد آية الله الخميني وهو يقود امة هبت لنصرة دين الله يعتمد على الاستعمار ومخابراته ولا على أمريكا وأسلحتها، بل اعتمد – وهو معتمد- على الله الواحد القهار ولا يظن أحد أن الله لم يف بوعده بأن ينصر من ينصره تعال الله علوا كبيرا.

وإن أرادتك المخابرات الأمريكية والدوائر التي تعيش من دم الشعب الإإيرانى وتقف ضد الإسلام وأهله لتكون صورة مزينة للعمالة وتحويرا لعملية إذلال الشعوب وتزييف إرادتها ، فإنه من المؤكد أن خططا ستجد حظا من الفشل أكثر مما وجدت سابقاتها والتي لم تضطر إليها وهى يتخبطها الشيطان من المس، والشعب يهدر الله اكبر .. فلتتجنب مصير الشاه، ولتترك التحايل بالشكليات والإجراءات الانتخابية التي سئم زيفها ولتستمع لصوت الشعب مشفوعا بدماء الشهداء.

ونطالبك بالاستقالة وبتسلم الحكم إلى أصحاب الشرعية التي يشهدها العالم وللمرة الأولى في هذا القرن. إنه شرعية ثورة الجماهير المتعذرة في معتقداتها إنها أمر الله وقد قام عباده في إيران لإقامته إنهم لمنصورون.

وعاش الشعب الإيرانى المسلم
وعاشت جمهورية إيران الإسلامية
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
11 فبراير 1979م

وثيقة رقم (10)

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الرؤساء والملوك

صاحب الفخامة ( الجلالة):

نحمد الله الذي يحفظ في أعماق أمة الإسلام حيويتها وخصوبتها حتى تحين لها لحظة مباركة تتفجر فيها حياة خصيبة مروية بدماء المسلمين مرعية بإيمانهم وغيرتهم ووعيهم الآبي، وهذه الانتفاضة العازمة العارمة التي تشهدها إيران المسلمة لهى مظهر من مظاهر هذه الصحوة الإسلامية التي لم تحبسها بإذن الله حدود جغرافية ولم تقف أمامها حواجز مصطنعة بين بلد وآخر.

وواجب المسلمين جميعا والثورة الإيرانية تجتاز مرحلة من أدق وأخطر وأنبل مراحلها أن لا يدخروا في مؤازرتها ومناصرتها والحيلولة دون وأدها أو الالتفاف حولها أو النكوص بها .

ولقد عبرت الشعوب المسلمة عن وقوفها بجانب الشعر الإيراني المسلم في معركته العادلة , ويبقى أن يتجاوب الزعماء مع شعوبهم وأم يتخذوا موقفا واضحا مؤيدا للثورة وداعما إياها بكل المستطاع ولسنا بحاجة إلى تذكريهم أن هذا واجب يمليه الإيمان ويحفز على أدائه بعد النظرة السياسية والحصافة والحكمة . لنقف إلى جانب الثورة , ولننحاز جميعا للإسلام .

عاشت ثورة الشعب المسلم في إيران وعاشت الثورة طريقا لكل الشعوب المسلمة.

اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
بسم الله الرحمن الرحيم
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
بيان عن الثورة في إيران

بعد التحية للشعب السوداني وهو يحتفل بميلاد نبي الهدي ورسول الحرية .

والسلام على كل الأنبياء المقاتلين والشعوب المقاتلة .

والسلام على شهداء الحرية ودعاة الحق وأنصار التحرر .

التحية لشعب إيران المسلم وللإمام الخميني الذي أعاد للأمانة شرفها وللأمة كرامتها.

التحية للمرأة المسلمة في إيران وهى تنجب في كل شهر ألف شهيد والسلام على الأطفال في إيران، فقد هتفوا للحرية قبل أن يتعلموا الكلام

وبعد :

فإن ما يجرى في إيران ليس أحداثا محلية صغيرة ولا شغبا جماهيريا يمكن إخماده وإنما ثورة عمرها ربع قرن من الزمان تمثل فيها أقسى أنواع الصراع وأشرس أنواع التنكيل والمعاناة الرهيبة على يدي الشاه الصغير الذي ورث عرشا وعمره اثنان وعشرون عاما.. الشاه الذي ظن بفيض البترول وسفاهة الملوك أنه يمكن أن يعيد بناء الإمبراطورية الفارسية الأولى وأن يحتفل بمرور خمسة وعشرين قرنا على تأسيسها.. وأنه بمحو الآثار الإسلامية وإلغاء التاريخ الهجرى وإصدار قانون تحريم الزى الديني على المرأة المسلمة، وأنه سوف ينجح فيما أخفق فيه أتاتورك أو أنه من الممكن أن يجمع بين حضارة فارس الوثنية وحضارة الغرب الميكانيكية على أنقاض حضارة الإسلام التي يمثلها " دراويش الشيعة" كما تدعوهم وكالات الأنباء الغربية المذعورة في حنق وغيظ. وظل الشاه على مدى ربع قرن من الزمان يمثل وجه الشعوب البشع والعرقية البغيضة ويستخف مشاعر المسلم الذي إذا تألم لحرق المسجد الأقصى أو تعاطف مع فلسطين صار الشاه يتعاطف مع إسرائيل ويمدها بالبترول. وغذ فراح الشعب الإيرانى بنصر العرب في حرب اليهود صار الشاه يعصر دماءه ليعيد بناء الشعب اليهودي والجيش الإسرائيلى المحطم.
ظل " شاها" مجافيا عن العروبة والإسلام متربعا على حقول البترول في الشرق ومتحصنا بالمخابرات الأمريكية يغرقها بترولا وتبعية أسلحة حتى صارت إيران سوقا للأسلحة الأمريكية والمأكولات الأمريكية والمزاج الأمريكي حتى في الموسيقى والرقص والخمر. في الوقت الذي يتضور فيه شعب إيران وبتسول أبناؤه في كل عواصم الغرب.

الله أكبر .. يسقط الشاه..

واشتعل البارود في إيران والتهبت الشوارع واختلطت الدبابات – كعادتها- بالناس وسقط الألوف في الأيام الأولى ولكن الهتاف ظل موحدا مدويا " الله أكبر يسقط الشاه" وسقطت ألوف أخرى ولكن الصف ازداد تماسكا وتلاحما في سيمفونية فدائية مسلمة شارك فيها الشيوخ والنساء والأطفال والشباب بدمائهم وجماجمهم، سيمفونية انبهر لها كل العالم وهو يسمع بها عبر المذياع والتلفاز دون أن يصرح معهم أحد أو يقف إلى جانبهم نصير الكل يتآمر ضدهم حتى حكام العرب والمسلمين خافوا من تأييدها – لأن الدائرة عليهم قد تدور- كما خاف الأمريكان والروس من معارضتها وتحيروا لأول مرة في التاريخ القريب وعجزوا عن التدخل والإنقاذ ولم يجد الشاه أمام الهتاف بسقوطه إلا أن يسقط رغم انفه الملكي وعزه الفارسي القديم، ولم يجد ما يصاحبه في رحلة اللادعوة إلا حفنة من تراب إيران.
كان لزاما أن يثور الشعب.. فلتسلط قدر.ز ولكن الثورة قدر أكبر. فهذه المرة الأولى التي تنطلق فيها ثورة شعبية لتعدل خريطة الموازنات السياسية والمعادلات الكبرى في جرأة الثوار ودقة التكنوقراط وحنك والشيوخ ولأول مرة ينكشف الوهم الكبير الذي كان يخالط عقول الساسة فيزعمون أن كل ما يصيب المنطقة من خير أو شر فهو أمريكى أو روسى وأنه لا يمكن أن يسقط نظام ويقوم آخر إلا كانت المخابرات الأمريكية ترصده وتخططه وتنفذه. ولكن ثورة إيران أثبتت أن أمريكا ومخابراتها عاجزة عن حماية " الشاه العتيق".
كما أثبتت في الجانب الآخر أن الثورة ليست بالضرورة عملا يساريا يخطط له الروس أو الصين إذ انه من الممكن أن يثور المسلمون لأن التحرر من عبادة العباد والتطهر من الخنوع لغير الله شرط للدخول في الإسلام أما الإعلام المناوئ في الشرق والغرب فقد خف مذعورا ومن خلفه الساذجون من العرب والمسلمين العاملين في الإعلام منهم والعاملين في مقاهي السياسة، خفوا يرددون أحقاد الصليبية المستشرقة في إذكاء الخلاف بين الشيعة والسنة، ولكن الثورة ردتهم في حسن أنها تجاوزت مرحلة الخلافات التاريخية القديمة ثم يتساءل الخبثاء عن الخبيث اليساري في الثورة أنها ثورة إسلامية مبرأة من الشيوعية ثم ترد شكوى المنهزمين حول ماهية الجمهورية الإسلامى التي ينادى بها الخميني فيجيء رد الإمام عمليا بتكوينها.
إن ثورة الشعب الإيراني- أيها الناس- قد أعادت القضية لمسرحها الطبيعي ولأبطالها الطبيعيين ليس في غيران وحدها ولكن في الشرق العربي الإسلامى كله. لقد أنهت ثورة إيران عهود ألف ليلة وليلة كما أنها قد أعلنت سقوط السريالية في السياسة، وبرهنت أن أقصر الطرق هو الواقعية السلامية الثائرة.
والآن فقط أدركت الشعوب العربية أن الزمن المديد الذي ضاع في الشكاوى للأمم المتحدة أو الذمرة من الصهيونية أو التحضر لمؤتمرات جنيف والخصومة النكداء حول الاعتراف أواللاعتراف كل ذلك يمكن أن تحسمه الشعوب بنفسها لأن حكامها وملوكها إن كانوا قد فقدوا الطهر والكرامة فإنه ما زالت تحفظ بطهرها وكرامتها وإسلامها..

وأخيرا..

فإن ملوك العرب ورؤساءهم يسيئون لأنفسهم كثيرا بالتفرج البليد على ثورة غيران أو الحماس الأرعن لموقف كارتر منها. كما أن رئيس مصر وملك المغرب يسيئون لمصر والمغرب بانحيازهم لأمريكا واحتضانهم للشاه المحتضر- أما الشعوب فغن قضاياها لا تخسر وإرادتها لا ترد ولذلك فنحن معها لطهرها وصمودها ولرباط الدين بيننا وبينها ولا يسعنا إلا أن نهتف الله أكبر يسقط الشاه- وعلى حكومة السودان التأييد أو عجز عنه أن لا يشوه القضية.
عاش الشعب السوداني حرا أبيا
وعاش الشعب الإيراني ثائرا قويا
والموت لأعداء الشعب
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم .

وثيقة رقم ( 12)

بسم الله الرحمن الرحيم
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
التاريخ : 11 رجب 1399هـ
الموافق 7 يونيو 1979م
السيد رئيس الجمهورية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ظللنا نرقب ومن وقت تطور الأحداث وتسارعها إلى الأسوأ في الناحية الاقتصادية على وجه الخصوص ونعيش هموم المواطن السوداني الذي ضاق به العيش وأنهكه الجري وراء متطلبات الحياة الضرورية .

ومهما اتخذت الدولة من تدهور الاقتصاد العالمي وسيلة تبرر بها شظف العيش في السودان فإن ذلك لا يعفيها البتة من التشخيص الجريء للأسباب المحلية التي أدت بنا على هذه الأوضاع الأليمة.

فلقد أصبحت القرارات المتعجلة للأسباب المحلية التي أدت بنا على هذه الأوضاع الأليمة ، فلقد أصبحت القرارات المتعجلة والسريعة الفشل سمة ظاهرة، وقانونا ثابتا يحكم حياتنا اليوم وليس متضرر ولا منكوب إلا البسطاء والفقراء من أبناء هذا الشعب بل أصبحت مشاريع الرخاء والنعيم وقوائم المنجزات الوهمية مجالا تمح فيه وسائل الإعلام للاستهلاك السياسي في مجتمع جائع وبائس ويوم كانت البلاد تحتفل بعيد الثورة العاشر كان الأمل معقودا بخطة ستضعها الدولة لتضع عن الأمة هذه الأثقال والأغلال.ز بيد أن الدولة كاشفتنا بزيادات في الأسعار لم يسلم منها ما هو طيب وما هو خبث ظنا منها بأن ذلك هو سبيل الإصلاح.

وإذا كانت هذه الجزاءات الاقتصادية الجديدة سببها مشروع التقويم والترتيب فالأنسب أن تتجه لتقويم المشروع نفسه ونصحح أخطاءه أو نلغيه إذ هو مشروع يفتقر إلى الدراسة الجادة والتخطيط السليم. فمنذ أن ولد هذا المشروع كانت هناك اضرابات حقوقية سببها هذا المشروع الذي لم يدرس بجدية أوضاع ما قبل التقويم والترتيب وكانت الإصلاحات والتعديلات التي أصابته من حيث لا يدرى ولا يدرى المخططون هي السبب في هذه الفروقات.

السيد الرئيس:

إذا كانت العجلة في اتخاذ القرار وعدم التخطيط سمة رئيسية في سياستنا فإن الفساد السياسي والادارى في هذه البلاد واضح وجلى ولا نزال ننبه إلى الصرف البذخى غير المبرر في بعض قطاعات الدولة: وما نزال ننتظر تقارير لجان كونها الرئيس لهذا الشأن لوقت مضى.ز فانتهت مهمتها بمجرد تكوينها.
ولا نزال نكرر ونؤكد قناعتنا بأن أمر السودان لابد أن يكون للجميع يشاركون فيه بالرأي ويصدرون القرار ثقة منا بأن أمر السودان لابد أن يكون للجميع يشاركون فيه بالرأي ويصدرون القرار ثقة منا بأن رأى الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأى الفرد يشقيها ونشك في أن قرارات الدولة سيما هذه الأخيرة قد تمت بصورة جماعية تقلل فرص الخطأ وتقدم المبررات الكافية لهذه القرارات ونحن لا ننتظر من الحكومة المن والسلوى ولكن نريد منها أن لا تنفرد بالقرار الخطير بل أن تتجه به على الناس.
إن الشعب اليوم يمكن أن يستغنى عن السلع المعنية ويجاهد ويصابر إن كان الأمر يحتاج التضحية والفدائية ولكن أن يتحمل الشعب أخطاء فردية أو مجموعات لا تتقن ولا تحسن عمله، فهذا ما نرفضه ونأباه.

ونحن في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم نقول:

( إن البلاد اليوم بحاجة إلى تقويم وترتيب في كافة سياساتها وجل أمرها- ولكنه ترتيب وتقويم يسبقه التخطيط والدراسة ويصدقه أو يكذبه رأى الشعب.
ونحن إذ نتوجه إليكم بهذه النصيحة يحدونا إلى ذلك واجبنا فلا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تقبلوها )
اللجنة التنفيذية
اتحاد طلاب جامعة الخرطوم