الإغتيالات السياسية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أشهر قضايا الاغتيالات السياسية

وثائق أشهر قضايا مصر

من سنة 1906 إلى سنة 1982

بقلم:محمود كامل العروسي

توطئة

بسم الله الرحمن الرحيم
(ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)
بسم الله الرحمن الرحيم

(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وذاكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون* ولتكن منكم أمة تدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون *ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (صدق الله العظيم سورة آل عمران – الآيات: 103- 104- 105).

على سبيل الإهداء

إلى شباب الوطن العربي الإسلامي الكبير ووطننا في أشد الحاجة إلى جهادنا وجهودنا أقدم ملفات قضايا مصرية تحمل في ثناياها ألوانا شتى من المشاكل المتراكمة التي نعاني منها نتيجة الاحتلال والخونة وفساد بعض الحكام ومناهضة الإسلام لنعمل بكل ما نملك من الوسائل المتاحة كما عمل القدوة من شباب مصر الذين رغبوا الموت ليكونوا في الأحياء بعد مماتهم على التحرر من التبعية الأجنبية ودحر الاستبداد والظلم والطغيان قبل أن يفوت الأوان.

والله أكبر والعزة للإسلام

تمهيد

في صفحات هذا الكتاب قضايا وقعت أحداثها المترابطة في مصر.وتصدى للحكم فيها نخبة من كرام المجاهدين المصريين سندهم فيه شرع الله وضميرهم الوطني.

ونحن نذكر منهم:

محمد درويش زهران (وقضية دنشواي) الشيخ عبد العزيز جاويش وقضية (مقال ذكرى دنشواي) إبراهيم ناصف الورداني و (قضية مقتل بطرس غالي) شفيق منصور ورفاقه و (قضية مقتل السير لي ستاك) محمد فهمي على و(قضية الاغتيالات السياسية) محمد علي الفلال و (قضية الشروع في قتل إسماعيل صدقي) عبد المجيد حسن و (قضية مقتل محمود فهمي النقراشي) خالد الإسلامبولي وأصحابه و (قضية مقتل محمد أنور السادات) الذين أيقنوا وبعد سماع المرافعات وإعمال الفكر والإمعان في المداولات أن الرصاصة هي الحكم الوحيد للخلاص من الاحتلال وأعوانه واستبداد الحكام وبطانة السوء ومناهضي الأديان.

هذه هي القضايا التي نعيش معها على صفحات هذا الكتاب الذي سطره قدوة شباب مصر الذين رغبوا الشهادة ابتغاء مرضاة الله والآن نرفعها إلى أسمى محكمة على أرض الواقع المصري ألا وهي محكمة مصر (بدائرتها الوطنية) بعد أن أتممنا إجراءات جميع الاستدلالات في القضايا المذكورة وتمحيصها وتحقيقها المشكلة من الشعب المصري رئيس المحكمة والمختص بتنفيذ أحكامها.

وعضوية ماضي الأمة وحاضرها (مستشارين) وشرع الله (ممثل الادعاء) والضمير الوطني (ممثل الدفاع) من أجل التوفيق بين أحداث هذه القضايا وشرعية تصدي الشعب للحكم فيها آملين من أجل مصر أن نستوعب أحداثها وظروفها كي نتعرف في فهم عميق وإدراك واع إلى المشكلة القومية التي نعيشها الآن فنعمل بكل جهد مخلص على حلها لنعيش على أرضنا آمنين.

وعلى هذا النحو تنقسم مادة هذا الكتاب إلى قسمين:

القسم الأول: مرحلة جمع الاستدلالات والتحقيقات.

القسم الثاني: حكم المحكمة.

المؤلف

القسم الأول: مرحلة جمع الاستدلالات والتحقيقات

بسم الله الرحمن الرحيم

محكمة مصر الدائرة الأولى (وطنية)

المشكلة من الشعب المصري رئس المحكمة والمختص بتنفيذ الأحكام وعضوية ماضي الأمة وحاضرها مستشارين وكتاب الله (ممثل الادعاء) والضمير الوطني (ممثل الدفاع)

تنعقد المحكمة لنظر القضايا المرفوعة من مصر ضد:

  1. الاستعمار وأعوانه
  2. استبداد الحكام وبطانة السوء
  3. مناهضي الأديان السماوية

والواردة بالجدول العمومي للمحكمة تحت الأرقام التالية:

  1. لسنة 1906 دنشواي
  2. لسنة 1909 مقال ذكرى دنشواي
  3. لسنة 1910 مقتل بطرس غالي
  4. لسنة 1924 مقتل السير لي ستاك
  5. لسنة 1926 الاغتيالات السياسية
  6. لسنة 1933 الشروع في قتل إسماعيل صدقي
  7. لسنة 1948 مقتل محمود فهمي النقراشي
  8. لسنة 1981 مقتل أنور السادات
رئيس المحكمة

القضية الأولى:حادثة دنشواي

الواردة بالجدول العمومي للمحكمة تحت رقم 1/ 1906 والمنعقدة في قرية دنشواي بمحافظة المنوفية بتاريخ 13 يونيو 1906.

•إنجليزي اقتحم البيت يضرب ويسرق ويزهق الأرواح ثم يرفع الدعوى العمومية على صاحب البيت.

•زهران المدافع عن عرضه ونفسه وحرية بلاده زهران القاضي الذي أيقن أن الرصاص هي الحكم الوحيد للخلاص من الاحتلال وأعوانه

•قميص ملطح بدم كذب!

•محكمة مخصوصة أو مصيدة مصنوعة بيد إنجليزي محتل غاشم أثيم محكمة جبناء يدعون الشجاعة محكمة لصوص يدعون الشرف محكمة إرهاب وإخماد للحركة الوطنية ابتداء بحادثة صدي السمان بمنطقة الأهرام في الجيزة وانتهاء بحادثة صدي الحمام بدنشواي في المنوفية مرورا بحادثة حي باب سدرة في الإسكندرية وحادثة صبية أهالي قليوب في القليوبية.

•مدع عمومي تغلبت عليه حرفة المحاماة وهيئة دفاع مغلوبة على أمرها انخفض الوعي القانوني لديها وسبقه انخفاض الشعور الوطني أو غيابه.

•لست محاكمة بل تمثيلية هزلية أرادوا من ورائها التنكيل بالمصريين وظنوا بعرضها إمكان إرهابهم وتخويفهم فما كان لهم ما يظنون.

في سنة 1882 وبعد صراع جان بين الدول الأجنبية الاستعمارية على احتلال مصر كنانة الله في أرضه وحصن الإسلام المكين تم لإنجلترا احتلال مصر كي تضرب الإسلام في حصنه وتبث دسائس التفرقة بين المسلمين وتقضي على الخلافة الإسلامية وتضعها تحت النفوذ البريطاني.

وقد أرسلت إنجلترا دعائم احتلالها إبان فشل الثورة العرابية فامتدت المعسكرات البريطانية في جميع المناطق المصرية وخرج جنودها يعيثون في الأرض فسادا يشاغبون ويتشاجرون مع الأهالي ويسرقون أرزاقهم ويعتدون على أعراضهم.

ولكن ...

لم يهتز الشعب المصري أمام الاحتلال وما أراد أن يفرضه من ألوان العسف والقهر بل قرر أن السلاح هو الوسيلة الوحيدة لمواجهته ودحره فكانت أول مواجهة:

عندما ذهب ضابطان لاصطياد السمان من إحدى قرى الجيزة بمنطقة الأهرام وأثناء الصيد أصيب بعض الأهالي فحضر أقاربه واعتدوا على الضابطين فأطلق احدهما رصاص بندقيته فأصاب عدة أشخاص فما كان من الأهالي إلا أن انتقضوا بالضرب عليهما حتى حضر البوليس.

وبالرغم من أن الاعتداء وقع مع المصريين فإن عميد الإنجليز يارنج اعتبر ذلك إهانة لحقت بجيش الإمبراطورية وترك ما قام به الضابطان جانبا من اختراق حرمة القانون وطالب بشدة العقاب واجتمع المسئولون المصريون من رئيس النظار نوبار باشا الأمني إلى مدير الجيزة للعمل على إرضاء الإنجليز وإلقاء اللوم والتبعة على المصريين ورأت نظارة الحقانية تشكيل لجنة قضائية للبحث والتحقيق في هذه القضية

وكانت مسألة هذه اللجنة القصد منها إرهاب المصريين الذين يشاغبون سلطات الاحتلال وأن يلقى في قلوبهم الرعب حتى لا تتكر حوادث مماثلة في الوقت الذي تعطي فيه الهيبة والجبروت للجيش البريطاني ثم إنه إذا اتخذت القضية مجراها الطبيعي أمام المحاكم الأهلية فربما لا ينجح الضغط عليها ليأتي بالنتيجة المرجوة،

خاصة وهو يعلم جيدا أن المصريين لا ذنب لهم، وتكونت اللجنة برئاسة مدير الجيزة وتراوحت عقوبة الأهالي ومشايخهم ما بين السجن والجد والغرامة وتم التنفيذ بحضور الأهالي وفصيلتين من فرقة الضابطين كي يكون هذا الأمر عبرة ملن تسول له نفسه أن يحتك بجنود الاحتلال ولتثبت انجلترا قوتها فما نال ذلك من المصريين بل زادهم قوة وغضبا ونفورا وأشعل في صدورهم نارا انطلق لهيبها في وجه الاستعمار وأعوانه.

ففي 8 فبراير 1895 وقعت في الإسكندرية مشاجرة بحي باب سدرة بين بعض أهالي هذا الحي منهم الفران والفرارجي والعربجي وثلاث من البحارة الإنجليز وقع الضرب في أثناءها على اثنين منهم استوجب علاج الأول عشرة أيام الثاني يومين

ووصل الخبر في الحال إلى القنصل البريطاني بالإسكندرية فأبلغ المحافظة وعلى الفور كان هارفي باشا في مكان الحادث مع قوة من البوليس وقبض على 60 شخصا وأرسل تقريرا إلى اللورد كرومر الذي اشتاط غضبا واتصل بحكومته

واتهم المصريين بالتعصب الإسلامي واجتمع مع سكوت واستقر رأيهما على ضرورة إنشاء محكمة مخصوصة لقمع الحركة الوطنية التي تشتد وتقوى بعد أن تعددت تياراتها فهناك من ناحية الأهالي بكل طوائفها تتربص بعسكر إنجلترا ومن ناحية ثانية النديم ومريدوه و مصطفى كامل من ناحية ثالثة.

وجرت محاكمة السكندريين بالمحكمة الابتدائية في 12 فبراير 1995 وذلك على اعتبار أنهم مدانون وانتقل المسئولون القانونيون الإنجليز من القاهرة إلى الإسكندرية وعلى رأسهم المستشارين القضائي والنائب العمومي حيث أشرفا على التحقيق وسير إجراءات المحاكمة

وأحاط رجال البوليس بالمحكمة تشاركهم قوات الجيش والبحرية من الإنجليز وتم التأثير في الهيئة القضائية وصدر الحكم بحبس ثلاثة منهم سنتين واثنين ستة أشهر وإلزامهم بالمصاريف.

واستمر المصريون في مواجهة وقتال المستمر فأمر اللورد كرومر في 25 فبراير 1895 بإنشاء محكمة مخصوصة للحكم فيها يفع من الأهالي من الجنايات والجنح على عسكر وضباط جيش الاحتلال أو على بحرية المراكب البحرية الإنجليزية الراسية في أحد المواني المصرية متى كانوا لابسين ملابسهم الرسمية ومشتغلين بأداء وظائفهم العسكرية والبحرية

وأن تعقد هذه المحكمة جلساتها في المنطقة التي وقعت فيها الجناية أو الجنحة وتشكل من ناظر الحقانية رئيسا والمستشاري القضائي وقاض إنجليزي من محكمة الاستئناف الأهلية يختاره ناظر الحقانية ومن يكون قائما بأعمال المحاماة والقضاء في جيش الاحتلال بالقاهرة أو الإسكندرية

ومن يختاره ناظر الحقانية من رئيسي محكمتي مصر و الإسكندرية الابتدائيين أعضاء ويكون ضبط المتهمين بناء على أمر حكمدار مصر أو حكمدار الإسكندرية أو مندوبيهما وإجراء التحقيق بمعرفتهما وترفع الدعوى لجلسة علنية حال إجراء التحقيق والمرافعة الشفهية

ويختار البوليس محاميا لإثبات التهمة ويجز للمتهمين أن يستعينوا بمن يدافع عنهم ويبدأ بسماع شهود النفي وتراعى المحكمة الأحوال المقررة في قانون الجنايات المتبع في المحاكم الأهلية متى كانت الأصول لا تعوق سرعة الدعوى

وتصدر الأحكام في نفس الجلسة التي رفعت إليها الدعوى ولا يقبل الطعن فيها بأي وجه كان وتكون واجبة التنفيذ في الحال ولا تكون المحكمة مقيدة بقانون العقوبات الأهلي، بل تحكم بمجازاة مرتكبي الجنايات والجنح بالعقوبات التي ترى لزوم الحكم بها بما فيها عقوبة الإعدام

وكان أمر هذه المحكمة عجبا لا من حيث شرعية إنشاء هذه المحكمة أو عدم شرعيتها ولا من حيث تعارضها أو عدم تعارضها والأصول النظامية للقضاء على مصر بل من حيث نزع سلطة التحقيق من القضاء المصري ومنحها لنظارة الداخلية التي يقبض على زمامها ضباط إنجلترا إضافة إلى إلغاء الاستئناف ووجوب سرعة الفصل في القضايا المطروحة الأمر الذي يتأكد معه أن هذه المحكمة بلا أدنى شك مصيدة أرادت بها انجلترا أن تقضي على أي حركة وطنية تشب على أرض مصر مصيدة صبغوها بوصف المحكمة

وللأسف الشديد كان الاعتراض الوحيد من رجال الحكومة المصرية على هذه المحكمة هو أن يكون رئيسها وزير الحقانية وليس المستشار القضائي الإنجليزي متغافلين احتلال مصر وأن إنشاء هذه المحكمة مما يزيد الطين بلة فضلا عما تحمله من الأخطار التي تهدد الناس في أعراضهم وأموالهم.

ومن هنا ننبه إلى أنه في مصر الآن يجب أن نرجع إلى نظام قاضي التحقيق الذي ألغته حركة الضباط المصريين بالمرسوم بقانون رقم 353 لسنة 1952، ونزع سلطة التحقيق من النيابة العامة، لأنه لا يعقل أن تجتمع النيابة بين سلطتي الاتهام

والتحقيق في يد واحدة فهي خصم المتهم الأمر الذي يترتب عليه أن تكون خصما ومحققا في آن واحد وهو أمر غير سليم لأن الخصم لا يمكنه أن يكون محققا عادلا وأخيرا يجب إلغاء الإشراف الإداري على أعضاء النيابة من وزير العدل حتى لا تتأثر نزاهة التحقيق وتكون عرضة للأهواء السياسية.

وبدأت المحكمة المخصوصة في ممارسة قضائها وإصدار أحكامها في قليوب لما اتهم بعض الأهالي بالاعتداء على بعض من جنود فرقة إنجليزية أثناء عودتهم من التدريبات بالقناطر الخيرية بالقول والإشارة وإلقاء الطوب عليهم من الشبان والصبيان وذلك على أثر انتزاع أحد الجنود جرة ماء من فوق راس فتاة فنتج عن هذا الأمر جرح بعض الجنود وقبض عليهم

وبلغ عددهم عشرين وقدموا للمحاكمة وفي اليوم التالي للحادث حاصرت جنود الاحتلال بناء على قرار مجلسهم الحربي قليوب، وانتقل حكمدار القاهرة إلى مكان الحادث فأجرى التحقق علنا وتتابعت الإجراءات سريعا وتقرر تشكيل المحكمة المخصوصة ورأسها إبراهيم فؤاد ناظر الحقانية وبحضور كميرون مستشار محكمة الاستئناف الأهلية نائبا عن المستشار القضائي وويلموز مستشار محكمة الاستئناف الأهلية والمأجور سمسون ومن آلا لانكشر الإنجليز القائم بأعمال المحاماة والقضاء في جيش الاحتلال و أحمد فتحي زغلول رئيس محكمة مصر الابتدائية و عثمان مرتضى بصفته سكرتيرا للجلسة.

وانعقدت المحكمة والكل يوقن بالبراءة على أساس أن الواقع لا تمثل جنحة ولا جناية ولا حتى مخالفة ولكن المحكمة أصدرت حكمها النهائي على اثنين منهم بالشغل في أعمال الحملة السودانية لمدة ثمانية أشهر وثلاثة بنفس العقاب لمدة ستة أشهر والباقي أنذرته إنذارا شديدا.

وظل الإنجليز على عسفهم وتنكيلهم واستهانتهم بحقوق الشعب المصري وظل المصريون في مواجهتهم وقتالهم الرغم من التضحيات المتوالية بالأرواح والأموال.

حتى جاءت دنشواي....دنشواي وكفى فقد اعتاد بعض جنود الإنجليز الاصطياد في قرية دنشواي بمحافظة المنوفية كما هي عادتهم في أي قرية من قرى مصر وجاء اليوم الموعود يوم أن ذهبت مجموعة من عساكر الإنجليز إلى تلك القرية في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الأربعاء الموافق 13 يونيو 1906 لاصطياد الحمام ونتيجة للأعيرة النارية المنطلقة وسط المنازل وسكانها

ووسط أجران قمح الأهالي اشتعلت النيران في أحد الأجران لفلاح يدعى محمد عبد النبي مؤذن القرية وأصيبت امرأته بجراح وما إن رأى ذلك أهالي القرية حتى قاموا يتقدمهم محمد درويش زهران بضربهم والاعتداء عليهم جميعا وطاردوهم خارج القرية مطاردة دموية عنيفة نتج عنها فرار الكابتن بول إلى معسكره قاطعا نحو ثمانية كيلو مترات في الحر الشديد في ذلك اليوم حتى سقط من الإعياء ومات متأثرا من ضربة الشمس.

وهاج اللورد كومر وأمر بالقبض على أهالي دنشواي لمعاقبة المعتدين على جنده، ووصل عدد من قبض عليهم 0 شخصا منهم: محمد درويش زهرانيوسف حسين سليم- السيد عيسى سالم- حسن علي محفوظ- محمد عبد النبيأحمد عبد العال محفظأحمد السيسي- على محمد علي سمك- عبده البقليعلي شعلانمحمد مصطفى محفوظرسلان السيد علي- العيسوي محمد محفوظ- رسلان السيد عليالعيسوي محمد محفوظعلي حسن إسماعيل السيسي- إبراهيم حسانين- محمد السيد علي وغيرهم وقدموا للمحكمة المخصوصة أو المصيدة التي ظن كرومر بعد صنعها أنه سيتخلص من مجموعة المجاهدين المصريين).

وانعقدت المحكمة برياسة سادة بطرس غالي باشا ناظر الحقانية في صباح يوم الأحد 24 يونيو 1906 في دنشواي بالإعدام شنقا على أربعة هم: محمد درويش زهران وحسن علي محفوظ ويوسف حسين سليم والسيد عيسى سالم ويكون تنفيذ الإعدام بدنشواي والأشغال الشاقة المؤبدة علي محمد عبد النبي و أحمد عبد العال محفوظ

وبالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة على: علي أحمد السيسي والأشغال الشاقة لمدة 7 سنين على علي محمد علي سمك وعبده البقلي وعلي شعلان ومحمد مصطفى محفوظ ورسلان السيد علي والعيسوي محمد محفوظ وحبس محمد السيد على لمدة سنة واحدة مع جلد كل واحد منهم خمسين جلدة وأن ينفذ الجلد بقرية دنشواي أولا وجلد علي السيد الفولي و غريب عمر محفوظ و السيد سليمان خير الله و عبد الهادي حسن شعلان و محمد أحمد السيسي خمسين جلدة بقرية دنشواي أيضا.

والذي يثير الدهشة، ليس فقط الأحكام الهستيرية بل الشكل التنفيذي الذي أرادات إنجلترا أن تصطنع في ظله القوة والشجاعة فيرتجف المصريون خوفا فما كان لهم ولن يكون لهم ما يظنون.

إجراءات المحاكمة

أولا: بلاغ وزارة الداخلية

يوم الأربعاء في 13 يونيو سنة 1906 الساعة الأولى بعد الظهر ذهب ضباط البيادة الراكبة ما عدا الليوتاننت الملازم أول هارجريفس الذي بقى نوبتجيا في معسكرهم الكائن على الضفة اليمنى لترعة الباجورية على الخيل والعربات التي أرسلها لهم حضرة عبد المجيد بك سلطان من أعيان منوف قاصدين دنشواي وهي تبعد عن المعسكر ستة أميال بقصد صيد الحمام

ولدى مرورهم بمنوف علم عبد المجيد بك سلطان بأنهم ينوون صيد الحمام بتلك البلدة حيث كان الماجور الرائد بين كوفين قد اصطاد فيها السنة الماضية من غير أي معارضة وقد وعدهم حضرة عبد المجيد بك سلطان أن يمل لهم كل التسهيلات ولذلك لما رأوا العربات منتظرة قرب سرسنا أفتكروا أن كل شيء قد أعد لهم وأنهم سيقابلون بالترحاب

وكان الضباط جميعهم بالملابس العسكرية وكان يرافقهم أحد أونباشية البوليس ودليل ترجمان ولما وصلوا البلد ذهب الماجوريين كوفين والكابتن النقيب بول والليوتاننت سميث ويك إلى مجرى السكة الزراعية واستعدوا هناك للصيد على مسافة نصف ميل من البلد وذهب الكابتن بوستك والليوتانتت يورثر إلى قبلي السكة الزراعية وكانت المسافة 150 مترا من البلد وكانت المسافة بين الليوتاننت بورثر وأقرب جرن نحو مائة متر وكذلك المسافة بين الجرن والكابتن بوستك وذهب أونباش البوليس إلى غرب البلد لإخبار العمدة بوصول الضباط:

غير أنه اتفق أن العمدة كان غائبا في شبين الكوم وفي غضون ذلك ابتدأ الضباط بالصيد ورأى الكابتن بوستك والليوتاننت بورثر أن أهالي الناحية ابتدأوا يجتمعون قريبا منهم ويحيطون بهم وأن تصرفهم يشم منه رائحة التهديد واجتمع الأهالي حول الكابتن بوستك من كل ناحية وأخذوا يتعرضون له فلما رأى الليوتاننت بورثر ذلك ذهب إلى زميله ولكنه لم يقطع مسافة قصيرة حتى أحاط به الأهالي وشرعوا في نزع سلاحه منه

ورأى الماجور بين كوفين والكابتن بول الأهالي متجمهرين حول رفيقيهما في المكان الذي كان يصطادان فيه فأتيا إليهما وأشار الدليل الترجمان إلى الليوتاننت سميث ويك بالعودة وقد قرر الليوتاننت بورثر أنه لما لم يتمكن من إخراج الخرطوش من بندقيته أوقف حركة الزناد بالآلة المعدة لذلك منعا لخروج الطلق.

وبعد ذلك نزع الأهالي البندقية منه بعنف فسمع في الحال صوت طلق عميق وانطلق العيار من البندقية وقرر الليوتاننت سميث ويك أنه سمع صوت الطلق العميق ورأى الجمهور متفرقا ثم شاهد الليوتاننت بورثر المكان الذي كانوا متجمهرين فيه بعد تفرقهم وبندقيته في يد رجل على مسافة ثلاثة أمتار منه واتضح بعد ذلك أن خروج العيار من بندقية الليوتاننت بورثر كان قضاء وقدرا بعد نزعها منه وأنه نشأ عن هذه الطلقة إصابة ثلاثة رجال وامرأة.

وقبل أن يتعرض الأهالي للكابتن بوستك شبت نار خفيفة في الجرن على مسافة مائة متر إلى الشمال الشرقي من المحل الذي كان واقفا فيه وانطفأت في الحال ولكن يظهر أن اشتعالها زاد هياج الأهالي كثيرا لأنهم ادعوا أن الصيادين كانوا السبب في إشعالها غير أنه ثبت من معاينة محل اشتعالها أن دعواهم ضرب من المحال وأن الأقرب إلى العقل أنهم أشعلوها عمدا إشارة للابتداء بالهجوم العمومي.

ولما رأى المأجور بين كوفين شدة هياج الأهالي أعطاهم بندقيته وطلب إلى بقية الضباط أن يفعلوا كذلك ثم سار الضباط إلى جهة السكة الزراعية وتبعهم الأهالي وهم يحثون التراب عليهم ويضربونهم بالنبابيت والعصي وكان الضباط بعد أن تركوا أسلحتهم كما تقدم منعا للمشاكل قد صاروا عزلا من أدوات الدفاع ولم يعد بإمكانهم المدافعة عن أنفسهم ضد الضربات التي كانت تصب عليهم وخصوصا من خلفهم ثم ركبوا عرباتهم غير أن سائقيها لم يتمكنوا من السير ولم يشاءوا أن يسيروا.

وبعد أن رماهم الأهالي بالتراب وبغيره أنزلوهم من عرباتهم وجعلوا يضربونهم فعزم الضباط على الإسراع إلى المعسكر على مسافة ستة أميال وكان الماجور بين كوفين متأخرا عن البقية فمسكه الأهالي ورموه إلى الأرض ولما رأى ذلك الليوتاننت سميث ويك عاد إليه لمساعدته.

وكان الكابتن بوستك والكابتن بوستك الساعة الرابعة ونصف مساء وأبلغ الخبر فقامت حالا دورية من البيادة الراكبة ورأت الكابتن بول ملقى على الأرض وفاقدا الشعور على بعد أربعين ياردة من سوق سرسنا بحري الطريق على بعد ميل ونصف من المعسكر فحملوه إلى داخل السوق ثم نقلوه من عربته إلى المعسكر حيث توفي فيه الساعة السابعة مساء.

أما الماجور بين كوفين والضابطان الآخران فبعد أن أوسعهم الأهالي ضربا أرجعوهم إلى بلدة دنشواي إلى المحل الذي كانت فيه المرأة المصابة وفي هذه الأثناء تمكن الشيخ وبعض الخفراء والأهالي من عمل كردون حول الضباط لمنع الناس من الاقتراب منهم ثم أخذوهم إلى محل يبعد مسافة قصيرة عن هذا الموقع وأجلسوهم وأحضروا لهم ماء وفي هذا الوقت وصل ضباط البوليس مع دورية البيادة الراكبة فأمروها بالعودة.

وقد أحضر الجاويش الذي كان يقود إحدى دوريات البيادة الراكبة أربعة رجال مقبوضا عليهم من سوق سرسنا قائلا بأنهم اتحدوا مع خمسة آخرين وأطلقوا عيارين ناريين على الدورية فأجابتهم الدورية بعيارين مثلهما ولكن لم يصب أحد من الفريقين وقرر هذا الجاويش أيضا أنه وجد جثة رجل في نقرة في إحدى زوايا السوق.

وقد قرر الكابتن يوستك وطبيب المركز اللذان عاينا الجثة بعد هذه الحادثة بعشرين ساعة أن الوفاة ناشئة من ضرب القتيل بآلة حادة وسيصير تحقيق هذه المسألة بعد ظهر اليوم ثم وجد شخص آخر من الأهالي أصيب بعيار ناري في ساقه ويقال إن الإصابة من رصاصة أكبر من رصاص البنادق انفليد وهذه النقطة جار تحقيقها اليوم ويقول المصاب إن الذي أحدث به هذه الإصابة ليس أحدا من العساكر بل أحد أعدائه.

وقد اتهم حتى الآن 45 شخصا ضبط مهم 35 وأرسلوا إلى سجن شبين الكوم بمديرية المنوفية حيث تصير محاكمتهم في أواخر هذا الأسبوع على الأكثر.

والتحقيق جار بتهمة عظيمة وينتظر ضبط متهمين آخرين وتقديمهم للمحاكمة والشهادات هي طبعا أقوال الضباط أنفسهم الذين دلوا على بعض ضاربيهم وقد تعرف الخفراء إلى الكثيرين من هؤلاء الضاربين وكذلك الدليل وسائقو المركبات والماجور بين كوفيني يعالج في مستشفى طنطا الأميري وحالته هو وبقية الجرحى من الضباط آخذه في التحسن أما إصابتهم فقد كانت جسيمة وقد كسرت ذراع الماجور بين كوفين وأصيب بعدة ضربات شديدة في رأسه وجسمه.

ولما رماه الضاربون على الأرض داسه بأرجلهم ورفسوه وقد أصيب الكابتن بوستك والليوتاننت سميث والليوتاننت هور سر بضربات شديدة من النبابيت والأشياء التي رماهم الأهالي بها أما الكابتن بول الذي توفي في مساء يوم الحادثة كما تقدم فقد أصيب بضربتين قويتين على الرأس وقد سلب من جميع الضباط كل ما كان في جيوبهم من النقود وغيرها.

ثانيا: قرار الاتهام

بعد الإطلاع على الأمر العالي الصادر في 25 نوفمبر سنة 1895 الخاص بإنشاء المحكمة المخصوصة وعلى محضر التحقيق حيث أنه في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الأربعاء قام خمسة من الضباط الإنجليز من معسكرهم بأراضي كمشيش وركبوا الدواب قاصدين دنشواي على بعد 7 كيلو مترات لصيد الحمام الداجن.

ولما قربوا من سوق سرسنا نزل أربعة منهم وركبوا مركبتين من قبل عائلة عبد الحميد بك سلطان وبقي الخامس راكبا دابته وساروا إلى دنشواي فوجدوا بعض الأهالي بانتظارهم فظنوهم قادمين لاستقبالهم فترجلوا وتوجه ثلاثة منهم إلى الشمال واثنين إلى الجنوب وشرعوا في الصيد فلم يطلقوا غير طلقات قليلة حتى اجتمع عليهم رجال كثيرون من البلد وحاولوا أخذ سلاحهم بالقوة وتجمهروا وضربوهم بالنبابيت ورجموهم بالطوب.

وفي أثناء جذب الأهالي لبندقية واحد منهم خرج طلق منها فأصاب شيخ الخفر وبعض الموجودين وظهرت حينئذ نار في جرن أحد الأهالي وأطفئت في برهة قصيرة وعند ذلك سلم القومندان بندقيته للأهالي وأمر رفاقه بتسليم سلاحهم أيضا حسما للمشاكل فامتثلوا وسلموا سلاحهم وعادوا إلى العربات عزلا من السلاح فأنزلهم المتجمهرون بالقوة وضربوهم بالكيفية السابقة ذكرها في بلاغ الداخلية فأصيب أحدهم الكابتن بول إصابات أدت بحياته.

بعد بضع ساعات وأصيب الماجور ببين كوفين قومندان الأورطة بكسر في ذراعه وبإصابات أخرى والكابتن بوستك والملازمان سمويك وبورثر بإصابات واضحة فيا لتقارير الطبيبة وحيث إن التحقيقات دلت على اتهام الموجودين وعددهم 51 نفسا حاضرين و 8 غائبين فلذلك تقرر إحالتهم على المحكمة المخصوصة التي تعقد في يوم الأحد 24 يونيو 1906 بسراي المديرية الساعة الثامنة صباحا لمعاقبتهم أشد عقوبة تناسب هذا الجرم الذي صدر منهم طبقا للأمر العالي الصادرفي 25 فبراير سنة 1895.

ثالثا: تقرير الطب الشرعي عن جثة القتيل (الكابتن بول)

نحن هارولد نولن وبروتوماس هاملتون قد فحصنا الجروح المذكورة في التقرير الطبي السابق وقد رأينا أنها تسببت من ملامسة قوية من بعض شيء غير حاد وأن من محلها وحجمها لم تكن هي مباشرة السبب في الوفاة مما يعني معه أن الوفاة ناتجة عن الإصابة بحرارة الشمس الشديدة (ضربة الشمس).

رابعا: شهادات الشهود

شهادة الماجور بين كوفين

في يوم 13 يونيو توجهت مع الضباط إلى الصيد وقطعنا مسافة حتى وجدنا عربات فركبناها إلى دنشواي ولما وصلنا قرب هذه الجهة نزلنا وتوجه بعضنا إلى السكة الزراعية وقابلنا واحدا ومعه بعض الأهالي فظننت أنهم من قبل العمدة وكان الضباط جميعا لا بسين الملابس العسكرية فسألت المحكمة الشاهد عن الرجل الذي قابله

فقال إنه كان لابسا جلابية زرقاء ثم بحث عنه حتى وجده ضمن المتهمين وهو حسن علي محفوظ ثم قال وكان مع الشخص الذي قابلناه ثلاثة أو أربعة من الفلاحين وكنت أرسلت الأونباشي المصري إلى العمدة ليسأله عما إذا كان يجوز لنا الصيد أم لا كعادتي إذا توجهت إلى جهة للصيد وبينما نحن وقوف سألت عبد العال صقر الذي كان مترجما عما إذا كان يجوز لنا الصيد أم لا

فقال يجوز ولكن يلزم أن تبعدوا عن هذه النقطة فقلت له: هل يجوز لنا أن نصيد عند الشجرة التي رأيناها

فقال يجوز فذهبت أنا واثنين منا إليها فأطلقنا بعض الطلقات على الحمام ووجدت الكابتن بول يرفع بندقيته ليطلق أول طلقة والفلاحون حوله يريدون أخذ بندقيته وهو لا يقدر أن يعرف هذا الشخص الذي كان فيه تهيج شديد ورأيت في هذا الوقت دخانا لا يعرف مصدره

ولما قال عبد العال صقر المترجم إنه يرى تهييجا شديدا من الأهالي أرسلناه إلى الضابطين الآخرين ليرشدهما عن المحل الذي يصيدان فيه ولكن زاد تهيج الأهالي بعد ذلك ولما وصل إلى محل اجتماع الأهالي أخبرني المستر بورثر أن الأهالي كانوا يريدون أخذ البندقية منه فانطلقت خطأ وأصابت امرأة فظننت أنها ماتت

ولما رأيت الأهالي متهيجين ومحيطين بالضابطين قلت لبقية الضباط دعوا بنادقكم وكنت أنا أول من سلم البندقية حتى يسكن تهيج الأهالي الذي حدث بسبب موت المرأة وكان ظني أن الأهالي عندما يروننا أعطيناهم سلاحنا يسكن هياجهم وقلت للمستر بورثر إني سأتظاهر باعتبارك سجينا وأمسك ذراعك وأردت أخذه على العربات حتى ينجو من الأهالي ثم رايت الكابتن بول والليوتاننت سمويك خلفي ومعهما عدد من الأهالي يريدون أخذ بنادقهم ثم توجهنا إلى جهة العربات وتبعنا الأهالي من كل جهة

ثم عرض عليه المتهمون فعرف محمد درويش زهران و محمود علي طه و علي منتصر وعلي العمروسي ثم قال إن محمد درويش زهران هو رئيس العصابة ولم يتذكر إن كان معه عصا أم لا ولم يكن يعرف كلامه ولكن فهم من الإشارات التي كان يبديها له أنه كان يحرض الأهالي على ضرب الضباط وكان بقية الذين عرفهم موجودين ولكن لم يعرف إن كانوا يضربون أم لا؟

شهادت الليوتاننت سمث ويك

قال إنه ذهب إلى جهة الشجر في ناحية دنشواي وأطلق النبدقية مرتين ولم يعتد عليه أحد ولكنه رأى المترجم الذي كان معهم قادما إليه في حالة تهيج وهو يشير إليه بالحضور فقصده ووجد الماجور بين كوفين مع الضابط في جهة أخرى.

ثم رأى الأهالي مجتمعين حول المستر بورثر ورأى عدة أشخاص ماسكين ببندقية على بعد ستين ياردة منه وسمع الطلق خرج من البندقية ولم ير المجروحين ونظرا لكون الأشخاص كانت ظهورهم جهته لم يقدر أن يعرق أحدا منهم.

ثم رأى الماجور بين كوفين قابضا على ذراع المستر بورثر فقال له هذا أمسك يدي الأخرى فلم يفهم قصده وأخيرا علف أن الماجور يريد القبض عليه وأخذه على العربات وقال له الماجور سلم النبادق للأهالي وبينما كان عازما على تسليمها خطفها واحد من الأهالي وأستطيع أن أعرفه فنادت المحكمة على محمد درويش زهران فوقف فقال الشاهد أنه هو الذي خطف منه البندقية.

وأنه كان يحرض الأهالي بالاعتداء على الضابط ويظهر أنه كان من رؤساء العصابة ثم قال إن أربعة من الضباط ذهبوا إلى جهة العربات وهو ذهب إلى الحصان تعلقه ليركبه فساعده الشخص الذي كان قابضا عليه على الركوب ثم التفت ورائي فوجدت الأهالي مجتمعين حول العربات فرجعت للماجور لأسأله عما أفعل فمسكني الأهالي وضربوني ونودي على أحمد عبد العال محفوظ.

فوقف فقال الشاهد أنه هو الذي أوقع الماجور بين كوفين على الأرض لأنه لما تقدم على بقية الضباط رأى الماجور بين كوفين وقع فذهب إليه وطرد الرجل المذكور عنه ولكنه لم يلاحظ أن كان معه عصا أم لا ثم تنبه الشاهد بعد ذلك

وقال إنه كان معه نبوت لم يفارقه طول الوقت ثم قال إنه لما ذهب إلى الماجور بين كوفيني التفت فرأى الكابتن بول متقدما ولكنه ضرب في وجهه بطوبة أسالت دمه بكمية عظيمة وأصيب أيضا في حلقه فناداه فوجده مثل الدايخ ولما رجع جهة الماجور بين كوفين أصيب بضربة في الأنف كسرته ثم قال إن واحدا من الأهالي تسبني وترفسني بأرجلها

ولما نودي على عبد المنعم محفوظ وقف ونظر غليه الشاهد فقال إنه حال رجوعهم رأى المتهم يضرب الماجور بين كوفين بنبوته على ذارعه الشمال فظنه كسر ثم رأى واحدا آخر ضربه على الذراع اليمين ولم يعرفه ولما نودي على يوسف حسين سليم قال الشاهد إنه رأى هذا الشخص ضمن الضاربين وكانت بيده عصا ولما نودي على عزب عمر محفوظ قال الشاهد إنه يعرف وجهه ولكنه لا يقدر أن يحلف اليمين أنه رأه مع الضاربين.

شهادة عبد العال صقر (دليل الضابط)

إننا خرجنا مع الضابط يوم 13 يونيو الجاري الساعة الواحدة بعد الظهر فساروا مسافة حتى وصلنا إلى العربات الآتية من ناحية الواط وركبناها وسرنا حتى وصلنا دنشواي الساعة الثانية بعد الظهر فوجدنا الرجل الشايب يقصد حسن على محفوظ.

فقال صيدوا بعيدا عن البلد ولا تصيدوا هنا فقلت له نحن أرسلنا الأونباشي على العمدة والخفر يعملوا المحافظة على الضباط حسب العادة ثم ذهبنا إلى جهة الشجر ولم يقل الشايب شيئا غير ذلك وأنا ذهبت إلى هذه الجهة حيث كان القومندان والضابط المتوفى والاثنان الآخران ذهبوا على جهة أخرى ثم رأيت الأهالي يشدون بندقية المستر بورثر.

فقال المستر بوند عضو المحكمة للشاهد أنت تفشط حال الحادثة فقال كلا بل كنت موجودا ورأيتهم يشدون البندقية من المستر بورثر وبعد أن أخذوها انطلقت من أيديهم فجاء القومندان وقال للضابطين اتركا السلاح للأهالي منعا للهيجان ورجعنا إلى جهة العربات فساروا وراءنا بالضرب وأعادونا إلى محل الواقعة.

فسأله بطرس غالي رئيس المحكمة: هل تعرف الأشخاص الذين كانوا يشدون البندقية فقال كانت تشدها المرأة وشيخ الخفر وآخرون فقال له المستر بوند ألا تعرف أن هذه المحكمة تعاقب الشهود الزور قال نعم: ثم قال: من أين أنت قال من الكوم الأخضر

فقال: أنا أعرف المصريين أمثالك كيف تكون شهادتهم ثم قال إنه كان يضرب ثم أشار إلى عبد الله أحمد وقال إنه كان يضرب والحرمة وشيخ الخفر كانا يشدان البندقية وحولهم ناس آخرون ولكن هما اللذان كان يشدان البندقية وبقية الأهالي كانوا ماسكين الضابط الآخرين.

وأثناء شهادة عبد العال صقر استدعت المحكمة المستر بورثر وسألته عمن كن يشد منه البندقية فقال إن الذين كانوا يشدون البندقية أكثر من اثنين وكانت امرأة هناك ولكنه يفتكر أنها كانت تشد البندقية.

شهادة إبراهيم موسى السايس

لما ذهبنا بالعربات من الواط إلى الشهداء ركب الضباط حتى وصلوا دنشواي فقال الترجمان الدليل للعسكري رح هات العمدة فطلع رجل شايب فقال لا تصطادوا فقال الترجمان نحن أرسلنا نحضر العمدة وشيخه الخفر فإن قال لا تصطادا فنحن نذهب وإن قالوا لنا اصطادوا سوف نصطاد وسألته المحكمة عما قاله في التحقيق من أن الرجل الشايب.

قال إنكم لم تصطادوا أبدا لأنكم صدتم في العام الماضي والذي قبله فهيجتم علينا البلد وإن صدتم الآن تعرفوا شغلتكم ونادت المحكمة على حسن محفوظ فقال الشاهدان هذا هو الرجل الشايب فسألته المحكمة عما قاله السايس فقال: إنه لم يكن هناك فقال له بطرس غالي رئيس المحكمة إن الإنكار لا يفيدك فإذا كانوا كلهم عرفوك فهل كلهم كاذبون وأنت الصادق فقال: يا سيدي أني لم أكن موجودا.

شهادة أحمد حبيب عمدة الناعورة

إن محمد باشا شكري مدير المنوفية دعاني لدنشواي يوم 16 يونيو للبحث عن الأشياء الفاقد فذهبت إلى البلدة ورأيت العمدة والأهالي فقال لهم إن العمل الذي عملتموه عمل غير حسن والأحسن أن تأتوا بالأشياء التي أخذتموها لأوصلها للتحقيق.

ثم قال ذهبت إلى بلدي فجاءني شخص وأخبرني أن الأسلحة عند زهران فأنا لم أصدق فاستحضرت شخصا من البلد وسألته للبحث فأخبره أن الأسلحة هناك وراح الخبر للمدير وجاء الحكمدار والمفتش ودخلوا المفتش ودخلوا المنزل وطلع هو والمفتش إلى فوق

ثم قال الحكمدار إنه مشتبه في نقطة كانت عليها إمراة نائمة فأقاموها ثم أحضرت فأسا وحفرو تحت المرأة فناداه المفتش فطلع وبعد ذلك ناداه الحكمدار وقال ها هو السلاح الذي سرق فاستخرجوه ثم إن بعض الأهالي أخبروه أن هناك سابقة إصرار من الأهالي على الاعتداء على الضباط لأن حسن محفوظ.

قال لعمر زايد إن الأهالي مستاءون من العام الماضي لصيد الحمام ثم أخذ الشاهد يشرح إجراءاته في هذه المسألة وفي هذا الوقت قال محمد درويش زهران يا سعادة الباشا أريد كلمة فقال سعادة بطرس غالي رئيس المحكمة قل: فقال إن السلاح الذي وجدوه كان في الشارع ومنزلي له ثلاثة أبواب ولا يكون معقولا أن تبقى الناس خارج الشارع كما يقول الشاهد ولكن الذي حمله على ذلك هو الضغائن التي بيني وبينه بسبب التبن الذي اشتريته منه في العام الماضي.

ثم حجزه مني عندما ارتفع ثمن التبني فقال أحد أعضاء المحكمة أبق كل ما عندك حتى وقت الدفاع وبعد ذلك عاد الشاهد لإتمام شهادته فقال إنه ذهب مع ملاحظ البوليس إلى منزل سلاح الذي أخبر بعضهم بوجود الأشياء فيه فرأى هناك علبة داخلها خرطوش وقد عرضتها عليه المحكمة فقال هي التي ضبطناها ثم أشار إلى عبد الرازق حسن محفوظ.

وقال إنه هو الذي أبلغه أن السلاح في منزل زهران لأنه قابله فقال له ألا تعرفني؟ قال: أعرف أنك أحمد بك حبيب فقال كن مطمئنا لأنه بلغني من الرجل الذي كنت مزارعا عنده أنك رجل طيب فقل لي الحق ولا تخف فأرشده عن السلاح ثم قال إنه عرف بعد أن كلفه سعادة المدير بالبحث أن هناك سبق إصرار من أهالي دنشواي على الاعتداء على الضباط.

والذي أخبره بذلك هو عمدة دنشواي ومحمد عمر زايد وأن الذي كان أكثرهم حقدا على الإنجليز هو محفوظ وأن العصابة هم حسن محفوظ و [[محمد درويش وزهران وعبد الرازق و محمد عبد الغني المؤذن وهناك انهال المتهمون على الشاهد لوما وتجريا فقال سعادة بطرس باشا غالي أبقوا ذلك للدفاع فقال واحد من المتهمين وهو الرجل الشائب في نظر الاحتلال وأعوانه حسن محفظ أنا أمري إلى الله وهو حسبي ونعم الوكيل

ثم قال الشاهد: إنه في يوم الخميس الماضي ذهب إلى دنشواي الساعة 4 بعد الظهر وكان هناك ناس مجتمعون فقلت لهم إن الحكومة لا تسكت عن الأشياء التي ضاعت من ضباط الجيش فالأحسن أن تسلموا الأشياء التي عندكم وإذا كنتم تخافون فهنا ساقيتان خربتان بحري البلد فالقوا فيهما الأشياء الفاقدة وبعد غد سآتيكم وآخذ ما فيهما ففي اليوم المذكور السبت حضرت الساعة 6 صباحا ومعه الخفر من بلدتي وغطاس ووكيل شيخ الخفر وأنزلنا الغطاس فبحث في الساقية الأولى، فلم يجد شيئا فنزل في الساقية الثانية فوجد فيها البندقية التي ضبطت أول أمس.

شهادة محمد الشاذلي عمدة دنشواي

كنت في مديرية المنوفية للجمعية وعدت الساعة اثنين ليلا إلى البلدة فسمعت أن الضباط الإنجليز حضروا إلى البلدة لصيد الحمام فواحد منهم ضرب عيارا فاشتعل جرن محمد عبد النبي فمسك البندقية هو والأشخاص الذين كتبت أسماؤهم ثم أخذ يبحث فبلغه محمد عمر زايد ومحمد الحفني ومحمد السيد زايد أن عبد الرازق محفوظ ومحمد عبد النبي ومحمد درويش زهران ضربوا الإنجليز.

وأن محمد عبد النبي هو الذي كان ماسكا البندقية فسألته المحكمة عن الوقت الذي خرج للمديرية فيه فقال الساعة اثنين صباحا ولم يكن عندهم علم بعزم الضباط على الصيد يوم الحادثة ولكنهم يعلمون أن العساكر قاموا من مصر فسألته المحكمة عما إذا كانوا زعلانين من صيد الحمام فقال إنهم كانوا زعلانين وهم: محمد عبد النبي و عبد الرزاق حسن محفوظ ومحمد درويش زهران وحسن محفوظ.

شهادة عمر زايد وكيل عمدة دنشواي

قال إنه نزل على النار فأطفأها فقام محمد عبد النبي ومسك بندقية الضابط الإنجليزي هو وأناس آخرون ولم يقبل تركها فطلع العيار وأصاب شيخ الخفر وبعض الأهالي وفجري الضباط الإنجليز وجرى وراءهم محمد عبد النبي و شحاته عبد النبي و علي الرازق محفوظ ومحمد درويش زهران و أحمد عبد الغني وغيرهم وكان كل هؤلاء يضربون الضباط بالعصي والطوب وقد أصابوا ثلاثة من الضباط واحدا مهم على ذارعه والآخر على عينه ورأى واد وقع على الأرض وكان أحمد عبد العال محفوظ معه عصا ويوسف سليم كان يرمي بالقلقيل على الضابط الواقع في الأرض.

وكان المتهمون يجرون وراء الضباط من محل الحادثة إلى السكة الزراعية وموضع الحادثة واقع شرق البلدة وقد سألت هذا الشاهد هل إذا رأيت الضباط الإنجليز الذين ضربهم المتهمون تعرفهم قال إنه لا يعرفهم لأنم كانوا مثل بعضهم وسألته المحكمة هل كان في يد محمد درويش زهران بندقيتان؟ فقال: إنه لم بر البندقيتين ولكن رأى في يده مسوقة وهو يجري وراء الضباط وسأله هلباوي بك المدعي العمومي ما هي المدة من ساعة اشتعال النار إلى وقت إطفائها فقال ربع ساعة وكان هناك نورج والنار ماسكة فيه فأطفئوها.

خامسا: مرافعة المدعى العمومي والترافع بالحق المدني (إبراهيم الهلباوي)

حضراتكم أطلعتم تمام الإطلاع على أوراق القضية وشغلتهم يومين من أوقاتكم الثمينة وواجباتي الدفاع تقف عند إظهار الظروف التي وقعت فيها الحادثة وتحديد المسئولية ومعرفة جريمة العصابة التي حدثت منها الحادثة وطلب العقوبة.

إني لأجزم لكم أن شعورنا نحو هذه الحادثة يملؤه الحزن ولا يوجد مصري لا يشاركني في هذا الشعور ولذلك أطلب الحكم على المتهمين بأشد عقوبة في هذه القضية وإن طلبي هذا ليس فقطي في مصلحة الأرواح التي أزهقت في هذه الحادثة ولا في مصلحة النظام العام بل في مصلحة المصريين أنفسهم

وإني لا أفتكر في روح السمتر بول التي ذهبت ضحية هذه الحادثة ولا أفتكر في الآلام التي أصيب بها الجرحى من المصريين الذين في المستشفى بل افترك فيها آلم المصريين أنفسهم أفتكر في الروح البريئة التي زهقت بسسب هذه الحادثة في سرسنا فإذا تقدمت وطلبت رفع كل رحمة من نفوسكم لمعاقبة هؤلاء المتهمين وخصوصا رؤساء العصابة لأ أكون مغاليا.

منذ سنتين اختمرت عند أرباب السلطة العالية فكرة عدم الاحتجاج إلى قوة جيش الاحتلال وأنه لا يبقى منه إلا ما يشبه الرمز على وجوده فقط بدل هذه القوى العسكرية وفي العام الماضي ابتدأ تنفيذ هذه الفكرة فأنقص الجيش الإنجليزي نفقصا كبيرا للاعتقاد العام بأنه لم يبق في نفوس المصريين شيء يحتاج القوى

وغاية ما هناك ضعف الاعتيادات الدولية النظامية لكن حادثة فظيعة مثل هذه الحادثة التي ارتكبها أهالي دنشواي تفضي إلى سوء الظن العظيم بالمصريين وتوسع ما بين الهيئتين من الاختلاف تجر على مصر وعلى النظام العام البلاء بل وتضر المصريين أكثر مما تضر الإنجليز.

اطلعت حضراتكم على تقرير اللورد كرمر عن سنة 1905 ورأيتم كيف أنه ظهر أن مديرية المنوفية هي أحسن مديرية في استتباب الأمن العام لأن الحوادث فيها نقصت في السنوات الأخيرة نقصا كبيرا إذ على راس هذه المديرية رجل تفتخر به مصر ساهم على استتباب الأمن في المديرية وقطع دابر الفاسدين.

إن هذه الحادثة لم يصورها أحد بشكلها حتى ولا الذين طاشت أحلامهم، وإن الصحافيين كلهم والكتاب أجمعهم ورواة الأخبار والمراسلين لم يستطيعوا أن يصوروها بشكلها الحالي بل قالوا إنها ربما وقعت والضباط غير لابسين الملابس العسكرية.

وقد كتبت جريدة اللواء وغيرها في هذا الشأن أنه لا يتصور إنسان أنه يعتدي على ضباط جيش الاحتلال مثل هذا الاعتداء ولكن من الأسف أن هذه الحادثة حصلت من أهالي دنشواي والضباط بالملابس العسكرية فكأن هؤلاء المتهمين خالفوا ما يتصوره كل إنسان بما ارتكبوه من فعلهم هذا.

إنه منذ أوجد سنة 1895 نظام خاص لمعاقبة الذين يعتدون على الجنود الإنجليزية البرية والبحرية وكان يظن بل هو اللازم أن وجود هذا النظام الخاص وحده كاف لمنع حصول الاعتداء بغير أن يحتاج الحال إلى تنفيذه وفعلا كان كافيا لأنه لم يحدث في مدة الإحدى عشرة سنة الماضية شيء مثل ذلك وغاية ما هناك أنه حدثت في سنة 1897 حادثة بسيطة في قليوب.

وهي اعتداء بعض غلمان صغار على الجنود الإنجليز بالقول والإشارة فنفذ النظام المشار إليه ومن عهدها إلى الآن لم تحدث حادثة على رجال جيش الاحتلال لأننا كنا نعتقد أنه لا فرق بين الجيشين الإنجليزي والمصري فإذا حصل اعتداء بسيط على أحد من أفراده تكون المحاكم الجنائية هي المختصة بذلك.

ولقد اعتادت العساكر الإنجليزية السفر من العاصمة إلى الإسكندرية وقد مضى عليهم زمن وهم يذهبون في طول البلد وعرضه ولم يعتد أحد عليم ولم يعتدوا على أحد وإني رأيت في أوربا أن الجيوش تذهب إلى البلاد فحاكم البلد يفرق الضباط والصف ضباط على الأهالي فيكرمونهم غاية الإكرام.

وفي مصر قد ساوى العدو والصديق في الاعتراف بنزاهة جيش الاحتلال لأن جوده وضباطه لم تطلب من الأهالي شيئا وعلى حسب عادة الضباط من الإنجليز أرادوا أن يقضوا بعض أوقاتهم في التمرينات الرياضية ومصر أفقر البلاد بالنسبة للصيد مع غناها فلما قام الجنود من مصر إلى الإسكندرية افتكر الماجور بين جوفين أن يمضي نصف ساعة في الرياضة التي اعتادها أمثاله ولم يكن طمعا في لحم أو دجاج أو غيره إنه لو فعل الجيش الإنجليزي شيئا من ذلك لكنت خجلا أن أقف هذا الموقف.

ولكن الضباط سلكوا في عملهم طريق الأدب واللياقة فإنهم أخبروا بإراداتهم الحكام وهؤلاء بلغوا الأهالي لهم بعض الأعيان الركائب وأعلنت منشورات من يوم 10 إلى يوم 13 الجاري بسفر الضباط ولم يبق أحد إلا عرف حركة فصيلة مؤلفة من 150 عسكريا وبالتالي تكون الأهالي عندها علم بوصول الجنود الإنجليز إلى المنطقة التي عسكروا فيها على ترعه الباجورية بقرب أكبر طريق يقطع مديرية المنوفية من الشرق إلى الغرب.

وبناء على ذلك فلا حاجة إلى التحقيق والشهود لأن ما جرى كان لمعرفة الحقيقة فالضباط لم يقترفوا جريمة حتى يقابلوا بهذه المقابلة التي كانوا يعتقدون أنهم سيلاقون إكراما ولكن الأهالي تحككوا في الضباط ووجدوا سببين مكذوبين وهما حرق جرن محمد عبد النبي وإصابة إمراته

وقد ذهبت إلى البلدة الأول أمس فرأيت الحمام ليس ملكا للأهالي بل إنهم لا يملكون إلا الأبراج ولا يقدمون له غذاء بل هو حمام يأتي برج هذا اليوم ويذهب إلى برج ذلك غدا وأنه لا حق لأحد في ادعاء ملكيته إلا من كان ببرجه

وأن حرق الجرن من تدابير الأهالي لا من بندقية المستر بورثر، لأن أقرب نقطة كانت بين وقوفه والجرن المحروق 12 قصبة فأحضرنا خرطوشا مثل خرطوش الصد وأعطيناه للحكمدار وأحضرنا تبنا فأخذ يضرب حتى صارت المسافة عشرة أمتار ولم يحصل اشتعال حتى مع اختلاف الموضوع الهوائي وضرب الحكمدار في التبن من كل جهة.

وإننا لا يمكن أن ندعي أن الضباط هم الذين أشعلوا النيران وغاية ما يمكن أن يقال إنها اشتعلت قضاء وقدرا ولكن ذلك غير معقول فإنه عندما اشتعلت النار مسك واحد من الأهالي بالجهة البحرية بالكابتن بول وقال تعالى أنتم حرقتم البلد وأنا أستغرب كيف جاء هذا الشخص على بعد 600 متر حال التهاب النار في الحال.

ولكن الحقيقة أن هذه المسألة مدبرة ملفقة والقرينة القاطعة على ذلك الشهادات التي سمعتموها حضراتكم التي تدل على أن المدة التي اشتعلت فيها النيران هي على الأكثر عشر دقائق فكيف قطع هذه المسافة؟ وأيضا ظهر من المعاينة أن الرمية التي في الجرن المحروق لم يحترق منها إلا خمسها وأطفئت في الحال فكأنه كان حولها مائة رجل وأطفئوها حال ما أشعلوها وهذا النورج ينادي بأن النيران التي أشتعلت كانت بفعل فاعل، لأن أثر الحروق من الأعلى ولم تصل النار إلى الأدنى وهذا ما يؤكد تدبير المكيدة.

وإني أعجب بالمستر بورثر كيف وصلت إليه فكرة وقاية خصمه المجنون من الخطر ولما لم يتمكن ومن أخذ العيار خوف خروجه على الأهالي نقل الآلة لإبطال عمله ولما جاء الماجور بين كوفين الذي لبث بالترنسفال 30 شهرا ظافرا منصورا وتقلد نياشين الشرف ورتب المجد انهزم أمام العصابة الشريرة ولم يكن انهزامه خوفا منه بل باختياره.

وقد سلم سلاحه المعادل لروحه وأمر الضباط الذين تحت أمره بتسليم السلاح حسما للنزاع وظنا منه أنه أمام قوم عندهم شعور بالعصي والشماريخ وصاحوا على النساء يرمينهم بالطوب والطين ثم يجيء سي على سمك ويقول إن الضباط أعطاني ساعة بقشيشا لأني أسقيته.

وقدمت له الماء لا تظن يا علي سمك أن ذلك يبرئك ولو صادقك عليه الضباط بل هو يزيد من مسئوليتك لأنه لما رآك طامعا فيه أنت وغيرك سلمك أسلابه قبل أن تأخذوها غصبا كاسلمكم سلاحه المعادل لروحه ولم يكن كل هذا مخففا من شركم ولا ملطفا من وحشيتكم فزدتم في طغيانكم وتماديتم في قظائعكم.

حضراتكم إن الحادثة حصلت عمدا وكان القصد منها القتل وأن حسن محفوظ الشائب هو زعيم العصابة في هذه المرحلة لأنها حصلت على باب داره وإن إصرار المتهمين على ارتكاب الجريمة يتطابق وتفسير دلوز الفقيه القانوني وإنه بالنسبة للكشف الطبي فإن القانوني يعتبر القتل ولو بعد الضرب سببا منسوبا إلى الضارب وإن الوالد إذا ترك ولده في بستان وضربه طائر فأماته يعتبر والده قاتلا.

إن حسن محفوظ ومحمد درويش زهران ويوسف حسن سليم والسيد عيسى سالم ومحمد عبد النبي و أحمد السيسي وأحمد عبد العال محفوظ هم السبعة الزعماء للفتنة ونطلب تطهير الهيئة الاجتماعية من الأول لأنه بلغ السبعين عاما ولكن هذه المدة لم تطهر أخلاقه أو تهذبها فعكر صفو الأمة كلها وأساء ظن المحتلين بالمصريين بعد أن مضى عليهم خمسة وعشرون عاما ونحن معهم في إخلاص واستقامة وأمانة.

إننا لا نعرف إن كانت الجريمة وقعت بسب الحمام أو بغيره أو لكون الضباط إنجليزا إننا لا نعرف أن نجيب عن ذلك فالطبيعة الشريرة تقبل كل جريمة لأي سبب كان وكل يوم نسمع أن الولد يقتل أباه أو الأب يقتل ابنه وأمامنا الآن جريمة فظيعة تستحق أشد عقاب

ومهما كان سبب إصابة الأربعة الجرحى فإن أتجاسر وأقول إنه غير صحيح لأن الضباط لم يطلقوا أسلحة وأن الأونباشي الذي قال إن أحد الضباط لا ينفضح البوليس المصري فضيحة علنية فيسمع الجمهور أن في البوليس المصري خونة جبناء أدنياء مثل هذا الأونباشي هذا الأونباشي الذي تغذى عند محمد درويش زهران أحمد زعماء المتهمين وترك الضباط وشأنهم حتى وقعت الواقعة.

ولما بلغه خبرها من الأهالي أبلغ في التليفون النقطة بأمر لم يدعه الدفاع ولا المتهمون وهو أن الضباط أطلقوا العيارات النارية على الأهالي والأهالي أطلقوا العيارات على الضباط وإضافة فهناك دليل مادي على تلفيق أسباب ارتكاب الجريمة هو قولهم إن الحرمة أم محمد أصيبت بعيار ناري من الضباط ولكن البندقية لم تطلق إلا وهي في يدي الأهالي حال أخذها من الضباط والكشف الطبي يثبت أن عامر عدس شيخ الخفر أصيب وهو على بعد 50 سنتمترا وعلى بعد متر واحد أصيبت المرأة لأنهم كلهم كانوا متجمهرين.

وكل الإصابات التي حصلت للأربعة المتهمين تدل على أنها كانت في اتجاه واحد وهي في الركبة والساق حيث كان القابض عليها واقفا والبندقية في يده وإن حرق الجرن والادعاء بالإصابة هما دعويان كاذبتان لأن المتهمين كانوا لا يريدون فقط الانتقام لصيد الحمام أو لحرق الجرن أو لإصابة الجرحى بل الغرض الحقيقي هو رغبتهم في إعدام الضباط وإنكم ترون في التحقيق وفي شهادة الضباط أن الضرب كان على الرأس وأن إصابة الماجور بين كوفين على الذراع لم تكن قصدا بل كانت حال دفاعه عن رأسه بذراعه وكل الإصابات لم تكن في غير الرأس والعنف والأكتاف.

لأنهم كانوا يريدون الإجهاز عليهم وقتلهم وقد أغمى على الماجور بين كوفين ثلاث مرات فلم يكف المتهمين ذلك بل إنهم قصدوا العربات وأنزلوهم منها وضربوا السائقين وكسروا المركبات فأراد الضباط النجاة ركضا فأمسكوهم وأخذوهم حتى لا يصلوا إلى الحكومة ويخبروا بما أصابهم لأنهم لم يكتفوا بالقتيل بل أرادوا أن يسلكوا معهم بما يناسب مقامهم فحاولوا أن يفعلوا معهم ما كانت تفعل محكمة التفتيش في أسبانيا مع المذنبين فأخذوا يصفون حولهم لإحراقهم ويشيرون لهم بأنهم يرغبون في ذبحهم.

ما بالكم أيها القوم نار صدوركم تشتعل وتزيد اشتعالا ولا تنطفئ وإن ناركم خجلا من الكذب لم تلبث غلا خمس دقائق مشتعله في الجرن وإني أفسر لكم حضرات القضاة غير ما تقدم من الأدلة المادية على أعمال هؤلاء المتهمين التي تجردت عن الرحمة والرأفة والدين لأن الدين الإسلامي يبرأ من هؤلاء المتوحشين أين الكابتن بول وأني الكابتن بوسنك؟

أنهما انطلقا كالنبل خوفا من شر المتهمين فقطعوا نحو خمسة كيلو مترات وهما يظنان أن العدو الغشوم وراءهما وجدنا الكابتن بول صريعا قرب سوق سرسنا أما الكابتن بوسنك فإنه انطلق خائفا ولم ينتظر المركب حتى يعبر القنال بل عبر عائما من شدة الفزع لتوهمه أن العدو وراءه خطوة بخطوة.

وبعد فقد قلنا أن الضباط لم يكن يحصل منهم اعتداء وأن المتهمين كانوا يريدون قتلهم لكن في أي وقتي جاءت المتهمين فكرة القتل؟ هل كانت عرضية أم كانت بنية سابقة مصمم عليها بالطبع إنها كانت سابقة لأن حضور الضباط كان معلوما والتصميم على القتال في القانون يكفي أن يقول القاتل إنه إذا باتا بل إصرارا معلقا مشروطا، وأن حسن محفوظ له الزعامة في هذه الحادثة فالمعركة كانت على باب بيته الواقع قرب السكة الزراعية وأنه كان أول من استقبل الضباط من كبيرين من عائلته لإنذارهم بالشر وأن وجوده في الساعة الثانية بعد ظهر الحادثة والحرارة 42دليل قاطع على زعامته للمتهمين.

إنني عرضت للمحكمة أن المتهمين ارتكبوا ما ارتكبوا عن إصرار وإني أشرح لعدالة المحكمة الإصرار قانونا حسب تفسير دالوز في تعليقاته على المادة 297 وخلاصته أن سبق الإصرار في الغالب مستفاد من استحضار الأسلحة أو التهديد أو البغضاء التي أظهرها الجناة للمجني عليهم ثم إن أفعال المتهمين عند مقابلة الضباط كانت هي التهديد الذي أشار إليه دالوز ولكن يصعب أن نقول إن نية الإصرار تتوافر عند ال52 متهما بل يمكن القول إنها توجد عند الزعماء.

أثبتنا لعدالة المحكمة أن نية القتل موجودة عند الزعماء وأن البقية المشاركين لهم متفقون معهم في ذلك الإصرار وأن القتل حصل بموت المستر بول وأن بقية الضباط شرع في قتلهم فالقتل حصل قانونا بالرغم من التلغرافات التي أرسلت للقائد العام لجيش الاحتلال إن عندنا كشفين طبيين أحدهما من المستر بوسنك

وفيه أن الموت حصل بارتجاج في المخ وضربة الشمس والكشف الطبي الثاني وفيه أنه بعد أن أخرجت الجثة من القبر قرر المستر نولن وشركاه أن ما قرره المستر بوستك مقبول طبيا وهو أن الموت حصل بارتجاج في المخ وضربة الشمس فإذا كان ذلك فهل الضارب قاتل أم لا؟

في تفسير جاروه أن الضرب الذي لا يؤدي إلى الموت لا يشترط إلا أن تكون علاقته السببية غير منقطعة وأن الموت إذا نتج بسبب ما بعد الضربة الأولى فالضارب قاتل لأن الضربة حدها تنتج الموت ولقد صدر حكم من محكمة النقض يقضي بأنه إذا حصل موت بعد الضرب بالكستة القلبية يكون الضارب قاتلا.

إذن يكون موت الكابتن بول وانفصاله وضربة الشمس هي كلها من أفعال الجناة وفي مجموعة أحكام محكمة النقض أن الوالد إذا ترك ولده في بستان وجاء طائر وقتل فيكون الوالد قاتلا وأن السارق إذا طلع قطارا فخاف منه الركاب وقذفوا أنفسهم من القطار فماتوا يعتبر اللص قاتلا فموت الكابتن بول يجعله في عرف القانون والعدالة مقتولا من المتهمين وإن التهمة تامة ضدهم وإلى هنا انتهت المسألة القانونية وبقي أن نبين من هم المتهمون ومن هم الزعماء.

حسن محفوظ هو أو الزعماء فدل عليه الضباط وعبد العال صقر وكل الشهود قالوا إنه كان في وسط الحادثة حسن محفظ كلما كنت أنظر إلى شيخوخته أتأثر ولكن تلاحظون حضراتكم أنه رجل وصل إلى سن السبعين وكون من ظهره عائلة كبيرة.

ولم تهذبه هذه السن يجب أن تطهر البشرية منه إنه لم يكدر قرية بل كدر أمة بأسرها وصار أعيان البلاد والمنوفية خجلين من هذه الحادثة وجاءا كلهم يثبتون لحضراتكم أهم أبرياء من هذه التهمة إن حسن محفظ أقام الفتنة النائمة فكدر جو أمة بأسرها بعد أن مضي علينا 25 عاما ونحن مع المحتلين في إخلاص واستقامة وأمانة وأساء إلينا وإلى كل مصري فاعتبروا صوتي صوت كل مصري حكيم عاقل يعرف مستقبل أمته وبلاده.

ويوسف حسين سليم هو الذي قتل المستر بول سرق ما كان مع المستر بورثر وإن محمد عبد النبي مؤذن القرية من أرباب السوابق وسبق الحكم عليه بالحسب سنتين في سرقة ,

أول من دلنا عليه قبل الضباط هو محمد علي سمك زميله في الجريمة والسيسي وأحمد عبد العال محفوظ كلاهما اعتدى على الضباط وضربهم إن السيد عيسى سالم هو الذي أخذ الضباط وكان حاملا فأسا وأشار مهددا بقتلهم.

أما محمد درويش زهران فهو من أرباب السوابق لأنه محكوم عليه في قتل بحبس سنة ومعروف لأهالي المديرية بأنه من أهل الشر وقد فاتني أن أخبر حضراتكم أن أحمد بك حبيب لما توجه مع الحكمدار وجد في منزله بقية جاموسة مذبحة وهي مسرقة وقفيز حديد يفتح الكوالين والأشياء التي يستعملها اللصوص في تنبيه بعضهم بعضا وأبورا مسروقا.

ومن ذكائه أنه كان أول من أخبر بالحادثة مع الأونباشي وقدم نفسه للمحققين لإرشادهم عن الجانين وهذا المتهم يستحق أن يكون في مقدمة المتهمين ويظهر أنه تلقى الدهاء من الأم لأن الست وردة والدته أكثر منه دهاء لأنها لما توجه الحكمدار وأحمد بك حبيب إلى المنزل وجدوها جالسة على كيس في الأرض ولما كلفوها بالقيام وجدوا سلاح الضباط تحتها مخبئا في الأرض وقد قال هذا الزعيم إن الذي أحضر هذا السلاح هو عبد الرازق محفوظ لأنه من أعدائه إن هؤلاء السبعة زعماء المعركة.

وأخيرا فإنه لا خلاف عل مكارم أخلاق الضباط وسلوكهم المشكورين عليه بالرغم من أن القانون الألماني يعتبر الضباط مخالفا لواجباته إن ترك غيره يعتدي عليه ويتسلم سلاحه، ولكن الضباط الإنجليز لم يقبلوا أن يدافعوا عن حياتهم وكان في إمكانهم ذلك ولكن كان لابد من أن يقضي علي حياة الكثيرين ولكنهم نسوا أنفسهم ونسوا واجباتهم.

وعرفوا أن واجب الفضيلة أسمى وأعلى وقد أرسل قائد جيش الاحتلال خمس نوتات تتضمن تاريخ حياة الضباط حيث قضي بعضهم سنوات في حرب الترنسفال وانتصرا وحازوا الميداليات ونياشين الشرف وإن الماجور بين كوفين يقول إنه قد قضى ثلاث سنوات وهو لم يجد إلا الاحترام من أهل البلد فإذا كانت هذه أخلاق الأمة وهؤلاء المتهمون قد خالفوا تلك الأخلاق بارتكابهم هذه التهمة الفظيعة فإنهم يستحقون عليها أكبر وأشد عقوبة تناسبها حفظا للنظام.

إننا الآن أمام قضية ذات ظروف مخصوصة وقد لاحظ المشروع حصول مثل هذه الجريمة فأنشأ هذه المحكمة وأعطى سلطة واسعة بلا حد وتركها موكولة بين يدي القضاء للوجدان والشعور والإحساس فللمحكمة الآن أن تحكم بما تشاء.

ولكني لا أطلب أن تحكم بالهوى بل بالقوانين فالقانون الفرنساوي يعاقب على جريمة المتهمين بالإعدام والقانون الإنجليزي يعاقب بالإعدام ولا يشترط الإصرار وإنني أقول لحضراتكم أن هذه هي نصوص القوانين ولكم أن تحكموا بما تشاءون لأنكم غير مقيدين بقانون فاسمحوا أن أقول إننا في بلد إسلامي ولنا أن نطلب معاقبة المتهمين طبقا للشريعة الإسلامية ففي تبيين الحقائق في شرح الزيلعي أن القتل العمد يعاقب عليه بالقتل عملا بنص القرآن الشريف.

(كتب عليكم القصاص في القتلى) حتى ولو كان القتل بقشرة قصب فكل القوانين والشرائع تقضي بعقوبة الإعدام وأنا قررت أنه إذا لم يتوافر الإصرار فلكم أن تطبقوا القانون الإنجليزي الذي لا يشترط الإصرار ولكم أن تنظروا في مصلحة الأمن العام التي تركها المشروع أمانة بين أيديكم.

سادسا: مرافعات الدفاع

مرافعة محمد يوسف بك المحامي

لاشك في أن هذه الجريمة هي من الجنايات التي تؤلم الأمة بأسرها وإني من جهة المحاماة ومن جهة هذه المديرية بأسرها أبدى أسفي وأسف العموم على هذه الحادثة.

فالناس جميعا بالنسبة للحالة الحاضرة في اطمئنان وليس هناك ما يدعو إلى الانتقاد على جيش الاحتلال أو جنوده وإن الحادثة التي وقعت لم تكن إلا من أناس جهلاء حمقى ولا دخل للأمة فيها إلا أننا نلاحظ على جهة الاتهام إحاطة القضية بظروف تنقلها من موضعها إلى موضع يكبرها في النتائج مع أنه لم يقع على جيش الاحتلال كل هذه المدة إلا اعتداء من صبية من أهالي قليوب كانوا يلقون الحجارة بغير سبب والمرة الثانية وقعت هذه الحادثة في قرية صغيرة حقيرة .

وإن المتهمين فيها قوم طائشون جهلاء لا يدركون مسئولية عملهم الهائل وبناء على ذلك فإننا نخالف المدعي العمومي هلباوي بك في أن هذه الحادثة تجر على القطر أخطارا جسيمة لأنه إذا قدرت قدرها ولوحظت ظروفها لا تحصل تلك الأخطار الجسام مع ماهو معروف عن المصريين من لهدوء والسكون.

إننا نشكر عدالة المحكمة على منحها الدفاع حريته أمام المحكمة المخصوصة إذ أنه بهذه الحرية يستطيع أن يناقش أدلة الاتهام وينفي تهمة الإصرار في هذه الجريمة ويؤكد لحضراتكم أنه لم تكن هناك فكرة سيئة ضد الجيش لأنه لم يصدر عنه ما يضرنا كما أشار المدعي العمومي وأنا أوافقه عليه فكل يوم يمشي الجيش في أرجاء البلاد ولا يعتدي عليه أحد وهذا من الأدلة على أنه ليس هناك سوء نية.

فهمت من حضرة الماجور بين كوفين أن هذه المرة الثالثة للصيد ومن الأهالي أنها المرة الخامسة فعلى كل حال فهمت أنه سبق للضباط الذهاب إلى دنشواي ولم يجدوا إلا كل إكرام فحصول الحادثة لا يدل على السوء لأنهم كانوا يقابلون الضباط بالترحاب ولكهم يتشرف بمقابلة أي حاكم ينزل عندهم فكيف بضباط الاحتلال وكل الأعيان آسفون على حصول هذه الحادثة ضدهم.

وقد كان هو ماذا جرى وصوله إلى المعسكر حتى نعده من حسن النية؟ إنه ترتب عليه قيام عشرة جنود وجاويش من الإنجليز ليأخذوا بالثأر فضاع في ذلك دم تلك الروح التي أشار إليها الادعاء العمومي وأثبت أنها ضربت بالسونكي في الراس حتى قتل ومما يلاحظ أيضا ونوجه إليه عدالة المحكمة هو أنكم تلاحظون أن الجنود الإنجليزية يسكتون عن كثير من الحقائق.

فمثلا قد ثبت أن قتيل الكابتن قتل بالسونكي ولكن لم يقل أحد منهم أنهم كانوا يعتقدون أنه هو الذي قتل الكابتن بول وبعد أن أظهر حقيقة هذه المسألة حتى كادت تلمس باليد أنتقل إلى الكلام عن الأدلة القانونية وإن كان سيتكلم عنها زميلي الأستاذ أحمد لطفي السيد بك

ولكن أقول إن المادة 39 من القانون المصري لا تنطبق على الصورة التي يريد المدعي العمومي تصويرها في هذه القضية لأنه يلزم أن يبنوا لنا أن السبعة الزعماء هل كانوا شركاء في نية القتل وكيف هذا الاشتراك وهل تعرف الضباط على المتهمين إنني مع احترام صدق الضباط أقول إن ذلك التعرف لا ينطبق على طبيعته لأنه يستحيل أن يعرف أناس من بلد لأول مرة وهم كلهم لابسون جلاليب سوداء متشابهون وإني أترك تقدير هذه الشهادات للمحكمة.

وأخيرا إن اتهام حسن علي محفوظ واستغراب المدعي العمومي من وجوده عند وصول الضباط الساعة الثانية بعد الزهر لشدة الحرارة يومئذ فأقول إن ذلك ينطبق على سيدة باريسية تكون في دنشواي لا على حسن علي محفوظ الذي خلق في الشرق ونشأ في الحرارة فهو لم يعمل شيئا مخالفا للطبيعة.

مرافعة أحمد لطفي السيد بك المحامي

بعد ما سمعت المحكمة مرافعة زميلي يكون مركزي حرجا ومجالي ضيقا وإني لا أخشى أن أقول الحق وأحضر دفاعي في ثلاث كلمات فالكلمة الأولى عن سبب الجريمة والثانية عن تطبيق القانون والثالثة في العقوبة والطلبات وتقدير المسئولية.

إما عن سبب هذه الجريمة بل الجرائم المتسلسلة نقول إن القدر ساقها ولم يكن للمتهمين فيها شيء سوى الانفعال الوقتي فسبب هذه الجريمة هو إحراق الجرن من الصيد أو من القضاء والقدر وإنه من البديهيات إحراق الجرن لأنه الأمر البديهيات إحراق الجرن لأنه الأمر البديهي فنحن قد عرفنا بالتجربة أن الجرن إذا أطلق عليه عيار ناري سواء كان من بعيد أو من قريب لا يحترق ومحمد عبد النبي

لم يكن عنده من البداهة ولا التجربة ما عندنا حتى تعتقد أن البندقية لا تحرق الجرن ونحن نرى أن الجرن احترق كما احترق شبين الكوم يومئذ ولكن كل ذلك من ظروف سيئة جرت على دنشواي بالقضاء والقدر كل هذه الجرائم.

فمن الظروف السيئة أن يكون الدليل هو عبد العال صقر الذي اختفى وقت الحادثة ولم يظهر إلا بعدها ومن الظروف السيئة أن يكون المحافظ على الضباط هو الأونباشي الذي ترك واجبه وذهب إلى منزل محمد درويش زهران ليتناول الطعام ومن الظروف السيئة أن تتأخر الإشارة التليفونية ولم تصل دنشواي حتى وصلها الضباط وكانت المعركة ومن الظروف السيئة أن كيون يوم الحادثة يوما صائفا شديد الحرارة فتنج من شدتها احتراق الجرن وصياح نساء البلدة وإصابة الكابتن بول بضربة الشمس.

وأما عن تطبيق القانون فلأجل أن تحكم المحكمة المخصوصة يجب أن تكون الجريمة منصوصة في قوانين المحاكم المصرية جناية كانت أو جنحة فهذه الأعمال المنسوب صدورها للمتهمين ينظر فيه الأجل أن يمكن اعتبارها جناية أو جنحة والمتهمة هنا دائرة بين ثلاثة فروض الأول هو القتل عمدا يحيط به بعض الجرائم والثاني القتل العمد الذي تتقدمه السرقة بالإكراه.

والثالث الضرب الذي أفضى إلى موت أما سبق الإصرار فقد انتفى كونه معلقا أو غير معلق فلا أهمية له لأن الحادثة وقعت بسبب سوء الظن بإحراق الجرن وإن سبق الإصرار الذي قال عنه دالوز وتمسك به الدفاع لا يكون إذا لم يعرف سبب الجريمة ولكن هنا قد عرف السبب يقينا لا يزول بالشك فمتى انتفى الترتيب السابق انتفى سبق الإصرار.

وبقين الجناية الأخرى وهي السرقة من الضباط وبالنسبة للضرب الذي أفضى إلى الموت وهذا ينطبق على المادتين 217و 205 وما بعدهما فهنا حقيقة الخلاف أو المقارنة بيننا وبني المدعي العمومي فالضرب أو الجرح الذي يعتبر أن يكون جرحا أو ضربا أفضى إلى الموت يجب أن يكون مباشرة للموت وإن الكشوفات الطبية تقول إن الضربات لا تكفي وحدها لتسبب الوفاة ولكنها تجعل استعداد الإصابة بضربات الشمس.

وأما عن العقوبة فإن العقوبة مسلمة لرأي المحكمة الخصوصة من غير قانون ما وطلب لسان الادعاء بتطبيق الشريعة الإسلامية أو القانون الإنجليزي ولكن نقول إن المحكمة أولى أن تتصرف بعدلها في تطبيق ما تراه، الشريعة الإسلامية لا تحكم بالقتل على الصرب الذي أفضى إلى موت إلا إذا كان آلة مفرقة للأجسام وقشرة قصب ولكن لو كان القتل من حجر أو نحوه لا عقوبة بالقتل.

وأخيرا إن القانون عبارة عن قواعد عامة وإن منتهى ما تصل إليه قوة البشر الوضعية هي أن يترك تطبيق العقوبة على مقدار الجريمة ونحن راضون بأن نوكل أمرنا للمحكمة المخصوصة ولمها أن تطبق ما تشاء من العقوبات.

مرافعة إسماعيل عاصم بك المحامي

هذه هي المرة الثانية لا نعقاد المحكمة المخصوصة وقد كانت الأولى في سنة 1897 في حادثة قليوب وكنت محاميا فيها وكان الاعتداء على أورطة وهي سائرة بهيئتها العسكرية وكان الاعتداء من صغار لا يدركون وحكم فيها بالرأفة والرحمة فكان الحكم مما ارتاحت له الأمة والهيئة الحاكمة.

والمرة الثانية وهي هذه الحادثة لم يكن فيها طابور عسكري ولا رجال الجيش بصفة عسكرية وإنما كان المعتدي عليهم أفراد سائرين إما للنزهة أو للصيد ولم يعرف الأهالي أنهم من جيش الاحتلال حتى حصل ما حصل وأسفاه لم يصل الأهالي خبر ولم يتيسر لهم علم كما قال لسان الادعاء ولم يكن هناك إصرار ولا سبق إصرار بل إن الخبر وصل والمعركة دائرة والحاصل حاصل وسوء الطالع واقع.

الحكم باسم الجناب الخديوي المعظم عباس حلمي خديوي مصر

المحكمة المخصوصة

بجلستها العلنية المنعقدة بمدينة شبين الكوم بسراي المديرية في يوم الأربعاء 27 يونيو سنة 1906م الموافق 5 جمادي الأول سنة 1924 هـ الساعة الثامنة والنصف صباحا تحت رئاسة صاحب العطوفة بطرس غالي باشا ناظر الحقانية بالنيابة.

وبحضور حضرات المستر ويليم جودنفا هيتر المستشار القضائي بالنيابة والمستر بوند وكيل محكمة الاستئناف الأهلية والكولونيل لادلو القائم بأعمال المحاماة والقضاء في جيش الاحتلال وأحمد فتحي زغلول بك رئيس محكمة مصر الأهلية أعضاء وعثمان مرتضى بك سكرتيرا.

(صدر الحكم الآتي)

في قضية التعدي الذي وقع من بعض أهالي دنشواي بمركز شين الكوم بمديرية المنوفية في يوم 13 يونيه سنة 1906 بالناحية المذكورة على خمسة ضباط من جيش الاحتلال الذي نشأ عنه قتل أحدهم وكسر ذراع آخر وإصابة الباقين.

بعد سماع أقوال الاتهام وشهادة الشهود وأقوال المتهمين والمدافعين عنهم وبعد الإطلاع على أوراق الدعوى وبعد المداولة فيها.

حيث إن فرقة من جيش الاحتلال تركت مدينة القاهرة يوم الاثنين 11يونيه سنة 1906 قاصدة ثغر الإسكندرية من طريق البر وبعد مسيرة يومين وصلت إلى ناحية كمشيش بمركز تلا منوفية في صبيحة يوم الأربعاء 13 من الشهر المذكور.

وحيث إن الماجوريين كوفين قومندان هذه الفرقة كان قد رغب في صيد الحمام من ناحية دنشواي بمركز شبين لسبق تعوده ذلك منذ سنتين مضيتا فقصدها ومعه أربعة من ضباطه وهم اليوزباشي ول والملازمان بورثر وسميث ويك

والدكتور بوستك حيث الساعة الثانية بعد ظهر اليوم المذكور في عربتي نقل في كل واحدة اثنان منهم وكان الخامس راكبا جواده وكلهم بملابسهم العسكرية وإشارات رتبهم يرافقهم أحد أونباشية البوليس المصري وعبد العال صقر المترجم.

وحيث أنهم وجدوا عند وصولهم عددا من الأهالي تلك الناحية يختلف بين الخمسة والستة أشخاص كأنهم في انتظارهم وأرسلوا الأونباشي ليخبر العمدة بحضورهم كي يلاقيهم بالخفراء حسب عادتهم وكان المترجم قد شرع بالكلام مع أولئك الأهالي المنتظرين وبعد برهة قال لهم أنه لا مانع من الصيد بشرط الابتعاد عن البلد.

وحيث أنهم بناء على ذلك افترقوا فرقتين ووقف القومندان بين كوفين واليوزباشي بول والملازم سميث ويك في الجهة البحرية على بعد 500 متر من مساكن البلد وكل واحد منهم على بعد 70 مترا تقريبا من رفيقه وتوجه الملازمان بورثر والدكتور بوستك إلى جهة الجنوب ووقفا متباعدين على مسافة مائة متر تقريبا من الأجران.

وحيث أن الملازم بورثر بدأ بالصيد فأطلق نحو تسعه عيارات على الحمام الطائر إثر بعضها وإذا بنا بنار قد اشتعلت في جرن محمد عبد النبي المؤذن ولم يكن إلا خمس دقائق حتى أطفئت إلا أن صاحب الجرن قصد الملازم وأمسك بسلاحه وعلى أثره اجتمع نحو 30 شخصا بعضهم أمسك معه والتف الباقون بالضباط المشار إليه وجعلوا يتجاذبون سلاحه حتى انتزعوه منه فخرجت طلقات منه أصابت محمد عبد النبي المؤذن المذكور كما أصيب أيضا عامر عيد شيخ الخفراء وعلي الدبشة ومحمد داود.

وحيث إنه بينما كان هذا يجري جهة الجنوب وقع في جهة الشمال إنه بينما كان اليوزباشي بول يصوب سلاحه على حمامة طائرة أمسك أحد أولئك المنتظرين بيده السلاح ومنعه عن إطلاق فرآه الماجوريين كوفين وقصده ليعلم الخبر فلاح له دخان النار المشتعلة في جرن محمد عبد النبي ورأى ذلك الذي أمسك بسلاح زميله ليشير إليهما على ذلك الدخان كما شاهد نحو تسعة أشخاص مقبلين نحوهما مسرعين وخلفهم المترجم يصيح بالإنجليز الأهالي أحتاطوا بضباط الجنوب.

وحيث إن الماجرويين كوفين قصد هو ورفيقه زميلهما فرأيا جمعا يتكاثر حولهما والملازم لا يرضى أن يترك سلاحه لمن أخذه ولحظ علائم الشر بادية على وجوده المتجمهرين ولم يكتنف بذلك بل أخرج ساعة من جيبه وأعطاها إياه.

وأشار إلى رفاقة ففعلوا مثله بسلاحهم وتقدم إلى الجمع وانتشل منهم الملازم بورثر وأمسكة زملائه على هيئة مذنب واتجهوا جميعا إلى النقطة التي تركوا بها عرباتهم وجوادهم وحيث إن المتجمهرين وقد ازدادوا شرا فتبعهم وانهالوا عليهم ضربا بالعصي ورميا بالطوب والقلقيل وقد سقط الماجوريين كوفين على الأرض بضربة على رأسه ثم قام فأقعدت ثانية وما زالوا.

وحيث إن الماجوريين كوفين رأى أن الأهالي لا ينفكون عنهم فأشار على اليوزباشي بول بتسليم السلاح فأطاع إلا أن الأهالي أصابوه بضربة شديدة في رأسه فخرق يعدو كان الحر محرقا حتى سقط وسط الطريق فاقد الرشد إذ أصابته الشمس أيضا وقد نقل إلى المعسكر فمات في الساعة السابعة من مساء اليوم المذكور.

وحيث أن المتجمهرين منعوا القومندان ورفافه من الذهاب إلى النقطة التي تركوا بها عرباتهم وجوادهم وقادوهم والضرب فوقه والطوب والقلقيل ينهال عليهم حتى أوصلوهم إلى حيث المرأة المصابة أجلسوهم وجعل بعضهم يشير إلى المرأة تارة ويجر بيده تارة أخرى ليفهمهم أنه يريد قتلهم كما قتلوها وهي لم تقبل ثم سحبوهم إلى مكان الحريق بالضرب وبعد ذلك نقلوهم إلى شجرة وكان الخفراء بدءوا يتوافدون فأخذ الجمع يتفرق وجاء أحد ضباط البوليس من نقطة قريبة لمكان الواقعة حيث أخطروه بالتليفون وحملوهم إلى معسكرهم.

وحيث أن ذراع الميجربيين كوفين اليسرى كسرة في ضربة نبوت وكسر أنفس الملازم سميث ويك برمية وجر وأصيب هما والآخرون بإصابات متعددة في أجزاء مختلفة من أجسامهم فصلتها الكشوف الطبية.

وحيث أن الكشف الطبي الأول الذي وقع على اليوزباشي بول قبل وفاته أثبت أنها مسببة عن ارتجاج في المخ ناشئ عن الضربة التي أصابته في رأسه وعن أصابة الشمس التي نزلت به وهو يقصد المعسكر وأثبت التشريح الذي أجراه حضرة طبيب المحاكم الشرعي أن تلك الضربة أحلت الارتجاج حقيقة وأنها وإن لم تكن كافية وحدها إلى إحداث الوفاة إلا أنها أضعفت المصاب وأعدته لسرعة التأثر بإصابة الشمس وسهلت موته.

وحيث إن المتجمهرين سلبوا من الضباط أشياءهم كساعة وسلسلة ومفاتيح وصفارة وغير ذلك كما أخذوا سلاحهم.وحيث أن المحققين عثروا في منازل بعض المتهمين على بعض الأسلحة ووحدا عند بعضهم قسما من الملبوسات.

وحيث إن الضرب كان عمدا وكان مصوبا إلى المقاتل وقد أدى إلى وفاة أحد المصابين فالواقع قتل سبقه أو اقترن به أو تلاه جريمة معاقب عليها بنص قانون العقوبات المصري.

وحيث إن هذه الجريمة وقعت على ضباط جردوا أنفسهم من السلاح وأصبحوا لا حول لهم إلا النجاة وهم لا ينالونها مع ما بذلوه من المجهود ولم يبد منهم عداء ولم يقع منهم قول أو تصدر منهم إشارة توجب خنق المتعدين حتى ينكلوا بهم هذا التنكيل.

وحيث أن هذه الجريمة كانت عن عمد وسبق إصرار ظاهر من اقتران الحريق يتكاثر المعتدين فجأة على الضابطين اللذين كانا في الجهة القبلية وإمساك الضابط بول في الجهة البحرية مع الإشارة إلى ذلك الدخان وعدم من يشفق على ضيف لم يفعل أمرا يوجب التعنيف فضلا عن التغالي في الاعتداء إلى درجة إزهاق الروح مع وجود القادرين على منع ذلك بين المتجمهرين بل إن أولئك القادرين كانوا أشد هولا على الضباط ولا رحمة ولا حنان.

وحيث إنه مما يزيد في شناعة هذه الجريمة أنها وقعت على ضباط عرفوا بالسبالة وجابوا مواقع الحروب وكان في إمكانهم صيد المتعدين بدلا من صيد حمامهم ولكنهم ظنوا جميلا فسلموا عدتهم ليسلموا فكان العطب فيما فعلوه. وحيث إن ثلاثة أيام تسمع فيها هذه الدعوى وشهادة الشهود وأقوال الاتهام والدفاع عن المتهمين وقد ثبت أن المجرمين في هذه الحادثة هم:

حسن علي محفوظ ويوسف حسين سليم والسيد عيسى سالم ومحمد درويش زهران ومحمد عبد النبي المؤذن وأحمد عبد العال محفوظ وأحمد محمد السيسي ومحمد علي أبو سمك وعبده البقلي وعلى علي شعلان ومحمد مصطفى محفوظ و رسلان السيد سلامة والعيسوي محمد محفوظ وحسن إسماعيل السيسي وإبراهيم حسانين السيسي و محمد الغباشي و السيد العوفي وعزب عمر محفوظ والسيد سليمان خير الله وعبد الهادي حسن شاهين ومحمد أحمد السيسي.

وحيث إن هؤلاء المتهمين لم يتركوا بعملهم الفظيع هذا محلا للشفقة فما كانوا من المشفقين.وحيث أن رؤساء هذه الواقعة هم الأربعة الأولون، فهم أهاجوا الأهالي وأولهم كان للضباط في نفر من المتربصين.

حكم المحكمة

فبناء على هذه الأسباب

وبعد الإطلاع على المواد الرابعة والخامسة والسادسة من الأمر العالي الرقم 25 فبراير سنة 1905.

حكمت المحكمة حضوريا حكما لا يقبل الطعن بمعاقبة:

أولا: على حسن محفوظ ويوسف حسين سليم والسيد عيسى سالم ومحمد درويش زهران بالإعدام شنقا في قرية دنشواي.
ثانيا: على محمد عبد النبي وأحمد عبد العال محفوظ بالأشغال الشاقة المؤبدة.
ثالثا: على أحمد السيسي بالأشغال الشاقة 15 سنة.
رابعا: على محمد على أبو سمك وعبده البقلي وعلى علي شعلان ومحمد مصطفى محفوظ ورسلان السيد علي و العيسوى محمد محفوظ بالأشغال الشاقة سبع سنين.
خامسا: على حسن إسماعيل السيسي و إبراهيم حسانين و محمد السيد بالحبس مع الشغل سنة واحدة وبجلد كل واحد منهم خمسين جلدة وأن ينفذ الجلد أولا بدنشواي.
سادسا: على السيد الغولي وغريب عمر محفوظ والسيد سليمان خير الله وعبد الهادي حسن شاهين ومحمد أحمد السيسي بجلد كل واحد منهم خمسين جلدة بقرية دنشواي أيضا.
سابعا: براءة باقي المتهمين والإفراج عنهم فورا إن لم يكونوا محبوسين بسبب آخر وعلى مديري المنوفية تنفيذ هذا الحكم.

هذه دنشواي ولن نضيف جديدا دنشواي وكفى دنشواي ونارها المحبوسة التي انطلقت بأيدي ثوراها وأبطالها دنشواي وظلم الإنجليز وفجرهم وغطرستهم المصطنعة دنشواي والخونة والانتهازيون والوصوليون دنشواي وكبوة هلباوي بك المدعي العمومي دنشواي وتقصير المحامين وهذه هي المصيبة الكبرى وانخفاض الوعي القانوني لديهم دنشواي.

وانخفاض الشعور الوطني في نفوس المحامين أو غيابه دنشواي وافتتاحيات مرافعتهم وانخفاض الشعور الوطني في نفوس المحامين أو غيابه دنشواي وافتتاحيات مرافعته والشعوذة التي طرحها أحمد لطفي السيد على هيئة المحكمة الموقرة قضاء وقدر دنشواي وقيادة صاحب السعادة بطرس غالي باشا للمصيدة بمعاونة رفيقه أحمد زغلول بك.

ولكن الجديد الذي يستوقفنا هنا هو أنه لماذا الهلباوي موقف المدعي العمومي في هذه القضية وهل كان يجب على هيئة الدفاع أن تلبي طلب انتدابها للترافع في مثل هذه القضية خصوصا أنهم يعلمون بأمر المحكمة المخصوصة أو بمعنى أدق مصيدة انجلترا الملعونة.

يقول هلباوي بك إنني لم أكن إلا محاميا طلب إليه أن يترافع في قضية فترافعت فيها شأني في ذلك كشأن أي قضية أقف فيها إلى جانب المدعي بالحق المدني وليس من حقي لأي اعتبار من الاعتبارات أن أقصر فيه وإنه بالرغم من أن دفاعي كان في هذه القضية قد قسا على المتهمين فإن موقفي كان يقتضي هذه القسوة بغية نجاة مصر من آثار لم يكن يعلمها إلا الله.

ويرد عليه حجته محمد حسين هيكل باشا فيقول له: إنك في هذه القضية لم تكن أمام قضية عادية تدافع فيها عن موقفك بأنك قد أديت واجب المحامي بل كانت قضية بين مصر والإنجليز وقد وقفت مع الإنجليز فمن الخير لك أن تترك الزمن يسدل على هذا الموقف ستار النسيان وسجلك الحافل في خدمة وطنك قبل هذه القضية

وبعدها خير ما يعاون على تكثيف هذه الستار وإضافة إلى رد هيكل باشا نرى أن وقوف هلباوي بك موقف المدعي العمومي في دنشواي قد غلبت عليه حرفة المهنة على الوطنية تلك الشيمة التي يجب أن يتحلى بها كل محام في الدفاع عن قضايا وطنه هذا بالنسبة لحجته الأولى أما بالنسبة لحجته الثانية فنحن نعلم جميعا أنه لا مهادنة ولا مساومة مع الاحتلال مهما كان المصير ومهما كانت التضحيات بالأرواح والأموال التي أراد أن يحافظ عليها هلباوي بك بمرافعته في دنشواي.

وأما بالنسبة لهيئة الدفاع أحمد لطفي السيدومحمد يوسف وإسماعيل عاصم الذين جيء بهم للترافع في التمثيلية الهزلية المعروضة في دنشواي فكان عليهم أن يرفضوا هذا الانتداب ويعلنوا تضامنهم مع أهالي دنشواي في التصدي للاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها الشعب المصري بأسره هذا على المستوى الوطني

أما على المستوى القانوني فكان عليهم رفض هذا الانتداب خصوصا وهم يعلمون بعدم شرعية هذه المحكمة فلا تحقيق ولا استئناف ولا حتى اتفاق مع الأصول النظامية للقضاء في مصر وأن الغرض من إنشائها هو تثبيت أقدام الاحتلال في مصر مما يعني معه أن الإنجليز أرادوا أن يحتلونا ويضربونا ويحاكمونا بالرغم من أن البيت بيت أبونا.

وبعد فبالرغم من أن دنشواي كانت على مثل هذه الصورة البشعة، من احتلال وخيانة متمثلة في صاحب العطوفة بطرس غالي وسعادة أحمد فتحي زغلول إضافة إلى خيانة الهلباوي التي لم يغفرها له الشعب المصري إلى الآن وتقصير هيئة الدفاع المغلوبين على أمرهم فإن ذلك كله لم يكن شرا على مصر بل خير لها كان خيرا تمثل في ثورة مصرية التف لنصرتها وتكاتف جميع المصريين في مقدمتهم مصطفى كامل وساسة أفكارها من لماء الأزهر الشريف والأدباء والشعراء.

فها هو مصطفى كامل يقول أيها السادة لا يجعل أحد منكم أن الحركة الوطنية أزعجت الاحتلال ومحبي الإنجليز فحاربوها بدنشواي فخابوا وبزيادة جيش الاحتلال فأخفقوا وبتهمة التعصب الإسلامي ففشلوا وهاهم الآن يحاربونها بالخونة والمنافقين وإنهم لمخفقون أيضا في سياستهم الجديدة.

وها هو الموال الشعبي يؤكد أن لهب الشعب لن يخمد وأن قلوب المصريين لن تذرف دمعا بل القتال الدائم لطرد الاحتلال والخلاص من أعوانه:

شوفوا الإنجليز
جم بحري بدنشواي عدموه

يما أصعبه يوم

نهار زهران ووقفاته

ياما حزنت أمه وعياله وأخواته

وكان له أخ في الجهادي

نهار شنقاته ما فاته

ربنا خلق لنا مصطفى كامل

والرب كامل يشهد ما بين الإنجليز

وما بين رب العباد كامل

وخلق لنا حسين باشا البرنس

يقول غير الحقيقة

وكلام الحق ما تقلش

ولما جه السبع ما استناش

سافر بلاد الإنجليز

لم خل ولا بقاش

أهم زهقوه مات يا خسارة يامصطفى

طلب مكافأة لصاحب الدم

دفعوا له الطبل والمزايك والغم

أحمد بك اللئيم بده يجاربنه

وشهد معاهم لأجل

القرش والمال

يا رب تخرب بيوت العدا بحق

دعوة نبينا محمد مصطفى الرسل

وها هو حافظ إبراهيم يخرج على الملأ قائلا:

أيها القائمون بالأمر فينا هل
نسيتم ولاءنا الودادا

خفضوا جيشكم وناموا هنيئا

وابتغوا صيدكم وجوبوا البلادا

وإذا أعوزتكم ذات طوق بين تلك

الربا فصيدوا العبادا

إنما نحن والحمام سواء

لم تغادر أطواقنا الأجيادا

لا تظنوا بنا العقول ولكن

أرشدونا إذا ضللنا الرشادا

لا تصيدوا من أمة قتيلا

صادت الشمس حين صادا

جاء جهالنا بأمر وجئتم

ضعف ضعفية قوة واشتدادا

أحسنوا القتل إن ضننتم بعفو

أنفوسا أصبتم أم جمادا؟

أيها المدعي العمومي مهلا

بعض هذا فقد بلغت المرادا

قد ضمنا لك القضاء بمصر

وضمنا لنجلك الإسعادا

فإذا ما جلست للحكم فاذكر

عهد مصر فقد شفيت الفؤادا

لا جرى النيل في نواحيك يا مصر

ولا جاءك الحيا حيث جادا

أنت أنبت ذلك النبت

أضحى عليك شوكا قتادا

أنت أنبت ناعقا قام بالأمس

فأدمى القلوب والأكبادا

أيه يا مدره القضاء ويا من

ساد في غفلة الزمان وشادا

أنت جلادنا فلا تنس أنا

قد لبسنا على يديك الحدادا

وهل هو شوقي يدعي إلى الاحتفال الخاص بترقية أحمد فتحي زغلول إلى درجة وكيل لوزارة الحقانية نتيجة مجهوداته في دنشواي والذي أقيم في شبرد، فيرفض الدعوة ويرسل هذه الأبيات.

إذا ما جمعتم أمركم وهممتموا
بتقديم شيء للوكيل ثمين

خذوا حبل مشنوق بغير جريرة

وسروال مجلود وقيد سجين

ولا تعرضوا شعري عليه فحسبه

من الشعر حكم خطه بيمين

ولا تقرءوه في شبرد بل إقرءوه

على ملأ في دنشواي جزين.

وهذا هو الشيخ الصحفي السياسي الأديب عبد العزيز جاويش وبعد أن تفاعلت الأفكار القانونية والسياسية في ذهنه يكتب مقالا في جريدة اللواء بعنوان ذكرى دنشواي بمثابة استئناف مرفوع إلى الشعب المصري شرح فيه وقائع الحادثة وأبان مدى خسة الإنجليز وخيانة رئيس المحكمة المصيدة وأعضائها واعترض فيه على موقف المحامين ودفاعهم السلبي الخالي من أي دفع قانوني

أو حتى أي شعور وطني وطلب فيه تكليف الأمة بالكفاح المستمر للقصاص والخلاص من الاحتلال وأعوانه وأن تعلن للعالم أنه إذا كان قد تم لانجلترا احتلال أرض مصر والبعض من مواطنيها وأنه إذا كانت قد منحت نفسها محكمة مخصوصة لمعاقبة من يعتدي على جندها فإن لمصر محكمتها الشرعية المشكلة برئاسة شعبها والمختص بتنفيذ أحكامها ولن تكون الأحكام إلا الإعدام رميا بالرصاص في الاحتلال وأعوانه يقول جاويش.

(سلام على أولئك الذين كانوا في ديارهم آمنين مطمئنين فنزل بهم جيش الشؤم والعدوان فأزعج نفوسهم وأحرق حصادهم فلما هموا بصيانة أرزاقهم التي أعملوا في سبيلها أجسامهم ودابتهم وأرضهم وقاموا عليها يتعهدونها بالسقي والخفارة ويرقبونها في البكرة والعشي قيل إنهم مجرمون فسيقوا في السلاسل والأغلال وصلبوا على مرأى ومسمع من زوجاتهم وأمهاتهم وبناتههم وعيالهم وأصدقائهم وجيرانهم.

سلام على تلك الأرواح البريئة التي انتزعها بطرس غالي باشا رئيس المحكمة المخصوصة بقضائه من مكانها في أجسامها كما تنتزع سلوك الحرير من خلال الشوك قبضها بيده فقدمها قربانا إلى ذلك الجبار الظالم الغاصب القاهر القائم في بلادنا بنفقاتنا وضعه مقاصدنا المستبد بالأمر فينا بسبب تفرقنا ويرغبون في المال والرقي ولو شقيت في سبيل ذلك بلادهم واستبيحت حرماتهم.

سلام على أولئك الذين وقف هلباوي بك فثار فيهم ثوران الجبارين ثم انثنى علي رقابهم فقضمها وعلى أجسامهم فمزقها وعلى دمائهم فأرسلها تجري في الأرض تلعن الظالمين وتتوعد الآثمين نعم قام هلباوي بك مقامه المشهود وطلب من قضاة المحكمة الظالمة بذلك القلب المضطرب واللسان املتلجلج أن يحشر أهل دنشواي فيقدموا قرابين إلى هيكل الاحتلال الذي هو معبد الخائنين وقرة أعين المارقين فما لبث رئيس المحكمة بطرس باشا غالي.

وزميله قاضي دنشواي أحمد فتحي زغلول باشا أن استهوتهما الأموال واستغوتهما المناصب واسترهبتهما عظمة الاحتلال فأنطقهما بذلك الحكم الجائر لرغب في الألقاب والمناصب وعوز النفس إلى الشعور بالواجب.

أين كان لطفي بك السيد وبيانه؟ أين كانت حجته وبرهانه؟ أين كان قلمه ولسانه؟ أين كانت غيرته ووجدانه؟ أين كان قلبه وإيمانه ماذا عقد لسانه عن الدفاع؟ لم يكن موظفا فيعزل ولا معدل فيقتل أين كان محمد يوسف بك؟

الذي أجاب بعض سائليه عن تلك الجناية الكبرى التي ارتكبها بإهماله في الدفاع إذ قال ماذا جرى؟ فئة من خشاش الفلاحين اعتدوا على سادة البلاد وأصحابها فعوقبوا بما استحقوا.

وهل كان مقام القضاة في ذلك الأمر الكارث أشق على النفس من مقام من تقدموا للدفاع عن أولئك الأبرياء. مختارين جازمين ببراءتهم من التهم الباطلة والدعاوي المموهة التي أجرا هلباوي بك على الجهر بها تنسيقها وقدرت يده على تسطيرها وقوى لسانه على التحرك بها وهو يعلم أن حظها من الصحة كحظه من الوطنية وقربها من الحق كقربه في موقفه من العواطف الإنسانية

هل قال كلمته هذه لتروي عنه الإنجليز فيكرموا وفادته إذا وفد عليهم ويجيبوا مطالبه إذا هو أدلىبها إليهم ويأخذوا بيده إذا ما رغب إليهم في بعض وظائف الإدارة أو الاستثارة وإن يكن إنما رمي إلى تلك الغاية فهل جهل أن الإنجليز يكرهون الخائنين ويحبون خيانتهم ولا يقربون المفسدين إلا بمقدار ما ينتفعون منهم تضحك سنهم للمنافق وقلوبهم تلعنه ويرحبون بالمارق وصدورهم تضيق عنه إذ يكون مثله في ذلك مثل هلباوي في تلك الكارثة أن أقام صروح آماله على القضاء وتوقع عناية الإنجليز مثل ما أقر عيون رئس المحكمة وقاضيها وقد فاته أن للإنجليز غايات يعرفون كيف يلتمسونها ومقاصد لا يجهلون أسبابها ووسطاءها.

أوعز اللورد كرومر ما أوعز فعنت له الوجوه ونسيت الذمم وأعوزت القلوب الرحمة فنبضت الجفون وأزهقت الأرواح وترملت النساء ويتم الأطفال فما جني أولئك الذين طمسوا معالم العدل وأقاموا منار الجور لقد أصبحوا يشق وجودهم على الأرض ورؤيتهم على الأبصار وصورتهم على المسامع وذكرهم على الألسن وذكراهم على الصدور وهل هذا إلا قصاص عجله الله لهم في الدنيا ليرى الناس عاقبة العدوان ومحاربة الأوطان في سيل الشيطان.

وأما أولئك الذين بكتهم الأرض والسماء وروع لظلمهم العالم وانخلع لمصابهم قلب الإنسان في كل مكان فهم شهداء عند ربهم يرزقون وشهود ستنطق أيديهم وأرجلهم ورقابهم ودماؤهم بما ظلمهم قضاة المحكمة المخصوصة وقصر في الدفاع عن حياتهم المحامون يوم يؤتى بهؤلاء فلا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون.فلتذكر الأمة اليوم الذي أيقظها من سباتها وملأ قلوبها بالعظة والعبرة.

ونفوسها بالحمية والغيرة هذا اليوم الذي كشف أسرار المنافقين وفضح كيد الخائنين وأظهر حقائق المارقين الذين أشباحهم مع الأمة وقلوبهم مع المحتلين هذا اليوم الذي أنبأ العالم بما يفعل الاحتلال في هذه البلاد من المفاسد والمظالم واستبدل إلينا بذلك قلوب عشاق الحرية وحياة الحقوق الإنسانية في كل بقعة من الأرض هذا اليوم الذي كشف ما في الأمة من حزازات وأحقاد الصدور وآلام النفوس هذا اليوم الذي أرى المحتلين أنه ليس معهم إلا نفر باعوا بلاهم وذممهم وخسروا دنياهم وآخرتهم وأنه لا يرضي الأمة إلا أن تخلص من احتلالهم وتسلم من عدوانهم واغتيالهم.

ألا فلتذكر الأمة الثامن والعشرين من شهر يونيو ولتذكر أن للاحتلال أعوانا من بينهم يجب محاربتهم بالبغض ومعاملتهم بالحذر وسوء الظن وألئك الذين روي في أمثالهم علي أمير المؤمنين وإمام المتقين عن النبي عليه الصلاة والسلام الحديث الشريف إني لا أخاف على أمتي مؤمنا ولا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه وأما المشرك فيقمعه الله بشركه ولكني أخاف كل منافق الجبان عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون.

وقد نشر مقال أو إستئناف جاويش في جريدة اللواء في الثامن والعشرين من شهر يونيو سنة 1909 فعدته السلطات الحاكمة قذفا في حق صاحب العطوفة بطرس باشا غالي رئيس الحكومة والرئيس السابقة للمحكمة المخصوصة وأحمد زغلول باشا وكيل وزارة الحقانية والعضو السابق للمحكمة المذكورة ومحمد يوسف بك المحامي وعضو هيئة الدفاع عن أبرياء دنشواي وقدموه للمحاكمة أمام محكمة عابدين.

االقضية الثانية: مقال ذكرى دنشواي

• استئناف يكتبه مصري يؤمن بالله.

• استئناف يكتبه عاشق للحرية وحارس عليها وساهر على حمايتها.

• استئناف يكتبه صحفي مصري حر استطاع أن يقوم بقلمه هجوما عنيفا على الاحتلال وأعوانه وانطلق يعلن على الملأ أن الموت مصير حتمي لما يقوم به الاحتلال وأعوانه من ظلم وعدوان وإزهاق للأرواح.

• استئناف يحاكم لأنه قرر أن الرصاص هي الحكم الوحيد للخلاص من جيوش الاحتلال بعد أن ظنت أنها لن تبيد أبدا.

• استئناف حاول الإنجليز الحكم عليه بالإعدام للقضاء على حرية الصحافة المصرية وإرهاب الحركة الوطنية.

كانت دنشواي فكان مقال ذكرى دنشواي الذي كتبه الأستاذ الشيخ عبد العزيز جاويش في الثامن والعشرين من شهر يونيو سنة 1909 ذلك المقال الذي فضح جميع أعضاء هيئة المحكمة المخصوصة وأبان خستهم ونذالتهم وأعلن على الملأ من مواطني مصر تقصير هيئة الدفاع عن منكوبي دنشواي وناشد جميع المصريين ببذل ما في وسعهم من جهد للخلاص من الاحتلال وكل خائن ومنافق ووصولي وانتهازي.

كانت دنشواي فكان مقال جاويش الذي اعتبرته الحكومة المصرية ومن ورائها الإنجليز إهانة وطعنا في كل من صاحب العطوفة بطرس غالي رئيس النظار وصاحب السعادة أحمد فتحي زغلول رئيس نظارة الحقانية ومحمد يوسف بك المحامي فقدمته إلى المحاكمة أمام محكمة جنح عابدين الجزئية برياسة القاضي محمود علي سرور وحضر عبد الحميد بدوي ممثل الاتهام وتولي الدفاع إسماعيل شيمي و أحمد لطفي السيد و محمود بسيوني.

وبعد سماع المرافعات التي كانت أول طلبات الدفاع فيها هي ضم كل أوراق محاكمة دنشواي والإطلاع على أوراق القضية وبعد المداولة صدر الحكم في 5 أغسطس بمعاقبة الشيخ جاويش بغرامة قدرها ثلاثون جنيها لهجومه على موظفين عموميين بسبب أمور تتعلق بوظائفهم وسعدت مصر بهذا الحكم وخرجت الصحف تمدح القاضي الذي لم يتأثر بمركز خصم جاويش صاحب العطوفة غالي باشا والإنجليز.

ولكن على الجانب الآخر اندهش الإنجليز لهذا الحكم وعللوه بأن هناك عوامل مختلفة شخصية ودينية وسياسية أثرت في القاضي محمود علي سرور في هذا الحكم ورأت أنه لابد من استئناف الحكم ووجوب إصدار حكم قاس على جاويش وأخبرت النيابة على استئناف الحكم فعلا

ولكن لم يأبه جاويش بما تكيد به انجلترا للصحافة المصرية وصحبة الأقلام الوطنية ابتداء من إعادة قانون المطبوعات على يد غالي باشا في 25 مارس 1909 وإصدار قانون العقوبات وما حمل من تعسف في محاربة الصحافة على ما تكتب وتنشر واستمر في هجومه العنيف على الاحتلال فكتب في خلال الأيام العشرين بين صدور الحكم عليه بالغرامة وبين الجلسة التي تقررت لنظر الاستئناف في 25 أغسطس عدة مقالات عندما عزمت انجلترا على تنفيذ حكم الإعدام في دنجرا الشاب الهندي الذي اغتال السير كرزون.

ويلي كان أعظمها المقال الذي صدر في نفس اليوم المقرر لتنفيذ الحكم على هذا الشاب جاء فيه اليوم تتقد نار الحق على إنجلترا في صدور الهنود اليوم يزداد سعيرها ويشتد لهيبها اليوم يضاعف هؤلاء القوم جهادهم في سبيل استقلالهم اليوم تتصدع دولة الاستعمار فسلام عليك يا دنجرا سلام ف ظلمات القبور.سلام عليكم كلما ذكرك الذاكرون سلام عليك حيا وميتا.

ونتيجة المقالات التي حررها جاويش عن دنجرا والتي كانت في نظر الاحتلال تحريضا على ارتكاب الجرائم مما يترتب عليه الإخلال بأمن والنظام العام وفي نفس اليوم المحدد للحكم الاستئنافي أنذرت السلطات البريطانية ومعها الحكومة المصرية جريدة اللواء عملا بقانون المطبوعات بحجة أنها نشرت مقالة عن شاب هندي يدعى دنجرا تحرض على ارتكاب الجرائم فكان أول إنذار للصحف تنفيذا لقانون المطبوعات وهذا نصه.

بعد الإطلاع على المادة 13 من قانون المطبوعات الصادر في 26نوفمبر سنة 1881 وعلى القرار الصادر من مجلس النظار بتاريخ 24 أغسطس سنة 1909 بالتطبيق للقرارين الصادرين من هذا المجلس بتاريخ 25 أغسطس 1909.

حيث أن جريدة اللواء قد نشرت بعدده الصادر في 17 أغسطس سنة على الطالب الهندي الذي اتهم بقتل السير كرزون ويلي وحيث إن هذه المقالة التي نشرت في يوم التنفيذ وكتبت بلهجة حماسية تعتبر إطراء حقيقا للمحكوم عليه وحيث إن هذا التصويب لعلم جان وامتداحه مع تكرره في عدة مقالا نشرتها هذه الجريدة وخصوصنا بأعدادها الصادرة في 10 و 11و 20 يوليو وفي 7 و 19 أغسطس سنة 1909 من شأنه التحريض والتشجيع على ارتكاب الجرائم الأمر الذي ترتب عليه الإخلال بالنظام والأمن العام قرر ما يأتي:

المادة الأولى: إنذار جريدة اللواء.
المادة الثانية: على مدير الجيزة نشر هذا الإنظار في صدر العدد الآتي منها.
المادة الثالثة: على محافظة القاهرة تنفيذ هذا القرار.
القاهرة في 25 أغسطس 1909

وصدر حكم محكمة الجنح المستأنفة في 25 أغسطس أيضا المشكلة برياسة بوغوص بك أغوبيان وكيل محكمة عابدين وعضوية المستر كلابكوت وإبراهيم بك يونس المستشارين وتولى الدفاع محامي جاويش أمام المحكمة الجزئية وبعد سماع المرافعات والإطلاع على الأوراق والمداولة بتعديل الحكم الابتدائي من الغرامة إلى الحبس ثلاثة أشهر فقوبيل هذا الحكم بالاستياء الشديد من المصريين والفرحة الشديدة من الإنجليز ظنا منهم أن الحكم على جاويش وإنذار اللواء في يوم واحد يقضي على حرية الصحافة ويعمل على إرهاب نضال المصريين فما كان لهم ما يظنون ولن يكون.

إجراءات المحاكمة

محكمة جنح عابدين

أولا: مرافعة ممثل الاتهام عبد الحميد بدوي وكيل نيابة عابدين نشر المتهم مقالا مذيلا يإمضائه ف يوم 28 يونيو تحت عنوان ذكرى دنشواي وهذا المقال خرج من حكم المعقول إلى أبعد حدود الإهانة، ويظهر أن الدفاع يريد تغيير أركان الجريمة ليدخلها في جريمة أخرى المادة 109 التي تعاقب ستة شهور أو غرامة 100 جنيه هذه المادة موجودة في القانون القديم.

ولكنها كانت غير صحيحة حتى غير القانون في سنة 1940 فزاد عليها مجلس الشورى كلمات ضمنت حرية الأفراد في الإثبات ضد الموظفين فإذا قذف أحد الموظفين في أمر كان له أن يثبت ذلك متى كان يحسن نية ولندخل في الدفاع في باب تهمة القذف وهل هي منطبقة تمام الانطباق مع هذه التهم أم لا القذف لا يثبت من ظروف خاصة.

ومقالة الشيخ عبد العزيز جاويش كما سمعتها المحكمة اليوم محتوية على إهانة وطعن في حكم نهائي صدر من محكمة مخصوصة وللمحكمة إذا قررتها أن تنظر في قضية دنشواي من جديد وتصدر فيها حكمها وترى نهائي صدر من محكمة مخصوصة الوقائع جميعها لا يمكن أن تأتي إلا إذا جئنا بقضية دنشواي وهذا شيء خارق للقواعد النظامية التي تحترم الأحكام النهائية التي صدرت من سلطة عليا والإثبات في هذه المسالة غير جائز قانونا.

لأنها خاصة بحكم نهائي ونسلم بعد ذلك جدلا أن الألفاظ التي وردت في المقالة يمكن إثباتها وقد أثبت الشراح الفرنسيون أن الانتقاد لا يصدر إلا عن ذوق سليم وقد خرجت هذه المقالة عن الانتقاد إلى الشيء غير المعقول ولا ننسى حسن النية التي أراد القانون إثباتها وأقل وصف وتعريف لها أن يكون غرضه المصلحة العامة لا ضرر الأشخاص والتشهير بهم والذي كتبه المتهم لا يقع تحت حسن النية ولا يقع تحت حكم الانتقاد والنيابة لاحظت الوصف الذي لا مغمز فيه.

شرح جريمة الإهانة

وقبل الخوض في الموضوع نقول: إنه لا يمكن للدفاعي إثبات التهمة لأنها تكون إهانة جديدة وليس هذا عندنا فقط بل في جميع الشرائع والقوانين من الأمور الأساسية أن الحكومة تقدر الأشياء حق قدرها فمثلا لو قال المحامي لوكيل النيابة أنت متحيز فهذا يعد إهانة

وقد أثبتت محكمة النقض أن الإهانة هي التي تحقر الموظف أمام أهل وطنه وإنني ألحظ في كلامي هذا سير المحاكم ونظامها وكيف تتكون الجريمة فما بال المحكمة بالألفاظ التي وردت في المقالة طمسوا معالم العدل وأقاموا منار الجور فهذه الألفاظ أولى بكثير من تهم أخرى تعتبر إهانة كان في ذلك الوقت عطوفة بطرس باشا غالي ناظر الحقانية بالنيابة فعين حسب القانون رئيسا للمحكمة المخصوصة

وعين بقية الأعضاء لتأدية الوظيفة التي قضي بها القانون أما القصد الجنائي فهو في هذه المقالة متوافر لأنه كتبت بعد ثلاث سنوات وبالطبع كتبها بعيدا عن المؤثرات حيث مضى على الحكم ثلاثة سنوات وكان له أن يذكر ويكتب خصوصا وقد سمي اثنين من الأعضاء وعبر عن أحدهما بقاضي دنشواي مع أن المحكمة مشكلة من خمسة أعضاء فالقصد حينئذ هو إهانة العضوين التحقيق تضمن شيئا غريبا.

فلما سئل الشيخ عبد العزيز قال: إنني ما قصدت في المقالة أحدا والدفاع اليوم يقول إننا نريد إثبات القذف على أن المقالة كلها لا تشتمل على لفظة من ألفاظ القذف نسب إلى الهلباوي بكل أنه أهمل في الدفاع ليقر عين رئيس المحكمة وهذا يدل على أن هناك اتفاقا وذكر محمد بك يوسف المحامي من أنه قصر في الدفاع وهذا أمر يعاقب عليه المحامي ويخل بشرفه لا بشرف المهنة أما الألفاظ الأخرى فهي بيع الذمة والخيانة والمروق من الوطنية.

وإنا نطلب منك اليوم يا حضرة القاضي أن تصدر حكما يبلغ من الشدة ما بلغت الألفاظ من الإهانة ولا نطلب العقاب عن إهانة وجهت إلى شخص يمثل الجانب العالي حال غيابه، بل نطلب منك يا حضرة القاضي أن يكون حكمك قاسيا هم يقضون على كل عمل بالتهور والطيش الأمة يا حضرة القاضي لا تحمل جناية فرد يجنى عليها نطلب منك أن يكون الحكم عادلا حتى يكون عبرة لهؤلاء.

مرافعة المدعي بالحق المدني اسكندر بك عمون المحامي عن المدعي المدني محمد يوسف المحامي:

كفاني حضرة النائب عن الحكومة شرح التهمة والألفاظ وأنا أقول إن الدفاع يريد تغير التهمة وقد قال المتهم في التحقيق إن الألفاظ التي قلتها تصح على قضاة المحكمة المخصوصة إن كان ما عملوه صحيحا وهنا التفسير السخيف الذي يصدر من حضرة الشيخ عبد العزيز وهو الرجل الذي يعرف توجيه الكلام ومراميه هذا الرجل يكتب ما يكتب حتى إذا جاء أمام القضاة يخاف وينكر رمي المتهم محمد بك يوسف وهو الرجل الفاضل المشهور بوطنيته بألفاظ هي غاية في السخافة والإهانة يأتي الدفاع اليوم ويقول إننا نريد إثبات التهمة بأن محمد بك يوسف قد ضحى بذمته لأغراض ينالها ومحمد يوسف ليس من الموظفين.

حضرة القاضي إن الشيخ عبد العزيز جاويش إذا حكم عليه لجريمة القذف تسر له العامة والشبان ويقولون إنه حكم عليه فداء لوطنه كلا فإنما يعاقب بجريمة قذف ارتكبها في حق محمد بك يوسف وأريد أن أحدد مركز موكلي أمام الشيخ جاويش فلا يوجد أحد يقول إن الشيخ جاويش يتأثر من حادثة دنشواي ومحمد بك يوسف لا يتأثر مع أن محمد بك يوسف أشد الناس استياء من حكم دنشواي.

حضرة القاضي إن حق الانتقاد لا يجوز للشخص أن يطعن في النقد بالإهانة وحينئذ كان يجوز للشيخ جاويش أن يقول غير هذا القول في ذكرى دنشواي مع أن المحكمة المخصوصة ليس لها قانون يرجع إليه المتهمون محرومون من حرية الدفاع الجائز أمام المحكمة النظامية فلا يصح أن نقول إن المحكمة أخطأت في الحكم ولا المحامي أن يقال له بعت ذمتك ونحن لا نصدق أن المتهم أصد وطنية من موكلي الذي ساقته وطنية للدفاع عن متهمي دنشواي تطوعا وأنا أقول شخصيا إن الحكم ظروفه شديدة وجائر والعيب ليس في القضاة بل في النظام.وأخيرا نطلب عشرة آلاف جنيه بصفة تعويض.

مرافعات الدفاع

مرافعة محمود بسيوني المحامي

أطلب أولا براءة موكلي الشيخ عبد العزيز جاويش ورفض الدعوى المدنية قبله استنادا إلى أن نسبة التقصير إلى المحامي المقصر في دفاعه لا تعد قذفا.

وبعد فلا بد من أن نفرق بين الإسناد والإخبار الرواية فالإسناد هو الخبر الذي يسنده الإنسان من عند نفسه أما الرواية فيدخل تحتها الإثبات كما يظهر من الشيء المنسوب إلى حضرة محمد بك يوسف في المقالة التي جئنا أمام المحكمة بسببها حيث حادث إخوانه في باريس بعد أن سألوه لماذا أهملت في الدفاع.

فقال: ماذا جرى فئة خشاش الفلاحين اعتدوا على سادة البلاد وأشرافها فعوقبوا بما يستحقون وهذه بلا شك قالها عند أصدقاؤه وليس الشيخ عبد العزيز جاويش بالمحاي المدقق الذي يفرق بين الإسناد والإخبار مع أنه نسب إلى بطرس باشا غالي وفتحي باشا زغلول ولكنه قالها رواية عن أصدقاء محمد بك يوسف الذي لا يصح له أن يقول ذلك القول في بلاد أوربية

فالشيخ عبد العزيز لم يقل هذا القول عبثا بل قال كيف يحل لمحمد بك يوسف أن يقول ذلك القول مع أننا من الفلاحين والفلاحون منا وكيف بذلك الرجل وهو من الأهمية بمكان عظيم مارس المحاماة زمنا وبلغ شأوا بعيدا كيف يحجب عنه الحقيقة إن الإنجليز لا يحبون النفاق هذا هو قول الشيخ عبد العزيز والشخص الذي يقول فئة من خشاش الفلاحين إلخ، يحكم عليه كل منا أنه خائن. ويدخل القذف في باب الافتراض الذي لا عقاب عليه كما تقول لإنسان أنت عديم الشرف إنما فعلت كذا فكأنني لم أنسب إليه عدم الشرف الآن.

ودفاع المحامي لا يتوقف عليه إزهاق الأرواح وتيتيم الأطفال إنما الذي يفعل ذلك الحاكم لا المحامي.المحامي الذي جاء أمام المحكمة وأهمل الدفاع في نقطة قانونية لم يتسوفها يمكن حينئذ للقاضي أن يطلب من رئيس النيابة إحالة هذا المحامي إلى مجلس تأديب.

أما محكمة دنشواي فلا قانون لها يرجع إليه المحامي أمام تلك المحكمة التي أبيح لها الحكم بما ترى له لزوما والألفاظ دالة على المعاني بمحمد بك يوسف الذي ضغط عليه أمام محكمة دنشواي ليس محمد بك يوسف الذي يأتي ويرفع علينا الدعوى ويطالبنا بتعويض ولا يعيب المحامي إلا أن يكون في مقدرته الدفاع عن المتهم ولا يدافع ولكن محمد بك يوسف أغلق عليه الكلام لأنه رأى الجنود محيطة بمحكمة دنشواي وهم شاهرو السلاح.

حضرة القاضي إنه قد جاء في حكم صدر من محكمة النقض والإبرام في فرنسا أن للقاذف حق إثبات حسن نيته وهنا يحق لنا أن نرجع للظروف التي أحاطت بالمتهم وقت كتابته هذه المقالة وبالطبع أن الكاتب إذا أراد أن يكتب في ذكرى دنشواي فأول خاطر يخطر له بأنها محكمة شاذة لا تتفق مع امتداد الثورة من الشمال إلى الجنوب هذه المحكمة المخصوصة التي أنشئت في بلاد كتب عن أهلها بأنهم في غاية البساطة وصفاء السريرة والأخلاق الحسنة.

حضرة القاضي إن الكاتب يتذكر أن أربعة حكم عليهم بالإعدام وبعضهم بالجلد والسجن فيتذكر أن يوم 28 يونيو كان شره يعمى صاحب الشعور الرقيق إذا رأى المشنوق الأول والثاني والثالث والرابع فكتب ما كتب وهو الذي تربى التربية الدينية في أزهر مصر وأتمها في أهم جامعات إنجلترا كتب ما كتب وهو لا يقصد بمحمد بك يوسف أي ضرر المبلغ الذي يطلبه محمد بك يوسف لأي شيء هل لضرر لحق به بمعنى أن هذه المقالة أثرت في شهرته التي ذاعت وشاعت وغضبت عليه الأمة في حين أن غضب الأمة لحق به وبكل محام قصر في الدفاع عن متهمي دنشواي من يوم الحكم للآن، فالضرر لم يلحق به من المقالة بل من قبلها.

مرافعة أحمد لطفي السيد المحامي

في مثل هذا الشهر من العام الماضي حوكمنا في مثل هذه المحكمة عن مقالة عنوانها دنشواي أخرى بناء على طلب حكومة السودان عن حادثة تسمى حادثة الكاملين وخلاصتها أنه قد وقعت في بلدة الكاملين بالسودان ثورة برئاسة زعيم يدعى الشيخ عبد القادر فجردت عليها الحكومة قوة من الجيش نكلت بالثائرين وقتلت عددا كبيرا منهم وقبضت على زعيم الثورة وكثير من أتباعه وقدمتهم للمحاكمة أمام المحكمة المدنية منعقدة من يوم 19 مايو سنة 1908 إلى 23 منه وفي نفس اليوم أصدرت حكما على 12 شخصا منهم الزعيم عبد القادر بالإعدام وعلى ثمانية بالسجن المؤبد ومصادرة أملاكهم.

ولما عرض الحكم على حاكم السودان العام استبدل بحكم الإعدام السجن المؤبد مع مصادرة أملاك المحكوم عليهم وترامت أنباء الحادثة والمحاكمة إلى مصر وتضاربت فيها الروايات وأمسكت الحكومة بدئ الأمر عن نشر أبنائها فنشر اللواء في عدد 28 مايو سنة 1908 النبأ الذي ورد عنها تحت عنوان دنشواي أخرى في السودان – 70 مشنوقا و13 سجينا وذكر النبأ أنه حكم بالإعدام على سبعين رجلا وبالسجن على ثلاثة عشر وأنه أعدم من المحكوم عليهم أربعون شخصا وقد صححت وزارة الحربية تفاصيل النبأ عنوان (الحكم على أتباع الزعيم عبد القادر) أظهر فيها الشك في بلاغ وزارة الحربية.

وقال إن عدد المحكوم عليهم بالإعدام يزيد على اثنى عشر شخصا فعدت الحكومة هذه المقالة إهانة لوزارة الحربية وعدت النبأ إذاعة لإخبار كاذبة يترتب عليها تكدير السلم العام وأقامت النيابة الدعوى العمومية على الشيخ جاويش لمحاكمته عن التهمتين ونظرت القضية في شهر يوليو سنة 1908 أمام محكمة عابدين الجزئية أيضا برئاسة المرحوم محمد بك السبكي قاضي المحكمة وجلس في كرسي النيابة عطية بك حسني رئيس نيابة مصر.

وتوليت الدفاع أنا وزملائي من المحامين إسماعيل بك شيمي ومحمود بك فهمي وبعد أن سمعت المحكمة مرافعة النيابة ودفاع المحامين أجلت إصدار الحكم أسبوعا ليوم 4 أغسطس سنة 1908 وفيه قضت ببراءة الشيخ جاويش من تهمة نشر الخبر الكاذب ومعاقبته بغرامة عشرين جنيها عن تهمة إهانة وزارة الحربية

واستؤنف الحكم واستأنفته النيابة لقلة العقوبة ونظرت القضية يوم 30 أغسطس أمام محكمة الجنح المستأنفة وكانت مؤلفة برياسة محمود رشاد بك رئيس محكمة مصر وعضوية محمد بك عبد اللطيف وزكريا أو السعود مشتارين فقضت ببراءة الشيخ جاويش من التهمتين.

وبعد فلندخل في شرح التهمة الموجهة إلينا من النيابة العامة عن مقالة نشرناها في 28 يونيو الماضي بأننا نسبنا إلى بطرس غالي باشا وفتحي زغلول باشا أمورا مهينة بأن نبسنا إلى الأول انتزاعه الأرواح البريئة والثاني بأنه نطق بالحكم طمعا في المناصب العالية هذه المقالة نشرناها بنية حسنة تنطبق عليها أحكام الفقرة الثانية من المادة (261) ع.

إن الأصل في التشريع أن كل شارع حرم على الفرد جرح عواطف وشعور الشخص الآخر ولما كان جرح الإحساس والشعور يختلف بنسبة الأشخاص وفيما يتعلق بالوظائف قسم الشارع الفرنسي الإهانة التي تحلق بالأشخاص إلى جملة أقام وما يلحق بالموظف ولكنه عاد بعد ذلك فعدل في شرحه وعقبه بقانون الصحافة

وسمح لأي فرد من الأفراد أن يطعن على الموظفين إذا أراد الإثبات لقد قلت إن سنة 1881 لم يصدر فيها قانون الإهانة لكنه ألغى وجاء بعده قانون الصحافة ثم جاءت سنة 1838 ووضع فيها القانون المصري ونص على الأفعال التي تقع من الأفراد على الموظفين بالسبب أو الافتراء أو الشتم بسبب أعمال الوظيفة يدخل تحت أحكام المادة 124 من قانون العقوبات القديم والخلاصة أن هذا القانون لا يعاقب على الإهانة.

وذهب هذا القانون وجاء قانون 1904 بتعديلات مهمة وقرر مبدأ وحقا طبيعيا وهو حق الطعن على الموظفين متى كان الطعن يمكن إثباته ووضع الشارع المصري والقانون الجديد لفظة إهانة بدل لفظة الشتم في القانون القديم حيث قررهما وساواهما في مستقر واحد كما وضع في القانون سب وافتراء وأباح للأفراد توجيهها إلى الموظف متى ارتبطت بأمور معلومة،

وبعض الشراح عرف من كلمة إهانة بأنها كلمة مبهمة تشتمل القذف والسب لكن القانون جرد هذه الألفاظ وسماها بأسماء مخصوصة فقبيل القذف والسب من الأفراد في حق الموظفين وبقية كلمة الشتم وهي التي قامت مقامها الإهانة إذ تقرر ذلك يجب أن نبين للقضاء الشروط التي تشترطها المادة 159:

الإهانة في أثناء تأدية الوظيفة فإذا قلت لأحد الموظفين يا ضرير الأبعد فأكون أهنته بسبب تأدية الوظيفة ولكن الإهانة التي تلحق بالموظف في أثناء تأدية وظيفته أهم وأدق من الشيء الذي تقدم فإذا قلت لقاض وكيف يجب لمثلك أن ترفع الدعوى على يا كلب ويا خنزير أكون أهنته بسبب من الأسباب العامة.

النيابة تناقض نفسها بنفسها

وقد ضحكت كثيرا عند الاطلاعي على ورقة اتهامنا في أننا نسبنا إلى عطوفة الباشا وزميله الإهانة وق حققتها النيابة وهي تعترف أن التهمة قذف لكنها أرادت ألا يخرج المتهم بريئا وهو أمر لا توده الحكومة بل تود أن يخرس ولا يتكلم أترفعه قذفا وهي تعلم ما وراء هذه التهمة والأغرب من ذلك أن النيابة كانت توجه الأسئلة إلى المتهم وتقول أنت طعنت في ذمتهما ونسبت لهما أمورا فإذا كانت النيابة لا تريد أن تتمسك فالمحكمة كذلك يجب ألا تتمسك بالتحقيق.

حضرة القاضي إن موكلي لم يقل ما قال إلا للظروف والمناسبات والوقائع التي حدثت في زمان ومكان معين فبطرس غالي باشا وقف أمام الاحتلال وقفة العبد أمام إله وقدم له القربان بأن نطق بالحكم على شهداء دنشواي.

حضرة القاضي نعم إن من أسند إلى بطرس باشا واقعة معينة وهي حكمه على أربعة من الأبرياء في دنشواي لم تكن عبارته مبهمة إضافة إلى أن قوله تقديم القربنا لا يعد إهانة وإن ما وجه إلى فتحي باشا لا يعد إهانة أيضا فهو قد خاف من سلطة الاحتلال ومن رهبته فنطقا بما نطقا وكل عبارة من المقالة لا تعد إهانة دائما إذ يؤخذ من مجموعها ما يحط بكرامة الموظف وهل حب المناصب والرتب يعد عيبا.

وهل عبارة نقص الشعور بالواجب إذا قيلت في الظروف السابقة تعد أمرا مهينا وهل تدخل تحت أحكام القذف والطعن. حضرة القاضي إن النيابة تتهرب من الإثبات فأتت بأمور غريبة وأتت لنا بالإهانة التي لا يمكن إثباتها

وقالت لنا إن الحكم صار نهائيا ولا يمكن إعادة النظر فيه وهذه سفسطة لا يعبأ بها ألا ترى الشرائح الفرنسيين ينتقدون الأحكام التي تصدر من محاكمهم النظامية ولهم حق أن يطالبوا هؤلاء القضاة بتعويضات نحن لا نطلب منهم تعويضات إنما نطلب أن نبرأ ونثبت أن الأعمال التي أتاها بطرس غالي وفتحي باشا عن حقيقة وأن ما كتب عنهم هو الحق فهل الشيخ من المحكوم عليهم في دنشواي هل هو أحد الأربعة الذين حكم عليهم بالإعدام وهم أبرياء يمكن للمحكمة أن تعلم أن الحكم جائر من الدكريتو الصادر بتشكيلها

ومن العقوبات التي تحكم بها المحكمة وأنه لا يوجد لها مثيل في قانون العقوبات وإذا أثبتنا الأقوال التي قلناها عن بطرس غالي فتكون نيتنا حسنة وعبارة المقالة تدل على أن الشيخ جاويش كتبها وهو متأثر بالشعور الشريف بعد أن كتب عنها أهل أوروبا في جرائدهم بما فيها الإنجليز نعم كتبها وهو ملم بالمسألة كلها.

وليس بين بطرس باشا وبين الرجل المعمم عداوة مطلقا وقد كتب مقالا فهذا الرجل الذي مدح بطرس باشا لا يمكنه أن يذمه مطلقا فموكلي لا يعرف الأشخاص وإنما يعرف الأعمال وهذه الحادثة كلنا نتذكرها لأنها صحيفة من صحف التاريخ حادثة شنق فيها الآباء أمام الأبناء فلا يمكن للمصري أن ينساها يوما من الأيام فكيف بالرجل الذي يبكي من كلامي الآن ألا يبكي من ذكرى هذه الحادثة.

وفي النهاية نطلب من المحكمة أن تضم أوراق دنشواي إلى هذه القضية وتحليلها على التحقيق لتثبت للملأ سلامة نيتنا. وتحكم في هذه القضية بأنها من قبيل الطعن والقذف لا من باب الإهانة يا حضرة القاضي إننا أمام القاضي العادل الذي سيصدر حكمه بما يدله عليه ضميره وحسن نواياه.

نحن أمام محكمة لا تتأثر من أقوال الخصوم الذين يتحدثون في المجالس الخصوصية بالحكم علينا فذا حكمت بالبراءة كان حكمك حقا وعدلا إذا حكمت بالإدانة كان الرأي رأيك

• حكم محكمة جنح عابدين الجزئية:

حكمت المحكمة حضوريا بتغريم الشيخ جاويش وبإلزام أن يدفع ثلاثين جنيها على سبيل التعويض للمدعي بالحق المدني.

المرافعات أمام محكمة الاستئناف: المشكلة برياسة بوغوص بك إغوبيان وعضوية إبراهيم بك يونس والمستر كلابكوت.

مرافعة النيابة العامة عبد الحميد بدوي

نشر الشيخ عبد العزيز جاويش في 28 يونيه سنة 1909 مقالة بقلمه وإمضائه تحت عنوان ذكرى دنشواي وهي تتلخص في أنه نسب إلى عطوفة بطرس باشا أنه انتزع بقضائه أرواحا وقبضها بيده وقدمها قربانا إلى الجبار الظالم الغاصب القاهر وإليه وإلى سعادة فتحي باشا إنهما استهوتهما الآمال واستغوتهما المناصب واسترهبتهما عظمة الاحتلال.

فانطقهما بذلك الحكم الجائر لرغب في الألقاب والمناصب وعوز النفس إلى الشعور بالواجب وإلى حضرة محمد بك يوسف أنه أجاب بعض سائليه عن تلك الجناية الكبرى التي ارتكبها بالإهمال في الدفاع إذ قال ماذا جرى فئة من خشاش الفلاحين اعتدوا على سادة البلاد وأصحابها فعوقبوا بما استحقوا إلخ..

وأن اللورد أوعز ما أوعز فعنت الوجوه ونسيت الذمم وأعوزت القلوب الرحمة ثم قال عنهم جميعا إنهم أصبحوا يشق وجودهم على الأرض وأصواتهم على المسامع وذكرهم على الألسن وذكراهم على الصدور وما هم بعد ذلك بالخيانة والنفاق والفساد وبيع الأسرار والذمم وخسران الدنيا والآخر ودعا الناس في آخر المقالة إلى محاربتهم بالبغض ومعاملتهم بالحذر وسوء الظن.

هذه هي الإهانات القبيحة التي كالها ذلك الكاتب جزافا ونثرها نثرا في مقالته فخرج فيا عن موضوعها وهو ذكرى دنشواي وإن أعراض الموظفين وشرفهم ينبغي ألا تكون هدفا للإهانات ومرمى للمطاعن الفاحشة وأن تكون منزلة بني الاحترام والانتقاد.

أمام هذه الأقوال ثم رفع الدعوى العمومية ورأت النيابة أنه وإن اشتملت المقالة على إسناد بعض أمور معينة إلا أنها جاءت على شكل مبهم نوعا وسلك الكاتب فيها مسلك التعميم ورأت أن نسيج المقالة هو الإهانة لكثرة ما ورد فيها من عبارات التحقير فلما سئل الشيخ عبد العزيز جاويش في التحقيق ليبين عن قصده نفي أنه يقصد إسناد وقائع معينة وحصر مقاصد المقالة وعباراتها في معنى واحد.

هو أن الاثنين معا كان يصح لهما أن ينظما في سلك محكمة سياسية هي مظنة التنظيم فلم نجد بدا إلقاء تعميم الأمور التي وردت بالمقالة واتهامها وانتشار معنى الإهانة في أجزاء المقالة وتأكيد الكاتب أنه لا يقصد الطعن أو نسبة أمور معينة نقول لم نجد بدا إلقاء هذه العوامل من وصف التهمة بأنها إهانة بدلا من القذف.

وما كان غرضنا مطلقا أن نتهرب من وصف التهمة بأنها قذف ولا يمكن أن نقصد ذلك بعد أن صرحنا في أقوالنا أمام محكمة أول درجة بأن العمل معاقب عليه سواء اعتبر قذفا أو سبا أو إهانة ومن يلم بشروط القذف المباح فينبغي وجودها في هذه المقالة فلم لا يقصد ذلك من يعلم بأن المحكمة لها حق في تصحيح الوصف إذا رأت أن الوصف الذي أعطى للمتهم لا ينطبق عليه بل ينطبق على وصف آخر.

بينما الدفاع طلب اعتباره قذفا وقرر توافر شروط القذف وانطباقها عليها ومحكمة أول درجة وافقت على هذا الرأي فنحن لا نعارض في اعتبار الواقعة قذفا وسنتكلم اليوم عن التهمة باعتبارها قذفا فإن كانت هذه المحكمة ترى بعد ذلك أن الواقعة إهانة فشروط الإهانة متوافرة كما شرحناها في المرافعة أمام محكمة أول درجة.

يعترف الدفاع بتوافر الموضوع جميع شروط القذف في عبارات المقالة الموجهة إلى عطوفة بطرس باشا وسعادة فتحي باشا ويقتصر على البحث في سلامة نية الكاتب ومن أن المقالة لم تكتب بروح غير روح الانتقاد للإفاضة في توافر شروط القذف العامة ما دام الدفاع نفسه يعترف بتوافرها في غير موضع.

عاقب القانون المصري على القذف على وجه العموم ثم أفراد حكما لقذف الموظفين فيما يتعلق بوظائفهم فإذا انتقد كاتب بعض أعمالهم فتضمن ذلك الانتقاد قذفا أو سبا جاز له أن يثبت صحته وحسن نيته في إيراده فييرأ من العقاب أراد.

القانون أن يكون على الموظفين رقباء في أعمالهم حتى إذا اعوجوا ساعدوا على كشف حقائقهم وإبلاغها إلى رؤسائهم ولكنه أوجب أن يكون ذلك بقصد المنفعة العامة وأن يكون النشر بحيث يقنع بصحة ما جاء فيه من وقائع القذف وحرم على الكاتب أن يسرعوا إلى نشر وقائع القذف من غير تقدير ولا تثبت واشتراط لبراءة المتهم من القذف أن يقع القذف أو السب في انتقاد وأن يثبت الكاتب صحة مارمي به الموظف.

عبر القانون في النسخة العربية من قانون العقوبات عن الشرط الأول بالطعن في الأعمال وهي مترجمة عن الكلمة الفرنسية critique تحريف عن أنه استعمل كلمة الانتقاد في التعليقات عند شرح هذه المادة وهي الترجمة الصحيحة كما يعلم ذلك كل من يفهم مدلول الكلمتين في اللغتين

ولا نزاع في أن القانون بوضعه هذه العبارة يريد أن يجعلها شرطا قائما بذاته للبراءة من القذف ولا يمكن أن يكون قد قصد بها التعبير عن القذف لاختلاف مدلوليهما اختلافا كليا كما أنه لم يضعها عبثا ولو أن الانتقاد شرط يتعلق بصياغته الكتابية وحسن النية شرط لتلك الظواهر النفسية

وتلازم الانتقاد وحسن النية متعلقة بمقدار توفيق الكاتب بين قلمه وفكره على أنه يمكن تصور الانتقاد منفصلا عن حسن النية أي أن يكون الانتقاد لسوء نية ولكن لا يمكن تصور حسن النية في المادة (261) منفصلة عن الانتقاد.

عرف الانتقاد لغة بأنه البحث يقصد مدح العمل الصالح وذم غيره لاروس وعرفه الشراح الفرنسيون كارنتيه بأنه البحث المؤسس على أسباب أو المناقشة لعمل من الأعمال ذلك البحث الذي يستهدف بالأسباب والمبادئ لتقدير الواقع أو العمل المعين وهو الذي يفرض أن يحمل في طيه حسن النية هذا التعريف يتعلق بنوع من الانتقاد دون نوع آخر أي أنه في كل موضع على حدته بل الانتقاد صورة واحدة ينتج تطبيقها على المواضيع المختلفة بنتائج متنوعة ولكن صفته العامة لا تتغير بتغير المواضيع التي يتسعمله فيها.

التعريف الذي سبق لنا إيراده يختص بالانتقاد الذي لا يتضمن قذفا وهو الانتقاد المباح طبعا وشرعا والذي ليس فيه ما يستوجب المحاكمة بشكل من الأشكال هذا هو الانتقاد الذي أباحه القانون المصري وأباح معه أن يتضمن وقائع قذف إذا اقتضى الحال ذكرها إيضاحا وتقديرا للانتقاد

وبشرط إثبات صحتها وحسن النية فيها فلا محل لاعتراض حضرة المحامي بأن الانتقاد قد يشمل وقائع فإننا لا ننكر عليه ذلك وإنما الذي ننكره أن يتضمن الانتقاد وهو طريقة البحث المؤدبة الرزينة المبنية على أسبا ننكر أن يتضمن ما يفيد التحقير والغلو في الذم والخفة في الحكم ننكر أن يكون الانتقاد خاليا من بيان الأسباب التي كونت اعتقاد الكاتب أو الإشارة إليها ننكر أن الانتقاد يخلو من هذه الصفات جميعها وهي طبائعه الأولى.

وإن اشتمل الانتقاد على وقائع قذف لا يبيح مطلقا أن يخرج عم موضعه ويصبح سلاحا تحمي به الكتابات السفيهة الخالية مما يكون الاقناع إذ غاية ما في القذف إسناد وقائع معينة لو صحت لأوجبت العقاب قانونا أو الاحتكار عند أهل الوطن وليس فيه غير ذلك فإذا أجيز القذف بشرط وقوعه في انتقاد تحتم أن ينشر مع وقائع القذف ما يسهل الاقتناع بما فيها والتصديق له وقد اشترط القانون حسن النية وجعل من ضمن شروطها أن يعتقد القاذف في ضميره صحة الأمور التي أسندها إلى الموظف.

وأن يكون قد قدرها تقديرا كافيا أفلا يكون من الواجب أن يظهر ذلك في النشر حتى يكون سببا إلى اقتناع الناس وسببا بعد ذلك على إقناع بحسن نية القاذف أي أنهيج عليه أن يعرض على الناس أسباب اقتناعه وذلك عين الانتقاد الذي تقدم لنا شرحه.

ثم إذا كان نفي وقائع القذف جائزا للموظفين أمام المحكمة أفلا يكون نتيجة عن هذا انه كما كان للقاذف أن يلصق الأمور التي تكون القذف بطريق النشر يكون للمقذوف في حقه أن يبرئ نفسه من تلك الأمور بذلك الطريق عينه وأن له ذلك إذا كانت الأمور المنسوبة إليه ليست مؤسسة على أسباب ولا هي موضوعة بشكل يحتمل المناقشة إلا أن ينكر كل ما قذف به إنكارا جافا وليس في ذلك كبير نفي.

ربما قام في سبيل تسليم حضرات المحامين بالشرح المتقدم تأثرهم بشروح القانون الفرنساوي في هذا الموضوع حيث لا يجدون أثرا لهذه القيود وحيث يجدون قذف الموظفين مباحا كائنا ما كان بشرط إثبات صحة الوقائع فقط ولكن ذلك الشك يوشك أن يزول إذا علموا وهم يعلمون أن القانون المصري قد أقام بينه وبين القانون الفرنساوي في هذا الموضوع حاجزا كثيفا باشتراط الانتقاد وحسن النية للبراءة من القذف.

يتضح من مراجعة التعريفات وشرحها ومن نص المادة 261 التي تشترط الانتقاد صراحة وتشترط حسن النية أيضا وهو شرط ينتج فيه حتما اشتراط الانتقاد ولو لم يكن مصرحا بوجوبه لأن حسن النية في المادة (261) لا يمكن أن تتخذ لنفسها مظهرا غير الانتقاد ومن مراجعة التعليقات التي تعرف الانتقاد بأنه إظهار رأي يتضح من ذلك كله أن الذي يسمح بإثباته هو القذف الذي يكون نتيجة طبيعية للانتقاد وأنه إذا انتفى شروط الانتقاد امتنع الحكم بالبراءة في تهمة القذف.

أما حسن النية التي يشترط ثبوتها في القذف الجارح حتى تصح براءة المتهم منه فنكتفي في شرحها بما ورد في التعليقات وشرط حسن النية هو مسألة من المسائل المتعلقة بالوقائع يمكن أن تقرر لها قاعدة ثابتة لكن يلزم على الناقد أن يكون موجه الانتقاد ويعتقد في ضميره صحته حتى يمكن أن يعد صادرا عن سلامة نية

وأن يكون قدر الأمور التي نسبها إلى الموظف تقديرا كافيا وأن يكون انتقاده للمصلحة العامة إذا تقرر ذلك وتقرر أن يفرض في جريمة القذف على وجه العموم توافر سوء النية فلنراجع المقال لنرى هل ما ورد بها انتقاد بحس نية أم شيء آخر.

وصف ما وقع من الكاتب بأنه انتقاد بحسن نية جاء متأخرا وفي المرافعة فقط وإلا فإن الذي ينكر قصده الصريح في عبارة استهوتهما الآمال إلخ ولا يزال يتلمس الأسباب والأدلة من المقالة على غير طائل ليثبت بها أنه لم يقصد الطعن مطلقا

إذ يقول في التحقيق إن عبارة اقر عيون رئيس المحكمة وقاضيها الواردة في محل آخر من المقالة يدل على أنها لم يكونا يريدان شيئا وإذ ينكر أنه يقصد أحدا بقوله أوعز اللورد كرومر ما أوعز فنسيت الذمم إلخ وإذ ينكر في الجلسة التهمة الموجهة إليه المبنية على أقواله الصريحة نقول إن الذي يكون هذا شأنه في بيان مقاصده لا يمكن أن يفهم أنه منتقد من الصنف الذي إذا انتقد كان مستعدا للإثبات هذا الاستعداد للإثبات الذي سمعنها من الدفاع كثيرا أو الذي لم نر وراءه شيئا آخر لا يؤثر في كيفية تكون جريمة القذف فقد وقعت الجريمة وقت كتابته المقالة.

وانتفى فرض أنها انتقاد يستعد الكاتب لإثباته بطبيعة الكتابة وبمجرد سؤاله الكاتب عن قصده من كتابها فهو أحسن رجل يمكن أن يعرف إن كانت الوقائع التي تضمنتها المقالة يمكن إثباتها أم لا بل هو الوحيد المطالب بذلك وكل ما يجئ على لسان الدفاع تحصيل حاصر ورأى مختمر وتناقض غريب.

وإذا كانت الجريمة حصلت بحالة وظروف معينة فلا يمكن أن ظروفا تعرض بعد ذلك أن يكون لها شأن في تغيير كيان الجريمة ومقوماتها لا يقول فقط أنه ليس لدفاع المحامين بإثبات صحة الوقائع قيمة قانونية بل إن المقارنة بين أقوال الكاتب في التحقيق وأقوال الدفاع في الجلسة تستدعيا العجب فبمقدار ما كان الشيخ عبد العزيز جاويش يفر من صراحة نسبة الإهانات التي وجهها إلى المجني عليه جميعا كان المحامون يستقبلون هذه الأقوال بصدر رحب وجنان برئ ووجد فيهم دفعة واحدة الاستعداد لإثبات كل ما جاء بالمقالة.

الذي يريد الانتقاد ويحسن النية لا يرسل نسب الخيانة والنفاق والمروق إلخ جزافا من غير أن يشير بشكل صريح أو أن يثبت بتحديد العمل الذي استحقوا عليه الأوصاف جزاء وفاقا بل ماذا في المقال جميعها كان مبنيا على أسبابا أو كان على شكل يحتمل المناقشة.

أين الانتقاد وحسن النية من الذي يدعو إلى محاربة المجني عليهم بالبغض ومعاملتهم بالحذر وسوء الظن؟ وماذا يكون قيمة الاستناد إلى مدح الكاتب لعطفة رئيس النظار في حادثة الأزهر إذا كان هذا رأيه فيه وهذه دعوته للناس عن حادثة حصلت وانتهت قبل أن توجد حادثة الأزهر بزمن طويل وماذا في هذه الأوصاف والنسب قدره الكاتب تقديرا كافيا أو اعتقد في ضميره صحته وهو قد زلزل يقينه أمام التحقق وعاد منكرا كل طعن؟

ثم كيف تكون المقالة انتقادا أو يكون الكاتب سليم النية فيها وهي قد ضمنت من عبارات الإهانات شيئا كثيرا فينما يعبر عن فتحي باشا بأنه قاضي دنشواي إذ يقول عن الجميع أنهم أصبحوا يشق وجودهم على الأرض وذكرهم على المسامع إلخ..

ويعب عن عطوفة بطرس باشا في غير التذكير بحادثة دنشواي رئيس محكمة دنشواي وهي ليست وظيفة أو عملا فهل المقالة التي حشوها كل هذه العبارات تكون انتقادا بسلامة نية لا يمكن أن يكون الأمر كذلك وموضع المقالة التذكر والتشنيع كما يدل عليها عنوانها لا يكون ما في المقالة انتقادا بسلامة نية والكاتب ينشر بعد الحكم بيومين فقط رسالة من الإسكندرية يعبر فيها عن بطرس باشا برئيس محكمة دنشواي وينشر بعدها مقالة عنوانها الجرائد الحرة والموظفون بقلم المتهم وإمضائه ملؤها التهكم والاستهتار.

ثم من أين أتى للكاتب أن الاثنين اللذين ذكر اسميهما في المقالة كان لهما رأي مخصوص في الحكم مع أن سر المداولة لا يبيح له أن يعلم أن يحدس رأي أحد القضاة والأسباب التي بني عليها رأيه وعلى الخصوص في قضية كهذه صدر الحكم فيها من محكمة أخرى فإن سر المداولة يمنع القضاة أن يبوحوا بها فلا يمكن استعمال حقهم في إثبات العكس من أين أين أتى له ذكره وهو نفسه يقول في التحقيق لا يمكن أن يعرف إن كان الحكم باتحاد الآراء أو لا؟

نحن لا نمنع الكاتب التذكير بحادثة دشنواي كما أن الدعوى العمومية لم ترفع عن هذا التذكير وليس في وسعنا ذلك إذا أردناه فمن العنت إفراغ الجهد في إثبات أن الحادثة لا يمكن أن تنسى ومن العيب الادعاء على النيابة أنها تريد أن تجعل الحادثة نسيا ومنسيا فإنها لم ترد ذلك ولا قالت شيئا يستفاد منه ذلك المعنى بل قالت على عكس ذلك قالت إنه كان للكاتب مندوحة عن الطعن والتشهير بالرجال إلى التذكير بالحادثة بطريقة آخرى مشروعة كما فعل ويفعل غيره فالشيء الذي رفعت عنه الدعوى العمومية كما يظهر من هذه الأقوال

ومن المقالة ليس هو التذكير بحادثة نشواي وإنما هو الطعن والتشهير بالرجال وإذا كانت المقالة قد كتبت بعد الحادثة بثلاث سنيني فمن المحتم أن الكاتب كتبها بعيدا عن تأثير الانفعالات الوقتية فكان يجب عليه أن يزن الكلام ويتدبر مراميه ويستشعر أي مسئولية يجرها على نفسه بإرسال هذه الأقوال جزافا فإذا كان ذلك شيئا لم يأخذ نفسه به ولم يمرنها عليه فذلك ليس ذنب الدعوى العمومية.

وهل إذا كانت حادثة دنشواي من الهول والشناعة على ما وصف المحامون أيكون ذلك مبيحا للكاتب أن ينتهك أعراض المجني عليهم الثلاثة ويستحل حرماتهم بدون ذنب وإلى هذه الدرجة فترى المحكمة مما تقدم لنا شرحه أن المتهم لم يكتب انتقادا لخلو المقالة جميعها من بيان الأدلة على صحة وقائع القذف بل لخلوها مما يمكن أن يكون الاقتناع بشكل من الأشكال وأنه لم يكن حسن النية ومن المعلوم أنه إذا لم يتوافر حسن النية فلا يترتب على إمكان إقامة الدليل على صحة الأفعال المنسوبة إلى الموظفين بعقوبة.

وبناء على ذلك يكون ما وقع من المتهم معاقبا عليه بالفقرة الأولى من المادة 161 والفقرة الثانية من المادة 261 والفقرة الثانية من المادة 262 عن الوقائع المعنية المنسوبة إلى الموظفين وإلى محمد بك يوسف وبالمادة (159) من الألفاظ الإهانة وعبارتها التي تتكررت في المقالة وأشررنا إليها وبالمادة (32) عن جميع هذه الجرائم لوقوعها في مقالة واحدة لغرض واحد.

أما عن قذف حضرة محمد بك يوسف فإنني أعضد مذكرة حضرة الأستاذ اسكندر بك عمون وأؤيد كل ما جاء سوى كلامه في التعويض فليس للنيابة شأن فيه وأترك لحضرته الكلام في تلك التهم.

أما عن الحكم الابتدائي فقد اشتمل على خطأين في التطبيق الأول أنه حكم بعقوبتين عن جريمتين وقعتا لغرض واحد وهما مرتبطتان ببعضهما بحيث لا يقبلان التجزئة والصحيح في ذلك اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشد هاتين الجريمتين كما هو نص الفقرة الثانية من المادة (32) وفيها فقرتان تشتملان على عقوبتين مختلفتين ولم يبين أي فقرة طبق والصحيح أنها الفقرة الثانية وهي التي نطلب اليوم تطبيقها.

أما قول حضرة الأستاذ الشيمي بك إنه لم تحصل مرافعة في القذف فربما قال ذلك لأنه لم يطلع أو لم يسمع مرافعة زميله الأستاذ لطفي بك وطلباته ولا على مرافعة الأستاذ بسيوني فإن الأول منهما تكلم عن أركان القذف المباح وأثبت ذكرها وطلب اعتبار المقالة من قبيل القذف المباح واحتياطيا الإحالة على التحقيق والثاني تكلم عن حسن النية في عموم المقالة وإن الذي يقرأ الحكم ويطلع على أسبابه ويرى كيف ثبت لحضرة القاضي إدانة المتهم

وكيف أخذ بالظروف المشددة التي في المقالة يعجب من منطوق الحكم ويرى ألا تلاؤم بين الأسباب والمنطق ومن شدة المقالة وخفة الحكم بل إن الحكم يفقده ذلك التوازن كان واهن التأثير ضعيف قوة التأديب قد نشر المتهم بعده بيومين رسالة من الإسكندرية.

ونشر بعدها مقالة أشرنا إلى مضمون ما جاء فيها كلتا هما تدل على أن الحكم وإن كان قد قضى بالإدانة إلا أنه لم يبلغ من نفس الكاتب مكان التأثر والاستفادة مع العلم بأن الحكم بالغرام نفذ مباشرة فلا فرق من وجهة التأثر بينه وبين الحكم الاستئنافي الذي يؤيده وقبل أن نختتم المرافعة نقول كلمة عن دوسيه قضية دنشواي.

رمي الدفاع النيابة بأنها تتهرب من الموافقة على ضم قضية دنشواي لغرض مخصوص وحاول التشويش على القضية بذلك وكنا نود ألا يصل الدفاع عن التجاهل بقواعد القانون ونظاماته إلى ما وصل إليه ومع ذلك لا نرى بأسا من عرض أسباب معارضتنا على المحكمة لعل الدفاع يكف عن تجاهله هذه المرة أعرب الدفاع عن استعداده للإثبات ورغبته فيه.

وأن طريقه إلى ذلك هو دوسيه قضية دنشواي لم يكن أمام الكاتب وقت كتابته المقالة ولا قبلها فإن الكاتب نفسه لم يتعرض للإثبات ف التحقيق وخرج المقالة تخريجا يجعلها غير قابلة للإثبات والنفي على أننا نتجاوز ونجاريه في الكلام عن الإثبات.

من يراجع المقالة يشهد بأنها على إمتلائها بالمطاعن مبهمة على وجه العموم وكل ما فيها من الوقائع التي يمكن اعتبارها محددة نوعا عبارتان الأولى مقالة أوعز اللورد فأنطقهما ذلك الحكم الجائر لرغب في الألقاب والمناصب وعوز النفس إلى الشعور بالواجب والثانية قوله أوعز اللورد كرومر ما أوعز فنسيت الذمم إلخ والعبارة الأولى مسألة نفسية لا يتغلغل إليها الإثبات ولا ينتقد فيها التحقيق

وأما الثانية وهي أكثر ما في المقالة تحديدا ونظن أنها أساس كل المطاعن والإهانات الأخرى فإننا ننظر في علاقة إثباتها بدوسية قضية دنشواي من تحقيق وحكم وعفو ننظر في هل يمكن الانتفاع به في إثبات هذه الواقعة أم لا؟

لا نزاع في أن من قواعد النظام العام اعتبار الأحكام النهائية ناطقة بالحقيقة وقد راعى الشارع في ذلك أنه وإن كانت بعض الأحكام تنطوي على خطأ محض أو ظلم بين فإنه يجب إعطاء الأحكام النهائية على وجه العموم قوة تماسك وإنزالها من الثقة والتسليم منزلة تمنع من ابتذال النظام القضائي بمراجعة الأحكام أكثر من الدرجات المحددة قانونا وينتج عن هذا أن الأحكام النهائية بمأمن من الرجوع فيها أو مراجعتها أمام المحاكم بأي شكل من الأشكال وأن القضاة في حل من الخطأ إلى أن يبلغ فساد الذمم والغش.

لهذا اعتبروا أن الطعن في الحكم بالظلم فقد إهانة للقضاء لا قذف فيهم فلا يصح عند رفع الدعوى العمومية على من نسب للقضاء الظلم أن يسمح له بإثبات صحة وصفة للقاضي وإلا كان ذلك مدرجة إلى امتهان كرامة القضاة وابتذال مكان القضاء يعرض الحكم مرارا عديدة لمناقشته واستباحة الطن فيه وما دام للقاضي حق تقدير الخصومات المرفوعة إليه وكان التقدير يختلف باختلاف الأشخاص وكان القاضي في حل من الخطأ إذا بدر منه.

وكان لا يمكن تغليب تقدير عليه فيصبح من العبث إثبات ظلم الحكم في كل مرة طعن فيه بذلك فإذا طعن أحدهم في القاضي بتعمد الظلم بناء على إطاعته إيعاز أو رجاء أو توصية كان ذلك قذفا في القاضي جائز الإثبات ولكن الإثبات فيه لا يقوم بالاستنتاج من الحكم مطلقا بل لابد لإثباته من الرجوع إلى وقائع محسوسة منفصلة عن الحكم ورأي القاضي وتقديره يرجع إلى عقل القاضي ووجدانه فإن كل تقدير حكم مخصوص سب غير الاقتناع به كالإيعاز أو الرجاء أو التوصية.

فذلك يصح أن يعرض للإثبات والمناقشة إذا كانت هناك وقائع تساعد على إثباتها ولا دخل للأحكام في إثباتها ذلك لأنه لا يوجد فيها شيء يدل على سبب التقدير وقد ورد في كاربنتيه تحت شرح المادة (183) إنه لما كان الحكم ظالما فإنه لا يمكن إثبات أن القاضي ظالم لغرض إلا الوقائع الخارجية عن الحكم على أن القول بإمكان إثبات الإيعاذ اللورد كرومر على فرض أن يبطل الإثبات لا يمكن إثباته بطريق الاستنتاج من الحكم كما سبق لنا شرحه.

مرافعات الدفاع

مرافعة الأستاذ إسماعيل شيمي المحامي

نلتمس من المحكمة قبولا الاستئناف المقدم من المتهم شكلا فيها يتعلق بالحكمين المطعون فيهما.

  1. وموضوعا إلغاء الحكمين المذكورين فيما ينافي الطلبات التي قدمها المتهم أمام محكمة أول درجة.
  2. ونلتمس أن تصرح وتقرر بأن الأفعال المسندة إلى الطالب بناء على ما تضمنته ورقة الاتهام الأولى وفي إعلان الحضور أمام دائرة الاستئناف تقع تحت طائلة المادة 216 من قانون العقوبات بمجموعها وذلك فيما يختص بتهمة الإهانة الموجهة ضد بطرس باشا غالي وفتحي باشا زغلول
  3. وتقرر أن قاضي أول درجة خالف صراحة روح القانون ونصوصه بإحداثه نوعا جديدا من القذف لا يمكن فيه إثبات الأمور المقذوف بها إذا كانت عبارة الكاتب التي انتقد بها أعمال الموظف لم يراع فيها الذوق الجميل والمراتب العالية واضعا بذلك مبدأ جديدا دستوريا يترتب عليه جعل كرامة الموظف فوق الصالح العام مهما كان ذلك الموظف مجرما وأن شدة الانتقاد تمحو عن الموظف غلطاته.
  4. تقرر أن فوز هذه المبادئ في تطبق القانون يجر إلى تحقير سلطة الحكومة والحط من هيبتها وهما الشيئان اللذان لا يجوز ارتكازهما إلا على استقامة رجال الحكومة وذمتهم الطاهرة.
  5. وتقرر أن قاضي أول درجة خرق القانون باستنتاجه بمجرد نظره الشخصي قرينة على سوء نية المتهم تخالف القرائن التي نص عليها القانون وخول دحضها بأدلة النفي فحاول باستنتاج هذا بين المتهم وبين برائته إلى الأبد لأنها تحرم عليه كل وسيلة للتخلص من المسئولية التي ترتب على هذه القرينة الحكمية.
  6. وتقرر بناء على ذلك أن قاضي أول درجة إذ يرفض إجابة المتهم إلى ما طلب من الأساس للسبب المتقدم ذكره قد خرق القانون بصفة صريحة وذلك أصبح حكمه واجب التعديل.
  7. وتقرر أيضا أن الحكم المطعون فيه يجب تعديله في كل أجزائه التي قضي بها القاضي في أشياء لم تطلب منه.
  8. وأن تقرر بأن قاضي أول درجة الذي لم يطلب منه سوى الحكم ببيان ضفة التهمة الموجهة إلى المتهم قد تعدى هذا الطلب وتناول موضع التهمة بعد تحديد صفتها مع أنه لم يسمع دفاع المحاماة في الموضوع ولا مرافعة النيابة العمومية في نفس التهمة التي قرر صفتها ولا شك في أنه بذلك قد تعدى حد مهمته القانونية وعلى ذلك فيتعين إلغاء حكمه المعيب لأنه تصمن البت فيما لا يطلب من المحكمة.
  9. وأن تقرر هذه المحكمة أن سكوت محكمة عابدين عن الرد على الدفع الفرعي المتعلق بالمادة السابعة من قانون العقوبات ذلك الدفع الذي يجعل المادة (261) وهمية لا مفعول لها تقريبا إذا إنه بناء على أحكام الشريعة الغراء يمكن لكل شخص أن يقيم الدليل على صحة الوقائع التي ينسبها للغير ولا شك في أن سكوت محكمة عابدين عن إبداء رأيها في هذا الدفع الفرعي الذي يؤثر كثيرا في جوهر التهمة يقضي الحكم المطعون فيه في هذه النقط.
  10. أن تقرر هذه المحكمة أنه من الحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء أن يقيم المتهم الطعن بالأدلة على صحة ما نسبه للغير وأنه ليس للقاضي أن يمس هذا الحق في حكم سواء كان الطعن موجها إلى موظفين عموميين أو إلى أفراد الناس.
  11. أن تقرر هذه المحكمة أن المادة (261) عقوبات بعد تعديلها تطبيقا للمبادئ السابقة الذكر تبقى بلا تأثير وأنه يجب الحكم ببراءة المتهم إذا ثبت أن الشخص المطعون فيه قد ارتكب حقا ما انتقده عليه المتهم علنا حيث إنه بارتكابه لتلك الأمور قد عرض نفسه للانتقاد كل من شاهدوا وقوع تلك الأمور.
  12. وأن تقرر باعتبار الموضوع أن الدعوى غير صالحة للحكم الآن وأنه يجب إجراء التحقيقات التي طلبها المتهم في مرافعته أمام محكمة أول درجة وأن تحكم بإجابة ما طلبه المتم من استحضار النيابة لأوراق دنشواي وكل ما يتعلق بالعفو عن المحكوم عليهم.
  13. وأن تبح هذه المحكمة للمتهم أن يستدعي جميع شهود النفي الذين يقررون الأمور المطعون فيها وخصوصا الشخصين اللذين طعن عليهما فيالمقالة المؤاخذ عليها.
  14. وأن تقرر المحكمة زيادة على ذلك أنه إذا رفضت الحكومة تقديم الأوراق المطلوبة أن تصبر على الاستغناء عنها في المرافعة وأن تحكم المحكمة بصحة كل الأوراق المتعلقة بدنشواي التي تقدمها والتي تتضمن كل تفاصيل حادثة دشنواي بما فيها من مرافعات وحكم وتحقيقات وكذلك كل ما قيل وكتب في هذه الحادثة سواء في جرائد مصر أو جرائد البلاد الأجنبية وخصوصا ما قيل وكتب عن هذه الحادثة بواسطة أعضاء مجلس العموم الإنجليزي كما كتبه وكلاؤها السياسيون وبالجملة كل الأوراق والمستندات التي تصلح لتنوير المحكمة وإيقافها على حقيقة الأمور التي نسبناها للمطعون فيهما للتأكد المحكمة من سلامة نيتنا فيما كتبناه في هذا الصدد حتى إذا أقمنا الأدلة اللازمة وسمعت أقوال النيابة وترفعنا عن المتهم أمكن المحكمة أن تحكم على بينه من الأمر.
  15. وأن تقرر المحكمة بأنه إذا وجد في المقالة المؤاخذ عليها عبارات مهينة خلافا للأمور المطعون بها أو إسنادات سب يمكن اعتبارها موجهة إلى موظفين عموميين أن هذه العبارات أو الإسنادات هي عبارات لا تتجزأ وأن علاقتما بعضها ببعض علاقة السبب بالمسبب.
  16. تقرر المحكمة أنه لا وجه للنيابة في طلب التشدد أمام هذه المحكمة لأن استئنافها لا يمكن أن يكون موضوعه إلا التكلم في موضوع إلغاء الصفة التي قررتها محكمة أول درجة للتهمة الموجهة ضدنا.

وبعد فيجب عليها أن نقدم للمحكمة الآن شرح طلبين من تلك الطلبات التي قدمنها هنا قبل أن نخوض في شرح جميعها بالتفصيل.

(الأول) شرح المادة 7 وطلب تطبيقها على المادة 216 فنقول:

حيث إنه من مبادئ الشريعة الإسلامية العامة أنه لا يمكن لأي أمير مسلم أن يجاوز كتاب الله ولا أن يتعدى حق مقاومتها له بالقوة وعلى ذلك يتحتم عزله بموجب فتوى من رجال الدين.وحيث إنه يمثل هذه الفتوى عزل الحاكم الأخير لمصر قبل محمد علي وبها أيضا عين هذا واليا على مصر.

وحيث إنه تولى هذا الوالي ولاية مصر قد اشترطت عليه الفرمانات الشاهانية أن يحكم الأمة بما يقضي به الشرع الشريف والفرمانات التي أتت بعد ذلك لخلفه كانت كلها تأمرهم بألا يخرجوا عن حدود الشرع في إدارتهم وتوجب عليهم اتباع النصوص المدنية في الخط الشريف جلخانة سنة 1839 والنصوص المدونة أيضا في الخط الهمايوني الذي حدد بعد ذلك بخمسة عشر سنة.

وهذا البعض المدون في الخط الشريف المذكور الذي أصدره أمير المؤمنين المغفور له السلطان عبد الحميد خان في جان الجلخانة الصادر في ستة وعشرين شعبان سنة 1255هـ الموافق 3 نوفمبر سنة 1783م:

لا يخفى على جميع الناس أن دولتنا العلية كانت مبدأ ظهورها متبعة أحكام القرآن الكريم والقوانين الشرعية المنفية جميعا إلى أن قال واعتمادا على المعونة الإلهية واستنادا إلى الإمدادات الروحانية النبوية قد رئى من الآن فصاعدا أهمية لزوم وضع وتأسيس قوانين حديث تتحسن بها إدارة ممالك دولتنا العليا المحروسة.

إلى أن قال والحاصل إنه بدون تدوين هذه القوانين النظامية لا يمكن حصول القوة والعمار والراحة فإن أساس جميع ذلك هو عبارة عن المواد المشروحة ولا يجوز بعد الآن إعدام وتسميم أرباب الجنح جهرا أو خفية بدون أن تنظر دعاويهم علنا بكل دقة بمقتضى القوانين الشرعية ولايجوز مطلقا تسلط أحد على عرض وناموس آخر إلى أن قال وقد أعطيت من طرفنا الملوكي الطمأنينة التامة في الروح والعرض والناموس والمال بمقتضى الحكم الشرعي.

إلى أن قال وعلى هذا فكل من خالف هذه القوانين الشرعية من الوكلاء أو العملاء أو أي إنسان مهما كانت صفته سيجري توقيع الجزاءات اللازمة عليهم بدون رعاية ولا خاطر إلى أن قام ونسأل مالك الممالك أن يلهمنا التوفيق جميعا وأن يصب على كل من خالف هذه القوانين المؤسسة سوط عذاب النقمة وألا ينجح له أعمال مدى الدهر آمين.

وحيث إن الفرمان المعطى لسمو الخديوي الحالي يتضمن الشرط الآتي نصه:

بما أن سكان مصر هم من رعيتي ولا يمكن أن يتحولوا في أي وقت كان لأقل ضعف أو فعل استبدادي فعلى ذلك خولناكم حق تحضير وتقدير كل اللوائح اللازمة الموافقة لهذا الشرط بطريقة عادلة وحيث إنه اتباعا لهذه المبادئ الأساسية أعطى الخديويون سلطة التشريع تحت شرط أساسي وهو ألا يتعدوا مطلقا أو بأي حال بلوائحهم الشرع الشريف.

وإنه عملا بهذه المبادئ والشرائط وامتثالا لما تأمر به الديانة المحمدية قد قرر الخديوي السابق المرحوم توفيق باشا في سنة 1884 قانون العقوبات الذي أخذ يفسر حقه في هذا التشريع.

قال في المادة الأولى من هذا قانون ما نصه: من خصائص الشريعة أن تعاقب على الجرائم التي تقع على أفراد الناس بسبب ما ترتب عليها من تكدير الراحة العمومية وكذلك على الجرائم التي تحصل ضد الحكومة مباشرة وبناء على ذلك قد تعينت في هذا القانون درجات العقوبة التي لأولياء الأمر شرعا تقريرها وهذا بدون إخلال في أي حال من الأحوال بالحقوق المقررة لكل شخص بمقتضى الشريعة الغراء.

وحيث إن الخديوي الحالي لما أراد أن يغير قانون العقوبات رأى من الواجب المقدس عليه أن يقرر هذه الحدود لقدرته التشريعية فقد أتى في المادة (7) من قانونه لهذه التصريحات بعينها فبناء على ما سبق يجب إذن البحث في القرآن الحكيم وفي الأحاديث الشريفة وتصريحات الخلفاء على كل ما يكون.

أولا: الحقوق الشخصية في مواد مسئولية الإنسان عن فكره عندما يعمل به.

ثانيا: البحث في حقوق القاضي وحقوق المتهم إزاء القاضي تلك الحقوق التي لا يمكن للقاضي أن يتعدها إلا وهو آثم إثما عظيما.خلق الإنسان حرا وحريته لا يمكن أن تصل إلى حد الإضرار بنفسه أو بالناس وفي الحديث الشريف (لا ضرر ولا ضرار).

وبما أن الإنسان خلق حرا فلا يمكن أن يحد إنسان آخر من حريته في القول والعمل مالم يكن هذا القول أو العمل مغايرا لأمر الله تعالى أو منكرا أو مغيرا للمصلحة العامة قال صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه

فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان قال تعالى في كتابه العزيز (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وقال عز وجل (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) فبقدر الإمان أمرنا بالتعاون وهو الحث وتسهيل طرق الخير وسد باب الشر بقدر وقد بين الشرع الشريف أن مراتب الحسنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغير الحاكم أربع وهي:

  1. التعريف.
  2. الوعظ والكلام اللطيف.
  3. السب والتعنيف.
  4. المنع قهرا بطريق المباشرة.

وقال صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لامرئ هد مقاما فيه حق إلا تكلم به فإن لن يقدم أجله ولن يحرمه رزقا هو له وقال ابن مسعود قال الرسول عليه الصلاة والسلام ما بعث الله نبيا إلا وله حواريون فيمكث النبي بين أظهرهم ما شاء تعالى فيهم بكتاب الله وبأمره حتى إذا قبض الله نبيه مكث الحواريون يعملون بكتاب الله وبأمره وسنة نبيهم فإذا انقرضوا كان بعدهم قوم يركبون رؤوس المنابر يقولون ما يعرفون ويعملون ما ينكرون فإذا رأيتم ذلك فحق على كل مؤمن جهادهم بيده فإن لم يستطع فبلسان فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك إسلام.

وحيث إن هذا الحديث الشريف يخول كل مخلوق الحق في أن يجاهد بقلمه والقلم أحد اللسانين وبفعله إزالة المنكر مهما استعمل إزالته من السبب والتعنيف ومما يؤيد هذا الحق قوله تعالى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وحيث إن صاحب فتح البيان قال في تفسير هذه الآية الشريفة من ظلم في فعل أو قول فجاهروا له بالسوء من القول في معنى النهي عن فعله والتوبيخ له.

قال الله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) فليس على الحاكم إلا أن يرجع إلى حكم الله فيما قضي فيه وقال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) وقال تبارك وتعالى (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) وقال عز شأنه ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).

ولا يجوز للقاضي أن يمتنع عن استماع ما قدمه المدعي عليه من الدفع الشرعي الذي لو صح لترتب عليه عدم توجيه الخصومة عليه بل يجب على القاضي شرعا الاستماع لهذا الدفع وتكليف الدافع إثبات صحة ما دفع به. وطريق الإثبات ثلاث وهي:

البينة والإقرار والنكول عن الحلف ولا يجوز شرعا للقاضي أن يحم بعمله مطلقا كما ورد في الشرع الشريف.

وجوب رفض طلب النيابة للتشديد

حيث إنه يحسن بنا أن نبحث عن القيمة القانونية للاستئناف التي يرفها الخصوم وحيث إن دعوى النيابة العمومية هي دعوى الإهانة وحيث إن الدفع الفرعي للمتهم كان ينحصر في أن ترفض المحكمة هذه الدعوى وأن تصف الحوادث المعروضة أمامها بصفة القذف لا الإهانة.

وحيث إن المحكمة قد أجابت طلب المتهم ورفضت ودعوى النيابة بان التهمة إهانة ولكنها حكمت في موضوع القذف بدون أن تسمع أقوال النيابة في ذلك ولا دفاع المتهم فتعدت بذلك حد المطلوب منها البت فيه وحكمت على المتهم بالغرامة.

وحيث إنه من المبادئ القانونية المهمة أنه لا يمكن لأحد أن يرفع استئنافا في حكم مطابق لطلباته بناء عليه لا يمكن أن يكون موضع استئناف المتهم إلا تطبيق العقوبة قبل سماع دفاعه في محكمة أول درجة.

وحيث إن استئناف النيابة الذي لم تبين فيه الأسباب فلا يمكن أن يتناول من حكم أول درجة إلا نقطة وصف التهمة.

وحيث إنه لا يمكن أن يقبل من النيابة أن تشتكي من الوصف الذي قرره القاضي الابتدائي للتهمة وتطلب تعديل ذلك الوصف من جهة وأن تأتي من أخرى فتوافق على هذه الصفة فتطلب التشديد.

وذلك لأنه لا يمكن للنيابة أن تطلب التشديد إلا إذا طعنت في موضوع العقوبة نفسها وكانت تلك العقوبة نتيجة للصفة التي وصفت بها الأفعال والحوادث التي أجرى التحقيق وأقيمت الدعوى من أجلها.

وبناء عليه فإن النيابة بطعنها في موضوع العقوبة نفسها وبطلبها معاقبة المتهم بعقوبة الإهانة لا يمكنها الآن أن توافق على الصفة التي قررها القاضي وأن يصير استئنافها على طلب تشديد العقوبة فحسب.

وحيث إنه لم يرد في إعلان الاستئناف ذكر لتشديد العقوبة المحكوم بها ولكن النيابة طلبت مجرد تطبيق المادة (159).

وحيث إنه لم يرد في إعلان الاستئناف ذكر لتشديد العقوبة المحكوم بها ولكن النيابة طلبت مجرد تطبيق المادة (159)

وحيث أنه لم يرد في إعلان الاستئناف ذكر لتشديد العقوبة المحكوم بها ولكن النيابة طلبت مجرد تطبيق المادة (159).

وحيث إنه إذا رأت في المحكمة أن تؤيدي الحكم الابتدائي من حيث وصفه التهمة فإن هذا التأييد يكون رفضا ضمنيا لاستئناف النيابة فلا يبقى بين يدي المحكمة إلا استئناف المتهم وحده.

وحيث إن مما اتفقت عليه المحاكم الاستئنافية في أحكامها أنها لا يمكن أن تشدد في العقوبة ما دامت ليس بين يديها إلا استئناف المتهم وحده.

وحيث إن مما اتفقت عليه المحاكم الاستئنافية في أحكامها أنها لا يمكن أن تشدد في العقوبة ما دامت ليس بين يديها إلا استئناف المتهم وحده.

وقد صدرت أحكام عدة بأن محاكم الاستئناف لا يمكنها أن تعدل في الأحكام الابتدائية إلا فيما رفع من أجله استئناف وإن لم يطعن فيه أحد الخصوم يكتسب قوة الشيء المحكوم به (محكمة النقض والإبرام 8 سبتمبر سنة 1843 بندكت صحيفة 341 رقم 561 الجزء السابع.

وجاء تحت رقم 562 أنه إذا تركب حكم من عدة قرارات مستقل بعضها عن بعض فإنه يعتبر كعدة أحكام منفصلة وأنه ينتج من ذلك أن الخصم الذي يكسب الدعوى في بعض مقررات الحكم ويخسرها في البعض الآخر يمكن أن ينفذ ما حكم به لصالحه دون أن يسقط حقه في استئناف ما هو ضده من تلك المقررات.

وتحت رقم 563 حكم من محكمة اسئناف بوانيية مؤيد نفس هذا المبدأ وفيه أنه إذا صدر حكم محكمة الجنح بعقوبة على جنحة وكانت النيابة قد قبلت وصف الأمر المؤاخذ عليها بصفة ما ثم اقتصرت على رفع استئناف بطلب التشديد فإن وصف الجريمة يكتسب قوة الشيء المحكوم به وكذلك الاختصاص (بوانييه 12 مايو سنة 1835)

وجاء تحت رقم 572 أن إهمال بعض الشيء في إعلانات الاستئناف لا يمكن أن يقصر موضوع المرافعة على بعض الأمور المختصة بالتهمة متى كان تقرير الاستئناف في قلم الكتاب شاملا.

وتحت رقم 573 الأمر الذي لا تقيد فيه جهة الخصوص حكما ابتدائيا فعلى القاضي أن يبحث التهمة كما تنتج من المحضر الذي هو أساس الدعوى الجنائية بندكت الجزء السابع صحيفة 644.

والمرافعة التي تحددت أمام قاضي محكمة أول درجة على اتهام واحد لا يمكن أن تتعداه أمام محكمة الاستئناف بالرغم ن المتهم إلى طلب آخر حتى ولو كان ذلك الطلب الآخر مذكورا في الحكم متى كان هذا الطلب لم تحصل عليه مرافعة من النيابة ولا من الدفاع.

وحيث إنه بناء على ما تقدم لا يمكن قبول استئناف النيابة فلا محل إلا النظر في استئناف المتهم بمفرده.

مرافعة الأستاذ أحمد لطفي السيد المحامي

صدر في 25 فبراير سنة 1895 أمر عال قاضي بتأليف محكمة مخصوصة من اختصاصها النظر فيما يقع من الأهالي من المجنح والجنايات على رجال الاحتلال أو البحرية الإنجليزية الحكم بالعقبات التي تراها مباشرة لما يقع من الجرام دون أن تتقيد بقانون العقوبات وتحقيق الجنايات المصريين.

فأشرف هذا النبأ على الناس من موقع الدهش والاستياء لما استشعروا به إذ ذاك من مخالفة هذا القانون لأصول القوانين ومباينته للشريعة الإسلامية ولكنهم لم يكونوا يقدرون ما ينجم من سريانه من بليغ الضرر ووشيك الخطر

ولو كانوا يقدرون ذلك كما ينبغي لكان دهشهم أوفر واستياءهم أكبر وآثار إحساسهم بهذا أو ذاك أجلى وأظهر على أن الصحافة الوطنية قد كتبت حين وضع مشروع ذلك القانون ما استطاعت أن تكتب ولكن لم يجد نفعا.

صدر هذا القانون والناس عنه غافلون لاهون. ومن أسباب صمتهم وإغفالهم البحث في مقدرا قربه أو بعده عن الأصول النظامية ومبلغ اتفاقه أو اختلافه مع القانون إنهم لم يشاهدوا نتيجة واحدة من نتائج تأليف تلك المحكمة غير النظامية.

أو أن الحكومة الإنجليزية لم تر موجبا للتشدد في استعمال الحق الذي خولها إياه هذا القانون: أضف على ذلك أن أحد رجالها الرسميين وهو مستر رنك رود سكرتير الوكالة البريطانية قد صرح في سنة 1901 بأن هذا القانون ما وضع إلا لأحوال مخصوصة تكاد تكن نادرة الوقوع وهي الاعتداء على رجال الاحتلال متى كانوا لابسين ملابسهم الرسمية مشتغلين أداء وظائفهم العسكرية أو البحرية.

فكان امتناع وقوع نتيجة واحدة من نتائج تأليف المحكمة المخصوص وتصريح ذلك السكرتير مما دعا الناس إلى الطمأنينة لا إلى هذا القانون من حيث شكله وموضعه ولكن إلى أن موجبات تنفيذه ليست قريبة الوقوع.

بقوا على هذه الطمأنينة إلى أن وقعت حادثة دنشواي في شهر يونيه سنة 1906 على ما هو معروف إذ قصد بعض ضباط جيش الاحتلال أن يصيدوا في تلك القرية المعذبة بأفضى ذلك إلى ضرب البعض وجرح البعض وقتل أحد الأهالي مما استوجب عند حكومة بريطانيا العظمى عقد المحكمة المخصوصة

عقدت المحكمة ورأسها سعادة بطرس غالي باشا وكان من أعضاها سعادة فتحي زغلول وكان الأهالي عن بكرة أبيهم يتوقعون أن يكون حكم المحكمة المخصوصة بعد الاختصاص لأن روح الأمر العالي الواجب الاحترام يفيد أن هذه المحكمة إنما تنظر في الجنح الجنايات التي تقع من الأهلين على رجال الجيش أثناء أداء وظائفهم فهذا الشرط شرط تأدية الوظيفة حين وقوع الجريمة غير متوافر.

ولكن المحكمة حكمت باختصاصها وقضت بالشنق والجلد والسجن والتمثيل والحادث من البساطة بمكان ومما زاد الطين بلة والخرق اتساعا ذلك الشكل التنفيذي الذي أريد به إظهار الصرامة ونهاية التعسف إذ قضى أن ينفذ الحكم في تلك القرية المعذبة دنشواي على مرأى ومسمع من أهالي البائسين بكيفية لم يروا لها مثيلا في تاريخ القرون الوسطى.

نفذ الحكم بما جرى به انقضاء المسطور والقدر والمقدر وضجت الأرض شاكية إلى باسطها ظلم الإنسان للإنسان وما كان دمعها ما سأل من مآقي البائسين ولكنه ذوب بالقلوب من فظاعة الحكم وهول المشهد ولا كان زفيرا وشهيقًا في تنفس المتنفسين وما كان صياحا ذلك الذي تجاوبته نواحي المكان وإنما كان تأمينا على الأثر المصدوق: (الظلم كمين في النفس القوى تظهره والضعف يخفيه).

إذ مثل بالبؤساء الوادعين شر تمثيل وصب عليهم سوط عذاب أحمى من النار ورن صدى هذه الفاجعة يحزن كل أفق وتردد دويها في جوانب العالم المتحضر ولبست مصر ثوب الحداد العام وأخذ الكتاب الوطنيون وغير الوطنيين من المنصفين يرجعون ذلك من النشيد المحزن بأشد على النفوس قعا من سجع الحمام في دنشواي.

فأقلق بال الحكومة الإنجليزية توقيع هذا اللحن المبكي وترديد صدى ذلك الحادث الفظيع والاسترسال في تصويره على صفحات الصحف وأسلات الألسنة لذلك اضطرت صراحة وبكيفية عملية إلى استنكار ما حدث وهيهات أن نيفع الاستنكار.

طلبت الحكومة الإنجليزية إلى حكومة الجناب الخديوي أن يعفو عن البقية الباقية من المعذبين الذين عرفوا بأنهم ضحية دنشواي فعفا أطال الله حياته عنهم وخرجوا من السجن فاستقبلتهم الأمة بفرح لم يكن بأقل من حزنهم وألمهم على الذين راحوا شهداء العسف منهم وألئك الشهداء الذين لم يغير عفو الأمير في ردهم إلى الحياة فأصبحوا عظاما بالية أرواحهم تشكو إلى بارئ السموات ما نابهم.

صدر الأمر العالي بالعفوي في 7 يناير سنة 1908 وجاء في نصه أنه صدر بناء على قبول الحكومة الإنجليزية فجاءت هذه العبارات دليلا صريحا على اعتراف حكومة بريطانيا العظمى بفظاعة ما وقع في دنشواي وبقسوة الحكم الصادر بالسجن لأن العفو كان عن المسجونين فما بالك بمن حكم عليهم بالإعدام؟ أظن أن رأى الحكومة المذكورة فيما يتعلق بهم أن الحكم كان في منتهى الشدة.

هذا وقد اعترفت الحكومة المصرية ممثلة في شخص ناظر الداخلية السابق بفظاعة ما وقع وكأنها سلمت بأن أسباب تلك الحادثة المشئومة إنما هو الاعتداء على ملك الغير، فأصدرت قرارا وزاريا اعتبرت فيه المحال المعدة لصيد الحمام من المحال المقلق للراحة الضارة بالصحة والخطرة أيضا أي أنها لا يمكن أن تكن صالحة لهذا الغرض إلا برخصة من المديرية أو المحافظة التابعة لها.

وقد جاء هذا القرار الوزاري الذي يترتب علي مخالفة نصوصه الحكم بعقوبات مدونة في القانون نتيجة من نتائج استنكار ما وقع في قضية دنشواي بل وهو تسليم من جانب نظارة الداخلية بوجوب أن يكون صيد الحمام من غير الأمكنة المعدة للصيد أمرا محظورا بل جريمة من الجرائم يعاقب عليها قانونا وهو اقتناع ظاهر أيضا بأن ما وقع من الضباط في دنشواي لم يكن أمرا مشروعا.

وهذا وقد أخذت الصحافة تكتب باستمرار في تسوئة حكم المحكمة المخصوصة وفظاعة طريقة تنفيذ الحكم وتندد بالأشخاص الذين اشتركوا في إصداره أيما تنديد.وقع كل هذا والحكومة غير ملقية بالا إلا قانون المحكمة المخصوصة فهي لا تعدله ولا تلغيه غافلة عما ينجم من سريانه من الخطر الذي يتهدد الناس في أموالهم وأعراضهم وأنفسهم.

نعم إن الحكومة لم تحرك ساكنا ولم تعد عدة الاطمئنان إليها فبقيت تلك المحكمة قابلة للانعقاد في كل وقت حتى بعد اعتراف منشئها اللورد كرومر بخطر وجودها ووجوب تعديل قانونها.

فما مهمة الصحافة الوطنية في هذه الحالة بديهي أن الإنسان عليه بموجب الشرع والقانون أن يتلافى كل خطر محدق به بالوسائل الشرعية والقانونية وإلا كان سكوته والخطر قريبا من باب المجازفة بحياته وإلقائه بيده إلى التهلكة فإذا كان ذلك الخطر يتهدد بلادا بتمامها وأمة بأسرها كان واجبا الصحافة الأسمى أن ينبه الصحافيون أمتهم إلى ما هو محدق بهم وأن يدفعوه بعد ذلك بكل الذرائع الممكنة.

أجل إن واجب الصحافة في هذه الحال كواجب ربان السفينة الجارية في بحر لجى متنائي الساحلين فمتى تبين له الخطر عن بعد وجب أن ينبه الناس أولا إلى ما هو وشيك الوقوع وأن يعمل على ما ينجيهم من هذا الخطر ويجنبهم وقعه ثانيا، وإلا كان مفرطا فيما عليه وكان أول الهالكين.

لا جرم أن واجب الصحافة وذلك القانون هو هو، لم يتغير ولم يلغ وتلك المحكمة المشئومة هي هي، محتمل أن تنعقد لأدنى حادث من قبيل الاعتداء الموهوم أن يذكر الحكومة في كل آن بفظاعة القانون وبأن بقاءه إلى جانب القوانين المصرية عار نعم إن واجب الصحافة أن يرفع صوته عاليا جم الدوي مستثيرا به عواطف رجال الحكومة لامسا بقلمه موضع التأثير بين جنوبهم والحنان من قلوبهم ولا يكون ذلك بالقول القليل التأثير ولكن بتصوير ما وقع من الأعمال الوحشية المروعة في سنة 1906 تصويرا يخيل معه للقارئ أنه مع الكاتب يشهد نصب المشانق.

وإعداد المجالد ترسم على جسم كل مجلود خطوطا من الدم حتى عاد كأنه لابس حلة أرجوانية ويخيل مع هذا التصوير للقارئ أيضا أن الأطفال الرضع الذين مات عنهم أولئك المشنوقون يكادون يغلون بأنفسهم على آبائهم لولا فوهات البنادق وظفى السيوف وسنابك الخيل، وأن الشيوخ الفانين من آباء المشنوقين والمجلودين كانوا ساعة التنفيذ يميد بهم الجذع.

وأن العذارى والأرامل اللائي شنق آباؤهم وأزواجهن كن ساعة الشنق على مرأى ومسمع منهم ذاهلات في أشد حالات الذهول يلطمن والدنيا كلها في مأتم لهن وأن الرضا ببقاء هذا القانون ينذر بتكرار تمثيل تلك المأساة في أي وتفوق طوق البشرية والاطمئنان إليه مما لا تقبله الطبيعة الإنسانية.

بذلك التصوير والكتاب فيه طبقات كان يرجى من رجال الحكومة أن تتأثر قلوبهم كل التأثير وينظروا في القانون المذكور نظرة عدل وإنصاف إذ من أخص خصائص الحكومات أن تؤمن المحكومين على أموالهم وأعراضهم وحياتهم وهل يتفق الأمان مع وجود هذا القانون على ما هو عليه ينذر بالويل والثبور وعظائم الأمور؟

كان واجب الصحافة الحر أن يرسل صوته رنانا يجوب جوانب القلوب التي لا رحمة فيها فيلينها والنفوس التي تميل إلى الرفق فيميلها دون أن يخفت له صوت يراعى ما بقي القانون مسطرا واجب الاتباع.

ومن الواجب أن المفروض أو الفروض الواجب أن يسوئ الصحافي ما وقع من العضوين المصريين اللذين وجدا في تلك المحكمة كما تقضي بها أحوال تأليفها وليست هذه التسوئة أو التخطئة عقابا لهما بل يقصد منها تحذير كل موظف مصري يدعي إلى التربع بطبيعة الحال في دست تلك المحكمة من قبول هذه المهمة مهما كان الدواعي.

وتنبيه كل مصري ذي منصب في الحكومة إلى أن العار كل العار أن يصاب قلب الوطن بسهم مسموم تفوقه يد الوطني حتى إذا خلت المحكمة المخصوصة حين انعقادها ثانيا من عضو مصري وكان جميع قضاتها من الإنجليز وقضت بما تقضي به وملأنا الأفاق تشهيرا بفظاعة الحكم لم يقل لنا قائد كان الحكم إجماعيا وكان بين أعضاء المحكمة عضان مصريان.

على هذا الاعتقاد وشعورا بذلك الواجب الصحافي الإنساني كتب المتهم في عدد اللواء الصادر في 27 يونيو من هذا العام تحت عنوان ذكرى دنشواي.

وقد بينا أن هذا التذكير ضروري تفرضه الصحافة توجيه الإنسانية وأن التخلف عنه تفريط في جانب الواجب فما مفاد هذه المقالة التي قامت الحكومة وأقعدتها وهاجت من سخطها على الكاتب؟

إنها تضمنت التذكر بما وقع في قضية دنشواي قياما بالواجب الوطني وانتقاد صرامة الحكم الذي أصدرته المحكمة المذكورة والعضوين المصريين اللذين اشتركا في إصداره وكأن الحكومة كانت تترقب ظهور هذه المقالة بنافذ الصبر لذلك لم تكد تظهر في ذلك اليوم حتى أبرقت للمتهم وتحفزت للمحاكمة.

ماذا نقول وماذا نعيد؟ أفي عرف الحكومة أن انتقاد حكم أجمع الناس على استقباحه واستفظاعه يعتبر إهانة، وإذا كانت حكاية الواقع يعتبر في نظر الحكومة إهانة لها أفلا يصح أن تعتبر الأمة حدوث ذلك الحادث الفظيع المحكي إهانة لا يكفر عنها بحال؟

إذا كانت مغرمة بهذا الحد إلى أن تثأر لذاتها من كل كلمة يخيل إليها أنها إهانة فتأخذ بتلابيب قائلها إلى أبواب المحاكم فياليت شعري أين كانت هذه الحكومة حين مزقت الصحافة الإنجليزية أعراض قضاة محكمة الاستئناف الأهلية كما ممزق وطعنت فيهم أسفل طعن وقبحتهم وقبحت ما حكموا به في القضية المعروفة بقضية الفتاة الإنجليزية في بور سعيد؟

لقد كانت تلك الصحافة الإنجليزية تكتب في تمزيق أعراض القضاة بقلم فيه نار فلم تبق لفظة من ألفاظ السباب ولا كلمة من كلمات السفاهة والقحة والفحش إلا أفاضتها عليهم من كرم ونقطتهم بها عن سخاء.

كان من يطالع الجرائد الإنجليزية إذ ذاك يرى أنها تفيض بكل ألفاظ الفحش والسخرية والاستهزاء ألفاظ ومعان ألطفها وقعا وأيسرها دفعا يمزق العرض تمزيقا وأدبا منا لا نحب أن نستشهد بكلمة واحدة مما قيل.

فهل يجوز أن يحاكم المتهم على ما كتبه انتقادا على حكم دنشواي الجائر ودفاعا عن خطر حقائق باثني عشر مليونا من النفوس بعد السكوت عن تلك المطاعن القبيحة التي وجهتها الجرائد الإنجليزية إلى قضاة الاستئناف بسبب حكم صادر عن محكمة نظامية؟

اللهم إن هذا ليس بغريب من جانب حكومة لم تعمد بعد هذا كله إلى ذلك القانون فتلغيه وهو مباين لكل شرع ولكل قانون.

سيبقى المتهم إلى المحكمة ولم تراع النيابة في هذه المحاكمة أصول القانون فأرادت أن تأخذ عليه الطريق وتقفل في وجهه باب الدفاع وهو حق تقضي به طبيعة الاتهام ذاتها فإنها بدلا من أن تصف التهمة بصفة القذف وصفتها بصفة الإهانة وعلى ذلك قدمتها للمحكمة كيلا يتمكن المتهم من إثبات أنه أستعمل حقا طبيعيا ليس فيه جدال لم تقتصر النيابة على هذا التعبير في الوصف القانوني.

بل كان من تصرفاتها أمام المحكمة عدول عن خطتها الأولى التي تعودناها منها في مثل هذه القضايا وفي الواقع فإن النائب المترافع صرح أمام المحكمة بأن مصل كتابات المتهم تعتبر وصمة للأمة المصرية برمتها وطلب من القاضي تشديد العقوبة حتى تزول هذه الوصمة وحتى يعتقد الناس أن القضاء شارك في غضبهم من مثل هذه الكتابات التي وصفها بأنها تهور ونهش في الأغراض.

ورد في مذكرة حضرة النائب الكتابية التي لم يكتف بتقديمها بل طلب إلى بعض الصحف نشرها ما يأتي:

وإنا إذا طلبنا منك يا حضرة القاضي حكما يبلغ من الشدة ما بلغت ألفاظ تلك المقالة من الإهانة فليس ذلك فقط لأنها وجهت إلى رئيس الحكومة في وقت يشخص فيه أمير البلاد وحاكمها الشرعي بل لتدفع بحكمك هذا وصمة عن هذا الأمة المصرية الضعيفة فلا يقال إنها لا تعرف للاعتدال طريقا ولا تفرق بين النافع والضار في وقت حاجتها فيه شديدة إلى إقامة الدليل على توجيها سبيل الجد والرشاد وتمسكها بأهداب السكينة نعم نطلب أن يكون حكمك يا حضرة القاضي صدى صوت العقلاء في غضبهم على كل كتابة لا تقوم إلا على التهور ونهض الأعراض حتى لا تؤاخذ أمة بجريرة فرد منها ولا تحمل وزر قلم كثير الزلل متعدد الهفوات.

هذا ما قاله النيابة ونشرته الجرائد بناء على طلبها وقد تساءل كثيرا عن معنى العبارة وذهبوا في تأويلها مذاهب شتى، فقال البعض إن العبارة المذكورة تشعر بأن مقالة المتهم تجر ويلا على الأهلين وتؤدي إلى استعمال الحكومة شدة في حقهم أكثر مما فعلته الأمة إذا لم يحكم على المتهم بعقوبة شديدة، وقال آخرون ليس غير الطعن على المتهم وتقبيح عمله في نظر القضاء.

ونحن وإن كنا لا نعتقد أن للنيابة أدنى غرض من ذلك، وأن راد حضرة النائب هو سلمة النية فيما قال لا نتردد في أن نلوم حضرته على هذه التصريحات التي تجرح المتهم ولا تفيد الدعوى فائدة.

نلوم النيابة ونناقشها ونسألها متى كان الطعن على أعمال الموظفين وتقبيح المظالم التي إذا وقعت من فرد تلحق أمة برمتها؟ وفي عرف أي أمة يكون السعي وراء إلغاء قانون جائر يهدد الأمة في حياتها وحريتها ويهدد العدالة في أساسها جريرة ووزرا؟

ومن هم العقلاء يغضبهم ما يكتبه المتهم في جريد اللواء من المقالات التي تنطق بالدفاعي عن البلاد والإرشاد إلى الخير والنهي عن المنكر؟الأول للمتخاصمين أن يدافعوا في القضية بما في الأوراق وألا يضيفوا إليها من الأخبار والروايات مالا يمكن إقامة الدليل عليه إلا بتصريحاتهم لأن القضاء لا يقف أمام هذه الدعوى المجردة عن البرهان ولا يغيرها فلا يحكم إلا بما يوحى إليه ضميره ولا يقضي إلا بما يمليه قلبه الطاهر.

الوقائع

اتهمت النيابة الشيخ عبد العزيز جاويش بإهانة بطرس باشا غالي وسعادة فتحي باشا بسبب أمور تتعلق بوظائفهما وذلك:

  1. الطعن على الأول بأن نسب إليه أنه انتزع أرواحا بريئة بقضائها ليقدمها قربانا للورد كرومر.
  2. الطعن على الاثنين بأن الذي أنطقهما بهذا الحكم الجائر رغبتهما في الألقاب والمناصب ورهبتهما من عظمة الاحتلال ونقص شعورهما بالواجب ورميهما بخيانة البلاد وبيع الذمة.

وقد أجاب المتهم عن هذه التهمة أمام المحكمة الأولى بأن المقالة التي نشرها تحت عنوان دنشواي أخرى ب(السودان) لا تضمن سوى الطعن بسامة نية في أعمال موظفين عموميين أن نسب إليهما أمورا معينة لا تتعدى أعمال وظيفتهما.

وأن هذا الطعن من الحقوق المقررة قانونا بنص الفقرة الثانية من المادة (261 عقوبات) والفقرة الثانية من (المادة 265) من القانون المذكور.

وطلب من المحكمة بعد الفصل في الوصف على الصورة المتقدمة أن تأمر بالمرافعة في موضوع الدعوى وأن تصرح له بإثبات سلامة نيته وصحة الوقائع التي نسبها للمطعون عليهما.

غير أن المحكمة بحكمها الصادر بتاريخ 5 أغسطس سنة 1909قد فصلت في موضوع الوصف فقررت بأن الواقعة ليست إهانة وفصلت في دعوى القذف دون أن تسمع مرافعة في موضوعها من عندياتها أن المتهم سيئ النية فيما كتبه وقضت عليه بمبلغ ثلاثين جنيها غرامة.

رفع المتهم استئنافا عن هذا الحكم وقررت النيابة استئنافه أيضا ثم كلف المتهم بالحضور للمحكمة حددت موضوع التهمة في إعلان التكليف بالحضور إذ قالت بمحاكمته بالمادة (159)عقوبات وهي المادة الخاصة بالإهانة.

النزاع

فالغاية إذن تظلم من الحكم من حيث وصف الأفعال المنسوبة للمتهم فتقول إنها إهانة والمتهم يطلب تأييد الحكم من حيث وصف الأفعال المنسوبة إليه بأنها ليست إهانة.

ويتظلم منه في اعتبارها قذفا ويطلب اعتبارها قذفا على أعمال موظفين لا عقاب عليه فيدور إذن موضوع الكلام أمام المحكمة الاستئنافية على ما يأتي:

  1. هل الأفعال المنسوبة للمتهم تعد إهانة؟
  2. هل هذه الأفعال تعتبر طعنا على أفعال موظفين لا عقاب عليه قانونا؟

عن استئناف النيابة:

هل الأفعال المنسوبة للمتهم تعتبر إهانة وتدخل تحت أحكام المادة (159)؟حرم الشارع كل فعل من شأنه جرح العواطف ومس الشعور سواء وقع بالقول أو الإشارة أو التهديد ا, النشر بطرقه المعلومة.

غير أنه لما كان مش الشعور وجرح العواطف يختلف بساطة وشدة باختلاف العبارات المستعملة من جهة وباختلاف العبارات المستعملة من جهة وباختلاف الأشخاص الذين تقع عليهم تلك الأفعال في الشارع بوضع مسميات لهذه الأفعال وحدد لكل واحد منها عقوبة مناسبة.

بدأ الشارع الفرنسي سنة 1810 بحماية الوظائف العمومية في شخص الموظفين من مثل هذه الجرائم إذ وقف عليهم أثناء تأديتها فرتب عقوبة على كل إساءة تقع عليهم في الظروف السالفة الذكر وسمى هذا العمل إهانة:

ثم عنى بعد ذلك بأفراد الناس فقسم الأفعال السالفة الذكر بحسب جسامتها إلى قذف وسب وشتم وافتراء. فإذا نسب فرد إلى الآخر وقائع من شأنها إن كانت صادقة أن تستوجب عقابه قانونا أو تحط من كرامته يسمى الفعل قذفا وإن نسب إليه أمورا غير معينة ولكنها تشمل على عيوب معينة وتمسى بالشرف كان الفعل سبا.

وإن كانت غير ذلك تسمى شتما أو سبا بسيطا معاقبا يعليه بالعقوبات المقرر للمخالفات وإن كان الفعل المنسوب للشخص هو واقعة مكذوبة لا أصل لها سمى افتراء.

لم يفرق الشارع الفرنسي بين القذف والسب والشتم والافتراء في حق الموظفين وجعلها فعلا واحدا أسماه (إهانة) يعاقب عليها بعقوبة واحدة مهما اختلفي جسامة الفعل ولكنه فرق بينها وجعلها درجات في حق الأفراد قذف وسب وشتم وافتراء ووضع لكل فعل عقوبة مناسب لدرجة جسامته.

يستفاد من ذلك أن الشارع الفرنسي كان يعتبر القذف والسب من حق الموظفين من قبيل الإهانة فما كان يوجد في قانون العقوبات نص يختص بالقذف والسب في حق الموظف هذا وقد رأى المقنن الفرنسي أن يضع في 17 مايو سنة 1891 قانونا آخر عاقب فيه بكيفية خاصة على القذف والسب الذي يقع في حق الموظفين بطريق النشر.

ولكن الفارق أن القانون الأول كان يعاقب على ما يقع من الطعن على الموظف أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها أما الثاني فيعاقب على القذف والسب الذي يقع في حق الموظف بسبب أمور تتعلق بوظيفته.

جاء بعد ذلك قانون الصحافة الصادر في 29 يوليو سنة 1881 فنص في المادة (31) على العقاب على القذف أو السب الذي يقع على الموظفين أو على الأفراد وأباح في المادة (35) لإثبات الوقائع التي تنسب إلى الموظفين ورتب براءة القاذف على الإثبات أو على حسن النية.

أما الشارع المصري فقد أخذ قانونه الأول الصادر 1833 عن القانون الفرنسي فنص في المادة (124) من قانون العقوبات المذكور على التعدي الذي يقع على الموظفين أثناء تأدية وظائفهم أو بسبب تأديتها وجعل العقوبة على هذا الفعل الحبس من ثمانية أيام إلى ستة أشهر.

وهذا النص يوافق ما جاء بالقانون الفرنسي الصادر في سنة 1810 بالمادة 222وما بعدها وقد جاء بالمادة (165) من القانون المذكور وهي المادة التي وردت في باب الجرائم التي تقعي بواسطة الصحف النص على جرائم أخرى تقعي في حق الموظفين وعباراتها هكذا:

ومن وقع منه بواسطة إحدى تلك الطرق سب أو شتم أو افتراء في حق أحد الموظفين المذكورين بالمادتين 124، 125 بأسباب متعلقة بوظيفته أو مأموريته يعاقب بالعقوبات المقررة في المادتين (المذكورتين) فيلاحظ هنا أن الشارع لم يعتبر في المادة السالفة بلفظ إهانة بل استعمل لفظ سب أو شتم أو افتراء.

كذلك لم ينص الشارع في هذه المادة على القذف لأنه أراد أن يسوي بين أفراد الموظفين في العقاب على القذف لأن العقاب عليه في ذلك القانون أشد من العقاب الوارد في مواد التعدي على الموظفين.

ويلاحظ فوق ما تقدم أن الشارع في القانون القديم لم يجز إثبات الأمور التي تسبب للموظفين في دعاوي القذف ولم يجعل صدق تلك الأمور سببا للبراءة.

والمستفاد مما تقدم هو:

  1. أن قانون العقوبات القديم لم يكن يعاقب على الإهانة المطلقة بطريق النشر بل كان يجب لإمكان العقاب عليها أن تأخذ شكل السب أو الشتم أو الافتراء.
  2. أن القانون المذكور ما كان يبيح الإثبات في وقائع القذف والسب في حق الموظفين.
  3. أن الموظفين والأفراد كانوا في نظره سواء فيما يتعلق بالقذف.

جاء بعد ذلك قانون العقوبات الصادر في سنة 1894 بتعديلات جوهرية في هذا الباب وقد وقع التعديل في نص المواد (165و 277و 281) من القانون القديم وهي الخاصة بالتعدي على الموظفين بواسطة النشر وبالقذف والسب في حق الأفراد فاستعيض عن هذا القانون الجديد بالمواد (159و 261و 265).

والذي حمل الشارع على تعديل هذه المواد هو أنه أراد أن يقرر حقا طبيعيا لأقوام للحكومة والأمة في حياتها العمومية بدونه وهو حق انتقاد الموظفين العموميين ولو تعدى ذلك إلى قذفهم أي إلى نسبة أمور إليهم تستوجب عقابهم أو تحط من كرامتهم.

وتقديرا لهذا الحق قد أباح للطاعن على الموظف أن يثبت حقيقة الأفعال أو العيوب المنسوبة إليه فجاء ذلك تفريقا بين حالة الموظف وغيره من الأفراد فيما يتعلق بدعاوي القذف.وقد رأى الشارع المذكور أن يشدد العقاب على التعدي الذي يقع على الموظفين بشرط أن يتعدى عقوبة القذف في حق الأفراد.

تحقيقا لهذا الغرض أضاف عقوبتين على المادتين 261 الخاصة بالقذف و 265 الخاصة بالسب قرر فيهما حق الطعن على الموظفين بسبب فظائعهم وأباح للأفراد حق إثبات ما ينسبونه إليهم.وقد اقتضى جواز الإثبات على الصورة المتقدمة تعديل عبارة المادة (165 القديمة) فجاءت عبارتها في المادة (159 الجديد) هكذا:

يعاقب بالعقوبات المذكورة كل من أهان موظفا عموميا أو أحد رجال الضبط أو أي إنسان مكلف بخدمة عمومية أو افتري عليه أو سبه بإحدى الطرق السالف بسبب أمور تتعلق بوظيفته.

ومن يقارن بعد النص القديم والنص الجديد لابد من أن يستنتج:

  1. أن المادة القديمة كانت تعاقب على السب والافتراء والشتم وأن المادة الجديدة تعاقب على الإهانة والسب والافتراء.فكأن الشارع قد استعاض عن لفظ (شتم) في المادة القديمة بلفظ إهانة وقدرهما من حيث الجسامة تقديرا واحدا.
  2. أن المادة القديمة كانت تعاقب على هذه الأفعال متى وقعت بأسباب تتعلق بالوظيفة.

وأما المادة الجديدة فلا تعاقب إلا إذا وقعت الأفعال بسبب أمور تتعلق بالوظيفة والسبب في هذا التغيير هو جواز إثبات وقائع القذف والسب المستفاد من المادتين 261و 265 إذ أن الإثبات لا يكون إلا لأمور عيوب معينة.

يستنج مما قدمناه أن الشارع بهذا لتعديل قد وضع في نفسه تعريفا للإهانة فجعلها كالشتم أو اعتبرها كل فعل جارح يتوجب لموظف من الموظفين ولا يدخل في عداد القذف أو السب أو الافتراء.

يؤيد ما قدمناه أن الشراح عرفوا الإهانة لغة بأنها كلمة معيبة لا يمكن تحديد معناه بتعريف جامع مانع وأن أقرب تعريف لها هو أنها كل طعن يكون بطبيعة جارحا أو مسيئا يقع ضد الموظفين أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها بارييه شرح قانون الصحافة (جزء ثان صفحة 230 كارنتيه- جزء 29 صفحة 413 فقرة ثالثة).

وقد عرفا الأستاذ جارو في مطولة جزء رابع نمرة (1310) بأنها فعل غير محدود يقع بطرق مختلف ومن شأنه إساءة أو جرح إحساس من يقع عليه.غير أنه يستفاد من هذا التعريف اللغوي أن الإهانة يدخل تحتها القذف والسب والافتراء والشتم.

نعم إن لفظة إهانة تشمل ذلك كله ولكنه يؤخذ من تحديد القانون لبعض أفعال الإهانة وتسميتها بأسماء أخرى خروج تلك الأفعال في الاصطلاح القانوني عن دائرة الإهانة وتطبيق الأحكام التي وضعها الشارع لها دون التفاتي إلى النصوص الخاصة بالإهانة.

فإذا أخرجنا هذه الأفعال من دائرة الإهانة أصبحت محدودة بكل فعل لا يكون سبا ولا قذفا ولا افتراء فتقع تحت أحكام الشتم البسيط الذي يوجه لموظف بسبب أمور تتعلق بوظيفته.

ويزيد ما قدمناه تأييدا التعريف الذي وضعه الأستاذ (جريليه دا مازو) في مؤلفه على القذف جزء ثاني صفحة (44) نمرة (168) حيث قال:

الإهانة لغة هي كلمة من أنواعها القذف والسب أما تعريفها قانونا في كل ما يقع في حق موظف عمومي ومن الشتم أو السب الذي يدخل تحت أحكام السب المشتمل على عيب معين أو خدش الناموس والاعتبار ولا يدخل تحت أحكام القذف من حيث تحديد الأمور المنسوبة للموظف أو من حيث العلانية

والإهانة المنصوص عنها بالمادة (159) تشترط للعقاب على الإهانة شروطا أساسية وهي:

أولا: أن تقع الإهانة على موظف
ثانيا: أن تقع بإحدى طرق النشر
ثالثا: أن تقع على الموظف بسبب أمور تتعلق بوظيفته.

ويفهم هذا الشرط الأخير يجب أن نقارن بينه وبين الشروط الأخرى التي وردت في المادة (117) التي تعاقب على الإهانة التي تقع بغير طرق النشر فإنه ورد في المادة المذكورة أن الإهانة يعاقب عليها متى وقعت أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها لأن هذه المقارنة توضح غرض الشارع تمام الوضوح.

وفي الواقع فإن الشارع اشترط في المادة (117) أن تقع الإهانة أثناء تأدية الوظيفة سواء تعلقت ألفاظ الإهانة بعمل من أعمال الوظيفة أم لم تتعلق لأن القانون أراد احترام الوظيفة عند تأديتها.

مثال هذه الألفاظ أن يشتم الموظف وهو يؤدي عمله كأنه يقال له مثلا يا خنزير يا كلب.وأما الإهانة التي تقع بسبب تأدية الوظيفة فلا يشترط فيها أن تقع في الوقت الذي يؤدي فيه الموظف.

فإذا قابل أحد الخصوم القاضي الذي أصدر ضده حكما وقال له إنك رجل بطال اعتبر ذلك إهانة بسبب تأدية الوظيفة فكلما كان الحامل على الإهانة هو تأدية الوظيفة كان الفعال إهانة في بسبب تأديتها ولو لم يذكر الفاعل في عبارته شيئا يتعلق بتلك التأدية أما الإهانة التي تقع على الموظف

بسبب أمور تتعلق بالوظيفة فتقتضي وجود أي فعل يرتبط ويتعلق فهي أخص من الإهانة التي تقع بسبب أمور تتعلق بالوظيفة وتدخل بلا شك تحت أحكام الإهانة المتعلقة بتأدية الوظيفة ومعنى تعلق الأمور بالوظيفة أن يكون العمل خاصا بحياة الموظف العمومية أو بحياته الخصوصية بشرط أن يترتب عليه وجود عمل من أعمال الموظف العمومية؟

عن استئناف المتهم:

هل العبارات الواردة في مقالة 28 يونيو سنة 1909تعتبر طعنا في أعمال موظفين عموميين وتدخل تحت نص العقوبتين الثابتتين من المادتين (261و 265) عقوبات.

يرجع حق الطعن في أعمال الناس إلى الشرائع القديمة فإن من مبادئ الشريعة الغراء أنه لا عقاب على القذاف إذا كانت الأمور المنسوبة إلى المقذوف فيه صادقة بل يمكن القول بأن الشرع الشريف لا يعرف جريمة القذف بل يعاقب فقط على جريمة الافتراء ولا فرق فيه بين الموظف وغير الموظف.

يؤيد ذلك ما جاء في القرآن الشريف فقد قال الله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم).وقد فسر صاحب فتح البيان (جزء ثان صحيفة 238) بأن الجهر بالسوء هو التوبيخ والنهي عن الفعل المنكر وهو مباح إلا إذا كانت الأمور المنسوبة للشخص كاذبة.

وضعت الشريعة الإسلامية هذه القاعدة لحكمة كبرى تلك الحكمة هي أن الشارع قرر حق مراقبة الأفراد بعضهم لبعض وفرض على كل منهم واجب الانتقاد والتوبيخ وأباح رفع الدعوى من الأفراد في المسائل العامة حتى أن طريقة حصر الدعوى العمومية في يد الحاكم ليست معروفة في الشرع فالدعوى العمومية يستعملها ضد الناس ولو لم تتعلق بجريمة من الجرائم بل يكفي في استعمالها مخالفة الآداب وأوامر الله.

أما الشريعة الرومانية فإنه كان لا يوجد في نصوصها الأولى شيء يستفاد منه تقرير قاعدة الشريعة الغراء إلا أنه بعد العهد الأول كتب المقنن الشهير بولص رسالة في عهد (سبتليم سيفير) جاء فيها: إنه ليس من الصواب ولا من العدل أن يعاقب على ارتكاب القذف في حق الجاني بل من حق النافع المفيد أن يعلم الناس خطأ المذنبين.

كذلك صدر في عهد سولون بمدينة أثينا قانون يعفي من العقوبة كل قاذف أقام الدليل على صحة ما قذف به.فيستفاد مما تقدم أن الشريعة الرومانية كانت تبيح الطعن في حق الغير متى كان ذلك الطعن مبنيا على أفعال ثابتة حقيقية وذلك للمصلحة العامة ولم يكن هناك فرق بين الأفراد والموظفين في هذا الأمر.

وقدي جرى شراح القانون الروماني على القاعدة السالفة الذكر ولكنهم اختلفوا في حدود المصلحة العامة غير أن الرأي الذي كان راجحا عندهم هو أن الفارق بين القذف للمصلحة العامة والقذف الذي يرتب بعض الإساءة هو أن يكون الأمر المنسوب في الحالة الثانية عيبا من العيوب الطبيعية كالعمى أو ما شابة ذلك.

ويظهر أن الشريعة الإنجليزية قد أخذت هذه القاعدة فإن للمقذوف فيه بحسب هذه الشريعة حق الخيار بين أن يرفع شكواه للمحاكم المدنية أو إلى المحاكم الجنائية ولكن ليس له طلب التعويض إلا أمام الجهة المدنية.

فإذا اختار الطريق الجنائي فلا يجوز للقاذف إثبات الوقائع المنسوبة للمجني عليه إلا إذا كان يهم الهيئة الاجتماعية نشرها وكشف حقيقتها.

وأما إذا اختار الطريق المدني للمطالبة بالتعويض فللقاذف الحق المطلق في إثبات ما نسبه المدعي من الأمور سواء كانت تهم الهيئة الاجتماعية أو لا تهمها ويترتب على هذا الإثبات رفض الدعوى.

أخذ المقنن الفرنساوي في سنة 1810 بهذه الأصول فلم يكن يعاقب على القذف إلا إذا كانت الأمور المنسوبة إلى المقذوف نية عارية عن الصحة ولذلك لم يسم هذه الجريمة قذفا بل سماها افتراء وعرفها في المادة 367 بتعريف القذف وقرر في المادة 371 من القانون المذكور بعدم العقاب على الافتراء إذا ثبتت صحة الوقائع المنسوبة للمطعون عليه.

غير أن هذه المواد وإن كانت عامة يدخل تحتها الموظف والأفراد إلا أنه وضع القانون المذكور بجانبها مواد الإهانة للموظفين وهي 222 وما بعدها فكانت المحاكم تطبق مواد الإهانة في حالة الموظفين ومواد الافتراء في أحوال الأفراد.

لذلك عنى الشارع الفرنسي في 17 مايو سنة 1819 بوضع قانون استبدلت فيه جريمة الافتراء الواردة في المادة 367 وما بعدها من قانون نابليون بجريمة القذف ثم صدر قانون أخر في 16 مايو من السنة المذكورة قرر الشارع المذكور في المادة 20 منه قاعدة منع إثبات وقائع القذف إلا إذا كان موجها ضد موظفين عموميين لسبب أعمال تتعلق بوظائفهم.

ومن هذا الوقت بدأ تطبيق قاعدة التصريح بالإثبات في حق الموظفين وتحريمه في حق الأفراد جاء بعد ذلك قانون الصحافة الفرنسي 29 يوليو سنة 1881 فقرر هذه القاعدة بعينها في المادة 35 إذ ورد في الفقرة الأولى منها:

ويجوز إثبات واقعة القذف بجميع الطرق الاعتيادية بشرط أن يكون متعلقا بالوظيفة وصادرا عنه ضد إحدى الهيئات النظامية أو الجيوش البرية والبحرية إلخ....)

وفي الحالتين المتقدمتين يكون الحق محفوظا في إثبات نفس تلك الوقائع ومتى قام الدليل على صحة واقعة القذف يحكم ببراءة المتهم.أما الشارع المصري فإن قانونه الأول وهو الصادر في 14 يونيه سنة 1883 لم يبح إثبات وقائع القذف ولا في حق الموظفين وهذا ما حدا بالحكومة عند تعديل قانون العقوبات أن تقرر هذه القاعدة بصفة تشريعية.

وقد رأى المشرع المذكور في ذك العهد (1904) أن يقرر هذه القاعدة لفائدة لا تنكر وهي المصلحة العامة حتى تؤدي الصحافة والأفراد واجبا مقدسا هو الإشراف على أعمال الموظفين وتبليغ الحكومة بكل أمر يمس باستقامتهم في تأدية أعمال وظائفهم والتفريع على ما يمكن أن يصدر عنهم من المظالم أو الاعوجاج عن جادة الأمانة والإخلاص فيما وكل إليهم من الأرواح والأموال.

نظر الشارع المصري نظرة في القانون الفرنسي فرأى أنه لا يفي بالغرض فأراد أن يحمي الأفراد في البلد الضعيف ويجرئهم على استعمال حقوقهم في هذا الموضوع فتوسع في هذا الحق توسعا عظيما.

والذي حدا به على هذا التوسع أن الأهالي في هذا البلد قد عاشوا زمنا طويلا في خوف شديد من بطش الموظفين وضغط الحكومة فإن معظمهم يعتبر الموظف إلها ذا قوة وسطوة شديدتين.

لذلك رأى مقنن سنة 1904 أن يحيط حق الطعن في أعمال الموظفين بضمانات كبرى أوسع وأكبر من الحماية التي وضعها الشارع الفرنسي في قانون سنة 1881 وفي الواقع فإن المقارن بين المادة 35 من القانون المذكور وبين الفقرة الثانية من المادة 261 من قانون العقوبات المصري يرى أن الشارع المصري توسع في هذه الحماية أكثر من الشارع الفرنسي وذلك.

  1. لأن المادة الفرنسية قد اكتفت بإباحة الإثبات في وقائع القذف ضد الموظفين وقررت بأن ذلك الإثبات موجب للبراءة وهو أمر يغلب على الظن معه أن الشارع الفرنسي لم يعتبر قذف الموظفين حقا من حقوق الأفراد بل حرمه وجعل صحة الوقائع المنسوبة إليهم عذرا قانونيا يستوجب براءة القاذف.
  2. أن الناظر إلى المادة الفرنسية يجد أنها أضيق نطاقا من المادة المصرية وذلك لأن المادة الأولى لم تجعل لحسن أو لسوء اعتقاد المتهم صحة الوقائع أو عدم صحتها تأثيرا في الإدانة أو البراءة فإما أن الشارع الفرنسي قد يكون قد قصد حصر إثبات حسن النية في طريق واحد وهو إثبات صحة الوقائع وإما أن يكون صرف النظر بالمرة عن النية ولم يجعله في حالة قذف الموظفين سببا للبراءة.وهذه الملاحظة لها أهمية كبرى لأن إثبات حسن النية قد ينتج منه في أغلب الأحوال نفي قصد الإجرام والضرر ومن المعلوم أن جريمة القذف حتى في حق الأفراد لا تتم إلا بتوافر شروط نية الإجرام أو الضرر.فبتعليق الشارع الفرنسي الإعفاء من العقوبة على شرط إثبات وقائع القذف وسكوته عن حسن النية تطبيق على الأفراد في حق استعمال الطعن.أما الشارع المصري فإنه لعدم اتباعه هذه الخطة قد توسع في حق الطعن وأحاطه بضمانات أوسع من ضمانات القانون الفرنسي وذلك لأن تعرضه لذكر حسن النية في باب الطعن على أعمال الموظفين وإن كان ظاهره أنه قيد من القيود إلا أنه لا ينافي وجود أحوال لا تثبت فيها الأفعال المنسوبة إلى الموظف ومع ذلك يحكم فيها ببراءة القاذف لعدم توافر شروط نية الإجرام إذا انتفي توافر حسن القصد.هذا ومن جهة أخرى فلم يجعل الشارع المصري إثبات حسن القصد مقصورا ومنحصرا في طريق واحد وهو إثبات صحة الوقائع المنسوبة للموظف بل جعل إثباته مطلقا يكفي اعتقاد صحة الأفعال المسندة.
  3. أن الطعن في حق الموظفين مقصورا في القانون الفرنسي على أحوال القذف أما القانون المصري فقد جعله عاما للقذف والسب.ومعنى ذلك أنه صرح لكل فرد من الأفراد بأن ينسب إلى الموظف أمورا وعيوبا معينة لو كانت صحيحة لاستوجبت عقابه أو الحظ من كرامته أو تمس بالشرف والناموس فيجوز أن ينسب إلى الموظف كل ما يمكن نسبته إلى الأفراد من القذف والسب بغير عقاب وذلك بشرط القيود التي سيأتي ذكرها.

هذا ولكن النيابة في مرافعتها والمحكمة الأولى في حكمها قد ذهبتا إلى نظرية غريبة تناقض فكرة الشارع وغرض القانون بل تنافي الذوق السليم.

قال المحكمة: إن الفقرة الثانية من المادة (261) أضيفت بناء على طلب مجلس الشورى لإباحة الانتقاد على أعمال الموظفين وإن الانتقاد على أعمال الموظفين هو بحث أمر وإن مقالة المتهم قد تعددت الانتقاد إلى ذكر عبارات تمس صفات الشرف والاعتدال التي تلازم الموظفين.

وقالت النيابة: المسألة ليست انتقادا بل إنها جاءت في سياق إهانة.

ونحن قبل أن نناقش موضوع المقالة يجب أن نبين خطأ المحكمة والنيابة من حيث تقدير هذه المبادئ الغربية.إن القانون عبر في الفقرة الثانية من المادة 261 بلفظ طعن وعبر في النسخة الفرنسية بلفظ critique لا لفظ انتقاد وإذا كان يصح للتعبير بالانتقاد فيكون انتقادا مخصوصا من نوع الطعن الذي يدخل فيه القذف والسب.

نقول ذلك لنزيل شبهة لفظية قد أوقعت النيابة والمحكمة معا في خطأ بين وذلك لأن بونا شاسعا وفرقا عظيما بين الانتقاد والطعن أو القذف والسب.

وفي الواقع فإن الانتقاد المعروف في كتب التشريع الفرنسي لا يكون إلا على أعمال الأفراد وهو لا يدخل تحت أحكام القذف أي لا يجوز أن يشتمل على نسبة أمور معينة العقاب وتحط من الكرامة وإلا سمى قذفا توجد طبقة من الناس تعرض بنفسها إلى انتقاد الصحف مثل هؤلاء هم الكتاب والمؤلفون ومن يشتغلون بالأمور العامة كمؤلفي الشركات والتجار ومن ينشرون عن بضائعهم ويذكرون أنها من أجود الأصناف.

هؤلاء يجوز للصحف أن تكتب عنهم فإما أن تقبح أعمالهم أو تمدحها فهذا العمل من جانب الصحافة يسمى انتقادا وليس للمنتقد في هذه الأحوال أن يتألم لأنه بعمله قد وضع نفسه في موضع يجيز الانتقاد غير أن هذا الانتقاد لا يجوز أن يتعدى عمل المنتقد إلى الشخصيات ولا أن يخرج إلى دائرة القذف والسب.

قال الأستاذ فابرجيت في مؤلفه عن الصحافة جزء ثان صحيفة 223 تحت لفظ انتقاد ما مؤداه:

إنا نرى بكيفية أن يحرض الناس على انتقاده يجب أن يتحمل تبعة الانتقاد فمؤلف الرواية الذي يصفر الجمهور لسماع روايته لا يجيب الجمهور على هذا الصفير ولا يأخذ بتلابيبهم إذ إن انتقاده حق قد اشتراه الناس قبل الدخول إلى الملعب كما أنه ليس لهذا المؤلف أن يدهش من أن تنشر الصحافة عنه أنه سقط ولم ينجح فإن حرية الكتابة في هذا المقام تامة لا شبهة فيها ويذهب بعضهم إلى أن للمنتقد في مثل هذه الأحوال أن يصل بانتقاده إلى السب والقذف وهو مالا علاقة له بالانتقاد.

فيستفاد من ذلك أن الانتقاد يكون للأفراد في أعمالهم ولا يجوز أن يصل إلى السب والقذف فهو ليس إذن الطعن الذي أشار إليه القانون في الفقرة الثانية من المادة 262.

إذا زالت هذه الشبهة اللفظية يجب أن ينظر إلى أمر آخر جعل القاضي الأول يفهم أن المراد بالطعن هو الانتقاد فإنه ورد في حكمه أن الفقرة الخاصة بالطعن قد أضيفت إلى المادة (262) بناء على رغبة مجلس شورى القوانين من تقرير حق الانتقاد.

ولكن فرق بين طلب مجلس الشورى وبين القانون في ذاته فلا يمكن أن يفسر نص القانون برغبة هذا المجلس بل يجب أن يفسر بحسب نصه على أن الراجع للتعديلات يجد أن الحامل القوي على تعديل القانون في هذا الباب إنما هو ميل محكمة الاستئناف الأهلية في أحكامها إلى إباحة الإثبات في أحوال القذف في حق الموظفين

فلماذا لا تفسر لفظة الطعن التي وردت في القانون بلفظ القذف الذي ورد في التعليقات عند بيان ميل محكمة الاستئناف للعمل بالمبدأ الفرنسي؟ على أننا صرفنا عن ذلك كله ورجعنا إلى عبارة القانون بلفظ القذف في حق الموظفين

فلماذا لا تفسر لفظة الطعن التي وردت في القانون بلفظ القذف الذي ورد في التعليقات عند بيان ميل محكمة الاستئناف للعمل بالمبدأ الفرنسي؟ على أننا صرفنا عن ذلك كله ورجعنا إلى عبارة القانون بذاتها ولاحظنا المواضع التي وردت فيها

ولا يمكننا أن نشك لحظة في خطأ الحكم الأول وأن الشارع وقد وضع الفقرة التي أباحت الطعن في باي القذف والسب وجاءت عبارته بشرط إثبات حقيقة كل فعل قد أسند إلى الموظف في أن الطعن في حق الموظف يمكن أن يفهم الإنسان معنى النظرية النيابة وأسباب حكم محكمة أول درجة؟

يقول محرر الحكم المذكور إنه يجب في الطعن أو الانتقاد ألا تمس عبارات الكاتب صفات الشرف أو الاعتدال التي تلازم الموظف فهل يمكن التوفيق بين القذف والسب وعدم مس صفات الشرف والاعتدال التي تلازم الموظف هل يمكن أن أنسب إلى موظف أنه أرتشى في حادثة من الحوادث أو أنه نصب بسبب وظيفته أو أنه فسق أثناء تأديتها أو أنه حابي زيدا من الناس في حكمه أو أنه خرب الذمة أو أنه صادق أو غير ذلك من عبارات القذف والسب أصوغ هذا القذف والسب في عبارات وجمل لا تمس بصفات الشرف والاعتدال؟

أي اعتدال وأي شرف لا تهدم صروحه ويقع تحت الأقدام بعد نسبة واحدة من هذه المساوئ إلى الموظف ماذا يريد الحكم الأول هل يريد أن أقول للموظف بكل أدب واحترام سامحني يا سيدي ولا تعتقد أني أريد بشرفك سوءا إذا قلت إنك مزور كاذب منافق إني لم أجد مثلا واحدا يمكن أن أوفق بينه وبين نظرية القاضي وغرض القانون.

إن المحاكم الفرنسية قد توسعت في حق الانتقاد على الأفراد إلى درجة أنها تعتبر قذفا أمورا تحط من الكرامة والشرف متى كان الغرض منها مصلحة عامة فإنها أباحت انتقاد المرشحين للانتخاب متى كان الغرض من الطعن فيهم مصلحة الانتخاب فمن ذلك ما ورد في مجموعة أحكام دالوز سنة 1902 فهرست باب القذف نوتة 24 حكم جنائي صادر في سنة 1899 ونصه:

لا يعتبر قاذفا المنتخب بكسر الخاء الذي يعترض على سياسة المرشح التي تضر الأمة بها إلى مهلكة وتعرضها إلى أخطار الحرب الخارجية أو ينسب إليه أنه ليس محبا لبلاده مع تذكيره بالسياحة التي عملها في بلاد أجنبية ليحني رأسه لأعداء فرنسا.

فإذا كان حق الانتقاد على الأفراد قد يذهب إلى هذا الحد ولا ترى فيه المحاكم قذفا فكيف يمكن أن يقال إن الطعن في أعمال الموظفين لا يجوز أن يتعدى صفات الشرف والاعتدال التي تلازم الموظف اللهم إن الأمر أصبح ظاهرا وخطأ الحكم الأول بينا لا خفاء فيه.

يجب الآن أن نلخص المبادئ التي سبق تقريرها وتطبيقها على ظروف الدعوى الحالية فنقول: يمكننا أن نستنتج مما سردناه:

  1. أن حق الطعن هو غير الانتقاد فيدخل فيه القذف والسب في حق الموظفين أو بعبارة أوضح حق الطعن هو نسبة أمور للموظف إن كانت صحيحة استوجبت عقابه أو احتقاره أو نسبة عيوب معينة إليه أو عيوب تمس بشرفه واعتباره.
  2. أن هذا الحق مخول لكل فرد استعماله بطريق النشر ولكن يشترط لصحة استعماله شروط هي:
(أ‌) أن يكون الطعن في حق الموظف خاصا بأمور تتعلق بالوظيفة
(ب‌) أن يثبت الأفعال المنسوبة إليه.
(ت‌) أن يكون الطعن موجها بحسن نية.

فإذا أردنا أن نطبق هذه الشروط على الحالة التي بصددها مقالة المتهم من المحكمة إحالة الدعوى على التحقيق والتقرير يضم أوراق قضية دنشواي حتى يتمكن في إثبات صحة ما نسبة إلى المطعون عليهما.

نعم إذا طبقت هذه الشروط على المقالة لوجدناها تنادي بأن الواقعة المنسوبة إليه إنما هي طعن في أعمال موظفين وليست إهانة لا قذفا كما ذهب إلى ذلك حكم المحكمة الأولى.

وفي الواقع فإن ما نسبه المتهم إلى المطعون عليهما إنما هو وقائع عيوب معينة تدخل تحت أحكام المادتين 262و 265 فقرة ثانية أي هو من نوع القذف والسب المسموح به قانونا للأفراد وجميع الأمور المنسوبة قابلة للإثبات خلافا لما تزعمه النيابة وكلها خاصة بأمور تتعلق بالوظيفة فلا مندوحة عن التصريح بالإثبات.

وأما ما يتعلق بالنية فقد بينا للمحكمة أنها مفروضة في كل طعن يتوجه ضد موظف بسبب أمور تتعلق بوظيفته وأنه من واجب الاتهام إقامة الدليل على سوء النية وليس المتهم مكلفا إلا بنفي ما ثبته الاتهام.

وفي الواقع فإننا إذا نظرنا إلى المقالة لوجدنا أن غرض الكاتب منها يدور حول نقطتين أساسيتين هما:

الأولى أن الحكم الذي صدر من محكمة دنشواي حكم جائر صدر على أبرياء والثانية أن سبب نطق القاضيين بهذا الحكم هو الرهبة من الاحتلال والرغبة في الألقاب والمناصب.

هذا ما كتبه المتهم، وقد كتبه عن اعتقاد ثابت ويقين لا يشف عن شك أو ارتياب وذلك ظاهر عن عباراته الواردة في المقالة التي لم يكتبها إلا بعد أن قدرها تمام التقدير واقتنع بصحتها.

فإذا طلب منا إثبات اعتقاده فمع صرف النظر عن عبارات المقالة التي تشف عن الاعتقاد الصحيح لا يمكننا بالطبع أن ندخل إلى ضميره ونخرج صورة من هذا الاعتقاد ولكن يمكننا التدليل عليه ببيان الظروف التي أحاطت بالمتهم والأفعال التي دارت أمامه حتى جعلته يعتقد بل جعلت كل إنسان يعتقد صحة الطعن.

وفي الواقع فإن اعتقاده يكفي أن يكون في الظروف الآتية وهي:

أولا: حصول المحاكمة طبقا لنص دكريتو تشكيل المحكمة المخصوصة في حادثة لم يكن فيها ضباط الجيش الإنجليزي يؤدون خدمة عسكرية وأن حصول المحاكمة بلا مراعاة لقانون العقوبات وتحقيق الجنايات كاف بمفرده للجزم بأن عمل المحكمة عمل استبدادي محض.
ثانيا: ما كتبه المستر فندلي سكرتير الوكالة البريطانية وأقره لورد كرومر فيكتابه الأبيض الذي ظهر عن حادثة دنشواي يجعل المتهم يعتقد بل يجزم بصحة ما كتبه نعم ورد في هذا الكتاب صحيفة 13 من تقرير فندلي وترجمته أصدرت المحكمة حكمها كما ألفت في السابع والعشرين من شهر يونيو وكان إجماعيا فيما يتعلق برؤساء تلك الجريمة أي بالأربعة الذين حكم عليهم بالإعدام.
فما رأى النيابة في سر المداولة التي طنطنت بها مذكرتها الأولى وقالت إنه من المستحيل معرفة رأي القاضيين لأن سر المداولة مقرر بمقتضى القانون؟ ولكن رأيي الخاص في هذه المسألة أن قضاة المحكمة المخصوصة ليسوا مقيدين بأي قانون فليس فرضا عليهم أن يكتموا سر المداولة لأن الكتمان من خصائص المحاكم النظامية التي تحكم بمقتضى القانون.
ثالثا: ما جاء في نفس هذا الكتاب الأبيض صحيفة (24 من تفسير اللورد كرومر) وترجمته.
إنه لا يمكنني أن أقول إن الغرض الذي رميت إليه حينما تشددت في إيجاد هذه المحكمة الخصوصية إنما هو التمكن من إيجاد عقوبات صارمة عاجلة بمقتضى المادة الرابعة تنفذ الأحكام على الفور غير أني أظن أنه لابد قبل التنفيذ من أن نقرر بأن قرار تلك المحكمة هيئة قضائية أعلى.
وإنني لأود أن تعدل في المستقبل مواد الدكريتو تعديلا لا يبيح من العقوبات إلا ما يخرج عن طبقة ما نص عليه في قانون العقوبات المصرية من العقوبات.
  1. إن القاضيين الوطنيين المطعون عليهما كان رأيهما عند المداولة في القضية إعدام الأربعة الذين مثل بهم في حادثة دنشواي لأن الحكم بإجماع الآراء.
  2. إن اللورد كرومر نفسه يرى أن هذه الأحكام فظيعة إذ إن إذعانه بالقول بضرورة تعديل القانون من حيث وضع عقوبات توافق ما في القانون وعدم جعل أحكام المحكمة المخصوصة نهائية بل قابلة للاستئناف من أكبر الأدلة على اعتقاده شدة وفظاعة ما حصل في دنشواي وإن هذه الفظاعة هي التي جعلته يرى جليا أنه أخطأ بجعل إجراءات المحكمة المخصوصة على الشكل والطريقة التي صدر بها دكريتو سنة 1895.
رابعا: قيام كثيرين من كبار رجال الإنجليز ومن ضمنهم وكيل نظارة الخارجية في الوزارة السابقة وغيره من اللوردات بتقديم عريضة للحكومة يطلبون فيها العفو عن مسجوني دنشواي وما ورد في هذه العريضة من الأقوال وتعليق الجرائد الإنجليزية نفسها عليها حماية لضباطها ورجال بحريتها فلم يبق هناك شك في أن المتهم كتب ما كتب بسلام نية لاعتقاده وجزمه بصحة ما كتبه عن الموظفين المصريين هذا ولا ينازعنا أحد في أن المتهم كتب بقصد المصلحة العامة فجاء غرضه موافقا لما ورد في التعليقات القانونية من اشتراط أن يكون الغرض من الطعن للموظف مصلحة عامة.

إنه ما دام قانون المحكمة المخصوصة لا يزال باقيا بغير إلغاء بعد حدوث هذه المظالم فمن واجب الصحافي أن يكتب كل يوم وكل لحظة في خطر وجوده ولا يمكنه أن يبين هذا الخطر إلا إذا ذكر بتلك الفظائع التي وقعت بدنشواي.وإنه ما دام من أصول تشكيل تلك المحكمة وجود عضوين مصريين في دائرتها فمن الواجب على الصحافي أن يذكر الناس في كل آن بفظاعة الأحكام المروعة.

فإذا كان هذا واجب الصحافة خدمة المصلحة العامة فكيف يسوغ لقاضي أول درجة أن يقول إن المتهم لم يقل انتقاده أو طعنه للمصلحة العامة؟ فما هي إذن المصلحة العامة إذا كان الاعتراض على قانون محكمة دنشواي بأمل إلغائه ليس انتقادا للمصلحة العام؟ يجمل بنا أن نبين للمحكمة في مصل صغير الفارق بني الطعن للمصلحة العامة أو الطعن لغير هذه المصلحة.

إذا رجوت موظفا من الموظفين أن يعمل عملا مخالفا لواجب وظيفته ثم امتنع عن ذلك فانتقاما منه نشرت عنه الجرائد أنه ارتشى في حادثة من الحوادث فإن ذلك يكون طعنا على أعمال وظيفته ولكن الغرض منه هو الانتقال لغاية دنيئة تلك الغاية هي أن يخالف الموظف واجبات وظيفته ويعمل عملا من أعمال المحاباة.

هذا هو مثل الطعن لغير المصلحة العامة وهو بعيد بعد السماء عن الأرض عن الحالة التي نحن بصددها.ليس بيننا وبين حضرتي المطعون عليهما أسباب شخصية تدعونا إلا الانتقام منهما أو التشهير بهما فلا يوجد بيننا وبينهما سوى هذه المسألة العمومية.

إن أكبر دليل على صدق ما قدمناه أن المتهم لم يطعن هذا الطعن إلا خدمة للمصلحة العامة ما كتبه المتهم في هذا العام عن عطوفة ناظر النظار من جميل الثناء بسبب ما قام به العمل الجليل في حادثة الأزهر الشريف فإن عبارات المتهم التي وردت في عدد اللواء الصادر بتاريخ 20 فبراير سنة 1909 لمما يصح أن يتحلى به هذا الوزير الخطير وأن يبقى خالدا في تاريخ حياته العمومية وفي الواقع فقد جاء بعدد اللواء المذكور ما نصه:

يا رئيس النظار وقع بالأزهريين ما وقع من ضروب العسف والجور وصنوف العذاب والتنكيل فاجتمعت جموع العلماء وهم في حملة كتاب الله وحماه القبطي ليرفعوا إليك ما يفعله إخوانهم في الدين من النكال والعذاب المهين ليروا اعالم مبلغ تسامح الإسلام واستقامة مبادئه.

فلم يمنعهم تشددهم في دينهم أن يأتوا إليك مختارين ويستمعوا لقولك صاغين ويتلقوا وعدك مطمئنيين ويخرجوا من ذلك شاكرين ويروا جميل حديثك للغادين والرائحين ثم وقفت يا عطوفة الوزير الذي لو شئت لتنحيت عنهم وقفت مع أقرانك ذلك الموقف الحميد فانطلقت بشكركم ألسنة أوقفها عن شكر الوزراء قديما إنهم ليقولون وإذا قالوا لا يعملون وإذا عملوا لا يصلحون إليك إيها الوزير شكر أمة لا تكفر إحساسنا ولا تشكر مسيئا أمة لا تغفل عن الحسنة كما لا تغفل عن السيئة أمة لا تعرف التعصب إلا للحق ولا المحاربة إلا للباطل أمة لا تحملها مخالفة دين على منافرة أصحابه ولا مغايرة مشرب على منابذة أربابه.

فقر عينا بما ملكته في هذه النازلة من القلوب التي ما أحوجك إلى الحرص عليها وأولاك باستمداد القوة منها.فعلت ما فعلت من البر بيني وطنك من المسلمين وأنت زعيم الأقباط وقدوتهم فمن لنا أن يقتدي هؤلاء بك وعهدنا بهم أطوع لإشارتك فضلا عن أمرك حتى لا يكون هناك أثر للجفاء المذموم أو الانفراد الممقوت والله ولي التوفيق.

فهل بعد هذه العبارات التي تشف عن الإعجاب والاحترام والعدالة في تقدير الرجال والأ‘مال يمكن أن يقال إن بين عطوفة ناظر النظار وبين المتهم شيئا يستوجب حب الانقام.كذلك لا يوجد شيء يحمل المتهم على الطعن على سعادة فتحي باشا زغلول غير غرض المصلحة العامة.

اللهم إن ما قدمناه هومن أقطع الأدلة على فساد مزاعم النيابة من أن المتهم كان سيء القصد بما حرره في عدد 28 يونيو.إنه لمن أسخف الأدلة وأعظمها على سوء قصد المتهم ما ورد في أقوال الاتهام من أن الأدلة على سوء النية هو كتابة ما كتب بعد ثلاثة أعوام على مضي الحادثة.

نعم إن مأمورية النيابة أرقى وأسمى من أن تعتبر هذا القول دليلا على سوء النية وإن التفكير بالواجب ليس من الأمور التي يستهان بها وليس من الأمور التي يكتفي فيها التفكير مرة أو اثنتين إنه ما دمنا مهددين بوقوع مثل هذه الفظائع فلا تمر لحظة إلا ونذكرها ولا تمر آونة إلا تمثل أمامنا ذلك المنظر الفظيع أو المشهد المريع مشانق منصوبة وأرض بالدماء مخضوبة وأيد بالسلاسل مبلولة وأرجل بالأصفاد مكبولة ودموع مرسلة وقولب مندملة وأبناء يرون كيف تنزع أرواح الآباء ونسوة يخدشن الوجوه وشققن الجيوب ويزعجن عالم الملكوت بما ترفع أصواتهن إلهي من صيحات الأفواه ومناجاة القلوب.

إن مأمورية القضاء في هذه القضية سامية كبيرة وعمل الدفاع شريف ومركز النيابة حرج يحرجه الحق والقانون.فالمطلوب من حضراتكم أن تراجعوا إلى القانون ثم ترجعوا إلى ضمائركم ترجعوا إلى القانون ثم إلى العدل بعد أن تضموا آذانكم عن كل قول غير الذي تسمعونه في المرافعات فإن في ضمائركم السليمة روح العدالة والإنصاف لا تتردد لحظة في القضاء بالحق ولا تقولوا كما قال السير جراي إن العفو عن المذنبين يمس بسمعة القضاة المصريين الذين اشتركوا في الحكم لأن الحق فوق الإحساس والعدل هو الشرف فوق كل مرتخص وغالي إذ هو الغاية السامية والغرض الوحيدي الذي يجب أن يتجه إليه القضاء.

إنا واثقون بعدالتكم مطمئنون لحكمكم فابحثوا قضيتنا وإن كان بحثها يلفكم عناء واعلموا أن حكمكم سيكون موضع بحث العالم المصري والعربي وأعلموا أنكم بحكمكم العادل ستحملون لأنفسكم في التاريخ مجدا عظيما وتشيدون للحق صرحا عاليا.

الحكم الاستئنافي

باسم الجناب الخديوي المعظم عباس حلمي.

محكمة مصر الابتدائية الأهلية بجلسة الجنح الاستئنافية المنعقدة علنا بسراي المحكمة في يوم الأربعاء 35 أغسطس سنة 1909 تحت رئاسة حضرة بوغوص بك أغوبيان وكيل املحكمة وبحضور حضرتي المستر كلابكوت وإبراهيم بك يونس قاضيين وحضرة عبد الحميد أفندي بدوي عضو النيابة العمومية والسيد أفندي حلمي كانت الجلسة.

(صدر الحكم الآتي)

في قضية النيابة نمرة 2640 الواردة بجدول المحكمة سنة 1909 بنمرة 2654 وبها محمد بك مدع مدني. اتهمت النيابة العمومية المتهم بأن نشر مقالة ممضاة منه في اللواء

أولا: أهان كلا من بطرس باشا غالي رئيس الوزراء وسعادة فتحي باشا وكيل الحقانية بسبب أمور تتعلق بوظيفتهما.

ثانيا: قذف في حق محمد بك يوسف المحامي بأن نسب إليه في المقالة المذكورة أمورا لو كانت لأوجبت عقابة قانونا واحتقاره عند أهل وطنه.حيث إن الاستئنافات صحيحة شكلا فيتعين قبولها.

وحيث إن المسائل المرفوعة من المتهم باعتبارها دفوعا فرعية تنحصر في أن دفعين أولهما يختص باستئناف النيابة وتحديده على وصف التمة فقط وثانيهما أن محكمة أول درجة غيرت وصف التهمة من الإهانة إلى القذف وحكمت في الموضوع بدون أن يدافع المتهم عن نفسه في تقدير مسئوليته عن تهمة القذف.

أما باقي المسائل فإنها تتعلق بالموضوع.حيث إن الاستئناف المرفوع من النيابة رفع عن الحكم الابتدائي على علاته بدون قيد ولا سبب مخصوص كما أن استئناف المتهم كان كذلك ولم تتعين حدوده إلا أمام هذه المحكمة فلا فرق إذن بين الاستئنافين وما جاز للمتهم جاز أيضا للنيابة خصوصا إن النيابة سلمت أمام هذه المحكمة بصحة الوصف الذي اعتبرته المحكمة الابتدائية وتمسك به المتهم أيضا.

حيث إن قول الدفاع إن المحكمة لم تمكن المتهم من الدفاع عن نفسه في موضوع تهمة القذف لتقدير مسئوليته قول في غير محله لأن الدفاع أمام القاضي الجزئي تناول الدفوع الفرعية والموضوع في آن واحد كما هو ثابت في محضر الجسلة.

وحيث إن القول بأن المحكمة الجزئية لم تفصل في المسائل المرفوعة لها بصفة دفوع مع الفصل في الموضوع يخالف الواقع لأن المحكمة المذكورة ذكرت في نص الحكم رفض ما يغايره من الطلبات ومن المقرر قانونا للمحاكم الحق في الفصل في الدفوع الفرعية بطريقة إجمالية برفضها في نص الحكم

حيث إن المادة السابعة من قانون العقوبات هي خاصة بالحقوق الشخصية المحضة المقررة بالشريعة الغراء ولا تدخل تحت هذا القانون كحق تأديب الزوج للزوجة والوالد لولده وبما يماثل ذلك من الحقوق التي لا تستعمل إلا ضمن الحدود الشرعية ولا يوجد في ذلك نزاع لأن العمل بقانون العقوبات مدة أكثر من عشرين سنة لم يؤد إلى خلاف مع الشريعة الغراء وعلى ذلك لأوجه إذن لتطبيق المادة السابعة المذكورة في هذه القضية.

وحيث إن التهمتين الموجهتين إلى المتهم هما في الحقيقة وفي نفس الأمر تهمة واحدة بصدور القذف في مقالة واحدة وفي آن واحد لغرض واحد فيتعيني اعتبارهما تهمة واحدة.وحيث إن التهمة ثابتة ثبوتا كافيا على المتهم وعقابه على ذلك ينطبق على المادة 261 فقرة أولى وفقرة ثانية عقوبات.

وحيث إنه فيما يتعلق بالتعويض فالمحكمة ترى في تقدير الترضية الكافية لأن ما جاء بالقذف والتشهير بالمدعي المدني ما كان ليحق به ضررا لشهرته بالفضل والاستقامة.وحيث إنه لظروف القضية وقبح الألفاظ التي استعملت في القذف ترى المحكمة أن الحكم بالغرامة لا يكون رادعا ولا زاجرا ذلك للأسباب الواردة به

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة حضوريا بقبول الاستئنافات المرفوعة من النيابة والمدعي بالحق المدني والمتهم شكلا وفي الموضوع وباعتبار التهمة تمة واحدة وتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للعبوات وحبس المتهم ثلاثة شهور حبسا بسيطا وتأييده فيما عدا ذلك من الطلبات وألزمت المتهم بالمصاريف بنسبة مبلغ التعويض المحكوم به عليه وإلزام المدعي المدني بباقي المصاريف.

وبعد فلا شك في أن محاكمة عبد العزيز جاويش كان غرضها القضاء على حرية الصحافة المصرية والذي ابتدأ بإعادة قانون المطبوعات في 25 مارس 1909 على يد صاحبا لعطوفة بطرس باشا غالي وكان قد صدر في عهد الخديوي توفيق في 26نوفمبر 1881 وبعد وقوع الاحتلال البريطاني تغاطوا على تطبيق القانون حتى إنه بداية من سنة 1894 أصبح في حكم الميت.

ولكن باشتداد ساعد الحركة الوطينة وبكثرة الانتقادات الموجهة إلى السلطات البريطانية ورجال الحكومة المصرية وبعد وقوع حادثة دنشواي والصرخات التي تملأ الصحف بالثورة خشى الإنجليز على أنفسهم فأصدروا الأ,امر الخفية إلى الوزارة المصرية التي كان يرأسها غالي باشا بضرورة إعادة قانون المطبوعات فأصدر غالي في 25 مارس سنة 1909 قرارا بإعادة العمل بقانون المطبوعات

والذي كان سلاح ذا حدين حد قضائي لمصادر الحريات وبالذات حريات الصحفيين والزج بهم في السجون وحد إداري لمصادر الصحف بالإنذار والإغلاق حيث تنص المادة (13) من قانون المطبوعات على أنه:

يسوغ محافظة على النظام العمومي أو الدين أو الآداب تعطيل أو قفل أي جرنال أو رسالة دورية بأمر من ناظر الداخلية بعد إنذارين أو بقرار من مجلس النظار بدون إنذار ويسوغ إضافة غرامة من خمسة جنيهات إلى عشرين جنيها لكل إنذار يصدر.

وعاد قانون المطبوعات أملا في القضاء على أو الحد من حرية الصحافة وتكميم أقلام الصحفيين فانطلقت أصوات المصريين تهاجم القانون ومن أعاده وشنت حربا ضارية ضد من يحكمون باسم الاحتلال وعلى رأسهم غالي باشا الذي بلغت الحرب ضده أشدها عندما قام إبراهيم ناصف الورداني باغتياله ولم يكن قد مضى عام واحد على صدور القانون.

ولقد كان إبراهيم ناصف الورداني في طليعة المتظاهرين ضد هذا القانون في المظاهرات التي اشتعلت احتجاجا عليه وعلى من أعاده يوم 31 مارس 1909 مما أدى إلى أن تستدعيه النيابة ضمن المجموعة التي حققت معهم من زعماء هذه المظاهرة ومنهم رمزي نظيم زجال مصر الشهير و عثمان طلعت صبور و مختار طلعت صبور وقدم بعضهم إلى المحاكمة بتهمة إهانة الحكومة فقضت المحكمة بحبس أحمد حلمي ستة شهور وحبس محمود رمزي نظيم وعثمان طلعت صبور ومختار طلعت صبور وأحمد زكي بثلاثة شهور مع وقف التنفيذ وبراءة إبراهيم غانم.

وكان من الطبيعي أن تكون جريدة اللواء في طليعة قادة الهجوم على القانون ففي 26 مارس أي في اليوم التالي لصدور القانون كتب إسماعيل بك شيمي المحامي مقالا بعنوان تقييد حرية الصحافة شغل صفحة بأكملها من الجريدة وامتلأ بالهجوم على الاحتلال والحكومة التي عولت على تقييد الصحافة وتكميم الأفواه لتضرب الناس ضربة توقع بهم الرعب في قلوبهم.

وأعلنت جريد اللواء قطيعتها للخديوي عباس في قصيدة جاء مطلعها:

أعباس هذا آخر العهد بيننا
فلا تخش منا بعد ذاك عتابا.

أيرضيك فينا أن نكون أذلة

ننال إذا رمنا الحياة عقابا.

وكتب محمد فريد وجدي الأديب الإسلامي الكبير والصحفي المعروف في جريدة الدستور يقول إيها الوزراء اسمعوا وعوا لئن ماتت الحرية اليوم فستبعث غدا.

وكتب أحمد لطفي السيد يقول: إن الإنجليز يريدون الانتقام منا على مجرد طلبنا الحرية الشخصية كل ممزق يا عجبا كل العجب لماذا يحيون قانون 1881 ولا يحيون دستور 1882؟ أكل مالنا فيه غرم محبوب لديهم وكل مالنا فيه غنم هم عنه يحيدون؟

وهكذا كانت الصحافة المصرية صحافة تلم بقضايا مجتمعها وتتصدى لمعالجتها صحافة تسلك الطريق الذي ينبغي لها أن تسلكه بإرادتها هي لا بإرادة غيرها.

القضية الثالثة: مقتل بطرس غالي

إبراهيم ناصف الورداني... شاب مصري حر في الرابعة والعشرين من عمره تلقى علومه الأول في المدارس المصرية حتى نال البكالوريا، ثم ذهب إلى سويسرا يتلقى علوم الصيدلة في كلية لوزان، ثم سافر إلى انجلترا حيث مكث بها لمدة عام نال فيها شهادة في الكيمياء والتاريخ الطبيعي ثم عاد إلى مصر في أول يناير سنة 1909 ليعمل بها صيدليا ... ليس إلا...

• الورداني الذي أعاد النظر في قضية دنشواي، وقرأ بعناية مقال الشيخ جاويش عن ذكراها الأليمة، فأصدر حكمه بإعدام صاحب العطوفة بطرس غالي باشا رميا بأربع رصاصات مصرية الصنع نتيجة جنايتة على مصر مصائب أربعا هي: رياسته لمصيدة دنشواي المخصوصة وإعادته قانون المطبوعات ودوره العجيب في اتفاقية السودان، وتحريكه مشروع مد امتياز قناة السويس.

• ثورة دموية عصفت وتعصف بكل خائن لبلاده، ثورة دموية ميثاقها قول الشاعر:

كلانا على دين به هو مؤمن ولكن خذلان البلد هو الكفر.

في تمام الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الأحد الموافق 21 فبراير 1910 أطلق إبراهيم ناصف الورداني على صاحب العطوفة بطرس غالي عدة رصاصات أودت بحياته أثناء خروجه من وزارة الحقانية يحيط به كعادته رجال الحكومة منهم: حسين باشا رشدي وأحمد باشا زغلول وعبد الخالق باشا ثروت.

وقبض عليه واعترف بأنه ملأ صدر بطرس غالي برصاصات طرحته على الأرض يتخبط في دمه نتيجة تصرفاته الخائنة لوطنه، ابتداء بتوقيع اتفاقية السودان سنة 1899 التي بمقتضاها أصبحت لإنجلترا سيطرة فعلية في السودان وأصبح المصريون غرباء عنه أو خدام الإنجليز فيه ومرورا برياسته محكمة دنشواي المخصوصة سنة 1906

والحكم بإعدام أربعة من أهالي دنشواي والتنكيل بهم شرتنكيل أهل دنشواي الذين ظلت أرواحهم تشكو لربها والمصريين ما أصابهم أهل دنشواي الذين سرت دماؤهم في الأرض تتوعد الآثمين، وإعادة قانون المطبوعات سنة 1909 الذي سلط سيفه على رقاب الصحف وحرية الكتابة بعد أن كان قد مات وعفا عليه الزمن ووصولا إلى الاتفاق على مشروع مد امتيازات قناة السويس في 10 فبراير 1910.

وإبان هذا الحادث قبض على كثير من شباب مصر ثم أفرج عن بعضهم.وأقامت النيابة الدعوى العمومية على إبراهيم ناصف الورداني وثمانية آخرين بتهمة مشاركته في الجريمة باعتبارهم جميعا أعضاء جمعية من مبادئها استعمال القوى في الوصول إلى تحقيق أغراضها وأن جريمة القتل كانت نتيجة محتملة لهذا الاتفاق وهؤلاء الثمانية هم:

المهندسون على مراد المهندس المعماري ومحمود أنيس مهندس الري وعبد العزيز رفعت مهندس التنظيم ومحمد كمال الطالب بمدرسة المهند سخانة وشفيق منصور وعبده البرقوقي الطالبان بمدرسة الحقوق وعبد الخالق عطية المحامي وحبيب حسن المدرس.

وأحيلوا جميعا إلى عطية المحامي وحبيب حسن المدرس.وأحيلوا جميعا إلى قاضي التحقيق الإحالة محمد متولي غنيم بمحكمة مصر توطئة لإحالتهم إلى محكمة الجنايات ونظرت القضية أمامه في 22 مارس 1910 وتولى الدفاع عن المتهمين أحمد لطفي السيدومحمود أبو النصر وإبراهيم الهلباوي.

ومثل الاتهام عبد الخالق ثروت النائب العام وبعد أن سمع قاضي الإحالة مرافعات النيابة والمحامين أصدر قراره بإحالة الورداني إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل وبأن لا وجه لإقامة الدعوى ضد الثمانية المتهمين بالاشتراك لأنه لا يوجد في قانون العقوبات نصوص تعاقب على الاتفاقات الجنائية، الأمر الذي دعا المشرع بعد ذلك إلى وضع مادة تعاقب على الاتفاقات الجنائية.

وحوكم الورداني أمام محكمة جنايات مصر المشكلة برياسة المستر دلبروغلي وعضوية أمين علي وعبد الحميد رضا مستشارين وبحضور عبد الخالق ثروت النائب العام وتولى الدفاع كل من أحمد لطفي السيدومحمود أبو النصر وإبراهيم الهلباوي

وبعد أن سمعت المحكمة الشهود ومرافعات النيابة ومرافعات المحامين أصدرت حكمها في 18 مايو سنة 1910 بإعدام إبراهيم ناصف الورداني شنقا ورفع محاموه طعنا في هذا الحكم أمام محكمة النقض والإبرام فقضت في 11 يونيو برفض الطعن وتأييد حكم الإعدام.

وفي 28 يونيو 1910 نفذ حكم الإعدام في إبراهيم ناصف الورداني وهو يقول الله أكبر الذي يمنح الحرية والاستقلال وكان الشعب قد خرج في صباح ليلة التنفيذ يردد مواله.

(قولوا لعين الشمس ما تحماشي أحسن غزال البر صابح ماشي)

والعجيب أن يكون يوم إعدامه هو ذات اليوم من نفس الشهر الذي نفذ فيه حكم الإعدام شنقا في محمد درويش وثلاثة من أهله الذين قضت بإعدامهم المحكمة المخصوصة برياسة غالي باشا وهو ذات اليوم من نفس الشهر الذي خرج فيه مقال جاويش ذكرى دنشواي.

المحاكمة

محكمة الجنايات برئاسة المستر دلبروغلي وعضوية أمين بك علي وعبد الحميد بك رضا

مرافعة النيابة العمومية عبد الخالق ثروت باشا النائب العام

إن الجناية المطروحة عليكم اليوم ليست من الجنايات العادية بل هي بدعة ارتج لها القطر بأكمله ابتدعها الورداني فيه وكان إلى اليوم طاهرا منها لم يكن قصدي أن أطيل الكلام في الجريمة من حيث ثبوت ارتكابها فإن المتهم سجل على نفسه بإقراره سواء في التحقيق أو أمام قاضي الإحالة أنه قتل المرحوم بطرس باشا عمدا بعد سبق الإصرار على القتل والترصد له

ولكن الدفاع أسمعنا 33 شاهدا سمعت شهادتهم وفكرت فيها فألفيتها تحوم من بعيد حول نقط يريد الدفاع أن يدرأ بها عن المتهم مسئولية القتل من جهة خاصة أن يخفف بها مسئولية الجناية من جهة عام الأولى بخصوص العملية الجراحية التي أجريت لرئيس الوزراء المجني عليه وهل كان في الإمكان انقاذه لو لم تجر العملية بالأسلوب الذي أجريت به.

والثانية الادعاء بأن المتهم مختل القوى العقلية فأما عن المسألة الأولى فقد ندبت المحكمة لجنة برئاسة الطبيب الشرعي الإنجليزي وأستاذ الجراحة الإنجليزي بمدرسة الطب وجراح مصري لتقرر ما إذا كانت الجروح الناشئة عن الإصابة مميتة بدون إجراء العملية أو أنه كان للمصاب أن يعيش بدون إجراء العملية؟ وما إذا كانت العملية قد أجريت مع اتخاذ الاحتياطات الضرورية فنيا؟ وقد قررت هذه اللجنة أن إجراء العملية كان واجبا.

وأما عن المسَألة الثانية فالورداني يتمتع بكامل قواه العقلية ويعزز ذلك الورداني فقد أطال التفكير في انفاذ عزمه وأنه من أعضاء الجمعيات الفوضوية التي تحرض على الاغتيال.

إن الورداني بجناية قد عمد إلى خرق حرية القانون السماوية والبشرية عمدا إلى قتل النفس التي حرم الله قتلها عمد إلى إزهاق روح بريئة من غير ذنب عمد إلى حرمان إنسان من أٌدس حق له في هذه الدنيا عمد إلى حرمان عيلة من معيلها وأمة من رجلها وحكومة من رئيسها عمدا وأطاع هواه وأطلق رصاصته فماذا جرى؟

أنظروا يا حضرات القضاة كم أساء الورداني بجنايته إلى هذا البلد الأمين الأسف فماذا جنت عليه مصر ولماذا هو يضرها كل هذا الضرر لعله يدلي بخدمة الوطن إن الوطنية التي يدعي المتهم الدفاع عنها بهذا السلاح المسموم لبراءة من هذا المنكر إن الوطنية الصحيحة لا تحل في قلب ملأته مبادئ تستحل اغتيال النفس إن مثل هذه المبادئ مقوضه لكل اجتماع.

وماذا يكون حال أمة إذا كانت حياة أولى الأمر فيها رهينة حكم متهوس يبيت ليلة فيضطرب نومه وتكثر هواجسه فيصبح صباحه ويحمل سلاحه يغاشم في دار أعمالهم فيسقيهم كأس المنون.

ماذا يريد الورداني؟ أيريد ألا يكون حكما ولا حاكما؟ أيريد أن يكون الفوضى بعد النظام أيريد ضرا ودمارا عاجلين؟ هذه يا حضرات القضاة الغاية التي استحل الورداني من أجلها قتل النفوس ليصل بوطنه إليها خدمة له ومحبة فيه. وهذه هي الغاية التي ظنها شفيعا له لديكم وسببا لعطفكم عليه وشفقتكم به.

إن جناية الورداني لأشد ضررا ألف مرة من جناية كل مجرم قاتل أو سارق أو قاطع طريق فإن هؤلاء جنايتهم فردية وجناية الورداني على أمته ووطنه وهؤلاء يمن الاحتراس منهم وتوقى أضرارهم وهو يأخذ الناس في مأمنهم وعلى غرة منهم ومالهم منه من واق.

إن كان الورداني أراد بفعلته أن يخدم بلاده فلقد ساء طريقه إلى هذه الخدمة إن كان أراد أن يحييها من الجناية.فلقد صدع كيانها صدعا. وأضر بها ضررا بالغا بتلطيخه صحيفتها بالدماء وقد كان أمامه لخدمتها طريق من طرق مشروعة.

كان في وسعه أن يحارب خصمه بغير ذلك السلاح القاتل فإن كن على حق خرج من هذا النضال بطلا شريفا سائرا وبنفسه إلى خدمة الوطن لا أن يلقى إليك تلك الرصاصات ليذهب به إلى عدم يسير إيه اليوم قاتلا أثيما يئست المبادئ مبادؤه ولعنة الله عليه باسم الإنسانية التي انتهك حرمتها والحرية التي خرق سياجها والوطن الذي جنى عليه.

يا حضرات القضاة الآن بيدكم الأمر إن هي إلا كلمة تخرج من أفواهكم لا تسألون عنها إلا أمام ضمائركم وأمام الله سبحانه وتعالى وبها تبددون ظلمات أحاطت بالبلاد وبها تستأصلون جرثومة خبيثة يخشى منها على عقول النشء وأنا على يقين من أنك ستخبون صوت الحق والعدل والإنسانية تستصرخكم لما أصابها من جراء هذه الجناية الفظيعة فتحكمون بالإعدام على هذا الجاني.

مرافعات الدفاع

مرافعة أحمد لطفي السيد المحامي

بادئ ذي بدء، نطلب من المحكمة اعتبار الواقعة مجرد شروع في قتل لأن الوفاة لم تنشأ عن الإصابات التي أحدثها به المتهم والمثبتة في تقرير الطب الشرعي على هذه الصورة الآتية: رصاصتان في رقبته والثالثة في كتبفه اليسرى والرابعة في جنبه الأيمن ونستند في ذلك إلى تقرير اللجنة الطبية المنتدبة الذي لم يجزم بأن الاحتياطات الواجبة فنيا في إجراء العملية قد اتخذت فعلا ورأي الدكتور سرج فورونوف الذي أشار على أطباء مستشفى الدكتور ملتون بعدم إجراء العملية.

والذي دهش بعد تمام إجرائها لما وجد المجني عليه على مائدة العمليات وبطنة مفتوح إضافة إلى رأي الطبيب الشرعي النمسوي المنتدب هو فمان الذي قرر أنه من المؤكد أنه مثبت في علم الجراحة بوجود أحوال أصيب فيها القلب بإصابات نارية لم تحدث عنها وفاة.

وإننا نطلب إحالة الورداني إلى طبيب اختصاصي لفحصه وتقدير مسئوليته عن الجريمة التي تثبت عليه.يا حضرات القضاة انظروا إلى هذه القضية كما ينظر إلى أي قضية أخرى ولا تقيموا اعتبارا إلى أن المتهم هو إبراهيم الورداني وإلى أن المقتول هو رئيس النظار بطرس غالي.

أما أنت أيها الورداني فلقد همت بحب بلادك حتى أنساك ذلك الهيام كل شيء حولك أنساك واجبا مقدسا هو الرأفة بأختك الصغيرة وأمك الحزينة فتركتهما تبكيان هذا الشاب الغض تركتهما تتقلبان على جمر الغضا تركتهما تقلبان الطرف حلولهما فلا تجدان غير منزل مقفر غاب عنه عائله تركتهما على ألا تعود إليهما وأنت تعلم أنهما لا تطيقان صبرا على فراقك لحظة واحدة فأنت أملهما ورجاؤهما.

دفعك حب بلادك إلى نسيان هذا الواجب وحجب عنك كل شيء غير وطنك وأمتك فلم تعد تفكر في تلك الوالدة البائسة وهذه الزهرة اليانعة ولا فيما سينزل بهما من الحزن والشقاء ما أقدمت عليه.

ونسيت كل ما أملك في الحياة وقلت إن السعادة في حب الوطن وخدمة البلاد واعتقدت أن الوسيلة الوحيدة للقيام بهذه الخدمة هي تضحية حياتك، أي أعز شيء لديك ولدى أختك ووالدتك فأقدمت على ما أقدمت راضيا بالموت لا مكرها ولا حبا في الظهور أقدمت وأنت عالم أن أقل ما يصيبك هو فقدان حريتك ففي سبيل حية أمتك بعت حريتك ثمن غال.

فأعلم إذن أيها الشاب أنه إذا تشدد معك قضاتك ولا إخالهم إلا راحميك فذلك لأنهم خدمة القانون وهذا هو السلاح المسلول في يد العدالة والحرية وإذا لم ينصفوك ولا أظنهم إلا منصفيك فقد أنصفك ذلك العالم الذي يرى أنك لم ترتكب ما ارتكبته بغية الإجرام ولكن باعتقاد أنك تخدم بلادك وسواء وافق اعتقادك الحقيقة أو خالفها فتلك مسألة سيحكم التاريخ فيها

وإن هناك حقيقة عرفها قضاتك وشهد بها الناس وهي أنك لست مجرما سفاكا للدماء ولا فوضويا من مبادئه الفتك ببني جنسه ولا متعصبا دينيا خلته كراهية من يدين بغير دينه إنما أنت مغرم ببلدك هائم بوطن فليكن مصيرك أعماق السجن أو جدران المستشفى فإن صورتك في البعد والقرب مرسومة على قلوب أهلك وأصدقائك وتقبل حكم قضاتك باطمئنان واذهب إلى مقرك بأمان.

مرافعة محمود أبو النصر المحامي

لما دعينا للدفاع عن هذه القضية تذكرنا قول قاسم أمين: رأيت قلب مصر يخفق مرتين الأول يوم تنفيذ حكم دنشواي والثانية يوم جنازة مصطفى كامل ونضيف إلى ذلك أنه إذا كان قلب مصر أخفق في ذينك الحادثين فقد رأيناه يخفق في حادثين آخرين هما:

  1. إعادة قانون المطبوعات.
  2. مد امتياز قناة السويس.

حضرات القضاة، إننا نشعر بعظم المسئولية التي احتملناها أمام ضمائرنا وأمام الله والناس نعم إن المسئولية كبرى.. ما كنا نتقدم إلى احتمالها لولا ثقتنا بعد القضاء واستقلاله.

حدث ذلك الحادث فعمت الدهشة البلاد واستحكم الذهول في بعض العقول فتسرع من تسرع إلى اتخاذه مثارا لأحقاد وضغائن يشهد الله أن لا وجود لها إلا في بيداء الخيال والوهم.

نعم سمعنا والأسف ملء قلوبنا سمعنا صيغة كانت أشبه بأصوات الانتقام منها بتكييف الحالة الواقعة أوشك الجو بهذه الصيحة إن يزداد ظلاما فتشابه الأمر واستعت دائرة المسئولية الجنائية عن مركزها الحقيقي أخذ البريء بغير البريء.

ثم سيقوا جميعا إلى المحاكم فلم يلاقوا من عدل القضاء واستقلاله سوى ما تعلمون وكان من نتائج هذا التهويل في هذا الحادث والخروج به عن حد المعقول وحقيقته الثانية أن قام بيننا بالأمس ذلك الضيف الكريم الذي يدعي روز فلت يتهم الأمة بالتعصب الإسلامي بغير أن يبحث عن كنه ذلك المجني عليه ولكنه أجلس نفسه ظلما على منصة القضاء وأصدر حكمه في قضيتنا كما يشاء.

أجل يا حضرات القضاة فلا مثل هذه الصحية المنكرة ولا ما هو أشد وقعا منها واجاد سبيلا إلى نفوسكم الكبيرة وعقولكن الرزينة في تقدير مسئولية الورداني ذلك الذي اختارته الأقدار ليكون حكمكم في قضيته برهانا ساطعا على وجود تلك الضمانة الكبرى في قضائكم المتعالي عن الشبهات واختارته ليكون حكمكم في هذه الظروف إثباتا شافيا للناس عن معنى ذلك الثبات الكامل والسكينة المطلقة والتجرد عن كل شيء إلا النظر الحر في تلك الحادثة مع رعاية الظروف والأسباب فلا تهزمكم صيحة ولا تؤثر في رأيكم ضوضاء.

حضرات القضاة إن الأشخاص الذين يرتكبون جريمة وهم في حالة انفعال الحساسية وتهيج الشعور ليسوا مسئولين مسئولية تامة حتى ولو لم يعانوا من اضطراب عقلي وإننا لننفي سبق الإصرار ونرى أن وصف الجناية الصحيح هو الشروع في قتل باعتبار أن وفاة المجني عليه لم تكن بسبب ما ارتكبه المتهم بل بسبب الخطأ الطبي في إجراء العملية الجراحية.

وبعد فأتقدم إلى المحكمة بطلب الرأفة والرحمة، لا أريد بالرأفة والرحمة أن تتجاوزوا للمتهم عن شيء مما يستحقه عدلا لأني أقول إن الرحمة فوق العدل، بل أقول إن الرحمة هي أقصى وأسمى مرتبة من مراتب العدل فإذا طلبتها فإنما أطلب العدل في أرقى معانيه.

أطلب العدل المجرد من كل مؤثر ذلك العدل الذي يقضي بقصاصين مختلفين اختلافا كبيرا، على شخصين ارتكبا جريمة واحدة في ظروف متشابهة لما يتبين فيهما من اختلاف الطبائع وتغاير المقاصد وتباين الأسباب.

إني على ثقة تامة من أنكم ستقرون لهذا المتهم من زمان العقوبة ما يصلح تقديره لمثله وبديهي لديكم أن قليل العقوبة عنده يعادل كثيرها عند غيره من المجرمين العاديين.

رب ساعة في السجن تعادل شهرا أو أياما العقوبات مقدورة وأرقاها في سلم العدل ما روعيت فيه أحوال الإرادة صحة واعتلالا وقوة وضعفا وهو مالا سبيل إليه إلا باعتبار المشخصات الذاتية لكل متهم والظروف الخصوصية لكل متهم فإذا اقتضى العدل أن تعاقبوا فلتكن، العقوبة على هذا المبدأ القويم.

احكموا وسيحفظ التاريخ حكمكم في هذه القضية ليكون آية من آيات العدل، فلا تنسوا للمتهم ما قدمته من الاعتبارات وعلى الخصوص تحرر عمله من سبق الإصرار، وتغلب الأسباب على إرادته وتأثيرها في مزاجه العصبي إلى الحد الذي عرفناه.

مرافعة إبراهيم الهلباوي المحامي

ابتدأ الهلباوي مرافعته بالحديث عن الظروف التي تسببت في قيام الورداني بقتل رئيس النظار بطرس غالي ابتداء باتفاقية السودان ومرورا برياسة محكمة دنشواي وإعادة قانون المطبوعات وانتهاء بمد امتياز قناة السويس لمدة أربعين عاما أخرى مقابل أربعة ملايين من الجنيهات وقال إن الورداني قتل غالي باشا نتيجة لكل هذه الأمور.

حضرات القضاة لقد خدمت نحو 25 عاما محاميا، ولم يخطر ببالي يوما أن أسأل أو أقرأ سبب اختيار الرداء الأسود حلة رسمية للمحامي الذي يتشرف بالدفاع بين يدي القضاء ولا سبب انتخاب اللون الأخضر للوسام الذي تزان به صدور من عهد إليهم بإصدار الأحكام.

أما الآن وقد أبعدت عن قلبي هذه القضية كل راحة، وجعلتني مرآة لتلك القلوب المتفطرة كأم المتهم وشقيقته وباقي أهله وقلت إن كان مختار هذه الألوان أراد باللون الأسود رمز الحداد والمصائب للمحامي الذي يمثل القائم هو بالدفاع عنه وباللون الأخضر الذي يتحلى به صدر القاضي الرمز إلى الطاووس ذي الريش الأخضر وهو مثال ملائكة الرحمة، فنعم الاختيار.

كأننا نحن هنا في هذه القاعة أمام أولئك القضاة، بملائكة الرحمة على سطح هذه الأرض نقوم على نوع ما بمأمورية شبيهة بمأمورية أولئك الأحبار في هياكلهم الذين اتخذوا مثلنا ثياب الحداد وهم يتضرعون إلى مبدع السموات والأرض بأن يفيض على الأرواح الذاهبة إلى دار الخلود سحب رحمته وغفرانه

ونحن هنا نقول لكم إنكم تذكرون أنه ليس دائما بمقدور لهذا الإنسان الضعيف أن يحمي نفسه من الخطر والذلل وأن عيش معيشة الملائكة فتقبلوا دعاءنا في طلب الرحمة للأحياء كما يتقبلها من أقامكم حكما في عباده والذي علمنا أنه كما أن من صفاته العدل فإن من صفاته الرحمة وعلمنا فوق هذا أن الرحمة فوق العدل.

الآن لي كلمتان أوجههما إلى المتهم بين يدي القاضي:

الأولى: أني إذا كنت قاسيا عليه في نعته فلأني خاضع لقانون ليس دائما من سوء البخت- ملتئما مع أحكامه مع ما توصى به الذمة والضمير لأنه مضطر في أحوال كثيرة – رعاية لسلامة المجتمع البشري وصيانته إلى أن ينظر نظرا آخر في تعريف الحلال والحرام ونحن المحامين أحق الناس بالأدب والخضوع لهذا القانون فإذا قبل الدفاع عذرك أيها المتهم وعرضه على قاضيك فعليك أنت أيضا أن تتقبل قبولا حسنا عذر الدفاع فيما خالفك فيه من عقائدك السياسية.
الثانية: إني إذا أنزلتك منزلة المجرمين العاديين وطلبت لك الرحمة والغفران فلأن ذلك واجب أيضا يقتضيه الدفاع ولكن إذا أبت بنفسك أن تعيش بين السلاسل والأغلال وأن تعيش معاملا الأشقياء وقطاع الطرق فارفع نفسك عن هذا السبيل وأقبل نبال الموت بقلب البواسل فالموت آت لا راد له إن لم يكن اليوم فغدا إذهب إلى لقاء الله الذي لا يرتبط إلا بعدالته المجردة عن الظروف والزمان والمكان اذهب مودعا منا بالقلوب والعبرات اذهب فقد يكون في موتك بقضاء البشر عظة لأمتك أكثر من حياتك اذهب فقد يكون في موتك بقضاء البشر عظة لأمتك أكثر من حياتك اذهب فإن قلوب العباد إذا ضاقت رحمتها عليك فرحمة الله واسعة.

الحكم

قررت المحكمة بعد سماع مرافعات النيابة والدفاع والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا.

أولا: رفض ما طلبه الدفاع من إحالة المتهم على لجنة طبية لمراقبته حيث ثبت في يقين المحكمة سلامة قواه العقلية.
ثانيا: إرسال القضية لفضيلة مفتي الديار المصرية.

وبعد فالذي يثير الانتباه ويثير الدهشة هو ما أعلنته انجلترا من أن بطرس غالي لم يقتل إلا لأنه قبطي وردد وراءها ذلك روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي قال إن التعصب الإسلامي هو الذي دعا المصريين إلى قتله وإن وضع الأقباط في مصر سيء ويجب حمايتهم.

والحق أن نصرانية بطرس غالي لم يكن لها أدنى أثر في تحريك الورداني إلى قتله بل كانت خيانة غالي وكان قتله الخيانة التي إن ارتكبها إنسان أيا كانت ديانته وملته أدت إلى قتله ولا محالة مهما طالت به الأيام نعم إن إيمان الورداني بقضية بلاده ووطنيته وإخلاصه في أداء واجبه نحو وطنه كان الدافع الأساسي لقتل رئيس النظار بطرس غالي،

وتاريخ مصر يشهد بأن المسلمين والأقباط يعيشون على أرضها تجمعهم الألفة والمودة والمحبة يجمعهم إيمانهم بوطنهم وعروبتهم وإلا فبماذا يفسرون ما قام به الشاب القبطي عريان يوسف سعد لما ألقى قنبلتين على دولة يوسف وهبة باشا عندما وضعه الإنجليز على رأس الوزارة المصرية في 21 نوفمبر 1919 وكانت الأمة المصرية مسلمين وقباطا قد اتفقت على الامتناع عن تولي مناصب الوزارة ومقاطعة لجنة ملنر.

وإضافة إلى ذلك كتب الأستاذ نصيف المنقبادي المحامي القبطي رسالة إلى دول العالم كتبها وقد مضى أيام على قتل غالي باشا ونشرتها جريدة اللواء في 9 مارس 1910 بعنوان رأي شاب قبطي في أخلاق الورداني جاء فيها أريد من صميم فؤادي أن أبدد التهم التي أشاعها الإنجليز في العالم ضد الورداني ليقللوا من النتيجة السياسية لعمله فقد أتهموه بأنه فتى مختل الشعور قليل الذكاء

وأنه أطاع داعي التعصب الإسلامي بقتله بطرس غالي المسيحي الذي يقولون إنه كان حرا ووطنيا، أنا أعرف الورداني شخصيا وهو فتى شديد الذكاء كثير المعارف ملأت صدره الوطنية المتحمسة بعد أن ضاق صدرنا جميعا من السياسة الإنجليزية التي كان بطرس غالي ينفذها باجتهاد وأنا بصفتي قبطيا أعني مصريا مسيحيا أصرح بأن حركتنا هي حركة وطنية مجردة ترمي إلى الترقي والحرية وما تهمة التعصب الإسلامي إلا من شائعات الإنجليز التي يصنعونها ليبرروا المظالم التي يرتكبونها في مصر.

وهذا هو أستاذنا مرقص فهمي المحامي ينفي عن المسلمين تهمة التعصب مسفها أقوال الذين يتهمون المسلمين باغتيال بطرس غالي.

ويجيبه الشاعر على الغاياتي بقصيدة شعر عنوانها إلى خطيب السلام... يقول فيها:

خطبت فلم تجنح إلى شرعة الهوى
ولم تتخذ الخلاف سبيلا

وأنصفت قوما أنت منهم وإن عدا

عليهم جهول أو أعان جهولا

فما أنت قبطي يبيع بلاده

ويرضى بدين الجاهلين بديلا

وما أمة القرآن في مصر أمة

ترى أمة الإنجيل أبغض جيلا

فأنا وأنتم أخوة في بلادنا

أقمنا على دين الإسلام طويلا

نذود عن الأوطان إن طم حادث

ونحمي حماها بكرة وأصيلا

وهذا واصف غالي ابن القتيل يكتب إلى الشاعر إسماعيل صبري يرجوه التوسط في الصلح بين المسلمين والنصارى فيقول: الآن يجب على الأمة المصرية أن تعمل لما فيه التوفيق بين جميع المسلمين.

والسلام عليك يا غزال البر حين قلت (إن لمصر ربا يحميها).السلام عليكم فمازال رفقاك مناضلين من أجل بلادهم لم ولن يرهبهم الإعدام.

القضية الرابعة:مقتل السيرلي ستاك

شفيق منصور- عبد الفتاح عنايتعبد الحميد عنايتمحمود راشد- إبراهيم موسىراغب حسن- محمود إسماعيلعلي إبراهيم.

• فتية آ منوا بربهم وحرية وطنهم...الحرية الحرية شعورهم وشعارهم.

• فتية آمنوا بقضية وطنهم .. فقدموا أرواحهم فداء حريته.

طليعة ثورية، وطاقة مولدة للحركة الوطنية، استطاعت أن تلهب الشهور الوطني وأن تقوى عزمه وأن تهون من التضحيات في سبيل طرد أقوى إمبراطوريات العالم من أرض مصر.

• حكموا بإعدام السردار رمز قوة الاستعمار معلنين ثورة دموية في وجه بريطانيا جزاء اغتيالها حقوق المصريين في الاستقلال والحرية.

• قاموا بواجبهم خير قيام ولم يرهبهم الإعدام.

في نحو الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم الأربعاء 19 نوفمبر سنة 1924 هاجم مجموعة من شباب مصر سردار الجيش المصري وحاكم السودان السيرلي ستاك وأطلقوا عليه عدة رصاصات أردته قتيلا وتخلصوا منه في القاهرة وهو في سيارته عائدا من وزارة الحربية إلى منزله بالزمالك وسط سيطرة إنجلترا على الأمن فيها.

وتولت الدهشة عجبا وفرحة وجوه المصريين كلهم بسبب هذا الحادث الذي وقع في قلب القاهرة وسط عتاد إنجلترا وجنت انجلترا حكومة وشعبا وصحافة وازداد جنونها لعدم معرفتها من قام بقتل صاحب المعالي السيرلي ستاك باشا؟.

وظل الجنون مسيطرا على انجلترا وبدلا من أن تبحث عمن قتل السردار طلبت من الحكومة المصرية أن تقام له جنازة رسمية عسكرية يسير فيها رئيس الوزارة المصرية الوزراء المصريون بملابسهم الرسمية كأنها تريد أن تقنع العالم والمصريين أن سلطان انجلترا لم يخدش وما مسألة الاغتيال إلا حادث عابر.

وشيعت الجنازة كما أرادت انجلترا ثم توجه بعد ذلك اللورد اللبني المندوب السامي البريطاني إلى مقر رياسة مجلس الوزراء بمظاهرة عسكرية قوامها 500 جندي بريطاني وقدم إلى سعد إنذارين باللغة الإنجليزية جاء في الأول إن الحاكم العام للسودان وسردار الجيش البريطاني قد قتل قتلة فظيعة وإن حكومة صاحب الجلالة تعتبر هذا القتل الذي يعرض مصر كما هي محكومة الآن.

لازدراء الأمم المتحضرة نتيجة طبيعية لحملة عدائية ضد حقوق بريطانيا العظمى والرعايا البريطانيين في مصر والسودان وتلك الحملة القائمة على نكران الجميل نكرانا مقرونا بجحود الأيادي التي أسدتها بريطانيا الظمى لم تكن تعمل حكومة دولتكم على تنشيطها بل أثارتها هيئات على اتصال وثيق بهذه الحكومة.

ولقد نبهت دولتكم صاحبة الجلالة منذ أكثر من شهر إلى العواقب التي تترتب حتما على العجز عن وقف هذه الحملة وخاصة في شأن السودان لكن الحملة لم توقف والآن لم تستطع الحكومة المصرية أن تمنع اغتيال حاكم السودان العام وأثبتت أنها عاجزة عن حماية أرواح الأجانب أو أنها قليلة الاهتمام بهذه الحماية.

فبناء عليه تطلب حكومة صاحب الجلالة من الحكومة المصرية.

  1. أن تقدم اعتذارا كافيا وافيا عن الجناية.
  2. أن تتابع بأعظم نشاط ودون مراعاة للأشخاص البحث عن الجناة وأن تنزل بهم أيا كانوا ومهما تكن سنهم أشد العقاب.
  3. أن تمنع من الآن وتقمع بشدة كل مظاهرة شعبية سياسية.
  4. أن تدفع حالا إلى حكومة الجلالة غرامة قدرها نصف مليون جنيه مصري.
  5. أن تصدر في مدى 24 ساعة الأوامر بإرجاع جميع الضباط المصريين ووحدات الجيش المصري البحتة من السودان مع ما ينشأ عن ذلك من التعديلات التي ستحدد فيما بعد.
  6. أن تبلغ المصلحة المختصة أن حكومة السودان ستزيد مساحة الأطيان التي تزرع في الجزيرة من 300 ألف فدان إلى مقدار غير محدد تبعا لما تقتضيه الحاجة.
  7. أن تعدل عن كل معارضة لرغبات حكومة صاحب الجلالة في الشئون الموضحة بعد الخاصة بحماية المصالح الأجنبية في مصر وختاما إذا لم تلب حكومة مصر هذه المطالب في الحال فإن حكومة صاحب الجلالة تتخذ فورا التدابير المناسبة لصيانة مصالحها في مصر والسودان.

وجاء في الإنذار الثاني الآتي:

  1. بعد سحب الضباط المصريين والوحدات المصرية الصميمة للجيش المصري تحول الوحدات السودانية التابعة للجيش المصري إلى قوة مسلحة سودانية خاضعة وموالية لحكومة السودان وحدها تحت القيادة العليا للحاكم العام وتصدر البراءات باسمه.
  2. يجب أن يعاد النظر في رغبات حكومة صاحبة الجلالة في القواعد والشروط الخاصة بخدمة الموظفين الأجانب الذين مازالوا في خدمة الحكومة المصرية وتأديبهم واعتزالهم الخدمة يجب أن ياد النظر فيها.
  3. ومن الآن إلى أن يتم الاتفاق بين الحكومتين بشأن حماية المصالح الأجنبية في مصر تبقى الحكومة المصرية منصبي المستشار المالي والمستشار القضائي وتحترم أيضا نظام المقسم الأوروبي في وزارة الداخلية واختصاصات الحالية كما سبق تحديدها بقرار وزاري وتنظر بعين الاعتبار الكامل إلى ما قد يبديه مديره العام من المشورة فيما يتعلق بالشئون الداخلية في اختصاصه.

وردت الحكمة المصرية في 23 فبراير أي في اليوم التالي من الإنذارين على الإنذارين البريطانيين إذ ذهب واصف بطرس غالي باشا وزير الخارجية إلى دار المندوب السامي وقدم رد الحكومة المصرية بإنكار لمسئوليتها عن حادث الاغتيال وبقبول المطالب الأربعة الواردة في الإنذار وعدم قبول المطالب الثلاثة الأخيرة.

ولكن إذا بالمندوب السامي يصدر أوامره رأسا إلى حكومة السودان بإخراج جميع وحدات الجيش المصرية من السودان مع إجراء التغييرات التي تترتب على ذلك وبحرية السودان في زيادة مساحة الأطيان التي تروى إلى مقدار غير محدد المطلب الخامس من الإنذار الأول

ثم قال عن المطالب السابعة الخاصة بحماية مصالح الأجانب في مصر إنه سيعلم رئيس الوزراء المصرية في الوقت المناسب العمل الذي ستتخذه الحكومة البريطانية تلقاء رفضه إياه ثم أضاف المندوب السامي إلى قوله: إنه ينتظر دفع نصف المليون جنيه إليه قبل ظهر 24 نوفمبر سنة 1924.

وقبل الميعاد أرسل وزير المالية المصرية تحويلا بالمبلغ على البنك الأهلي وأرفقه سعد بخطاب تاريخه 24 نوفمبر يحتج فيه على ما اتخذته الحكومة البريطانية من قرارات لا مسوغ لها تعتبر مناقضة لما لمصر من الحقوق المعترف بها وتسلم اللورد اللنبي التحويل وأصدر أمره باحتلال جمارك الإسكندرية باعتبار هذا العمل أول إجراء يتخذه.

وأمام هذه التطورات رغم أن سعدا والوزراء ساروا في جنازة السيرلي ستاك ورغم استنكاره للجريمة قدم سعد استقالته وهذا نصها.

(مولاي أتشرف بأن أرفع لجلالتكم أني لم أقبل مسئولية الوزارة إلا لخدمة البلاد تنفيذا لمقاصدكم السامية ولكن الظروف الحالية تجعلني عاجزا عن القيام بهذه المهمة الخطيرة وبهذا أرجو من مكارم جلالتكم أن تتفضلوا بقبول استعفائي مع زملائي من الوزارة وإني وإياهم مستعدون على الدوام للعمل على ما يرضيكم أدام الله علينا نعمة رعايتكم الجليلة وأدامكم مؤيدين بالعز والإقبال وموضع كل إكبار وإجلال).

شاكر نعمتكم سعد زغلول

ويا سبحان الله هكذا كان موقف سعد تجاه الإنذارين ولاء تام للملك واحترام فائق لصاحبة الجلالة حكومة بريطانيا بعد أن كان الشعار السعدي هو الاستقلال التام أو الموت الزؤام.

وقبلت الاستقالة وجيء بأحمد زيوار باشا ليجلس على كرسي رئاسة الوزارة التي كان أول مهامها البحث عن قتلة السردار فأعلنت عن مبلغ عشرة آلاف جنيه لمن يرشد عن مرتكبي الحادث، إضافة إلى اتخاذ بعض التصرفات الأخرى، مثل القبض على كثير من أعضاء مجلس النواب وأعضاء جمعة اللواء الأبيض السودانية وكثير من طلبة السودان وكثير من المحامين والمهندسين وطلبة المدارس العليا المصريين راجع المطلب الثاني من الإنذار الأول.

وكان الوعد بمبلغ ال10 آلاف جنيه وكانت الخيانة ففي تلك الأيام استطاع البوليس أن يهتدي إلى قتلة السردار بواسطة شخص يدعى نجيب الهلباوي أحد شباب الفدائيين السياسيين الذي نجح معه البوليس في أن يملأ صدره حقدا على زملائه الوطنيين ويا للخسارة أن يبيع إنسان شرفه ووطنيته وأهله نظير مبلغ من المال ولكن هكذا الحياة وقسوتها.. في آن واحد تفرز الأشراف والخونة.

وقبض عليهم في 31 يناير 1952 وقدموا للمحاكمة وهم:

  1. الدكتور شفيق منصور المحامي.
  2. عبد الفتاح عنايت الطالب بمدرسة الحقوق.
  3. عبد الحميد عنايت الطالب بمدرسة المعلمين العليا.
  4. محمود راشد مهندس التنظيم.
  5. إبراهيم موسى الخراط بالعنابر.
  6. محمود أحمد إسماعيل الموظف بوزارة الأوقاف.
  7. راغب حسن العامل بمصلحة التليفونات.
  8. علي إبراهيم سائق السيارة المستعملة في القتل.

واعترفوا لكنها اعترافات جاءت جميعها على هوى المستعمر ونظرت القضية في مايو 1952 أمام محكمة جنايات مصر برياسة المستشار أحمد عرفان وعضوية المستر كرشو ومحمد بك مظهر (مستشارين) ومثل الاتهام محمد طاهر نور بك النائب العام

وتولى الدفاع إبراهيم الهلباوي ووهيب دوس وبعد سماع المرافعات والمداولة صدر الحكم بإعدامهم في 23 أغسطس سنة 1952 ما عدا عبد الفتاح عنايت الذي استبدل حكمه بالأشغال المؤبدة نتيجة تقديمه اعترافا مكتوبا قضاها كلها في ليمان طرة وأفرج عنه في سنة 1944.

المحاكمة: محكمة الجنايات

المشكلة برياسة أحمد باشا عرفانوعضوية المستر كرشو ومحمد بك مظهر

مرافعة النيابة العمومية: محمد طاهر نور باشا النائب العام

حضرات القضاة.. قبل أن أشرح لحضراتكم وقائع هذه الحادثة المؤلمة التي لم يشهد تاريخ الحوادث الجنائية في مصر مثلها أكرر أسف الأمة على مصابها في قائد جيشها الذي قتل من أيد أثيمة وهو قائم بخدمة مصر التي لا تنسى له خدمته، كما لا تنسى جميل كل من أحسن عملا فيها.

نعم جزعت الأمة لمصابها في قائد جيشها لجناية ارتكبتها فئة من الأغرار المفتونين الذين طاشت أحلامهم وعميت بصائرهم فخرجا على إرادة أمتهم، وانتحلوا لأنفسهم سلطة القضاء في مهام لم يناطور بها جزعت لهذه الحادثة جزعا بادي الأثر، فقد أظهر مصر من أقصاها إلى أقصاها اشمئزاز ونفورا أوحت بهما عاطفة صميمة كاملة في نفوس هذا الشعب الذي يأبى أن يحقق آماله الشريفة إلا بالوسائل المشروعة.

استفظعت الأمة هذا الجرم واستنكرته، واشترك في هذا الاستنكار والاستفظاع الصغير والكبير وعلى رأس الجميع مولانا المعظم جلالة الملك حفظه الله.

إن مصر أم الحضارة والمدنية قديما، والتي لا تنكر منزلتها في عالم العلم والحضارة حديثا، مصر التي يضرب بحسن ضيافتها الأمثال وشعارها (أحرار في بلادنا كرماء لضيوفنا) مصر مثال الهدوء والطمأنينة قد تمثلت في البلاد الأخرى بسب هذه الكارثة والحوادث السابقة عليها أمة هائجة ليس لأحد فيها اطمئنان على نفس أو مال، حيث قالت عنها بعض الصحف الأجنبية: إنه من الصعب الاعتقاد بأن اي أسف أو اعتذار أو تعويض يعوض عن اعتداء من شأنه أن ينزل مقام مصر الدولي إلى منزلة أمة نصف متمدينة

فإنه ليس من المحتمل أن تنظر الأمم الأخرى ذات المصالح في مصر نظرة التساهل إلى هذا الاعتداء وألقت صحف أخرى تبعة هذه الجناية على الشعب المصري الذي تأصلت في نفسه العقيدة الدينية وهي تحرم قتل النفس أو تنهي عنه والذي يعرف حق المعرفة أن وسائل العنف والإجرام أكبر جناية على الوطن.

ما خلت بلاد من المغتالين ومن حوادث الاغتيال وقد وقع الإجرام على المصريين ذاتهم قبل أن يقع على سواهم وكنا نأمل أن أولى جراثيمه قد يأتي عليها القضاء العادل ولكنها مع الأسف الشديد قد ولدت جراثيم أخرى أشد خطرا وأعظم هولا جرت على البلاد شرورا كثيرة أضرت بسمعتها وأورثتها من المشكلات والخسائر ما يقتفي إضناء العقول وإجهاد القوي زمانا طويلا لتلافيه ودرء عواقبه.

هذه الجراثيم الخطرة التي تولدت عن الجرثومة الأولى، كان سببها إفلات بعض الجناة من يد العدالة فكانوا حربا على البلاد ومن كانوا على شاكلتهم من المتهوسين ضعيفي النفوس أمثالهم فاختاروا طريق لا يجدون في مصر من يوافقهم عليها أو يحاربهم فيها.

انحدرت هذه النفوس الضعيفة في مهاوي الجريمة والإثم بسبب تلبد الجو السياسي ورأوا أن وسائل العنف والإجرام بالخيانة والجبن تخدم البلاد وتنيلها أمنيتها وفاتهم أن العنف على مختلف صوره وأشكاله لا يمكن أن يجر على مصر وقضيتها إلا الضرر والفساد ولم نسمع في تاريخ أي أمة حالها كحالنا أي هذه الوسائل الإجرامية أنالتها أمنيتها.

فاتهم أن أشد ما ينتاب البلاد من الفوضى والاضطراب أن يصبح الأمر فيها بيد فئة من المفتونين اختلسوا لأنفسهم الحق في إقامة أنفسهم مقام الحكم والمنفذ في أمور لا يكون الحكم فيها إلا للأمة بأسرها فاتهم أن بلادا يصبح فيها الإنسان رهين حكم المتهوسين لا تقوم ولن تقوم لها قائمة حتى يترك ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.

فات هؤلاء الأغرار أن الاستقلال لا يكفي لصوننا ورفع مقامنا بل يجب أن نعرف كيف نصون استقلالنا فبنشر التعليم وإعلاء شأن الأخلاق والفضائل وتوثيق عري الاتحاديين أنباء الأمة نتمكن من صيانة استقلالنا ونتبوأ المكان اللائق بنا بين الأمم المتمدينة.

وبعد، فوقائع الدعوى واضحة لا لبس فيها ولا غموض فالجناة هجموا على السردار وهو في سيارته عادا من وزارة الحربية إلى بيته بالزمالك وأطلقوا عليه عدة رصاصات أصابته في صدره ويده اليسرى وقدمه اليسرى كذلك أودت بحياته

وأن الكابتن كامبل أصيب بجرح من رصاصة بالجانب الأيمن للصدر وسائق السيارة فريد مارش أصيب بجرح من رصاصة في الساق اليمنى فوق الركبة مباشرة وأن العسكري محمد عبد الموجود جرح من رصاصة بالجزء الأعلى من ساقه اليمنى ولقد جاء في تقرير الطبيب الشرعي أن السردار قد توفى بسبب الصدمة العصبية والنزيف الناشئين مباشرة من إصابته.

هذا عن وقائع الدعوى.. أما عن تاريخ حياة المتهمين فلا ننسى أن شفيق منصور كان من المتهمين في اغتيال بطرس غالي سنة 1910 وقبض عليه، ولكن أفرج عنه لنقص في تشريع قانون العقوبات، وهو عدم وجود نص يعاقب على الاتفاق الجنائي ومن ثم صدر أمر قاضي الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ضده، وقد أدى اتهامه ذلك إلى فصله من مدرسة الحقوق هو ومن معه من باقي المتهمين الذين كانوا في المدرسة وذلك حرصا على التلاميذ من أن تصل إليهم شرارة من شره ولقد أرسله أبوه إلى أوربا لإتمام دراسته

وقد درس الأفكار الثورية وأصبح قوة مؤثرة ف اجتذاب بعض الشباب والمال المتحمسينتارة باسم الوطنية وتارة باسم الدين وكان شفيق منصور عضوا في جمعية الاتحاد الإسلامي وتأكد لكم يا حضرات القضاة تاريخ شفيق منصور في الإجرام السياسي من خلال بعض الأوراق التي ضبطت في قضية اغتيال بطرس باشا غالي.. وهي كالأتي:

  1. برنامج لجمعية الاتحاد الإسلامي تاريخه 5 فبراير 1905 ومن أهم ما جاء فيه: أنه يجب على كل عضو ألا يفشى أى سر من أسرار الجمعية.
  2. قانون للجمعية مطبوع، يعمل به من أول فبراير سنة 1909ناسخ للبرنامج السابق ذكره ومن أهم ما جاء فيه أنه يجب على كل عضو أن يكتم أسرار الجمعية وجلساتها وأن يحلف اليمين على ذلك.
  3. عقد مطبوع لشركة التضامن الأخوى موقع عليه من المتهمين في تلك القضية وآخرين، وتاريخه أول مارس سنة 1909 وأهم ما جاء به، أنه يجب على كل عضو أن يكتب وصيته فيما يختص بورثته وخلافهم.
  4. قانون مكتوب بخط شفيق منصور أهم ما جاء فيه:التأثير على العامة وتأليف قلوبهم بطرق مختلفة منها دخول بعض الأعضاء في طرق الصوفية وتفهيم مشايخها عن الحالة الحاضرة وفيه تحت عنوان تكوين الجمعيات يجب على كل عضوين على الأكثر أن يكون جمعية مكونة من عشرة أشخاص بشرط عدم معرفتهم لأحد غيرها وأن تتسمى هذه الجمعيات باسم واحد وأن يكونوا من بين الطبقات المتعلمة على اختلاف أنواعها ولابد لكل جمعية من لغة مخصوصة ويجب تحليف العضو اليمين حتى يصير عاملا ولا يدخل إلا بعد اختباره اختبارا تاما وفيه أيضا من وسائل الجمعية القوة.
  5. ورقة ضبطت بمنزل أحد المتهمين مذكور فيها: وقد وجدت أن الأسلحة رخيصة ولا تلزم رخصة لها فإن أردتم إخوان الجمعية شراء أسلحة روفلفر مثلا فيلزم تعريض حالا وإرسال النقدية اللازمة لذلك.
  6. خطاب ضبط بمنزل أحد المتهمين تكلم فيه عن الورداني ومدحه وفيه عبارة مش تشوف برده إن في وجود واحد زي ده قائد للجمعية خصوصا أنه سيصير صيدليا ماهرا ويبقى يعمل لنا ديناميت عند اللزوم وأدوية سامة وغير ذلك.
  7. خطاب صادر من شفيق منصور مذكور فيه اجتمعنا يوم 28 يناير سنة 1909 وأن الورداني أفندي تلكم فيه عن اقتراحه في الجلسة الماضية وهي أن توضح طرق لنسير عليها في عملنا وتقرر تنفيذ اقتراحين مبدئيا وهما:أولا: ستوضع خطب منبرية عصرية تختص بالحالة الحاضرة ونشرها على خطباء المساجد بعد موافقة الهيئة عليها.ثانيا: أن يدخل بعض الأعضاء في الطرق الصوفية للتأثير على العامة بواسطة مشايخ الطرق وأنه نظ في تغير اللغة الأصلية فتقرر تغييرها بلغة أخرى.
  8. خطاب ضبط بمنزل أحد المتهمين من شفيق منصور وفيه أن الجمعية اجتمعت في 21 يناير سنة 1909 وتقرر في هذه الجمعية أمور ذكرها في خطابه أهمها أنه رفض اقتراح جعل الجمعية علنية بالإجماع لأن الورداني قد بين ما في ذلك من النتائج العقيمة حيث قال الورداني إن العمل ينحصر في ثلاث نقاط وأهمها النقطة الثالثة وهي أنه لا يمكن تحرير الأمة بالقول بل لابد من القوى أي تعليم السلاح واستحضاره وغير ذلك من الأمور التي تقوينا على اقناع عدونا وهذا لا يمكن إتمامه إلا سرا فأي الأشياء يمكن أن نعمله علنا إذن وأن كل الجمعيات التي قامت بتحرير الأمم كانت سرية محضة والتاريخ ينبئنا بذلك وأقرب عهد عهد الترك وفيه من اتخاذ وسائل تؤثر على العضو الجديد تأثيرا حسيا؟
  9. خطاب من شفيق منصور ضبط بمنزل أحد المتهمين وفيه: هذه السنة المباركة الحد الفاصل بين القول العمل وأن السكرتير اقتراح فروعا للجمعية بالمدارس العالية والتجهيزية بشرط عدم معرفة أعضاء هذه الفروع غلا للعضو الذي سب إنشائها فقط وفي المستقبل يكون لنا فروع في جميع أنحاء القطر وإيجاد رابطة بيننا وبين علماء الدين ومشايخ الطرق كما فعلت أنا مثلا، إذ دخلت في إحدى الطرق الصوفية حتى أفهم الشيخ عن معاملة الإنجليز واضطهادهم للدين الإسلامي وأطلب التأثير على الأميين.
  10. خطاب من شفيق منصور إلى إبراهيم ناصف الورداني مذكور فيه: (لي معك كلام طويل يختص بجمعيتنا المباركة والفرصة لا تسمح لي بالكتابة عن ذلك إذ لا يكون غلا مشافهة عند المقابلة).

قود ظل شفيق منصور سكرتيرا في هذه الجمعية من سنة 1908 حتى وقعت حادثة اغتيال السردار وقد سافر شفيق عقب الإفراج عنه في قضية اغتيال بطرس غالي سنة 1910 إلى أوروبا وعاد سنة 1912 ثم سافر مرة ثانية إلى أوربا ولم يعد إلا في سنة 1914 ولما وقع الاعتداء على السلطان حسين كامل قبض عليه مع آخرين منهم محمود عنايت شقيق عبد الفتاح وعبد الحميد عنايت ولكن لعدم كفاية الأدلة لم يحاكم من أجلها وأرسل إلى مالطة بأمر السلطة العسكرية وبقي مالطة حتى أواخر سنة 1919

وقد كتب اثنان من أصدقائه محمود أحمد إسماعيل و علي محمد راضي تاريخ حياته في كراسة وذلك لنشرها على الناخبين للتأثير عليهم كي ينتخب عضوا بمجلس النواب وعنونت هذه الكراسة بالعنوان التالي: (صحيفتي بيضاء في خدمة الوطن المفدى – تاريخ حياة الأستاذ الدكتور شفيق منصور المحامي) وجاء الإهداء على نحو التالي إلى الضحايا البارة والدماء الزكية الطاهرة التي استعذبت الموت في سبيل مصر وهدرت مطمئنة لاستخلاصها من الأسر إلى الأمة المصرية الناهضة نتقدم بإهداء هذا التاريخ المتضمن كلمات صدق وإخلاص عن رجل من رجالات مصر الأبرار وخدامها الأطهار حاملي رايتها

ومنفذي مشيئتها بالتفاني في طلب استقلالها وحريتها ذلك هو الأستاذ الكبير ذو العلم الغزير والفضل الكثير الدكتور شفيق منصور المحامي ومن ضمن ما جاء في هذه الكارسة أيضا عن حياة شفيق منصور أنه في مدة دراسته الابتدائية ظهرت تباشير البطولة والنبوغ ولاحت أمارات الغيرة والوطنية والحماسة والحمية فالف شفيق الجمعيات وأنشأ المنتديات وضم إليه إخوانه وخلانه.

وطفق ينشئ المحاضرات ويلقي الخطابات استمر شفيق مرعي الوطنية الخصب ولذلك تعهد غرسه ونبته فاستمر يتلقى العلوم الثانوية بالمدرسة الخديوية إلى أن نال شهادة البكالوريا في سنة 1906 بتقديم باهر وتفوق عظيم ومع هذا فلم ينسيه المستقبل واجباته نحو أمته ووطنه ولم يثنه الجد في الدراسة والكد على تحقيق العلوم عن مواصلة الجهاد المشروع وبث الفكرة له ونشر الدعوة إليه بل استمر يعمل ويدأب ويكتب ويخطب وقد عرف إخوانه الحقوقيون فيه صفاته ومواهبه فأعطوه ثقتهم وولوه مقاليد تمثيلهم.

إن شفيقا في سنة 1912 قد اتهم بعد عودته من أوربا بتحريض الأهالي على الثورة وكون مع بعض زملائه عصابة وطنية كانت مهمتها العمل في الخفاء على الاعتداء على حياة الإنجليز والمصريين الذين يخالفونهم في الرأي.

حضرات القضاة لقد بلغ عدد الحوادث التي ارتكبت من 21 فبراير 1916 إلى 12 فبراير سنة 1923- 36 حادثة فيها خمس حوادث استعملت فيها القنابل واستعمل في الباقي أسلحة نارية مختلفة الأنواع، هذا عدا حوادث الاعتداءات الأخرى التي وقعت على بعض الوزراء المصريين كلها يحمل مسئولية ارتكابها شفيق منصور.

وأما عن محمود إسماعيل فهو أخ لشفي منصور خلق من طينته وطبع على الشر مثله فهو يكره الإنجليز كراهية متأصلة في نفسه.إن محمود إسماعيل بمثابة أركان حرب شفيق منصور فهو الذي كان يرسم الخطط وكيفية ارتكاب الجرائم كما علم بعض أفراد الجمعية كيفية استعمال القنابل في الحوادث.

إن محمود إسماعيل حضر بعض الحوادث حيث إنه من التحقيق معه ثبتي أنه اشترك فعليا في حوادث الاعتداء على المستر كيف و براون بالجيزة والمرحومين حسين عبد الرازق باشا وإسماعيل زهدي بك وبتاريخ 30 أكتوبر سنة 1923 وصل إلى حضرة صاحب الدولي يحي إبراهيم باشا رئيس الوزارة.

إذ ذاك كتاب تهديد بالقتل مكتوب بالآلة الكاتبة موقع عليه من زعيم مصر الفتاة عصابات قتل الإنجليز والمصريين الخونة وجاء في هذا الإنذار هذا إنذار مني إليك إن لم تقلع عن وضع القوانين وتعدل قوانين الاجتماعات والصحف وحمل السلاح فالويل لكم كل الويل ذاك المثل الأعلى في براون وكيف ويبحون وسنصب عليكم جام عضبنا ولكن فيما مضى من الحوادث عبرة.

وأما عن الأخوة عبد الفتاح عنايت وعبد الحميد عنايت فأخوهما الأكبر محمود عنايت صديق شفيق منصور ومحمود إسماعيل ولقد اعتقل محمود عنايت ضمن من اعتقلوا في تهمة إلقاء القنبلة على السلطان حسين كامل واعتقل محمود عنايت بسبب القضية زمنا طويلا ومرض أثناء اعتقاله ولما أفرج عنه مات بعد الإفراج بأشهر قليلة.

ومن عجائب القدر أن محمود عنايت كان سببا في تعرف شفيق منصور ومحمود إسماعيل بالإخوة عبد الفتاح وعبد الحميد عنايت حيث إن شفيق منصور كان في مالطة وقت وفاة أخيهم محمود وحضر شفيق لتقديم واجب العزاء وتعرف بهم ثم بدأت علاقته تتوطد ومن هنا دخلوا في حركة الاغتيالات السياسية.

حضرات القضاة إن عائلة عنايت كلها تعمل بالسياسة فبجانب محمود الذي توفي يوجد أخ رابع هو عبد الخالق عنايت الذي سافر إلى أوربا في سنة 1923 بحجة تلقي دراسة الطب ولكنه على ما يظهر من التقارير السرية كان يعمل بالسياسة وأنه كثير الزيارة لسفارة حكومة السوفييت ويصله بواسطتها نقود، كما تصله أموال أخرى بواسطة شخص آخر وقيل بأن جماعة الشيوعية الدولية تنظر إليه بعين الريبة كوطني وكأحد دعاة الجامعة الإسلامية شديدي التحمس وهو على أتم وفاق مع جرو نستين ولنيسكي وهو متعلم تعليما حسنا.

إلا أنه شديد الكراهية للبريطانيين والأوربيين وأما عن محمود راشد فقد بدأ حياته السياسية منذ سنة 1920 حيث انتظم في سلك جمعية اسمتها جمعية الفدائيين وله تاريخ طويل عرف منذ تحقيق حادثة عثور البوليس على قنابل ومسدسات ومنشورات بمنزله ولكن الأخ الأصغر عبد العزيز اعترف بأن هذه الأشياء كانت موجودة عنده في المنزل بدون علم أخيه وضحى الأخ الأصغر بنفسه حتى ينجو أخوه الأكبر من العقاب.

ولكنه بعد أن حكم عليه بالأشغال الشاقة عشر سنوات لاحظ أن أخاه أهمل زيارته فأرسل إليه وهو في السجن تهديدا بأن سيبوح لذوي الشأن بأسراره وبعد ذلك قبض على محمود في تحقيق قضية المؤامرة على حياة الخديوي عباس الثاني التي كانت السلطة متولية تحققها فخشى أن يبوح عبد العزيز بأسراره.

فكتب رسالة وهو بالسجن ضبطت بملابسه كما ضبطت ورقة مؤرخة في 7 فبراير سنة 1920 معنونة باسم سكرتير عموم جمعية الفدائيين وتتضمن طلب انضمام إلى هذه الجمعية ولقد اعترف محمود راشد بأنه عضو بهذه الجمعية التي الهدف منها القتل السياسي.

وأما إبراهيم موسى فهو أحد عمال العنابر اشترك في حوادث الاعتداء على المستر كيف وبيجوت وبراون بالجيزة والمرحومين حسين عبد الرازق باشا وإسماعيل زهدي بك ولقد ظهر نشاطه كمهيج سياسي بين عمال العنابر في سنة 1914 وفي سنة 1919 كان أحد زماء العمال في الاضطراب وأنه اشترك في إضراب العمال في سنة 1921 كزعيم من زعمائه وبسبب هذا الإضراب أوقف عن العمل مدة 15 يوما وأنذر بالطرد من الخدمة.

وأخيرا راغب حسن وعلي إبراهيم محمد فهما من أعضاء جمعية الفدائيين التي هدفها اغتيال الإنجليز والخونة من المصريين.

حضرات القضاة... لقد شرحت لحضراتكم أدوار هذه القضية وفصلت وقائعها وأجهدت نفسي فيها في تتبع تاريخ المتهمين حرصا على العدل وعلى سمعة البلاد كما قدمت وقد وضعت العدالة يدها على من عاثوا في الأرض فسادا عبثوا بالقانون لعواطف شريرة غلت في صدورهم فأصمتهم عن صوت العقل، وأعمتهم عن نور الحق.

لقد اطمأن ضميري واقتنع بأن من قدمتهم للقضاء العادل لينالوا جزاء شرورهم هم الجناة السفاكون وأرجو أن ما اقتنعت به بحق سيقنع ضمائركم فتمحون هذه الأخطار الخطرة وتردون عن البلاد بؤسا وشقاء كان المتهمون مجبلة له.

نحن الآن يا حضرات المستشارين أمام خطر داهم لم نقف في سبيله سرنا إلى الهاوية فعلى قاد الفكر فيها واجب خطير شريف إن الأمة المصرية تمقت بطبيعتها الاعتداء وقتل النفس التي حرم الله قتلها حانقة أشد الحنق على هذه الفئة الضالة التي اتخذت سفك الدماء صناعة ووسيلة ونرجو أن يكون من وراء حكمكم العادل عبرة وذكرى لأمثال هؤلاء المتهمين حتى لا يعود صغار الأحلام والطائشون إلى اللغب بالنار ولكن هذا العلاج وحده لا يكفي لاستئصال المرض من أساسه.

نعم إن قصاص القضاء سيعيد إلى البلاد حظا وافرا من السكينة يمكنها من أن تسير في طريق التقدم والارتقاء ذلك الطريق الكثير العثرات فإذا ما سرنا بحكمة وأصالة رأى قطعنا الطريق في وقت قصير قضى يوانا في اجتيازه وقطعه قرونا والحكمة تقضي القضاء على هذا المرض وإن كان محصورا الآن في فئة من الأغرار ضعيفي العقول إلا أنه يخشى أن تسري عدواه إلى شبابنا الناهض الذي تفخر به البلاد ولها فيه رجاء عظيم يخشى أن تسرب إليه هذه العدوى فتلتوي هذه الغضون الرطبة على الشر وهنا الطامة الكبرى.

وها هي ذي نصيحة الملك المحبوب الساهر على سعادة بلاده، والعامل على إعلاء شأنها مسطورة في خطاب العرش يجب أن يكون منقوشة في صدر كل مصري لما فيها من العلاج الشافي.

الآن يا حضرات المستشارين قد قمت بواجبي في هذا القضية فأطلب منكم أن تستأصلوا اليوم هذا الجرثوم الفاسدة بأشد ما في القانون فليس في ذلك من قسوة إذ نحن في ظروف شديدة توجب ذلك.

مرافعات الدفاع

مرافعات إبراهيم الهلباوي المحامي

قبلنا هذه المأمورية القاسية، مأمورية أن نكون لسان حال هؤلاء التعساء، ونحن نعتقد أننا أمام محكمة تصم آذانها عن كل ما هو خارج عن موضوع الدعوى تقدر ظروف الاتهام وظروف الحادث والأدلة كما تقدرها في القضاء الأخرى هذا رجاء زاد تحققا عندما أعلن سعادة الرئيس أني هذه المحكمة لا تعنى بشيء من السياسة وأنها تقتصر نظرها على المسائل العادية كما تنظر إلى بقية القضايا زاد إيماننا بأنها تحقق العدل فتعاقب المجرم، وتبرئ من تعتقد فيهم البراءة البراءة.

نعتقد هذا ولكن يا حضرات المستشارين: الظروف التي أثرت في هذه القضية والنتائج التعسة التي لحقت البلاد، من المستحيل ونحن نؤدي هذه المأمورية ألا نتأثر بها ولكن هذا التأثر يجب أن يقف عند حد هو ما يعني القاضي عندما يقدر أسباب الجريمة وعندما يقدم النتائج التي ترتبت على الجريمة وعندم يقرر حالة المتهم وتربيته تلك هي الأركان الأربعة التي نعتقد أنها ستكون بحسب القانون أساس بحثنا فنقف عندها.

سعادة النائب العام بدأ مرافعته بأن وصف شفيق منصور أنه زعيم العصابة التي ارتكبت هذه الجريمة ونحن مع اعترافنا بحسن تقديره وبالنتائج الباهرة التي وفق إليها في تحقيق هذه القضية نستسمحه في أننا نخالفه في هذا فشفيق منصور مجرد شريك فقط في الجناية وليس فاعلا أصليا.

حضرات القضاة: إنكم الآن تعالجون مرضى أصيبوا بجنون الوطنية وأريد أن أتكلم عن مشروع هذه الجراثم وهو يدعو أحيانا إلى التشدد في العقوبة وهو يدعو أحيانا إلى التلطف فيها.

فالجريمة التي وقعت والتي أخذت بعض الجرائد الإنجليزية تندد بها علينا، والتي انتجت الإنذار البريطاني الذي يقول إنا لا نستحق من أجلها أن نكون بين الأمم المتحضرة هذه الجريمة من واردات أوربا.

وإن أوربا التي تمت علينا في كثير من الأحيان بأن ما نحن فيه من حضارة هو من ناحيتها يجب أن تقبل أيضا إلى حد ما، أن الجرم السياسي هو من ناحيتها أيضا فلم يكن الجرم السياسي هو من ناحيتها أيضا فلم يكن الجرم السياسي موطنه هذه البلاد بل لقد أتى مرض القتل السياسي من الغرب مع مرض الزهري تماما يجب أن تقبل أوربا هذا أيضا فهي ملوثة في جميع أرجائها بمثل هذه الجرائم وبأفظع منها.

أكبر صيحة نرفعها في وجه معلمتنا أوربا أن 90٪ ممن جروا في هذا السبيل هم الذين طوحت بهم المقادير في ربوعها تلك جناية خلقية لا غريبة ولا شرقية.

نريد استئصال هذه الجراثيم القاضي مهما كان لديه من الوسائل لا يستطيع القضاء على الجرائم أحسن علاج أن تعيش الأمم خاضعة للنظام إعدام غلامين أو خمسة أو ستة مصل هؤلاء السفهاء لم يعمل فينا على إصلاح الداء وإنما يرجع الداء إلى أن الأمم ينبغي أن تعيش فيما بينها محترمة لقواعد النظام.

معظم العلماء يميلون الآن أيضا في أوربا التي نتعلم عنها إلى نبذ عقوبة الإعدام، فإليكم ولو أني أمام محكمة في أمة صغيرة غير معروف للغرب أنها تعطي حكما وأمثلة للعدل ولكن ليس للعدل وطن ولا للمحكمة دار إذا استطعت أن أقدم بين يديكم أن هذه العقوبة علاج خطير تنفر منه النفس إلا في الأوقات الخطيرة فإني أستطيع أن أقول صونوا الهيئة الاجتماعية من خطر هؤلاء السفهاء.

انتفعوا من قوة هؤلاء الشبان فقدي ينفعون إذا تابوا وقد تصلح المقادير من أمرهم وخصوصا أن عقوبة الجرائم السياسية مبنية دائما على خطأ في التقدير هؤلاء البغاة يذكرون أنهم ارتكبوا الجريمة بحسن نية هم كالمجنون الذي يتوهم خوفه من البريء فيقتله في عرفهم هو قصد الخير أنا لا أطلب منكم أن تحترموا القانون القاصر من عقوبة الإعدام لأنه عرف أنه لا يقدر تمام التقدير الظروف كلها.

هم مرضى عرضوا على طبيب ينظر في أمرهم دون غل ولا حقد أنتم تعالجون مرضى الأرواح كما يعالج الطبيب مرضى الأجسام.من أجل هذا أستطيع أن أقول إن هؤلاء المجرمين يستحقون عدلكم هذه الدار تمثل رحمة الله في الأرض فأطلبها منكم لهؤلاء الأغرار.

هناك سبب أتضرع به إليكم أيضا بأن يكون سبب الرحمة هذه الجريمة كان يرمي خطرها إلى إيذاء العلاقة بين مصر وانجلترا فكان ما لابد منه أن تتدخل السياسية الإنجليزية وقد تدخلت واحتملت مصر أن تكفر عن هذه الجريمة دفعت تعويضا لا يقل عن نصف مليون جنيه فهؤلاء الأغرار الأشرار حملونا كل هذا المصاب لهم الحق أن يقولوا لكم إن سعادة النائب العام قال: (ولكن في القصاص حياة يا أولي الألباب).

لكن حكمة الله يجب ألا تنسى ولقد اتفقت كلمة الأئمة على أن دفع الدية ينفي توقيع العقوبة وقد دفعت مصر الدية فأرجو أن تدخلوا ذلك اعتباركم.

أرجو أن يعرف الإنجليز أنا أمة تعرف الجميل وتعرف الرحمة فنرجو إلا يؤاخذونا بما فعل السفهاء منا. قيل لكم أمس إن هذه هي القضية الأولى من نوعها التي تعرض على القضاء المصري وأنا أعتقد أن عودة القضاء فيها إلى نظامه العادي قد جعلتها بين أيدي قضاة ممن تشرف بهم الأمم فيما يتعلق بصيانة المصالح فأؤكد لكم أن الطمأنينة قد عادت في كثير من البلاد.

لا أقول إن الإنجليز غير عادلين، ففخر الأمة الإنجليزية عدالتها ولكن إذا اعتز المصري بعودة قضاته إلى النظر في أموره كلها فإنما هذا ترضية لشعوره وإحساسه بالعبء الذي يبقى على عاتقه.

يا حضرات المستشارين: أهل المتهمين جميعا يتقدمون لكم طالبين الرحمة مع اعترافهم بما حدث.

مرافعة وهيب دوس المحامي

يا حضرات المستشارين.. .فرض القانون فيما فرض ضمانا لحسن سياسة القضاء وإقامة العدل بين الناس ألا يتقدم متهم أمام هيكل قضائكم الجنائي دون أن يرافقه في هذه المرحلة الأليمة محام يتولى الدفاع عنه، محام يشترك معكم في شرف خدمة القانون ويرتفع عن أوساط المتهمين إلى الوسط الذي يفهم فيه معنى العدالة كما تفهمونه أنتم.

ويقدر أغراض الشارع التي وكل إليكم تحقيقها كما تقدرونها فيعرض عليكم المتهم كما يجب أن يعرض بريئا أو مذنبا ويصور لكم العواطف التي اجتاحت نفسه وعصفت بوجدانه فأفقدته أسمى ما يتحلى به الإنسان في إنسانيته وأرضى ما يطمح في السمو من فضيلة الرفق والتضحية والتسامح التي لو سادت لما اجترم مجرم جرمه ولم قامت الحاجة لنظام القضاء.

أوجب القانون هذا مع افتراض أن يكون بين هؤلاء المتهمين معترف أو متلبس بجريمته دون أن يحرم هذا الفريق من هذه المساعدة أو يقلل من أهميتها بالنسبة له فكان قضاؤكم باطلا إذا لم يسترشد بدفاع المحامين الذين أصبحوا ركنا أساسيا في القضاء الجنائي تسعى إلى تحقيق قيامه نفس السلطة التي تقيم الدعوى إذا قصر المتهم في حق نفسه فلم يسع إليه أو حتى إذا رفضه هو رفضا باتا.

لم يكن هذا الوجوب عبثا يا حضرات المستشارين لأن المهمة التي شرفنا الشارع بتقليدنا إياها مهمة الدفاع عن المتهمين أمامكم لا تقوى النفوس البشرية أن تجمع بينها وبين مهمة القضاء فنفس القاضي وهو يجلس للقضاء عرضة لتنازع العوامل المختلفة والأهواء المتباينة بحكم مركزه يتبين مصاب المجني عليه.

فيتصور حال من أصابهم الجاني بجانيته ليقدر مبلغ أثرها فيهم ليسترشد بذلك ي حكمه وعليه أيضا أن يتبين نفسية المتهم وما تفاعل في نفسه من الأغراض والشهوات ومبلغ أثرها في حسن تقديره لما أقدم عليه على القاضي أن يحيط بهذا وبذاك وهو بغير شك عرضة للخطأ في التقدير بين مختلف هذه الأهواء والشهوات.

ومن هنا وجدت الحاجة إلى من يقيم الدعوى ومن يدافع فيها ليتفرغ القاضي إلى وزن ما يعرض عليه دون إجهاد في البحث ما يجب أن يعرض.

لهذا كان شرف المحاماة عظيما بهذا المكان الأسمى الذي حلت فيه تحت هذا النظام ولهذا جئنا ندافع أمامكم عن هؤلاء المتهمين تقديرا منا لهذا الشرف رغم ما أرجف به الكثيرون من تشويه جمال هذا الموقف الذي نقفه كمحامين نرتدي هذا الرداء ونخلع فيه عن أنفسنا كل رداء آخر قد يعطل من جهودنا فيما لو أعرناه التفاتنا وجارينا هؤلاء المرجفين في إعارته اعتبارنا.

يظن العامة، يا حضرات المستشارين أن اعتراف المتهم باجتراح الجرم يخفف عبء القضاء على القاضي ويهون له سبيل الحكم في الدعوى لقد ضل العامة في زعمهم وأمامكم الفرصة سانحة لخدمة العدالة بالقضاء على هذه الضلالة إذا أنكر المتهم وأقيمت عليه البينة كان عمل القاضي هينا فهو لا يتقيد إلا بالعمل المادي وهذا أقيم عليه الدليل في ينبغي إلا توقيع العقاب فيوقعه القاضي وهو قرير العين طيب النفس للخدمة التي أدلها للمجتمع.

أما المتهم المعترف بجريمة فيتقدم لقاضيه وسريرته على كفيه يبسطها أمام مطالبا إياه بأن يحل نفسه محله ويتصورها محوطة بظروفه وأن ينزل إلى دركه في الفهم وفي مبلغ أثر الحوادث فيه يطالبه بكل هذا لأن القضاء لا يقوم إلا بتفهم هذا جميعه،

ومن أجل ذلك ترك لكم ذلك المدى الواسع بين أقصى العقوبة وأدناها.والمفروض في جميع الأحوال أن الفعل المادي واحد ولا يجيء الفرق في الحكم إلا لاختلاف ما يفهمه القاضي من جميع العناصر المختلفة والأهواء المتباينة.

لهذا كانت مأموريتكم يا حضرات المستشارين في حال المتهم المعترف أشق وأدق منها في أي ظرف آخر حتى في حالة الجريمة التي يعتذر المتهم عنها بإحدى شهوات النفس الأولية كالانتقام والغيرة والسرقة للفاقة والغضب لعدم ضبط العواطف.

فإذا كان هذا هو حالكم في تبين تلك الشهوات الأولية فكم يكون واجبكم شق إذا كانت مقدمات الجريمة تشتبك فيها العواطف تأخذ فيها الشهوات بعضها بأعناق بعض وتتناقض فيها الحالة النفسية للمتهم الواحد تناقضا لا يتفق مع النتيجة على ظاهر الحال ولا يمكن فهمه إلا بالجهد والعنت:

لهذا كان إشفاقي عظيما على نفسي وعلى حضرات زملائي الذين كلفوا بالدفاع في هذه الدعوى عن المعترفين من المتهمين وكان إشفاقي أعظم على حضراتكم وفي أعناقكم مسئولية الحكم وعليكم وحدكم تبعته وضمائركم بين ضلوعكم تستحثكم لتلمس قبس النور في هذا الظلام الحالك فلا تكادون تتبعونه حتى يختفي وبدون هذا القبس لا تملكون الحكم ولا تذوقون طعم الراحة إذا أنت حكمتم.

حضرات المستشارين: ستخلون إلى أنفسكم إذا ما فرغنا نحن من القيام بواجبنا وستعرضون أما خيالكم الجريمة بما أحاط بها من ظروف مفجعة وما ترتب عليها من نتائج بعيدة المدى قد يكون من أثرها تعطيل تقدم البلد أحقابا أو أجيالا ستعرضون أمام خيالكم المجني عليه عائدا من بلاده

بعد أن قضى فيها شعورا راحته، وتاركا وراءه إخوانا وخلانا على أمل لقائهم قريبا عائدا ونفسه مملوءة بالآمال في المستقبل وقلبه مفعم بالمشروعات التي ينوي أن يخدم بها وطنه.

وسيأتي حتما في هذا الصورة خيال زوج ذلك الشهيد وفخرها واعتزازها بهذا الذي يمثل لها الرجولة الحقة وأملها في أن يخلد لها في الذكر الطيب ما يشتريه الناس بأرواحهم كاسبين ستمثلون هذا جميعه وغيره مما يعرض للمفكر عميق التفكير

وتتصورون أن تلك الحياة النابضة وذلك الجسم والقوى وتلك المواهب والآمال تتهدم في لحظة واحدة فإذا بقائد الجيش لا قوى على الكلام وإذا بالموت يتسلل إليه برغم من أحاط به من أصدقاء وأحباب وإذا بالبرق تتجاوب أسلاكه بخبر الفاجعة وإذا بالرجل المملوء حياة ونشاطا طالما ملأ بهما ميادين القتال رهين حفرة تضيق به ويضيق بها.

يا حضرات المستشارين: إذا ما تعاقبت هذه الصور المفزعة أمامكم فثارت نفوسكم للحق وهمت بتوقيع العقاب على المتهمين فتذكروا أنكم ورثتم أولياء الدم في نظام القضاء الحديث ولكن الإرث انتقل إليكم بعد أن تجرد من عاطفة الغضب والانتقام انتقل إليكم القصاص العدل القصاص الذي فيه الحياة فتذكروا هذا ولا تنسوا أن للمساء له وجها أخر يجب استعراض صوره كذلك استعراضا دقيقا قبل أن تقولوا كلمتكم الأخيرة وبها تتعلق أرواح هؤلاء الأغرار.

حضرات المستشارين أنكم لتعلمون مدى المؤثرات التي دفعت هؤلاء المتهمين إلى ارتكاب جريمتهم فخاطروا بأنفسهم وتعرضوا للموت قتلا أو حكما في سبيل مصر بحسب معتقدهم والأعمال بالنيات وهذا دين يشغل ذمة كل مصري عليكم فيه نصيبكم فلعلكم موفونه في حكمكم بإقالتهم من عثرتهم وإنكم بإذن الله لفاعلون.

حكم المحكمة

الجلسة العلنية المنعقدة بسراي محكمة الجنايات في يوم الأحد الموافق 7يونيو سنة 1952 قضت المحكمة بإعدام جميع المتهمين عدا عبد الفتاح عنايت،

و (آه) .. (آه) .. من بطل الخيانة نجيب الهلباوي ولكن هكذا الأيام في آن واحد تفرز لنا النبلاء والخونة ولكن لن تكون الغلبة إلا للنبلاء المجاهدين دائما على طول الأيام والأزمان فها هو محمد فهمي علي يتقدم الصفوف قائدا لإحدى العمليات الفدائية ضد الاحتلال فاعتبروا يا أولي الأبصار.

الجرائم السياسية

محمد فهمي على أحد قادة العمليات الفدائية ضد الاحتلال وأعوانه.

• تلفيق بوليس بأوامر من صاحبة الجلالة حكومة انجلترا، ظنت من ورائه أنها ستقضي على زعماء الحركة الوطنية فأخلف الله ظنها.

• صبغة حزبية احتوت هيئة الدفاع فتغافلت عن دور قادة العمليات الفدائية ضد الاحتلال الإنجليزي وكفاحهم المستمر في سبيل تحقيق حرية البلاد واستقلالها.

• صبغة حزبية احتوت هيئة الدفاع فبدلا من أن تدافع عن المتهمين وتحمل السلاح في مواجهة المستعمرين ابتليت بالدفاع عن حزب الوفدين وزعمائه الوطنيين.

كان من أثر حادث مقتل السيرلي ستاك ونتيجة للتحقيق الذي قامت به النيابة العامة بالاشتراك مع البوليس السياسي، أن وجهت النيابة بناء على أوامر انجلترا التهمة بتدبير حوادث الاغتيالات السياسية والاشتراك فيها إلى مجموعة من خيرة زعماء الحركة الوطنية في مصر منهم: العمال محمد فهمي علي و محمود عثمان مصطفى والحاج أحمد جاد الله ومعهم أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي و حسن كامل الشيشيني وعبد الحليم البيلي.

أهم هذه الحوادث

  1. حادث مقتل الكابتن صموائيل كوهين بالجيش البريطاني في 22 نوفمبر 1919.
  2. حادث الشروع في قتل الضابطين درنك واترجسن ف 22 ديسمبر 1919.
  3. حادث الشروع في قتل صاحب العطوفة يوسف وهبة باشا.في 15 ديسمبر 1919 على يد الشاب القبطي عريان يوسف لإزاحته عن طريق الحركة الوطنية ولتلافي حدوث فتنة طائفية إذا ما قام بالقتل أحد المسلمين.
  4. حادث الشروع في قتل دولة معالي إسماعيل باشا في 28 يناير 1920
  5. حادث الشروع في قتل معالي محمد شفيق باشا في 22 مارس 1920.
  6. حادث قتل هيدان الضابط البريطاني وإصابة زميله مينت في 6 مايو 1920
  7. حادث الشروع في قتل معالي حسين درويش باشا في 28 مايو 1920.
  8. حادث الشروع في قتل معالي محمد توفيق نسيم باشا في 12 مايو 1920.
  9. قتل العسكري البريطاني بروكول ومحاولة قتل زميله العسكري سورتمتش في 30 ديسمبر 1921.
  10. حادث مقتل المستر أرنست هاتن الموظف بمصلحة السكك الحديدية في 30 ديسمبر 1921.
  11. حادث الشروع في قتل دولة عبد الخالق ثروت باشا وحضرت اليوزباشي سليم زكي أفندي في 23 يناير 1922.
  12. حادث مقل الصول الهندي ستيل في 15 يناير 1923.
  13. حادث الشروع في قتل العسكري البريطاني كونو في 13 فبراير 1922.
  14. حادث الشروع في قتل المستر هو بنكفس في 15 فبراير 1922.
  15. حادث مقتل المستر الفريد براون الموظف بوزارة المعارف وخادمه عبد الدايم إبراهيم في 18 فبراير1922.
  16. حادث الشروع في قتل المستر إدموندبيش الموظف بالسكة الحديد في 8 مارس 1922؟
  17. حادث الشروع في قتل المستر ماكتوش الموظف بمصلحة السكة الحديدي في 11 مارس 1922.
  18. محاولة قتل العسكريين البريطانيين بيكر وتونسند في 19 أبريل 1922.
  19. حادث قتل البكباشي كيف في 24 مايو 1922.
  20. حادث الشروع في قتل الكولونيل بيجوت في 25 يوليو 1922.
  21. حادث قتل علي مسعد عوض بحديقة الأورمان بالجيزة في 12أغسطس 1922.
  22. حادث قتل حسن عبد الرازق باشا وحسين بك زهدي في 6 نوفمبر 1922.
  23. حادث قتل المستر روبسون في 27 ديسمبر 1922.
  24. حادث مقتل المستر خريستو باتر يدس في سنة 1923.

وأخيرا حادث السيرلي ستاك سردار الجيش المصري والحاكم العمومي للسودان في 19 نوفمبر 1924.

وقدم المتهمون السالف ذكرهم مقدما، إلى قاضي الإحالة في 31 يناير 1926 بعد أن استطاع البوليس السري الذي يقضي على زمامه الإنجليز أن يحصل على شهادة الزور وتزييف الحقائق وتلفيق المتهم فقضى بإحالتهم إلى محكمة الجنايات ونظرت القضية برياسة المستشار الإنجليزي مستر كرشو وعضوية كامل إبراهيم وعلي بك عزت.

ومثل الاتهام مصطفى حنفي بك وتولى الدفاع مصطفى باشا النحاس ومكرم عبيد ونجيب الغرابلي ومرقص حنا عن المتهمين أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي وباقي المتهمين ترافع عنهم الأساتذة أحمد لطفي السيدووهيب دوس و زهير صبري و إبراهيم رياض وبعد سماع المرافعات والاطلاع على أوراق القضية (المحشوة بالاعترافات غير المحيطة) والمداولة قضت المحكمة بإعدام محمد فهمي علي شنقا وبراءة باقي المتهمين.

المحاكمة: محكمة جنايات مصر

المشكلة برياسة كرشو وعضوية كامل بك إبراهيم وعلي بك عزت

مرافعة النيابة العامة: مصطفى حنفي رئيس نيابة الاستئناف

حضرات القضاة:

في هذه القاعة ومن خمس عشرة سنة مضت وقف حضرة صاحب الدولة عبد الخالق ثروت باشا النائب العمومي لذلك العهد وأحد المجني عليهم في قضية اليوم ليترافع في أول اعتداء سياسي حدث في هذه البلاد يوم أن أطلق الورداني رصاصاته على صدر بطرس غالي باشا فقال يصف الإجرام السياسي: إن الورداني بجانيته قد عمد إلى خرق حرية القوانين السماوية والبشرية عمد إلى قتل النفس التي حرم الله قتلها عمد إلى إزهاق روح بريئة من غير ذنب عمد إلى حرمان عيلة من معيلها وأمة من رجلها وحكومة من رئيسها عمد وأطاع هواه وأطلق رصاصته فماذا جرى كم أساء الورداني بجانيته إلى هذا البلد الأمين الأسيف فماذا جنت عليه مصر؟ ولماذا هو يضرها كل هذا الضرر؟

لعله يدلي بخدمة الوطن إن الوطنية التي يدعي المتهم الدفاع عنها بهذا السلاح المسموم لبراء من مثل هذا المنكر إن الوطنية لا تحل في قلب ملأته مبادئ تستحل اغتيال النفس إن مثل هذه المبادئ مقوضة لكل اجتماع ماذا يكون حالة أمة إذا كانت حياة أولى الأمر فيها رهينة حكم متهوس يبيت ليلة، يضطرب نومه وتكثر هواجسه فيصبح صباحه ويحمل سلاحه يغشاهم في دار أعمالهم فيسقيهم كأس المنون.

بمثل هذه الكلمات البليغة والنصائح الغالية التي صدرت عن رجل خبر الدهر وعرك الأيام خطاب النائب قضاته وهي كلمات إن حقت في أول اعتداء سياسي فهي أحق اليوم بعد أن قضت مصر خمس عشرة سنة تئن من هذا الداء الوبيل وبعد أن تعدد ذلك النوع من الاعتداء حتى أقلق الذين يهمهم أمر هذه البلاد.

ومع أن المحكمة أجابت نداء النائب العام فقضت بإعدام المتهم فإن هذا العلاج لم يستأصل الداء تماما، فإن كان الورداني قد أعدم فقد بقي شفيق منصور ومن على شاكلته أحرارا طليقين يقتفون أثره، ويعملون عمله وينشرون مبادئه إلى أن انتهى بحادثة السردار تلك الحادثة الأليمة التي فجعت لها الأمة والتي أطلقها المتهمون على السردار إنها هي رصاصات صوبت إلى صدر مصر.

حضرات المستشارين:

نحن أمام سبعة من المتهمين الأشرار وهم: محمد فهمي علي ومحمود عثمان مصطفى وأحمد جاد الله وأحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي وحسن كامل الشيشيني وعبد الحليم البيلي كونوا جمعية لارتكاب الاغتيالات السياسية ابتدأت بالشروع في قتل دولة يوسف وهبة باشا في 15 ديسمبر 1919 ثم الشروع في قتل دولة معالي إسماعيل سري باشا في 28 يناير 1920

ومحمد شفيق باشا ومعالي حسين درويش باشا محمد توفيق باشا ودولة عبد الخالق ثروت باشا وقتل المستر الفريدي بروان وقتل البكباشي كيف والشروع في قتل الكولونيل بيجوت وقتل حسن باشا عبد الرازق وحسين بك زهدي في 6 نوفمبر 1922 وأخيرا الحادث الأليم حادث مقتل السيرلي ستاك في 19 فبراير 1924.

حضرات الميشارين: هذه هي وقائع الدعوى وهذا هو تاريخ الإجرام السياسي لجمعية الاغتيالات في مصر.

وبعد فالآن انتهى واجب مهنتي وبقي واجب الوطن وإن كانت هذه المهنة قد منعتني في الماضي من أن أدلي برأي في هذه المسألة التي أقلقت البال أعواما طوالا فإن هذه المهنة نفسها هي التي أوقفتني اليوم في هذا الموقف فأتاحت لي فرصة قلما تسنح مرة أخرى فمن الواجب ألا أتركها تمر دون أن أقول كلمة في سبيل بلادي وقد لا أكون في هذه الكلمة إلا معبرا عن رايي الخاص دون أن أمثل أحدا.

لقد ظل الإجرام السياسي في مصر عهدا طويلا بدأ بمقتل المرحوم بطرس غالي باشا وانتهى بمقتل المأسوف عليه السردار وبين الفقيدين ضحايا أخرون سقطوا في ميدان الشهوات السياسية.

لقد بدأ التحقيق دولة عبد الخالق ثروت باشا وانتهى به سعادة محمد طاهر نور باشا وبين النائبين العموميين نواب عموميون آخرون من ذوي العقول الراجحة والأفكار الثاقبة وقد وضعوا نصب أعينهم مصلحة بلادهم فعملوا على إبرائها من هذا الداء الوبيل فبحثوا ودققوا وبذلوا جهودا كبيرة في هذا السبيل فإن كانت المجهودات التي ظلت زمنا طويلا لم تتج إلا اتهام عشرات من الأشخاص فمن العدل أن نقرر هنا أن هؤلاء المتهمين أٌلية ضئيلة بل أقلية تافهة لا تعبر إلا عن رأيها فعليهم وحدهم أن يحملوا مسئولية أعمالهم وعليهم وحدهم أن يحملوا تبعتها.

إذا كانت هذه التحقيقات أيضا لم تثبت وجود أية صلة بين هذه الفئة القليلة وبين أية هيئة سياسية فمن الإنصاف أن نقرر هنا أن مجموع الأمة برئ من هذا الإجرام.

حضرات المستشارين: قد يكون من حسن حظنا جميعا أن يعرض الأمر برمته على هذه المحكمة هي أكبر هيئة قضائية مختصة في هذه البلاد لتقول كلمتها وقد تكون الكلمة التي تصدر منها هي أقرب الكلمات إلى صدور الأمم المتمدينة.

لقد رأيتم بأعينكم وسمعتم بآذانكم كيف كانت الأمة تتفجع عند وقوع كل حادث وكيف كان ينبري الزعماء إلى هذه الأعمال وبيان ما يحلق البلاد من جرائها فصم المتهمون آذانهم عن سماع أنيني مصر ونصائح الزعماء فكلمة منكم يا حضرات القضاة قد تخفف آلاما تحملتها الأمة بصير وتقضي على أراجيف أذيعت عن هذه البلاد بغير حق.

ستحكمون بإدانة المتهمين أو ببراءتهم حسبما تستريح إليه ضمائركم الطاهرة ولكنكم ستقضون حتما بأن مصر بريئة من الإجرام والمجرمين وستظل سائرة في طريقها المشروع نحو غايتها المنشودة رافعة راية السلم حتى تتبوأ بين الأمم مركزا يليق بتاريخها الخالد المجيد.

• جزء من مرافعات الدفاع عن أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي أمام قاضي الإحالة.

  1. مرافعة مصطفى باشا النحاس المحامي.
  2. مرافعة مكرم باشا عبيد المحامي.
  3. مرافعة نجيب باشا الغرابلي المحامي.

مرافعة النحاس باشا

نظرة عامة

(1) وقعت حادثة المأسوف عليه السيرلي ستاك باشا المشئومة في وقت كانت فيه الأمة في عز سلطانها متمتعة بحقوقها الدستورية ملتفة حول حكومتها النيابية التي جاءت وليدة إرادتها فأخلصت لها في العمل داخلا وخارجا بكل ما من شأنه المحافظة على الدستور وتركيز قواعده في البلاد وصيانة سلطة الأمة المقررة فيه واحترام حقوقها المقدسة.

(2) ولقد كان من الطبيعي أن يفهم بالبداهة أن الرؤوس التي فكرت في هذا الجرم الشنيع لم تكن رءوس الذين يرغبون في بقاء السلطان للأمة بل رؤوس الذين يتمنون زواله وهذا ما قرره حضرة صاحب الدولة سعد باشا زغلول رئيس حكومة الشعب عندما بلغه الخبر إذ قال وهو مملوء غما وحزنا، إن هذا الجرم لم يكن موجها ضد الإنجليز بل ضدي.

(3) ولكن الأمر الطبيعي لم يكن ليقف في وجههم والمنطق لم يكن يتفق مع أغراضهم ونقضوا الدستور من أساسه وقضوا على الحكم النيابي في جميع فقد جمعت المصلحة بين الناقمين على حكم السعديين من الإنجليز ومن المصريين فنفذوا أغراضهم مظاهرة واستبدو بأمور البلاد ووجهوا جهودهم نحو إثبات الجرم على السعديين انتقاما منهم وتلويثا لسمعتهم ولذلك قبضوا في بادئ الأمر على بعض من رجالهم ومن بيهم الأستاذ محمود فهمي النقراشي الذي كان وكيلا لوزارة الداخلية في عهد الوزارة السعدية.

(4) غير أن اضطهاد السعديين لم يقف عند هذا الحد فقد كان العوامل الخفية توالي سعيها لاتام الأبرياء منهم حتى أمكن التأثير على شفيق منصور ليتهم الدكتور أحمد ماهر الذي كان وزيرا للمعارف في الوزارة السعدية والأستاذ النقراشي الذي سبق الإفراج عنه فقبض عليهما في 21 مايو 1925 بناء على أقوال شفيق منصور الذي كان مقدما لمحكمة الجنايات مع المتهمين في قضية السردار.

(5) بالرغم من ظهور براءتها من الاشتراك في حادثة السردار وعدم اتهامها فيها لبثا في السجن الانفرادي ثمانية أشهر من غير أن توجه إليهما تهمة محددة وبدون أن يعلما شيئا عن التحقيقات التي كان تجرى سرا وفي غير مواجهتهما ولم يسمح لهما ولا للمحامين عنهما بالاطلاع على شيء منها حتى فوجئنا بتقرير الاتهام الذي أعلن إليهما في 7 يناير 1926 وهو يقضي باتهامهما مع اثنين آخرين بالاشتراك مع الفاعلين الأصليين في أحدى عشرة تهمة سابقة مبينة به ارتكبت في تواريخ مختلفة من سنوات 1919و 1920و 1922.

(6) عجبا لهذا التصرف وازداد عجبا عندما أطلعنا في الأوراق على قرار أصدره سعادة النائب العمومي في اليوم ذاته قرر فيه صرف النظر عن اتهام تسعة أشخاص آخرين اتهمهم أيضا شفيق منصور بالاشتراك في بعض هذه الحوادث وعلل سعادته عدم السير في الإجراءات الجنائية ضدهم بكون المحكوم عليهم في تلك الحوادث أفرج عنهم فعلا في سنة 1924ضمن المجرمين السياسيين ولأنهم انقطعوا عن الاستمرار في الاشتراك مع باقي أفراد الجمعية في حوادث الاعتداء الأخرى وكان واجب المساواة يقضي بان يصرف سعادة النائب العمومي النظر أيضا عن اتهام جميع المتهمين في هذه القضية بالاشتراك فيها لأنه إن كان راي بحق أن العفو عمن حكم عليهم في هذه الحوادث لا يتقف معه محاكمة شركائهم من جديد فيها.

فإنه لا حق له في التفريق بين من نسب إليهم الاشراك فيها وبين بعضهم إذ إن كل تفريق في ذلك يكون تمييزا بلا مميز وقوله إن الاستمرار في الاشتراك مع باقي أفراد الجمعية في ارتكاب الحوادث هو المبرر قول تحكمي لا يرتكز على أي أساس من القانون ولا من العدالة.على أن هذا الاستمرار معدوم إذ إن جميع هذه الحوادث انتهت في 22 نوفمبر 1922 أي قبل بدء عهد البرلمان الأول الذي جعل حدا لانقطاع بعضهم عن العمل فيها وأول عهد البرلمان الأول هو أواخر سنة 1923 والحوادث كلها المنسوب إلى جميع المتهمين في هذه القضية الاشتراك فيها سابقة على تاريخ العفو الذي صدر في سنة 1924 عن المجرمين السياسيين بناء على اتفاق بين رئيس الحكومتين المصرية والإنجليزية في ذلك الوقت.

وقد تنفذ العفو فعلا على المحكوم عليهم فيها ونفذته النيابة في حق بعض الأشخاص بقرارها المذكور فإن كان لهذا العفو تأثير على الاتهام في نظر النيابة فما الداعي لجعله مقصورا على بعض الأشخاص دون البعض الآخر؟حضرة القاضي حوادث الاعتداء بعضها ظهر فيه الفاعلون وبعضها الآخر لم يظهر فيه فاعلون والعفو لا يرجع إلا للقضايا التي تبين فيها متهمون.

النحاس باشا يشمل العفو من باب أولى الحوادث التي لم يظهر فيها فاعلون لأن الاتفاق الذي صدر بين رئيس الحكومتين بالعفو وكان لسعد باشا الفخر في الوصول إليه إنما قصد به توطيد صلات المودة بين الأمتين وأساسه دفن تلك الجرائم الماضية وعدم العودة إليها بأي حال وقد نفذ هذا العفو فعلا في المحكوم عليهم واستردوا جميع حقوقهم السياسية والوطنية وغيرها منهم من توظف في الحكومة.

ومنهم من انتخب نائبا في مجلس النواب فتعقب غيرهم بعد ذلك سواء بخصوص الجرائم التي أعفى عن المحكوم عليهم فيها أو بخصوص الجرائم التي لم يظهر فيها فاعلون فيه إحياء لذكرى ذلك الماضي الذي أسدل الستار عليه وهذا لا يتفق مع الغرض الذي قصده رئيسا الحكومتين عند الاتفاق على هذا العفو الفعلي.

على أن الجرائم المنسوب لمتهمي اليوم الاشتراك فيها ما ظهر فيها الفاعلون وحكم عليهم ثم أفرج عنهم الاتفاق دوليا على هذا العفو كقضايا حوادث الوزراء وقد صرف سعادة النائب العمومي النظر عن اتهام بعض الأشخاص فيها فلماذا يتعقب الآخرين؟إننا لا نفهم لذلك حكمة إلا إذا كان المقصود أن يتعقب ماهر والنقراشي فيتهما فيها بالباطل ليأكل الذئب الحمل على أي حال.

(7) نقول ذلك إظهار مبلغ تصرف النيابة معنا في هذه القضية لا هروبا من الموضوع فإننا لم نجزع لهذا الاتهام بل تلقيناه بالبشر والسرور لأنه أخرجنا من الظلمات إلى النور بإخراجنا من ظلمات التحقيق السري إلى نور القضاء العلني وهنا نحن أولاء نتنفس الصعداء أمامكم ونعرض على حضراتكم ما جمعوه ضدنا في هذا الزمن الطويل من غير أن يسمحوا لنا بالاطلاع عليه حتى كنا نفنده في حينه لتروا مبلغ قسوتهم معنا ومدى تحكمهم فينا ولنظهر للملأ أن ما أرادوه بنا وما أذاعوه حول أسمنا كان ظلما مقصودا واضطهادا بينا.

(8) خذوا تقرير الاتهام وقائمة الشهود ثم انظروا نظرة عامة إلى الأدلة المقدمة في هذه القائمة ضد ماهر والنقراشي تجدوها تنحصر فيما يأتي:

أولا: أقوال شفيق منصور في التقرير المقدم منه للنيابة العمومية وفي التحقيقات.
وثانيا- شهادة محمد نجيب الهلباوي.
وثالثيا: شهادة علي حنفي ناجي.
ورابعا شهادة توحيد طاهر.

ويضاف إلى ذلك بالنسبة لماهر وحده دون النقراشي شهادة يعقوب صبري أفندي فهل هذه الأدلة بقطع النظر عما تضمنته الأوراق والتحقيقات مما ينقضها في مجموعها وفي كل جزئية من جزئياتها كما سنبينه بعد تنهض أدلة على الاتهام وتصلح لأن تعتبر دلائل كافية لإحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات في الإحدى عشرة تهمة المعينة في تقرير الاتهام؟ كلا ثم كلا.

فأولا أقوال شفيق منصور لا قيمة لها في الاتهام قانونا ولا يمكن الأخذ بها ولذلك ذكرها سعادة النائب العمومي في قائمة الشهود تحت عنوان ملاحظات مع أنها هي أساس الاتهام وهي دون سواها التي جاء فيها ذكر لتفصيل الحوادث المنسوب إلي ماهر والنقراشي الاشتراك فيها فالتقرير المقدم من شفيق منصور والذي ذكرت يه لأول مرة هذه الحوادث تاريخ 18 يونيه سنة 1925 فهو صادر منه بعد الحكم عليه بالإعدام وفي وقت كان لا يزال فيه تحت تأثير في الحصول على أمر كريم بإبدال عقوبة الإعدام بغيرها وكان لا يرى ضيرا عليه أن يكيل الاتهام للأبرياء جزافا ما دام يعتقد أن في ذلك منجاة لرقبته من حبل المشنقة.

وكذلك الحال بالنسبة لأقواله في التحقيقات فقد نصت المادة 25 من قانون العقوبات على أن كل حكم بعقوبة جناية يستلزم حتما حرمان المحكوم عليه من الشهادة أمام المحاكم مدة العقوبة إلا على سبيل الاستدلال فما بالك بالمحكوم عليه بالإعدام وقد نفذ فيه الحكم فعلا.ه

ذا فضلا عن عدوله في 31 يولية سنة 1952 عن اتهام السعديين وتبرئتهم من تهمة مقتل السردار كما جاء في شهادة الصاغ سليم افندي زكي والملازم أول أحمد أفندي طلعت وانجرام بكل حكمدار بوليس الإسكندرية.

وفضلا عن اضطرابه في أقواله كما أثبته سعادة النائب العمومي في ملاحظته حيث جاء فيه:نذكر أن شفيق منصور كان يلح علينا في إعادة مناقشته في قضية السردار ولم يذكر لنا أسماء في كلامه الشفهي فأفهمناه بأن القضية حكم فيها وأن اضطراب أقواله لا يجعل محلا لإطالة المناقشة معه في هذا الموضوع بعد الحكم نهائيا وقد أفهمناه بذلك فأكتفى.فقد قضى بذلك سعادة النائب العمومي نفسه على قيمة أقوال شفيق منصوروحكمه هذا ينسحب بطبيعته على أقوال شفيق في الحوادث الأخرى لأنه لم يذكرها إلا للوصول لتخفيف الحكم عليه في قضية السردار.

بل إن الحكومة نفسها لم تعتبر لأقواله قيمة ما بدليل أنها أعدمته قبل تقديم المتمين إلى المحاكمة فلم تستبقيه حتى تقدم أقوال ضدهم على سبيل الاستدلال.ولم يؤخذ بأقوال شفيق لأشخاص آخرين فلماذا تجعل قيمة لأقواله ضد ماهر والنقراشي إلا إذا كان الغرض اتهامها على أي حال؟؟

كان ذلك فضلا أيضا عما سنبينه فيما بعد من طرق التأثير المختلفة التي وقعت عليه لحمله على اتهام الأبرياء ومن تناقضه المتكرر في أقواله ومن تكذيب جميع الأشخاص الذين ذكرهم والماديات له في كل ما أعاده ومتى انهدمت قيمة أقوال شفيق منصور فقد انهار الاتهام كله.

ثانيا: شهادة محمد نجيب الهلباوي على علاتها لا تصلح أيضا دليلا ضد ماهر والنقراشي لأنه لم يكن سوى شاهد سماع عن شفيق منصور الذي حكم عليه بالإعدام وأعدم فعلا.

ولأنها لا تخرج عن كونها أقوالا صادرة من شفيق منصور فلا تصلح لتعزيزها وإلا كانت النتيجة أن أقوال شفيق منصور تعززها أقوال شفيق منصور ولأن شهادته لا تعلق لها بأية حادثة بالذات من الحوادث موضوع الاتهام هذا فضلا عن كونه من ضمن المحكوم عليهم الذين أفرج عنهم في سنة 1924 ضمن المجرمين السياسيين وكان يشتغل لحساب البوليس السري وفضلا عما سيبينه حضرات زملائي تفنيدا لشهادته.

ثالثا: شهادة علي حنفي ناجي على علاتها أيضا لا تصلح دليلا ضد ماهر والنقراشي لأنه لم يكن سوى شاهد سماع عن المحروم والده وشهادة السماع لا قيمة لها قانونا لأن الأخذ بها معناه إعطاء قيمة لأقوال يدعى بأنها صدرت في غير مجلس القضاء من غير حلف يمين وبدون مناقشة مبدئية فيما ينقل عنه منها وهذا مناف لطبيعة الشهادة وإلغاء لوظيفة القضاء إذ يكون الناقل عن غيره هو القاضي في صحة ما ينقله عنه.

هذا فضلا عن كون علي حنفي ناجي هذا يشتغل لحساب البوليس السري وفضلا عن كون شهادته لا تنسحب على أية حادثة بالذات من الحوادث موضوع الاتهام

لذلك لا تكون لأقوال علي حنفي ناجي قيمة كما أنه لا قيمة لأقوال نجيب الهلباوي ولا يمكن لكلا القولين أن ينهض دليلا ضد المتهمين.

حضرة القاضي- تؤخذ على سبيل الاستدلال.النحاس باشا- هذا جميل وإني أحمد الله على أن حضرة القاضي متفق معي على هذه النتيجة وهي أن كل هذه الأقوال لا تؤخذ إلا على سبيل الاستدلال إني مسرور لذلك والواجب على قاضي الإحالة ألا يحيل متهما على محكمة الجنايات بمجرد أقوال تؤخذ على بيل الاستدلال.

رابعا أما شهادة توحيد طاهر فإنها تصلح لأن تكون شهادة نفي لماهر والنقراشي لأنها تنحصر أولا في أن النقراشي توسط لدى وكيل قسم الحشرات بناء على خطاب توصية حضر إليه به من حسن كامل الشيشيني أفندي.

وثانيا في أن شفيق منصور كلم أحمد ماهر وزير المعارف وقتئذ بخصوص إدخال سيف الدين طاهر أخيه مجانا بالمدرسة الخديوية فقبل بها.

وهذا وذاك قاطعان في أن ماهر والنقراشي لم تكن لهما علاقة بعائلة مصطفى حمدي ولم يساعدا أخويه مجانا بالمدرسة الخديوية فقبل بها.وهذا وذاك قاطعان ف أن ماهر والنقراشي لم تكن لهما علاقة بعائلة مصطفى حمدي ولم يساعدا أخويه إلا بناء على توسط آخرين لديهما.

إلى هنا انتهت الدلائل المشتركة المقدمة ضد ماهر والنقراشي وقد تبين أن لا قيمة لها على الإطلاق فلننظر في الدليل الخاص بماهر.

وخامسا أما شهادة يعقوب صبري أفندي الخاصة بماهر دون النقراشي فإنها على علاتها لا تنهض أيضا دليلا ضد ماهر.

لأنه من جهة كان متهما في بعض هذه الحوادث وهو ممن شملهم قرار سعادة النائب العمومي القاضي بصرف النظر عن اتهامهم فيها فكأنها صرف النظر عن اتهامه ليكون شاهدا ضد ماهر وكأنما أراد سعادة النائب العمومي بهذه الوسيلة أن يدخل في الإجراءات القضائية المصرية عملا بنظام شاهد الملك المقرر في النظم الإنجليزية وهذا ليس بمسموح في أنظمتنا القضائية فلا يمكن أن يكون له قيمة ما.

ومن جهة ثانية فإن اعترافه لم يجيء إلا بعد إنكار تام وبعد أن لبث في السجن الانفرادي خمسة عشر يوما وقع في أثنائها عليه من التأثير ما وقع لحمله على اتهام ماهر وقد كان أنكر من قبل معرفته به ليكون هذا الاتهام ثمنا للإفراج عنه. وبعد أن أعطى إليه الضمان على ذلك كما هو مستفاد من تقريره الذي كتبه في السجن في أول أكتوبر سنة1925 وكما هو الواقع فعلا.

وقد سمعتم حضرتكم بالأمس من عبد الحليم بك البيلي أنه عقب وصوله من الأستانة استدعاه يحي باشا إبراهيم بصفته رئيسا له كوزير للخارجية بالنيابة وبصفته رئيسا للحكومة المصرية بالنيابة وقال له إنه يريد منه أن يفضي إليه بأسرار الحوادث السياسية وهو يضمن له حريته التامة ومستقبله وفي حالة ما إذا لم يفض إليه بها

فإنه لا ينتظر أية حماية لا منه ولا من أية جهة أخرى وأنه حضر بعد ذلك انجرام بك وكوين بويد فأعاد يحيي باشا عليه هذه العبارة على مسمع منهما قال عبد الحليم بك فأجبته في الدفعتين بأنه يخطى جدا إذا ظن أن لي علاقة بهذه المسائل ويؤلمني أن أسمع منه هذا الكلام ولو أنه مدفوع إليه بضغط الأشخاص الذين يريدون ذلك.

وقال ثم أخذتي انجرام بك إلى رسل باشا حكمدار البوليس فأعاد علي هذه العبارة بشكل أفهم منه أنهم صادرة من دار المندوب السامي.وقبيل خروج نشأت من السراي استدعاني رسل باشا مرة أخرى وقال لي أتعرف أن نشأت باشا شلناه فقلت لا فقال أنه خرج وسيكون في وظيفة سفير ولكنه لا يخرج إلى الخارج وقال لي أن الناس يعتقدون أن لنشأت باشا تأثيرا في التحقيقات وقد أخرجناه ولابد من أن يكون لديك على الأقل معلومات بالجرائم والمجرمين فقلت له: ليس لي علاقة بالإجرام.

وهذا يثبت اتحاد السلطات على التأثير بطرق الوعد والوعيد على الأشخاص ليوجهوا تهما إلى الآخرين ويعدوهم بضمان حرياتهم ومستقبلهم إذا هم أجابوهم إلى طلبهم وإلا فلا حماية لهم عندهم ولا عند غيرهم وإلا فالقبض والسجن وما يتبع ذلك.

هذا مثل لما وقع بالضبط ليعقوب صبري ويزيد عليه أن التأثير بالوعد والوعيد قد حصل على القبض عليه فعلا وبعد انكاره وإيداعه السجن فأنتج الثمرة المطلوبة

ومن جهة ثالثة فإنه ليس بمعقول ولا قابل للتصور أنه مع كونه لم تسبق له معرفة بعبد الرحمن الرافعي ولا بالدكتور ماهر يقص ماهر أمامه بمجرد التعارف بين ثلاثتهم بمنزل الصوفاني بك حكاية وفاة الضابط مصطفى حمدي بواسطة شظايا قنبلة عندما كان يتمرن على إلقاء قنابل جديدة بالجبل بحلوان هذا فضلا عن تناقضه مع شفيق منصور في أقواله عمن حضر سماع هذه القضية من ماهر فكلاهما يقرر أن الأخر لم يكن موجودا.وفضلا عن كونه شهادته لا تتعلق بأية حادثة بالذات من الحوادث موضوع الاتهام.

(9) هذه النظرية العامة وحدها كافية لإظهار قيمة الدلائل المقدمة من النيابة العمومية وأنها لا تسوغ الإحالة على محكمة الجنايات فإذا لم تكن النيابة استطاعت أن تحفظ الدعوى لسبب ما فإنه قاضي الإحالة له الحق بل عليه الواجب الذي يقضي به الذمة والقانون والعدالة أن يقرر بأن لا وجه لإقامة الدعوى ضد ماهر والنقراشي

فإنه إنما وجد نظام محاكم الجنايات ليكون ضمانا للمتهمين عوضا عن الدرجة الابتدائية في النظام القديم لا آلة للاتهام والقضاء مستقل في عمله لا سلطان لأحد عليه فلا يجوز له أن يحيل متهما إلى محكمة الجنايات إلا إذا كانت الدلائل المقدمة كافية كما هو نص المادة 12 من قانون تشكيل محاكم الجنايات. مناقشة تقارير منصور.

(10) أنتقل بعد هذه النظرة العامة إلى مناقشة تقارير شفيق منصور وأقواله في التحقيقات وأترك لحضرات زملائي الكلام عن بطلان الإجراءات التي حصلت في القضية من أولها إلى خرها والتي بسببها لبث المتهمان كبيرا المقام في السجن الانفرادي يذوقان مرارته ويقاسيان آلامه هذا الزمن الطويل.

(11) أولا كلام صدر من شفيق منصور ضد ماهر والنقراشي ورد في تقريره الذي كتبه في السجن بتاريخ 13 أبريل سنة 1925 فهل هذا الاتهام الذي صدر منه ضدهما في هذا التاريخ كان طبيعيا أو أنه لم يصدر منه إلا تحت تأثيرات خاصة؟

(12) هذا الاتهام منه لم يكن طبيعيا لأنه لم يذكر عنهما شيئا في أقواله التي أبدها أمام سعادة النائب العمومي بعد القبض عليه في المرة الثانية لا في 28 مارس سنة 1925 عندما أعترف عن نفسه في حادثة السردار وفي الحوادث السابقة ولا بعد ذلك في 29 مارس سنة 1925 وفي 30 منه مع أنه ذكر في هذين المحضرين أسماء المشتركين معه في الحوادث السابقة ولا في 2 أبريل كذلك ولا في 7 أبريل كذلك لم يذكر شيئا عنهما في التقرير الذي قدمه لسعادة النائب العمومي بتاريخ 2 أبريل سنة 1952 ولا في التقرير غير المؤرخ.

فلو كان يعلم شيئا ضد ماهر والنقراشي لكان قاله عنهما عند ذكر أسماء المشتركين في الحوادث المذكورة ويكون اتهامهما في التقرير الذي كتبه في السجن في 13 أبريل إنما يكون قد صدر منه تحت تأثيرات خاصة فما هي هذه التأثيرات؟

(13) ثبت من محضر جلسة المعارضة في أمر حبسه المنعقدة في 11 أبريل سنة 1925 أنه أخبر المحامي الذي حضر معه في الجلسة حضرة الأستاذ أمين عز العرب حين اختلى به إنه تحت تأثيرات شديدة متوالية وإنه اقترح عليه في سجنه مرارا اتهام أشخاص لا علاقة لهم بهذه القضية إلا الآن.

فقرر ذلك حضرة المحامي أمام القاضي وأثبته في محضر الجلسة ثم أخبر بتفصيله سعادة النائب العمومي عقب انتهاء الجلسة.فلما سئل شفيق اعترف أمام القاضي بحصول التأثير عليه بغرض اتهام أشخاص آخرين ولكنه تحاشى تعيين الأشخاص خشية ازدياد عوامل التأثير عليه طبعا قياسا على ما تحمله في ذلك م قبل ونبين هنا ما ظهر من التأثيرات والله يعلم أن ما خفي كان أعظم.

(14) قرر شفيق منصور أمام حضرة القاضي أثناء نظر المعارضة في أمر حبسه في يوم السبت 14 مارس سنة 1925 أنه لا ينام الليل وأنه يرى في السجن حركات غير اعتيادية وأنه علم فيوم الخميس بأنه سيحصل جلد داخل السجن بدون إعلانه وأنه في يوم الجمعة طلب مدير السجن وتكلم معه بخصوص هذا الجلد فأجابه بأن هذا شيء بسيط ولا صحة له

وأن هذا وهم فأخبره بأنه رأى أشياء كثيرة وسمع بعض المساجين يتكلمون بخصوص ذلك فأجابه بأن هذا غير صحيح وأنه في هذا اليوم السبت أيقظوه مبكرا وأحضروا له حكيما وأخرجوه من الزنزانة الساعة 5 صباحا وحلقوا ذقنه وقالوا إنه يوجد اليوم مجلس عسكري وسمع من الجاويشية أم مدير السجن حضر مع وكيل النيابة وسمع الشهود وأنه صدر الحكم ضده بالجلد والأشغال الشاقة خمس سنين.حصلت هذه التأثيرات عليه فاضطربت أعصابه حتى ظن من نفي مدير السجن لهذه الأعمال أمامه أنه أصيب بنوع من التخريف.

(15) وثبت من الكشف الطبي المتوقع عليه بالسجن في 16 مارس سنة 1925 أنه لم ينم ثلاثة أيام كما قالوا في السجن ولكنه يدعي أنه نام قليلا أو لم ينم أبدا مدة أسبوع وأنه وجد في جسمه من علامات العنف خدشان على الرسغ الأيسر.وهذا يدل على أنه عدا التخويف والتهديد كان يستعمل معه العنف أيضا.

(16) وفي 28 مارس سنة 1925قرر شفيق منصور أمام النائب العمومي أنه سيعدم الليلة بواسطة ضربة على رأسه وقرر أمام حضرة القاضي الذي نظر في المعارضة في أمر حبسه في هذ اليوم بأنه يسمع في السجن بأنه سيعدم بطريقة الربط على عمود وإلقاء الأحجار عليه وأنه سمع ذلك من جاويش السجن والكونستيلات وأنهم دائما يتكلمون في هذه المسألة وأنه عند سماعه هذه الأقوال يحصل تأثير على أعصابه.

(17) وقرر أمام سعادة النائب العمومي في 7 أبريل سنة 1925 أن كل ما قرره فيما يختص بهذه القضية أخيرا غير صحيح لأنه كان تحت تأثير الخوف والفزع والتهديد بالموت من الكونستبلات والجاويشية الموجودين بالسجن.

(18) وقرر في 11 أبريل أمام حضرة القاضي الذي نظر في المعارضة في أمر حبسه أن كل ما صدر منه لم يحصل بمحض إرادته وإنما كان من تأثير رجال البوليس كانوا يلازمونه في الساعة 8 صباحا للساعة 9 فكان في حالة عصبية شديدة وكان ما يقال له بأنه موصل للنجاة وليس موصلا للنجاة.

(19) هذا ما ظهر من التأثير المختلفة التي توقعت عليه في السجن قبل يوم 13 أبريل سنة 1925 الذي كتب فيه تقريره عن الحوادث السابقة ضد ماهر والنقراشي ولم يكن قد مضى يومان على ما أخبر به محاميه في هذه التأثيرات بجلسة المعارضة في 11 أبريل سنة 1925 مما يدل على أن هذه التأثيرات قد أنتجت فعلا أثرها المطلوب.

(20) ويدل على ذلك أيضا أنه بمجرد أن حضر أمام سعادة النائب العمومي في اليوم التالي وهو يوم 14 أبريل كتب أمام سعادته تقريرا هذا نصه:

أقرر بأن كل ما ورد فيه قدمته لسعادة النائب تحت عنوان تقرير مقدم مني لا صحة له بالمرة وأنني كتبته فقط للدفاع عن نفسي أو كوسيلة توصلني إلى الخلاص من موقف صعب زججت بنفسي فيهي وأنني أقرر صراحة بأن هؤلاء الأشخاص بالأخص الآخرين لم أخبرهم عن شيء من هذه الحوادث ولا ذكرت شيئا عنها لا بعدها ولا قبلها وإنني أنا شخصيا المسئول عن ذلك وأنا الذي كنت أعمله فقط لا غيري وأما الإشارة الواردة في الدوسية عن قول بعضهم أستشير غيري فليس هناك غير مطلقا وإنما كنت أستشير نفسي.

وإني أشهد الله على ذلك وهذا إقرار واعتراف مني بذلك وأشر عليه سعادة النائب العمومي بالإشارة الآتية: تقدم من شفيق منصور اليوم حيث كتبه أمامنا.وهذا يدل على أنه انتهز فرصة وجوده أمام النائب العمومي في هذا اليوم بعيدا عن المؤثرات التي تحيطه في السجن فكتب أمامه ها التقرير إظهارا للحقيقة.

(21) وقد اقتنع بذلك سعادة النائب العمومي حيث إنه لم يعر تقرير 13 أبريل أي التفات ولم يعمل عنه تحقيقا ما وحرر في 21 أبريل سنة 1925 تقرير الاتهام في قضية السردار وقدم المتهمين فيها إلى قاضي الإحالة.

(22) على أن هذه النتيجة لم تكن لتروق الذين كانوا يعملون على إيقاع ماهر والنقراشي فعمدوا إلى التأثير على شفيق منصور من طريق آخر بعد أن أحيلت القضية إلى محكمة الجنايات وفعلا أنتج التأثير الجديد مفعوله فأدى إلى الأقوال التي أبداها شفيق منصور أمام سعادة النائب العمومي في تحقيق 10 مايو سنة 1925 وقبض بسببها على ماهر والنقراشي فما هذه المؤثرات؟

(23) لقد آن لنا أن نذكر عمل الحكومة على التخصيص في هذا الشأن كان النقراشي مقبوضا عليه ف حادثة السردار كما سبق ايضاحه وكان لابد من إيجاد أدلة ضده والأدلة معدومة وكان محمد نجيب الهلباوي يشتغل لحساب البوليس السري مع سليم أفندي زكي رئيس المكتب السياسي ابتداء من 3 أتوبر سنة 1924 لمعرفة مرتكبي الجرائم السياسية كما هو مبين في شهادة سليم أفندي زكي.

فلما وقعت حادث السردار أخبره بها سليم أفندي زكي في يوم وقوعها فأخذ يشغل في اكتشاف مرتكبيها بالاتصال مع البوليس إلى أن قبض على الفاعلين الحقيقين فقدم تقريرا بذلك في 4 فبراير سنة 1925 لم يرد فيه ذكر لماهر والنقراشي وكان بناء على اكتشافه يأمل من نيل المكافأة البالغ قدرها عشرة آلاف جنيه لمن يدل الحكومة على مرتكبي حادثة السردار.

ولكن في اليوم التالي وهو اليوم 5 فبراير سنة 1925 أفهمه معالي إسماعيل باشا صدقي وزير الداخلية إذ ذاك أنه يعلق العفو التام عنه من منحه هذه المكافأة على أن يوضح جمي ما يعمله بخصوص الجرائم السياسية التي ارتكبت في القطر المصري وبالأخص حادثة السردار بخطاب هذا نصه:

رئاسة مجلس الوزراء.ختم مكتب وزير الداخلية.حضرة محمد أفندي نجيب الهلباوي

أمرني صاحب الجلالة الملك بأن أمنحك عفوا تاما وذلك بأن:

أولا: لا تقام عليك الدعوى في جريمتك الخاصة بإلقائك قنبلة على حضرة صاحب العظمة المرحوم السلطان حسين في سنة 1915.

ثانيا: تمنح عفوا من حضرة صاحب الجلالة الملك عن الجريمة والحكم السابق وذلك إذا أوضحت جليا جميع ما تعلمه بخصوص الجرائم السياسية التي ارتكبت في القطر المصري وبالأخص اغتيال السردار وتأكدت الحكومة من إخلاصكم في المعلومات التي أعطيتموها وعلاوة على هذا العفو فإنك تمنح العشرة آلاف جنيه المكافأة بالشروط الواردة بالإعلان.

وزير الداخلية الإمضاء

ونلاحظ هنا الدعوى الخاصة بإلقاء القنبلة في سنة 1925 كانت أقيمت عليه وحكم عليه فيها ونفذ عليه الحكم في وقتها إلى أن عفى عنه في 11 فبراير سنة 1924 ضمن المجرمين السياسيين فلا يمكن أن تقام عليه من أجل هذه الحادثة الدعوى من جديد إنما كان المقصود تجسيم الأمر أمامه من جهة ومنع العشرة آلاف جنيه عنه من جهة أخرى حتى يخضع لما يريده منه البوليس من اتهام من يريد إيجاد الأدلة ضدهم.

ولذلك قدم تقريرا آخر في 5 فبراير سنة 1925 قال فيه: إنه علم من شفيق منصور بأن جميع الحوادث كانت بتدبيراته وقد صرف عليها كل إيراده وعلم منه أن النقراشي كان شريكا له في كل أعماله تقريبا وكذا أحمد أفندي ماهر والشيشيني إلخ وهذا هو بيت القصيد إن كان علم ذلك من شفيق منصور حقيقة فكيف لم يذكره في تقريره الذي قدمه عن الحادثة في اليوم السابق.

وكيف لم يتوجه بنظره إليه ولم يوجه إليه نظر سليم أفندي زكي الذي كان يشتغل معه في 3 أكتوبر سنة 1924 لمعرفة مرتكبي الجرائم السياسية حقق النائب العمومي في هذين التقريرين ابتداء من 15 فبراير سنة 1925 إلى 21 منه وكانت النتيجة أن أفرج عن النقراشي في 23 فبراير سنة 1925.

(24) فلما جاءت اعترافات شفيق منصور في التحقيق في يومي 28و 29 مارس سنة 1925 صريحة فيما ينفي التهمة عن السعديين وأنه يعتقد أنها دبرت بواسطة أشخاص يكرهون سعد باشا وتوصوا لمحمود إسماعيل.

وأنه أخبر أولاد عنايت أنه يجوز أن يكون هناك يد أخرى تعمل لحضهم على ارتكاب الجريمة وأنه لا يستبعد أن يكون محمود إسماعيل تحت تأثير أشخاص آخرين لأنه متحمس لهذه الحادثة وأنه ذات يوم بعد ارتكاب الحادثة كان متهجا ضد محمود إسماعيل بسببها وأنه اليد الفعالة فيها وأخبره أنه لابد من أن يكون لشخص كبير تأثير عليه حتى ارتكبت هذه الحادثة ضد سعد باشا لأنه يود عدم بقاء سعد باشا في الحكم.

ولما فشل السعي في تدبير الاتهام الوارد في تقرير 13 أبريل 1925 على ما سبق بيانه.ولما نظرت القضية أمام قاضي الإحالة في 6 مايو 1925 وأحيل المتهمون إلى محكمة الجنايات وتسلم المحامون نسخا من أوراق التحقيق ونشرت بعض الصحف بعض هذه الاعترافات أحدثت تأثيرا كبيرا في الأفكار.

ولما كان صدقي باشا يعمل ضد السعديين ويتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور في أحاديثه وفي خطبه وفي اجتماعاته صدر الأمر للصحف بالكف عن نشر أوراق التحقيق وصدر بلاغ رسمي بتكذيب ما قيل في وجود أي علاقة بين محمود إسماعيل وبين نشأت باشا.

واتجه صدقي باشا ومن معه إلى المحامين عن شفيق منصور للتأثير عليه بواسطتهم بطريق وعده بتخفيف العقاب عنه إذا ما اتبع نصيحتهم وهذا ما كان يتمناه شفيق منصور لإطالة حياته.

فقد شهد سليم أفندي زكي أمام النائب العمومي في 22 نوفمبر سنة 1925 بأن شفيق قال له بعد الحكم عليه: إن المحامين عنه قابله اثنان منهم أولا وأخبراه بأن يعترف بكل الحقيقة وما يعلم عن السعديين وألا يذكر أسماء الآخرين وأن الثالث قابله مرة أخرى وقال له إن نشأت باشا سيساعدك إن اعترفت بكل شيء على السعديين ومفهوم أن عبارة ما يعلم عن السعديين ومعناها أن يتهم السعديين.

وقرر وهيب بك دوس في يوم 21 ديسمبر سنة 1925 أنه قابل شفيق أثناء نظر القضية أمام قاضي الإحالة فطلب منه شفيق أن يسعى له لدى النائب العمومي ليحصل منه على وعد بالسعي لدى الجهات المختصة لاستبدال عقوبة الإعدام إذا أعطى معلومات صريحة بشأن كل قضايا الاغتيال

وأن يعترف اعترافا صريحا فذهب إلى النائب العمومي وسأله في ذلك فرفض ولما رأى أن مركز شفيق لا يمكن أن يتحسن بأي اعتراف يأتيه وكانت مأمورية الدفاع لا يدخل فيها تحقيق ضد أشخاص آخرين عدل زيارته في السجن.

وقرر هلباوي بك في 15 ديسمبر سنة 1925 أن شفيق كان قلقا وغير مستقر على راي خصوصا بعد أن بلغ النائب العمومي بعد تقرير أبريل سنة 1925 بأنه يرغب في سحبه فنصحه هو بأن يقرر الحقيقة فيما يخصه ويخص الآخرين إذا كان لديه ما يقرب إلى الظن صحة الوقائع المسندة إليهم أما الذي لا يجد من نفه قدرة على تقديم ما يؤيد أقواله ولو بطريق الشبهة فليس ذلك في مصلحته.

ونلاحظ على ذلك أن كل ما قال عنهم شفيق منصور في تقرير 13 أبريل سنة 1925 مركزهم في الاتهام سواء لأنه لم يكن له عليهم أدلة ما.

وقرر عبد الملك بك حمزة في 19 ديسمبر سنة 1925 أنه بعد أن اختلى هو ووهيب بك دوس بشفيق منصور أمام قاضي الإحالة استدعاه صدقي باشا وزير الداخلية إذ ذاك وسأله عما أفضى إليه به شفيق فأخبره به مما لم يخرج عما هو مدون بتقرير أبريل سنة 1925

فطلب منه أن ينصح لشفيق بإبلاغ ذلك إلى النائب العمومي لأنه كان قد عدل عن ذلك فقابل شفيق مرارا وسأله شفيق عن رأيه في طريق الدفاع الذي يسلطه فتردد في إعطاء الرأي لأنه كان يخشى أن يتهم شفيق الأبرياء خصوصا بعد أن ترجح لديه أن إفضاءه بالأسرار التي يعملها من شأنه أن يمنع عنه عقوبة الإعدام

وأخيرا نصحه بالاعتراف فطلب منه شفيق أن يكون واسطه في التأكد من أن هذا الاعتراف سينجيه فأخبره بأن هلباوي بك أخذ وعدا بذلك وأنه يستطيع الاعتماد على وعده لأنه لا يمكن أن يخدعه وكان شفيق كثير التردد في اعترافاته حتى في المجلس الواحد وكان يخيل لي فيبعض الأحيان أنه غير واثق في هذه الوعود.

وقرر أيضا أن شفيق سأله عن مدى اعترافاته فكان يجيبه بأنه يعترف عن الأشخاص الذي اشتركوا في جريمة السردار وتدبيرها وفي قضايا القتل السابقة لأن الوعد الذي أعطى له لا سبيل لتحقيقه إلا بهذا.

ومن هنا ظهر السر في أن هلباوي بك الذي كان قد امتنع عن قبول الدفاع عن شفيق منصور أمام قاضي الإحالة قبل بعد ذلك أن يدافع عنه أمام محكمة الجنايات وقابله في السجن في يوم 20 مايو ثم خرج من عنده إلى وزارة الداخلية فقابل إسماعيل صدقي باشا ثم طلب شفيق منصور مقابلة النائب العمومي فحضر أمامه في اليوم التالي وهو يوم 21 مايو سنة 1925 ومعه هلباوي بك

وطلب أن تسمع أقواله بحضوره فسمح سعادة النائب العمومي له بذلك وهي المرة الوحيدة في تاريخ القضايا السياسية التي سمح للمحامي بالحضور مع المتهم أمام المحقق ولم يكن موقف شفيق في هذا التحقق موقف المدافع عن نفسه بل موقف من يتهم غيره ويلح في الاتهام ويذكر وقائع يدلل بها على هذا الاتهام على نحو ما جاء ف نصيحة هلباوي له ولذلك اشترط حضوره معه أمام النائب العمومي ليكون شهيدا على ما يقوله ليحقق الوعد الذي وعد به وأكده له عبد الملك بك حمزة.

وقرر الأستاذ أحمد رشدي المحامي الذي تولى الدفاع عن محمود إسماعيل في قضية السردار أنه بعد يوم 21 مايو سنة 1925 وقبل جلسة المحاكمة قال له نشأت باشا بمناسبة الشبهة التي كانت ضده في القضية إن شفيق منصور رجع عن قوله ويخيل لي أنه قال كلمة أمبارح

وكان في ذلك الوقت وعند ذكر هذه العبارة ظاهرة عليه علامة الاطمئنان أن يكون هذا الحديث بناء على ذلك قد دار بينهما في يوم 22 مايو سنة 1925 بعد أن أبدى شفيق للنائب العمومي في 21 مايو أقواله المتفق عليها بحضور هلباوي بك.

أليس هذا كافيا لإظهار خبايا هذه المؤثرات الفاضحة وهل يكون لأقوال شفيق منصور التي تصدر منه تحت هذه المؤثرات أية فقيمة في اتهام الآخرين؟ إنا نربأ بالقضاء النزيه العادل أن ينساق وراء الأغراض.

(25) تسألون حضراتكم لماذا يتهم شفيق منصور ماهر والنقراشي بل قولوا لماذا يتهمون ماهر والنقراشي ويعملون على اتهامها والرد على ذلك أن الحوادث المراد اتهامهما فيها واقعة في سنة 1919 وسنة 1922 وقد قال ماهر بحق في أول استجواب له في 22 مايو سنة 1925 عقب القبض عليه كما قال لحضرتكم بالأمس أنه لم يكن أمامهم من السعديين الظاهرين في هذه المدة إلا ماهر والنقراشي.

والواقع أنه في سنة 1919 وسنة 1920 كان أعضاء الوفد المصري برياسة سعد باشا زغلول في أوربا وفي سنة 1922 كان أعضاء الوفد بعضهم منفى في عدن وفي سبيل سيشل وبعضهم مسجونين بحكم المحكمة العسكرية وبعضهم معتقل في قصر النيل.

فلهذا لم يجدوا أمامهم في السعديين الظاهرين الذين لهم معرفة بشفيق منصور من يصلح لاتهامه سوى ماهر والنقراشي بالنسبة للمركزين اللذين كانا يشغلانهما في الوزارة السعدية فعملوا على اتهامها بالباطل واستعملوا الوسائل السابقة بيانها للوصول إلى غايتهم.

ومع ذلك فقد قبض علي ماهر والنقراشي في ذلك اليوم وحققت الوقائع التي نسبها إليهما شفيق منصور في أقواله المذكورة فظهر كذبها جميعا فيما يختص بهما كما سنبينه بعد ولم يثبت عليهما اشتراك في حادثة السردار فلم يتهما فيها ونظرت القضية أمام محكمة الجنايات في 26 مايو والأيام التالية له ثم حكم فيها بالإعدام.

(26) بقي ماهر والنقراشي في السجن وقيل: إنهما باقيان فيه على ذمة حوادث الاغتيال الأخرى ومع عدم وجود أي دليل عليهما يسوغ بقاءهما في السجن بقيا فيه حتى القوي التي كانت تشتغل ضدهما دلائك عليهما وكان شفيق لا يزال عالقا بالحياة وكان باب الأمل في تخفيف العقاب عنه من طريق الأمر الكريم لا يزال مفتوحا أمامه

فحصل استغلال هذا الظرف ووقع التأثير عليه في السجن لتقديم تقرير مطول في تفصيل حوادث الاغتيال فكتب تقريره الرقيم 18 يونية سنة 1925 وأردفه بملحقين في 19و 20 منه حمل فيها جميعها على ماهر والنقراشي على الخصوص وأرسل هذا التقرير إلى سعادة النائب العمومي بخطاب من حكمدار بوليس مصر في 20 يونيه سنة 1925 والظروف التي تحيط بهذا التقرير أدخل في باب الغرابة.

(27) فقد قرر سليم أفندي زكي أنه كان يتردد على شفيق منصور في السجن أثناء ما كان يكتب تقريره الأخير عن الجمعيات السياسية في 20 يونيه سنة 1925 للوقوف على معلومات تفيد التحقيق. وقرر محمد نجيب الهلباوي الذي كان يشتغل لحساب البوليس السري أنه أطلع على تقرير شفيق منصور الخاص باعترافاته الأخيرة.

وقرر عبد الحميد عنايتي أمام الناب العمومي في تحقيق 27 يونيه سنة 1925 ما يأتي: لما كنا في المحكمة في قفص الاتهام قال لي شفيق بأنه سيقدم تقريرا وأطلب منك أن توافقني على كل ما سيذكر به لأنه من مصلحتنا فقلت له طيب ولكن كان في نيتي أني لا أوافقه إلا على ما أعرفه فقط.

ومن المدهش أن هذا التقرير الذي كتب في 18 يونيه سنة 1925 ولم يرسل للنائب العمومي إلا في 20 يونيه كما سبق بيانه يطلع عليه حضرة سيد بك مصطفى وكيل النيابة ويثبت في محضر حرره في 15 يونيه سنة 1925 أنه أطلع عليه بل وينقل منه حرفيا الجزء الخاص بحادثة قتل المرحومين حسن باشا عبد الرازق واسماعيل بك زهدي فكيف أطلع حضرته على هذا التقرير قبل وجوده وقبل وصوله إلى سعادة النائب العمومي.

القاضي- ربما يكون التاريخ غلطا

النحاس باشا فكرت في ذلك لأنه الأمر أدهشني كل الدهشة واستنكرت وقوعه فأردت التثبت من صحة التاريخ فوجدته مكتوبا في المحضر بالعرب وبالأفرنجي 15 يونيه سنة 1925الموافق 23 ذي القعدة سنة 1343هـ

ورجعت إلى النتيجة فوجدت التاريخ العربي مطابقا للتاريخ الأفرنجي كذلك ذكر حضرة سيد بك مصطفى هذا التقرير يجلسه المعارضة التي انعقد في 18 يونيه سنة 1925 حضرة القاضي – ألا يكون هناك تقريران؟

النحاس باشا- كلا إن الذي ورد ذكره هو تقرير واحد وهو تقرير 18 يونيه 1925 الذي لم يرسل إلى سعادة النائب العمومي إلا في 20 يونيه سنة 1925.

النيابة (حضرة سيد بك مصطفى) أنا لا أعرف شيئا بخصوص هذا التقرير. النحاس باشا إذن علام يدل ذلك؟ لا استرسل في التعليق فالأمر يفسر نفسه وإنما اقتصر على ذكر الدلالة التي لا تقبل جدلا وهي أن شفيق منصور إنما كان آلة في أيدي غيره يكتب ما يملى عليه بعد أن يرتبوه فيما بينهم ويقروا عليه.

(28) فلما يئس من تحقيق ما وعد به أفاض في يوم 31 يوليو سنة 1925 بما عنده فكن وهو في سجله ينادي محمود إسماعيل ويدعوه ليعترف ويقول الحق

وهو أن سعد والسعديين أبرياء من قتل السردار وأن نشأت باشا وغيره هم الذين دبروها لمصلحة شخصية إلخ إلخ وطلب في النهاية ضابطا إنجليزيا ليعترف له ويكشف السر فحرر سليم أفندي زكي وأحمد أفندي طلعت وانجرام بك محضرا بذلك.

ودخل إليه الضابط الإنجليزي المستر نوبل وكيل المفتش بالبوليس وأخذ أقواله وحرر بها تقريرا في التاريخ نفسه وهي تبرئ السعديين من حادثة السردار وأنهم ليسوا مسئولين عنها بل نشأت باشا وغيره الذي دبروها لإسقاط سعد والبرلمان وكان المنفذ لأغراضهم محمود إسماعيل لأنه يظن أن نشأت باشا سيسعى لدى الملك ليفرج عنه بعد أن يمضي سنتين أو ثلاثا بالسجن يخرج بعدها ويتقلد الوظيفة التي أعدها له نشأت باشا إلخ..

(29) ومن الغريب أن هذا المحضر وهذا التقرير لم يقدما إلى النائب العمومي إلا بعد نحو أربعة أشهر من تاريخ تحريرها وبعد إعدام شفيق منصور فقد أرسل سعادة الحكمدار المحضر إلى سعادة النائب العمومي بخطاب مؤرخ في 19 نوفمبر 1925 وفي أثناء اطلاعه عليه عرض عليه المستر هيوز تقرير الضباط الإنجليزي المستر نوبل المحرر في 31يوليو سنة 1925 بالأقوال التي أفضى بها إليه شفيق منصور في اليوم ذاته.

(30) ومع هذا يقولون أن ماهر والنقراشي أعضاء في جمعية الاغتيال وأنا أقول بعد هذا للنيابة أنه لم يكن لماهر والنقراشي أن اتصال بجمعية الاغتيال وإنما هناك جماعة متآمرون على اتهام ماهر والنقراشي بالباطل ولا ينقذهما إلا عدل القضاء.

(31) وهنا ألفت نظر حضرة القاضي إلى ما قرره سليم أفندي زكي أمام سعادة النائب العمومي في تحقيق 22 نوفمبر سنة 1925 إذ قال:

وأتذكر أن شفيق أخبرني بأنه كلما كان يريد أن يعترف لسعادتكم عن أثنين ذكر اسميهما وهما غير ماهر والنقراشي ما كنتم تريدون سماع أقواله.

وقد علق سعادته على ذلك بالملحوظة التي سبق ذكرها وهي: نذكر أن شفيق منصور كان يلح علينا في إعادة مناقشته في قضية السردار ولم يذكر لنا أسماء في كلامه الشفهي فأفهمناه أن القضية حكم فيها وأن اضطراب أقواله لا يجعل محلا لإطالة المناقشة معه في هذا الموضوع بعد الحكم نهائيا وقد أفهمناه بذلك فاكتفى. وهذا يدل على أقل تقدير على أن النائب العمومي لم يكن ليعول على أقوال شفيق منصور لاضطرابه فها ولذلك لم يرد أن يسمع أقواله.

وهذا رأي الحكومة ذاتها فإنها أعدمته ولم تستبقه أقواله على سبيل الاستدلال ضد المتهمين.وقد طلعت جريدة السياسة العدد 1014 الصادر بتاريخ اليوم 31 يناير سنة 1926 ببيان من إسماعيل صدقي جاء فيه

إن شفيق منصور كان كثير التردد في أقواله يعترف حينا بأمور ينقضها فيما بعد ولما آنس المدافعون عنه أنه شديد الفزع للإعدام رأوا أن يعرضوا أمره علينا لاحتمال النظر في معاملته ببعض الشفقة خصوصا أنه أبدى الرغبة في الإفضاء بأقوال جديدة فأبلغت إذ ذاك شفيق منصور أنه إذا قرر الحقيقة كلها وقام البرهان على صحة قوله وترتب على إقامة البرهان إدانة من يرشد عنهم من المجرمين والحكم عليهم فإذ ذاك يلتمس له عفو يخفف عقوبة الإعدام ولم يصرح إذ ذاك شفيق بأكثر مما قاله من قبل ولم يقم عليه دليل فكانت النتيجة تنفيذ حكم الإعدام.

إذن تعترف الحكومة بلسان من كان وزير داخليتها حين ذاك:

أولا: بأن شفيق كان كثير التردد في أقواله.

وثانيا: بأنه كان شديد الفزع للإعدام.

وثالثا: بأن الحكومة أبلغته بأن تلتمس له العفو بتخفيف عقوبة الإعدام إذا قام البرهان على صحة قوله وترتب على إقامة البرهان إدانة من يرشد عنهم من المجرمين والحكم عليهم.

ورابعا: بأنه لم يصرح بأكثر مما قاله من قبل ولم يقم عليه دليل فكانت النتيجة تنفيذ حكم الإعدام. فكيف يسوغ للنائب العمومي أن يستند على أقواله بعد ذلك؟

ويدل ذلك أيضا على أنه إذا كان شفيق منصور قد كذب على سليم أفندي زكي فيما يختص بذكر الأسماء فيكون ذلك دليلا قاطعا على كذب شفيق منصور حتى في أقواله اليت يقررها على النائب العمومي ذاته فما كان يصح لسعادته أن يستند على شيء مين أقواله أما إذا كان سليم أفندي زكي هو الذي كذب في النقل عن شفيق منصور فيما يختص بذكر الأسماء فيكون ذلك مؤيدا لما قلناه عن شهادة نجيب الهلباوي وعلي حنفي ناجي من عدم صحة الأخذ بشهادة شهود السماع.

وعلي أي حال فإن امتناع سعادة النائب العمومي في إعادة مناقشة شفيق منصور في قضية السردار مع الحاجة في ذلك كما هو واضح مما هو مدون في ملاحظة سعادته الآنفة الذكر ومما هو مثبت مع محضر تحقيق سعادته مع عما جاء في تقرير 18 يونيه سنة 1925 وهذا الامتناع مع الاستناد على أقواله قد أضر بحقوق الدفاع.

لأن شفيق منصور قد عدل في تقريره المذكور عن أقواله السابقة التي كان قررها عن ماهر والنقراشي فيما يختص بحادثة السردار وكان التحقيق معه في ذلك ضروريا لمعرفة العوامل التي دفعته إلى التناقض في أقواله حتى تنكشف الحقيقة من خلال مناقشته وهذه إحدى نتائج التحقيق السري السيئة ومع كل هذا يستند سعادته في ملاحظاته المضافة إلى قائمة الشهود على أقوال شفيق منصور الأولى عن ماهر والنقراشي في هذا الخصوص حتى بعد عدوله عنها.

(32) بينا إلى الآن العوامل المختلفة التي استعملت للتأثير على شفيق منصور فلننتقل إلى بيان حالته النفسية ونكتفي في ذلك بالوصف الذي وصف هو لنفسه في يوم 21 مايو بحضور محاميه حضرة هلباوي بك أمام سعادة النائب العمومي إذ قال: فيما يختص بحادثة السردار فإنني لا أرى ما يمنعني إذن من أن أعيد اعترافي

وأن أذكر في الوقت نفسه بكل نفس ثابتة الآن ولم يكن هذه النفس قبل الآن تقدر على أن تبوح بشيء ولقد كان ذلك هو السبب في أن التحقيقات الأولى ظهرت بشكل مدهش ما بين إنكار واعتراف وإنكار لأنني كنت بين عوامل غريبة

لأنه كلما أراد الله سبحانه وتعالى أن يسيرني في طريق الخير وأن يجعلني أتمم اعترافي صحيحا يغلب على الطبع القديم وهو التفكير الذي كان عندي وهو استحسان هذه الأعمال وعدم التوصل إلى شيء منها فأنكر ثم تعود يد الله تعمل في فأعترف ثم أعود إلى الإنكار بعد ذلك وأن هذه الحالة النفسية انتهت الآن، وإني أذكر هنا التفصيلات الخاصة بالاعتراف من أوله إلى أخره أي الوقائع.

وما ثبت نفسه إلا الوعد الذي تلقاه بالتخفيف عنه إذا ما أتهم ماهر والنقراشي فهو يدعي أنه يتهمهما بنفس هادئة ولكن هذا الهدوء لم يكن لذكر الحق بل ليستحق الوعد الذي وعد به وهو الذي يعترف على نفسه بأنه لا يرى غضاضة في أن يتهم غيره بالباطل فقد قال في هذا التحقيق ذاته أنه أثار الشبهة ضد عبد الحليم البيلي و عبد الرحمن البيلي في كلامه الأول بسبب الاختلاف الحزبي فما بالك به إذا كان المقصود نجاة حياته.

وقال لسليم أفندي زكي عندما كان يكتب تقريره الأخير عن الجمعيات السياسية في 20 يونيو سنة 1925 إني أخاف أن أكتب الآن الحقيقة بعد أن قلت قبلا أشياء ليست بالحقيقة.

ذلك هو الذي كان يقرر أمام النائب العمومي في 21 مايو سنة 1925 بحضور حضرة هلباوي بك أنه يقرر ما يقرره بنفس هادئة على اعتبار أنه يقرر الوقائع صحيحة.

الواقع أنه ما كان يشغله إلا شيء واحد هو فداء حياته وأنه يستهين بكل شيء في هذا السبيل ولذلك رجا وهيب بك دوس عندما اختلى به بجلسة الجنايات بناء على أمر رئيس الجلسة أن يتم دفاعه بطلب التخفيف عنه لأنه كان مسيرا من ماهر والنقراشي أي منفذا لأوامر آخرين

وكان رأي وهيب بك أن مثل هذا البيان من شفيق شخصيا للمحكمة سيكون حتما مضطربا فقبل أن ينقل عنه هذه الفكرة اشترط عليه أن يكتفي بما يقوله وهيب بك ولا يتكلم هو وثابت أن شفيق عدل عن ذلك سواء في تقرير 18 يونيه سنة 1925 أو في أقواله في 31 يوليو 1925.

(33) وفي هذا القدر كفاية ونتيجته الحتمية عدم إمكان التعويل على أقوال شفيق منصور التي أبداها سواء في تقاريره أو في التحقيقات وننتقل بعد هذا البيان إلى تفنيد الوقائع التي ذكرها في هذه الأقوال.

تفنيد الوقائع الواردة.

في أقوال شفيق منصور عن ماهر والنقراشي.

الواقعة الأولى

دعوى اشتراك ماهر والنقراشي في الجمعية السرية. سأقتصر هنا على ما يأتي وأترك التفصيل لحضرات زملائي.

(34) أولا- تناقض شفيق في أقواله عن هذه الجمعية تناقضا بيننا.

ففي تقريره الرقيم 13 أبريل سنة 1925 ذكر أنه لما عاد من مالطة سنة1919 في أكتوبر تقريبا وجد جماعة يعملون على إنقاذ الوطن فضموه إليهم وهم عبد اللطيف بك الصوفاني وعبد الرحمن بك الرافعي وأحمد ماهر ومصطفى أفندي حمدي.وكان أول هم لهم العمل على التخلص من الوزراء الذين يعملون ضد مصلحة البلاد.

ولما تمت هذه الحالة وصل إلى علم الجماعة أن هناك أشخاصا يشتغلون في القضاء على الأفراد الإنجليز فكلف من الجماعة بالاتصال بهم لمعرفته بأولاد عنايت الذين كانوا من ضمنهم واتصل بهم فعلا وقد انضم بعد ذلك للجماعة النقراشي ولكنه كان على بعد وصلته به وبماهر وكان عبد الحليم البيلي من المتصلين به شخصيا ثم عدل عن هذه الأقوال في 14 أبريل 1925.

وفي 21 مايو سنة 1925 قرر أن اللجنة الرئيسية الآن مؤلفة منه ومن ماهر والنقراشي وأما قبلها فكانت مؤلفة من أشخاص آخرين وانقطعوا عن الاستمرار في العمل.

وقرر أن حسن كامل الشيشيني لم يكن عضوا في الجمعية لا عضوا أصليا ولا عضوا استشاريا فلما أحرجه النائب العمومي بقوله له هل يعقل أن تتكلم مع ماهر في موضوع خطير كهذا يريد موضوع اغتيال السردار أمام شخص أجنبي عنكم قال إن الحقيقة أنه كان عضوا استشاريا.

وفي تقرير 18 يونيه سنة 1925 قرر أنه لما عاد من مالطة في أواخر سنة 1919 أي حوالي شهر نوفمبر وجد الجماعة مكونة من عبد اللطيف بك الصوفاني ومصطفى أفندي حمدي وأحمد ماهر والنقراشي ومحمد بك شرارة وعبد الرحمن الرافعي وأن هذه الجماعة كانت مكونة من قليل فانضم إليها.وكان هناك أعضاء استشاريون أمثال الشيسيني وكان البيلي له صلة بي عن بعد.

وأن عبد اللطيف بك الصوفاني وعبد الرحمن بك الرافعي انقطعا عن العمل في يوم الانتهاء من الاعتداء على الوزراء وكذلك محمد بك شرارة من يوم سفره إلى مقر وظيفته في الخارج.

والتناقض في أقواله ظاهر في الأشخاص إذ أضاف فيما بعد النقراشي وشرارة على الأعضاء الذين كان قد أدعى أولا أنهم هم الذين وجدهم مكونين للجمعية قبل الانضمام إليهم مع أنه لم يذكر شرارة أولا وقرر أن النقراشي لم ينضم إلى الجماعة إلا بعد الانهاء من حوادث الوزراء وبعد أن اتصل هو بجمعية الاعتداء على الأفراد الإنجليز.

وهنا دليل مادي يكذبه في دعواه أن النقراشي كان موجودا بالجمعية عندما حضر و من مالطة في أواخر سنة 1919 في أكتوبر تقريبا أو حوالي شهر نوفمبر على قوليه ذلك أن النقراشي كان في ذلك العهد في السويس ناظرا لمدرستها الأميرية ابتداء من أول سبتمبر سنة 1919 لغاية 10 ديسمبر سنة 1919 ولم يغادرها في هذه المدة مطلقا لا بالإجازة ولا غيرها.

يمكن الرجوع إلى بيان وزارة المعارف العمومية الثابت فيه أن النقراشي كان ناظرا لمدرسة السويس من أول سبتمبر سنة 1919 أي قبل وصول شفيق منصور من مالطة لغاية 10 ديسمبر سنة 1919 ثم نقل إلى أسيوط مديرا للتعليم بمجلس المديرية من 11 ديسمبر سنة 1919 لغاية 20 يونيه سنة 1920.

وأنه في هاتين المدتين لم يأخذ إجازة إلا ثلاثة أيام من 11 ديسمبر سنة 1919 وهي المدة الضرورية للانتقال من السويس إلى أسيوط.

القاضي من الجائز أنه يجيء في إجازات غير رسمية.

النحاس باشا: إنه كان ناظرا لمدرسة السويس ويستحيل على الناظر أن يتغيب عن المدرسة من غير أن يثبت ذلك في الجدول الخاص بالحضور والغياب.

أحمد بك لطفي: إن النقراشي نقل إلى السويسي في سنة 1919 وهي سنة اشتداد الحركة الوطنية والوزارة التي تولت الأمر عقب ذلك عملت على إبعاد جميع الموظفين الذين كان لهم اتصال بالحركة الوطنية فأبعدت النقراشي إلى السويس ثم إلى أسيوط والمعروف أن الوزارة كانت على الدوام تراقب حركات الموظفين المذكورين فلا تعطيهم أجازات وكانوا تحت المراقبة الفعلية.

النحاس باشا وكانت الوزارة في ذلك الوقت تحت تأثر السلطة العسكرية فكان القصد إبعاد النقراشي وأمثاله من القاهرة والواقع أن النقراشي كان منفيا عن مصر فما كان يستطيع أن حضر في إجازة غير رسمية ولا يمكن الاعتماد على غير ما جاء بالبيان الرسمي الصادر من وزارة المعارف.

إن هذا الدليل المادي لا يصح الاستهتار به فهو يهدم أقوال شفيق منصور ومتى ثبت كذبه في بعض دعواه بهذا الدليل المادي سقطت دعواه كلها، هذا فضلا عن أن الباقين على قيد الحياة من الأشخاص الذين ذكرهم قد كذبوه جميعا من غير استثناء.

37- ثانيا- استشهد شفيق في تحقيق 24 يونيه سنة 1925 على أن الجمعية مكونة من الأعضاء الذين ذكرهم بكل من محمود إسماعيل وعبد الحميد عنايت وعبد الفتاح عنايت ومحمد شمس الدين وعريان يوسف سعد.

فكذبوه جميعا إذ كذبه الأربعة الأولون في التحقيق الذي عمل في 25 يونيه سنة 1925 وقال له عبد الحميد عنايت في أثناء مواجهته به:

أنا قلت عنك لأنك كنت معنا وإذا كنت أعرف شخصا آخر كنت قلت عنه وكذلك أعاد عبد الفتاح عنايت تكذيب شفيق منصور في ذلك في تحقيق 12 أغسطس سنة 1925 وكذبه عريان يوسف سعد في التحقيق الذي عمل معه في 26 ديسمبر سنة 1925.

وهنا استسمح حضرة القاضي في أن أصحح واقعة جاءت في سؤال وجهة حضرته لأحمد ماهر في جلسة أول أمس أن أحمد إسماعيل ووالدته يقولان: إنه كانت لمحمود إسماعيل معرفة به وهذا لا يطابق الواقع فإن أحمد إسماعيل قرر أنه لا يعرف أن أخاه يعرف أحمد ماهر.

ووالدته زينب بنت بكرى حماد لم تذكر أحمد ماهر ضمن الذين قالت عنهم أنهم كانوا يترددون على ولدها محمود ونفس محمود إسماعيل قرر أنه لا يعرف أحمد ماهر.

القاضي- ألم تقل والدة محمود إسماعيل إن ولدها كان يقيم ولائم يحضرها حسن الشيشيني وأحمد ماهر وغيرهما؟

النحاس باشا: كلا هذا غير صحيح وليس في أوراق التحقيق شيء من هذا وهذه إجاباتها في التحقيق.

س- هل كان يتردد على ابنك محمود أحد من معارفه في المنزل؟

ج_ اللي كان يتردد عليه كثير ويبيت معه في بعض الليالي في البيت عبد الرحمن البيلي وواحد اسمه جبريل جاء بات عندنا خمسة عشر يوما باستمرار.

س- هل كان يتردد عليه أحد خلاف عبد الرحمن البيلي؟

ج_ كان يعزم إخوانه وكانوا يجوا له وأنا طبعا ما شوفهمشي.

القاضي- يمكن لها أقوال أخرى.

النحاس باشا: كلا

مرقص باشا حنا- النيابة موجودة وهي تقول لنا إن كان لوالدة محمود إسماعيل استجواب آخر أم لا.

النحاس باشا: إن هذه المسألة هامة يجب تحققها ولا نود مطلقا أن يبقى في ذهن حضرة القاضي أثر لمثل هذه المسائل التي لا وجود لها في التحقيقات وبما أن التحقيقات طويلة جدا فإني أنتظر في دفاعي حتى تبحث عنها المحكمة أو النيابة

القاضي نتركها من ذهننا مؤقتا وأنا متنازل عنها الآن.

النحاس باشا هذا موضعها فأرجو تحقيقها.

هنا حضر حضرة مصطفى بك حنفي رئيس النيابة وقال إن أحمد إسماعيل هو الذي ذكر الأشخاص الذين كانوا يترددون على العزائم التي كان يقيمها محمود إسماعيل فتراجع.

النحاس باشا: تلا أقوال أحمد إسماعيل في صحيفتي 77و 81 وليس فيها ذكر لأحمد ماهر.

مصطفى بك حنفي لأحمد إسماعيل أقوال أخرى.

القاضي- نتركها الآن وأنا أقر بأنى مخطئ

النحاس باشا أرجو من حضراتكم أن تعتبروا أن ما أطلبه لم يكن فيه إحراج لكم وما قصدت إحراجكم مطلقا وكل ما أقصده هو أن تقفوا على الحقيقة كما هي إذ ليس من شأني أن أترككم تفهمون الوقائع على غير صحتها فإن مهمتي كمحام هي مساعدة القضاء على كشف الحقيقة ليس إلا.

القاضي نترك مصطفى بك حنفي يبحثها ويقول لنا عن النتيجة.

النحاس باشا موافق.

مصطفى بك حنفي بعد البحث لم يأت في أقوال أحمد إسماعيل ذكر لأحمد ماهر.

القاضي لقد نزعتها في ذهني نهائيا.

النحاس باشا الحمد لله على ذلك.

وأنتقل إذن لنقطة أخرى وهي بيان الأسباب التي سهلت على شفيق منصور اتهام ماهر والنقراشي.

هذه الأسباب هي:

أولا: حسده لهما لتربعهما دونه في وظائف عالية في الدولة وهذا ما قرره نجيب الهلباوي وقرر أيضا أن شفيق كان يطعن على الأشخاص الملتفين حول سعد باشا بأنهم ذوو مآرب شخصية ويأخذون الوظائف لهم ولأقاربهم وأنه انتقد تعيين ماهر وزيرا والنقراشي وكيل وزارة.

وثانيا: معارضة ماهر له في تعيينه في مكتب مجلس النواب أو في بعض لجانه واعترافه بذلك.

وثالثا: اعتقاده بأن مسئوليته في حادثة السردار ترتفع بقوله إنه أخبر بها ماهر الذي كان وزرا مختصا والنقراشي الذي كان وكيل وزارة الداخلية ومختصا أيضا (شهادة وهيب بك دوس).

وبناء على ما تقدم لا يكون لدعوى اشتراك ماهر والنقراشي في جمعية سرية نصيب من الصحة.

دعوى وجود أحمد ماهر الضابط مصطفى حمدي بجيل حلوان

دعوى وجود أحمد ماهر الضابط مصطفى حمدي بجيل حلوان عندما كان يتمرن على إلقاء.القنابل فمات من شظية قنبلة

(35) هذه التهمة مكذوبة.

أولا- لأن شفيق منصور لم يذكر شيئا عن اتهام ماهر في هذه الحادثة في تقرير 13 أبريل سنة 1925 مع أنه اتهمه بوجوده في الجمعية السرية ومع كون ذكر هذه الحادثة في هذا التقرير إذ جاء فيه.

وأما مصطفى حمدي فقد قتل عندما كان يجرب قنبلة من القنابل الأولى التي كانت تعمل في مصر وجربها وهو لا يعرف قوتها فأصيب بها وقد كان يشتغل بعملها وملوها واستخرج التركيب من كتاب عنده.فلو كان ماهر مشتركا في هذه الحادثة لما تأخر عن ذكر بعد أن اتهمه بأنه عضو في الجمعية السرية.

ثانيا: لأنه لم ينسب هذه الحادثة إلى ماهر إلا في تحقيق 21 مايو سنة 1925 تنفيذا للخطة التي رسمتي في التأثير عليه الاتهام ماهر والنقراشي علي ما سبق بيانه وكان مطلوبا منه أن يؤيد اتهامها بوقائع حتى يستحق الوعد الذي وعد به على نحو ما سبق بيانه وقد كان في ذلك الوقت قط اطلع على جميع التحقيقات التي حصلت في الدعوى بعد إحالة القضية على محكمة الجنايات

وعلم بما قيل فيها من تفاصيل هذه الحادثة فكان من السهل عليه بعد ذلك أن يتهم فيها ماهر فقد ورد في التحقيقات أن الذي أخبر لأول مرة بوجود جثة مصطفى حمدي بجبل حلوان هو عبد الحميد عنايت لنجيب هلباوي عندما أراد أن يعرف منه مكان الجثة إذ كان لا يعرفه من قبل فقال له إني أريد أن أذهب لزيارة قبر مصطفى حمدي يوم الجمعة بدعوى أني أريد الصلاة في الإمام فقال لي:

إنه موجود بحلوان لا بالإمام فقلت له لقد وجب علينا زيارته فرضى بذلك وفي ثاني يوم ذهبنا إلى حلوان إلا إننا لم نتمكن من معرفة القبر وهو بالجهة الشرفية وقرر ذلك نجيب الهلباوي في تقريره الرقيم 4 فبراير سنة1925

وقرر ذلك أيضا في تحقيق 17 فبراير سنة 1925 وقال سليم أفندي زكي في التحقيق في هذا اليوم إن عبد الحميد عنايت لما ذهب إل الجبل مع الهلباوي لمعرفة مكان الجثة لم يتمكن من معرفة هذا بل كان معه عبد الخالق عنايت وشخص آخر سيجتهد في البحث عنه ومعرفة مكان القبر منه.

ولو كان يعلم أن الشخص الآخر هو أحمد ماهر لما تأخر عن إخباره به.وقد عملت نشرة إدارية في 14 أبريل سنة 1920 عن غياب مصطفى حمدي عن منزله من عشرين يوما سابقة على تاريخ 16 يناير سنة 1920 ولم يعد.

وزيادة في ذلك فإن هذه الحادثة نسبت إلى شفيق منصور نفسه أرجو أن تشعروا من هذه الوقائع بمثل ما نشعر به نحن.

فقد ورد ذكر هذه الحادثة بحضوره على لسان محاميه بجلسة المعارضة التي انعقدت في 28 فبراير سنة 1925 باعتبار أنها منسوبة إليه حيث قال: ويقال أيضا إن الاستاذ شفيق منصور يأخذ الناس إلى الجبل ليعلمهم إطلاق القنابل.

وهنا نريد على النيابة فيما ادعته من أن أقوال شفيق منصور في ذلك تأيدت بالماديات وهي وجود الجثة فإن هذا الاكتشاف لم يحصل بناء على قول شفيق منصور بل بناء على قول عبد الحميد عنايت لنجيب الهلباوي بأن الجثة في جبل حلوان وذهابه معه فعلا إلى الجبل بحلوان لزيارة قبره فلم يعثر عليه.

وثالثا: لأنه قرر في تحقق 21 مايو كأنه في يوم قتل مصطفى حمدي حضر سليمان أفندي حافظ من الإسكندرية وتصادف وجوده وقت أن كان أحمد ماهر عائدا من حلوان وسمع انفجار القنبلة في مصطفى حمدي فكذبه سليمان أفندي حافظ في ذلك وقرر أنه لا يعرف أحمد ماهر ويلاحظ أن سليمان أفندي حافظ محام ومنتم إلى الحزب الوطني كما هو مذكور في أقواله.

ويلاحظ أن شفيق بد هذا التكذيب قد تحاشى في تقرير 8 يونيه سنة 1925 أنه في اليوم الثاني ذهب لدفن الجثة كل من ماهر وعبد الرحمن بك الرافعي وشخص اسمه يعقوب أفندي صبري أظنه موظفا في إحدى المدارس كأنه لا يعرفه من قبل مع أنه قرر في تحقيق 23 يونيه سنة 1925 أنه كان من ضمن أعضاء جمعية الإسكندرية التي هي فرع من جمعية التضامن فكذبه عبد الرحمن بك الرافعي وكذبه في ذلك نفس يعقوب صبري.

وخامسا: لأنه ادعى أن ماهر أخبرهم أنه عندما أصيب مصطفى حمدي أسعفه أولا بمنديله فلم يمنع الدم فمزق بطانة البالطو الذي كن يلبسه وربط رأسه بها.

وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يظهر الحق بإظهار ملابس مصطفى حمدي في جبل حلوان فقد وجدت ملابسه كاملة من بدلة وملابس سفلى ثقيلة السترة وبطانة الطربوش الداخلية.

وقد أثبت الطبيب الشرعي في تقريره بتاريخ 15 يوليو سنة 1925 ما يأتي:

أولا: أن كلا المنديلين بحرف متني وإنهما من صنع واحد.

ثانيا: أنه قد عثر على أثار دم باهتة على أحدهم وعلى البطانة الداخلية لياقة السترة وبطانة الطربوش الداخلية وهذه الآثار ضئيلة للغاية ولم يمكن الحصول على تفاعل بالفحص المعملي ولذلك لا يمكن القول عما إذا كان هذا الدم آدميا أم غير ذلك.

ثالثا: إن رجل البنطلون اليمنى مقطوعة وأن جزءا من القماش منزوع من شريحة.

رابعا: إن قطعة القماش التي وجدت مقاسها 5×2 سنتيمتر وهي قماش أسود مضلع.

وهذا يدل دلالة قاطعة:

أولا: على أن المنديل لشخص واحد وهما بطبيعة الحال لنفس الشخص الذي وجد مع ملابسه لأنه لا يعقل أن يكون الشخص الذي يلبس بدلة لا يكون معه مناديل وقد قررت والدة مصطفى حمدي بأن ابنها له عادة أن يحمل مناديل بيضاء لها حرف متني.

وقرر أخوه توحيد طاهر أن أخاه يحمل مناديل تيل أبيض وحرفها بعد الأحيان عريض وبعض الأحيان رفيع أي أنها ذات حرف متني.فيكون إذن المنديلان اللذان وجداهما منديلي مصطفى حمدي ولا يمكن أن يكون أحدهما لأحمد ماهر.

ثانيا: على أنه لا يوجد آثار دم غزير على أن المنديلين حتى يصح القول بأنه لم يمنع لدم عندما استعمل في الإسعاف والمقرر طبيا أن آثار الدم تبقى عدة سنيني فالأثر الضئيل الباهت الذي لم يمكن للطبيب الشرعي أن يحكم إن كان دم إنسان أو حيوان لا يمكن أن يكون أثر الدم الغزير الذي لم يكف المنديل لمنعه كما قرر شفيق في روايته المختلفة عن ماهر.

ثالثا: إن قطعة القماش الصغيرة التي وجدت مقاسها 5×2 سنتيمتر وهي من قماش أسود مضلع فهيمن الجزء القماش المنزوع من بنطلون البدلة ولم يكن من بطانة بالطو أحمد ماهر كما أدعى شفيق وهي مع صغرها هذا لا يصلح لأن يربط بها رأس مصطفى حمدي طبعا وليس بها آثار دم.

ولم يضبط عند ماهر بالطول بطانته منزوعة منه هذه هي الدلائل المادية التي تكذب رواية شفيق وتهدمها رأسا على عقب.

الواقعة الثالثة:الادعاء بأن ماهر والنقراشي اشتركا في اكتتاب بمبلغ مائتي جنيه لعائلة مصطفى حمدي


(28) ادعى شفيق منصور في تحقيق 21مايو سنة 1925 أنهم عملوا اكتتابا لعائلة مصطفى حمدي جمعوا فيه 200 جنية دفع كل واحد جزءا من هذا المبلغ فهو دفع جزءا وأحمد ماهر دفع جزءا يبلغ ستين أو سبعين جنيها على ما يتذكر ودفع النقراشي جزءا بسيطا والشيشيني أيضا وأن كل من ساعد في هذا الاكتتاب ساعد بقصد إعانة عائلة فقيرة إلا أحمد ماهر فإنه دفع وهو يعلم بأن مصطفى حمدي قتل من انفجار قنبلة فيه وأن سليمان أفندي حافظ كلف بالسفر إلى الفيوم لإرسال المبلغ من بوسته الجهة المذكورة إلى والدة مصطفى حمدي وأنه سافر خصيصا على ما يتذكر.

وفي تقرير 18 يونيه 1924 قرر أن الذين دفعوا المبلغ هم المجتمعون وهم ماهر وعبد اللطيف بك الصوفاني وعبد الرحمن بك الرافعي وأنه أخذ من الشيشيني مبلغا على سبيل التبرع لعائلة مصطفى حمدي وكذلك النقراشي وهو أي شفيق

الرد على ذلك

أولا: أن الأحياء من جميع هؤلاء كذبوه فكذبه الشيشيني وكذبه عبد الرحمن بك الرافعي وكذبه سليمان أفندي حافظ.

ثانيا: أن شفيق قرر أن حافظة إرسال النقود من بوسته الفيوم لوالدة مصطفى حمدي لابد من أن تكون كتبت بخط سليمان أفندي حافظ.

وقد جعلت النيابة ذلك سببا لإطالة حبس المتهمين عدة أشهر لفحص خط الحافظة بمعرفة الخبير وحتى يقدم الخبير تقريره عمن كتبها وكانت تكرر ذكر هذا السبب في جلسات المعارضة في الحبس إلى أن اعترفت بجلسة 15 أكتوبر سنة 1925 أمام أودة المشورة بأن البحث في الحوالة انتهى أي أن الخبير قدم تقريره بأن الحافظة لم تكن بخط سليمان حافظ ولا أحمد ماهر.

ثالثا: إن ادعاء النيابة وجود الحوالة بإرسال المبلغ من بوسته الفيوم إلى والدة مصطفى حمدي يؤدي أٌوال شفيق منصور ادعاء منقوض لأن العثور على هذه الحوالة لم يجيء من طريق شفيق منصور بك من طريق أسرة مصطفى حمدي إذ إن ذكر إرسال هذا المبلغ من بوستة الفيوم ورد على لسان توحيد طاهر أخي مصطفى حمدي في تحقيق 17 فبراير سنة 1925 نقلا عن والدته في اليوم السابق حيث قال:

وقد علمت من والدتي البارحة فقط بأنه بعد اختفاء أخي وصلها جواب مسوكر وبه حوالة بمبلغ 200 جنيه والجواب بإمضاء واحد اسمه مصطفى علوان من الفيوم وكذلك ورد على لسان سيف الدين طاهر وكذلك قررته والدته في 19 فبراير سنة 1925.

رابعا: إن نجيب الهلباوي قرر في تحقيق 16 فبراير سنة 1925 أن شفيق منصور أخبره أن ضمن المصاريف التي يقوم بها من جيبه الخاص إعانة عائلة مصطفى حمدي.

وكذلك قرر أن شفيق منصور أخبره أن مصطفى حمدي كان يتمرن في الجبل على إلقاء القنابل فانفجرت فيه قنبلة فقتلته وأراد أن يلم الإعانة لأهله فلم يقبل أحد ...

وهكذا يكذب قول شفيق بأنه عمل اكتتابا لعائلة مصطفى حمدي بملغ 200 جنيه واشتراك فيه ماهر والنقراشي.

وخامسا: اتضح من أقوال عائلة مصطفى حمدي أن المبلغ ورد إلى والدته في شهر يناير سنة 1920 واتضح في الحافظتين اللتين أرسل بهما مبلغ المائتي جنيه من بوسته الفيوم لأنه اتضح أنه أرسل حافظتين كل بمائة جنيه فحص الخبير خطهما وأطلعنا عليهما مع تقرير الخبير فوجدنا أن تاريخهما 17 يناير سنة 1920 وفي هذا التاريخ كان النقراشي بأسيوط ابتداء من 14 ديسمبر سنة 1919 مديرا للتعليم بمجلس مديرية أسيوط واستمر بها انقطاع إلى 20 يونيه سنة 1920 كما هو نص الشهادة المعطاة من وزارة المعارف العمومية.

وهذا قاطع في أن النقراشي كان بأسيوط قبل وفاة الضابط مصطفى حمدي واستمر بها إلى ما بعد إرسال مبلغ المائتي سجنيه من بوستة الفيوم إلى والدة مصطفى حمدي ببضعة شهور.فماذا يكون الحال في دعوى شفيق منصور أن النقراشي اكتتب في هذا المبلغ؟

إنه لا شك مختلف ومؤثر عليه لهذ الاختلاف وهذا يهدم الواقعة برمتها ومثل ذلك في الاختلاف ما ادعاه شفيق في تحقيق 24 يونيه سنة 1925 مما لم يذكره قبلا وهو أنه كان يحصل من ماهر والنقراشي والشيشيني اشتراكات شهرية 2 جنيه من كل منهم ويسلمها للشيشيني وهذا يدفعها ليوسف طاهر خال مصطفى حمدي وقد كذبه في ذلك الشيشيني ويوسف طاهر وجميع أقارب مصطفى حمدي.

وأشير هنا إلى التأثيرات التي وقعت في السجن على يوسف طاهر لحمله على اتهام ماهر والنقراشي بالباطل فأبت نفسه الكريمة أن يخضع لهذه المؤثرات وآثر الموت على اتهام الأبرياء بالباطل عن الأكل ليفارق هذه الحياة التعسة ونقل من السجن إلى المستشفى وبقى به أحد عشر يوما وقد شاع هذا الأمر في حينه فأبلغته لسعادة النائب العمومي الذي كان له الفضل في إنقاذ حياته بأن أفرج عنه وأخلي سبيله.

وقد كان كلام الشيسيني في التحقيق وأمام حضرتكم عن سؤاله عن ذلك مؤثرا يشف عن الخلق الكريم والصدق التام الذي لا يأتيه الكذب من أي طريق وربما كانوا يقصدون من الشيشيني أن يكون أيضا شاهد ملك ولكنه والحمد لله لم يقبل أن يكون هذا الرجل لأن هذه هي أخلاقه فكان جزاؤه أن يؤتى به إلى قفص الاتهام لأنه لم يقبل أن يكون كيعقوب صبري شاهد ملك.

وأنا معتقد أن الأثر الذي يحصل في نفوس السامعين من هذا التفصيل لابد من أن يكون متفقا مع ما شعرت به أنا نفسي من أن الوقائع مختلفة ضد ماهر والنقراشي والشيشيني أيضا لأن نفسه أبيه فهو في نظرهم يستحق أيضا الإعدام.

هذه هي حادثة مصطفى حمدي برمتها التي لا علاقة لها على الإطلاق بالحوادث المعينة المنسوبة للمتهمين جمعيا الاشتراك فيها قد ثبتت حقيقتا بما لا يدع مجالا للشك بأن ماهر والنقراشي لا يد لهما فيها بأي حال من الأحوال.

حوادث الاغتيال

(37) هذه الحوادث ذكر تفصيلها لأول مرة في تقرير شفيق منصور الرقيم 18 يوليو سنة 1925 بعد الحكم عليه الحكم بالإعدام.

أما قبل ذلك فلم يذكر تفصيلا لهذه الحوادث أصلا بل أنه قرر في تقرير 13 أبريل ما يأتي للحقيقة ولقول الحق أقول: لا أتذكر ولا يمكنني أن أتذكر مع من كانت المناقشة الخاصة بكل حادثة من الحوادث وسترون أنه بعد الحكم عليه بالإعدام تذكر.

وفي تحقيق 21 مايو بعد ما أحيل على محكمة الجنايات قال شفيق أما الحوادث السابقة الخاصة بالوزراء فكان يشتغل فيها فروع أخرى وقد مضى عليها زمن طويل والبحث فيها لا يجدي لأن الأشخاص الذين اتهموا فيها لم يعترفوا وبق الحكم عليهم

وهؤلاء الأشخاص لو اعترفوا يمكنهم أن يقيموا الدليل على الجمعيات بوجوه كثيرة.وهذا وذاك يدل على عدم إمكانه إعطاء أي تفصيل عن هذه الحوادث وهو لم يعط هذا التفصيل إلا بعد الحكم عليه بالإعدام في تقرير 18 يونيه سنة 1925

النيابة (حضرة سيد بك مصطفى) لقد ذكرت ما يتعلق بهذا التقرير وأنا مستعد للإجابة عنه وهو أنه كان موجودا في النيابة في 15 يونيه للاطلاع عليه وظاهر من المحضر أن التقرير كان بغير تاريخ ولذلك قلنا اطلعنا على تقرير شفيق منصور الخاص بأقواله بعد صدور الحكم عليه إلخ ثم ردته النيابة لوضع التاريخ عليه وفي يوم 18 يونيه نظرت المعارضة والنيابة طلبت الإفراج لأن شفيق قدم تقريرا ثم ضم التاريخ على التقرير وأعيد للنيابة.

الغرابلي باشا: لكن التقرير وضعت عليه ثلاثة تواريخ 18، 19، 20 يونيه سنة 1925.

النيابة لا

النحاس باشا تناول التقرير من يد وكيل النيابة واطلع عليه أرجو أن يثبت حضرة القاضي أن تاريخ التقرير وصلبه مكتوبان بحبر واحد وبخط واحد مما يدل على أنهما كتبا في وقت واحد لأنه مما لا شك فيه أنه إذا كتبنا كتابة الآن ثم زدنا عليها بعد أيام عبارة أخرى فلابد أن يظهر هناك اختلاف في لون الحبر، هذا والتقرير مكون من 32 صحيفة تنتهي بإمضاء شفيق منصور وموضوع عليها التاريخ ثم ورقة أخرى عليها نمرة 33 وتنتهي أيضا بالتاريخ والإمضاء.

القاضي: إن التقرير مكون من 32 صحيفة وعليها إمضاء شفيق منصور في 18 يونيه سنة 1925 ثم مضاف عليه ورقة عنوانها جمعية الدفاع الوطني وعليها نفس التاريخ مكتوب بخط الورقة الأخيرة.

النحاس باشا: هل في الورقة الأخيرة شيء خاص بحادثة المرحومين حسن باشا عبد الرازق واسماعيل بك زهدي.

النيابة: لا ... وهذه الحادثة مدونة في صحيفتي 11و 12.

أحمد بك لطفي: خطاب الحكمدار الذي أرسل به التقرير المذكور للنائب العمومي مذكور فيه أن معه خطابا من الضابط المكلف بحراسة المسجون شفيق منصور فأين هذا الخطاب؟

النيابة الخطاب موجود وها هو ذا؟

النحاس باشا: تلا النحاس هذا الخطاب وهو محرر باللغة الإنجليزية وتاريخه 20 يونيه سنة 1925 وتلا خطاب الحكمدار وتاريخ 20 يونيه أيضا يتضح من ذلك أن التقرير المذكور لم يرسل لسعادة النائب العمومي إلا في 20 يونيه سنة 1925 والنيابة تقول إن هذا التقرير كان أرسل إليها قبل ذلك بدون تاريخ فأطلعت عليه وأثبته حضرة سيد بك مصطفى في محضرة ف 15 يونيه

ثم رده وتفسير ذلك أن النيابة اطلعت على هذا التقرير قبل أن يتم وضعه وأظن أنه ليس من المصلحة أن أفصل أكثر من ذلك.

وتعليل النيابة الذي ذكره حضرة السيد بك مصطفى اليوم غير صحيح بدليل أن كتاب الحكمدار لسعادة النائب العمومي تاريخه 20 يونيه سنة 1925 ومرفق به خطاب الضابط الإنجليزي المكلف بحراسة شفيق إلى الحكمدار وتاريخ 20 يونيه أيضا ومعنى ذلك أن هذا التقرير لم يخرج من يد شفيق رسميا إلى يد ذلك الضابط إلا في يونيه سنة 1925 فلم يرسل النائب العمومي قبل ذلك بأيام.

وإلا لكان ظهر أمام حضرتكم خطاب من الضابط الإنجليزي بإرسال هذا التقرير إلى الحكمدار ثم الخطاب من الحكمدار إلى النائب العمومي قبل يوم 15 يونيه سنة 1925 الذي أثبت فيه السيد بك في محضره أنه أطلع على هذا التقرير.

وهيب بك دوس إن عبارة الخطاب الصادر من سادة الحكمدار إلى سعادة النائب العمومي في أنه لأول مرة تحصل مخابرة بشأن هذا التقرير حيث يقول فيه ومعه تقرير من المسجون شفيق منصور مكون من 33 صحيفة حيث طلب شفيق إرساله لسعادتكم وهذا الدلالة بذاتها ظاهرة من خطاب سجان شفيق إلى الحكمدار بما يقطع في استحالة أن يكون التقرير أرسل قبل ذلك ثم أعيد لوضع التاريخ عليه.

النحاس باشا فلتفسر لنا النيابة ذلك.النيابة فسروا أنتم.

النحاس باشا تريد أن أفسر إذن أفسر وتفسيري أن هذه التقارير تطبخ بمعرفتكم جميعا أفسر أكثر من ذلك وهو أن هذه التقارير ترتب في معمل مخصوص جزءا جزءا وهذا المعمل تلطع النيابة على ما حضره جزءا جزءا وأن النيابة في يوم 15 يونيه سنة 1925 قبل أن يتم وضع جميع الأجزاء الخاصة بهذا التقرير في المعمل المخصوص وقبل أن تعطي إلى شفيق منصور لينسخها ويوقع عليها وقبل أن ترسل رسميا من الضابط الحارس إلى الحكمدار ومنه إلى النائب العمومي.

أكتبوا هذا عني وانشروه على الملأ وقولوا:

إني أتهم علنا وفي مجلس القضاء النيابة العمومية بالاشتراك مع رجال السلطات في التدبير لاغتيال ماهر والنقراشي.

والدليل ثابت مادي لا يمكن للنيابة أن تخرج منه بأي حال من الأحوال دليلي الخطاب الرسمي الصادر م الحكمدار بإرسال هذا التقرير إلى سعادة النائب العمومي بتاريخ 20 يونيه سنة 1925 ونصه حرفيا:

حضرة صاحب السعادة النائب العمومي لدى المحاكم الأهلية.نتشرف بأن نرسل لسعادتكم هذا الخطاب الوارد لنا من الملازم أول هيزرس المعين بسجن مصر للمحافظة على المحكوم عليهم في قضية مقتل المأسوف عليه السردار ومعه تقرير من المسجون شفيق منصور مكون من 33 صفحة حث طلب إرساله لسعادتكم تحريرا في 20 يونيه 1925.

والخطاب المرسل من الضباط هيزرس المذكور إلى حكمدار بوليس القاهرة باللغة الإنجليزية وترجمته ما يلي:

(سيدي) مرسل مع هذا تقرير مكون من 33 صفحة عمل بمعرفة المسجون شفيق منصور وطلب مني أن ترسل إلى سعادة النائب العمومي.تحريرا في 20 يونيه سنة 1925.

وإنه لا يوجد في الأوراق أي خطاب صادر من الحكمدار إلى سعادة النائب العمومي بإرسال هذا التقرير قبل هذا التاريخ إليه أي قبل تاريخ 20 يونيه ولا جواب من الضابط المكلف بحراسة شفيق منصور بإرسال هذا التقرير من السجن إلى حكمدار العاصمة قبل هذا التاريخ أيضا أي تاريخ 20 يونيه ولا خطاب من النيابة إلى حكمدار العاصمة برد ذلك التقرير إلى الحكمدار لوضع تاريخ عليه وأن خطاب الحكمدار ذاته المحرر في التاريخ المذكور صريحان في أن التقرير أرسل لأول مرة من الضابط الحارس إلى الحكمدار ومن الحكمدار إلى النائب العمومي.

أريد أن أضيف عبارة بسيطة على ما قلته ردا على حضرة وكيل النيابة بأن هذا التقرير كان قد ورد إلى النيابة فوجدته غير مؤرخ فردته لوضع التاريخ عليه أقول علاوة على ما قلته إن هذا التعليل غير معقول إذ إن إعطاء الأوراق تاريخا يكفي فيه أن يثبت عليه حضرة النائب تاريخ وروده إليه كما هو المتبع في جميع الأقوال وكما هو المتبع في هذه القضية أيضا فإنه يوجد في الأوراق لشفيق منصو ذاته بدون تاريخ فما كان هناك حاجة تدعو إلى تقرير 18 يونيه لمجرد وضع تاريخ عليه وإلى هناك كفاية.

أحمد بك لطفي: ألاحظ أن جواب العسكري الإنجليزي مكتوب باللغة الإنجليزية بالآلة الكاتبة وليس معروفا أن في السجن العمومي آلة كاتبة أفرنجية ولا كتبة يكتبون عليها والذي استنتجته أن هذا الخطاب كتب مع خطاب الحكمدار في المحافظة في وقت واحد ولم يسلم التقرير مباشرة من شفيق إلى سجانه والمفروض أن التقرير بعد أن كتب في جهة أخرى وتقدم للنيابة أو إلى أول الشأن أعيد إلى المحافظ ليرسل إلى النيابة بطريقة رسمية.

النحاس باشا: أرجو أن يؤشر حضرة القاضي على الخطابين ويثبت في المحضر أنه أشر عليهما.

حضرة القاضي- أجابه إلى طلبه.

النحاس باشا: أعود بعد ذلك إلى الكلام عن حوادث الاغتيال حادثة حادثة.

قلت لحضرتكم إن شفيق قرر في تقريه أنه لا يتذكر ولا يمكن أن يتذكر مع من كانت المناقشة الخاصة بكل حادثة من الحوادث وأنه في 21مايو قرر أن هذه الحوادث مضى عليها زمن طويل والبحث فيها لا يجدي لأي الأشخاص الذين اتهموا فيها لم يعترفوا.

وسبق الحكم عليهم وهؤلاء الأشخاص لو اعترفوا يمكنهم أن يقيموا الدليل على الجمعيات بوجوه كثيرة ولكنه بعد ذلك وبعد الحكم عليه بالإعدام أمكنه أن يتذكر وأن يذكر تفصيل الحوادث حادثة حادثة وذكر ذلك في تقرير 18 يونيه سنة 1925 تحت إشراف البوليس وغيره من السلطات كما سبق بيانه.

الحادثة الأولى: حادثة يوسف باشا وهبه

(38) ذكر شفيق لأول مرة تفاصيل هذه الحادثة في تقرير 18 يونيه سنة 1925 فذكر ذلك الذي قرر من قبل أنه لا يمكنه أن يتذكر شيئا من التفاصيل متى وقعت الحادثة وأين تقررت وأسماء الذين اشتركوا في تقريرها ومن ندب لتنفيذها ومن ندب لتمرين المنفذ ومن سلم القنابل إليه.

فقال: إنها وقعت في ديسمبر سنة 1919وإنها تقررت في منزل الصوفاني بك بحضور الصوفاني بك وعبد الرحمن الرافعي بك ماهر وشفيق ومصطفى حمدي وإنه أخذ رأي النقراشي بك على انفراد وانتدب مصطفى حمدي من فرع تابع إلى عبد الحي كيره الذي كان تابعا إلى ماهر وذهب مصطفى حمدي معه للقيام بالتمرين وأنه في يوم الحادثة سلمت إليه قنبلتان ومسدسان وبالطو أصفر على ما يتذكر.

ذكر هذه التفاصيل بعد الحكم عليه بالإعدام فهل لهذه الأقوال نصيب من الصحة؟ كلا فقد كذبه جميع الأحياء من الأشخاص الذين ذكرهم في كل ما اداه فكذه الرافعي بك وماهر والنقراشي وكذبه عريان يوسف سعد في تحقيق 26 ديسمبر سنة 1925 وقرر عريان يوسف هذا أن القنبلة اشتراها من طلياني وأن مصطفى حمدي لم يرافقه وأنه لا يعرفه مطلقا وأنه لم يذهب إلى منزل الصوفاني مطلقا ولم يكن عضوا في جمعية سرية لارتكاب الجرائم مطلقا.

وعريان هذا هو الذي حكم عليه في هذه الحادثة ونفذ الحكم عليه وبقي في السجن إلى أن أفرج عنه مع المجرمين السياسيين في سنة 1924.

هذه يا حضرة القاضي من الحوادث التي قلت لحضراتكم عنها إن العفو شملها ومع ذلك فرق فيها بين الأشخاص فصرف النظر عن اتهام بعضهم ويقدم فيها الآن الأشخاص المتهمون الأربعة ماهر والنقراشي والشيشيني والبيلي.

هذه الحادثة ارتكبت في 15 ديسمبر وإليكم دليل مادي يكذب شفيق منصور فهما أن النقراشي كان لغاية 10 ديسمبر سنة 1919 في السويس ناظرا للمدرسة الأميرية وانتدب مديرا للتعليم في مجلس مديرية أسيوط في 11 ديسمبر سنة 1919 ولم يأخذ أجازة إلا ثلاثة أيام من 11 ديسمبر للسفر من السويس إلى أسيوط.

فلم يكن مروره على مصر في هذا الوقت كافيا لأخذ رأيه في هذه الحادثة كما يدعي شفيق خصوصا أن شفيق هذا قرر في 13 أبريل أن النقراشي لم يدخل الجمعية إلا بعد ما تمت حوادث اغتيال الوزراء فلا يمكن أن يكون قد دخل الجمعية في ذلك التاريخ 15 ديسمبر أو قبل 15 ديسمبر ولا أخذ رأيه فيها.

هذه هي الحادثة برمتها ولا دليل عليها إلا الأقوال التي كتبها شفيق منصور وقد كذبه فيها جميع الأشخاص والماديات.

وهي لا تؤخذ إلا على سبيل الاستدلال وقد سلمتم معنا بذلك فلابد من دليل يعززها ولا يوجد هذا الدليل وإني أتحدى النيابة أن تذك لي أي شيء يعزز أقوال شفيق عن هذه الحادثة وانتظر منها الجواب.

أنها لا ترد إذن النيابة تقر بسكوتها أنه ليست لديها دلائل أخرى تعزز بها أقوال شفيق منصور فهل تأخذون يا حضرة القاضي على ضميركم بأن تحيلوا هؤلاء المتهمين في هذه الحادثة إلى محكمة الجنايات بناء على أقوال شفيق منصور تلك الجثة الهامدة وتضربون صفحا عن كل ما يناقضها إني أربأ بكم عن أن تقبلوا ذلك على أنفسكم.

الحادثة الثانية: حادثة سري باشا

(39) الحادثة الثانية هي الخاصة بإسماعيل سري، وقعت في 26 يناير سنة 1920 وأقول فيها ما قلته في سابقتا فقد قال شفيق منصور في تقرير 18 يونيه الذي ظهر بعد حكم الإعدام أن هذه الحادثة تقررت في منزل الصوفاني بحضور ماهر والصوفاني وشرارة والرافعي بك وشفيق منصور وانتدب ماهر للعمل واختير أحمد توفيق للتنفيذ وهو من فرع كيرة وجرح في ظهره من القنبلة وقد كذبه شراره والرافعي ودوسيه القضية المذكورة يكذبه كذلك.

وهناك حادثة مادية تكذبه أيضا فقد كان النقراشي بك في هذا التاريخ في أسيوط مديرا للتعليم في مجالس المديرية ابتداء من 11ديسمبر سنة 1919 إلى 20 يونيه سنة 1920 ولم يأخذ إجازة مطلقا وكان محالا عليه أن يحضر مصر بغير إجازة لأنه كان من الموظفين المبعدين عن مصر حصيصا لظهورهم في الحركة الوطنية.

فضلا عما قاله عنه شفيق منصور في 13 أبريل من أنه لم يدخل الجمعية إلا بعد أن تمت حوادث الوزراء فكيف مع ذلك يتهم في هذه الحادثة.إن هذه الواقعة المادية تكذب شفيق في كل ما ادعاه، ولا يوجد في القضية إلا أقوال شفيق تلك الجثة الهامدة فهل نصدقه ونكذب الأحياء في شرع من هذا؟

وإني أتحدى النيابة أن تذكر لي دليلا يعزز هذه الأقوال النيابة سكتت ولا جواب.إذن تقر النيابة بسكوتها أن ليس لديها في هذه الحادثة سوى أقوال شفيق منصور ولا يسمح ضمير القاضي بأن يحيل المتهمين إلى محكمة الجنايات بهذه الأقوال.

الحادثة الثالثة: حادثة شفيق باشا

(40) وقعت هذه الحادث في 22 فبراير سنة 1920 ومن المدهش أن يأتي شفيق المضطرب فيذكر في هذا التقرير نفسه الحادثة بأشخاصها فهل بهذه الأقوال التي تكذب نفسها يسمح لكم ضميركم بأن تحيلوا المتهمين إلى محكمة الجنايات؟لا أظن هذا أبدا.

وقد علمتم مما سبق من هذه السلطات المتكالبة على هذا الاتهام من الإنجليز والمصريين يقول شفيق ويغلب على ظني أن عبد القادر شحاته اختير من لدى الفرع التابعة للنقراشي وقد قرر عبد القادر شحاته حرفيا أنه أحضر القنبلة من شخص يسمى فهمي وقد سئل خصيصا هل تعرف فهمي النقراشي فقال لا أعرف النقراشي قبل السجن أبدا وقد ذهبت إليه بعد السجن ليوظفني فلم يتيسر لي مقابلته وقرر أنه لا يعرف ماهر أيضا.

وقعت الحادثة في 22 فبراير سنة 1920 وكان النقراشي في أسيوط كما تقدم بيانه فكان محالا أن يشترك في هذه الحادثة كغيرها من حوادث الوزراء كما بيناه سابقا.ليس في هذه الحادثة أيضا غير أقوال شفيق منصور وأسائل النيابة عما إذا كان لديها شيء آخر يعززها النيابة سكتت.إذن لا يوجد غير أقوال شفيق منصور فهل يسمح ضميركم يا حضرة القاضي بأن تحيلوا المتهمين بمقتضاها إلى محكمة الجنايات.

الحادثة الرابعة: حادثة حسين باشا درويش

(41) ذكر شفيق منصور أيضا أنها تقررت في شهر مايو سنة 1920 بالمنزل المذكور أي بمنزل الصوفاني بحضور السابقة ذكرهم عدا شرارة بك الذي انقطع تقريبا من ذلك ونلاحظ أنه قرر قبل ذلك أن شرارة انقطع من تاريخ تعيينه قنصلا في ليون ثم إلى باريس لم يحصل إلا في أواخر سنة 1923

مع أن الحادثة حصلت في سنة 1920 وهذا يدل على اضطرابه في أقواله التي لا يصح بأي حال الأخذ بها والحقيقة أنه لا ماهر ولا النقراشي ولا شرارة ولا الشيشيني لهم يد في تلك الحوادث وإنما هي التأثيرات الأثيمة التي وضعت تلك الأقوال في لسانه فقد كان يكتب له تقرير ويرسل إليه ليبيضه ويوقع عليه.

وقد ورد في هذا التقرير أن أحمد توفيق التابع لعبد الحي كيره هو الذ قام بالحادثة وأن ماهر سلمه القنابل عن طريق كيره ولم يذكر دليل على ذلك وقال ما يدل على الغرض الذي من أجله كتب هذا التقرير ما يأتي:

يلاحظ أن جميع هؤلاء الأشخاص كانوا يستحضرون بواسطة ماهر والنقراشي لا تصلهما بهم ومعرفتهما لهم معرفة تامة.هذه هي لازمته التي تدل على غرضه أو غرض المغرين له ذلك غرضهم إيقاع ماهر والنقراشي على أي حال.

ومع أن النقراشي كان في ذلك الوقت في أسيوط أيضا كما سبق بيانه وكان يستحيل أن يشترك في هذه الحادثة بنا على ذلك على ما جاء في تقرير شفيق نصور الرقيم 13 أبريل من أنه لم ينضم إلى الجمعية إلا بعد أن تمت حوادث الوزراء.

إذن هذه الحادثة لا دليل عليها إلا أقوال شفيق منصور فهل عند النيابة دليل آخر؟النيابة سكتت.إذن ليس عندها أي شيء آخر خلاف أقوال شفيق منصور ولا يسمح لكم ضميركم بأن تحيلوا المتهمين على محكمة الجنايات بناء على هذه الأقوال.

إني تعبت وأرجو أن يسمح بتأجيل استمرار المرافعة للغد.القاضي يمكنك أن تتم دفاعك الآن.

النحاس باشا: لا أستطيع فلا يزال لدي في الدفاع شيء يستغرق بعض الوقت أيضا لقد كان التحقيق سريا في النيابة أشبه بما كان يجري في محاكم التفتيش وقد استمر شهورا عديدة فهل لا يسمح لنا بأن نأخذ يوما بل أيام لإظهار خفاياه.

القاضي: إن لدينا أشغالا يا حضرة القاضي إنا نستخلص لك هذه الخلاصة الدقيقة من الأوراق حتى نجعل المسألة واضحة نيرة ونخرج بكم من ظلمات هذا البحر المضطرب الذي أوجدت النيابة العمومية القضية فيه إذ يظهر أنها تريد أن يبقى الأمر مضطربا بدليل أنها عندما شرعت في نسخ أوراق القضية خالفت ما كنا متفقين معها عليه بأن تبدأ نسخ الأوراق الجديدة حتى نطلع عليها في الوقت المناسب ثم تردفها بالقضايا القديمة

ولكنها عكست الموضوع فكانت تنسح أولا القضايا القديمة وتؤخر نسخ التحقيقات الجديدة ويظهر أن ذلك حصل لكي لا يكون لنا متسع من الوقت لاستخلاص الحقيقة من هذه الأوراق الكثيرة ويبقى الأمر في الاضطراب فيسهل بذلك إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات ولكن واجبنا أن نساعد القاضي على تنوير المسألة وتبسيطها

وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن تصل إلى ذلك في الوقت القصير الذي كان أمامنا ونأمل في أن يقوم بأنفسكم عندما تتبينون من هذه الخلاصة الصحيحة ما قام بأنفسنا من جراء اتهام هؤلاء المتهمين بالباطل فتنقذونهم من أيدي المتآمرين عليهم فإن القضاء العادل المنزه من الأغراض عن التأثرات هو ملجؤنا وأملنا الوحيد.

الحادثة الخامسة: حادثة توفي نسيم باشا

(42) وردت في هذه الحادثة في تقرير منصور المعروف بتقرير 18 يونيه سنة 1925 وكرها فيه بتفاصيل غريبة فكتب تاريخها وقال إنها وقعت في 12 مايو سنة 1920 وأن المعتدي فيها هو حسن إبراهيم مسعود ويصحبه شخص آخر اسمه عبد العزيز علي تابع للمسكين النقراشي هنا لابد من ذكر ماهر أيضا لأنه لازمة اللوازم ويكفي لاتهامه أن يقول إنه هو الذي قدم إليه عبد العزيز علي.

ولكن تفهم يا حضرة القاضي حالة هذا الشخص ونفسيته وما يقصده جزءا لاتهام الأبرياء تصور قليلا أنه يقول ذلك في السجن وهو محكوم عليه بالإعدام في سنة 1925 أي بعد خمس سنيني من ووع هذه الحادثة فيذكرها ويذكر تاريخها واليوم الذي وقعت فيه.

وقرر أن المعتدي أخذ القنابل كالعادة.هل صادقه أحد ممن قال عنهم؟ كلا لم يصدقه أحد بل كذبوه جميعا ولا داعي لأن أكرر ذكر المراجع لأنها هي بذاتها التي ذكرتها بمناسبة الحوادث السابقة.

فقط لي ملاحظة أريد أن أبديها وهي أن الحادثة وقعت في الوقت الذي كان فيه النقراشي مبعدا عن العاصمة ومنتدبا مديرا للتعليم في أسيوط بقصد إبعاده عن القاهرة قصاصا له على اشغاله بالحركة الوطنية وكان بطبيعته مراقبا لا يغدو ولا يروح 14 ديسمبر سنة 1919 بالضبط إلى 20 يونيه سنة 1920 كما هو ثابت من شهادة وزارة المعارف التي سأقدمها لحضراتكم والنتيجة الحتمية أنه يستحل مادا على النقراشي أن يكون شريكا في هذه الحادثة وما سبقها بأي صورة كانت.

هذا فضلا عن أن حادثة نسيم باشا هذه هي خاتمة حوادث الوزراء التي قال شفيق عنها في تقرير 13 أبريل إنه بعد أن تمت هذه الحوادث وبعد أن انضمت إلى لجنة الاعتداء على الأفراد الإنجليز انضم النقراشي إلى الجمعية أي أنه إلى ذلك الوقت لم يكن النقراشي قد انضم إلى الجمعية ولم يكن له دخل في هذه الحادثة وما سبقها بأي حالة من الأحوال.

تلك الحوادث يا حضرة القاضي هي التي سلمتم بأن العفو قد شملها فعلا والتي قرر سعادة النائب العمومي صرف النظر عن اتهام بعض الأشخاص فيها ولكنه أصر بعد ذلك على اتهام البعض الآخر لغرض في نفس يعقوب ويقدمهم للمحاكمة بناء على أقوال شفيق منصور.

هل عند النيابة دليل آخر يعزز أقوال شفيق في هذه الحادثة بخصوصها أرى أن النيابة لا تحيز جوابا إذن ليس عندها شيء يعزز هذه الأقوال فهل يسمح ضميركم يا حضرة القاضي بأن تقدموا هذين المتهمين إلى محكمة الجنايات استنادا على أقوال شفيق التي بينت لكم فسادها وما يهدمها من أساسها سواء من تكذيب الأشخاص أو الماديات لكل ما ادعاه؟ لا يمكن أن أتصور ذلك.

الحادثة السادسة: دعوى الاشتراك في التآمر على اغتيال ثروت باشا

(43) لأول مرة أيضا يذكر شفيق هذه الحادثة في تقريره المشهور ويذكرها بتفصيل وهو الذي قال من قبل إني لا أتذكر مع من كانت المناقشة في كل حادثة من الحوادث ولكن الاتهام لم يشأ أن يفلت ماهر والنقراشي من هذه الحادثة أيضا فعاد شفيق منصور وذكر في هذا التقرير أو كتب لهفيه تاريخ حصولها وكيفية تقريرها.

وأنها تقررت من الأشخاص السابق ذكرهم وهم: الصوفاني وماهر والرافعي وشفيق منصور ومما يدلكم على أن التقرير مكتوب له أنه لا يذكر نفسه بكلمة (أنا) إنما يقول (شفيق) ويذكر في هذا التقرير أنه أخذ رأى النقراشي وأن القائم بترتب المؤامرة هو ماهر وانتدب لتنفيذها ماهر وهذا اختار عبد الحي كيره للغرض ذاته وأن كرة جمع الأشخاص وهم: فرغلي ومن كان معه وأخذ السلاح والقنابل من عند ماهر أو بواسطته.

فالغرض اتهام ماهر بالذات أو بالواسطة على كل حال أتعرفون حكاية الذئب والحمل هي تكرر أمامكم بذاتها.وذكر أيضا في هذا التقرير أن يوسف العبد كان متصلا بعبد الحي كيره وبأخيه عبد الرؤوف وأن البوليس هاجم منزل علي حرمي الذي كانت عنده القنابل وقبض على المتهمين ومنهم محمود حفني وعلي رحمي وآخرون.

ويلاحظ أن هذا التفصيل مأخوذ من تحقيقات قضية المؤامرة أمام السلطة العسكرية بترتيبه وتواريخه وأسماء الأشخاص المتهمين فيها فلا شك إذن في أن هذه التفصيلات مكتوبة له ومملاة عليه.

فهل ثمة شبهة تحول حول ماهر والنقراشي من جراء هذه الأقوال مع أن جميع الأشخاص الذين ذكرت أسماهم في هذا التقرير كذبوه بلا استثناء وكذبه عبد الرحمن بك الرافعي.

وفي تحقيقات الحادث وهي أربعة أجزاء وقد تصفحتها بنفسي جميعا وثقوا بأن ما أقرره أمامكم صيح وأني أمين في النقل واتحدى أي إنسان أن يناقضني فيما أقرر في هذه التحقيقات سئل فرغل وهو بطل المؤامرة والذي بلغ البوليس عنها فأقواله لها قيمتها من الصدق.. سئل عن النقراشي فقال لا أعرفه.

وشهادة جميع الشهود في الحادثة لا تثير شيئا ضد ماهر والنقراشي ومنهم من حكم عليهم في هذه التهمة فعلا.وقرر يوسف العبد وأخوه عبد الرؤوف في أثناء تحقيق مؤامرة الاغتيال أنهم لا يعرفان كيرة الذي جاء على لسان شفيق إنهما كانا على اتصال به.

بقي في هذه الحادثة أمران ذكرهما شفيق في تقريره المعروفالأمر الأول أن ماهر أخذ من مصطفى باشا النحاس عشرين جنيها في سنة 1922 وبعض مبالغ أخرى ي مواعيد مختلفة.

الأمر الثاني: ذكر أن ماهر تسلم من الوفد على ما يظن مبلغ 25 جنيها على ذمة إرساله إلى كيرة ثم قال ولكن هذا المبلغ لم يرسل على الأغلب إليه لأنه كيرة أرسل خطابا إلى يوسف العبد يشكو فيه عدم وجود مال عنده وأن حالته سيئة جدا.

وذكر في تحقيق 24 يونيه سنة 1925 أن العشرين جنيها التي أخذها من النحاس باشا كانت بقصد تهريب عبد الحي كيرة من مصر وأن ماهر أخذ الخمسة والعشرين جنيها من الوفد لإرسالها لكير بعد هروبه حيث كان من روسيا وفي ألمانيا في حاجة شديدة إلى نقود وأن شفيق علم ذلك من ماهر ومن يوسف العبد كما علم من هذا الأخير أنه وصل إليه خطاب من كيره يخبره فيه بأنه لم صله نقود للآن وقد فهم من ذلك أن ماهر لم يرسل المبلغ.

يقول بعد ذلك: إن كيرة اختفى عقب اكتشاف حادثة المؤامرة على اغتيال ثروت باشا وأن محمد حافظ قبطان هربه من مصر إلى الإسكندرية وأخفاه بمنزل محمد فريد ثم سفره إلى أوربا بواسطة شخص اسمه ملوخية وأخذ معه العشرين جنيها التي ادعى أنه أخذها من النحاس باشا.

إلى هنا عرفنا الوقائع وما ذكر فيها فلنأخذها واقعة ونرد عليها وننقضها من أساسها:

أولا: يقول إنني دفعت 20 جنيها لماهر في سنة 1922 بقصد تهريب كيرة الواقع أنني كنت منفيا في عدن وفي سيشل طول سنة 1922 ولم أعد إلى مصر ولا بإجازة غير رسمية فقد قبض علينا في يوم 23 ديسمبر 1921 عقب ردنا على اللورد اللنبي بعدم الرضوخ لأمره الظالم والكف عن الاشتغال بالسياسية الوطنية رحلنا إلى السويس.

وبقينا فيها إلى 29 ديسمبر سنة 1921 حيث نقلنا إلى عدن وبقينا هناك معتقلين في قلعة المدينة إلى أن أخذ منا سعد باشا في أول مارس سنة 1922 ورافقه مكرم إلى سيشل وفي 19 منه ولم نعد إلى مصر إلا في يونيه سنة 1923 فأني لي إذن وأنا المنفى أن أقابل أحمد ماهر وأنقده عشريني جنيها لتهريب كيرة إلى أوربا أو أني لم أرسل إليه هذا المبلغ وما كنا لنستطيع ونحن في المنفى أن نرسل شيئا وأن نتلقى أمرا بغير واسطة السلطة العسكرية.

فالواقع يا حضرة القاضي مادية لا تكذب شفيق منصور فحسب بل تهدم كل ما دبر له هدما ومع كل هذا يقدم المتهمون لحضراتكم لإحالتهم إلى محكمة الجنايات.

ثانيا: ثم اسمعوا ما يقوله شفيق في تحقيق 21 مايو سنة 1925 وأنا أقسم بكل يمين أن رجال الوفد أبرياء من هذه الحادثة أي (حادثة السردار) ومن الفلوس على الإطلاق سواء من حادثة السردار أو عن غير حادثة السردار.

إذن أقسم هو بذاته وراجع نفسه وقرر الحق بنفس هادئة كما يقول ثم يأتي بعد ذلك ويكتب له أن يتهم ماهر والنقراشي في تقرير 18 يونيه ثمنا لرقبته وفداء لحياته.

ثالثا: وشهادة يوسف العبد صريحة في تكذيبه حيث نفي مسألة تهريب كيرة وكذلك قبطان وملوخية سئلا فكذباه تكذيبا باتا وكذبه أيضا محمد فريد في كل ما ادعاه ماذا يبقى من هذه التخمة وقد تبين لحضراتكم مبلغ فسادها ومدى تلفيقها حتى يتهم فيها هؤلاء الأبرياء؟

ليس فيها غير أقوال شفيق المنقوضة فهل عند النيابة ما يعززها إني انتظر الجواب النيابة لا تجيب . إذن لا شيء يعززها فهل يستريح ضميركم لإحالة المتهمين على محكمة الجنايات بمقتضى هذه الأقوال؟

الحادثة السابعة: حادثة المستر براون بوزارة المعارف

(44) تأتي بعد ذلك حادثة بروان التي ذكرها شفيق لأول مرة كذلك في تقرير 18 يونيه المشئوم وذكرها بتفصيل دقيق فعين تاريخ وقوعها بالضبط وهو 18 فبراير سنة 1922 ولا شك في أن هذه التفاصيل قد استعيرت من التحقيقات القديمة في تلك الحادثة وكان لزوما عليه أن يتهم ماهر والنقراشي ليتسحق الوعد بتخفيف الحكم عليه فقال عرضت علينا هذه الحادثة بواسطة محمود إسماعيل فأخبرت ماهر والنقراشي فلم يريا مانعا ن ارتكابها فأفهمت محمود إسماعيل بذلك وهذا رسم الخطة لعبد الحميد وعبد الفتاح عنايت وبعد دراستها معهما ذهب إبراهيم موسى ومحمد فهمي علي وعبد الحميد عنايت كما سمعت إلى محل الحادثة وكان معهم بعض عمال آخرين لا أعرفهم.

مرقص باشا إلى النحاس باشا: لو لم تكن أنت في سيشل لا تهمك أيضا النحاس باشا نعم كما يقول حضرة زميلي النقيب لو لم أكن في سيشل لكنت الآن في السجن ولكن النفي أنقذ والحمد لله حياتي وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

يقول شفيق في أقواله كما سمعت فهو شاهد سماع ويذكر كذلك وفي هذه الحوادث جميعها يرجع إلى أقوال عبد الحميد وعبد الفتاح عنايت والأشخاص الموجودين في الحوادث لأني على يقين بأن محمود إسماعيل كان يقوم دائما بالترتيب وحمل الأسلحة.

هؤلاء جميعا كذبوه فيما يختص بماهر والنقراشي تكذيبا صريحا ومن بينهم من اعترف على نفسه وعلى غيره أي أن لأقوالهم قيمتها من الاعتبار ويلاحظ أن الذين تكلموا عن هذه الحوادث سواء من حكم عليهم منهم أو من لم يحكم عليهم فيها ذكروا تفصيلها ومن اشرك فيها قبل أن ترد على لسان شفيق فقد تكلم عنها عبد الحميد عنايت في تحقيق 8 مارس و 10 مارس سنة 1925 وتكلم عنها غيره في تحقيق 18 مارس وفي تحقيق 22 مارس وكذبه كذلك محمود إسماعيل وعبد الحميد وعبد الفتاح عنايت عبد الحكم عليهم.

أقوال هؤلاء جميعا ليس فيها ذكر مطلقا لماهر والنقراشي بل إن شفيق نفسه في تحقيقي 29 مارس و 30 مارس ذكر أسماء الذين كانوا يشتركون في الحوادث السابقة ولم يذكر من بينهم اسمى ماهر والنقراشي.

فكيف يعول على أقوال شفيق منصور على تناقضها وانهيارها وبعد أن تبين تلفيقها من تكذيب الأشخاص الذين استشهد بهم شفيق؟ فهل عند النيابة دليل آخر تستند عليه في تقديم المتهمين إلى محكمة الجنايات؟

إنها تواصل الصمت فلا شيء عندها تؤيد به أقوال شفيق منصور فهل مع ذلك يقدم هؤلاء إلى محكمة الجنايات؟

الحادثة الثامنة: حادثة البكباشي كيف

(45) حصلت هذه الحادثة في 24 مايو سنة 1922 وذكرت التقرير كما يأتي:

عرض علي أولاد عنايت فكرة هذا الاعتداء بواسطة محمود إسماعيل وأخذت راي ماهر والنقراشي فلم أجد مانعا منهما ورسم أولاد عنايت الخطة ونفذوا الجريمة وكان معهم إبراهيم موسى ومحمد فهمي علي وعمال آخرون لا أعرفهم

وأخبرت عبد الحميد البيلي بعد الحادثة بذلك كل هؤلاء سواء منهم من اعترف على نفسه ومن أقر على غيره كذبوه تكذيبا باتا فيما يختص بماهر والنقراشي وكذلك شفيق أيضا ناقض نفسه حيث لم يذكر ماهر ولا النقراشي في اعترافه عن نفسه في الحوادث السابقة وفي إقراره على من اشترك معه فيها من تحقيق 29و 30 مارس سنة 1925

هل عند النيابة شيء آخر؟ لا جواب.إذن فليس لديها سوى كلام شفيق الذي يراد إرسال المتهمين به إلى المشنقة ولكنا نلوذ بالله وبعدل القضاء

الحادثة التاسعة: حادثة المستر بيجوت

(46) وقعت هذه الحادثة في 15 يوليو سنة 1922 وجاءت في تقرير شفيق كما يأتي أخبرني عبد الحميد عنايت عنها وأخذت فيها رأي ماهر والنقراشي كالمعتاد فوافقا ولست متذكرا من باشرها.

سئل عبد الحميد عنايت فكذب شفيق وجميع أقواله قاطعا في عدم اشتراك ماهر والنقراشي وشفيق أيضا في هذه المرة ناقض أقواله السابقة التي قررها في 29 و 30 مارس ولم تأت فيها إشارة لماهر ولا للنقراشي.

هل للنيابة أنتعين لنا دليلا تعزز به أقوال شفيق في هذه الحادثة؟ لا جواب إذن ليس إلا أقوال شفيق منصور ومحال على ذمة القاضي أن يحيلهم على محكمة الجنايات بناء على هذه الأقوال.

الحادثة العاشرة: حادثة المستر براون بالجيزة

(47) وقعت هذه الحادثة في 12 أغسطس سنة 1922 وذكر شفيق في تقريره عنها أنه كان فيها محمود إسماعيل وعبد الحميد وعبد الفتاح عنايت وإبراهيم موسى ومحمود عثمان كما سمعت من عبد الحميد عنايت.

إذن فهو شاهد بالسماع في هذه الواقعة أيضا وهنا نقطة جميلة أستسمحكم في ذكرها لأنها بلا شك تهدم كل ما قرره شفيق جملة وتفصيلا حيث ذكر الملحوظة العامة الآتية في تقريره ويتلاحظ على العموم أني لا أعرف شيئا عن هذه الجرائم جميعها إلا ما يخبرني به محمد إسماعيل أو عبد الحميد عنايت قبل حصوله أو عبد الفتاح قبل أو بعد تمام الحادثة.

وسئل هؤلاء جميعا فكذبوه فيما يختص بعلاقة ماهر والنقراشي ولكن الملحوظة السالفة لم تجده نفعا لأن فداء حياته كان موقوفا على اتهام ماهر والنقراشي لذلك أضاف الملحوظة الآتية:

وعلى كل حال فقد كنت أخذ رأي ماهر والنقراشي في كل شيء أو حادثة أعلم بها قبل وقوعها حتى إذا ما قررها أخبرت محمود إسماعيل للقيام بها وإذا أخبرت عن حادثة قاموا بها وأخبرني محمود إسماعيل أو عبد الحميد بذلك أوصلت الخبر إليهم وكنت تحت أمرهم لا يمكننني أن أتحرك أو أبدي رأيا أو فكرا من غير الأمر الذي يصدر إلي منهما.

هذا بيت القصيد لأنه لابد من اتهام ماهر والنقراشي بالباطل لكي يستحق النجاة من الإعدام الذي كان يفزع منه وينزعج لذكره كما جاء في بيان صدقي باشا الذي تلوته في الجلسة السابقة وهذا يؤخذ أيضا من شهادة عبد الملك بك حمزة محامي شفيق منصور حيث قال: وكان سؤال شفيق إلى موجها بنوع خاص عن تأثيرا اعترافاته هذه أي عن حوادث الاغتيال السابقة على حادثة السردار في نظر الإنجليز.

وعن أهميتها لهم فكان جوابي أن اعتقادي أن كل اهتمام الإنجليز الآن موجه إلى الحوادث الأخيرة لأنهم أنفسهم توسطوا في العفو عن المحكوم عليهم في الجرائم السابقة وأحس أنا من نفسي بأن الحالة بيننا وبين الإنجليز بعد تقرير 28 فبراير أصبحت شبه مهادنة كالتي تحصل بعد الحروب بين البلاد المتحاربة وبعضها وأنهم أسدلوا ستارا على كل الأشياء القديمة ولذلك كان رأي أن التوسع في الكلام عن الجمعية السابقة التي كان فيها المرحوم عبد اللطيف بك عضوا لايهم الإنجليزي ولا يفيد شيئا في التحقيق الجاري.

إذن ظهر المخفي وبان أن شفيق منصور يريد أن يعمل ما يستطيع كلي ينقذ نفسه من الإعدام الذي أعد له ولذا تراه يسأل عن مدى تأثير اعترافاته على الغير في نظر الإنجليز حتى يستحق الوعد الذي وعد به لأنه يعرف أنه بواسطة الإنجليز يمكنه أن يحصل عليه.

تأمل يا حضرة القاضي تحت هذه التأثيرات والعوامل ذكر شفيق ما ذكر له وكتب ما كتب له ولم يكن مختارا فيما يقول شفيق المحكوم عليه بالإعدام يراد به أن يكون على غيره.هل عند النيابة شيء آخر تعزز به أقواله؟ سكوت، إذن لا شيء غير أقوال شفيق تلك الجثة الهامدة التي تستحل اقتناص أرواح الأبرياء ويقدم بها المتهمون إلى المحاكمة لا إن ضميركم لا يسمح لكم بذلك.

الحادثة الحادية عشرة: حادثة حسن باشا عبد الرازق واسماعيل بك زهدي

(48) وقعت هذه الحادثة في 16 نوفمبر سنة 1922 وجاء عنها في تقرير شفيق ما يأتي:

أذكر أن الذي اقترحها ماهر بقصد التخلص من عدلي ورشدي لأن عدلي كان قد سافر للمفاوضة ولم يفلح ثم ألفوا حزب الأحرار الدستوريين لمساعدة الإنجليز كما عرف عنهم في ذلك الوقت وأشيع فتقرر هذا في اجتماع الحزب الذي حصل بيننا وبين ماهر والنقراشي وتحدد له اليوم المخصوص لاجتماع الحزب حتى يكون مثلا وحتى يمنع الاستمرار في أعمال الحزب.

هذا ما كتب له لأنه لم يكفهم أن يؤخذ الأبرياء بل يريدون تلويث سمعتهم بين مواطنيهم ولكن ستظهر لكم اليد التي تعمل في الظلام ويهمني هنا بمناسبة هذا الكلام أن أقرر علنا أنه ليس في حسابنا ولا في أعمالنا أن نلجأ إلى الإجرام للاختلاف السياسي نحن نخاصم ولكننا شرفاء في الخصومة ونجاد الخصوم ولكن بالتي هي أحسن وسنواصل الكفاح بطرق السلم لا بالاغتيال حتى نصل إلى أمانينا المنشودة بإذن الله.

كتب شفيق منصور بعد ما تقدم فأخبرت محمود إسماعيل بالأمر فذهب إلى أولاد عنايت فدرس الطريق ورسم لهم الخطة وأخذوا معهم محمد فهمي على وإبراهيم موسى كما علمت من بعد ذلك فأخطئوا وأصابوا المرحومين حسن باشا عبد الرازق واسماعيل بك زهدي وأخبرت عبد الحليم بالحادثة بعد وقوعها.

والواقع أن عبد الحليم البيلي سافر إلى أوربا مع وفد لوزان في 2 نوفمبر سنة 1922 وبقي هناك إلى 17 مارس سنة 1923 أليس كذلك يا عبد الحليم بك؟عبد الحليم بك نعم كذلك.مع أن الحادثة ارتكبت في 16 نوفمبر سنة 1922 ومع ذلك يتهم فيها عبد الحميد البيلي.

وهنا قال لطفي بك: علمنا بهذه الحادثة في شهر نوفمبر سنة 1922 أثناء انعقاد مؤتمر لوزان حيث كنت في أوربا وبصحبتي عبد الحليم البيلي في وفد لوزان.

النحاس باشا إني أذكر كل ما يفيد المتهمين جميعا لا فرق عندي بينهم لمجرد الاختلاف الحزبي وليس من شأننا إلقاء العبء على عاتق غيرنا وليس من طريقنا الإجرام ولا شرب الدماء قال شفيق في ختام تقرير (18 يونيه) إني نسيت أن أذكر أننا في حادثة عبد الرازق وزهدي اجتمعنا أنا وماهر والنقراشي والشيشيني بقهوة مصر الجديدة قبل الحادثة ببضة أيام.جميع من ذكرهم كذبوه فيما يختص بماهر والنقراشي حتى الذين منهم اعترفوا على أنفسهم وعلى غيرهم كما سترون.

ذكر أولا: أن الذي حضر الاجتماع هو ماهر والنقراشي ثم ثانيا وفي ذيل التقرير قال إن الشيشيني حضر الاجتماع أيضا وذكر ثالثا في تقرير 19 يونيه أنه حضره معهم آخرون وهو كلام ينقض بعضه بعضا فقد سمعتم من البيلي الآن أنه كان متغيبا عن القطر قبل وقوع الحادثة وبعد وقوعها ببضعة أشهر

ومثل هذا وأبلغ منه ما أدعاه على النقراشي حيث قال: إنه حضر الاجتماعي بمصر الجديدة قبل الحادثة ببضعة أيام للاتفاق على ارتكابها ثم تلا ذلك الترتيب والتدبير والتنفيذ مع أن النقراشي كان في ذلك الحين معتقلا في قصر النيل اعتقلته السلطة العسكرية في 14 أغسطس سنة 1922.

وهاهي ذي الجريدة المنشور فيها الاعتقال جريدة اللواء الصادرة في 15 أغسطس سنة 1922 تحت عنوان اعتقال موظف وافرج عنه في يوم 15 نوفمبر سنة 1922 أي يوم وقوع الحادثة ونشر الخبر تحت عنوان الإفراج عن ثلاثة معتقلين وهم الأستاذ الغاياتي والنقراشي بك وعبد الستار الباسل بك ونقدم لحضرتكم عددي الجريدتين المذكورين.

فكيف يتصور بعد ذلك أن النقراشي اجتمع بشفيق قبل الحادثة ببضعة أيام في مصر الجديدة مع أنه كان معتقلا في قصر النيل؟ ثم اتجه النحاس باشا إلى الحاضرين وقال اسمعوا يا رجال السياسية يا رجال الأحرار الدستوريين أنهم يريدون أن يفرقوا بيننا وبينكم بالباطل ولكنهم لن يصلوا إلى غرضهم فإننا كلنا مصريون وسنظل مصريين عاملين معا للوصول إلى حقوقنا المقدسة بالطرق السلمية لا بوسائل الإجرام وسنصل إليها بإذن الله..

الآن تقدم النيابة المتهمين لا حالتهم إلى محكمة الجنايات بناء على أقوال شفيق، هذا كثيرا جدا من التلفيق على الأبرياء.فهل عند النيابة شيء جديد تعزز به أقوال شفيق؟لا جواب إذن ليس لديها دليل خلال تلك الأقوال.إلى الرجل الذي تكذبه الماديات يجب ألا يؤخذ بأقواله.

بالأمس أظهرنا فضيحة تقرير 18 يونيه فقال حضرة سيد بك مصطفى إنه سبق أن أطلع على هذا التقرير قبل يوم 18 يونيه وإنه أجرى بشأنه تحقيقا في 15 يونيه ولكنه كان بغير تاريخ فرده ليوضع عليه تاريخ.

وهذا غير صحيح فإن سيد بك أثبت في محضر أنه أطالع على تقرير عمله شفيق ونقل منه ما يتعلق بحادثة حسن باشا عبد الرازق وإسماعيل بك زهدي فهل ذكر كل ما يتعلق بها وكل ما جاء في التقرير عنها؟

كلا بل ترك أشياء هامة كانت أول ما تلفت نظر المحقق ولكن كما قلنا لحضرتكم بالأمس أن التقرير لم يكن كاملا في يد سيد بك عندما أثبت منه في محضره يوم 15 يونيه القسم الخاص بحادثة عبد الرازق باشا وزهدي بك لأنه لم يكن وصله إلا جزء فقط حضره المعمل الذي تصنع فيه هذه التقارير ولذلك لم يكن كله تحت نظر سيد بك يوم 15 يونيه وإلا لو كان كذلك واطلع عليه حقيقة لما فاته أن ينقل منه ما جاء بصحيفة 32 خاصا بتعين المكان الذي حصل فيه الاجتماع المزعوم بمصر الجديدة لتقرير هذه الجريمة والأشخاص الذين اجتمعوا فيه.

وقد ورد بالصحيفة 32 من هذا التقرير ما نصه: نسيت أن أذكر أننا في حادثة المرحومين حسن باشا عبد الرازق واسماعيل بك زهدي اجتمعت أنا وماهر والشيشيني والنقراشي بالقهوة التي يمصر الجديدة أمام اللو كاندة الكبرى قبل الحادثة ببضعة أيام.

ولما تم قرارنا على أن يحصل الاعتداء على عدلي ورشدي بمناسبة تكوين الحزب الجديد وكان ذلك حوالي سنة 1922 على ما أتذكر ولكن لسوء الحظ بعد أن صدر القرار بذلك وأبلغت إلى محمود إسماعيل ذلك وترتب كل ما يلزم للقائمين به اعتدوا على حياة المرحومين عبد الرازق باشا وزهدي بك فذهبا ضحية الخطأ.

هذا التفصيل يا حضرة القاضي الذي يمتاز عن سابقة بتعيين مكان الاجتماع وبذكر أشخاص لم ترد أسماؤهم فيما ذكره أولا في صحيفتي 19و 20و 11و 12 كما ذكر سيد بك سهوا في الجلسة السابقة له أهميته في التحقيق بدليل أن سيد بك مصطفى فتح محضرا للتحقيق في أقوال شفيق عن هذه الحادثة فلو كان هذا موجودا وقت إطلاع سيد بك على التقرير في 15 يونيه لما تردد في ذكره ولكن الحقيقي أنه لم يكن قد وصل إليه ولا أطلع عليه إنما اكتفى بإجراء التحقيق بخصوص الجزء الذي تم ترتيبه في معمل التلفيقات ولم يذكر غيره لأنه لم يكن ثم طبخة بعد..

أكثر من ذلك دليل رسمي جديد مادي آخر يثبت أن التقرير بكامل أجزائه لم يكن قد وصل النيابة بعد وإنما كان يصلها تباعا بعد تمام ترتبيه وتلفيقه.

قال حضرة سيد بك مصطفى بالأمس: إن هذا التقرير كان موجودا يوم 18 يونيه بالمحكمة واطلع عليه حضرة القاضي عند نظر المعارضة في ذلك اليوم وهذا غير صحيح لأن التقرير لم يطلع عليه القاضي بل ولم يكن موجودا في يد النيابة وأن ما ذكره سيد بك بما عنده من المعلومات الخاصة به جاء في محضر جلسة المعارضة في 18 يونيه سنة 1925 بالصحيفة 23 أن النيابة تطلب رفض المعارضة.

وأن التحقيق مستمر وأن شفيق قدم تقريرا وأن النيابة تطلب رفض المعارضة وإن التحقيق مستمر وأن شفيق قدم تقريرا وأن النيابة تجري التحقيق فيه بصفة سرية وقال سعادة مصطفى باشا النحاس إنه يجب أن يطلع المحامي عن المتهمين على هذا التقرير ليرى إن كان فيه ما يجيز حبس المتهمين ثم قال ويجب على حضرة القاضي أن يأمر بالاطلاع على التقرير لنرى ما به والقول بغير ذلك حرمان لما للمتهمين من الحق في الدفاع عن أنفسهم والمسألة الآن محددة وهي وجود هذا التقرير.

والنيابة أي سيد بك مصطفى قالت عن التقرير إنها لم تبتدئ في تحققه ولا تود أن تحصل فيه مناقشة الآن. وبعد المرافعة قررت المحكمة قبول المعارضة شكلا وموضوعا استمرار حبس المتهمين لبعد باكر حتى تطلع المحكمة على الأوراق التي لم يتيسر للنيابة تقديمها الأن وفي جلسة بعد باكر أي في يوم السبت 20 يونيه سنة 1925 وهي اليوم الذي ورد فيه التقرير بخطاب الحكمدار وخطاب الضابط الحارس قرر القاضي رفض المعارضة واستمرار الحبس.

وهذا قاطع في أن التقرير لم يكن موجودا لدى النيابة في يوم المعارضة وهو 18 يونيه وتفسير هذا أنه لغاية يوم 18 يونيه لم يكن قد تم تحضر التقرير في معلمة فلما قرر القاضي استمرار الحبس ليومين للاطلاع على التقرير اضطروا إلى اقفاله وإلا لا ستمر باب التلفيق مفتوحا إلى أن تدبر أمور أخرى تضاف إليه.هذا هو تفسيري للحادثة للشنيعة التي اشتركت النيابة في عملها والتستر عليها.

كلمة ختامية

(49) ونحن نحمد الله تعالى أن مثلنا أمامكم وظهرت الحقائق وانكشف المستور من عمل النيابة والسلطات في هذه القضية.

هذه يا حضرة القاضي هي تدبيراتهم على اغتيال هذه الأرواح الطاهرة الغالية وليس لنا ملجأ إلا عدل القضاء النزيه الذي لا تدنسه المؤثرات ولا تدفعه الشهوات ونحن على يقين بأن ضميرك يا حضرة القاضي وقد تجلت الحقيقة أمامكم بما لا يدع مجالا لأي لبس فيها لن سيمح لك ضميرك الذي لا يطلع عليه غلا الله العزيز المنتقم الجبار أن تحيلنا إلى محكمة الجنايات لنكون وقودا لنار هذه المؤثرات وأطلب إلى الله جل وعلا أن يثبتك في إيمانك وأن يبعد عنك هذه المؤثرات الأثيمة وأدعوه تعالى أن يمنعك بنعمة القناعة فتقضى بينك وبين الله بالحق الذي تراه

مرافعة مكرم عبيد باشا المحامي

أرجو حضرة الباقي أن يعذرنا إذا ما طمعنا في الكثير من وقته وسعة صدره فهذا الكثير إنما هو قليل بإزاء ما نطمع فيه من عدله وحسن تقديره ولقد شاء الله أن يبلوك فجعل حياة المتهمين وديعة بين يديك وأن يشرفك فصور العدل كلمة تخرج من بين شفتيك قاض فإنك لقضائك مطمئون.

القضية الخامسة:الإغتيالات السياسية

غير أن القضية ليست قضية المتهمين فقط بل هي من وجهتها العامة قضية خطيرة في ذاتها وفي نتائجها وليس ذلك لأنها قضية حزب من الأحزاب فإن شفيق منصور كان سخيا في توزيع التهم على أحزاب مختلفة ولكن القضية قضية الوطن المصري والنهضة المصرية من وجهتها السياسية وقضية الحرية الشخصية أو مأساتها من وجهتها الجنائية.

فمن الوجهة السياسية تنحصر القضية في نقطة واحدة وهي حدوث حقيقة أن عددا من كرام المصريين الذين اشتركوا في النهضة المصرية ووهبوها أقصى ما في نفوسهم من خير ومن جهد فقد اشتركوا في جرائم القتل السياسية فكانوا في الواقع قتلة سفاكين لدماء الأبرياء من الإنجليز وغير الإنجليز؟

أقول كلا وأنادي بملء فمي كلا ويكفى للتدليل على براءتهم أن أقول إنهم وطنيون ومخلصون في وطنيتهم لأن الوطنية وهي الفضيلة القصوى لا تتفق مع القتل وهو الرذيلة السفلى ولأنه من المحال أن يكون الشر سبيلا إلى الخير كما أنه لم يقل أحد إن الخير طريق إلى الشر ولأنه ما من حق مهما سما يتعارض مع الحق الأسمى وهو حق الحياة.

فإذا استنكرت الوطنية المصرية جرائم القتل فليس ذلك لأنها ضارة بنا أو بغيرنا فحسب بل لأنها شر في ذاتها وما نحن إلا طلاب خير، ولأنها اعتداء على حياة الغير وحريتهم وكل ما نطلبه هو أن نعيش تحت الشمس أحرار ولأنها ظلم بين وما نحن إلا طلاب عدل وحرام ألف حرام أن نضيف إلى مظالم الغير ظلما من أنفسنا لأنه إذا صح أن الظلم في يد القوى قوة فهو في يد الضعيف ضعف وسخافة.

إن اليد التي مددناها ولا زلنا نمدها إلى الإنجليز والأجانب يد شريفة طاهرة كما أنها يد حرة أبية فإن أخذوها فهي لهم وإن رضوها فالله لنا.

أما من الوجهة الجنائية فإني آسف جد الأسف لأنني كمصري اراني مضطرا للطعن على تصرفات هيئتين محترمتين من نظامنا المصري ألا وهما النيابة والبوليس ويزيد أسفي لأني كرجل من رجال القانون أرى من واجي أن أقرر أن كثيرا من تصرفات النيابة في هذه القضية كانت مخالفة تمام المخالفة للقانون في نصه وروحه والواقع أن هذه القضية هي قضية الاستثناءات ولا أظن أن هناك قضية كان الاستثناء فيها قاعدة مثل هذه القضية التعسة.

فالأصل في التحقيق مثلا أن يكون التحقيق مع المتهم أما هنا فالتحقيق يدور حوله، وإن يستجوب المتهم عند القبض عليه أما هنا فالمتهم يبقى أسابيع بل وشهوا عديدة دون أن يستجوب إلا مرة أو مرتين والأصل أن يكون التحقيق علنيا أما هنا فهو سري وأن يحضر المحامي مع المتهم في التحقيق ليدافع عنه أماهنا فالمرة الوحيدة التي سمحت فيها النيابة لمحام بأن يحضر التحقيق مع المتهم كانت عندما أراد المتهم أن يتهم الغير لا أن يدفع التمة عن نفسه والأصل أن تكون الشهادة شفهية.

أما هنا فكتابية وأن يكون الدليل هو الأصل والاستدلال هو الاستثناء أما هنا فالعكس هو الواقع والأصل أن يكون الشاهد حرا راشدا أما هنا فالشاهد الأساسي سجين محكوم عليه بالإعدام وأن يكون الشاهد على الأقل حيا يتكلم ويسمعه الناس أما هنا فالشاهد الأساسي ميت لا تسمع شهادته والشهود الآخرون سماعيون عن شاهد لا يمكن سماعه.

الأصل يا حضرة القاضي ألا يحبس المتهم حبسا احتياطيا حتى يقوم عليه الدليل أما هنا فالمتهمون حبسوا أشهرا عسى أن يقوم عليهم دليل الأصل ألا يسجن إنسان سجنا انفراديا لمدة أكثر من أسبوع بشرط ألا يكون محكوما عليه في جريمة أولا وارتكب ما يخالف لوائح السجن ثانيا أما هنا فقد حبس المتهمون حبسا انفراديا بدل الأسبوع الواحد أربعين أسبوعا تقريبا ولم يحكم عليهم في تهمة ما.

غير أن ما تقدم ليس إلا نموذجا من تصرفات النيابة العمومية قبل رفع الدعوى أما تصرفها بعد رفع الدعوى فهو أدعى إلى الدهشة والأسف لأنه إذا احتملت الاستثناءات والاعتداءات على القانون قبل رفع الدعوى فلا يمكن أن تطاق بعد رفعها ولم يسمع أحد أن دعوى قتل خطيرة ترفع بمثل هذه الأدلة أو القرائن والشبه.

وإني حقيقة أحسد النيابة على حسن ظنها في الأشياء ولا أظن أنه يوجد كثيرون من رجال القانون ينظرون إلى هذه التهمة بالمنظار الذي تنظر به النيابة ولعل السبب في ذلك أن النيابة تنظر بعين البوليس لا بعينها وهذا مؤسف له لأن البوليس شيء والنيابة شيء آخر فالبوليس أداة اتهام ومأموريته أن يكشف عن الجرائم بل وفي بعض الأحيان تبلغ به الحماسة إلى حد أن يكتشف الجريمة إذا لم يكشفها ويوجدها أما النيابة خصوصا النيابة في مصر فواجبها القانوني هو أن تجمع بين وظيفة الاتهام والتحقيق فهي تتهم مع البوليس وتحقق ضده لأن كل تحقيق مبدأه وقاعدته أن المتهم برئ إذا لم يثبت عكس ذلك.

غير أن النيابة اتهمت المتهمين وقدمتهم لقاضي الإحالة مع أن مركز القضية اليوم أحسن منه في أي زمن مضى ومع أن في يدنا الدليل الذي لا ينقض على أن النيابة لم تكن تنوي تقديم القضية إلى قاضي الإحالة بل كانت تنوي الإفراج عن المتهمين وحفظ التهمة ضدهم.

ولسنا نلقي الكلام جزافا فالأدلة على ما نقول صريحة في ذلك وهي:

(أولا) إعدام شفيق منصور.

(ثانيا) شهادة إسماعيل باشا صدقي.

(ثالثا)الإفراج عن الأستاذ الشيشيني وعدم القبض عليه.

(1) أما إعدام شفيق منصور فهو قاطع في أن النيابة لم تكن تعطي لأقواله أي قيمة نعم إن شفيقا كان محكوما عليه بالإعدام وأقواله تؤخذ على سبيل الاستدلال على أي حال ولكن النيابة تعلم جيدا أن كل شاهد يجب أن يسمع بحضور المتهم أمام المحكمة وللمتهم الحق في استجوابه واستيضاحه كما هو منصوص عليه في الماديتين 134و 135 جنايات فلو أن النيابة كانت تنوي وقتئذ رفع الدعوى على ماهر والنقراشي لما أعدمت شفيق منصور وعرضت نفسها لمخالفة القانون مخالفة ظاهرة.

(2) غير أن هناك ماهر أشد وأقطع في الدلالة على صحة ما نقول فقد نشر سعادة إسماعيل باشا صدق وزي الداخلية سابقا بيانا هاما في جريدة السياسة قال فيه (إن شفيق منصور كان كثير التردد في أقواله يعترف حينا بأمور ينقضها فيما بعد

وكان شديد الفزع للإعدام فأبلغت شفيق منصور أنه إذا قرر الحقيقة كلها وقام البرهان على صحة قوله وترتب على إقامة البرهان إدانة من يرشد عنهم من المجرمين والحكم عليهم فإذ ذاك يلتمس له عفو يخفف عقوبة الإعدام ولم يصرح إذ ذاك شفيق بأكثر مما قاله من قبل ولم يقم عليه دليل فكانت النتيجة تنفيذ حكم الإعدام.

ويلاحظ قوله هنا أنه لم يقم عليه دليل فهذا التقدير ليس طبعا من عنديات الحكومة بل جاء بناء على رأي النيابة القائمة بالتحقيق ويلاحظ أن شفيقا أعد في شهر أغسطس سنة 1925 أي أنه إلى ذلك التاريخ لم يقم دليل على صحة أقواله في اعترافاته المختلفة.

ومن المهم أن يلاحظ أيضا أن أقوال نجيب الهلباوي الواردة في تقريره المؤرخ في 5 فبراير وشهادة علي حنفي ناجي بتاريخ 17 مارس وهما الشهادتان الأساسيتان في تقرير الاتهام لم تعرهما النيابة أو الحكومة أدنى أهمية

ولم تعتبرها دليلا على أقواله شفيق بدليل أنها أعدمته بعد أن أبدى الشاهدان أقوالهما بمدة طويلة تلت حكم الإعدام وبقي فيها ماهر والنقراشي معتقلين ولم يستجد فيها أي دليل اللهم إلا شهادة يعقوب صبري بالنسبة لأحمد ماهر وهي شهادة لا قيمة لها قانونا وموضوعا كما سنبين بعد أما النقراشي فلم يستجد أي دليل بالنسبة له بعد إعدام شفيق.

والواقع أن النيابة كما هو ثابت من محاضر معارضة ماهر والنقراشي لم تعتمد على تلك الأقوال بك كانت تنتظر أن يقوم على المتهمين دليل مادي إما من طريق حادثة مصطفى حمدي أو انتظارا لأشخاص قادمين من أوربا أو لإثبات علاقة بين المتهمين وأشخاص قبض عليهم حديثا هذه هي الأسباب التي تعلل بها النيابة معارضتها للإفراج عن المتهمين

ولكن لم يثبت أي شيء مما كانت النيابة تنتظره فلذلك قلنا إن مركز القضية الآن أحسن منه في أي زمن مضى ولا ندري لماذا قدمت النيابة المتهمين للمحاكمة مع أن مركزهم الآن بعد أن صفى قد أصبح أبعد من الشبهات مما كان في وقت إعدام شفيق منصور عنما كان النائب العمومي والحكومة مع يريان أنه وإن لم يقم أي دليل على ما قاله شفيق فقد يأتي الدليل المادي من يد القدر.

ثالثا: الإفراج عن الأستاذ الشيشيني: بعد اعتراف شفيق في 21 مايو وقوله إن الشيشيني كان عضوا استشاريا ولكنه لم يوافق على جريمة السردار ولم تر النيابة لهذه الأقوال قيمة فأخرجت عنه وبقي مفرجا عنه إلى الآن لأن كل ما قيل ضده صدر من شفيق منصور الذي لم تعر النيابة أقواله أدنى أهمية ثم إن مركز الأستاذ الشيشيني هو الآن أحسن منه فيما مضى لأنه لم يقم ضده أي دليل مدي فما الذي دعا إلى رفع الدعوى عليه وطلب القبض عليه من جديد مع أن النيابة لم تر مسوغا للقبض عليه شهورا هذا عددها؟

أليس هذا الدليل مضافا إلى الدليلين السابقين صريحا في أن النيابة لم تكن تنوي رفع الدعوى ولكنها اضطرت إلى ذلك اضطرارا لأسباب لا يعلمها إلا الله ولقد نتج عن تصرفها هذا أن المتهمين فقدوا ضمانة جديدة بينما هي لم تربح شيئا.غير أننا إذا فقدنا ضمانة واحدة في النيابة فلنا في القضاء كل الضمانات.

قال حضرة القاضي في جلسة الأمس إن أقوال شفيق منصور يمكن أن تؤخذ على سبيل الاستدلال إذا تعززت بأذلة أخرى غير أني أضيف إلى قول حضرة القاضي أنه من المحال أن تؤيد أقوال شفيق بأدلة يقبلها القانون وأكرر أن هناك استحالة قانونية لأن جميع الأدلة التي تستند عليها النيابة لا يصح قانونا أن تعتبر أدلة وذلك لأنها هي أيضا لا يمكن أن تؤخذ إلا على سبيل الاستدلال ومن ثم فلا يجوز لقاضي الإحالة أن يحيل هذه القضية على محكمة الجنايات لأن المادة 12 من قانون محاكم الجنايات تحتم عليه ألا يحيل القضية إلا إذا كانت الدلائل كافية ومعنى بذلك أنها يجب أن تكون كافية قانونا وموضوعا فإذا كانت الشبه أو الدلائل لا تصلح لأن تكون أدلة بالمعنى القانوني لأنها لن تؤخذ إلا على سبيل الاستدلال فلا يمكن أن تعتبر هذه الدلائل كافية من الوجهة القانونية.

قصارى القول أنه إذا كانت جميع الدلائل التي في القضية لا يمكن أن تؤخذ إلا على سبيل الاستدلال فهي لن تصلح كأدلة قانونية ولا يصح إحالة القضية بمقتضاها لأن الإحالة تكون عبثا إذ إن محكمة الجنايات أو أي محكمة أخرى.

لا يمكنها أن تحكم بناء على شهادات استدلالية فقط، وهذا يدهى ومسلم به من جميع الشراح ويكفي أن نستشهد هنا بحكم محكمة جنايات مصر الصادر في 6 مارس سنة 1905 فقد جاء فيه ما يأتي:

لا يصح في الإدانة الارتكان على شهادة شهود دونت في محاضر التحقيق بل يجب سماع شهادتهم ومناقشتهم أمام المحكمة فإذا كانوا أجانب ولم يحضروا بعد أن اتخذت الإجراءات الإدارية لإخطارهم ولم يكن في الدعوى دليل آخر يكفي للإدانة وجبت تبرئة المتهم ثم جاء في حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 28 أكتوبر سنة 1892 أن الشهادة التي تتلى من المحاضر لا يمكن أن تعتبر إلا بصفة معلومات على سبيل الاستدلال وعند عدم وجود دليل آخر لا تكفي أن تكون بمفردها أساس للحكم.

ولا نزاع في أن جميع الدلائل المقدمة من النيابة في قضيتنا هذه كلها استدلالية ولا يوجد دليل واحد في الدعوى يعزز ذلك الاستدلال فأقوال شفيق منصور هي باعتراف الجميع مجرد معلومات لا يمكن أن تؤخذ إلا على سبيل الاستدلال.

والواقع أنه قد اجتمعت فيها جميع العيوب القانونية فهي أقوال صادرة من محكوم عليه بالإعدام (المادة 25 عقوبات) وفي تحقيقات كتابية وسرية، بينما المادة 134 جنايات تحتم سماع الشهود بحضور المتهم لأنها تخوله حق استجوابهم والمادة 82 تنص صراحة على أن شهادة الشهود بغير حضور المتهم تسمع على سبيل الاستدلال.

ونجيب الهلباوي يقول إنه ناقل عن شفيق والشهود السماعيون لا تسمع أقوالهم إلا كمجرد معلومات تعطي على سبيل الاستدلال وفي انجلترا لا يصح سماع مثل هؤلاء الشهود بالمرة بل ولا يصح توجيه أسئلة سماعية إلى الشهود والحكمة في ذلك ظاهرة فالشاهد قد يكون سمع خطأ أو فهم خطأ أو نسي ما سمع أو لم يسمع بالمرة وادعى السماع كذبا وكل هذا مفترض وجائز في شهادة نجيب الهلباوي بغض النظر عن موضوع الشهادة.

وكذلك شهادة علي حنفي ناجي، فهي سماعية ولا قيمة لها قانونا إلا على سبيل الاستدلال.بقيت شهادة يعقوب صبري بالنسبة لأحمد ماهر وهذه أيضا لا يمكن أن تعتبر دليلا قانونيا بل هي أقل قيمة من الشهادة السماعية لأن يعقوب صبري لا يدعي أنه عرف أو سمع أن أحمد ماهر عضو في الجمعية بل يظن أو يستنتج ذلك فقط من حادثة مصطفى حمدي فشهادته إذن استنتاجية محضة ولا يمكن أن تؤخذ كدليل بل ولا على سبيل الاستدلال.

والرواية التي يرويها عن حادثة مصطفى حمدي إذا فرضنا صحتها وهي في الواقع ليست صحيحة فلا يمكن أن يستنتج منها أن أحمد ماهر كان عضوا ف جمعية إجرامية أو أن مصطفى حمدي نفسه لا يدعي أن أحمد ماهر بقي في هذه الجمعية وأنه اشترك في الاعتداء على الوزراء المصريين وأنه استمر أيضا في النهاية واشترك في قتل الإنجليز وليس من المعقول أن كل ذلك يثبته مجرد استنتاج يعقوب صبري أن أحمد ماهر كان عضوا في سنة 1919 كأن يستنج ذلك أيضا عن عبد الرحمن بك الرافعي وسليمان أفندي حافظ.

إذن ليس في القضية إلا دلائل سماعية أو استنتاجية فضلا عن أقوال شفيق منصور وكل هذه الدلائل لا تزيد على معلومات بسيطة تؤخذ على سبيل الاستدلال وليس هناك دليل واحد يؤيدها وبما أن قاضي الإحالة لا يمكنه أن يحيل القضية إلا إذا كانت الدلائل كافية قانونا وموضوعا وهنا الدلائل غير كافية قانونا وستبقى كذلك إلى ما شاء الله لأنها سماعية عن شخص توفى إلى رحمة الله فلا يصح إذن إحالة القضية لأن الأدلة غير كافية من الوجهة القانونية كما ثبت أنها غير كافية بل لا أساس لها مطلقا من الوجهة الموضوعية.

عجزت النيابة عن أن تقيم الدليل على كل حادثة من الحوادث المنسوبة إلى المتهمين فلم تر بدا من أت تختبئ وراء تقرير شفق منصور وقالت: إن الدليل على المتهمين هو دليل عام أي أنهم أعضاء معه في جمعية سرية رئيسية واتفقوا معه على كل حادثة من الحوادث غير أن هذا الدليل لا أساس له من الصحة كما سأثبت ذلك في البحث التالي فإذا انهار هذا الدليل وهو كل القضية انهارت القضية معه.

تكلم شفيق منصور طويلا عن نظام الجمعيات منذ أيام الورداني وتوسع في ذلك بشكل أقر إلى الروايات منه إلى الحقيقة ولما كان لابد له من أن يكتب تقريرا مطولا عن نظم الجمعيات السرية وتاريخها في مصر طمعا في الخلاص من جهة وتحقيقا لرغائب البوليس من جهة أخرى لأنه من شهادة الصاغ سليم أفندي زكي أنه اتصل بشفيق وحادثة في موضوع تقرير 20 يونيه الي كن شفيق قائما بكتابته في السجن.

وقتئذ كما اعترف شفيق أن البوليس كثيرا ما كان يلازمه من الساعة الثامنة صباحا إلى التاسعة مساء وسيأتي الكلام عن ذلك طويلا في بحثنا عن أسباب الاعترافات وظروفها نقول إنه لما كان على شفيق أن يعترف وأن يتهم عسى أن ينجو بنفسه باتهام غيره فقد أطلق العنان لخياله وأكاذيبه فكون الجمعية تلو الجمعية والفرع تلو الفرع واتهم ثم برئ ثم اتهم ولم يكن للاتهام أو للتبرئة إلا معنى واحد وحكمة واحده وهي تخليص نفسه من الإعدام.

والواقع أنه إذا فرضنا صحة أقواله عن نظام الجمعيات القديمة منذ أيام الورداني فالظاهر من نفس أقواله أن هذا النظام تفكك مع الزمن والثابت من بعض الأقوال التي جاءت على لسانه عفوا حتى في التقارير التي يتهم فيها الغير ومن أقوال المتهمين في قضية السردار ومن شهادة الشهود والمتهمين في القضايا الساقة بل ومن بعض أقوال رجال البوليس السري أن الجمعية التي اغتالت المأسوف عليه السردار التي قمت بحوادث الاغتيال الأخرى وأنه لم يكن هناك لجنة رئيسية وفروع بالمعنى وبالنظام الذي أشار إليه شفيق في تقرير 20 يونيه.

وأنه أي شفيق كان الكل في الكل في جميع حوادث الاغتيال كما جاء في أقوال بعض الشهود والادلة على ذلك عديدة بعضها ناتج من شهادة الشهود في قضية السردار وفي الحوادث القديمة وبعضها من اعترافات شفيق نفسه ومن الأقوال التي جاءت على لسانه عفوا في الوقت الذي كان فيه يتهم الغير ويدعي أن هناك لجنة رئيسية خفية مكونة من ماهر والنقراشي وغيرهما وإليك تفاصيل تلك الأدلة.

ظروف قضية السردار: ثبت في تلك القضية أن جميع المتهمين كانوا يعرفون بعضهم البعض وكانوا يجتمعون معا ويتزاورون اللهم إلا واحدا أو اثنين من العمال الذين كان يتصل بهم إبراهيم موسى وكانوا مع ذلك معروفين لشفيق ولبعض الأعضاء فلما اعترف عبد الفتاح عنايت في مبدأ الأمر اعترف على نفسه وعلى أخيه وعلى شفيق منصور ومحمود إسماعيل ومحمود راشد وكذلك علي إبراهيم موسى وراغب حسن من العمال ثم قال: وكان أخي عبد الحميد هو الرسول بين الجمعية التي يرأسها شفيق وبين أفراد الجماعة من العمال ثم قال إنه عرف بعض العمال بواسطة شفيق نفسه.

يستنتج من ذلك أنه لم يكن هناك نظام مثل الذي يدعيه شفيق في تقريره والذي يقضي بأن يكو لكل عضو في اللجنة الرئيسية فرع أو عضو آخر متصل به ولهذا الفرع فرع آخر يعرفه ولا يعرف الأصل وهكذا إلى آخر ما جاء في تقريره بل الثابت هنا على الضد من ذلك أن شفيق منصور ومحمود إسماعيل وعبد الفتاح وعبد الحميد ومحمود راشد يعرفون بعضهم وجماعة أصدقاء كانوا يجتمعون تارة في مكتب شفيق منصور

وتارة في منزل أولاد عنايت وتباحثوا في قضية السردار معا وتناقشوا فيها مرارا فهم هم الجمعية المدبرة، وكان الرسول بين الجمعية والعمال عبد الحميد عنايت كما جاء في أقوال عبد الفتاح بل ثابت أن شفيق منصور الذي يقول عنه عبد الفتاح إنه رئيس الجمعية كان يعرف العمال أيضا المنضمين إلى الجمعية الذي عرف عبد الحميد بإبراهيم موسى وقال له: أن يثق به.

فالجمعية السرية هي إذن خليط من أصدقاء يرأسهم شفيق ومن عمال يعرفهم شفيق وكلهم أو جلهم يعرفون بعضهم البعض وأحسن ما وصفت به هذه الجمعية قول محمد فهمي على إحنا شلة مع بعض فأين هذا من النظام المعقد الخفي الذي يشير إليه شفيق في تقريره.

شهادة عبد الحميد عنايت

وقيمة هذه الشهادة وشهادة عبد الفتاح عنايت ومحمود إسماعيل أن شفيق قال عنهم إنهم يعرفون علاقة ماهر والنقراشي بالجمعية وبشفيق.

س: هلا تعرف أن هناك لجنة رئيسية شفيق أحد أعضائها؟

ج_ أنا ما كنت أعرف أن هناك لجنة رئيسية إلا من التحقيق وكل ما كنت أعرفه أن اللجنة هي هي وأن شفيق رئيسها ثم قال إنه لا يعرف ماهر والنقراشي.

وأبلغ من ذلك وأقطع في الدلالة ما قاله: أريد أن أقرر أننا لما كنا في المحكمة في قفص الاتهام قال لي شفيق بأنه سيقدم تقريرا وأطلب منك أن توافقني على كل ما سيذكر به لأنه من مصلحتنا فقلت له طيب: ولكن كان في نيتي ألا أوافقه إلا على ما أعرفه فقط.

وهو يدعي أخيرا في حادثة السردار بأنه لم يكن موافقا على الحادثة مع أنه كان موافقا عليهما تماما خصوصا في الاجتماع الذي حصل بمنزلنا وقال لنا اجدعنوا بقي وخلصوا لنا الشغلة دي ولم يقل انتظروا لما استشير الغير وما سمعناهشي منه في أي حادثة أما قوله بأني أعرف ما عرفه عن أعضاء الجمعية فقد ذكرت أسماء الأشخاص الذين أعرفهم وهم أعضاء الجمعية أما الأسماء الذين ذكرهم بأنهم أعضاء الجمعية فلا أعرف أنهم أعضاء كما لا أعرف عن هؤلاء الأشخاص شيئا وجميع الحوادث التي حصلت وقعت من أعضاء جمعيتنا.

فهل هناك أبلغ من هذا التكذيب الصريح لأقوال شفيق الذي ادعى أن ماهر أو النقراشي كانا عضوين معه في لجنة رئيسية وأن عبد الحميد يعرف ذلك؟

ويلاحظ أن هذا التكذيب جاء من شخص محكوم عليه بالإعدام وكان له كل المصلحة في أن يعترف على غيره عسى أن ينجو من الموت ولكنه قال في كل صراحة أن جمعيتهم هي التي ارتكبت جميع الحوادث وأن شفيق لم يقل لهم في أي حادثة من الحوادث أنه سيستشير الغير، وأن أعضاء الجمعية هم الذين ذكرهم هو دون سواهم ولا يعرف ماهر أو النقراشي.

وبمواجهة شفيق لعبد الحميد قال عبد الحميد: أنا قلت عنك لأنك كنت موجود معنا وإذا كنت أعرف شخصا آخر كان معنا كنت قلت عنه.

ويلاحظ أيضا أن عبد الحميد عنايت صديق صدوق لشفيق حتى أنه لما اعترف عبد الفتاح عنايت على شفيق واضطر عبد الحميد لذلك أن يقر الحقيقة بكي بكاء مرا أمام النائب العمومي إذ قال: وأنا في الحقيقة الدكتور شفيق صعبان على لأني عاشرته كثيرا ومن الصعب على نفسي أن أقول عليه ثم بكى.

فهل من المعقول أن الشخص الذي يعترف على صديقه شفيق وهو يبكي يحجم عن الاعتراف ضد ماهر أو النقراشي الذين لا يعرفهما ولا صلة له بهما إذا كان كما يقول شفيق يعلم حقيقة أنهما في الجمعية؟ أظن أن هذا لا يقبله عقل.

شهادة عبد الفتاح عنايت

لم يقتصر الأمر على عبد الحميد فإن عبد الفتاح عنايت الذي كان أول المعترفين في قضية السردار والذي اعترف على أخيه نفسه لم يتهم ماهر والنقراشي لأنه لا يريد أن يتهم الناس زورا وظلما وقد سأله سعادة النائب العمومي ما يأتي:

س: شفيق منصور قرر أخيرا أنه عضو في لجنة رئيسية أنتم تعرفون أعضاءها.

جـ : لا أعرف ذلك ثم يتلو ذلك ملحوظة المحقق ذكرنا له أسماء الأشخاص الذين ذكرهم شفيق في تقريره وأقواله بأنهم أعضاء الجمعية الرئيسية فقال إني أسمع عن هؤلاء الأشخاص ولكني لا أعرفهم بصفة أنهم أعضاء في جمعية سرية ثم أعاد عليه السؤال.

س: هل ما زلت مصرا بأنك لا تعرف شيئا عما قرره شفيق فيما يختص بأعضاء الجمعية الرئيسية وذكرنا له الأسماء مرة أخرى.

جـ: أنا لا يمكن أن أتهم شخصا بدون أن أعرف حقيقته.

ويلاحظ هنا أن عبد الفتاح وعبد الحميد كانا من أقرب الأصدقاء إلى شفيق وكانا مطلعين على جميع أسرار الجمعية فكانا يعلمان بمسألة مصطفى حمدي ووفاته في حلوان

وغير ذلك من شئون الجمعية فلو أن ماهر والنقراشي كانا عضوين في الجمعية لعرف أولاد عنايت ذلك تمام المعرفة، لأن شفيق نفسه يقول إن أولاد عنايت ومحمود إسماعيل يعرفون أعضاء اللجنة الرئيسية وعلاقة شفيق بهم ولكن عند سؤال أولاد عنايت عن ذلك قرروا صراحة أنهم لا يعرفون ماهر والنقراشي كأعضاء ولا يمكنهم أن يتهموا أبرياء ولا يعرفون غير شفيق رئيسا للجمعية.

والجمعية هي هي التي اعترفوا عنها إلى آخر ما جاء في أقوالهم التي أشرنا إليها سابقا والمهم هنا لو كان ماهر والنقراشي حقيقة عضوين في الجمعية لما أحجم عن ذكر ذلك عبد الحميد عنايت الذي اعترف على صديقه شفيق وهو يبكي ولا عبد الفتاح عنايت الذي اعترف على أخيه خصوصا أن ماهر والنقراشي لا تربطهما بأولاد عنايت أي صلة صداقة أو معرفة.

ولقد وصف عبد الفتاح كيف تكونت جمعيتهم في تقرير خاص قدمه إلى النيابة بعد الحكم عليه بالإعدام وهذه مقدمته بالنص هذه العصابة قامت بأعمالها بنظام غريب واستمرت ثلاثة أعوام متوالية قائمة بأعمال القتل السياسي، لما حضر الدكتور شفيق منصور من مالطة تعرف بنا وأخذ يتردد على منزلنا وأخيرا ترددت على مكتبه فعرفني بصديق له يدعى محمود إسماعيل.

ثم عرفني بعد ذلك بإبراهيم موسى وكنا عادة نتكلم في حوادث القتل حتى عرض على أخيرا محمود إسماعيل أن أكون واسطة بينهم وبين إبراهيم موسى والعمال وأخذ محمود إسماعيل يورد لنا السلاح وتعرفنا بعد ذلك بمحمود راشد و محمد فهمي النجار وأخذت العصابة تقوم بأعمالها.

وقد ناقش سعادة النائب العمومي عبد الفتاح عنايت في كيفية تكوين الجمعية فسأله.

س: شفيق منصور يقول بأنه لما عاد من مالطة وانضم إلى اللجنة الرئيسية التي كانت مكونة في ذلك الوقت علم بأنكم كنتم ترتكبون حوادث الاعتداءات الفردية ضد الإنجليز ولذلك كلف بالانضمام لكم؟

جـ : هذا غير صحيح بالمرة وهو الذي جرنا لارتكاب الجرائم.

شهادة محمود إسماعيل

ادعى شفيق أن محمود إسماعيل يعرف تكوين اللجنة الرئيسية وأعضاءها ولما سئل محمود إسماعيل كان المنتظر طبعا أن ينكر أن علاقة له بالجمعية وفعلا أنكر ومات مصرا على إنكاره،

ولكن المهم أنه أنكر معرفة ماهر والنقراشي بالمرة بينما هو اعترف بمعرفته لبعض الأعضاء الآخرين الذين ذكرهم شفيق ضمن اللجنة الرئيسية فلو كان محمود إسماعيل يعرفهما حقا ويعرف أنهما عضوان في الجمعية كما يقول شفيق أفما كان يعترف على الأقل بمعرفتهما كما اعترف بمعرفته غيرهم ممن اتهمهم شفيق؟

ومع ذلك فهو قال إنه لا يعرف ماهر وأنه لما يشوف النقراشي من بعيد يعرف أنه هو النقراشي وبمواجهة محمود إسماعيل بشفيق منصور قال له محمود إسماعيل أنا حكم علي بالإعدام ومفيش محل إذا كان حصل شيء كنت أقوله وإذا كنت عاوز تخلص نفسك ما يكونش بالشيء ده)

أقوال شفيق منصور نفسه

نعم إن شفيق منصور هو الذي قال بوجود اللجنة الرئيسية وأن ماهر والنقراشي عضوان فيها ولكن شفيق منصور لا يكون شفيق منصور إذا لم يتناقض وأن تلمح الحقيقة خلال تناقض هذا وها نحن أولاء نورد بعض أقواله التي تكذب دعواه.

(أ‌) الاعتراف الأول: لما اعترف شفيق منصور لأول مرة باشتراكه في جريمة السردار وكان ذلك في 28 مارس سنة 1925 كان من المعقول أن يعترف على شركائه في الحوادث القديمة بعد أن اعترف على نفسه وليس أعز على الإنسان من نفسه وفعلا اعترف شفيق منصور بأسماء شركائه ولم يذكر شيئا ما عن ماهر والنقراشي فقال بالحرف الواحد.

أما عن الحوادث السابقة فكان يشترك فيها أولاد عنايت عبد الحميد وعبد الفتاح ومحمود راشد وعبد العزيز علي وإبراهيم موسى ومحمد فهمي الذي كان يشترك معهم في بعض الأحيان كان محمود إسماعيل هو الذي يساعدهم على ارتكاب الحوادث بالآراء وكانوا يخبروني عن بعض الحوادث والأفراد الذين اشتركوا فيها.

(ب‌) اعتراف 14 أبريل سنة 1925: قبل ذلك الاعتراف بيوم واحد أي في 13 أبريل قدم شفيق منصور تقريرا إلى البوليس ومنه إلى النيابة يقول فيه إلى المرحوم عبد اللطيف الصوفاني بك وأحمد بك ماهر وعبد الرحمن الرافعي بك ومصطفى أفندي وشفيق منصور

كانوا أعضاء اللجنة الرئيسية في سنة 1919 واستمروا في أعمالهم ضد الوزراء المصريين وبعدئذ انضم إليهم النقراشي بك وكان عبد الحميد البيلي بك على اتصال بشفيق مباشرة وأن بعض الأعضاء مثل المرحوم الصوفاني بك والرافعي بك انقطعوا عن العمل بعدئذ إلى آخر ما جاء بهذا التقرير.

ففي يوم 14 أبريل دعاه سعادة النائب العمومي ليحقق معه في ذلك التقرير، ولكن بعد انتهاء التحقيق طلب شفيق منصور إلى المحقق أن يثبت أن التقرير الذي قدمه بالأمس بتاريخ 13 أبريل سنة 1925 لا صحة له بالمرة وأنه كتبه للدفاع عن نفسه وللخلاص من موقف صعب، وأنه شخصيا المسئول عن جميع الحوادث ولم ينشر أحدا من الأشخاص الذين ذكرهم ولم يذكر لهم شيئا عنها لا قبلها ولا بعدها وختم تقريره بقوله وما كنت أستشير إلا نفسي وأشهد الله على ذلك وهذا إقرار واعتراف مني بذلك.

وقيمة هذا التقرير الكبرى قائمة في أنه هو التقرير الوحيد الذي لم يكن للبوليس فرصة للتدخل فيه أو التأثير عليه بل قدمه شفيق للنائب العمومي مباشرة من تلقاء نفسه وفي أثناء التحقيق وقد كانت هذه المرة الأولى التي اجترأ فيها على التهام الأبرياء زورا وظلما فلم يحتمل تبكيت الضمير ولذلك كذب نفسه حالا على أثر انتهاء التحقيق في أقواله الأولى وكان هذا الوازع النفساني أكبر دليل على كذبه أولا وصدقه أخيرا.

ثم يلاحظ وهذا من الأهمية بمكان أن شفيق منصور لما عدل عن اتهام غيره لم يبرئ نفسه بل اصر على اعترافه بالنسبة لنفسه فقا إنه هو وحده المسئول عن جميع الحوادث وأن الآخرين أبرياء منها فلم يكن له إذن أي مصلحة في إنكار التهمة بالنسبة لغيره بل بالعك

فقد نتج عن ذلك المسئولية كلها انحصرت فيه مما يدل على أنه في إقراره لم يتوخ إلا الحقيقة وأنه قال الحق دون أن يحسب حسابا لنفسه مصغيا إلى صوت ضميره الذي أجفل وكانت هذه سقطته الأولى من اتهام الأبرياء.

(ث‌) الفروع: ادعى شفيق أن لكل عضو في اللجنة الرئيسية فرعا ولما ثبت جريمة السردار عليه وعلى شركائه لم ير مناصا من الاعتراف بأن فرعه هو الذي كان يشغل في حوادث الاغتيال.

أما الحوادث السابقة الخاصة بالوزراء فكان يشتغل فيها فروع أخرى وقد مضى عليها زمن طويل والبحث فيها لا يجدي فلما سئل عن فروع ماهر والنقراشي قال: إنه لا يعرف لجنة ماهر الفرعية ولا لجنة النقراشي.

والواقع أن شفيق لم يكن يعرف لجان ماهر والنقراشي لأنه لم يكن لهما لجان ولم يشتركا مطلقا في حوادث الاغتيال فلذلك قرر في اعترافاته في 21 مايو أنه لا يعرف فروع ماهر والنقراشي وأن الحوادث السابقة الخاصة بالوزارة.

قد مضى عليها زمن طويل والبحث فيها لا يجدي ولم تكن هذه المرة الأولى التي قال فيها مثل هذا القول فإنه في تقرره السابق تقرير 13 أبريل قال إني أقرر للحقيقة ولقول الحق أني لا أذكر ولا يمكني أن أذكر مع من كانت المناقشة الخاصة بكل حادثة من الحوادث.

غير أن ذلك لم يكن ليرضى البوليس إذ أنهم أرادوا شهودا أو تفاصيل دقيقة ضد ماهر والنقراشي فأجهد شفيق المسكين خياله وكتبه بعد الحكم عليه بالإعدام تقريرا مطولا بتاريخ 20 يونيه ذكر فيها أسماء عدد من الطلبة وغيرهم الذين كانوا متهمين أو ذكرت أسماؤهم في قضاا الاعتداء على الوزراء وخص بعضهم بماهر والبعض الآخر بالنقراشي ناسيا أنه قال فيما سبق أنه لا يذكر ولا يمكنه أن يذكر تفصيل كل حادثة وأنه لا يعرف لماهر والنقراشي فروعا.

ولكن للضرورة أحكاما ولابد من ذكر تفاصيل وأسماء وإلا فمعاد التنفيذ قد اقترب غير أن سوء حظ شفيق قضى أن جميع الذين استشهد بهم كذبوه فأصبحت لجان ماهر والنقراشي مجرد حبر على ورق وقد كذبه فعلا كل من عبد الرحمن بك فهمي ومحمد أفندي شمس الدين وعبد الرحمن بك الرافعي وعريان أفندي يوسف وعبد القادر أفندي شحاته والشيخ عبد ربه مفتاح وغيرهم.

(د) الاستشارة والتنفيذ: ليس أكثر دلالة على كذب شفيق في دعواه أن ماهر والنقراشي أعضاء معه في لجنة رئيسية مما جاء في أقواله المتناقضة عن كيفية استشارة هؤلاء الأعضاء في جرائم الاغتيال خصوصا في جريمة السردار.

فقد ادعى شفيق في اعترافات 21 مايو أنه استشار أحمد بك ماهر في جريمة السردار فوافق عليهما أما النقراشي بك والأستاذ حسن كامل الشيشيني فلم يوافقا واعترضا بشدة فسأله سعادة النائب العمومي السؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة وهو هل أخبرت النقراشي بأن ماهر موافق؟ فأجاب: لم أخبره.

وإن لنا أن نتساءل هنا:

هل من المعقول أن جمعية إجرامية يقوم أفرادها بأعمال خطيرة قد تعرضهم للموت السريع ترتكب جريمة خطيرة كجريمة السردار دون أن يتفق الأعضاء الرئيسيون فيما بينهم أو دون أن يجتمعوا على الأقل ليتشاوروا أو دون أن يعرف على الأقل القليل كل عضو رأى زميله هذا بينما اللجنة الفرعية تجتمع وتتبادل الرأي بدل المرة مرات؟

غير أن الأدهى من ذلك أن شفيق منصور بعد الحكم عليه في قضية السردار لم يرى له مصلحة في اتهام ماهر وفي قضية السردار إذ الحكم صدر ولا مرد له فعاد إلى ذكر الحقيقة في تقريره الذ قدمه في 20 يونيه أي بعد الحكم وبرأ ماهر والنقراشي والشيشيني من الموفقة على قضية السردار.

فإذا سلمنا جدلا بأنه استشارهم وأنهم لم يوافقوا فكيف نفذت الجريمة كيف تجترئ لجنة فرعية على ارتكاب جريمة لم يوافق عليها أعضاء اللجنة الرئيسية جميعهم اللهم إلا شفيق الذي يدعي مع ذلك أنه كان مترددا فهل سمع أحد بلجنة رئيسية مثل هذه كلا فإن مثل هذه اللجنة لا يمكن أن توجد إلا في مخ مختبل كمخ ذلك المسكين شفيق.

وقد يكون من المفيد هنا أن نستشهد بأقوال شفيق نفسه عن سلطة اللجنة الرئيسية وأوامرها فقد قال وفي هذا النظام يجب أن أخضع لكل الأوامر التي تصدر من اللجنة الرئيسية وأني أكون كوسيط فقط أنقل الأخبار من تحت إلى فوق ومن فوق إلى تحت ولا أعطي فيها رايا باتا بل لابد من القرار وقال في تقرير 20 يونيه وعلى كل حال أخذ رأي أحمد ماهر والنقراشي في كل شيء.

وكنت تحت أمرهما لا يمكنني أن أتحرك أو أبدي رأيا أو فكرا من غير الأمر الذي يصدر لي منهما فأين هذا من تلك اللجنة الوهمية التي كونها شفيق من ماهر والنقراشي وغيرهما والتي ارتكبت جريمة السردار بالرغم منها وبدو موافقتها هل وجود مثل هذه الجنة يقبله عقل؟

(ه) النقود: في كلام شفيق عن كيفية جمع النقود أدلة لاترد على أن ماهر والنقراشي لم يكونا أعضاء في الجمعية وأنه هو كان الكل في الكل فقد شهد محمد أفندي نجيب الهلباوي وهو من البوليس السري ومن شهود الإثبات ضد ماهر والنقراشي أنه سمع من شفيق نسه أقولا لا يمكن أن تفسر إلا بأن شفيق هو الكل في الكل في الجمعية.

قال نجيب الهلباوي أخبرني شفيق أن كل الحوادث كانت بتدبيراته وأنه صرف عليها كل إيراده ثم سئل هل تظن أن شفيق منصور يقوم بالصرف على هذه الحوادث من جيبه الخاص فأجاب هو أخبرني بأنه لم يأخذ إلا ألفا ومائتي جنيه على جملة دفعات من عبد الرحمن بك فهمي والباقي يصرفه من جيبه الخاص ومن ضمن المصاريف التي يقوم بها من جيبه الخاص إعانة عائلة مصطفى حمدي وأنه أراد أن يلم إعانة لأهل مصطفى حمدي فلم يقبل أحد.

نظن أن هذه الشهادة قاطعة أنه لم تكن هناك لجنة رئيسية للصرف على الجمعية خصوصا قول شفيق إن كل الحوادث كانت بتدبيراته وأنه صرف عليها كل إيراده ويلاحظ أن نجيب أفندي الهلباوي أدى هذه الشهادة في 15 فبراير سنة 1925 أي بعد القبض على شفيق بزمن وجيز وقبل اعترافاته.

ثم اعترف شفيق بعد ذلك ودعى دعاوي باطلة من حيث النقود وغيرها ولكنه أيد شهادة الهلباوي من حيث لا يدري قال شفيق في اعترافه بتاريخ 21 مايو ما يأتي: ومرة عملنا لعائلة مصطفى حمدي حيث دفع كل منا جزءا وجمعنا لها مبلغ 200 جنيه أنا دفعت جزءا من المبلغ وماهر دفع جزءا 60 أو 70 جنيها على ما أتذكر والنقراشي دفع جزءا بسيطا والشيشيني أيضا دفع وكل من ساعد في هذا الاكتتاب ساعد بقصد إعانة عائلة فقيرة إلا أحمد ماهر فإنه دفع وهو يعلم بأن مصطفى حمدي قتل من انفجار قنبلة فيه لأن الحادثة حصلت بحضوره.

وعندنا أن في هذا القول الذي جاء على لسان شفيق عفوا دليلا على أنه لم يكن هناك لجنة رئيسية كما يدعي فهو أراد أن يتهم ماهر في مسألة مصطفى حمدي واتهمه فعلا ولكنه في كلامه عن النقراشي والشيشيني فلتت منه عبارة دلت على كذب أقواله برمتها إذ ليس من المعقول أن يكون النقراشي والشيشيني من أعضاء اللجنة الرئيسية ويدفعان ما دفعاه باعتباره إعانة لعائلة فقيرة ولا يعلمان بمسألة مصطفى حمدي.

مع أنه ثابت من التحقيق أن المسألة كانت معروفة لصغار الأعضاء مثل عبد الحميد عنايت وعبد الفتاح فضلا عن محمود إسماعيل وشفيق فلو أن النقراشي والشيشيني كانا حقيقة من أعضاء الجمعية لعرفا الأمر قبل كل إنسان بصفتهما عضوين في اللجنة الرئيسية وقصارى القول إن شفيق منصور دل على كذبه بلسانه وهدم التهمة لا بالنسبة للنقراشي والشيشيني فقط بل بالنسبة لماهر أيضا لأنه جعله عضوا معهما في لجنة واحدة وفي درجة واحدة.

(و) أعضاء اللجنة الرئيسية: أما ما قاله شفيق منصور في اعترافاته جميها عن أعضاء تلك اللجنة الموهومة فمما لا يدخل فحصر ويكاد يكون من المستحيل تتبعه في أكاذيبه التي لا تستقر على حال من القلق وكانت مرآة صافية لنفسه المضطربة المنزعجة.

ففي اعترافه الأول في 28 مارس.... عندما اعترف على نفسه لأول مرة في جريمة السردار قرر الحقيقة أيضا بالنسبة للحوادث القديمة فلم يذكر أن هناك لجنة رئيسية ولو أن هناك شيئا من ذلك لما أحجم عن الاعتراف على غيره بعد أن اعترف على نفسه بل ذكر الحقيقة كلها أن قال إن الحوادث السابقة كان يديرها محمود إسماعيل بالاشتراك مع ولاد عنايت ومحمود راشد وإبراهيم موسى ومحمد فهمي علي.

غير أن نفسيته كانت قد بدأت تنحط شيئا فشيئا وتكالبت عليه عوامل الضعف من جهة والضغط والتعذيب من جهة أخرى حتى أصب بالأرق وبنوع من تخريف وكان يمزق هدومه ويبكي ويتوهم أنهم سيعدمونه بضربة على رأسه أو بربطة في عمود ويرجم بالحجارة إلى آخر ما سنبينه في حينه وقد نتج عن ذلك أنه كان يتناقض بين اعتراف وبين تقرير وأخر بل كثيرا ما كان ينسى ما كتبه في تقريره عندما يسأل فيه فيقرر في استجوابه ما يخالف اعترافه وهكذا

ولذلك بعد أن قرر في 28 مارس أسماء شركائه الحقيقين طلب في 2 أبريل أن يقابل سعادة النائب العمومي خصيصا فلما قابله في الساعة الثامنة والنصف مساء قال: إنه لا يزال يتردد في ذكر الأسماء ثم في 17 أبريل أظهر لعبته على المكشوف.

فقال قررت هذا القول لأني لم أجد نتيجة تعود علي من ذكر أسماء الذين اشتركوا معي في الحوادث السابقة ثم في 11 أبريل أمام قاضي المعارضة أن البوليس كان يسعى للتأثير عليه ويلازمه من الساعة 8 صباحا إلى التاسعة مساء وقرر المحامي عنه إنه علم من شفيق أنه قد اقترح عليه في سجنه مرارا اتهام أشخاص لا علاقة لهم بهذه القضية.

وأخيرا بعد تردد ومساومة قدم تقريره في 13 أبريل متهما فيه عبد اللطيف بك الصوفاني وعبد الرحمن بك الرافعي وأحمد بك ماهر ومصطفى أفندي حمدي بأنهم كانوا فيما بينهم جمعية سرية غرضها الأول الاعتداء على الوزراء المصريين الذين يعملون ضد بلادهم.

وأنه لما عاد من مالطة في أواخر سنة 1919 انضم إليهم وبعد انتهاء حوادث اغتيال الوزراء أو حرفيا ولما تمت هذه الحال كلف شفيق بالاتصال بهيئة أخرى مكونة من أولاد عنايت والحاج أحمد وبعض العمال وقد كذبه أولاد عنايت وقالوا: إنه هو الذي جرهم إلى الإجرام ولا يعرفون غيره رئيسا لجمعيتهم كما ذكرنا سابقا.

ثم بعد ذلك انضم النقراشي إلى الجمعية ومعنى ذلك طبعا أن النقراشي لم يشترك في حوادث الاعتداء على الوزراء المصريين وبعد الحوادث ضد الإنجليز ولكنا سنرى أنه في تقرير لاحق سيدعى شفيق غير ذلك. ويقول شفيق: إن النقراشي انضم للجماعة ولكنه كان على بعد، وصلته به وبماهر، وكذلك عبد الحليم البيلي فقد كانت صلته بشفيق شخصيا.

استمرت الجمعية تعمل إلى أن انقطع الصوفاني بك وعبد الرحمن بك الرافعي ابتداء من أول عهد البرلمان الأول.

أما عن الحوادث السابقة فقال عن حوادث الوزراء إنه كان في كل شهر تقريبا تمر حادثة بالاعتداء على وزير بعد البحث عن الأشخاص الذين يرتكبون هذا العمل ومعنى ذلك أنه لم يكن هناك فروع منظمة بل كانوا يبحثون عن الأشخاص في كل حادثة من الحوادث.

أما حوادث اغتيال الإنجليز فهي التي كانت ترتكب بواسطة أفراد معروفين وهي الجمعية المكونة من محمود إسماعيل وأولاد عنايت والعمال والتي يقول شفيق أنه كلف بالاتصال بها وقد كذبه في مسالة الاتصال عبد الفتاح وعبد الحميد فقالا فقالوا إنه هو الذي جرهم إلى الإجرام وكون الجمعية كما سبق.

ويظهر أن البوليس طلب إلى شفيق أن يذكر كل حادثة من الحوادث السابقة ومن ارتكبها وحرض عليها فقال في تقريره وللحقيقة وللقول الحق لا أتذكر ولا يمكنني أن أتذكر مع من كانت المناقشة الخاصة بكل حادثة من الحوادث.

هذا ما جاء في تقرير 13 أبريل عن تكوين الجمعية وملخصه أن هناك جمعية رئيسية مكونة منذ سنة 1919 للاعتداء على الوزراء المصريين وأن هذه الجمعية اتصلت بواسطة شفيق بهيئة أخرى من طلبة وعمال كانت تعتدي على الإنجليز فقط.

ولكن كل هذا البنيان انهار باعتراف شفيق في اليوم التالي (14 أبريل) أمام سعدة النائب العمومي عندما كان يحقق معه في تقرير الأمس فإنه قال إن ذلك التقرير لا صحة له بالمرة وأن الأشخاص الذين اتهمهم أبرياء ولم يستشرهم في شيء بل هو وحده المسئول عن جميع الحوادث إلى آخر ما جاء في ذلك التقرير مما فصلناه قبل الآن.

وفي 21 مايو صرح له أن يبدي أقواله بحضور الهلباوي بك وهي المرة الأولى والأخيرة التي صرح فيها لمتهم بحضور محام معه في التحقيق والمحكمة من هذا الاستثناء ظهرت صراحة من شهادة الاستاذ عبد الملك حمزة من أنه أخبر شفيق.

أن الهلباوي بك حصل على وعد وأنه لا يخدعه ومن بيان إسماعيل صدقي باشا في السياسة الذي قرر فيه حقيقة ذلك الوعد وأسبابه وبناء على ذلك اعترف شفيق اعترافه المذكور بتاريخ 21 مايو والمحور الذي يدور عليه الاعتراف هو اتهام السعديين وتبرئة غير السعديين

فاللجنة الرئيسية أصبحت مكونة الآن منه ومن ماهر والنقراشي فقط والشيشيني كعضو استشاري أما عبد الحليم البيلي وعبد الرحمن البيلي فلم يشتركا فيها وأما عبد اللطيف الصوفاني وعبد الرحمن الرافعي فقد انقطعا عن العمل بعد حوادث الوزراء القديمة من عهد البرلمان الأول.

وبما أن محكمة الجنايات لم تكن قد نظرت في قضية السردار بعد فكان المهم أن تلقي مسئوليتها على السعديين وأن يكون لشفيق الدور الثاني فيها حتى يخفف مسئوليته فلذلك اتهم ماهر بأنه هو الذي اقترح الاعتداء على السردار بدلا من وكيل حكومة السودان

واقترح تأجيل الاعتداء لحين انعقاد البرلمان للاحتماء وراء الحصانة البرلمانية وعلم أيضا باليوم الذي حدد له الحادثة ولما ارتكبت الحادثة وكان شفيق معه في الوزارة سأله أحمد ماهر إذا كان السردار قد أصيب بأذى

فلما علم أنه نجا قال خسارة ولما سمع ماهر فرقعة الرصاص ابتسم ولما مر بالعربة مع شفيق ورأى فتح الله باشا في محل الحادثة ضحك وهكذا إلى آخر تلك التفاصيل الشيطانية التي تدل إن صحت على أن ماهر شيطان رجيم متعطش إلى دماء الناس

وأنه مجرم بطبعه لا قلب له ولا ضمير إنما له خيال سخي في الكذب ولست في حاجة إلى التدليل على كذب هذه التفاصيل فقد كفانا شفيق نفسه مئونة هذا التدليل باعترافه في 20 يونيه الذي كذب فيه تلك التفاصيل برمتها وقرر أن أحمد ماهر لم يوافق على جريمة السردار ولم يكن عالما بحدوثها لما وقعت.

وقد علق سعادة النائب العمومي على المتناقضات بملحوظة من عنده قال فيها إن شفيق اتهم ماهر والنقراشي وآخرين في 13 أبريل وبرأهما خصيصا في 14 أبريل ونسب الحوادث لنفسه وهذه الملحوظة القصيرة تغني عن كل تعليق وأبلغ منها ملحوظة النائب العمومي الآتية:

نذكر أن شفيق منصور كان يلح علينا في إعادة مناقشة في قضية السردار فأفهمناه أن اضطراب أقواله لا يجعل محلا لإطالة المناقشة معه في هذا الموضوع بعد الحكم نهائيا.

أما تقرير 20 يونيه الذي قدمه بعد الحكم عليه في قضية السردار فقد ذكر فيه شفيق أنه لما عاد من مالطة سنة 1919 وجد الجماعة مكونة من الصوفاني بك ومصطفى حمدي افندي وأحمد بك ماهر وعبد الرحمن بك الرافعي وأضاف إليهم محمد ك شرارة ومحمود فهمي النقراشي بك.

مع أنه ذكر في تقرير 13 أبريل أن النقراشي انضم إلى الجمعية بعد أن أنتهت حوادث اغتيال الوزراء ثم قال إن الصوفاني بك والرافعي بك انقطعا بعد حوادث الاعتداء على الوزراء وليس في عهد البرلمان الأول كما ذكر في تقرير سابق، وكذلك انقطع شراره بك من عهد تعيينه قنصلا.

وقال في تقريره إن حسن بك كامل الشيشيني لم يكن عضوا وأنه استشاره فقط مرة واحدة في حادثة السردار فلم يوافق عليها ولكنه عدل عن ذلك في اليوم التالي أمام النائب العمومي إذ قال إنه لا يوجد في الجمعية أعضاء استشاريون وأن الشيشيني عضو في الجمعية وقال عن عبد الحليم بك البيلي أنه متصل به عن بعد وأنه في بعض الأحيان يخبره عن الحوادث بعد حصولها ولكنه لا يهتم بها ولا يساعد فيها ماديا أو أدبيا.

ثم ذكر أسماء أشخاص عديدين من طلبة وغيرهم قال إنهم فروع لماهر والنقراشي والصوفاني ووصف كيفية ارتكاب كل حادثة وتفاصيلها مع أنه قال في اعترافاته السابقة أنه لا يعرف فروع ماهر والنقراشي وأنه لا يذكر ولا يمكنه أن يذكر المناقشة الخاصة بكل حادثة من الحوادث وقد كذبه مع ذلك جميع من استشهد بهم.

وفي 31 يوليو قدم شفيق آخر تقرير له ولو أنه أفسح في أجله لما كان هذا التقرير آخر تقاريره برأ فيه سعد باشا والسعديين من جريمة السردار تبرئة تامة وألقى مسئوليتها على خصوم سعد ثم قال إن البيلي كان الواسطة بين نشأت ومحمود إسماعيل وكان في جمعية ماهر والنقراشي الأول ولا نفهم معنى لهذه الصيغة الجديدة جمعية ماهر والنقراشي الأول اللهم إلا أن جمعيتهما المزعومة لم تكن على أي صلة بجمعية شفيق ومحمود إسماعيل وأنه يشير إلى الجمعية التي قال أنه وجدها مؤلفة حين عودته من مالطة وأن غرضها كان الاعتداء على الوزراء المصريين فإذا الرافعي بك وشرارة بك وكان من الواجب ألا ترفع الدعوى عليهما.

هذا إذا سلمنا جدلا بصحة أقواله ولكن من يتبع جميع أقواله بما فيها من اعترف وانكار وتبرئة واتهام لا يمكنه أن يشك في أن كل ما قاله عن وجود لجنة رئيسية قديمة أو جديدة إن هو إلا كذب للخلاص من الإعدام الذي كان المسكين فزعا منه كما جاء في بيان إسماعيل باشا صدقي:

ثبت لدينا من أقوال شفيق منصور نفسه فضلا عن أقوال المتهمين في قضية السردار أنه ليس هناك لجنة رئيسية كما ادعى شفيق وسننتقل إلى دليلنا السادس على عدم وجود اللجنة وهو أقوال المتهمين في القضايا القديمة مثل محمد أفندي شمس الدين ونجيب افندي الهلباوي ويعقوب أفندي صيري وغيرهم والكل مجمعون على إن شفيق منصور كان الروح العاملة والكل في الكل.

شهادة محمد أفندي شمس الدين

من هو محمد أفندي شمس الدين هو الذي حكم عليه مع نجيب أفندي الهلباوي في قضية الاعتداء على المرحوم السلطان حسين وشمله العفو الذي صدر تحت وزارة الشعب ولشهادته قيمة عظيمة لأنه نسيب شفيق وصديقه وكثيرا ما كان يزوره في مكتبه.

فضلا عن أن شفيق كان ممن اشتركوا مع شمس الدين أفندي في حادثة في مكتبه فضلا عن أن شفيق كان ممن اشتركوا مع شمس الدين أفندي في حادثة المرحوم السلطان حسين كما شهد بذلك شمس الدين أفندي فهو إذن من أكثر الناس اتصالا بشفيق ولشهادته الواضح فيها الصدق والصراحة معنى لا يمكن أن يفوت حضرة القاضي العادل وهذا نصر شهادته كما وردت بالحرف الواحد:

س: ألم يخبرك شفيق في يوم ما للعلاقة التي بينكما عن شيء من أعماله مدة وجودك في السجن وعن الأشخاص الذين اشتركوا معه في عمل من الأعمال؟

ج: لم يخبرني بشيء خاص ولكنه أخبرني أنه لما كان في السجن ونامت الحركة وأنه لما عاد من مالطة بدأت الحركة تحيا من جديد وهذا صحيح والحمد لله قد وصلنا لشيء طيب ولاحظت أنه يحقد جدا على الدكتور ماهر والنقراشي وسعد باشا لأن سعد باشا قدم عليه ماهر والنقراشي.

مع أنه خدم البد أكثر منهما ويشعر في نفسه أنه أكفأ منهما فضلا عن أسعد باشا ما كان قابلا أن يكون عضوا بمجلس النواب عن باب الشعرية لأنه كان أصلا في الحزب الوطني ولولا شفيق منصور أخذ التزكية بالإجماع تقريبا لما قبل الوفد ترشيحه لأن الوفد أصبح أمام واقع وأذكر أنه قرر لي ذلك بحضور نجب الهلباوي.

س: هل أخبرك بأن ماهرا والنقراشي عملا شيئا مثل ما عمله؟

جـ : هو لم يخبرنا بشيء وفقط يسخر من عملهما لأنه كان مقصورا على إضراب موظفين أو طلبة أو شيء من ذلك. ثم سئل عن النقراشي وميوله السياسية فأجاب كل ما أعرفه من شفيق أنه بتاع مظاهرات واضراب وكذلك أحمد ماهر.

شهادة نجيب أفندي الهلباوي

أيد نجيب الهلباوي شهادة شمس الدين أفندي كل التأييد ولهذا التأييد معناه فإن نجيب أفندي الهلباوي ملتحق بالبوليس السري وقدم تقريرا خاصا بالحوادث القديمة سنناقشه بالتفصيل إنما نبدأ هنا بذكر ما قاله عندما سئل عن أقوال شمس الدين أفندي، فقد جاء ما يأتي:

س: ألم تسمع شفيق يوما من الأيام ينتقد تصرفات حكومة سعد؟

ج_ أتذكر أنه انتقد تعيين ماهر وزيرا والنقراشي وكيل وزارة مع أنه هو الذي قام بجميع الأعمال أكثر من أي شخص وأنهم غشوا سعد باشا وأفهموه أنهم هم الذين قاموا بكل شيء عشان يأخذوا المركز دي وأتذكر أن هذا الكلام حصل يوم كنت أنا وهو وشمس الدين وفي هذا تأييد صريح لأقوال شمس الدين.

شهادة يعقوب صبري

ليس هناك وصف يدل على الدور الرئيسي الذي لعبه شفيق في جرائم القتل أحسن من الوصف الذي جاء على لسان يعقوب صبري فقد قال في تقريره ما يأتي:

لو لم يكن شفيق منصور موجودا على قيد الحياة بعد حادثة الورداني لما حصل ما حصل من الحوادث المريعة ولما قتل ولا شنق أحد فإنه كان ساعد الشيطان الأيمن وكان همه الوحيد أن تقع الحوادث ليفخر بها وكان له تأثير عجيب على النفوس.

ونقلت بعد ذلك للإسكندرية فلم ألبث قليلا حتى حضر شفيق منصور كالشيطان الرجيم لتنظيم أعمال الجمعية ثم سافر شفيق منصور إلى أوربا فنام العمل في مصرو نام في الإسكندرية.

ثم مضت مدة طويلة على ذلك حتى حضر شفيق منصور من أوربا فجدد عهد الأعمال السرية ثانية واشترك شفيق في حادثة السلطان حسين سنة 1910.

وفي منتصف شهر نوفمبر سنة 1919 نقلت إلى إسنا وكانت أعمالي الكثيرة بالمدرسة لا تمكني من مقابلة أحد وبعد ذلك قامت حولي حركة في مصر قام بها شفيق منصور ومصطفى حمدي بدعوى أني أرجع للاشتغال معهما في الأعمال السرية مرة ثانية فاعتذرت ثم شهد في التحقيق أن شفيق منصور كان الكل في الكل، وهكذا شهد شاهد من أهلها.

بقيت لي كلمة عن يعقوب صبري كشاهد إثبات أن النيابة أعدمت شفيقا وكانت قد أخذت أقواله وأقوال غيره من الشهود قبل إعدامه فلم يستجد شيء بعد إعدامه إلا شهادة يعقوب صبري بالنسبة إلى ماهر وحده ولكن هذه الشهادة هي شهادة استنتاجية فقد قال إنه لا يعلم أن ماهر عضو في الجمعية ولكنه استنتج من رفع التكليف بين ماهر والرافعي أنهما عضوان بها.

وقد سأل النائب العام يعقوب صبري أسئلة بريئة فقال له: هل تعرف شفيق؟ قال: نعم كان يجلس معي في القهوة وسأله هل تعرف نجي الهلباوي وفهمي النقراشي؟ فقال إني أعرفهم وزاد أنه يعرف أولاد عنايت من الصغر ولما سئل عن معرفته لماهر ورؤيته له فما هي المصلحة له في ذلك بعد أن يعترف بمعرفة شفيق والنقراشي وأولاد عنايت

ثم ينكر معرفته لماهر لا أعرف من ذلك الإنكار البريء ولكنه لما اتهم وسجن أرغم على ما قاله بخصوص ماهر وهناك نقطة أخرى هامة فإن صبري قبض عليه في 16 سبتمبر واعترف في أول أكتوبر ولكن ماهر لم يستجوب في هذا الاعتراف إلا في 28 ديسمبر فلماذا لم يحقق معه في 14 أكتوبر؟

إني باعتباري محاميا وقانونيا أقول إن التفسير الوحيد الذي هو أن النيابة لم تكن تعطي قيمة لأقوال يعقوب صبري فلذلك لم تحقق مع ماهر في هذه الأقوال.

النحاس باشا: استسمح حضرة الزميل في أن أضيف إلى ما قاله حضرته أننا قدمنا طلب إلى السيد مصطفى بك في جلسة أكتوبر سنة 1921 عندما قرر أمام غرفة المشورة أن أحد المقبوض عليهم قرر أقوالا مهم ضد أحمد والنقراشي فسألناه من هو هذا فلم يشأ أن يذكره لنا ولكننا أغتصبناه منه اغتصابا.

وكان يتعمد دائما سرية التحقيق ولكن غرفة المشورة رأت معنا أن تعرف ماهي تلك الأقوال التي يطلب بها استمرار الحبس فاستخرجنا منه أن الشخص الذي قرر هذه الأقوال هو يعقوب صبري فقدمنا أنا وزملائي إلى سعادة النائب العمومي طلبا في ضرورة استجواب ماهر في أقواله فمل يفعل سعادة النائب وكذلك النتيجة أنه لم يسأل ماهر في هذه الأقوال التي قالها يعقوب وتقرر استمرار الحس لهذا السب أيضا ولم يسأل إلا في 28 ديسمبر أي بعد أن استقر الرأي على إحالتهما على محكمة الجنايات.

مكرم بك: ومعنى هذا يا حضرة القاضي أن النيابة لم تهمل استجواب ماهر بك ب تعمدت ذلك تعمدا وأضيف أن الواقعة التي ادعاها يعقوب صبري غير معقولة وإني على ذلك من أٌواله نفسه فهو يدعي أن ماهر كان مع حمدي في الجبل.

والأمر احد من اثنين فإما أن ماهر كان هناك ليعلم أو ليتعلم معقول أن أستاذ التجارة يعلم ضابط البوليس كيف يلقي القنابل وغير معقول أيضا أن ماهر كان يتعلم لأنه طبقا لأقوال شفيق من الرؤساء وليس من المنفذين.

القاضي: أو لعله كان يتفرج.

وليم بك : هذا حسن فإنه إذا كان يتفرج فلا يكون عضوا في الجمعية غير أني أريد أن أدلل على أن يعقوب هو الذي ذهب مع حمدي بنفسه والأدلة على ذلك تنحصر فيما يأتي:

أولا: أن يعقوب صبري اعترف أنه كان يذهب مع محمود عنايت إلى هليوبوليس للمران على إطلاق الرصاص.

ثانيا: أن شفيق نفسه قال إن سبب حضور يعقوب إلى مصر كان لاستحضار قنابل وتجرب القنابل الجديدة التي كانت تعملها لجنة مصر.

ثالثا: أن عبد الحميد عنايت قال إن الذي رافق مصطفى حمدي هو أخوه عبد الخالق عنايت وشخص آخر لا يذكر اسمه وسيبحث عنه وهذا الشخص لا يمكن أن يكون أحمد ماهر طبعا لأنه معرف ولا يبحث عنه بل هو يعقوب صبري نفسه الذي سبق أن رافق عنايت الكبير في التمرن على إطلاق الرصاص والذي يقول شفيق إنه أتى إلى مص لاستحضار قنابل وتجربتها.

رابعا: أن صبري باعترافه صديق لمصطفى حمدي فمن ذلك ترى يا حضرة القاضي أن الشبكة التي أراد يعقوب أن ينصبها لغيره وقع هو فيها.

غير أن أغرب ما في هذه القضة هو طريقة التدلل فيها وكلمة التدليل إنما هي عبارة ملطفة لما أعنيه وهو التلفيق وقد كان يطلب إلى شفيق أن يقيم الدلي المادي أو الواقع المادية وقيل له صراحة إن رأسه رهن الدليل وأنه لا يكفيه أن يدعي بل يجب أن يثبت ما يدعيه

وهذا ظاهر من بيان إسماعيل باشا صدقي الذي أبلغه أنه لن يحصل على العفو أو التخفيف إلا إذا قرر الحقيقة وقام البرهان على صحة قوله وكذلك نصحه الهلباوي بك بأن يتهم الأشخاص الذين يمكنه أن يقيم الدليل عليهم كما هو وارد في شهادته.

فما الذي يعمله شفيق المسكين لإقامة الدليل والبرهان الأمر بسيط فقد سبق أن قلت إن شفيقا كان مجنونا أو ممثلا للجنون وهو في كلتا الحالتين لا يعتمد على أقواله إنما كان شفيق عاقلا جدا فيما يختص بحياته هو لأنه غزيرة البقاء كانت تملى عليه أن يسعى إلى خلق الدليل إذا لم يجده وما داموا يطلبون إليه أن يذك وقائع مادية فهو يعرف ولا ينبئك مثل خبير كثيرا من أسرار الجمعية التي هو رئيسا فما عليه إلا أن ينسب البعض منها إلى ماهر والبعض الآخر إلى النقراشي كل بحسب نصيبه فاذا لم تتحقق بالنبة لماهر أو النقراشي فيكون قد قام بشيء مما طلب منه على الأقل ولعل ذلك يكون شفيعا له عند ذوي الشفاعة.

وقد سار شفيق على هذا السبيل ولا سبيل له غره ولكن الغريب أن تسير معه النيابة أيضا في هذا الطري بعد أن ثبت أن كل واقعة ذكرها شفيق لم تثبت بالنسبة لماهر أو النقراشي فهل تريد النيابة منها أن تعتقد أنها هي أيضا سارت على هذا السبيل لأنه لا سبيل لها غيره؟

وها نحن أولاء نورد أمثلة على طريقة التدليل التي ابتكرها شفيق وتبعته فيها النيابة.

(1) مسألة الحصانة البرلمانية: سأل النائب العام شفيقا هل عندك دليل أو قرينة تؤيد اشتراك أحمد ماهر معك في حادثة السردار؟ فأجاب أنا أطلب سؤال أولاد عنايت هل قلت لهم ينتظرون حتى يفتح البرلمان للاستفادة من الحصانة أم لا

ولكن شفيق نسي أن المهم هو هل ماهر الذي أشار بذلك أم لا أما أنه قال لأولاد عنايت أو لم يقل فلا قيمة لذلك مطلقا إذ أنه لم يقل واحد من أولاد عنايت إنهم سمعوا شيئا من ذلك نقلا عن ماهر أو عن غيره. وبهذه المناسبة يسوءني جدا أن أتهم النيابة بخطأ فاضح ولا أريد أن أقول خطأ مقصودا.ط

فقد جاء في تقرير الاتهام أن أحمد ماهر أشار في حادثة الاعتداء على السردار بتأجيل التنفيذ إلى انعقاد البرلمان مع أن شفيق منصور نفسه قال في آخر تقرير له أي تقرير 18 يونيه إن أحمد ماهر قال له إن الواجب أن تمنعهم ما استطعت وأن تقول للأولاد بالانتظار إلى انعقاد البرلمان للاحتماء بالحصانة البرلمانية ويكون ذلك طريق للتسويف وتخدير أعصابهم وربما أفادت.

هذه الدعوى كلها كاذبة طبعا ولكن النيابة لم يكفها أن تتهمنا بأقوال شفيق على ما فيها من كذب بل حذفت من أقواله ما يفيدنا وأثبتت ما يضرنا، فذكرت في تقرير الاتهام أن ماهر طلب تأجيل الحدثة إلى انعقاد البرلمان ولم يكر الجزء الأخير من الجملة وهو أن لك طريقة للتسويف ولتخدير أعصاب أولاد عنايت عسى أن يمتنعوا عن ارتكاب الجريمة فكان مثلها في ذلك مثل من استشهد بالآية القرآنية الكريمة فقال: (ولا تقربوا الصلاة) ولم يضف وأنتم سكارة.

(2) كشف إبراهيم موسى: من ضمن الأدلة التي اخترعت ضد النقراشي مسألة كشف إبراهيم موسى وهي تمثل كل التمثيل طريقة التدليل التي اتبعت فإن شفيق ذكر مسألة كشف العمال الذي جاء فيه اسم إبراهيم موسى وقدمته مصلحة الأمة العام إلى النقراشي بك ليتخذ إجراءات ضد العمال المهيجين وقال شفيق إن النقراشي.

أطلعه على هذا الكشف فلما أخبره بأن إبراهيم موسى من ضمن أعضاء الجمعية شطب النقراشي بك اسمه وهذا الكشف صحيح وقد قدمته فعلا مصلحة الأمن العام إلى النقراشي بك واستشار النقراشي نية شفيق باعتباره مستشارا للعمال إنما نقصى شيء وهم المهم أعني أن اسم إبراهيم موسى لم يكن مشطوبا.

يحكى يا حضرة القاضي أن ملكا من ملوك الأروام زار مدينة من مدائن ملكه فلم تحيه القلعة بإطلاق المدافع فاستحضر قائد القلعة وسائله غاضبا ما الذي تعنيه بعد تحيتي فأنت موجود بالجيش والجيش موجود والقلعة موجودة والمدافع أيضا فلماذا لم تطلقها لتحيتي؟

فأجاب القائد إن لذلك عدة أسباب أولا أنه ليس هناك بارود فقال له الملك يكفني هذا السبب فهو يغني عن بقية عن بقية الأسباب وكذلك كل شيء في حالتنا موجود من كشف وأسماء وغير ذلك إنما ينقصنا البارود وأعني الدليل ضد النقراشي وهو شطب الاسم.

(3) تقرير خاص بالنقراشي: واستشهد بالتهمة التي اتهم بها النقراشي وهي تضليل التحقيق فقال إن هذه التهمة نسبت إليه عندما قبض عليه في المرة الأولى فلم يثبت شيء ضده ومع ذلك ذكرت هذه المسألة في التحقيق في هذه القضية أيضا إلى حد أن شفيق منصور كتب تقريرا خاصا وهو ملحق بتقرير 18 يونيه ليتهم النقراشي فيه بهذه التهمة.

فكان هذا التقرير عبارة عن ورقة اتهام ضد النقراشي إذ ذكر فيه ما ادعاه عليه من اشتراكه ف قضايا القتل ذكر في آخر التقرير من باب الاحتياط أن النقراشي تستر عليه في التحقيق وأخبره أن المستر كين بويد يشتبه فيه أي في شفيق ونسى شفيق أنه قال في تحقيق 21 مايو أمام النائب العمومي أن النقراشي نفسه لم يخبره بشيء من هذا أفليس هذا دليلا على أن التقارير كانت تصطنع اصطناعا وتملى على شفيق إملاء حتى إنه كتب ملحقا بهذه النقطة؟

وأضيف إلى ذلك أن سليم زكي أفندي يخبرنا بأنه كن يزور شفيقا في السجن أثناء كتابة هذا التقرير وشفيق نفسه يؤكد أن البوليس ما كان يتركه من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة التاسعة مساء.

إن السبب يا حضرة القاضي في اتهام النقراشي بهذا الأمر أن النقراشي المسكين ظن أنه موظف مستقل في بلدة مستقلة ونظر إلى وظيفته نظرة جديد فاصطدم وكذلك سعد باشا فقد قال أحد كبار الإنجليز إنه نظر إلى استقلال مصر كأنه أمر جدي.ولهذا اصطدم سعد باشا أيضا وسقطت وزارة الشعب.

والواقع أننا لا نفهم من أين أتت تهمة التضليل في التحقيق ضد النقراشي بك مع أن مسلكه في التحقيق ظاهر وطبيعي واستشهد في ذلك برسل باشا نفسه فقد جاء ما يأتي:

سأل النائب العام النقراشي لما وقعت حادثة السردار من هم الأشخاص الذين اشتبهت فيهم من أول الأمر فأجاب لما رجعت من دار المندوب السامي إلى مكان الحادثة سمعت دولة سعد باشا يسأل رسل باشا عمن يشتبه فيهم فأجاب رسل باشا بأنه مبدئيا يشتبه في جمعية اللواء الأبيض فرأيت أن هذا فرض جائز وجرى التحقيق على ذلك.

ثم إن نجيب الهلباوي نفسه قال في مقدمة تقريره الخاص بقضية السردار إنه أشتبه في جمعية اللواء الأبيض ومما يدل على التلفيق ضد النقراشي في هذا الأمر ما جاء في شهادة عبد الحميد عنايت فقد قال إن ما قاله شفيق لما كنا في سجن مصر بالاعتقال الأول بأن النقراشي سيفيدنا بمركزه فهو لم يقل لنا ذلك وده كلام جايبه من عقله والنقراشي كان سجن قبلنا هو وعبد الرحمن فهمي ووليم مكرم فهل بعد هذا تلفيق وخيل في التلفيق؟

أخيرا ألفت القاضي إلى ملاحظة عامة في هذا الموضوع وهي أني أرجوه أن يضع بدلا من أسماء ماهر والنقراشي والشيشيني والبيلي أسماء زيد وعمرو وخالد وبكر فهل ينطبق كل ما جاء في الاتهام بخصوص ماهر وإخوانه على زيد وإخوانه

أظن أنه ينطبق تمام الانطباق إذ لا يوجد دليل خاص بماهر أكثر مما يوجد دليل خاص بزيد أو عمرو أو بكر وهذا فاصل في أنه إذا صح أن يحال ماهر وإخوانه على محكمة الجنايات فيصح أن يحال ك زيد وكل عمرو وكل بكر وأحس ما قيل في هذا الموضوع هو ما قاله أحمد ماهر نفسه وهو أن شفيق منصور يعرف كل هذه الجرائم وهو يحكي عنها بتفصيلاتها وأما قوله بالسنبة له فهو كذب.

ذكرت في مرافعتي في الجلسة السابقة الأدلة التي استخلصتها من التحقيق بجميع أجزائه عن اللجنة الرئيسية وأثبت أو أحب أن اعتقد أنني أثبت أنه ليس هناك لجنة رئيسية مكونة من شفيق وماهر والنقراشي وغيرهم بل اللجنة كل اللجنة هي التي قامت بارتكاب جريمة السردار برياسة شفيق منصور وقد استندت في تلك على الأدلة التي سردتها وهي.

أولا ظروف قضية السردار: تثبت أنه لم يكن هناك نظام مثل النظام الذي ادعاه شفيق منصور فإن أعضاء الجمعية كانوا يعرفون بعضهم البعض وذكرهم عبد الفتاح عنايت بأسمائهم في اعترافه عند القبض عليه وكانوا يتزاورون ويجتمعون في مكتب شفيق منصور أو في بيوتهم لتدبير جرائم الاغتيال وكانوا في الواقع أصدقاء تربطهم ببعضهم صلة خاصة أو كما قال محمد فهمي على إحنا شلة أصدقاء.

ويلاحظ هنا أن جميع الأعضاء كانوا يعرفون شفيق منضور ويعرفون بعضهم حتى العمال منهم بدليل أن عبد الفتاح عنايت وشفيق منصور وغيرهما ذكروا أسماء إبراهيم موسى وراغب حسن.

ومعنى ذلك أنهم كانوا يعرفون بعضهم من الكبير إلى الصغير.فأين ذلك من النظام الذي ادعاه شفيق عن الأصول والفروع.. إلخ.

ثانيا شهادة المتهمين في قضية السردا: والمهم أن نلاحظ هنا أن شفيق قال عنهم أي عن محمود إسماعيل وأولاد عنايت أنهم يعرفون وجود اللجنة الرئيسية وعلاقة ماهر والنقراشي بها فلما سئلوا أنكروا ذلك بتاتا وقال أوالد عنايت إن الجمعية هي هي التي ذكروا أسماء أعضائها ورئيسها شفيق منصور وإنه لم يستشر واحدا ولم يقل لهم إنه سيشير أحدا فلا معنى لاتهام الأبرياء.

ولشهادتهم معنى خاص فإنه من غير المعقول أن عبد الفتاح عنايت الذي اعترف على نفسه وعلى شقيقه وكذلك عبد الحميد عنايت الذي اعترف على شفيق وهو يبكي غير معقول أنهما لا يعترفان على ماهر والنقراشي اللذين لا يرتبطان بهما بأي عاطفة أو مصلحة بل بالعكس فقد كان لهما كل المصلحة في الاعتراف على ماهر والنقراشي حتى ينجوا من الإعدام.

وكذلك محمود إسماعيل فإنه وإن أنكر التهمة أصلا فقد أنكر فيما يختص بماهر والنقراشي حتى مجرد معرفته بهما مع أنه اعترف بمعرفة غيرهما من المتهمين ولما ووجه بشفيق قال له تلك الكلمة المؤثرة إذا كنت عايز تخلص نفسك ما يكونش بالشيء ده.

اعترافات شفيق منصور: وقد بينا أن لشفيق منصور اعترافات كثيرة كان يكذبها هو بنفسه فكيفى غيره مؤنة تكذيبه وقلنا إن المعرفة والمعقول أن أقرب الاعترافات إلى الصدق هو الاعتراف الأول كما أن أهم التكذيبات هو التكذيب الأول وثابت من التحقيق أن أول اعتراف لشفيق لم يتهم فيه ماهر ولا النقراشي بل اعترف على نفسه وعلى محمود إسماعيل وجماعته بأنهم دبروا الحوادث السابقة

ثم في 13 أبريل اتهم ماهر والنقراشي وغيرهما بتقرير قدمه، ولكنه كذب نفسه حالا في التحقيق وقرر أن جميع من ذكرهم أبرياء وأنه هو وحده المسئول عن الحوادث السابقة وأشهد الله على ذلك وقيمة هذا الاعتراف أنه جاء مباشرة أمام النائب العام بناء على وازع نفساني من شفيق دون أن يكون للبوليس دخل فيه.إذن فالاعتراف الأول والتكذيب الأول يثبتان ألا وجود للجنته الرئيسية المزعومة.

ثم استخلصنا من أقوال شفيق منصور فيما يختص بجمع النقود ومن قوله إنه جمع إعانة من النقراشي والشيشيني لعائلة مصطفى حمدي بعد أن أوهمهما أنها لعائلة فقيرة أن معنى ذلك أنهما ليسا عضوين في الجمعية السرية وكذلك قوله عن الاستشارة والتنفيذ إذ إنه يزعم أنه استشار أعضاء تلك اللجنة فلم يوافقوا على جريمة السردار، ومع ذلك نفذة الجريمة بالرغم منم إلى أخر ما استخلصناه من أقوال التي جاءت عفوا على لسانه وكانت تكذبه في افتراءاته لأنه للمظلومين ربا يحميهم وللظالمين شيطانا يغريهم.

رابعا أقوال المتهمين في القضايا السابقة

وقد بينا من شهادة محمد أفندي شمس الدين وغيره أن شفيقا كان الكل في الكل وساعد الشيطان الأيمن في الجمعية وأنه كان يهزأ بأعمال ماهر والنقراشي لأنها خاصة بالمظاهرات والاضرابات ويعجب كيف يشملهما سعد بعطفه وبالوظائف السامية بينما هو أي شفيق منصور، أكفأ منهما وخدم البلد أكثر منهما ومع ذلك عارض الوفد في ترشيحه لمجلس النواب.

وقد استشهد شمس الدين أفندي بنجيب الهلباوي نفسه عل جميع هذه الأقوال فأيده كل التأييد في مجموعها.

شهادة نجيب الهلباوي

بقي على أن أبحث في شهادة الهلباوي بصفته شاهد إثبات ضد ماهر والنقراشي وقد ذكرنا أن شهادته سماعية لا قيمت لها قانونا ولكني أريد أن أثبت أيضا أنها باطلة وملفقة موضوعا وإليك الدليل:

يقول نجيب الهلباوي في تقريره 5 فبراير إنه علم من شفيق أن النقراشي وماهر والشيشيني كانوا شركاء في حوادث الاغتيال فما هو تاريخ هذا العلم؟ ظاهر في نفس أقواله أن تاريخ علمه المزعوم يرجع إلى أوائل سنة1924 بعد الإفراج عن المجرمين السياسيين وقد جاء ما يأتي:

س: هل وقفت على الجرائم السياسية التي ارتكبت أثناء وجودك بالسجن بعد الإفراج عنك؟

ج: لما خرجت من السجن كان مكتب شفيق محل اجتماعنا كلنا حيث سمعت عن شفيق منصور بأن جميع الحوادث التي ارتكبت كانت له يد فيها وكان معه بعض أشخاص مثل النقراشي وماهر والشيشيني وأولاد عنايت وبعض العمال.

ينتج من ذلك أنه سمع تلك الأقوال المزعومة بعد خروجه من السجن بزمن وجيز.

ثم جاء ما يأتي (سأله المحقق: قلت في التقرير المقدم منك بأنه تبادر إلى ذهنك بأن شفيق منصور يشك في إخلاصك فما الذي دعاك إلى هذا الظن؟

ج: لما قال لي روح البلد لأنه سيحصل في هذه الليلة ثورة وأظن أنها كانت في ليلة سقوط وزارة سد باشا فأنا نبهت سليم أفندي زكي بهذا الخبر ولكن في يوم لم يحصل شيء وعلمت من شمس الدين أن شفيق كلفه بأن الأحسن أن أروح البلد فظننت أنه يشك في إخلاصي وكان سألني مرتين عن الفلوس اللي باصرفها في مصر فقلت له بتجيني من البلد فظهر على وجهه الشك.

يستخلص مما تقدم أنه قبل حادثة السردار مباشرة كان شفيق يشك في الهلباوي ولا يثق به فإذا كان الهلباوي قد علم شيئا كما يدعي فيكون ذلك قبل حادثة السردار بكثير أي عند خروجه من السجن كما قال في استجوابه السابق.

أما وقد عرفنا التاريخ الذي يزعم الهلباوي أنه علم فيه من شفيق ما علم فمن السهل أن نثبت أن شهادة الهلباوي بأكملها في هذا الصدد غير حقيقية وأنه لم يسمع شيئا من شفيق مطلقا وأنه شهد تمهيدا للقبض على ماهر والنقراشي وفي يدنا الدليل الذي لا ينقض على صحة ما نقول وهذا من فضل الله الذي أراد أن يفضح تلفيقات هذه القضية بشكل مادي محسوس وهناك الأدلة على التلفيق:

(1) أولهما أو أهمها أن نجيب الهلباوي قال ما يأتي:

إني كنت أتردد على أولاد البيلي لألتحق بجريدة الاتحاد وما كنت أقصد ذلك جديا وإنما للوقوف على حركتهم فسأله المحقق: هل كان عندك شك في عبد الحليم البيلي وعبد الرحمن أخيه حتى كنت تترد على مكتبهم وتقف على حركتهم؟

ج: نعم لأني علمت من شفيق أن لهما يدا في بعض الحوادث.

حقا إن هذا لعجب إذ كيف يكون قد علم من شفيق أن للبيلي وأخيه يدا في بعض الحوادث ولم يذكر عنهما شيئا مطلقا في تقريره والذي قدمه في 5 فبراير وأكثر من هذا أنه سئل مرة عن عبد الحليم وعبد الرحمن البيلي ضمن المشبوهين عند البوليس فأوحى إلى الهلباوي أن يقول إنه سمع من شفيق عنهما ما ادعى سمعه عن غيرهما؟

التفسير بسيط جدا وما علينا إلا أن نقرب التواريخ حتى نفهم والواقع أن الهلباوي شهد هذه الشهادة ضد (أولاد البيلي) في 28 أكتوبر سنة 1925 وتاريخ القبض على عبد الحليم بك البيلي والأستاذ عبد الرحمن البيلي كان في 10 نوفمبر

أي أن الهلباوي شهد ضدهما قبل أن يقبض عليهما بإثنى عشر يوما تقريبا أو بعبارة أخرى أن الشبكة بدأت تنصب حولهما بواسطة البوليس في ذلك التاريخ وعندئذ بدأ الهجوم بواسطة الهلباوي كما كانت الحال مع ماهر والنقراشي.

أليس ذلك صريحا في التلفيق وأن الهلباوي كان يستعمل للشهادة على الغير عندما تحوم الشبهة حولهم من البوليس حتى إذا ما قبض عليهم قيل إن هناك شاهدا ضدهم وأنه قد أدى شهادته من قبل.

ثانيا: والأغرب مما تقدم هو تبادل الاطلاع على التقارير بين الهلباوي وشفيق منصور فقد جاء ما يأتي: س: هل وقفت على معلومات جديدة تفيد التحقيق؟

لا، ولكن أطلعت على تقرير شفيق منصور الخاص باعترافاته الأخيرة فلفت نظري ما ذكره عن الشيشيني ثم ذكر تفاصيل نحو صفحتين عن الشيشيني فسأله المحقق: لماذا لم تقرر في استجوابك الأول ما قررته الآن عن الشيشيني

فأجاب: إني ذكرت باختصار ما أعلم عن الشيشيني في تقريري وأبقيت التفصيل لما اسأله ولكن لم أسأل والحقيقة أنه لم يقل شيئا لأنه لم يكن قد اطلع على تقرير شفيق منصور بعد.

ولا تظن يا حضرة القاضي أن نجيب الهلباوي وحده كان يطلع على تقرير شفيق منصور كلا فواجب التبادل كان يقضي بأن شفيق منصور يطلع أيضا على تقارير نجيب الهلباوي ولست مازحا بل هي الحقيقة الراهنة إليك الدليل.

قدم شفيق منصور تقرير 18 يونيه المشهور وقد أثبت لحضرتكم زميلي مصطفى باشا النحاس أن التاريخ الحقيقي للتقرير هو 15 يونيه إلى آخر ما اتضح من تصرفات النيابة والبوليس في هذا التقرير غير أن هناك ما هو أدهى فإنه قد أضيف إلى التقرير ملحقان أحدهما بتاريخ 19 يونيه والآخر بتاريخ 20 يونيه.

أما ملحق 19 يونيه فهو الذي أشرت إليه سابقا وقلت إنه أوحى إلى شفيق بكتابته ضد النقراش وفي الواقع فهو عبارة عن ورقة اتهام النقراشي من الاشتراك في جرائم القتل ويظهر أن البوليس خشى أن تهمة القتل لا تثبت على النقراشي فأوعز إلى شفيق أن يتهمه في ذلك التقرير بتهمة أخرى وهي التضليل في التحقيق من باب الاحتياط كما يقول المحامون هذا هو الملحق الأول.

وأما الملحق الثاني وهو الذي يهمنا هنا فتاريخه 20 والمقصود منه تأييد شهادة الهلباوي بواسطة شفيق. وإذا كان هناك شك في تصرفات البوليس فالملحق الثاني لاعترافات شفيق يزيله تماما فهو الدليل الذي لا يرد على أن تقارير شفيق كانت تطبخ فيما بين البوليس وشفيق فالملحق المذكور خاص بتفاصيل عن قضية السرادر التي صدر الحكم فيها وهذه التفاصيل لا قيمكة لها فهي خاصة بطريقة القبض على محمود إسماعيل.

وعليه هو ومسألة هروب أولاد عنايت وهي مسألة فصل فيها ولم يأت شفيق بشيء جديد فيها حتى يكتبه في ملحق إضافي إنما الجديد هو أنه أراد البوليس أن يؤيد صدق نجيب الهلباوي في روايته وأبحاثه فبعد أن ذكر شفيق في ذلك التقرير مسالة هروب أولاد عنايت وأنه نصحهم بعدم الهروب قال بدون مناسبة وأتذكر بأننا ليلة عند خروجنا من منزل الشيشيني.

وكنت أسال محمود عمن قبض عليهم فقال الصيد كل الصيد في جوف الفرا وهذه العبارة وردت حرفيا في تقرير نجيب الهلباوي ولكن شفيق لم يعرف كيف يحسن السبك ففضح نفسه إذا قال مباشرة بعد ذلك وأما فيما يتعلق بالهلباوي فأتذكر تماما بأنه عندما حضر من بلده كان لا يملك نقودا كثيرة.

فما ألطف هذا الاتفاق الذي جعل شفيق يذكر عبارة تافهة جاءت في تقرير الهلباوي بالحرف الواحد ثم بعدها مباشرة يتكلم عن الهلباوي وحالته المالية ألس هذا دليلا لا ينقض على أن شفيق اطلع على تقرير الهلباوي وطلب إليه أن يطلب تقريرا إضافيا لتأييده ولكن الله أراد أن يكشف الأمر فجعله يتكلم عن الهلباوي مباشرة بعد أن نقل العبارة من تقريره وادعاه لنفسه إذن فشفيق ينقل عن الهلباوي ونجيب الهلباوي ينقل عن شفيق والمتهمون يضيعون بين الاثنين.

(ثالثا) بقي أن نعرف ما سمعه فعلا الهلباوي من شفق عن كل من المتهمين وهل سمع حقيقة أم لا؟

أقوالة عن النقراشى

(1) عن النقراشي قال الهلباوي (عرفت من شفيق منصور في أثناء حديث بأن النقراشي ومن على شاكلته أوهموا سعد باشا بأنهم هم الذين قاموا بالحركة في البلد واستغلوا هذا الظرف وأخذوا وظائف عالية وأنه لم يأخذ شيئا من هذه الوظائف مع أنهم لم يعملوا ربع ما عمله في الحوادث الجنائية.

غير أن لهذا الحديث صيغة أخرى بلسان الهلباوي فقد كرر هذا الحديث نفسه ولم يكن فيه شيء عن الحوادث الجنائية فقد جاء:

س: ألم تسمع شفيق يوما من الأيام ينتقد تصرفات حكومة سعد باشا؟

ج: أتذكر أنه انتقد تعيين ماهر وزيرا والنقراشي وكيل وزارة مع أنه مع الذي قام بجميع الأعمال أكثر من أي شخص وأنهم غشوا سعد باشا وأفهموه أنهم هم الذين قاموا بكل شيء عشان يأخذوا المراكز دي وأتذكر أن هذا الكلام حصل يوم كنت أنا وهو وشمس الدين.

إذن ما سمعه الهلباوي من شفق عن ماهر والنقراشي لم يكن فيه تعيين للحوادث الجنائية بالذات بل مجرد أقوال عامة مثل قوله أنهم أوهموا سعد باشا أنهم هم الذين قاموا بكل شيء بينما هو الذي قام بجميع الأعمال فلا ذكر مطلقا لأعمال جنائية وإنما هذه العبارة من عنديات الهلباوي قالها في استجوابه الأول ليجعل لشهادته قيمة ويبرز كبوليس سري غير أنه في استجوابه الثاني نسى وجل من لا ينسى أن يقول شيئا ما عن الحوادث الجنائية فذكر الحقيقة

وهذه الشهادة الأخيرة البريئة تؤيدها شهاد محمد أفندي شمس الدين الذي قال كان شفيق يحقد جدا على ماهر والنقراشي وسعد باشا لأن سعد باشا قدم عليه ماهر والنقراشي مع أنه خدم البلد أكثر منهما ويشعر أنه أكفأ منهما وكان شفيق يسخر من عملهما لأنه كان مقصورا على إضراب موظفين وطلبة أو شيء من ذلك وهذه بلا ريب الصيغة الحقيقية لحديث شفيق الذي سمعاه هما الاثنان

أقواله عن ماهر

سئل الهلباوي أيضا في تحقيق 16 فبراير سؤالا عاما عما يعلمه عن ماهر فلم يقل إنه سمع من شفيق شيئا وإليك كل ما قاله.

س: ما الذي علمته عن ماهر؟

ج: علمت من عبد الحميد العبد أنه كان يشتغل في الحركة السياسية السرية ولكن لا أعرف عنه شيئا إذن فهو لا يعرف شيئا خاصا عن ماهر سوى ما يدعي سماعه من عبد الحميد العبد من أقوال مبهمة أما شفيق فلا ذكر له.

النتيجة هذا هو مقدار معلومات الهلباوي التي يقول أنه نقلها عن شفيق فأقواله بخصوص النقراشي ليس فيها إجرام مطلقا كما ظهر من مقارنة أقواله

وأقوال شمس الدين وما ذكره عن ماهر ليس منقولا عن شفيق بل عن عبد الحميد العبد بخصوص الحركة السياسية وهذه عبارة واسعة قد تشمل المنشورات والمظاهرات إلخ ومع ذلك فحتى هذه الأقوال التي لا قيمة لها لم يؤيدها الأستاذ عبد الحميد الذ ادعى الهلباوي سماعها منه فما الذي يبقى بعد ذلك من هذه الشهادة السماعية؟ لا شيء.

أقواله عن الشيشيني

قال الهباوي في تقرير 24 فبراير سنة 1925 ما يأتي:

كنت أتردد على منزل حسن أفندي الشيشيني بعد أن عرفني به وبعد أن حضرت من بلدتي لأشتغل في البحث عن الجرائم السياسية وكان محمود إسماعيل يتردد هناك وكنت أحتك به لأجل أن أعرف منه شيئا عن عصابته فلذلك كنت أذهب لمنزل الشيشيني أفندي ثم قال.

كان سمرنا في بادئ الأمر لا يخرج عن حد النكت والضحك حتى إذا كان قتل السردار حولت وجهتي إلى محمود إسماعيل فكنت اذهب لمنزل الشيشيني حيث أعرف أن هناك.

يرى من ذلك أنه ليس هناك ما يشر إلى أنه كان يشك في الشيشيني مع أنه قال في تقريره أنه عضو في الجمعية مع شفيق فإذا سلمنا أنه علم بذلك عند خروجه من السجن في فبراير 1924 وهو لم ينضم للبوليس إلا في أكتوبر سنة 1925 فكأنه في أكتوبر سنة 1925 لم يكن لديه أي شك في الشيشيني نفسه بل لم يشك فيه إلى ما بعد حصول حادثة السردار كما هو ظاهر من تقريره في حادثة السردار.

فإذا كان لم يشك في الشيشيني عند حادثة السردار بل كل شكوكه اتجهت لمحمود إسماعيل وأولاد عنايت وشفيق منصور فكيف نصدق تقريره في فبراير أنه سمع من شفيق قبل حادثة السردار طبعا أن الشيشيني عضو وعضو رئيسي في الجمعية.

أقواله عن أولاد البيلي

أظهرنا فيما سبق كذب شهادته من أولها إلى آخرها بمناسبة ما قاله عن البيلي بك وأخيه فإنه ادعى أنه سمع من شفيق أنهما عضوان في الجمعية ومع ذلك لم يذكر شيئا مطلقا عنهما لا في تقرير 5 فبراير ولا في التحقيق الذي تلاه بل بأنهما فعلا من تهمة الاشتراك في الجمعية ثم تغيرت الأحوال وأراد البوليس أن يقبض عليهما فجاء الهلباوي قبل القبض عليهما بأيام قليلة وادعى في التحقيق أنه سمع من شفيق أنهما هما أيضا عضوان في الجمعية.

النتيجة: ثبت من تحليل أقوال الهلباوي عن كل من المتهمين أنه أتهمهم لأن البوليس أراد أن يتهم لا لأنه سمع شيئا من شفيق عنهم.

رابعا الدليل الرابع على أن الهلباوي لم يسمع شيئا من شفيق عن أولئك المتهمين أنه لم يقبض على ماهر أو الشييشني أو البيلي في حادثة السردار عندما كان يقبض على كل إنسان لأقل شبهة أو بدون شبهة نعم إنه قبض على النقراشي.

ولكن سبب القبض عليه كان سياسيا كما هو ظاهر من أقوال الجرائد الإنجليزية ومن مجرى التحقيق الأول في قضية السردار فقد كان بعض الدوائر الإنجليزية تتهم الوفد وظن أن النقراشي إذا بقى في وكالة الداخلية قد يضلل التحقيق فقبض عليه كما قبض على غيره من الوفديين.

أما ماهر والشيشيني والبيلي فلو أن الهلباوي سمع حقيقة من شفيق أنهم أعضاء في الجمعية وأخير سليم أفندي زكي كما جاء في شهادة سليم أفندي زكي في 17 فبراير لو أن الهلباوي والبوليس يعرفان الجمعية وأعضائها الرئيسية قبل وقوع حادث السردار فكيف لم يقبضوا على أولئك الذين يزعمون أنهم أعضاء رئيسيون بينما كانوا يقبضون يمينا وشمالا على من تحوم حوله أقل شبهة؟

أليس ذلك دليلا على أنهم لم يكونوا يعرفون شيئا من هذا القبيل وأن شهادة الهلباوي السماعية لم يسمعها أحد من قبل ولا الهلباوي نفسه.

حالة شفيق النفسية.

بقيت لي كلمة موجزة عن حالة شفيق النفسية إن البحث في الحالة النفسية لأي إنسان لا يتحقق بأكمل معانيه إلا إذا شمل البحث كل حركاته وسكناته وأول مايلزم لذلك أن يكون الشخص حيا يتحرك ويسكن أما في هذه القضية فقد قضى علينا أن نبحث الحالات النفسية كما نبحث كل شيء أخر على الورقة والأوراق صامته لا تتكلم إلا باللغة التي يريدها من حررها.

قلت في بدء مرافعتي إن النيابة قد اعتدت على كل قاعدة عامة من قواعد التحقيق والإجراءات القضائية فأفقدت المتهمين الضمانات التي كفلها لهم القانون في علانية التحقيق وشفهيته وإجراءات القبض والحبس والاستجواب إلخ

وقد يظهر غريبا لأول وهلة أن أقول إن أهم الضمانات التي فقدناها هي شفيق منصور نفسه ولكنها الحقيقة التي لا نزاع فيها فشفيق منصور المجرم قد أعدم جزءا وفاقا على إجرامه وأما شفيق منصور الشاهد فلو أن النيابة كانت تريد أن تستند إلى شهادته فقد كان من الواجب عليها ومن حق المتهم أن تستحضره أمام المحكمة لاستجوابه ومراجعة أقواله من جهة وفحص حالته النفسية والعقلية وما يبديه من قول أو إشارة أو ما يلح على أسارير وجهه من جهة أخرى.

وإني أواثق أنه لو تسنى لأي محكمة أن ترى شفيق وحالة الخبل أو الجنون التي كان فيها لما أقامت لأقواله أي وزن ولست في ذلك مستنتجا بل مقررا لحقيقة واقعة فإن سعادة النائب العمومي نفسه لاحظ في دوسيه القضية أن اضطراب شفيق لم يكن ليجعله أهلا لأن يسمع فيما كان يريد إبداءه عن قضية السردار بعد الحكم فيها ويشهد الاستاذ وهيب بك دوس في التحقيق أن شفيق طلب إليه في محكمة الجنايات أن يقول أنه كان مسيرا عن ماهر والنقراشي.

فقبل ذلك منه بشرط أن يكتفي بما يقوله عنه وهيب بك ويقول الاستاذ وهيب وقد اشترطت ذلك أنه كان رأيي أنه مثل هذا البيان من شفيق شخصيا أمام المحكمة سيكون حتما مضطربا.

وقد حرمتنا النيابة من الاستفادة من هذا الاضطراب أمام القضاء فلم يبق إلا أن نرجع إلى الأوراق الميتة للبحث عن نفسية ميتة، ولهذا البحث أهميته مهما قدرناها فإن تلك الأوراق الميتة ناطقة ببطلان اعترافات أو افتراءات شفيق منصور لا لأن الكذب ظاهر فيها فقط بل لأن حالته القريبة إلى الجنون تجعل كل أقاويله باطلة حتما، ولا يصح لقاضي الإحالة أن يستند إليها ولو على سبيل الاستدلال.

غير أن البحث في نفسية شفيق والتعمق في هذا البحث قد يحتم على الباحث أن يفعل كما فعل دانتي أي أن ينزل الجحيم فقد كان شفيق في جحيم من نفسه ومن سجنه وإذا كانت الحكومة تظن أنها قد عاقبته بإعدامه فهي مخطئة فقد مات المسكين مرات عديدة قبل أن يموت موته الأخير.

أما العوامل التي دفعت شفيق إلى اتهام غيره من الأبرياء فبعضها خارجية وبعضها داخلية نفسانية أما العوامل الخارجية فهي التعذيب والوعد والوعيد. والعوامل الداخلية أو النفسانية هي الخوف من الموت والحقد والهستيريا العصبية القريبة إلى الجنون وهذه العوامل جميعها تجمعها ثلاث حقائق مادية.

السجن والبوليس وشبح المشنقة.أما عن العوامل الخارجية أي التعذيب والوعد والوعيد فلا تظن أن هناك قضية في العصور الحديثة اجتمعت فيها عوامل التعذيب مثلما اجتمعت على شفيق منصور.

السجن الانفرادي في مقدمة وسائل التعذيب التي استعملت مع شفيق وغيره من المتهمين السجن الانفرادي وقد بينت أنه لا يجوز حبس المجرمين المحكوم عليهم حبسا انفراديا أكثر من أسبوع واحدا أما هنا فالمتهمون يحبسون شهورا عديدة في زنزانة مظلمة ضيقة ويخرجون منها إلى فناء السجن لمدة لا تزيد على ساعة بشرط ألا يكلمهم أحد وفيما عدا ذلك يبقى السجين ليلا ونهارا

والباب مغلقا عليه على الدوام ثم من الساعة الرابعة بعد الظهر يحل الظلام فلا يرى السجين نورا في صباح اليوم التالي وهكذا دواليك شورا عديدة يقضيها السجين في ذلك القبر الحي إلى أن يخرج من سجنه أو يخرج من عقله فهال من عجب إذا جن شفيق منصور؟

وقد شكا شفيق شكوى مرة في معارضاته من أن النيابة بخلاف توجيه التهمة إليه لم تحقق معه مطلقا من يوم القبض عليه أي من 28 يناير إلى 5 مارس وأضاف إلى ذلك ما يأتي في محضر معارضة 28 فبراير السجن يعاملنا معاملة سيئة حيث نحبس حبسا انفراديا في زنزانة مترين ونصف وفي النهار لا يمكنني أن أخرج من الزنزانة وبالليل كل ربع ساعة يخبطوا على الباب ويفتحوا الكهرباء ليروني ولا يسمح لنا بحلق الذقن وقد شكيت من ذلك كما أنه لا يسمح لي بقض أظافري كما لا يمكنني أن أقرأ في كتاب وليس من مصلحة التحقيق أن يعذب المتهم.

وقد ذكرت الجرائد فعلا أن شفيقا في جلسات المعارضة كان في حالة يرثى لها وشكله أقرب إلى المتوحشين منه إلى المتحضرين.الوعيد أما عن أمثلة الوعيد فهي عديدة ومخزية وهذه بعض أقوال شفيق فيها ففي 7 أبريل قال كنت تحت تأثير الخوف والفزع والتهديد بالموت من الكونستبلات والجاويشية الموجودين بالسجن ثم قال في 11 أبريل كل ما صدر منى لم يحصل بمحض إرادتي وإنما كان من تأثير رجال البوليس الذين كانوا يلازمونني من الساعة 8 صباحا للساعة 9 مساء فكنت في حالة عصبية شديدة.

ثم اسمعوا بعض ما حل به: قال في محضر 14 مارس ما يأتي ثم يوم الجمعة شفت حركات غير اعتيادية ففي يوم الخميس علمت بأن سيحصل جلد داخل السجن بدون إعلاني وفي صباح اليوم قوموني بدري في الصباح وجابوا واحد حكيم وأخرجوني من الزنزانة الساعة خمسة وحلقوا ذقني وقالوا لي فيه اليوم مجلس عسكري وسمعت أن مدير السجون مع حضرة وكيل النيابة وأنهم سمعوا شهادة الشهود ثم سمعت أنه صدر حكم ضدي وأنه فيه جلد وفيه اشغال شاقة خمس سنوات.

ثم قرر في يوم 28 مارس بأنه سمع في السجن بأنه سيعدم بطريقة الربط على عمود وإلقاء الأحجار عليه وأنهم أخذوا كلا ملابسه من السجن.فما رأى حضرة القاضي في اعتراف يصدر على أقر ذلك التعذيب .

أما عن الوعد فقد وعد شفيق بتخفيف العقوبة إذا اعترف على شركائه وثبت أن إسماعيل صدقي باشا والهلباوي بك وعبد الملك حمزة بك أبلغوه هذا الوعد ولقد كان الوعد أقسى عليه من الحمى على الجسم ولذلك كان يندفع اندفاع المحموم ويهنئ هذيانه في اتهام الأبرياء بدون حساب أو ضمير وكلما عاد إلى صوابه عاوده شبح المشنقة المخيف وهكذا كان الوعد مصدر عذاب لهذا المسكين حتى أنه حرم من راحة اليأس إحدى الراحتين.

وأما العوامل الداخلية: فقد كان خوف الموت من أشد العوامل النفسية التي كانت تدفعه إلى اتهام الغير ولسنا في حاجة إلى الدليل الخارجي لإثبات أن شفيق كان فزعا للإعدام فقد كان لا يسحي أن يساوم على حياته برءوس هؤلاء المتهمين وقال النائب العموم في 7 أبريل أني قررت هذا القول لأني لم أجد نتيجة تعود علي ذكر أسماء الأشخاص الذين اشتركوا معي في الحوادث السابقة.

وفي تقرير آخر بدون تاريخ يكشف الستار صراحة عن غرضه وهو المحافظة على حياته التي تحتاج إليها عائلته أو يحتاج هو إليها.يدل على ذلك قوله لسليم أفندي زكي في 20 يونيو إني أخاف أن أكتب الآن الحقيقة بعد أن قلت أشياء ليست بالحقيقة فأجابه سليم أفندي مادمت ستقول الحق فلا تخشى أمرا فقال شفيق ومن سيساعدني إذن؟

المسالة مسألة مساومة لا مجرد اتهام أو تبرئة ولا أدل على شغف المسكين بالحياة من قوله بعد الحكم في تقرير 18 يونيو وحكم على نجيب الهلباوي وشمس الدين بالإعدام ثم استبدل الحكم عليهما بالأشغال الشاقة وأفرج عنهما أخيرا وهما الآن يتمتعان بالحرية والمعيشة العائلية والحياة بعد أن حرما منها عشر سنوات.

أما عن الحقد الذي كان يملأ نفسه فكان خاصا بماهر والنقراشي اللذين عينا في مناصب عالية وهم من بتوع المظاهرات والاضراب وهو أكفأ منهم وكما جاء في أقواله السابقة.

وهنا حقد عام على البلد التي وصمته بالخيانة فاتهم اثنين من كبار السعديين حتى لا يختص هو بتهمة الخيانة. وأما خبله وجنونه فيكفي أن نشير إلى ما جاء في تقرير السجن من أنه كان متهيجا ويمزق هدومه وينتحب كما جاء في تقرير الطبيب الشرعي أن حالته العصبية لا تسمح باستجوابه فهل يقال بعد ذلك إن عاقلا أعترف؟

إنه كان يكتب بكل ما أوتى من خبث المجانين ولكن أحسن ما قيل في ذلك هو قول أناتول فرنس إني أخوف ما تخافه من المجنون هو عقله فإن فترة الصحو كانت تملي على شفيق اعترافاته الصحيحة فكان بجنونه يهدمها واحدا فواحدا ومع ذلك يظهر للناس كأنه يعقل ما يقول وما يكتب.

وبعد فلقد انتهيت من مأساة هذا المسكين شفيق منصور وأنه لمن المحزن ولمفجع لكل إنسان أن يرى أن الضعف البشري قد يؤدي بالإنسان إلى هذا الدرك الأسفل ولكن شفيق قد أذنب كثيرا وتعذب كثيرا وأصبح أمره بين يدي الله وحده.

أما هؤلاء المتهمون الأبرياء قد تعذبوا كثيرا ولم يذنبوا كثيرا ولا قليلا ولقد وضع الله هناءهم وشقاءهم في كفة الميزان الذي بين جنبيك فإذا خلوت إلى نفسك يا حضرة القاضي فاذكر ما عاناه ويعانيه هؤلاء المتهمون وأحمد الله أنك قاض وأن العدل من حقك بل ومن واجبك أذكر ما يعانيه هؤلاء المتهمون من ظلم وظلام.

وما هم عليه الآن من ثبات ورباطة جأش وإذا رأيتهم رجالا لا يبكون ولا يستبكون فأرحم شجاعتهم فهي شجاعة الصابين والصبر أحر من البكاء واذكر آلامهم فهي في طيات الخفاء والجبان يجزع دو أن يتألم بينما الشجاع يتألم ولا يجزع وما ذلك إلا لأن الألم متغلغل في نفسه، لا تربطه دمعة ولا تسليه أنة.

إن إحالة هؤلاء المتهمين الأبرياء ليست مسألة شكلية بل ستتخذ قرينة عليهم وتكون كأنها مسمار في نعشهم فهل يرضى هذا عدلك.إنك وحدك القادر على منع هذه المظالم واعلم أنه ليس أظلم ممن يقدر على منع الظلم ولا يمنعه فهو شريك في الظلم مع غيره وظالم لنفسه فقل كلمتك فإننا لعدلك مرتقبون.

مرافعة نجيب الغرابلي باشا المحامي.تناول زميلي النحاس باشا أقوال شفيق منصور فجعلها دكاء وصيرها أنقاضا ثم ذارها في الهواء فكانت هباء منثورا.

وهكذا تمكن زميلنا ببراعته من تمزيق الحب وإزاحة الأستار ومكن العدالة ومكن الجمهور المتلهف من السير في طرقات هذه القضية الكبرى وطاف بهما في كثير من دروبها الملتوية وأزقتها المظلمة ليطلعنا على ما في منعطفاتها من المخازي وما في مزالقها من الأخطار وليقف الناس جميعا على ما في الزوايا من غريب الخفايا.

أمكنه أن يثبت لحضرة القاضي أن تلك الأقوال ليست بأقوال شفيق وحده وإن شفيق كان كالكرة تتقاذفها يد الأهواء كان كالريشة في مهب الريح كان كما يقول هو عن نفسه في حالة ثوران مدهشة ونفسية تتقلب من شيء إلى شيء

وظهرت أقواله كما يصفها هو بشكل مدهش ما بين إنكار واعتراف واعتراف وإنكار كان شفيق إذن شخصا تعصف به الريح وتقلبه ذات اليمين وذات الشمال منذ اصطدم بالمعاملة السيئة التي عومل بها في السجن والتي شكا منها مرارا في جلسات المعارضة شكا منها قبل صدور أي اعتراف منه مما يجعل لشكواه قيمتها لأنه لا يمكن القول بأن هذه الشكوى كانت للتخلص من اعتراف سابق عليها.

لا أريد إذن أن أعرض لهذه الأقوال وسأترك للأستاذ مكرم بك وهو شاعر رقيق أن يجوس خلال هذه الخرائب ليستخرج منها من المعاني ما يراه لازما للتنوير القاضي إن كانت هناك حاجة بعد إلى التنوير لأني أعتقد أننا بعد ما قاله زميلنا النحاس باشا لسنا بحاجة إلى كلمة واحدة لتفنيد أقوال شفيق.

موضوع يعقوب صبري

أما موضوع مرافعتي الآن فهو الكلام عن يعقوب صبري.

من هو يعقوب صبري؟

أنا لا أقدم هذه الشاهد بأحسن مما قدم به الشاهد نفسه فهو يشهد على نفسه في تقريره وفي أقواله التي قررها للنيابة بأنه مجرم سياسي متوغل في الإجرام واختلط بأولاد عنايت منذ نعومة أظفاره وانخرط في جمعية التضامن الأخوي التي بصفها بأنها جمعية رية ثورية في سنة 1908.

واشترك في أعمالها بمصر وحاول كما يقول أن يحرق منزل المرحوم الشيخ علي يوسف بوسيلة من أحط الوسائل وصدرت إليه الأوامر من جمعيته تلك بأن يقف على قدم الاستعداد عندما شرع في اغتيال المأسوف عليه بطرس باشا غالي ويقول إنه اشترك في حادثة الشروع في اغتيال ساكن الجنان المغفور له السلطان حسين بك يصرح علنا بأنه اشترك في صنع القبلتين اللتين استعملتا في الجريمة.

ومتى صحت شهادة يعقوب صبري على نفسه فلا نكون إذن في الواقع أمام شهادة شاهد علينا، بل أمام أقوال مجرم أمام عقلية من تلك العقليات الشاذة أمام رأس من ذات النزوات الخطيرة أمام نفس مختبلة أمام شخص استباح لنفسه أن يقتل أخاه الإنسان لمجرد الاختلاف معه في الرأي السياسي فهل يمكن أن يصدر عن مثل هذه المخلوقات الغريبة يكون موضع ثقة من القضاء.

كلا لأن مثل هذا الشخص الذي عميت بصيرته لدرجة أن يستحل دم أخيه لمجرد الخلاف معه في الرأي السياسي هذا الرجل قد يستحل لنفسه أن يزج بالأبرياء في أتون الاتهام لأي اعتبار يقوم في نفسه لأي اعتبار يفهمه هو وإن لم يفهمه ذوو العقول الصحيحة والطبائع السليمة فلا يستبعد عليه أن يتهم أي إنسان إذا اعتقد أن نجاة رقبته من الإعدام متوقفة على هذا الاتهام لذلك يجب ألا يقام لكلامه وزن في مجلس العدالة.

وإذا قلنا إن يعقوب صبري مركزه الصحيح في القضية مركز متهم فإننا لا نأتي بذلك من عندياتنا ولا نستنتجه من كلام يعقوب صبري فقط بل إن النيابة معنا في الواقع لأنها اعتبرته شريكا وقيدت القضية ضده كمتهم ولكنها رأت ألا ترفع عليه الدعوى للأسباب التي بينتها في قرارها.

نقول ذلك لتعرف المحكمة أنه إذا استطاعت النيابة التي تحشر اسم يعقوب صبري بين أسماء شهود الإثبات فإنها لن تستطيع تفنيد الحقيقة الثابتة بخطها في الأوراق وهي أن مركزه شريك في جرائم الاغتيال وهو معترف على نفسه بهذا الاشتراك فهو شخص متهم في أقوله وليس لأقواله أية قيمة قانونية ما لم يثبت من تحقيق تجربة النيابة صحة هذه الأقوال.

ولكن النيابة تأتي بكلام يعقوب صبري المتهم لتؤيد به كلام شفيق منصور المتهم كأن الأقوال المحتاجة إلى إثبات تعتبر في نظرها دليل الصحة على أقوال محتاجة إلى إثبات.

وبعبارة أخرى فإن النيابة تريد أن تؤيد الدعوى الباطلة بدعوى باطلة مثلها كلام شفيق منصور الذي تسلم النيابة بأنه يؤخذ على سبيل الاستدلال مؤيد في نظرها بكلام يعقوب صبري الذي يجب أن يؤيد على سبيل الاستدلال أيضا فهي تريد أن تتخذ من الضعف قوة تؤيد بها موقفها في الاتهام.

كنا نأتي في المعارضة بعد ظهور يعقوب صبري في القضية فنسمع النيابة تقول إن شخصا من الذين اعترف عليهم شفيق بأنهم شركاء معه في الجمعية فاه بأقوال تؤيد كلام شفيق وأن هذه الأقوال موضوع تحقيق تجريه النيابة ولذلك تطلب امتداد الحبس ولم يخل فيها نعلم تقرير من التقارير التي قدمتها النيابة في المعارضات بعد ظهور يعقوب صبري في هذه التصريحات فالنيابة إذن تسلم معنا بأن أقوال يعقوب صبري محتاجة إلى تحقيق ولا يجوز قبولها كعنوان الحقيقة بدون أن يثبت التحقيق صحتها.

حققت النيابة أقوال يعقوب صبري فهل ثبت من التحقيق صحة هذه الأقوال كلا وبالعكس فإن التحقيق الذي أجرته النيابة في أقواله جاء آية واضحة على كذبه وعلى كل حال فإن النيابة لم تقدم لهذه اللحظة شيئا يفيد صحة أقواله.

نستخلص من ذلك أن النيابة كانت مسلمة بأن كلام يعقوب صبري محتاج إلى تحقيق والتحقيق الذي أجرته في ذلك لم يؤيده ولذلك يجب عدم التعويل عليها.

وبعد هذا العرض البسيط لمركز يعقوب صبري في القضية ننتقل إلى مناقشة أقوله في ذاتها ومن المهم أن نعرف متى ذكر اسم يعقوب صبري على لسان شفيق في التحقيق.

متى ذكر اسم يعقوب صبري في التحقيق

ذكر شفيق اسم يعقوب صبري لأول مرة في 18 يونيه سنة 1925 في ذلك التقرير المشهور الذ تكلم عنه طويلا زميلنا النحاس باشا ولهذا التاريخ أهمية كبرى في تقدير أقوال يعقوب لأنه متى ثبت أن شفيق منصور سبق أن سئل عن الوقائع المرتبطة بشهادة يعقوب تمام الارتباط فذكر تلك الوقائع بدون أن يذكر شيئا عن يعقوب صبري.

إذا ثبت أن شفيق وقف في التحقق مواقف كانت تستدعي حتما ذكر يعقوب صبري لو كان ما يرويه عنه صحيحا ولكنه لم يذكره إذا ثبت ذلك فلا شك في أن يكون دليلا على أن ما يقوله بعد ذلك عن الوقائع التي يزعم أن يعقوب حضرها غير صحيح.

ونحن ذاكرون هنا لحضرة القاضي بعض تلك المواقف التي كان يتعين على شفيق فهيا ذكر اسم يعقوب صبري لو كان صادقا ومع ذلك لم يذكره فيها.

أولا: تقرير 13 أبريل سنة 1925 لا أريد أن أرجع إلى أقوال شفيق المتعددة التي قررها قبل اعترافه لكني أستسمح حضرتكم في توجيه نظركم إلى تقرير 13 أبريل سنة 1925 المقدم من شفيق منصور ذلك التقرير الذي اعترف فيه شفيق على نفسه وسولت له نفسه أن يتهم فيه ماهر والنقراشي باشتراكهما في أعمال الجمعية الرئيسية التي يقول عنها في ذلك التقرير تناول شفيق منصور الكلام عن واقعة قتل مصطفى حمدي فقال وأما مصطفى حمدي فقد قتل عندما كان يجرب قنبلة فأصيب ها وقد كان يشتغل بعملها وملوها وقد كان عنده التركيب في كتاب استخرجه منه وأخذ يجربه.

ذكر شفيق منصور حكاية مصطفى حمدي على هذه الصورة ولم يذكر شيئا عن علاقة ماهر بهذه الحادثة مطلقا وكذلك لم يذكر شيئا على الإطلاق عن يعقوب صبري وعلاقته بها.

ثانيا: سئل شفيق منصور في النيابة يوم 21 مايو سنة 1925 واعترف اعترافه المشهور وزاد على تخيلاته الأولى بالنسبة لماهر شيئا جديدا حيث زعم أن ماهر كان مع مصطفى حمدي أثناء تمرنه على إلقاء القنبلة في الجبل فانفجرت فيه وأصابت رأسه فوقع على الأرض فأسعفه أولا بمنديله أي منديل ماهر فلم يمتنع الدم فمزق بطانة البالطو الذي كان يلبسه وربط رأسه بها فتركه وعاد إلى مصر وأخبرنا بالحادثة ولاحظت بطانة البالطو ممزقة.ذكر شفيق تلك الواقعة التي تخيلها على هذه الصورة ومع ذلك لم يذكر شيئا عن يعقوب صبري.

ثالثا: إن النيابة واجهت شفيقا بالدكتور ماهر فيما نسبه إليه فكذب ماهر بشدة ما قاله عنه شفيق ومع ذلك لم يذكر شفيق اسم يعقوب صبري لتأكيد كلامه بل إن النيابة سألت شفيق سؤالا صريحا: هل عندك ما يثبت ما قررته ضد ماهر فقال: لا.

ولو كان شفيق يعلم أن صبري له معلومات في ذلك لما كان هذا جوابه بل لا ستشهد حتما بيعقوب صبري لتأكيد كلامه مع العلم بأنه كان بحاجة إلى هذا التأييد ليتقاضى الوعد الذي وعده به وهو عتق رقبته من الإعدام.

رابعا: بل هناك أكثر من بذلك فإن شفيق قرر في 21 مايو سنة 1925 أمام النيابة أيضا أن في هذا اليوم الذي قتل فيه مصطفى حمدي حضر سليمان حافظ المحامي من الإسكندرية وتصادف وجوده وقت إن كان أحمد ماهر عائدا من حلوان وسمع بخبر انفجار القنبلة في مصطفى حمدي.

فلو أن يعقوب صبري كان حاضرا لذكره شفيق لأن المقام كان يقتضي ذكره ولكنه لم يذكره وذكر اسم حافظ المحامي ولما سئل سليمان أفند حافظ عن ذلك كذب شفيق.واجهت النيابة سليمان أفندي حافظ بشفيق فلم يزد شفيق على إصراره على كلامه ولم يذكر شيئا عن يعقوب ليؤيد به كلامه.

هذه المواقف جميعها كانت تقتضي حتما أن يذكر شفيق اسم يعقوب صبري مقترنا بواقعة مصطفى حمدي ولكنه لم يذكره مطلقا لا مقترنا ولا غير مقترن بها.مما يدل على أن ما نسبة بعد ذلك إلى يعقوب صبري في تقرير 18 يونيه سنة 1925 غير صحيح بل هو من اختراعات شفيق وملقنيه.

متى سئل يعقوب صبري؟

عرفنا إذن أن اسم يعقوب ذكر على لسان شفق لأول مرة في 18 يونيه سنة 1925 فمتى سئل؟ سئل يعقوب لأول مرة في 16 سبتمبر سنة 1925 أي بعد ثلاثة أشهر كاملة.

لماذا؟ شخص تعلق عليه النيابة الأهمية التي تعلقها الآن شخص كانت النيابة محتاجة إليه لتعزيز أقوال شفيق ضد ماهر لماذا تتركه النيابة كل هذه المدة الطويلة بدون سؤال والمتهم محبوس؟ ولماذا خالفت النيابة عادتها في سرعة استدعاء الشهود حتى أنها لما ذكر شفيق اسم الاستاذ سليمان حافظ في 21 مايو استدعته من الإسكندرية فورا.

وسألته في 22 منه كما هو الواجب بل لماذا تلكأت النيابة في سؤال يعقوب وهي التي سارعت في القبض على ماهر والنقراشي بمجرد اتهام شفيق لهما في 21 مايو وفي يدها شهادة شفيق على نفسه بالكذب.

لماذا استبدل هذا النشاط الذي بدأ من النيابة في القبض على ماهر والنقراشي بنوم عميق بالنسبة لاستدعاء يعقوب صبر؟ هل في ذلك حكمة؟

نعم هنالك حكمة توضحها لنا الإجراءات التي اتبعت في هذه القضية تلك الحكمة التي نستميلها من أوارق التحقيق هي أنه كان يراد ألا يستدعى يعقوب صبري أمام النيابة قبل أن تطبخ أقواله وتستوي جيدا لأنها كانت عسرة الهضم.

كان يراد ألا يحضر قبل الاستيثاق منه ويظهر أنه كان صعب المراس فقد مرة ثلاثة أشهر كاملة على ذ كره دون أن يسأل.لم يكن أمام النيابة مندوحة عن سؤال لأن اسمه ورد في تقرير 18 يونيه سنة ك1925 وما كان باستطاعتها أن تتركه بدون سؤال فأحضر إليها أخيرا.

ما الذى قرره يعقوب صبري

أحضر يعقوب أمام النيابة في 16 سبتمبر سنة 1925 وسئل مصطفى حمدي فقال إنه يعرف وسبقت لهما مقابلات كثيرة قبل أن يتخرج حمدي في مدرسة البوليس ولكنه بعد أن تخرج في المدرسة لم ينظره.

سئل هل تعرف أحمد ماهر؟ فأجاب لا ولم أنظره أبدا وقد سمعت اسمه في الجرائد بمناسبة اعتقاله في حادثة السردار.سئل وهل سمعت شيئا حل بمصطفى حمدي؟ فأجاب ما كتب في الجرائد في حادثة السردار من أنه قتل في الجبل.

وسئل هل لم تسمع قبل حادثة السردار أو تعلم بأنه أصيب في الجبل بجهة حلوان؟ فقال لم أسمع.ولما ذكر له أقوال شفيق بخصوصه قال هذا محض افتراء.

هذه أجوبة صريحة في تكذيب شفيق وفي نفي الواقعة المنسوبة إلي ماهر هذه هي شهادة يعقوب صبري قبل أن يضعف وتخور قواه وقبل أن يلعب معه الفور قررت النيابة حبسه وسحب من أمامها حيث أودع في غيابة السجن تجري من وراء حجاب ولا يعلم الشعب عن أمرها شيئا فماذا كان جزاؤه على هذه الشهادة؟

كان جزاؤه أن وجهت النيابة إليه تهمة الاشتراك في اتفاق جنائي لارتكاب جنايات القتل السياسي مرتكنة على أقوال شفيق ونجيب الهلباوي وعلى الفور قررت النيابة حبسه وسحب من أمامها حيث أودع في غيابة السجن حيث يعامل المتهمون تلك المعاملة التي وصفها شفيق في جلسات المعارضة.

أصبح يعقوب بين أربعة جدران سميكة في زنزانة ضيقة مظلمة لا يرى فيها إلا شبحا مخيفا مزعجا هو شبح الموت الرابض بين قوائم المشنقة التي كانت مائلة أمامه منذ وجده إليه النائب العمومي تلك التهمة الهائلة وبعد مضي أسبوعين على حبسه كانت المؤثرات قد عملت فيه علمها وكان لابد من أن يشتري رأسه بأي ثمن فكتب تقريرا يعترف فيه على نفسه ويصادق فيه أقوال شفيق ضد ماهر.

تقرير يعقوب صبري

هذا التقرير تحوطه الريب والشكوك من جميع نواحيه ومن ذلك:

(1) أنه لم يكتب إلا بعد اتهام يعقوب وإيداعه السجن.

(2) أن هذا التقرير سلم مباشرة من يد مدير الأمن العام للنائب العمومي يعقوب صبري في السجن والتقرير كتب على ما يقولون في السجن والموكلون بحراسة المتهمين هم موظفو السجن والتقارير التي تكتب منهم يسلمونها عادة لمأمور السجن وهذا يرسلها إلى حكمدار البوليس وهو يسلمها للنيابة وذلك هو ما اتبع في تقارير شفيق منصور فلماذا يشذ هذا التقرير ويأتي على يد مدير الأمن العام مباشرة؟

وما شأن مدير الأمن بمسجون أصبح تحت تصرف النيابة وحدها وما هو ذلك الاهتمام الخاص الذي دعا مدير الأمن العام إلى أن يحضر شخصه لمقابلة النائب العمومي وفي يده تقرير يعقوب صبري شاهد آخر الزمان؟ إن هذا ا لشذوذ يوحي إلينا شكوكا كثيرة في أمر هذا التقرير ويدل على أن هذا التقرير قدمته أيد ما كان لها أن تسمه أبدا تلك هي أيدي مدير الأمن العام وعماله وهم بعيدو عن السجن ويجب أن يبقوا بعيدين عن المتهمين بعد تسليمهم إلى النيابة.

(3) خلو التقرير من التاريخ:

هذا التقرير غفل من التاريخ فلماذا ؟ ألا لأنه خيف أن يحدث في شأنه الخلط الذي حصل في تقرير شفيق المؤرخ 18 يونيه فرئى أن يكون التقرير خلوا من التاريخ لتكون الأيدي اللاعبة طليقة غير مقيدة في عبثها؟

(4) تأخير تسليم التقرير إلى النيابة:

إذا كان التقرير خاليا من التاريخ فإن من الأوراق ما يهدينا إلى تاريخه ذلك هو الجوا الذ أرسل به الحكمدار هذا التقرير إلى مدير الأمن العام هذا الجواب مؤرخ في أول أكتوبر وإذن فالتقرير لابد من أن يكون كتب أول أكتوبر على الأكثر.

ولكن مدير الأمن العام لم يقدم هذا التقرير إلى النيابة إلا في 4 أكتوبر ولو كانت الأمور تجري على طبيعتها لما حصل هذا التأخير مع أهمية التقرير في نظر أولي الأمر ولا يمكن أن نفسر هذا التأخير إلا بأن موضوع التقرير كان محلا للأخذ والرد في هذه المادة.

(5) صيغة التقرير:

التقرير افتتح بعبارة وختم بأخرى تدلان على أن يعقوب لم يكتبه إلا وهو مطمئن وبعد أن حصل على ضمانة تكفل له النجاة ولم يكن في ذهنه أقل خوف أو وجل من الاعتراف الذي يقدم عليه ضد نفسه.

أول التقرير (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم ألهمنا الصواب يا كريم) وآخره مظاهرة (فليحي جلالة الملك وليحي الأمير فاروق ) فما معنى اختتام التقرير بهذين الاسمين الكريمين أليس معنى ذلك أن صورة العفوي كانت قد حلت أمام عينيه محل صورة المشنقة.

وأيضا يجد حضرة القاضي أن يعقوب يتكلم في هذا التقرير كوظف قضائي فهو يشير على النيابة بأن تعطي ضمانات لفلان وفلان فإنهم إذا حصلوا عليها فربما أفادوا التحقيق وليس هذا شأن المتهم المقدم على اعتراف يذهب به إلى المشنقة فكلام يعقوب صبري عن إعطاء الضمان للغير يدل على اعتراف يذهب إلى المشنقة.

فكلام يعقوب صبري عن إعطاء الضمان للغير يدل على أنه كان قد حصل على هذا الضمان فعلا من أن يكون قد فهم وقت كتابة تقريره أن من يعترف على نفسه وعلى غيره يكون بمنجاة من الموت.

ويؤيد استنتاجنا:

  1. ما قرره عبد الحليم بك البيلي بالجلسة من أن دولة يحي إبراهيم باشا عرض عليه ضمانا إذا هو اعترف على الآخرين وإلا فلا ينتظر حماية من أي جهة كانت.
  2. أن شفيق منصور حصل على هذا الضمان قبل اتهامه لماهر والنقراشي في 21 مايو سنة 1925 باعتراف وزير الداخلية السابق نفسه.
  3. أن نجيب الهلباوي حصل أيضا على هذا الضمان قبل أن يعترف على نفسه وعلى غيره كما أثبت ذلك في تقريره المؤرخ في 5 فبراير 1925.
  4. أن الدليل موجود في يعقوب نفسه لأنه أفرج عنه بعد اتهام ماهر وهنا أقف لحظة أمام الحالة الغريبة.

يعقوب صبري سئل في 16 سبتمبر 1925 فأنكر التهمة المنسوبة إليه وكذب شفيق ما نسبه إلى ماهر فكان جزاؤه الحبس وفي 4 أكتوبر اعترف على نفسه وصادق على أٌوال شفيق بالنسبة لماهر فكن جزاؤه بعد ذلك الإفراج عنه.

حقا لقد حدثت في هذ القضية أمور عجيبة المتهم ينكر التهمة فيحبس ثم يعترف فيفرج عنه وهذا قلب للأمور فماذا جد في أقوال يعقوب صبري بعد سؤاله الأول؟ جد فيها اعترافه على نفسه بحيث لو كان مفرجا عنه لوجب حبسه لكنه بالعكس حبس منكرا وأفرج عنه معترفا فكأن اهتمام النيابة كله كان موجها إلى أخذ كلمة من شفيق ضد ماهر فلما أعطيت هذه الكلمة كانت كافية لإطلاق سراح يعقوب حقيقة نريد أن نعرف لماذا استدعته كشاهد ضد ماهر فلماذا حبسته على أثر تأديته الشهادة لصالح ماهر؟ ألا يكون معنى ذلك أن النيابة تعذب الشهود؟

وإذا كانت سألته كمتهم فلماذا حبست هذا المتهم وهو منكر ثم أفرجت عنه وهو معترف؟ أريد من حضرة النائب أن يوضح لي العلة في ذلك.

النيابة تقول إنها صرفت النظر عن الشركاء في الجرائم القديمة الذين لم يستمروا في العمل لأنه عفى عنها فإذا كانت هذه نظرية النيابة فلماذا إذن حبس يعقوب صبري أولا ولم يفرج عنه إلا بعد اتهام ماهر؟ وهكذا يتح لكم أن تقرير الوقاع الصحيحة في التحقيقات كان يجازي عليه بالحبس وهذا مصداق ما قرره محمد عثمان الطوبجي حين قال في جلسة المعارضة أمن أجل جزمة أحبس كل هذه المدة. لأن الحاج محمد جاد الله فصل عنه جزمة ولم يكن لديه ما يقرره ضده.

هكذا كان الشهود يلاقون الهوان فإذا ما باعوا ضمائرهم وانحطوا إلى الدرك الأسفل واتهموا الآخرين في ذلك الوقت كان يحق لهم أن يتنسموا نسيم الحرية.

قلت إن الظاهر في الأوراق هو أن يعقوب صبري أعترف تحت المؤثرات التي بدت لنا من خلال التحقيق هذا ما ظهر وأما ما خفى فالله أعلم به وكان ما يمكن أن نتصوره هو أنه من نوع ما قرره شفيق ستقتل ستشد إلى العمود وتموت رميا بالحجارة سينفذ فيك حكم المجلس العسكري.

حقا إن من يقرأ شكوى شفيق هذه لا يكاد يصدقها لكن نحن الذين قاسينا مرارة الاعتقال لا نستغرب ذلك ألم يطلب منا يوم ونحن معتقلون في قصر النيل أن نستعد للمثول أمام مجلس عسكري في صباح اليوم التالي الساعة 10 صباحا ولم تكن هناك تهمة موجهة إلينا دهشنا وتشاورنا في الأمر وصممنا على الوقوف سكوتا أمام المجلس العسكري الذي قيل لنا بأنه سيحاكمنا بدون تحقيق سابق، ولما أصبح الصباح لبسنا ثيابنا وتهيأنا للمحاكمة.

وفي الساعة العاشرة تماما فتح باب المعتقل لإنزالنا إلى ساحة المجلس ولما صار نصفنا داخل الباب والنصف الآخر خارج الباب جاءنا جاويش فقال لنا إ المسألة كانت غلطة وقد حصل أن انجرام بك دخل علينا يوما ونحن في الاعتقال أيضا فقال أين فخري بك عبد النور قال نعم فطلب إليه أن يذهب معه إلى غرفته ثم دخل معه وأقفل الباب والشباك بعنف فاستغربنا وعلى أثر ذلك سمنا فخري بك يصح بأعلى صوته قائلا: من هؤلاء الأوباش؟

أنا لا أعرفهم أنا لست من طبقتهم هذا كذب إلخ وبعد نحو نصف ساعة ما كان أعظم دهشتنا عندما رأينا انجرام بك خارجا من الغرفة وهو يصافح فخري بك متبسما وفخري بك يضحك أسرعنا إلى فخري بك وطفقنا نسأله الخبر فقال لنا: إنه بعد أن أغلق الباب سأله بلهجة عجيبة عن بعض الأسماء

وبعض حوادث لا يعرف عنها شيئا وعلم منه أنه متهم بإعطاء مسدسات لبعض الأشخاص بمنزل سعادة محمد باشا محمود لقتل الإنجليز وإن التهمة ثابتة عليه وأنه سينقل حالا من قصر النيل توطئة لمحاكمته إلخ قال فخري بك وبعد أن احتدمت المناقشة بيني وبينه قال لي انجرام بك لا تؤاخذني فهذه طريقتي وسمل على وخرج.

كذب رواية يعقوب صبري عن الدكتور ماهر

هذه الرواية كاذبة بدليل:

أولا تناقض أقواله مع أقوال شفيق وهذا التناقض ظاهر مما يأتي:

  1. قرر شفيق أن ماهر عندما حضر من الجبل قص عليهم القصة أي أن شفيق كان حاضرا ولكن يعقوب صبري قرر عكس ذلك وأكد أن شفيق لم يكن موجودا رغم تذكير النيابة له.
  2. أختلف مع شفيق أيضا فيمن دفنوا جثة مصطفى حمدي على زعمهم فقال شفيق إنهم ثلاثة ماهر والرافعي ويعقوب صبري وقال يعقوب صبري إنهما اثنان: ماهر والرافعي فقط.
  3. لم يذكر يعقوب في روايته شيئا عن منديل ماهر ولا عن قطعة البطانية بعكس الذي ادعى بأن ماهر أخبرهم بأنه ربط لحمدي الجرح بمنديله أولا ولما لم يكف مزق قطعة من بطانة البالطو الذي يلبسه وربط بها وقد سألت النيابة يعقوب عما إذا كان سمع من ماهر أنه عمل إسعافات لحمدي فقال لا أتذكر وسألته عما كان يلبسه ماهر فقال: بدلة فسألته إذا كان ماهر لابسا يومئذ بالطو فقال: غير متذكر.ذكرته النيابة أن الوقت كان شتاء فأصر على أنه لا يتذكر ذكرته صراحة بحكاية المنديل والبطانية التي قررها شفيق فقال إنه لا يتذكر أنه سمع ذلك من ماهر.
  4. إن رواية يعقوب تنفي بالعكس ما رواه شفيق عن المنديل وعن البطانة نفيا تاما.ذلك أن يعقوب صبري قال في تقريره إن ماهر قال لهم كنت اليوم أنا ومصطفى حمدي بحلوان وقد ذهبنا إلى الجبل لنجرب القنابل الجديدة ولكن مصطفى أخطأ رمى القنبلة فخرجت في رأسه ووقع إليه فوجدته فاقد الحياة والدم يقطر من رأسه إذن عندما اقترب ماهر من مصطفى حمدي كان هذا قد فارق الحياة فعلا فلم يكن هناك محل لأن يربط له ماهر الجرح بالمنديل أولا ثم يمزق بطانة البالطو ليربطها به ثانيا.وعليه يكون يعقوب وشفيق متناقضين في هذه الواقعة، مما يدل على تلفيقها وهل يدري حضرة القاضي لماذا اختلف يعقوب مع شفيق في ذلك ولم يسايره في هذه الفرية التي افتراها على ماهر وهي حكاية المنديل والبطانية لم يكن ذلك من يعقوب عن دافع من صدق أو رغبة في تقرير حقيقة طبعا لأن كل ما رواه عن ماهر ليس إلا اختلاقا في اختلاق لم يكن لشيء من هذا ولكن لا تكشف حكاية المنديل والبطانية عن أكاذيبه كما كشفت عن أكاذيب شفيق.فإنه عندما قدم يعقوب تقريره كانت جثة مصطفى حمدي قد أكتشفت ووجدت معها ملابسه كاملة ولم يعثر بجانبه إلا على منديلين ثبت أنهما للقتيل نفسه ولم يعثر على شيء من بطانة بالطو ولا على منديل آخر وبذلك أثبتت الماديات التي وجدت كذب رواية شفيق وأضعفتها في جميع مواضعها الأخرى.وبما أن الغرض من تقرير يعقوب كان تعزيز كلام شفيق فيما يتعلق بوجود ماهر مع مصطفى حمدي في الجبل وقت تمرينه على إلقاء القنبلة رئى أن تكون رواية يعقوب خالية من حكاية المنديل والبطانة حتى لا يتطرق إليها من هذه الناحية نفس الضعف الذي تطرق إلى رواية شفيق ولذلك رغم تكرار الأسئلة عليه في هذه النقطة وتذكيره المرة بعد المرة فإنه تحاشى أن يجاري شفيق في المنديل والبطانة وأكتفى بمجاراته في اقي الأكذوبة ظانا أن روايته تسلم بذلك من الاعتراض الموجة إلى رواية شفيق ذلك الاعتراض الذي نشأ عن العثور على جثة القتيل وملابسه.
  5. قرر شفيق في حكاية واقعة مصطفى حميد ما يأتي: وكان في هذا اليوم الذي قتل فيه مصطفى حمدي حضر سليمان حافظ المحامي من الإسكندرية وتصادف وجوده وقت أن كان أحمد ماهر عائدا من حلوا وسمع بخبر انفجار القنبلة في مصطفى حمدي.

ولكن يعقوب صبري قرر في أقواله أنه عند عودة ماهر من الجبل كان هو موجودا مع الرافعي في منزل المرحوم الصوفاني بك على انفراد فدخل عليهما ماهر ثم قص القصة ولم يذكر شيئا عن سليمان حافظ مطلقا.

فالتناقض الفاضح بين أقوال شفيق وأقوال يعقوب في المواضع الخمسة المتقدمة يدل دلالة قاطعة على أن روايتهما عن ماهر إنما هي رواية مختلفة من أساسها.

ثانيا: تحقيق النيابة لأقوال يعقوب صبري كذب هذه الأقوال:

قال يعقوب إنه عندما عاد ماهر من الجبل إلى منزل الصوفاني وقص القصة لم يكن موجودا إلا ماهر وعبد الرحمن بك الرافعي ويعقوب صبري فماذا ثبت من التحقيق؟

  1. سئل الاستاذ عبد الرحمن بك الرافعي عن رواية يعقوب صبري فكذبها تكذيبا قاطعا كما كذب سليمان حافظ رواية شفيق في هذا الصدد.
  2. سئل عبد العزيز أفندي الصوفاني عما إذا كان ماهر يتردد على منزل والده فنفى ذلك نفيا باتا وقرر أنه لم يره مطلقا داخل منزلهم.
  3. جاء في كلام نجيب الهلباوي عن عبد الحميد عنايت الذي أعدم في قضية السردار أن عبد الحميد أخبره بأن الذي كان مع مصطفى حمدي في الجبل هو عبد الخالق عنايت وشخص آخر لا يعرف وسيبحث عنه مما يدل على أن هذا الشخص الآخر صغير الشأن غير معروف وليس هو ماهر طبعا وهذا لا يتفق مع رواية يعقوب صبري.

ومما يؤدي لحضرة القاضي كذب يعقوب أنه اتهم شخصا يدعى محمد فريد كان زميلا له في المدرسة بأنه اشترك في أعمال الجمعية فلما واجهته النيابة به تراجع يعقوب وقال أنا لم أؤكد بذلك.

فماذا تقول النيابة عن شهادة عبد الرحمن بك الرافعي والأستاذ سليمان حافظ ومحمد فريد أليس لكلام هؤلاء قيمة في نظر النيابة وهم لم يعترفوا على أنفسهم بالإجرام كشاهدها يعقوب صبري؟

وهل شهادة عبد الرحمن بك الرافعي وسليمان أفندي حافظ اللذين يشتغلان مركزا محترما في الهيئة الاجتماعية لا تعادل شهادة يعقوب صبري الذي يعترف على نفسه بأنه متوغل في الإجرام؟

ربما يخطر ببال النيابة أن تقول لنا إن الرافعي بك في نظرها متهم ولكنها لم ترفع عليه الدعوى ولهذا لا تأخذ بأقواله فلماذا إذن أخذت بكلام يعقوب صبري وهو أيضا متهم في نظرهم حيث وجهت إليه التهمة فعلا وقيدتها ضده ولكنا صرفت النظر عن رفع الدعوى عليه فهل يمكن أن تزن النيابة بميزانين وتكيل للناس بكيلين؟

ثم ماذا تقول النيابة في شهادة عبد العزيز أفندي الصوفاني وهو شاهد لم توجه إليه النيابة أي شبهة وقد نفى تردد ماهر على منزل والده وقرر صراحة أنه لم يره في ذلك المنزل ولا مرة واحدة؟

ربما يقال إنه من المحتمل ألا يكون عبد العزيز رآه. ولكن شفيق زعم أن منزل المرحوم عبد اللطيف الصوفاني بك كان مركز الجمعية فلا مندوحة من أن يرى أبنه عبد العزيز الورداني والمترددين.

على هذا يكون التحقيق الذي أجرته النيابة في أقوال يعقوب صبري قد أثبت كذب هذه الأقوال فالنتيجة ماذا؟ لقد كانت النيابة تقول وتكرر في المعارضات أمام المشورى أنها تحقق أقوال يعقوب صبري وها هو تحقيق أقول يعقوب أثبت كذبه فيما رواه فما معنى تشبث النيابة بعد ذلك.

والخلاصة أن شهادة يعقوب لا تصلح لأن تعزز كلام شفيق كما أن كلام شفيق لا يصلح أن يعزز كلام يعقوب وأن كليهما ضعف ووهن.

تكلمنا عن شهادة يعقوب صبري وبينا لحضرة القاضي من هو يعقوب صبري وفي أي تاريخ ورد اسمه على لسان شفيق في التحقيق وأهمية ذلك التاريخ في تقرير صحة الواقعة التي شهد بها وكيف أنه مع ورود اسمه في تقرير شفيق المؤرخ 18 يونيه سنة 1925 لم يسأل إلا في 16 سبتمبر سنة 1925 والحكمة التي استخلصناها من ذلك السكوت العميق من جهة النيابة على سؤال هذا الشخص كل هذه المدة رغم ما تقتضيه ظروف القضية.

وبينا كيف أن يعقوب صبري عندما سئل أول مرة جاءت أقواله قاطعة في تكذيب شفيق منصور في كل ما قرره عن ماهر وكيف أن جزاءه على هذا الشهادة كان القبض عليه وإلقاءه في السجن وكيف أنه اضطر تحت التأثيرات التي أشرنا إليها إلى أن يعدل عن شهادته الحقة إلى قول الزور لينجي رقبته من الإعدام وبينا أيضا كيف أنه قدم تقريره وهو في السجن ومع ذلك لم قدم هذا التقرير إلى النيابة من طريقه العادي بل قدمة إلى النيابة مدير الأمن العام بيده بعد أن بقى هذا التقرير في أيدي البوليس أربعة أيام على الأقل.

كذلك بينا أوجه الريبة التي تحيط بهذا التقرير وهي التي تستخلص من خلوه من التاريخ ومن صيغته ومن تكلم يعقوب فيه عن الضمانات مما يشعر أنه هو نفسه حاصل على ضمان لتقرير أقواله وتكلمنا كذلك عن موضوع رواية يعقوب.وأوجه التناقض بينها وبين أقوال شفيق وكيف أن التحقيق الذي أجرته النيابة في أقوال يعقوب صبري أثبت كذبه.والآن نتكلم عن عدم معقولية يعقوب صبري.

رواية يعقوب صبري غير معقولة

زعم يعقوب صبري في روايته أن عبد اللطيف بك الصوفاني أرسل إليه وهو بالإسكندرية عدة خطابات يرجوه فيها أن يقابله بمصر عند وجوده فيها إذا دعته إليها مصلحته وأنه حضر بعد ذلك إلى مصر في يوم جمعة خصيصا لمقابلة الصوفاني بك فعرض هذا عليه العودة إلى العمل معهم فرفض رغم إلحاح الصوفاني ومحاولة إقناعه بدون جدوى.

ثم يقول يعقوب إنه أثناء ذلك دخل عبد الرحمن بك الرافعي فسكت عبد اللطيف بك عن الكلام وعرفهما ببعض وخرج للصلاة وتركهما معا وأنه لم يدر بينه وبين الرافعي حديث في شئون الجمعية بل كان الحديث يدور على أمرو عادية وأنه أثناء ذلك دخل عليهما ماهر فلما رآه سكت فقال الرافعي هذا يعقوب وقال ليعقوب هذا ماهر وعندئذ اندفعت أحمد ماهر يقض حكاية الجبل وما جرى فيها.هذه خلاص رواية يعقوب عن ماهر وهي رواية غير معقولة من جميع الوجوه.

أولا: لأن يعقوب صبري قرر في كلامه أنه انقطع عن أعمال الجمعية من سنة 1915 وأن مصطفى حمدي ذهب إليه بعد ذلك في سنة 1919 وألح عليه في أن يعود إلى الاشتغال بأعمال الجمعية فرفض لأنه أصبح رب عائلة ولأن نفسه كرهت هذه الأعمال ونفرت منها.

فكيف يعقل أن عبد اللطيف بك الصوفاني الذي يتهمونه زورا بأنه كان عضوا في هذه الجمعية بعد أن يعرف بأن صبري انقطع عن أعمال الجمعية وأنه لم يرضخ لتأثيرات مصطفى حمدي كيف يعقل أنه بعد ذلك يأمن جانبه فيراسله

ويلح عليه في خطاباته لمقابلته بمصر ألا ترى حضرة القاضي أن هذا التصرف لا يمكن أن يصدر عن رجل عاقل كالصوفاني بك الذي شغل مركزا بارزا في الهيئات التشريعية للبلاد وعرف بين مواطنيه بالفطنة والذكاء ألم يكن الصوفاني بك يخشى أن يتخذ يعقوب هذه الخطابات حجة ضده يوما ما أو يكون ضبطها عند يعقوب حجة عليه إذا ما حدث أي حادث يستدعي تفتيشه؟

ثانيا: سئل يعقوب عما فهمه من هذه الخطابات عند وصولها إليه فقال إنه فهم إن الصوفاني بك يريد أن يكلمه في العودة إلى أعمال الجمعية.

وإذا كان الأمر كذلك فلماذا جشم يعقوب نفسه السفر إلى القاهرة مرتين على مصاريفه كما يقول لمقابلة الصوفاني بك إنه كان كارها للجمعية ونافرا من أعمالها كما يقول فلماذا يهتم بالحضور على نفقته مرتين إلى مصر ليقول للصوفاني كلمة لا؟

نعم لمجرد كلمة لا لأن النيابة سألته عما إذا كانت يومئذ له مصلحة أخرى بمصر يقضيها فأجاب بأنه لم تكن له مصلحة أخرى وأنه حضر خصيصا لمقابلة الصوفاني بك مع أنه يعترف بأن مرتبه في ذلك الوقت كان مرتا ضئيلا لا يحتمل مثل هذه النفقات.

ثالثا: أن يعقوب صبري يقول أنه أثناء وجوده مع الصوفاني بك دخل عليهما الرافعي فقطع الصوفاني الحديث الذي كان دائرا بينهما حول عودته إلى أعمال الجمعية وخرج بعدها عبد اللطيف بك إلى الصلاة.فكيف يكون الرافعي عضوا في الجمعية.

ومع ذلك يقطع الصوفاني بك دخل عليهما الرافعي فقطع الصوفاني الحديث الذي كان دائرا بينهما حول عودته إلى أعمال الجمعية وخرج بعدها عبد اللطيف بك إلى الصلاة.

فكيف يكون الرافعي عضوا في الجمعية ومع ذلك يقطع الصوفاني الحديث عند دخوله وإذا كان حلول وقت الصلاة دعا الصوفاني بك إلى مغادرة المنزل بعد دخول الرافعي فلماذا يقطع الحديث مباشرة على أثر دخول الرافعي ولماذا لم يعقوب للتأثير عليه ولماذا بقي الرافعي في المنزل بغير مبرر مع حلول وقت الصلاة ومع خروج صاحب المنزل؟

رابعا: يقول يعقوب إنه بعد خروج الصوفاني كان الحديث بينه وبين الرافعي عاديا وكيف يكون الحديث عاديا إذن ما دام عضوين في جمعية إجرام واحدة؟

وبعبارة أخرى كيف يكون الرافعي عضوا في الجمعية ثم يكتفي من يعقوب بالحديث العادي ولا يسأله عن سبب انقطاعه عن العمل معهم ولا عن سبب رفضه لمشورة مصطفى حمدي ولا عن أخبار زملائه أعضاء الجمعية وأحوالها؟ هذا هو الحديث الطبيعي بين المجرمين.وأما الحديث العادي فلا يكون بين أشخاص يعرفون بعضهم ولهم سابقة اشتراك في أعمال إجرام.

خامسا: بعد هذا يقول لنا يعقوب إنه في أثناء ذلك دخل عليهما ماهر وإنه ما كان يعرفه من قبل ولم يسبق له رؤيته وكان مضطربا ولم يسلم على أحد وقال له مالك تكلم هذا يعقوب صبري وقال ليعقوب وهذا أحمد ماهر فتبادلا التحية ثم أخذ ماهر يقص حكاية الجبل وسرد تفاصيلها على مسمع من الرافعي وصبري.

مرحى مرحى الرافعي الذي لم يكن يعرف يعقوب صبري إلا حين عرفه الصوفاني باسمه يطلب مع ذلك من ماهر أن يتكلم أمامه حينما يدخل عليهما مضطربا.وماهر الذي لا يعرف شيئا عن يعقوب صبري بأكثر من قول الرافعي إن هذا يعقوب أفندي صبري يندفع في سرد حكاية مصطفى حمدي ويفضي بسر هائل من أسرار الجمعية.

فمن هو ذلك الشخص الذي يستطيع أن يعقل بأن إنسانا يلقي بمثل هذا السر أمام شخص لم يعفر عنه شيئا سوى اسمه؟ وإذا كان ماهر متصلا بالجمعية ويعمل علاقة يعقوب بها من قبل فكيف يلقى بهذه الرواية أمام يعقوب ما دام يعقوب قد انقطع عن أعمال الجمعية من سنة 1915 كما أنه رفض وساطة مصطفى حمدي في سنة 1919 وأخبره بأنه أصبح كارها لأعمال الجمعية نافرا منها؟

سادسا: سألت النيابة يعقوب عن المكان الذي تغدى فيه في ذلك اليوم فقال إنه لم يتناول طعام الغداء يومها: لماذا؟

هل عاد إلى الإسكندرية بقطار الظهر؟ كلا لأنه سئل فقال إنه غادر القاهرة الساعة الرابعة فلماذا يبهم يعقوب على النيابة ويهرب من الجواب لأنه يخشى أن يحصل تحقيق أمر الغداء فيفتضح كذبه.

سابعا: زعم يعقوب بأن الصوفاني بك أرسل إليه عقب عودته إلى الإسكندرية خطابا ينبئه فيه بأنه اتضح بأن مصطفى حمدي حي يرزق وأنه سافر إلى الأستانة.

وهذا أيضا غير معقول لأنه إذا كان يعقوب حضر حديث ماهر عن واقعة الجبل مرتين: مرة وهو يرويها للرافعي ومرة وهو يرويها للصوفاني بعد عودته من الصلاة فكيف يتصور الصوفاني أن خطابه هذا إلى يعقوب يجعله يكذب الواقعة التي سمعها بنفسه من مصدرها على ما يزعمون

وإذا كان الشك قد داخله فعلا من جهة يعقوب لامتناعه عن العودة إلى أعمال الجمعية حتى أراد أن يعمى عليه فكيف يكون ذلك بالكتابة إليه وهي أشد خطرا؟

ثامنا: سئل يعقوب فأكد أنه لم يقابل الرافعي قبل هذه الحادثة ولم يقابله بعدها إلا في لمنصورة لتهنئة بانتخابه عضوا لمجلس النواب إذ كان يعقوب ضابطا في مدرسة المنصورة وأن الرافعي لم يفاتحه في شأن من شئون الجمعية وهذا أيضا غريب أن يكونا في بلدة واحدة ولا يكون بينهما حديث عن الجمعية مع اشتراكهما في سر هائل.

وسئل عن ماهر فأكد أنه لم يره في حياته إلا في تلك الدفعة وحدها ولم يره أبدا قبلها ولا بعدها.

وحضرة القاضي يعلم أن يعقوب صبري موظف بوزارة المعارف وأن أحمد ماهر عي وزير للمعارف ويعقوب يعترف في التحقق بأنه كان متضررا من وجوده في الوجه البحري ويفضل أن يكون عمله في مديريته في الوجه القبلي بل يعترف بأنه نقل فعلا إلى الوجه القبلي بناء على طلبه بعد سقوط الوزارة السعدية.

كانت ليعقوب إذن طلبة غالية عنده وكانت هذه الطلبة بيد وزير المعارف وكان ماهر يوما ما هو ذلك الوزير الذي يقول عنه يعقوب إنه زميل قديم له في جمعية إجرامية وأنه أفضى أمامه بسر هائل.

أفلم يكن من المعقول إذن لو كان هذا صحيحا أن يذهب يعقوب صبري فيقابل هذا الوزير ليهنئه أولا وليلتمس منه أن ينقله إلى حيث يحب ثانيا وهي مأمورية هينة لينة؟ بل أما كان باستطاعة يعقوب صبري أن يهدد الوزير لو امتنع عن نقله بأن يفشي سره الهائل ويزيحه عن كرسي الوزارة.

وهل لا يدل نقله في عهد الوزارة التي خلفت وزارة الشعب على أنه لم يمت لأحمد ماهر بأي علاقة كانت ومن أي نوع كان؟ ويتلخص من هذا أن رواية يعقوب صبري لا يقبلها عقل ولا يرتاح إليها ضمير.

وقد تعترض علينا النيابة بأن يعقوب وصف منزل الصوفاني بك وأرشد النيابة عنه وهذا الاعتراض مدفوع أن عبد اللطيف بك كان زعيما بارزا من زعماء الحزب الوطني وكان بيته كعبة يقصدها أنصار هذا الحزب بعد وفاة المرحوم فريد بك ويعقوب هو باعترافه من أنصار الحزب الوطني وبهذه الصفة من الممكن بل من الطبيعي أن يعرف منزل عبد اللطيف بك الصوفاني.

وبهذه المناسبة نقول إن يعقوب لم يكن من أنصار الحزب الوطني فقط بل كان خصما لدودا للسعديين كما يدل عليه وصفه الوقح للسعديين في سياق التحقيق ولوصف منزل الصوفاني بك والإرشاد عنه نظير في التحقيق.

وذلك أن شكري الكرداوي كان متهما في حادثة دولة سعيد باشا وكان هاربا وقد صدر عليه الحكم غيابيا فلما أعفى عن المجرمين السياسية في عهد وزارة الشعب ظهر الكرداوي الذي شملته اتفاقية العفو والنيابة العمومية تنفيذا لهذا الاتفاق لم تتعرض للكرداوي ولم تقدمه للمحاكمة وقد أصبح حرا طليقا.

فلما بدأ البحث عن شهود على ماهر والنقراشي كان من ضمن الأشخاص الذين التجأت إليهم اليد المدبرة شكري أفندي الكرداوي وأفهم شكري الكرداوي بأنه إذا اعترف على الآخرين فهو ينجي نفسه ويحفظ مركزه لأنه الآن موظف بالمعاف وأحضروه أمام النيابة ويقول النائب العمومي إن شكري الكرداوي أخبره عندها شفهيا بأن النقراشي كان معهم في حادثة سعيد باشا ووصف له منزل النقراشي بالإسكندرية ومنزله بمصر.

ولما أراد النائب العمومي تدوين أقواله في المحضر قال له قبل كل شيء ما هو ضمان قبول شروطه فلما قال له ليس هناك ضمانة قرر شكري الكرداوي بأن كل ما ذكره قول مفترى أريد به المحافظة على مركزه الذي هو في حاجة إليه وهكذا قال النائب العمومي وأنه عندما عدل الكرداوي عن أقواله سأله عن مصدر علمه بأوصاف منزل النقراشي بالإسكندرية ومصر

فقرر بأنه كان ساكنا خلف منزل النقراشي بالإسكندرية منذ كان تلميذا بالمدرسة وأن الأستاذين أمين بك الرافعي وعبد الرحمن بك الرافعي كانا معه بالمعتقل في سنة 1919 وكانا يسكنان بمصر بالقرب من منزل النقراشي بك ولما أفرج عنه طلب منهما مساعدته في التحاقه بمدرسة الطب فأخبره عن النقراشي بك وقابله ووعده بالمساعدة ولذلك عرف منزله.

النحاس باشا: إن النائب العمومي كتب في 21 أغسطس سنة 1925 تقريرا كتقرير شفوي أي كتقارير البوليس، بأن شكري الكرداوي قال له شفويا إنه يشهد على المتهمين إذا أعطى له الضمان ويكون هذا الضمان بإمضاء سعادته.

هذا التقرير الخليق بأن يكون من عمل نجيب الهلباوي أو سليم زكي يكتبه النائب العمومي إمضائه وحده كل القوى ضدنا يا حضرة القاضي.

الغرابلي باشا وقد قرر شكري الكرداوي نفسه عن سؤاله بعد ذلك في التحقيق بأ سبب معرفته لمنزل النقراشي هو ما ذكر وأن النقراشي بك بحث حالته ثم قال له إنه غير ممكن إلحاقه بمدرسة الطب.

ولو كان شكري الكرداوي استمر في طريقة أي لو أنه أخذ من النيابة ضمانا على تنفيذ شروطه لساقه الخوف على نفسه من العقاب والخوف على وظيفته من الضياع إلى أن يشهد عليهما كما شهد يعقوب صبري اتقاء للضرر الذي يصيبه.

ومن هذا يتبين لحضرة القاضي كيف كانت تؤخذ شهادة الشهود ضد ماهر والنقراشي وكيف كان يخير الشهود بين أن يودي بحياتهم وبين أن يودي بحياة ماهر والنقراشي فكان ضعفهم يدفعهم إلى أن يشتروا أنفسهم برقاب الآخرين.وإلى هنا انتهيت من مناقشة أقوال يعقوب صبري.

ولم يبق إلا بيان حكم النيابة نفسها على أقوال هذا الشاهد فإن النيابة قد حكمت هي الأخرى على أقواله أنها غير معقولة وذلك أنها وجهت إلى يعقوب السؤال الآتي:

س: وهل تظن أنه من المعقول أن ماهر الذي لم يعرفك من قبل ولم تعرفه يخبر عبد الرحمن الرافعي بك بما حصل لمصطفى حمدي بحضورك إنه لم تكن هناك بينكما معرفة سابقة فكان جوابه أنا لم أعرفهم من قبل وهم لم يعرفوني:

وهكذا يرى حضرة القاضي أن النيابة في الواقع مثقفة معنا على عدم معقولية هذه الرواية ولكن الضرورة هي التي قضت على النيابة بأن تأتي بأمثال هذا الشاهد ممن لا يقام لكلامهم وزن لتملأ بأسمائهم قائمة الشهود في الوقت نفسه الذي ترى فيه أو أقوالهم بعيدة التصديق.

إذن فلا يمكن لحضرة القاضي أن يعتبر كلام شفيق من الدلائل الكافية للإدانة كما أنه لا يمكنه أن يعتبر كلام صبري من تلك الدلائل التي تبيح إحالة المتهمين كذلك.

شهادة علي حنفي ناجي

أن من هو علي حنفي ناجي؟

علي حنفي ناجي شاب تعطينا أقواله صورة صحيحة من أخلاقه فهو لود عاق سمح لنفسه بأن يتهم والده وهو في عالم الأموات بتهمة الاشتراك في حوادث الاغتيال وهل هناك عقوق أبلغ من عقوق هذا الشخص الذي يطعن سمعه والده بنذالة ووالده في عالم الأموات لا يستطيع الدفاع عن نفسه.

وهذه الطبيعة المنحطة التي سمحت له بأن يتهم والده على هذا النحو هل يستبعد عليها أن تتهم ماهر والنقراشي اللذين لا تربطهما به رابطة أبوة ولا أخوة ولا قرابة بل ولا معرفة تلك نفسية لم تقف عند هذا الحد بل تناولت فضح أسرار العائلة فعلى حنفي ناجي يقول لكم في التحقيق إن والده مات مدينا في 18 ألف جنيه صرفها في أعمال الاغتيال فهل مثل هذا الشخص الذي يلعب بسمعة أبيه ميتا وسمعة عائلته حية يمكن أن يؤتمن على شهادة الحق؟

علي حنفي ناجي جاسوس

لقد شهد علي حنفي ناجي على نفسه في التحقيق بالتجسس للإنجليز تارة ولوزير الداخلية تارة أخرى اشتغل عقب عودته من أوربا بالتجسس أولا للإنكليز فلما لم يجد طلبته راح يتجسس إلى الإنكليز بشهادة مستر كامبل السكرتير القضائي للمستشار المالي حيث قرر المستر كامبل أن علي حنفي ناجي ذهب إليه في 3 مارس سنة 1925

أخبره بأنه سمع من محمد عثمان الطوبجي بأن الحاج أحمد جاد الله متخوف من أن البوليس يراقبه وسئل حنفي ناجي عن ذلك فأقر أنه أخبر المستر كامبل بذلك كما أخبره بأمور أخرى متعلقة بالعمال أليست هذه هي الجاسوسية بعينها وما الباعث لعلي حنفي على نقل هذه الأخبار إلى المستر كامبل أليس معنى هذا أنه يرشح نفسه لوظيفة وينتظر فائدة من وراء هذا التجسس؟

هو إذن جاسوس ولكنه من نوع واطئ جدا لأن التجسس هو نقل أخبار صحيحة أمام علي حنفي ناجي فِإنه كان يختلق الأخبار على الناس ويبلغها للمتر كامبل وغيره على اعتبار أنها صحيحة فقد استشهد على ما ذكره للمستر كامبل بمحمد عثمان الطوبجي وحسن مرسي وكلاهما كذبه وقد تسبب عن ذلك حبس كل منهما مدة طويلة بلا جريدة إلا أنهما لم يصادقا على حنفي ناجي على اختلافه.

ويظهر أنه لم يجد عند المستر كامبل طلبته لأن هذا وجده متخفيا وكأنه لمح غرضه من وراء هذه الأكاذيب وعندئذ لجأ على حنفي إلى وزير الداخلية فهو يزعم في التحقيق أنه قابل يوما عصام الدين ناصف في ميدان المحطة فطلب منه عصام الدين مسدسا

فسأله عن السبب فقال له نريد أن نمير أي نقتل واحدا فخشى على حنفي أن يكون هناك تدبير للاعتداء على أحد كبار المصريين فأخبر نسبية الدكتور عزت وهذا أشار عليه بإخبار معالي صدقي باشا وفعلا قابله وقص عليه معلوماته وهذا كلام غير محتاج إلى تفسير ومن هذا الطريق حضر على حنفي إلى النيابة كما هو ثابت من مصدر المحضر الذي سئل فيه.

وإذا كان شاهد شريفا فلماذا لم يقصد النيابة مباشرة ليدلي إليها بمعلوماته بدل أي يمر بوزارة الداخلية أليس ذلك لأنه طالب مكافأة أو طالب وظيفة أو أي فائدة من أي نوع كان؟ لا شك أنه أراد المساومة على شهادته قبل أن يحضر أمام النيابة ولهذا اتبع هذه الطريقة الملتوية.

هذا يا حضرة القاضي ما استنتجناه عن نفسية الشاهد من أوراق التحقق ولكن المثل يقول ويأتيك بالأخبار من لم يزود فبالأمس فقط ورد على سعادة زميلي مصطفى باشا النحاس خطاب من الجمعية المصرية ببرلين خاص بعلي حنفي ناجي وسلوكه في ألمانيا وهذا نصه:

برلين في 25 يناير سنة 1926.حضرة صاحب السعادة مصطفى النحاس باشا.

بعد التحية: أتشرف بإبلاغ سعادتكم بأن بعد اطلاعي على الصحف المصرية بالبريد الأخير وجدت شاهد الإثبات على حضرتي الدكتور ماهر بك والأستاذ النقراشي بك المدعو على حنفي ناجي الذي كان معروفا في برلين بين الطلبة بالنصب والاحتيال فكان ينتظر بعض الطلبة الجدد ويأخذ منهم مبالغ كثيرة على سبيل السلفة أو الشراء لهم فلا يرجعها وقد رفعت عليه قضايا من أجل هذا وحكم عليه فيها منها قضية بمبلغ 25 جنيها انجليزيا لمحمود أفندي أحمد حامد طالب طب ببرلين نقودا.

ذهبية جنيهات انجليزية فهدده أمامي بتبليغ البوليس إن لم يحضرها وأحضرها فعلا ووضعها في مكانها على مرأى منا سرق آلة فوتوغرافية أيضا من طالب الطب عبد الرحمن أفندي فهمي متوفى الآن فأبلغ البوليس وبعد التبليغ أحضرها من الخوف أمام من كانوا موجودين بغير حياء.

ولا خجل وقد استغربنا حينما قرأنا أنه خريج مدرسة التجارة العليا ببرلين حيث إنه لم يتخرج من مدارس عليا أو متوسطة في برلين أو غير برلين ولم يشتغل هنا إلا بالنصب والاحتيال وكان طالبت اسما وجميع من رأوه يشهدون عليه هذا شيء عن شخصية هذا الشاهد الجرئ لتقفوا عليها.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام رئيس الجمعية المصرية محمد سليمان خميس طالب طب

وهذا الخطاب ورد بطريق البريد موصى عليه أقدمه لحضرة القاضي

هذا هو الشخص الذي استنتجنا من الأوراق قيمته فجاء البيد مصدقا لاستنتاجنا عنه. فهذه شهادة الشباب المصري ببرلين في علي حنفي وكاتب الخطاب هو شخص محترم موجود الآن يتكلم ويسرد حوادث ويتكلم عن شكاو في بوليس برلين.

ربما يقال وما قيمة أقوال شخص لم تسمعه النيابة إذا كان لأحد أن يقول هذا القول فليست هي النيابة تقوله لأن النيابة تستشهد بعلي حنفي على أن والده الميت قال كيت وكيت وهذا الوالد لم تسمعه النيابة ولم تره بعينها أما نحن فننقل عن شخص حي يرزق كتب إلينا معلوماته بخطه.

وكان خيرا لعلي حنفي أن يتوارى عن العيون بدل أن يظهر على المسرح محملا بكل هذه العيوب التي كان في غنى عن إظهارها.

النيابة كانت تعلم بأن لي لأقوال علي حنفي ناجي قيمة

يظهر لنا من تصرف النيابة أنها هي نفسها لم تكن تعتقد بأقوال علي حنفي ناجي بل تعتبرها غير جدية ولا يصح الاستشهاد بها لا على سبيل الاستدلال ولا غر الاستدلال فقد سألت النيابة علي حنفي ناجي في ي27 مارس سنة 1925 أي قبل القض على ماهر والنقراشي ومع هذا لم ترتب على شهادته هذه أي أصر

وهي لم تقبض عليهما إلا في 21 مايو سنة 1925 ليس بناء على كلام علي حنفي بل بناء على اعتراف شفيق المصحوب بالضمان وكانت النيابة كلما طلبتن امتداد أمر الحبس ترتكن على أقوال شفيق منصور وعلى تحريات منتظرة إلى غير ذلك أنها كانت تقدم كل مرة لأودة المشورة تقريرا مفصلا بالأدلة على ماهر والنقراشي

ومع ذلك كانت تستنكف دائما أن تذكر اسم علي حنفي ناجي بين شهود الإثبات فلم يرد اسم هذا الشاهد على لسانه ولا مرة واحدة في معارضة من المعارضات بل أكثر من ذلك فإنها عندما وجهت التهمة إلى ماهر والنقراشي وواجهتهما بالأدلة قبل الإحالة لم تذكر لهما شيئا عن شهادة علي حنفي ناجي ولم يعلم ماهر والنقراشي بأن علي حنفي شاهد في القضية إلا بعد إرسال أوراق القضية إلى قاضي الإحالة وعند إعلانهما بقائمة الشهود.فما معنى هذا التصرف من جانب النيابة؟

معناه أن النيابة كانت ترى أن كلام شفيق لا قيمة له في ذاته وكانت تنتظر ما يعززه فلما أحضر إليها يعقوب صبري كانت تنتظر تحقيق أقواله لتعززك بها كلام شفيق فلما أسفر تحقيق أقوال صبري عن كذبه لم يكن لديها ما يمكن أن يكون أساسا لرفع الدعوى العمومية

وعندما اقتضت الظروف رفع الدعوى على ماهر والنقراشي اضطرت إلى البحث في دفاترها القديمة فاستخرجت من تحت الأنقاض شهادة علي حنفي ناجي وأدرجته في قائمة الشهود بعد فوات الوقت وهذا أكبر دليل على خلو يد الاتهام من الأدلة الجدية.

مناقشة أقوال على حنفي

من يراجع أقوال على حنفي ناجي يجد أن الروح التي أملت هذه الأقوال توخت ثلاثة مقاصد جوهرية ظاهرة.

أولا: تبرئة حنفي من علاقته بالخديوي السابق، لأن والده كان متهما بالإخلاص له.

ثانيا: إيقاع الدسيسة بين العرش وصاحب الدولة الجليل سعد زغلول باشا.

ثالثا: تصفية الجو بين السراي وبعض كبار المصريين الذين كانوا متهمين بتلك العلاقة.

وموضوع هذه الأقوال ينقسم إلى قسمين: قسم عام وقسم خاص وكلاهما كاذب.

القسم الأول يتكلم فيه على حنفي عن علاقة صاحب الدولة زغلول باشا بسمو الخديوي السابق وأن الخديوي سعى لإطلاق سراحة من مالطة وأن والده كان رسولا في ذلك إلى بعض الإنجليز وأن الإنجليز اشترطوا على دولة سعد باشا أن يبقى في أوربا وألا يستغل بالسياسة إلى آخر الخرافات التي جادت بها مخيلة علي حنفي ناجي وهذه كلها أمور يأباها الواقع.

فخطة دولة الرئيس في جبل طارق كانت واضحة من الحديث المشهور الذي نشرته شركة روتر في 22 نوفمبر سنة 1922 وهو في المعتقل وفي هذا الحديث كذب دولة الرئيس وجود أي علاقة بينه وبين سمو الخديوي السابقة وهذا هو نص التلغراف.

جيل طارق في 22 نوفمبر سنة 1922 كذب زغلول باشا وجود أي علاقة بينه وبين سمو عباس باشا حلمي الخديوي السابق وقال إنني أكره الدسائس فأنا أخدم بلادي كشخص سياسي وأريد أن أؤكد ولائي الحار للأسرة المالكة في مصر وخصوصا الملك الحالي وولي عهده الأمير فاروق.

هذا التلغراف الذي أذاعته شركة روتر منشور في جريدة السياسة بعدد 24نوفمبر سنة 1922 إذن على حنفي لم يتورع عن الكذب وليس الأمر مقصورا على ذلك بل إنه لم يتورع عن أن يدس دسيسة ويثير شكوكا هائلة فيما يختص بعلاقة دولة الرئيس بالعرش ومن يدرينا إن كان ما تئن منه البلاد الآن هو من أمثال هذه الدسيسة الدنيئة.

وليس هذا التلغراف الثابت التاريخ هو فقط الذي يكذب رواية على حنفي ك إن خطة دولة الرئيس بعد مغادرته جبل طارق تدل على أنه لم يكف عن السياسة

كذلك فإن ما نستيقنه من أحاديث دولة الرئيس التي فاه بها عقب عودته من مالطة وفي هذه الأيام ينفي هذه المزاعم الباطلة نفيا تاما ويدل على أن كل ما فاه به علي حنفي ناجي مختصا بدولة الرئيس إن هو إلا محض اختلاق على أن السليقة السليمة وحدها تكفي لتكذيب أقوال هذا الغلام اللاعب بالنار لأنها ظاهرة البطلان ولو كان سمو الخديوي السابق يملك من الأمر شيئا لكان الأول أن يستخدم هذا النفوذ لنفسه بدلا من أن يستخدمه لغيره.

القاضي ورد تلغراف من شكري الكرداوي يقول فيه ما يأتي:

ما ورد بلسان الأستاذ رياض بجلسة الأحد بتقديمي تقريرا ضد المتهمين غير صحيح ولم أقدم تقريرا مطلقا ورجاءي قراءة ذلك بالجلسة وإثباته.محمد شكري الكرداوي.

الغرابلي باشا أما القسم الخاص الذي يتكلم فيه على حنفي عن وقائع مرتبطة بالقضية المنظورة فهل يشمل كلاما عن حادثة المرحومين حسين عبد الرازق واسماعيل بك زهدي وحادثة المستر براون بالجيزة وعبارة أخرى يرويها على سبيل الاستنتاج يقال حنفي إنه لما حصل حادث المرحوم حسن باشا عبد الرازق كان والده بأروبا

ولما سمع بالخبر تأثر جدا وكان إسماعيل بك زي ابنه ولما عاد إلى مصر عقب سماعه بهذه الحادثة عاد ثانية إلى أوربا بعد 6 أسابيع أ وسبع وقابلته في جنوه في 19 أو 20 نوفمبر في 20 يناير سنة 1923 ولا أتذكر في أي مرة من المرتين التي عاد فيهما أخبرني أن الذي دبر حادثة المرحومين حسن باشا عبد الرازق وإسماعيل بك زهدي هو أحمد ماهر

وإنه اشترك في الحادثة بعض الموظفين ولكنه لم يخبرني عن أسماءهم ولو افترضنا لحظة أن علي حنفي ناجي صادق وإنه سمع من والده هذا الكلام لكان والده في ذلك ناقلا عن الغير لأنه كان في أوروبا وقت الحادثة وسمع بها من غيره عندما حضر إلى مصر وهذه الرواية السماعية لا قيمة لها.

ولكن الواقع أن علي حنفي كاذب والتواريخ تثبت إنه يخلط وذلك لأنه يدعي أن والده سمع بالحادثة في أوروبا ثم حضر إلى مصر ومكث بها ستة أو سبعة أسابيع ثم عاد إلى أوروبا في 19 أو 20 نوفمبر سنة 1922 مع أن الحادثة حصلت في 16 نوفمبر سنة 1922.

وهذا يدل على أنه يتخيل فيروي ما يمليه عليه خياله ولا يلبث أن يظهر الاضطراب والخلل في كلامه وشأنه في ذلك شأن أولئك الذين لفقوا الوقائع التي شهد يكذبها نفي النحاس باشا إلى سيشل واعتقال النقراشي بقصر النيل وسفر البيلي إلى لوزان.

أما بالنسبة لحادثة براون فإنه يقول إن والده أخبره بأنه أعطى ما هو 30 جنيها ثمن كاوتش استعمل في الحادثة وكذب هذه الواقعة ثابت من دوسيه قضية حادث المستر براون حادثة براون حصلت في سماء 12 أغسطس سنة 1922 وأوراقها موجوده بين أيديكم وقد اعترف كثير من المتهمين فيها اعترف فيها عبد الحميد عنايت وعبد الفتاح عنايت ومحمود راشد اعترافا كاملا

وقد سئلوا عن السيارة التي استعملت في الجريمة فقالوا إنها سيارة أجرة وإنها استحضرت من موقف وأن بعض الجناة هربوا فيها على أثر ارتكاب الجناية وسئل كل منهم عن سواق السيارة فقالوا أنهم لا يعرفونه.

ومعلوم أنه إذا عطب كاوتش السيارة الأجرة فلا يكون الراكب ملزما بأن يدفع ثمن لصاحب السيارة فضلا عن أنه لا أحد من المتهمين في تلك القضية ذكر شيئا عن تلف الكاوتش بل قالوا إن الجناة هربوا عليها إلى أن تفرقوا وهذا كله يكذب على حنفي

والعبارة الثالثة هي أن النيابة سألته: هل لم يخبرك والدك عن الأشخاص الذين اشتركوا معه في تدبير الحوادث التي حصلت بمصر فقال: أنا فهمت من والدي أنه وآخرين كانوا يدبرون هذه الأعمال ولكن كلا منهم كان مختصا بفئة من الفئات فمثلا والدي كان مختصا بالعمال وماهر والنقراشي بالموظفين إلخ.

ونلاحظ على هذه العبارة أولا أن علي حنفي لم يذكرها من تلقاء نفسه وثانيا أنه يقول فهمت من والدي فهو على فرض أنه غير كاذب مستنج واستنتاجه لا يعول عليه غير أنا قد أثبتنا أنه لا يمن تصديق هذا الشاهد بحال من الأحوال.فالأمور الثلاثة التي رواها علي حنفي جميعها مختلقة ومن بنات خياله.

أقوال علي حنفي ناجي

لا قيمة لها قانونا ولو كان أعدل العدول.إننا لو غسلنا علي حنفي من جميع الأرجاس التي وصفه بها رئيس جمعية الطلبة ببرين وفرضنا أنه أعدل العدول لما كان لكلامه أية قيمة.

فهو شاهد سماع هو ناقل عن والده وإذا قيل إن رواية السماع تؤخذ على سبيل الاستدلال فإن أقوال علي حنفي لا يمكن قبولها حتى ولا على سبيل الاستدلال لأن شهادة السماع التي تؤخذ على سبيل الاستدلال هي التي يمكن أن يستدل بها على الحقيقة هي التي يمكن أن توصل المحقق إلى الدليل فهل أقوال علي حنفي يمكن أن توصل الدليل؟ كلا لأنه يروي عن والده ووالده أصبح في عالم الأموات فلا يمن سؤاله لمعرفة إن كان قال ذلك حقيقة أم لا فشهادة علي حنفي عقيم.

بل لو فرضنا جدلا أن المرحوم حنفي بك ناجي قال لابنه ذلك فهل يمكن اعتبار كلا حنفي بك هذا على فرض صدوره منه شهادة على ماهر والنقراشي؟كلا فإنه حنفي بك ناجي لم يسأل في تحقيق ولا يمكن سؤاله في المحكمة.

وهكذا كانت النيابة على صواب عندما أغفلت أولا أقوال علي حنفي ناجي ولكن الأمر ما عادت إلى هذه الشهادة مضطرة وجاءت بعلي حنفي كشاهد ضرورة.ويتلخص من ذلك أن علي حنفي كاذب في أقواله وأن هذه الأقوال في ذاتها غير منتجة قانونا.

فشهادة شفيق تقدمها النيابة على سبيل الاستدلال لأنه ميت وشهادة يعقوب صبري تقدمها النيابة على سبيل الاستدلال لأنه متهم بالاشتراك في الجرائم وإن صرفت النظر عن رفع الدعوى عليه وقدمت في أخر لحظة علي حنفي ناجي الذي لم ترى محلا لذكره لأن أقواله لا تؤخذ حتى ولا على سبيل الاستدلال لهذا تكون القضية خالية من أي دليل على الدكتور أحمد ماهر والأستاذ النقراشي.

لذلك نطلب التقرير بأنه لا وجه لإقامة الدعوى بالنسبة لهما والإفراج عنهما فورا.وبعد سماع المرافعات قرر قاضي الإحالة تقديم جمع المتهمين أمام محكمة الجنايات ونظرت القضية في 27 مارس 1926 برياسة المستر كرشو وعضوية كامل إبراهيم بك وعلي عزت بك فقضت في 25 مايو سنة 1926 ببراءة جميع المتهمين عدا محمد فهمي علي الذي قضت عليه بالإعدام شنقا ونفذ في 3 أكتوبر سنة 1926.

والسلام، السلام عليك يا علي حين سمعت حكم إعدامك وحدك وبراءة الباقين فهتفت لتحي مصر حرة.. نموت نموت فداءك يا مصر.

القضية السادسة.الشروع في قتل إسماعيل صدقي

• دكتاتور أو سفاح يحكم بالجيش والبوليس والتقارير.

• حاكم جعل التزوير أساس الحكم.

• رغم حكمه العسكري وقته الفولاذية لم يستطع طوال سنوات توليه السطلة أن يقضي على صوت الجماهير الوطنية.

• الفلال الثائر على الاعتقالات..... المجاهد من أجل حماية ودعم الحريات.

لم يحظ رئيس وزارة مصري بما حظي به إسماعيل صدقي من عداوة شعبية عداوة بلغت إلى حد المصادمات الدموية التي نتج عنها مصرع عشرات المواطنين وإصابة المئات بإصابات بالغة.

فطوال فترة حكمه وقع كثير من الحوادث التي تؤكد مدى فساد سياسته وقسوة حكمه ابتداء باستصدار المراسيم التي تقضي بتأجيل جلسات البرلمان الوفدي لمدة شهر اعتبارا من 21 يونيو 1930 وإغلاق أبواب البرلمان.

ووضع قوات مسلحة حوله لمنع الأعضاء من الدخول أو الوصول إلى قاعة المجلس وإلغاء دستور 1923 وتزييف الانتخابات وتلفيق القضايا إلى أن وقعت حادثة البداري في 5 مارس 1932 التي أكدت توحشه وتوحش بطانته المتمثل في انتهاك العرض والاغتصاب والاعتداءات المتكررة على حقوق شعب بأسره داخل معتقلات صاحب المعالي السفاح صدقي باشا.

فلقد قتل مأمور مركز البداري بسبب ارتكابه حوادث تعذيب مع بعض المواطنين دعت اثنين منهم إلى قتله انتقاما منه وحوكما أمام محكمة جنايات أسيوط فقضت على أولهما بالإعدام وعلى الثاني بالأشغال الشاقة المؤبدة فرفعا طعنا نظر أمام محكمة النقض برياسة عبد العزيز باشا فهمي فأثبت في حكمه الصادر في 5 ديسمبر 1932 الآتي:

إن ما قام به رجال البوليس في حق المتهمين ومعاملة الناس بالبطش غاية البطش بطش تخطى العنف إلى التعذيب في أقبح صورة، فلقد أتى رجال البوليس من المنكرات ما هو إجرام في إجرام ومن وقائعها ما هو جناية هتك عرض يعاقب عليها القانون بالأشغال الشاقة.

وإنها من أشد المخازي إثارة للنفسي واهتياجا ودفعا بها للانتقام وإننا لنرى أن ما جعلته محكمة جنايات أسيوط موجبا لاستعمال الشدة كان يجب أن يكون من مقتضيات استعمال الرأفة ومع ذلك قضت محكمة النقض برفض الطعن لأنها لا تملك قانونا تخفيف العقوبة إلا أنها طالبت في حكمها بتدارك هذا الخطأ القضائي.

وعلى أثر إبلاغ حكم محكمة النقض في قضية البداري إلى وزارة الحقانية اضطرت إلى وقف تنفيذ حكم الإعدام على المحكوم عليه به واتخاذ الإجراءات القانونية لتخفيف الحكم، وقد خفف فعلا إلى الأشغال المؤبدة على من حكم عليه بالإعدام ومدة 15 سنة على من حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.

وأمرت وزارة الحقانية وكان يرأسها عبد الفتاح باشا بحيي بالتحقيق في حوادث التعذيب التي أشار إليها بالحكم وفي حوادث تعذيب أخرى وقعت من رجال البوليس في بلاد أخرى فأخذت النيابة في تحقيقها وقطعت في بعضها شوطا بعيدا، ثبت فيه إدانة بعض ضباط البوليس.

وتنبه صدقي إلى أن استمرار التحقيق في هذه الحوادث وأمثالها سيكشف عن فظائع لا يريد لها أن تظهر وربما أدى إلى منع وقوع مثلها وقام حلاف بينه وبين عدد من الوزراء حول وجوب تحقيق هذه الحوادث انتهى باستقالة عبد الفتاح بحيي وزير الحقانية علي ماهر وزير المعارف ما كان إلا أن تقدم صدقي باشا باستقالته إلى الملك قائلا في استقالته.

إن الوئام وحسن التفاهم اللذين كانا رائدي الوزارة في القيام بأعباء الحكم قد أصابها في الآونة الأخيرة شيء من الوهن الأمر الذي ترت عليه استعصاء قيامها بالواجب الذي تفضلتم بإسناده إلى واستقال صدقي وكانت استقالة متفقا عليها بينه وبين الملك للإطاحة بعبد الفتاح يحيي وعلي ماهر والوزيرين اللذين تضامنا في وجوب تحقيق المآسي التي يعانيها الشعب المصري من صدقي وبطانته.

وقبلت الاستقالة في 4 يناير 1933 وفي نفس اليوم عهد الملك إلى صدقي باشا بتأليف الوزارة الجديدة، بعد أن استبعد منها الوزيرين السابقين، وأدرك رجال البوليس أنهم مؤيدون من الملك والحكومة وأن معنى ذلك هو حماية روح البطش.

والعسب في تصرفاتهم وإطلاق يدهم في التنكيل بالأهالي غير مراعين حرمة للعدل والقوانين فتمادوا في خطتهم مطمئنين إلى أن الوزارة الجديدة تحميهم وتسندهم وأن الملك يسكت على هذا الأسلوب من الطغيان ولا يعترض على هذا البغي والعدوان.

فأيقن الشعب بكافة طوائفه أن الوغد الحقيقي في البلاد هو الملك وأن صدقي هو أداته المنفذة وشريكه في الاعتداءات المتكررة على حقوقه وحريته، فتجددت المصادمات الدموية ضد الملك وصدقي في سبيل الحصول على الحرية فقد عثر في ديسمبر 1933 على قنبلة على سور مدرسة الهندسة في صباح اليوم الذي زار فيه الملك فؤاد المدرسة.

وفي 16 مايو 1932 حاول محمد علي الفلال قتل صدقي باشا بإطلاق الرصاص عليه بمحطة القاهرة ولكن قبض عليه قبل أن يقتله وقدم لمحكمة جنايات مصر المشكلة برياسة محمد نور بك وحضور محمد نجيب سالم بك وإبراهيم ثروت بك مستشارين ومحمد لبيب عطية بك النائب العمومي وتولى الدفاع محمد عرفة وبسطا شكري ومهدي الديواني وبعد سماع المرافعات والاطلاع على الأوراق والمداولة قضت المحكمة على محمد علي الفلال بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة

المحاكمة

قرار الاتهام:

نحن النائب العمومي لدى المحاكم الأهلية نتهم محمد علي الفلال الشهير بسلطان عمره 32 سنة وصناعته طاه، ومولود بالقاهرة ومقيم بباب البحر بدرب سعيد عطفة الطواشي رقم 3 باب الشعرية ومحبوس بسجن الاستئناف تحت رقم 7357/ 471 بأنه في صدر يوم الثلاثاء 21 المحرم سنة 1352 هجرية الموافق 16 مايو سنة 1933 ميلادية بفناء محطة مصر قسم الأزبكية من أعمال مدينة القاهرة.

شرع في قتل حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا رئيس مجلس الوزراء عمدا ومع سبق الإصرار والترصد بأن جمع رأيه وأعد عدته لتنفيذ جريمة القتل العمد في دولة المجني عليه فتسلح بآلة قاتلة لا تترك مجالا للشك في قصده وهي مسدس صالح للاستعمال ورصاصات صالحة للانطلاق وأتى إلى محطة مصر لتنفيذ عزمه المعقود مخفيا مسدسه المحشو في طيات ثيابه وتربص هناك بدولة إسماعيل صدقي باشا حينا من الزن لعلمه بأنه لابد آت عما قريب إلى ذلك المكان لسبق ذيوع إزماعه السفر إلى أوربا وتحديد موعد الرحيل،

ولما أقبل دولته فعلا إلى المحكة هرع المتهم نحوه لتنفيذ عزمه واخترق صفوف العساكر شاهرا مسدسه في يده اليمنى بعد أن أخرجه من طيات ثيابه ومصوبا إياه نحو المجني عليه، ثم عمل على إطلاقه عليه فلم تخرج الرصاصة لعارض فجائي ودهم المتهم إذ ذاك في لمح البصر ممن كان حول الرئيس وخاب أثره لسب لا دخل لإرادته فيه وهو أولا عدم انطلاق المسدس لأمر عارض عندما عمل على إطلاقه على المجني عليه ليرديه قتيلا ثنايا أن المتهم قد دهم سريعا ممن قبض على يديه وشل حركتها وانتزع منه آلة القتل قبل أن يتمكن من معاودة إطلاق زنادها.

وبناء على هذا:

يكون المتهم قد ارتكب الجريمة المنصوص عنها في المواد 45و 46و 194 و 195و 196 من قانون العقوبات الأهلي. من أجل هذا:

نطلب من حضرة قاضي الإحالة بمحكمة مصر الابتدائية الأهلية أن يحيل هذا المتهم إلى محكمة جنايات مصر للحكم عليه بمقتضى تلك المواد.سراي القضاء الأهلي في يوم الخميس 15 صفر سنة 1352- 8 يونيو

قائمة بأسماء شهود الإثبات مقدمة من النائب العمومي:

حمد محمد حسين بك- الأمين الثاني لجلالة الملك

يشهد بانه ذهب إلى محطة مصر يوم الحادث لتودي دولة إسماعيل صدقي باشا رئيس مجلس الوزراء في سفره إلى الخارج ولما أقبل دولته سار إلى يمينه هو وبيكر بك نائب حكمدار العاصمة ولما اجتاز الجمع ممر الوزراء إلى فناء المحطة الداخلي لمح المتهم يخرج مسرعا من فرجة فتحت بين العساكر والجموع التي كانت إلى الجهة اليمنى ثم تقدم نحو دولة الرئيس من الأمام وفي يده ورقة لم يتبين ماهيتها فأدرك من هذه الحركة أن الرجل يبغي الاعتداء.

فسارع إليه في لمح البصر وأمسك بعنف يده التي كانت بها الورقة كي يشل حركتها، وعندئذ بدا مسدس في تلك اليد فانتزعه منه وانجرح أصبعه من جهد الانتزاع ثم وضعه في جيبه حتى سلمه للنائب العمومي بحالته التي انتزع بها ويشهد بأنه لما وقع نظره على المتهم كانت يداه مرتفعتين إلى مستوى الصدر وفوقهما الورقة التي لمحها فلما اصطدم به سقطت الورقة وظهر المسدس في يده ويشهد أيضا أنه كان يمكن أن يطلق المسدس لو أنه تأخر عن مداهمته والقبض عليه فإنه كان ممسكا به من قبضته وأقل تحريك لأصبعه كان يمكنه من إطلاقه.

توفيق دوس باشا وزير المواصلات

يشهد بأنه يوم الحادث كان من بين مودعي دولة إسماعيل صدقي باشا ولما كانوا جميعا داخل المحطة رأى المتهم وقد فرق رجال الحفظ من الجهة اليمنى بحركة عنيفة سريعة ودخل الكردون إلى حيث أصبح في مواجهة دولة الرئيس وكانت يده مرتفعة وبها جريدة مطوية ما لبثت أن سقطت من حركة الاقتحام فبدا له تحتها شيء لامع لم يتمكن من تعرفه في الحال

لأن محمد محمد حسين بك كان قد انقض على المتهم في ثوان وانتزع منه هذا الشي ووضعه ف جيبه فسأله عنه، فأخبره بأنه مسدس ويشهد بأنه يقطع بأن المتهم كان يحمل الجريدة قصدا لإخفاء المسدس وأنه سمعه يصيح ال اختراقه سياج العساكر بأنه لديه مظلمة ويشهد أيضا بأنه قد فهم مما رأى أن المتهم قد ابتدع هذه الحيلة للتعمية ولكي لا يتعرض له أحد فيستطيع تنفيذ الاعتداء الذي انتواه.

محمد حلمي عيسى باشا وزير المعارف

يشهد بما شهد به حضرة صاحب السعادة توفيق دوس باشا ويزيد عليه أنه لاحظ أن حركة المتهم وهو رافع يده التي كانت بها الجريدة هي حركة من يصوب مسدسا على شخص وأن هجومه نحو دولة الرئيس كان هجوما من يريد الاعتداء لأنه يحاول التقدم بشدة ويده اليمنى مرفوعة وليس هذا شأن من يخرج بهدوء لتقديم مظلمة كما يدعي

دوجلاس بيكر بك نائب حكمدار العاصمة

يشهد بأنه كان بمحطة مصر يوم الحادث وبينما هو سائر يمين دولة إسماعيل صدقي باشا في الفناء الداخلي رأى المتهم وقد تقدم ووضع نفسه على بعد نحو ثلاثة أمتار أمام الجمع الذي كان متحركا حول ودلته وكان يصيح بكلام لم يتبينه وفي راحة يده المسدس المضبوط ولم يلبس إلا هنيهة حتى انقض عليه محمد محمد حسين بك بسرعة وخفة وقبض على يده التي بها المسدس وانتزعه منه فانجرح أصبعه، وقد رأى بعد ذلك البكباشي ليس ممسكا أيضا بيد المتهم ويشهد بأن حركة المتهم حصلت في ثانيتين وكانت بسرعة جدا ومظهرها مريب للغاية حتى أنه اعتقد أن الرجل ينوي شرا بدولة الرئيس.

أريك ليس رئي فرقة حرس الوزارة

يشهد بأنه كان بمحطة مصر وقت الحادث بمناسبة سفر دولة رئيس مجلس الوزراء وبينما كان سائرا في الجهة اليمنى من دولته في الفناء الداخلي رأى المتهم وقد أقبل مهرولا نحو دولة الرئيس وكانت يده اليمنى ممتدة إلى الأمام وبراحتها شيء لامع.

بيد سوداء لم يبتبين حقيقته وقتها وإن كان اعتقد أنه لابد أن يكون سلاحا فأسرع للقبض على تلك اليد الممتدة فإذا هو قابض على يد محمد محمد حسين بك الذي كان قد سبقه إلى القبض على يد المتهم بالمسدس الذي فيه ونتج عن هذا أن جرح أصبح محمد محمد حسين بك م شدة الضغط على يده وهي ممسكة بيد المتهم ومسدسه وصاح من الألم، فأرخى له قبضته حتى خلصت بالمسدس ورآه يضعه في جيبه.

ثم دفع بالمتهم حتى أوصله إلى الضابط أحمد عبد الرحمن أفندي الذي تولى اعتقاله ويشهد بأن يد المتهم اليمنى كانت ممدودة والمسدس في راحتها على هيئة شخص يريد أن يسلم على آخر ولكن المتهم كان يستطيع في لمحة وبأية حركة صغيرة من يد أن يطلق المسدس وأنه يعتقد أن المتهم قد اتخذ هذه الهيئة حيلة منه كي يبعد عنه تعرض البوليس حتى يتمكن من الوصول إلى جسم دولة الرئيس ويضع المسدس عليه ويطلقه فيصيب المرمى حتما ولكن حيلته لم تنطل وبوعد بينه وبين غايته بحركة المداهمة التي حصلت.

محمد سعيد العزبي باشا وكيل وزارة الداخلية

يشهد بأنه كان سائرا في الفناء الداخلي بمحطة مصر حول دولة إسماعيل صدقي باشا مع المودعين فلمح المتهم وقد خرج مسرعا من الجهة اليمنى واستقر حول دولته وهو باسط يده اليمنى وفي راحتها شيء تبين له أنه مسدس بقبضة سوداء مطروح على جانبه وكانت هيئة امتداد اليد كهيئة شخص يقدم شيئا لآخر، ولم تمض إلا لمحة بصر على ظهور المتهم حتى انقض عليه شخص لم يتعرفه وقتها وتماسك به وأزاحه من طريق الرئيس.

مرقص فهمي بك مفتش بمحافظة مصر

يشهد بأنه كان في محطة مصر يوم الحادث ولما قدم دولة إسماعيل صدقي باشا وسار إلى الفناء الداخلي رأى المتهم يهرول لهيئة غريبة نحو دولته وهو رافع يديه وبإحداهما وهي اليمنى على الأرجح ورقة ملفوفة ولم تكن إلا لحظة حتى رأى محمد حسين بك وقد امسك بإحدى يدى المتهم وكان بها شيء ظهر منه جزء أسود اللون فانصرف عن كل هذا لملاحظة دولة الرئيس ولما أوصله للقطار ثم عاد علم بأن ما ضبط بيد المتهم كان مسدسا ويشهد بأن حركة الهرولة رفع يد المتهم اليمنى كانت تمكنه من إطلاق المدس على دولة الرئيس لو لم يداهم تلك المداهمة السريعة التي حصلت في ثانية.

أحمد عبد الرحمن أفندي – ضابط المباحث الجنائية بمصر

يشهد بأنه في أثناء سير دولة إسماعيل صدقي باشا في فناء المحطة الداخلي يوم سفره رأى المتهم يخترق صفوف العساكر من الجهة اليمنى بسرعة وهو ممسك جريدة بيده اليمنى ويصيح بعبارات تظلم فضبطه هو وزميله محمد وصفي أفندي وفي الوقت نفسه انقض على المتهم محمد محمد حسين بك والبكباشي ليس وظهر عندئذ المسدس في يده.

الدكتور عبد العزيز بك الطبيب الشرعي

يشهد بمعلوماته الفنية عن حالة المسدس الذي ضبط مع المتهم والرصاص الذي به على ما هو مفصل في تقريره وفي إجابته في محضر التحقيق ويوضح التجارب التي قام بها وظهرله منها أن المسدس صالح للاستعمال وكذلك رصاصه وهو يحدث القتل وأن الرصاصة التي وجدها وقت الفحص تحت الزناد ومعدة للانطلاق بها انبعاج إما أن يكون نتيجة إطلاق عادي لم يقذفها أو نتيجة محاولة رفع الزناد ونزوله قبل أن يصل إلى مكان ارتكازه.

ملاحظة:

قرر المتهم أنه أتى لمحطة مصر يوم الحادث يحمل في طيات ثيابه المسدس الذي ضبط محشوا بخمس رصاصات وكان قدومه لعلمه بأن دولة إسماعيل باشا سيسافر في ذلك اليوم فأراد أن يتقدم نحو دولته بالهيئة التي ضبط بها لكي يقدم المسدس ويثبت بهذا العمل أنه رجل بعيد عن الشر وأنه لو كان يريد به سوءا لكان أطلقه عليه وقد سلك هذه الخطة للتظلم لدولة الرئيس من مضايقة البوليس إياه.

سراي القضاء الأهلي في 15 صفر سنة 1352 8 يونيو سنة 1933م.

مرافعة النائب العمومي لبيب عطية أمام قاضي الإحالة

لا اريد أن أشق على أسماعكم بتفصيلات واعية لوقائع الدعوى وأدلتها فإنكم في غير حاجة إلى ذلك إذ القضية في هذه المرحلة من سيرتها لا يتسع القول فيها لأكثر مما ترون أنتم طلب سماعه من الإيضاحات على ما قضت به المادة 11 من قانون تشكيل محاكم الجنايات.

على أنني وإن حرصت جهدي على التزام الدائرة التي رسمها القانون لإجراءات النيابة في جلسة الإحالة أراني مطالبا بعرف جرت عليه التقاليد وأقرته بيئة القضاء برضاء ظاهر وارتياح غير منقوص.

أراني مطالبا بذلك العرف الذي يدعو النائب العمومي إلى الإفصاح عن المعنى الكمين في توليه بنفسه في هذه الدعوى شئون الاتهام بكل خطواته وأشد ما ألقاه من عناء في التوفيق بين هذا العرف المؤيد بترغيبه النفوس وبين واجب التزام القانون لهذا استميح العرف والكافة معذرة أن جعلت كلمتي قصيرة المدى في سبيل هذا التوفيق فإن علي من القضاء رقبا في شخصكم أجل رقابته وأرعى حرمته.

كلمتي يا حضرة الرئيس أن هذه القضية ذات خطر جسيم وإن كانت أيضا ذات شأن عظيم فإن الحادث الذي أوجدها يكشف عن داء اجتماعي وبيل يهدد الحكومات في كيانها ويشل النظام من أساسه يكشف عن داء إن لم نبادر بأخذه بيد عسراء استفحل ضرره وعز اتقاد شره.

هذا الداء هو هوس التبطل وغوية الاستعظام فقد أصبحنا وإذا بكل وضيع مفتون يرسم في خياله الملتوي مجدا كاذبا وذكرا يحسبه خالدا يجنيه وراء جريمة كبرى يجترحها وهو لا يدرك مبلغ ضرها بنفسه وذويه وبالوطن الذي يأويه أصحبنا وإذا بكل عظيم جليل القدر عامل لرفعة بلاده معرض لأفدح الأخطار

إذا ما اختمرت فكرة خبيثة عند شقي من أولئك الأغرار تولت تحقيق هذه الدعوى وقمت على شئونها لأن حادثها من صميم تلك الأحداث ومن أروعها أثرا فقد حاول المتهم الماثل أمامكم أن يغتال حياة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء، فحالت عنايت الحفيظ المتعال دون بغيته ونجاء رئيس الحكومة من لفحة هذا الداء، كما ستنجو البلاد بمشيئة الله من جراثيمه بفضل العلاج الذي سيكون لكم نصب في وصفه.

هذا كل ما استطيع أن أفصح به في مرحلة الإحالة عن المعنى الكمين في الاهتمام لهذه الدعوى مستبقيا جلية الخبر للموقف القادم حيث المقام يسمح بالإفاضة في كل النواحي إذا تحقق ما أرجوه من إحالتها على المحكمة.

بقي لي وقد أنسقت إلى ذكر لمحة من ملابسات الدعوى أن أشير إلى أدلتنا وسندنا من القانون عنها.

أما أدلتنا فقد وعتها شهادة الشهود بما لا مزيد فيه لمستزيد وهي في مجموعها تجزم بأن المتهم تربص بدولة إسماعيل باشا في محطة مصر وهو يحمل مسدسا صالحا للاستعمال به خمس رصاصات للانطلاق من ذلك المسدس.

ولما أقبل دولته اقتحم المتهم سياج العساكر وهو شاهر مسدسه في يمينه فدهمه محمد محمد حسين بك وانتزعه منه واحتفظ به حتى قدمه إلي بحالته التي كانت عليها وقت انتزاعه فإذا بإحدى الرصاصات التي كانت معدة للانطلاق بها انبعاج قرر الطبيب الشرعي أنه إما أن يكون نتيجة إطلاق عادي لم يقذفها أو نتيجة إنزال الزناد قبل أن يكون قد وصول إلى نقطة ارتكازه.

وجاءت أقوال المتهم بعد هذا الذي ثبت مثارا لدهشة العجب فقد قرر أنه جاء بمسدسه ورصاصته واقتحم سياج العساكر لا لشيء سوى التظلم لدولة الرئيس من تعقب البوليس إياه وقد اختار هذه الطريقة الغريبة للتظلم كي يثبت للبوليس أنه وهو الرجل المسلح القدير على اغتياله قد جاءه مقدما سلاحه.

هذه خلاصة الوقائع أما التطبيق القنوني فلا أراني في حاجة إلى إيضاحه بأكثر من البدء في تنفيذ جريمة القتل العمد، قد ثبت من حالة الرصاصة التي وجدت في المسدس معدة للانطلاق مما يدل على أن المتهم قد ضغط فعلا تتك المسدس ليطلقه فلم ينطلق لسبب عراض لا دخل لإرادته فيه.

على أننا لسنا في حاجة إلى التمسك بهذه الوقائع مع ثبوت واقعتين أخريين:

الأولى: أن ثلاثة من شهود الإثبات وهم من العظماء شهدوا بأن المتهم كان مصوبا المسدس نحو دولة الرئيس وقت أن دهم وانتزع سلاحه، وأنه لو لا حركة المداهمة التي وقعت في لمح البصر لكان أتم فعله واغتال الرئيس.

الثانية: أن ظرف الترصد المصحوب بحمل سلاح لا يدع مجالا للشك في نية القتل ثابت من أقوال المتهم وسائر ظروف الدعوى وكلتا الواقعتين على ما استقر عليه الفقه الحديث وأحكام القضاء تكون البدء في التنفيذ المشترط لتحقيق جريمة لشروع في القتل العمد.. من أجل هذا..

أصمم على طلب إحالى المتهم على محكمة جنايات مصر لمحاكمته طبقا للمواد الواردة في تقرير الاتهام عن التهمة الموضحة في ذلك التقرير.قرار إحالة محمد علي الفلال على محكمة جنايات مصر.

نحن كمل الوكيل رئيس محكمة مصر الأهلية:

بعد الاطلاع على التقرير المقدم من النيابة العمومية في قضية اتهام محمد علي الفلال بالشروع في قتل دولة رئيس مجلس الوزراء إسماعيل صدقي باشا وعلي أوراق القضية المذكرة وبعد سماع الإيضاحات التي رأينا لزوم طلبها من المتهم والنيابة قررنا:

أولا: إحالة محمد علي الفلال الشهير بسلطان عمره 33 سنة وصناعته طاه، مولود بالقاهرة ومقيم بباب البحر بدرب سعيدة عطفة الطواشي رقم 3 قسم باب الشعرية ومحبسو بسجن الاستئناف تحت نمرة 7357/ 471.

حضوريا على محكمة جنايات مصر لدور شهر يوليو سنة 1933 لمحاكمته طبقا للمواد 45، 46، 194، 195، 196 من قانون العقوبات الأهلي.

لأنه صدر يوم الثلاثاء 21 محرم نة 1352 هجرية الموافق 16 مايو سنة 1933 ميلاديه بفاء محطة مصر قسم الأزبكية من أعمال مدينة القاهرة شرع في قتل حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا رئيس مجلس الوزراء عمدا ومع سبق الإصرار والترصد بأن جمع رأسه وأعد عدته لتنفيذ جريمة القتل العمد في دولة المجني عليه فتسلح بآلة قاتلة لا تترك مجالا للشك فقصده.

وهي مسدس صالح للاستعمال ومحشو بخمس رصاصات صالحة أيضا للانطلاق من ذلك المسدس وأتى إلى محطة مصل تنفيذ عزمه المعقود مخفيا مسدسه المحشو في طيات ثيابه وتربص هناك لدولة إسماعيل صدقي باشا حينا من الزمن لعلمه بأنه لابد آت عما قريب إلى ذلك المكان لسبق ذيوع إزماعه السفر إلى أوربا وتحديد موعد الرحيل.

ولما أقبل دولته فعلا إلى المحطة هرع المتهم نحوه لتنفيذ عزمه واخترق صفوف العساكر شاهرا مسدسه في يده اليمنى بعد أن أخرجه من طيات ثيابه ومصوبا إياه نحو المجني عليهم عمل عل إطلاقه عليه فلم تخرج الرصاصة لعارض فجائي ودهم المتهم إذ ذاك في لمح البضر ممن كان حول الرئيس وانتزع من ذلك أن القتل الذي انتواه المتهم وبدأ فعلا في تنفيذه أوقف وخاب أثره لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو أولا عدم إطلاق المسدس لأمر عارض عندما عمل على إطلاقه على المجني عليه ليرديه قتيلا وثانيا أن المتهم قد دهم سريعا ممن قبض على يديه وشل حركتهما وانتزع منه آلة القتل قبل أن يتمكن من معاودة إطلاق زنادها.

ثانيا: تكليف النيابة العمومية بإعلان شهود الإثبات الواردة أسماؤهم في القائمة المقدمة منها.

ثالثا: استمرار حبس المتهم.

صدر بمحكمة مصر الابتدائية في يوم 30 يونيه سنة 1933 وعلى كاتب الإحالة إعلانه للمتهم.

رئيس المحكمة إمضاء: كامل الوكيل

محكمة جنايات مصر

المشكلة برياسة محمد نور بك

مرافعة النائب العمومي: محمد لبيب عطية بك:

حملت أمانة الدعوى العامة وهي أمانة خطيرة تنوء بها الحبال الرواسي ولكن خطرتها تحوطه روعة ويحفه جلال يتأسى به من يعرف الواجب ويصبو إلى حسن القيام به.

بالأمس كنت جالسا بينكم أشاطركم ما تعانون من مشقة في استظهار الحقيقة واستخلاص غوامضها وكنت ألتمس معكم عون بارئ الكائنات الذي يعلم السر وأخفى وأستلمه كما تستلهمون صواب الرأي وطمأنينة اليقين.

فلا عجب وهذه حالي وتلك دخيلة نفسي أن شعرت اليوم في موقفي أمامكم بعبء مضاعف الأثقال عبء الأمين على دعوى الهيئة الاجتماعية ذات الخطر العظيم وعبء الزميل الذي عليه لزملائه وقد لابس ما يعانون واجب الجهد لهم حتى يطمئون إلى ما به يقضون.

ناداني هذا الواجب من أول لحظة توليت فيها تحقيق هذه القضية فلبيت نداءه، وسرت في سبيل على نحو أرجو أن يكون رائدي فيه لم يغب وبغيتي منه لم تفت والرضا لن يضمن به.

جعلت رائدي أن يكون تحقق النيابة التي حلت عملا في نظامنا القضائي محل قاضي التحقيق بكل ما يلبسه ثوب تحقيق ذلك القاضي ويكسبه مميزاته ويزينه بضمانته ففسحت للمتهم كل ما وسعني الفسح له وسارعت إلى إجابته في كل ما طلب وأرحت هواجسه مما خشى

وأوصلت رجاءه لعنوانه في الكبيرة وفي الصغيرة هيأت له في أولى خطوات التحقيق الاستنجاد بمن يدافع عنه فأبلغت رسالته لنقابة المحامين لتندب له من يستودعه سره ويرعى مصلحته ولما أهدرت تلك الرسالة ولم يجب داعيها طمأنت لوعته وهدأت ثورته ذاكرا له أن وقت ذلك لم يفت وأن لكل سائله قرارا.

كان هذا رائدي أما بغيتي فقد عملت على أن أسعف خلجات نفوسكم وخطرات قلوبكم وتشدد ضمائركم بكل مدد من الوقائع بغير تميز بين ما راح منها في جان الاتهام وما يمكن أن يتعلق به الدفاع.

أما رضاكم فنأمل أن يكو مظهره كلمة الحق التي لابد أنكم قائلوها اليوم أو في غد أليس الصبح بقريب؟ حسبي بما قدمت فاتحة لمرافعة الاتهام استغفر الله بل فاتحة لقصة الحادث الجلل الذي وقع في صدر يوم 16 مايو الماضي وما تستتبعه وقائعه بجملها وتفاصيلها من تحليل وتمحيص سواء أكان ذلك من ناحية البواث النفسية وأثرها في الاجتماع ثم استظهار ما انكشف لعيني من أدوائها وطرحه جليا أمام البصيرة لتصفوا وتعالجوا الداء.

سأعرض على أسماعكم هذه القصة مستهديا في سردها بنور اليقين وطمأنية الاقتناع وسأبذل كما ما قد يحيطني ولو في مظاهر الأشياء بشبهة من قال لكل حال لبوسها فلي هين على وقد أوفيت على تلك السنين أن أتحلل بين عشية وضاحا من تفكير القاضي وميزان تقديره وروح تميزه لاسيما وأنني لا أزال على نسبي القديم.

سأنبذ ثوب التهافت على الاتهام كما نبذت في تحقق الترحيب به والهشاشة له، وآية ذلك ما أرجو أن تشهد به ثناياه من سيري وراء كل جليل وكل دقيق من الوقائع التي قد تنفع ذاك المتهم الماثل أمامكم، ولم تكن لي أية مفخرة في ذلك فإن الواجب العريق

قد ضاعف في نظري عشية رأيت المتهم وقد استنجد فلم ينجد والتمس المواتاة من حظيرة رجال الدفاع فلم يوات ولعل تلك الهيئة الموقرة لم ترد بتغاضيها إلا معنى الاستنكار لما وقع ولعلها ولتعذرني إذا انتزعت معنى آخر فيه الترضية لنفسي لعلها وثقت بأن الرجل وأمره إذ ذاك في يدى ليس في حاجة إلى معونة وإني لأشكر لها هذه النتيجة المغطاة إن كان حقا ما همس به الظن الكريم.

قلت إني سأنبذ ثوب التهافت على الاتهام وها أنا أطيع الوعد وأكف في هذه المرحلة من حديثي عن تقديم المتهم بصفاته التي كشف عنها التحقيق خشية الظن الفطين بأني أستجلب ضوءا قاتما من حوله تنعكس اشعته على ما سأسرده من فعاله فتجسم صغيرها وتعظم ضئيلها سأكف عن ذلك الآن برغم ما جرت به العادة من تقديم المتهم لقضاته بالصفات التي انكشفت عنه قبل الاسترسال في بيان ما أتاه.

وسأكف أيضا في الآونة الحاضرة عن ذكر من وقعت عليه الجناية فإن التنويه به في هذه المناسبة قد يئول بأني استثير غضبتكم على الجاني قبل أن أقنع ضمائركم بجنايته ولو أنه تأويل واهي الأساسي فإنكم أكبر من أن تغضبوا قبل أن تطمئنوا وأنا في هذا معكم على عهد مسئول.

والوقائع:

أزمة حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا رئيس مجلس الوزراء السفير إلى الخارج للاستشفاء من أثر المرض الذي نزل به في شتاء هذا العالم وذاع الخبر وروته الجرائد بتفاصيله محددة موعد الرحيل وساعته كما ستتبينونه حضراتكم من صفحاتها المقدمة في ملف الدعوى.

ولما جاء يوم 16 مايو سنة 1933 وهو الموعد المضروب اتخذ البوليس إجرائاته لاستقبال دولة الرئيس وللمحافظة على سلامته كعادته في أمثال تلك المناسبات.

وبعد تمام الساعة الثامنة بدقائق قليلة أقبل دولته وسار بني الوزراء والعظماء الذين أتوا لتوديعه إلى فناء المحطة الداخلي وكان يحف بهذا الجمع سياج من الكونستابلات على الجانبين فلما وصل إلى نقطة في ذلك الفناء عند الموضع المرموز له بحرف ألف في الخريطة المقدمة إذا برجل يرتدي بدلة سوداء

قد اقتحم سياج العساكر من الجهة اليمنى بحركة سريعة واستقر في طريق الرئيس على بعد نحو أربعة أمتار منه وكان رافعا يده اليمنى إلى مستوى صدره وبها ورقة مطوية فذعر الجميع من هذه الحرك ودبت الربة في نفوسهم وهنا تجلت سرعة الخاطر والإقدام والبسالة في شخص حضرة صاحب العزة محمد حسين بك الذي أوحت له العناية الإلهية بأن يسير إلى يمين دولة الرئيس.

تجلت هذه الصفات في ذلك الكريم الباسل فأسرع في لمح البصر وألقى بجسمه على ذلك الشبح المخيف ليحول بينه وبين المودع الكبير وما هي إلا ثوان رتب فيها حركة هجومية دفاعية وصفها ضابط عظيم بأنها من أحسن وأدق ما رأه في حياته على ما سيأتي بيانه.

انقض محمد محمد حسين بك على ذلك الشبح المخيف مبادرا إلى يده اليمنى فشل حركتها بقبضة قوية وهنا بدا للعيان مبلغ الخطر الذي كان محدقا بدت آلة القتل في يد الرجل كانت مغطاة بجريدة أزاحتها حركة الانقضاض وسرعان ما انتزع محمد محمد حسين بك ذلك السلاح ودسه في جيبه وهو لا يدري أن يده قد جرحت وأن دماءه تسيل.

ثم قبض رجال البولس على الرجل في لمحات بعد أن دهمه محمد بك وكان البكباشي ليس أسرعهم حركة وأعظمهم يقظة، وسار الجمع في وجوم وكل لا هم له إلا طرد الفزع وطمأنية الرئيس.

كنت وهذه الوقائع تمر بعيدا عن مكانها حيث وقفت بجوارها القطار فلما أقبل دولة الرئيس وأخذ مكانه حييته مسلما فحياتي الباشا ولم أكن دريت بما جرى وما هي إلا هنيهة حتى عرفت كل شيء ورأيت محمد بك ويده تدمى فهالني ما سمعت واقترح هذا الشعور عجي تملكني مما قرأته في سمات الرئيس من علائم ضبط النفس والأناة وقد كان منذ لحظة تحت ذاك الخطر الداهم.

عدت أدراجي إلى مكتبي لاستقل تكاليف الواجب وأعد جهودي لحملها ولم تمض أربعون دقيقة على وقوع الحادث حتى بدأت في تحقيق وقائعه.

وأول عمل حرصت على تعرفه كان تسلم المسدس من حضرة محمد محمد حسين بك والاستيثاق من أنه لم تمسه يد من لحظة إيداعه في جيبه ولما اطمأننت على سلامته من أي عبث كلفت حضرة الطبيب الشرعي الذي كانت بادرت إلى استدعائه بأن يعاينه تحت نظري فشاهدنا كلانا ما سيأتي الكلام عنه مفصلا غير أنني أسارع الآن بالتنويه بواقعة هامة وهي أن رصاصة من الرصاصة هي التي كانت معدة للانطلاق فإن مكانها من ساقية المسدس كان تجاه الإبرة وفي مقابل المأسورة.

شاهدت ذلك مع الطبيب الشرعي بعد وقوع الحادث بأربعين دقيقة، كان المسدس خلالها في حرز أمين بعيد عن أن يمس أو يحرك فقد وثبت الخواطر إلى ذهني ولكني كتمتها حتى أرى ماذا يقول رجل الفن وسيأتيكم نبأ ذلك بعد حين.سألت المتهم شفهيا قبل أن يغيب المسدس عن نظري إذا كان هو الذي ضبط معه فأقر بذلك وهل عن هذا من محيص.

ثم بدأت استجواب شهود الحادث فشهد حضرة صاحب العزة محمد محمد حسين بك الأمين الثاني لجلالة الملك بأنه كان من بين مودعي دولة صدقي باشا ولما اجتاز جميع العظماء الذين كانوا حول دولته ممر الوزراء إلى داخل المحطة لمح المتهم يخرج مسرعا من فرجة فتحها في صف العساكر ثم تقدم نحو دولته من الإمام وفي يده ورقة لم يتبين ماهيتها فأدرك من هذه الحركة أن الرجل يبغى شرا.

فسارع إليه في لمح البصر وأمسك بيده التي كانت بها الورقة إمساكا قويا ليشل حركتها، وعندئذ بدا للعيان مسدس كان المتهم ممسكا به في قبضته فانتزعه منه ووضعه في جيبه حتى سلمه إلي بحالته التي كان عليها وقت انتزاعه وقال محمد بك إن أصبعه جرحت من جهد الانتزاع.

ولما ناقشته في بعض دقائق هذه الوقائع كشفت إجابته عن كل ما يبغى المستقصى الوقوف عليه فقد ذكر أنه لما وقع نظره على المتهم كانت يداه مرتفعتين إلى مستوى الصدر وفوقها الورقة التي لمحها فلما اصطدم به سقطت الورقة وظهر المسدس في يده، وتلك واقعة لها نصيب غير قليل من الاعتبار أرجو ألا أخطئ التقدير فيه وقرر الشاهد أيضا عندما استفتحت عقيدته فيما جرى أن المتهم لولا مداهمته والقبض عليه لاستطاع أن يطلق المسدس لأنه كان ممسكا به من قبضته وأقل تحريك لأصابعه كان يمكنه من إطلاقه.

وشهد حضرة صاحب السعادة توفيق دوس باشا وزير المواصلات السابق أنه رأى المتهم يفرق رجال الحفظ بحركة عنيفة سريعة ويدخل الكردون إلى حيث أصبح في مواجهة صدقي باشا وكانت يده اليمنى إذ ذاك مرتفعة وبها جريدة مطوية فانقض عليه محمد محمد حسين بك في ثوان وانتزع من تلك اليد شيئا لامعا كان رآه ها لما سقطت الجريدة من حركة الانقضاض ووضع ذلك الشيء في جيبه ولما سأله عنه أخبره أنه مسدس.

وأبدى توفيق باشا عند المناقشة عقدة مطمئنة بشواهد ما رأى تلك العقيدة هي أن المتهم كان يحمل الجريدة قصدا لإخفاء المسدس وكان يصيح بأن لديه مظلمة وكل هذا تحايل منه وتعمية يبغي من ورائها ألا يتعرض له أحد فيتمكن من تنفيذ الاعتداء الذي رسمه.

وشهد حضرة صاحب المعالي محمد حلمي عيسى باشا وزير المعارف بمعنى ما يشهد به سعادة توفيق دوس باشا وبأن حركة المتهم وهو رافع يده التي كانت بها الجريدة هي حركة من يصوب مسدسا على شخص وأن شخوصه نحو دولة الرئيس كان هجوم معتد لا تقدم متظلم وعلل هذا التقدير بما أنسه بنفسه من شدة المتهم في حركة تقدمه وهو رافع يده اليمنى وبها جريدة لا عريضة تظلم والجريدة على بطيها بحيث لا تظهر صورها فيبين أنها عريضة.

وشهد جناب الميرالاي دوجلاس بيكر بك نائب الحكمدار العاصمة بأنه رأى المتهم وقد تقدم ووضع نفسه على بعد نحو ثلاثة أمتار أمام الجمع الذي كان متحركا حول دولة صدقي باشا وكان يصيح بكلام لم يتبينه وفي راحة يده المسدس المضبوط ولم يلبث كذلك إلا هنيهة حتى انقض عليه محمد محمد حسين بك بسرعة وخفة من أحسن ما رأه في حياته وقبض على يده التي بها المسدس وانتزعه منه فانجرحت أصبعه ثم رأى بعد ذلك البكباشي ليس ممسكا أيضا بيد المتهم.

ولما ناقشته عن المستوى الذي كانت فيه يد المتهم الحاملة لمسدس وفي وضع المسدس بها قال إن اليد كانت في مستوى الصدر والمسدس في راحتها، وعقب على ذلك بأن المتهم كان يستطيع في أية لحظ أن يحرك يده حركة التصويب ويطلق المسدس في راحة يده المرتفعة إلى حذاء صدره إذا لم يكن الأمر بقصد التصويب

وإطلاق النار فكانت إجابته الماشرة عن هذا السؤال أن الحركة حصلت في ثانيتين وكانت سريعة جدا وكان مظهرها مريبا جدا حتى إنه اعتقد أن الرجل كان ينوي شرا برئيس مجلس الوزراء ثم قال في ختام أقواله ما يأتي:

تنمية لهذا الجواب أريد أن أقر أيضا أنه سبق لي مرارا أن حضرت إلى المحطة في مناسبات مثل مناسبة اليوم أي عند سفر دولة الرئيس أو غيره من الوزراء وكنت أرى أشخاصا يزاحمون المجتمعين لا لغرض سوى التمكن من تحيتهم وجها لوجه أما حادثة اليوم التي ضبط فيها هذا المتهم وهو يزاحم وبيده مسدس فإني أقطع وأجزم من ظروفها بأنه أتى ليرتكب جريمة القتل وأنه لم يأت إلا لقتل دولة رئيس مجلس الوزراء.

وشهد جناب البكباشي أريك ليس رئيس فرقة حرس الوزراء بأنه رأى المتهمين وقد أقبل مهرولا نحو دولة صدقي باشا وكانت يده اليمنى ممتدة إلى الأمام وبراحتها شيء لامع بقبضة سوداء لم يتبين حقيقته وقتها وإن كان اعتقد أنه لابد أن يكون سلاحا فأسرع بالقبض على تلك اليد الممتدة

فإذا هو قد قبض على يد محمد محمد حسين بك الذي كان قد سبقه في القبض على يد المتهم بالمسدس الذي فيها وأدى ذلك إلى أن جرح أصبع محمد بك من شدة الضغط على يده وهي ممسكة بالمسدس ورآه يضعه في جيبه ثم دفع المتهم حتى أوصله إلى الضابط أحمد عبد الرحمن أفندي الذي تولى اعتقاله.

ناقشت هذا الشاهد في أهم ما يستوجبه التقصي وصرفت همي إلى موضوع المسدس في يد المتهم وكيف كان ممسكا به فاستظهرت أولا أن الشاهد لم ير المتهم إلا وقت وصوله إلى الطريق الذي بين صفىي العساكر وكانت يده اليمنى عندئذ ممتدة إلى الأمام بشكل شخص يريد أن يسلم على دولة الرئيس

وكانت راحة تلك اليد غير منبسطة تماما بل إن جوانبها كانت مرتفعة ولكن ليس إلى حد انقباض اليد التي تغترف ماء وبعد استظهار ذلك سألت الشاهد إذا كان هذا الوضع الذي وصفه بدقة عن يد المتهم ومسدسه كان يمكنه من أن يحرك الزناد ويطلق النار على دولة الرئيس.

فكانت إجابته قاطعة لكل ريبة إذ قرر أنه في أية لمحة وبأية حركة صغيرة من المتهم كان يستطيع أن يطلق المسدس فيصيب من يصيب.رأيت أن أسترسل في التقص زيادة في الاطمئنان فسألت الشاهد عن الخاطر الذي ملأ ذهنه بعد الذي رأه فأجاب بما يأتي: إن الخاطر الذي تملكني هو أن المتهم كان يتحايل بالشكل الذي تقدم به ليتم غرضه أيا كن ولكي يقترب من دولة الرئيس من غير أن يجعلنا نشتبه فيه

لأنه يعرف طبعا أننا أي رجال البوليس كنا سنضربه بالنار إذا ما رأينا معه المسدس وهو بعيد عنا في نقطة لا تمكنا من ضبطه باليد أي أن فكري هو أن المتهم كان همه الا يحرك اشتباهنا فيه قبل أن يصل إلى أقرب نقطة ممكنة لدولة الرئيس.

ثم سألته عن السبب الذي يظن أنه حال دون إتمام قصد المتهم من إطلاق الرصاص على دولة الرئيس فكان جوابه ما يأتي:

إن مداهمتي أنا ومحمد حسين بك للمتهم هي التي حالت دون إتمامه الجريمة التي كان ينويها إذ إنني لا أجد أي شيء غير مقول غير هذا إذ إن المتهم ما كان يستطيع أن يطلق المسدس من بعيد لأنه غير واثق من أن صيب ولهذا تحرك حركة من يريد أن يسلم على دولة الرئيس ولو كان المتهم أظهر المسدس وهو بعيد من دولة الرئيس

لكنت حتما أطلقت عليه مسدسي وعندي فكرة أن المتهم قد يكون تصور أنه بتقدمه بالهيئة التي تقدم بها أن بهيئة رجال يريد أن يسلم على دولة الرئيس ويضع المسدس على جسمه ويطلقه إذ ذاك واثقا من إصابة المرمى ولكننا كنا يقظين ولم نمكنه من ذلك.

وشهد حضرة صاحب السعادة محمد سعيد العزبي باشا وكيل وزارة الداخلية أنه بينما كان سائرا بالقرب من دولة صدقي باشا في فناء المحطة رأى شخصا خرج من الجهة اليمنى واستقر أمام الرئيس وهو باسط يده اليمنى وفي راحتها شيء تبين أنه مسدس بقبضة سوداء وكان المسدس مطروحا على جانبه ولم تمض إلا لمحطة بصر على ظهور هذا الشخص حتى انقض أحد الموجودين ولم يتعرف شخصه وقتها وإزاحة عن الطريق وقد سمع دولة صدقي باشا يقول عندئذ إن الرجل يحمل روفلفر مصححا بهذه العبارة ما كان قاله آخر من أن الرجل ربما يحمل شيئا لا ضرر منه.

لفت نظري في هذه الشهادة ما قيل من أن المسدس كان مطروحا على جانبه في راحة يد المتهم التي كانت ممتدة بهيئة شخص يقدم شيئا لشخص آخر فاستوضحت العزبي باشا الأمر فكانت إجابته ما يأتي:

الذي استنتجته بحسب تقديري أن اللحظة المحدودة التي وقع نظري فيها لا يستنتج منها أنه أي المتهم في تلك اللحظة بعينها وبحدودها كان يريد الاعتداء أما قبيل ذلك أو بعد ذلك مباشرة أو نية المتهم الثابتة عنده من قبل فإني لا أعرف عنها شيئا.

على أنني تنبهت إلى أن الشاهد يقرر في الوقت نفسه أنه في اللحظة التي رأى فيها يد المتهم والمسدس بذلك الوضع في هذه اللحظة عينها رأى شخصا وهذا الشخص لم يتنبه قد انقض علي المتهم وأزاحه إلى الجهة اليسرى من طريق الرئيس.

سجلت هذا في خاطري وسرت في استجواب سائر الشهود فشهد حضرة القائمقام مرقس فهمي وهو في فناء المحطة الداخلي رأى المتهم يهرول بهيئة غريبة نحو دولة صدقي باشا وهو رافع يديه وبإحداهما وهي اليمنى على الأرجح ورقة ملفوفة ولم تكن بها شيء ظهر منه جزء أسود اللون فانصرف عن كل ذلك إلى ملاحظة دولة الرئيس ولما أوصله للقطار عاد وعلم بأن ما ضط بيد المتهم مسدس.

ولما نوقش رأيه، قرر أن حركة هرولة المتهم ورفعه يده اليمنى كانت تمكنه من إطلاق المسدس على دولة صدقي باشا لو لم يداهم تلك المداهمة السريعة التي حصلت في ثانية.

وشهد كل من اليوزباشي أحمد عبد الرحمن أفندي والملازم الأول محمد وصفي أفندي بأنهما رأيا المتهم يحترق صفوف العساكر بسرعة وهو ممسك بجريدة بيده اليمنى ويصيح بكلمة متظلم فضبطاه بإمساك ذراعه من الخلف وفي الوقت نفسه انقض عليه محمد محمد حسين بك والبكباشي ليس وظهر في تلك اللحظة المسدس في راحة يده.

شهد هذا الشاهدان بما تقدم واستظهر في شهادتيهما أن رؤية المسدس في راحة يد المتهم وقت انقضاض محمد محمد حسين بك علي عليه كان نتيجة قبض أولهما على ساعده من الخلف فانبسطت اليد بما كان عليها لا أكتم حضراتك أني لم أطمئن إلى استنتاج هذين الضابطين لاسيما بعد مقارنة ما شهد به البكباشي ليس من حركة المداهمة والقبض على المتهم حصلت قبل أن يدفع هو المتهم إلى الخلف حيث كان أول الشاهدين أما وصفي أفندي فإن البكباشي ليس لم يره.

قلبت في خاطري العلل التي يرجع إليها هذا الاختلاف فلم أجد إلا علة واحدة وهي أن الضابطين عز عليهما أن تفلت منهما هذه الفرصة لاقتطاع جانب من فخار القبض على المتهم فبالغا في ذكر تفاصيل عملهما ولعلهما وهذا ما أود أن يكون الواقع قد اختلط عليهما الأمر بفزع الحادث وتعاقب وقائعه سراعا.

تلك هي شهادة شهود الرؤيةي الذين سمعتموهم حضراتكم اليوم وناقشتموهم ما وسعت ضمائركم المناقشة فجاءت شهادتهم أمامكم لا تخرج في جوهرها عما قرروه أمامي في التحقيق.

وأرى قبل أن أنتقل إلى الشهادة الفنية التي جاءت على لسان حضرة الطبيب الشرعي أمامي ثم في جلسة المحكمة استعرض لنظركم الملاحظات التي أثارها الدفاع في جلسة الإحالة بشأن ما شهد به بعض شهود الرؤية تلك الملاحظات التي أقدر للدفاع دقته في استنباطها وبراعتها في توجيهها الوجهة التي أوحى بها واجبه.

ذكر الدفاع أن شهادة العزبي باشا تقطع بأن المتهم لم يكن مصوبا المسدس تحو دولة صدقي باشا فقد كان مطروحا على جانبه في راحة يده التي كانت ممتدة بهيئة شخص يقدم شيئا لشخص أخر، وذكر أن مؤدي شهادة بيكر بك والبكباشي ليس يؤيد ذلك واستخلص من هذا أن المتهم لا يمن أن يكون قصد اغتيال دولة الرئيس وليس لي وأنا رهيب وعد بألا أتهافت على الاتهام أن أتحمس في فحص هذا الاستنتاج ولكن على حضراتكم واجب سرد الوقائع الثابتة والتنبيه إلى أهميتها.

ولهذا ألفت نظركم إلى أن الميرالاي بيكر بك والبكباشي ليس قد قطعا في شهادتيهما بأنهما لم يريا المتهم إلا في اللحظة المحدودة التي استقر فيها بين صفي العساكر أي بعد أن أخترق السياج أما العزبي باشا فقد قال إنه وجد شخصاي خرج بسرعة من الجهة اليمنى واستقر أمام دولة الرئيس وكان باسطا يده اليمنى وعلى راحتها شيء تبين له أنه مسدس من شكل قبضته السوداء وفي هذه اللحظة انقض عليه شخص لم يتبينه وأزيح إلى الجهة اليسرى.

هذه أقوال تستفتح عند التمحيص كل الوجوه التي تجعل شهادة أولئك الشهود الثلاثة منسجمة في جوهرها مع شهادة دوس باشا وحلمي عيسى باشا ومحمد محمد حسين بك ومرقص فهمي بك الذين قطعوا بأن المتهم كان مصوبا المسدس نحو دولة الرئيس.

وبيان ذلك أن بيكر بك والبكباشي ليس لم يزيا المتهم إلا في لحظة متأخرة عن اللحظة التي رأه فيها أولئك الشهود الأربعة وأنهما لم يلبثا أن لمحاه حتى كان محمد محمد حسين بك قد انقض عليه واضطرب الموقف وانزعج الوضع الذي كانت عليه يد المتهم والوضع الذي كان عليه المسدس.

أما العزبي باشا فيلوح لي أن أذكر أن عبارة رؤيته المتهم وقد اخترق السياج واستقر أمام دولة الرئيس تبلغ في مراتب التعبير عن هذه الواقعة ما بلغته عبارتا بيكر بك والبكباشي ليس يؤيد ذلك ما وضح من المناقشة في الجلسة على أن هناك ظاهرة خطيرة فيما قرره العزبي باشا

وهي أنه كان على حال لم تمكنه من تعرف شخص محمد حسين بك الذي دهم المتهم وانتزع سلاحه مع أنه معروف لديه بلا مراء ولم تمكنه أيضا من الوثوق بأن ما رأه هو مسدس فقد ذكر السلاح بصيغة المستنتج لا بصيغة الواثق وتلك الحال قد ينعكس منها ما يولد فكرة أن الباشا لم يمكنه موقفه أو لم يمكنه هول الحادث وتعاقب حركاته في ثوان من أن ترتسم في نظره ثم في خاطره صورة تامة كاملة لما كان أمام ناظره.

على أن أذكر أيضا في هذا المقام ما سبق أن أشرت إليه وهو تعاقب الحركات من لحظة رؤية المتهم من هذا الشاهد أو من ذلك وسرعة حركة الانقضاض التي دهم بها من محمد محمد حسين بك جميع هذا يجعل ما شهد به كل شاهد أساسا صحيحا من المرئيات التي تعاقبت على الأنظار تعاقب البرق أو تعاقب صور الخيالة السينما توغراف.

ذكرت هذه الوقائع ولو أني على يقين من أنكم قد قرأتم ملف الدعوى وستزنونها بحكم السياق المنطقي مع ملاحظات الدفاع وستتراءى لكم أثناء الموازنة واقعة بارزة صارخة بمعنى كريه وهي أن المتهم اقتحم سياج العساكر وهو حامل في يده مسدسا صالحا للاستعمال محشو بخمس رصاصات صالحة للانطلاق منه.

لا أقول بعد هذا كلمة واحدة في هذا الشأن بل إني أترك الحديث للزوم العقلي وحكم المنطق والتقدير السليم.والآن انتقل للشهادة الفنية التي جاءت على لسان الطبيب الشرعي ودونها مفصلة في تقريره.

أثبت حضرته بعد معاينة وتجارب قام بها الأمور الآتية:

أولا: أن المسدس الذي ضبط بيد المتهم صالح للاستعمال وأن الرصاصات الخمس التي وجدت به صالحة للانطلاق منه.

ثانيا: أن هذا المسدس على بعد عشرة أمتار ومقذوفه يخترق قطعة من الخشب سمكها سنتيمتران ثم يصيب قطعة أخرى وراءها على بعد 78 سنتيمترا منها.

ثالثا: أن مقذوفه قد يحدث القتل.

رابعا: أن الرصاصة التي كانت وقت الفحص في موضع من المسدس يجعلها معدة للانطلاق وجد بكبسولتها انبعاج إما أن يكون نتيجة محاولة إطلاقها فلم تنطلق لعارض أو يكون نتيجة نزول الزناد قبل وصوله لمكان ارتكازه.

خامسا: أن العارض الذي قد يكون منع خروج المقذوف من الرصاصة المبتعجة كبسولة هو أن المسدس المضبوط قد يحصل منه ذلك في بعض الأحيان على ما دلت عليه التجربة ولكن الراجح من نفس هذه التجربة أن الانبعاج الذي شوهد هو نتيجة محاولة دفع الزناد قبل أن يصل إلى مكان ارتكازه.

خامسا: أن العارض الذي قد يكون منع خروج المقذوف من الرصاصة المنبعجة كبسولة هو أن المسدس المضبوط قد يحصل منه ذلك في بعض الأحيان على مادلت عليه التجربة ولكن الراجح من نفس هذه التجربة أن الانبعاج الذي شوهد هو نتيجة محاولة دفع الزناد قبل أن يصل إلى مكان ارتكازه.

سادسا: أنهف هذه الحالة الأخيرة يعود التتك إلى مكانه في حالة الأمان بالهيئة التي شوهد بها عندما تسلم المسدس.

سابعا: أن حركة التماسك وانتزاع المسدس من يد المتهم قد يحصل معها التتك إذا كان مفتوحا من قبل.

ثامنا: يمكن إعداد المسدس للاطلاق دون إنزال التتك نفسه بالضغط وقد لا تأخذ هذه الحركة وقتا طويلا لمن يتعوها.

لست بحاجة إلى تبيان ما يتركز في هذه البيانات الفنية من المعاني التي لا يرضاها المتهم ولكني مطالب بالإشارة هنا إلى صلة المعاني بالتطبيق القانوني الذي سيأتي دور الكلام فيه.

ولكي أفي الإنصاف حقه يجب على أن أشير أيضا إلى بيانات أخرى استطلعتها من الخبير الفني عند مناقشتي إياه وهي بيانات قد تخفف من غضب المتهم على تقدمها.

قال الطبيب الشرعي إن زناد المسدس قد يرتفع ويسقط بسبب حركة التماسك فيحدث انبعاجا في الرصاصة ذات الشأن كالانبعاج الذي شوهد.

وقال أيضا إن الرصاصة المنبعجة كانت معدة للانطلاق قبل الرصاصات الأربعة إلا أن ساقيه المسدس يمكن أن تلف وتغير مكان الرصاص بالنسبة للماسورة عند عمل أية حركة خارجية أو الضغط على الساقية من محورها للجانب الأيمن.

وكذلك قال الخبير إن أثار الزيت التي وجدت بالمسدس وبرصاصة قد تدل على أنها وضعت لجعله أكثر استعدادا ولكن قد يكون ذلك لمنع الصدأ والمسدس على كل حال محتفظ به بعنايةي قلت إن هذه البيانات الأخيرة قد تخفف غضب المتهم على البيانات التي تقدمت ولعلي أكون أدق في التعبير إن قلت إنها قد تخفف غضب المتهم على صاحب البيانات وتطمئن نفسه على قدر.

وسواء أصدق حدسي أو لم يصدق فإن الواقع ماثل أمامكم تحكمون عليه وهنا أعود صلة بيانات رجل الفن بالتطبيق القانوني وأحصر تنويهي بها في أن سلاح المتهم كان سلاحا قاتلا وأنه كان معدا للاستعمال وأن شواهد حالته يصح أن يؤخذ منها أنه بدئ في استعماله ثم حال عارض دون اتهام هذا الاستعمال وأن ذلك العارض غريب عن إرادة المتهم.

والآن أنتقل إلى خاتمة حديثي عن وقائع الدعوى ومحور هذه الخاتمة هو قولة المتهم.

وقوله المتهم قالها من أول خطوات التحقيق واستمسك بها حتى أقفلت بابه ثم ألفت عنها هنيهة في جلسة الإحالة إلى قولة أخرى تنم عن جرأة اليائس وما لبث أن عاوده خيال الأمل فارتد مسرعا إلى قولته الأولى ووشاها ما شاءت له فصاحته أن يوشيها به ولما سمع مرافعة حضرتي الأستاذين اللذين توليا الدفاع عنه قوى سراب أمله فحياهما بأحسن ما يحيي متهم محاميه نعم حياهما بمعنى دقيق حملته جملة شوهاء أوحت إليه على قدر بيانه ضرورة الخروج من المأزق الذي كان قد زج بنفسه فيه لما قال قولته الثانية.أما ما فاه به في الجلسة فلكم أن تقدروه بما ترون.

ماذا قال المتهم؟ قال ما يأتي:اليوم صباحا خرجت من بيتي الساعة السابعة صباحا لوحدي قصادا محطة مصر وفي طريقي اشتريت جريدة الأهرام الصادرة اليوم ولما وصلت المحطة قعدت في البوفيه في الكراسي التي في ساحة المحطة من الداخل وبقيت جالسا حتى رايت كردونات العساكر جاءت من عند الباب الخاص بالبرنسات فقمت من القهوة وقتها سمعت التصفيق خارج المحطة لدولة الباشا

فقربت من كردون العساكر ولما رأيت دولة الباشا هالل من باب البرنسات طلعت الروفلفر الذي ضبط معي من صدري عند البنطلون حيث كنت واضعه في الحزام واخترقت الصفوف وجريت نحو دولة الباشا وفي يدي اليمنى الروفلفر وأنا أقول مظلم يا دولة الباشا خربوا بيتي يا دولة الباشا فضبطوني.

ولما سألته عما كان يقصده من الهجوم على دولة الرئيس والمسدس في يده أجاب بما يأتي:

علشان أوري القلم السياسي أني لو عاوز أعمل شيء كنت عملت شر ولكن أنا ما أعملش شر فسألته لماذا وضعت في المسدس الرصاصات الخمس فكان جوابه إنها موضوعة فيه من الأصل عندئذ وجدت لزاما على أن أنبه إلى تنافر ما يدعيه مع السائغ المعقول فوجهت له السؤال الآتي:

إذا كان غرضك أن تثبت هجومك والمسدس في يدك أنك لا تنوي شرا مطلقا وإنما تريد أن تثبت أنك حائز لمسدس لو أنك تريد أن تقتل به لفعلت.كنت إذا احتياطا لنفسك ولكي تثبت بطريق قاطع حسن نيتك تنزع برهان ناطقا على ما تدعيه.

سمع هذا السؤال ووعاه ولكنه أرتج عليه فلم يفه إلا بعابرة المقدر يكون وبعد أ استمررت في مناقشته عما يشكو منه وعما يثبت أنه أرسل عشرة خطابات لدولة الرئيس بشأن مراقبة البوليس إياه ولم تأت بفائدة وأجاب عن ذلك بمعجزة عن الإثبات وجهت له سؤالا آخر بالصيغة الآتية:

أما كنت تدرك أن إعدادك عريضة تدو فيها وجوه تظلمك أفضل لك من الحضور بالمسدس المحشو بالرصاص أو على الأقل كنت تستطيع أن تعلل بما تكتبه فيها عن هذا المسدس وعن غرضك من إحضارك وتقيم لنفسك من كل هذا عذرا يدفع عنك الشبهة في أنك قصدت الاعتداء؟

هنا استطاع المتهم أن يجد جوابا فقد قال: هو أنت تفتكر أن عقلي زي عقل حضرتك؟ أنا رجل عامل.أرجو من المحكمة أن تسجل في ذاكرتها معنى التواضع المندمج في هذا الجواب فإن لدى من أقوال المتهم في مناسبات أخرى سيأتي ذكرها ما أرجو أن ينكشف منه لحضراتكم أن هذا التواضع غير خالص ولا طهور.

سألت المتهم طويلا وأجاب وليس لي حاجة إلى اقتباس شيء من إجاباته أكثر مما اقتبست فإنكم قد ألممتم بتفاصيلها جميعا وستكونون منها الرأي الذي تطمئنون إليه.على أنني أستميحكم الإذن في الإفضاء أمامكم بما يجيش في نفسي من الخواطر التي أثارها تأويل المتهم لما أتاه.

لقد ذكرت في مرافعتي بجلسة الإحالة أن ما قاله المتهم في التحقيق كان مثارا لدهشة العجب ويخيل إلى أن تعبيري هذا يقصر عن أداء كل المعاني التي تمر بخاطر من يسمع قوله المتهم عن فعلته نعم يقصر عن ذلك قصورا عظيما فإنها قولة سخرية وضحك ولعب لا وزن فيها ولا تقدير.

يعجبني ما ذكره الدفاع في هذا المعرض بجلسة الإجالة إذ قال: إن المتهم قد أراد أن يتظلم بالطريقة التي يتصورها عقله فيجيب تصديقه.قال الأستاذ مهدي الديواني هذا بعد مقدمة استعراض فيها جنون الاضطهاد وإن من أعراضه أن المصاب به إذا تذكر اضطهاده ارتكب أشياء قد يضحك لها الآخرون يعجبني هذا القول من الدفاع لأن فيه براعة وفيه لباقة.

يريد الدفاع أ ن يقول إن المتهم صادق فيما أول به فعلته وأن صدقه هذا دليل على جنونه.ويقول أيضا في الوقت نفسه إن المتهم مجنون ولهذا يجب أن يصدق تأويله، إنها لحلقة مفرغة لا يدري أين منتهاها هل نصدق المتهم أولا ثم نحكم تبعا لهذا بأنه مجنون أو نحكم أولا بأنه مجنون وعندئذ يكون لزاما علينا أن نصدقه؟

الواقع أن ليس علينا وقد شهدنا ما شهدنا أن نسير وراء هذا الفرض أو ذاك المتهم أحرج في موقفه فقا عبثا والمحرج لا يقول إلا عبثا.أما دعوى الجنون فهي آخر سهم أخرجه الدفاع من كنانته بل هو كل ما أخرجه من كنانته وما عداه ليس إلا تشبثا بالواهي الضئيل أوحى به الواجب لرجلين عرفا حقه وأصغيا لصوته.

وقبل أن أنتقل لقولة المتهم الثانية التي فاه بها في جلسة الإحالة أرجو أن تفسحوا لي في حسابكم مكانا استوفي فيه قصة الجنون فإنها هي الأخرى تعجبني ولكني أرى موضعها عند الكلام على صفاتي المتهم وبعد أن أفرغ من حديثي عن قولتيه وعن التطبيق القانوني.

قولة المتهم الثاني:

قالها بتأن وتؤدة بل تلاها هوادة وترتيل أمام حضرة رئيس محكمة مصر في جلسة الإحالة وهاكم نص ما قال:

إني أعترف أن لي شريكا حرضني على أن أقتل حضرة صدقي باشا وكما كان عاوز أنسف مجلس النواب ولكن ما طاوعتوش وقدمت احتجاجي بهذه الطريقة السليمة وإذا كان حضرة النائب العام يتهمني أني كنت أنوي قتل صاحب الدولة والحقيقة غير ذلك وإن شاء الله سأقول على اسم شريكي في محكمة الجنايات.

قال المتهم هذه القول الجريئة ولكنه حشر بعدها في دفاعه المكتوب استدراكا ظن فيه سلامته فكت ولكن ما طاوعتوش وقدمت احتجاجي بهذه الطريقة السليمة وإن كان هذا الاستدراك لم يرد في محضر الإحالة على أن معنى كلام المتهم ينم عن استمساكه به بماذا يفسر هذا القول الجدي وأي معنى نفهم من إصرار المتهم على ألا يوح باسم من حرضه إلا أمام محكمة الجنايات على شريطة أن نسمع مرافعته أولا.

وما معنى اعترافه بأنه حرض على قتل صدقي باشا وعلى نسف البرلمان فلم يصغ إلى من حرضه وفضل أن يحتج بتلك الطريقة السليمة التي لم يصحبها إلا تصويب مسدس صالح للانطلاق فيه خمس رصاصات بإحداها انبعاج عرفتم امره فكاد أن يؤدي بدولة الرئيس لولا لطف القضاء.

قلت عن قولة المتهم الأول أنها سخرية وضحك ولعب وأقول عن الثانية أنها هراء واستهتار ومجون.

ماذا قال المتهم بعد هذا:

قال لحضرة رئيس المحكمة العبارة الآتية عندما سأله رأيه فيما نعاه به محامياه من وصمة الجنون.

كويس خالص وأنا شريكي هو مخي اللي حرقتوه وكان أبيض وبقى زي البن الله أكبر- ما هذا بمجنون بل هو ذكي سريع الخاطر حاضر الذهن فقد رأى بارقة ساطعة من أقوال الدفاع رسمت له في خياله مطمحا للخلاص فكر في قولته التي صدر بها دفاعه وحال محو أثرها بتأويل بليغ في صيغة التشبيه وفق بفصاحته إلى جعله منسجما مع نغمة الجنون في المعنى وفي المبنى وفي الوقت نفسه حيا المدافعين عنه بذلك المعنى الكمين في اتجاهه بعد بعد دفاعهما وجهتهما وطرحه وجهته.هذا هو المجنون الذي سأتحدث عن جنونه بعد حين.

التطبيق القانوني

شرحت وقائع الدعوى استمدادا من شهادة الشهود وأقوال المتهم، وقد حرصت جهدي على أن يكون تعليقي على كل واقعة مصدره هذا المدد وما يستسيغه العقل ويدركه الفهم الصحيح وبهذا أرجو أن أكون قد وفيت عهدي لحضراتكم أن أنبذ في سرد الوقائع ثوب التهافت على الاتهام كما نبذت في تحقيق الترحيب به والهشاشة له أما الآن وقد قطعت هذه المرحلة وجاء دور التحدث عن القانون فعلى أن أبسط رأى الاتهام كما نبذت في تحقيق الترحيب به والهشاشة له.

أما الآن وقد قطعت هذه المرحلة وجاء دور التحدث عن القانون فعلى أن أبسط رأي الاتهام مطمئنا إلى أن الدفاع سيفي المتهم حقه من هذه الناحية وأن كلمتهم سيكون فيها فصل الخطاب.

سأبسط رأي الاتهام والله يعلم أني إذ أتكلم في القانون إنما أعرض عقيدتي واقتناعي غير هياب سواة الخطل وعثرة النظر.

أمامي النقط الآتية أجلوها وأستوضحها.

  1. قيام نية القتل عند المتهم.
  2. بدء تنفيذه فعلا هذه النية المعقودة بما تحققت به قانونا جريمة الشروع في القتل.
  3. تحقق ظرف سبق الإصرار.
  4. تحقيق ظرف الترصد.

قيام نية القتل عند المتهم:

وهذه النقطة ترتبط بالوقائع بل هي صميمها تلك حقيقة لا يماري فيها أحد ولديكم أحاكم محكمة النقض والإبرام وفي جميع البلدان قاطعة بذلك في جلاء بعيد عن كل لبس.

فما دامت هي من الواقع في الصميم فإن التحدث عنها الآن في معرض التطبيق القانوني يكون فضلة في القول لا مبرر لها ويكفي إذن أن أشير إلى ما أثبتته شهادة الشهود وأقوال المتهم إنما اقتحم سياج العساكر وشخص نحو دولة الرئيس بمسدسه بالرصاص لا لشيء سوء قتله

وقد تقدم بيان ذلك بما هو في إيضاح أوفى، على أني أنبه الذاكرة في هذا المقام إلى واقعة إخفاء المتهم مسدسه تحت طيات جريدة الأهرام وما في ذلك من دلالة صريحة إلى واقعة تصويبه المسدس نحو دولة الرئيس وإلى أن المسدس آلة قاتلة وصالحة للاستعمال وإلى أن قصة شكاويه السابقة للرئيس هي حديث خرافة على ما أثبته التحقيق.

على أن هناك أمرا يتعين المبادرة إلى التنويه به وهو الباعث على الجريمة فإن الكلام فيه لا محل له هنا فإنه: أولا غريب عن نية القتل إذا ما تحدثنا عن القانون، وثانيا أن اتساق المنطق يجعل موضع البحث فيه الكلام عن المتهم وصفاته.

بدء المتهم في تنفيذ جريمة القتل العمد

هذه النقطة هي في الواقع مدار البحث ومكان التقصي وأول ما يسترعي النظر فيها أن المشرع المصري قد عنى بإظهار اتجاهه في تقدير ماهيتها وأعلن في جلاء ووضوح أن تعيين الأفعال التي تكون داخلهي الجريمة مما يدخل في الوقائع لا في المسائل القانونية.

إني أستفتح بياني بما قدمت لأعلن الدفاع من الآن أنه وإياي رهينا تقديركم للوقائع التي سبق لي شرحها وحكمكم عليها من حيث هي مجرد وقائع أهي تكون بدءا في تنفيذ جريمة القتل أو مجرد أعمال تحضيرية وذلك من غير أقل حرج يخلقه رأي فقيه أو خاطر باحث في القانون.

حجتي في ذلك ما جاء في تعليقات وزارة الحقانية على المادة 39 من قانون العقوبات فقد أوردت ما يأتي:ويجيب التفريق بين الأفعال الداخلية في الجريمة والأفعال التحضيرية لها.

ثم جاء بعد ذلك ما يأتي:

لكي يعتبر شخص فاعلا ينبغي أن يكون عنده نية التداخل في الجريمة وأن يكون اشترك فعلا في جزء منها فالسارق الذي يكسر قفل بيت ولكن لا يدخل فيه والذي يدخل فيه ويسرق كلاهما فاعلان للسرقة بكسر ولو أن الثاني لم يشترك في كسر الباب وكذلك إذا أوقف زيد مثلا عربة عمرو ثم قتل بكر عمرا فزيد هو فاعل للقتل إذا كان أوقف العربة بقصد القتل.

فالمشرع المصري يترك لقاضي الموضوع تقدير الأفعال المادية في كل جريمة بنوعها وبظروفها وتكوين عقيدته فيما إذا كانت هذه الأفعال تعتبر جزءا من الجريمة أو أنها ترتقي لهذه المرتبة وأية ذلك أنه ضرب هذين المثلين للتمثيل على التقدير المنطقي لكل حالة بظروفها وملابساتها.

لقد يغنيني ما قدمت وما اقتبست عن الخوض فيما قاله فقهاء فرنسا وبلجيكا وألمانيا عن تعيين بدء التنفيذ ومناقشة نظريتي الشروع وهما النظرية المادية التي عمادها الأعمال المادية مما يكون الجريمة نفسها والنظرية الشخصية التي عمادها نفسية الجاني ولا تتطلب سوى البدء في ارتكاب الجريمة لا البدء في الأفعال المادية المكونة لها ولكنني أوثر استعراض طرف من أقوال أولئك الفقهاء المليئة بالحجة الصحيحة لتروا أن النظرية الشخصية هي التي سادت الآن في دوائر الفقه والفضاء.

قال العلامة فيدال في كتابه دروس القانون الجنائي ما يأتي وذلك بعد استعراض في بيان واف نظريتي الشروع المادية والمعنوية.

وفي الواقع أن النظرية المادية ناقصة وغير صحيحة وأنه يجيب التسليم بأن البدء في التنفيذ ليس هو البدء في الجريمة ذاتها، وأن القصد متى ثبت أمكن أن يتعين به الفعل حتى لو كان ذاتها وأن القصد متى ثبت أمكن أن يتعين به الفعل حتى لو كان في ذاته غامضا وأنه يكفي لتحقيق بدء التنفيذ أن يؤدي الفعل الصادر من المتهم حالا ومباشرة إلى إتمام الجريمة وأن يصح اعتبار المتهم بهذا الفعل قد دخل دور العمل على اتمام الجريمة.

وهذا يستدعي البحث في نفسيته لاستظهار ما إذا كان قد اعتزم على المضي فيما انتوى وحمل مخاطره وقطع على نفسه سبل العدول وعندئذ يكون في طور العمل ومرحلة الشروع.وقد أخذت محكمة النقض والإرام بهذه النظرية لاسيما في أحداث أحكامها فاعتبرت الكسر والتسلق بقصد السرقة شروعا في هذه الجريمة على الرغم مما ي هذين الفعلين من غموض دعا الكثير من محاكم الاستئناف إلى اعتبارها من الأعمال التحضيرية.

وكذلك اعتبرت محكمة النقض نقب الحائط بقصد السرقة والترصد لشخص بنية سرقته شروعا في السرقة وقضت بهذا أيضا في حالة وضع يد شخص في جيب آخر لأخذ ما فيه خلسة وقالت تلك المحكمة إن الفعل يعتبر بدءا في التنفيذ إذا كان خاليا من الغموض والشك وكان بينه وبين الجريمة التي تصد ارتكابها صلة مباشرة ظاهرة ووثيقة.

ويظهر أن هذا القضاء متفق مع روح التشريع المتوسط الذي استقيت منه المادة الثانية من قانون العقوبات الفرنسي والذي كان يعتبر التسلق والكسر لغرض جنائي شروعا في الجريمة التي نوى الفاعل مقارفتها بغير تميز في ذلك بين السرقة وغيرها من الجرائم كالقتل والاغتصاب إلى أخره

وقال العلامة دوندييه دي فابر الأستاذ بجامعة مونسليه تعليقا على حكم محكمة النقض والإبرام الفرنسية الصادر في يناير سنة 1913 ما يأتي:

وما على القاض لمعرفة ما يعتبر بدءا في التنفيذ وما لا يعتبر إلا أن يقارب بين الواقعتين الثابتتين الواقعة التي صدرت من المتهم والواقعة التي انتوى ارتكابها وأن يقدر ما إذا كانت الأولى من الخطورة بحيث تؤدي على وجه يقرب من التحتيم مع استبعاد الموانع التي لا دخل لإرادة المتهم فيها إلى اتمام الجريمة أو بعبارة أخرى ما على القاضي إلا أن يحبس المسافة الأدبية التي بين الفعل الثابت الذي صدر من المتهم وبين الجريمة التي قصد ارتكابها.

وقال رو في مجموعة سيري تعليقا على حكم محكمة النقض المتقدم ما يأتي:

في مرحلة التحضير يعبئ الفاعل قواته أما في مرحلة الشروع فإنه يستعملها لذلك لو حظ بحق أن انتقال الفاعل من المرحلة الأولى الثانية يصحبه توتر نفسي فإن الفاعل في تلك اللحظة يحرق سفنه ويقطع على نفسه خط الرجعة ويستمر على الاسترسال في الخطة التي أبداها وينحدر إلى الدرك الذي يصبح بعده بعيدا عن الاستقامة والشرف فالذي يترصد في الطريق لغريمه وسلاحه في يده يعتبر أنه خرج من تردد التحضيرات واستقر عزمه على السير فيما انتوى وأنه دخل في طور تنفيذ الجريمة التي عقد النية على مقارفتها.

تحقق ظرف سبق الإصرار

الكلام على هذا الظرف في الواقع بقيام نية القتل عند المتهم من جهة وبظرف الترصد من جهة أخرى.

أما اتصاله بقيام نية القتل فيرجع إلى أنه متى ثبت في نظر المحكمة من البيانات ومجموع ظروف الدعوى التي شرحتها أن المتهم تعمد قتل دولة صدقي باشا وخاب فعله لسبب لا دخل لإدارته فيه فإن تلك الظروف نفسها

تنفي بتاتا أن فكرة القتل جاءته بغتة عندما رأى الرئيس مقبلا بل على العكس من ذلك تقطع بأن الفكرة مبيته والتصميم عليها يرجع لزمن بعيد وأول ظاهرة تمحو الريبة اليقين بصحة لك أن المتهم جاء إلى المحطة حاملا سلاح القتل المحشو بالرصاص مخبأ في طيات ثيابه، ولما أخرجه من مخبئة ستره بالجريدة التي معه ريثما اقتحم سياج العساكر وواجه الرئيس وهو مصوب المسدس نحوه ولم يكن حدث إلى ذلك الحين أي أمر يستشيره ويدفعه إلى جنايته.

أما اتصال سبق الإصرار بظرف الترصد فإنه من المسلم عقلا أنه قلما توجد حالة يتوافر فيها الترصد ولا يتوافر فيها ظروف سبق الإصرار، ولكن المنطق القانوني يصور بعض استثناءات لذلك هي غاية في الندورة كحالة الرجل الذي يختلف مع آخر في مكان ويحفظ قلبة على مخالفة فيخرج من المكان ليترصد لغريمه في طريقه عند رواحه ولا يلبث أن يباغته فيرديه.

هذا المثل الاستثنائي وما شابهه لا يتقف مع حالة المتهم فإن ترصده على ما سيأتي الكلام فيه هو ترصد عريق لا فجاءة فيه ولا اندفاع.

على أن أقوال المتهم في أولى خطوات التحقيق تجعل من العبث الاسترسال في التدليل على تحقق هذا الظروف وقد سبق لي تلاوتها على أسماعكم عندما استعرضت تأويلها لما فعل إلا أني أزيد على ما سبق اقتباسه جملتين أخريين قاطعتين في الأمر فقد سألت المتهم متى نوى الحضور المقابلة دولة الرئيس في المحطة؟ فكان جوابه ما يأتي:

ما اعرفش من ستة أيام أو سبعة أيام كان ذكر الأهرام أن دولة الرئيس مسافر النهارده وكان مكتوب أنهم عاملين له حفلة تكريم أمس والسفر النهاردة وأنا نويت أحضر المحطة من خمسة أو سبعة أيام علمت أنه مسافر اليوم فنويت أني أقابله وأقدم له الشكوى.

ولما سألته إذا كان نوي تقديم الشكوى بالشكل الذي حصل أجا بما يأتي:

أيوه نويت أحضر وأوريها له واتظلم لأن الجوابات ما نفعتش.من هذا ترون أن ظرف سبق الإصرار متوافر من كل النواحي.

تحقيق ظروف الترصد:

هذا الظرف لا يحتاج في البيان إلى أكثر من أن أعيد على أسماعكم ما قاله المتهم في صدر محضر التحقيق عقب ضبطه فقد قال:

لما وصلت المحطة قعدت في البوفيه في الكراسي في ساحة المحطة من الداخل وبقيت جالسا حتى رأيت كردونات العساكر من عند الباب الخاص بالبرنسات فقمت من القهوة ووقتها سمعت التصفيق خارج المحطة لدولة الباشا فقربت من كردون العساكر.

ولما رأيت دولة الباشا هالل من باب البرنسات طلعت لاروفلفر الذي ضبط معي من صدري عند البنطلون حيث كنت واضعة في الحزام واخترقت الصفوف وجريت نحو دولة الباشا وفي أيدي اليمين الروفلر وأنا أقول مظلوم يا دولة الباشا خربوا بيتي يا دولة الباشا فضبطوني.

على أنني استرسالا في الدليل أنبه حضراتكم إلى ما شهد به في التحقيق داود سليمان ماسح الأحذية من أنه رأى المتهم يوم الحادث وقبل وقوعه واقفا داخل المحطة ويده اليمنى على صدره وطرفها تحت إبطه ويده اليسرى على خده الأيسر بهيئة المفكر لا حاجة لي بعد بذلك إلى ما جاء في المادة 296 من قانون العقوبات من أن الترصد يتم مهما قصرت مدته.

كما لا حاجة إلى تنبيه أذهانكم إلى أن ترصد المتهم كان مصحوبا بحمله سلاحا لا يدعي مجالا للشك في نية القتل التي عقدها ومثل هذا الترصد هو الذي عناه العلامتان جارسون ورو اللذان تلوت أقوالهما في هذا الصدد وفي غيره ودللت بها على أن تحقق الترصد الذي بهذا الوصف يتحقق به البدء في تنفيذ جريمة القتل العمد وتكمل أركان المشروع في تلك الجريمة.

لدق آن أن أختتم حديثي عن تطبيق القانون وإني لشاعر بإسرافي في استغلال سعة صدوركم قد انطلقت في مراح هذا الموضوع الشيق مسوقا بمرغباته ودقة أبحاثه ونسيت أنكم قد تسأمون سماع ما تعلمون وترديد ما تدركون.

من هو المتهم؟

لقد تنكبت أن أرسم لحضراتكم صورة المتهم قبل بيان ما اجترح وقلت إني أفعل ذلك خشية الظن الفطين بأني استجلب ضوءا قاتما من حوله قبل أن أثبت جنايته والآن قد حل لي ما كنت حرمته على نفسي ولكني أراني في حيرة من أمري فلست أعتقد أنكم في حاجة إلى تفهم صفات المتهم وأطواره بعد الذي قرأتموه من أقواله في التحقيق وفي جلسة الإحالة وبعد الذي استخلصتموه مما سمعتموه.

على أني مطالب بإيضاح الباعث على الجريمة بقدر ما انكشف لي من التحقيقات كما أن نغمة الدفاع في الإحالة تلك النغمة التي كانت أخر سهم في كنانته تدعوني إلى كلمة أو كلمتين في هذه الناحية.

ولأبدأ بقولة الدفاع فإنها قولة بارعة في ثوبها وإن كانت واهية في أساسها نعم واهية في أساسها إذا ما استوعبنا نص المادة 57 من قانون العقوبات وطبقنا حكمها على الحالة المطروحة أمام نظركم.

نصت تلك المادة على أنه: لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل إما لجنون أن عاهة في العقل وإما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا أخذها قهرا عنه أو على غير علم منه بها.

فالشرط الجوهري للإعفاء من العقاب هو أن يكون الجاني فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكابه الفعل وهذه واقعة يقدرها القاضي من ظروف الدعوى ولا دخل للفن الطبي فيها.

فهل يرتاح الدفاع بعد هذا الذي قلت أو يقرر أن المتهم كان فاقد الشعو أو الاختيار في عمله وقت ارتكابه الفعل المسند إليه أو هو يقول إنه مجنون وبناء على ذلك يكون فاقد الشعور والاختيار.

هذا الفرض الثاني بأبه مرصد في وجهة الدفاع وكان إيصاده من المشرع قصدا لكي يحدد وظيفة القاضي والمشرع من جهة ووظيفة الطبيب من جهة أخرى والاتيان على خلاف القديم القائم بينهم منذ قرن على ما جاء في مذكرة الحقانية.

أما الغرض الأول فمرده إليكم وتقديره في أيديكم وغذا سمحتم لي أن أنبه الذاكرة إلى ما يرتبط بهذا الشأن من الوقائع ذكرت لكم أن المتهم قد أبدى وقت ارتكابه فعلته وقبل ذلك وبعده ما يقطع بأنه لم يكن فقط مالكا لشعوره واختياره بل كان مالكا لقوى تفكيره وواسعة حيلته ورباطة جأشه وحضور ذهنه.

نعم كان ذلك إلى أبعد حد يتصور في شأن من هو من بيئته وفي مستواه الاجتماعي.لقد دبر أمر الجريدة يخفي تحتها مسدسه ودبر وضع ذلك المسدس في طيات ثيابه حتى يأتي الوقت الذي يحين فيه إخراجه وإطلاقه ودبر حيلة التظلم لدولة الرئيس بصيحات صاغ عباراتها بإحكام ليخلق الاضطراب في صفوف العساكر من غير أن ينبه حذرهم.

ولماح لطف القضاء وأخفقت الجناية سارع إلى التنصل وادعى أنه قد أعيته الشكوى لدولة الرئيس بغير جدوى ينعى على نفسه قلة الحذر في إرساله شكاويه غير مسجلة ورسم معنى خاليا فيما قاله من أنه أراد أن يثبت بفعلته أنه وهو القادر على الشر لم يركب صعابه ولما ناقشته عقب الحادث تابعني في كل معنى دقيق طرحته متابعة تشهد بحضور الذهن وصحوة اليقظ.

لا أريد أن أطيل عليكم الكلام في هذا الشأن فإني على يقين ثابت وقد قرأتم إجابات المتهم على ما وجهته إلية من الأسئلة عقب الحادث بأنكم خرجتم من ذلك بعقيدة قاطعة أن الرجل ذكي ماهر وداهية حريص.

بقيت لي ملاحظة هيئة على كلمة جاءت على لسان الأستاذ مهدي الديواني في جلسة الإحالة بشأن جنون الاضطهاد وسقوط المتهم تحت سلطانه.

لا شك عندي في أن جنة الاضطهاد هي التي تتملك صاحبها من غير أي أساس إطلاقا أما الذي يبالغ في تجسيم عمل له ظواهر الاضطهاد ويستشير غضبه نفسه عليه فإنه لا ينعت بالجنون ليس من شك في أن المتهم لم يكن إلا غاضبا من مراقبة البوليس إياه فبالغ ما شاء في وصف تلك المراقبة وسماها اضطهادا لا قبل له به.

على أنني أعود إلى قولي الأول بأن المتهم مهما كان في خاطره من تصورات الاضطهاد أو غيره فإن ذلك لم يفقده رشده ولا حرية اختياره ولا يرفع عنه مسئولة جريمته.

بعد هذا أخوض ظلام نفسية المتهم متحسسا الباعث الذي دفعه إلى جنايته وقد رأيتم أن المتهم كان سكرتيرا بل سكرتيرا عاما لنقابة الطهاة.

وكان عضوا في اتحاد النقابات وزهت عضويته فكان لها شأن غير ضئيل وأمامكم محاضرها تنطق بحماس الرجل وإخلاصه لبلاده لما عده مبدأ يعتنق وخطة تحتذى وأمامكم ما تلاه من الدفاع في جلسة الإحالة إذا قال إنه كان يتمنى أن يعيش باقي أيامه في السجن لولا أن في رقبته يمينا للدفاع عن العمال.

وقال أيضا مستحلفا حضرة قاضي الإحالة أن يحيله سريعا على محكمة الجنايات ليكون له شرف الدفاع عن هذه الطائفة وإخبار حضراتكم بأشياء لم تسمعوها من عشرين عاما ولن يقولها أحد من بعده وإخباركم أن العمال المصريين والفرنج منتظرون حكمكم فإما رفعتموهم أو خفضتموهم.

قال هذا وقال غيره شيئا كثيرا فنعى على الوزراء والنواب ورجال الحكومة أخذهم مرتباتهم من عرق جبين العمال ومع لك فإن إدارة الأمن العام على رغم تضييق الخناق عليهم وإنذارهم بالويل والدمار وبالثورة إن استمرت تلك الإدارة في سيرها تحسست من هذا أن الرجل لفحه لهيب من أدواء المجتمع التي فشت في بعض البلاد هذه الأيام وأن بذور داء خبيث قد صادفت من خلقه الحاد وخيلاء غروره أرضا خصبة فنمت وترعرعت وكان من ذلك أن غضب غضبته لما رأى الحكومة تتخذ احتياطاتها بشأن اتحاج العمال وتغلق نادية وتراقب رجاله ثم أذكى نار الغضب ما استشعره من إغضاء الناس عنه وتعذر استخدامه.

وهنا تفاعلت في نفسه عوامل الغيظ وشهوة الانتقام مع هوس التبطل وخيلاء الاستعظام وأنتج هذا التفاعل عقد النية على قتل عظيم ليجني الشهرة وتتجاوب بذره الأقطار ولم يكن ليحفل بنتائج فعلته فقد كان في ضيق من العيش وهو الحفي بنفسه المعتز بصفاته غرورا واستكبارا.

ذكرت خيلاء الرجل وفتنته بنفسه وأراني في غير حاجة إلى التدليل بعد الذي قرأتموه من إجاباته عندما ناقشته بشأن كتاب الأخلاق الذي ألفه محمد الفلال الطاه معارضا به كتاب ارستطاليس الفيلسوف.ومالي والتدليل وأمامكم ذلك السفير الجليل وما جرى بشأنه من الحوار بيني المتهم والكاتب الأديب إدوار عبده.

بل إمامكم ما جابهني به المتهم لما سألته إن كان يستطيع أن يؤلف بلغة عربية صحيحة فقد قال بغير استحياء ما يأتي: في استطاعتي ذلك لو جبت بجواري قاموس اللغة العربية فأكتب أحسن من أحسن كاتب من اللي بيكتبوا ثم قال أعظم واحد فيلسوف في البد يفتح القاموس يشوف فيه أية كلمة فرنساوي أو عربي وقال أيضا ردا على استفهامي إن كان يعتقد أنه بتعليمه الضعيف يستطيع أن يكتب في الأخلاق أنا جرت بنفسي في أوربا بيكتبوا مجلات وهم وزراء في انجلترا واحنا بس العمال المصريين اللي مساكين.

هذا طرف ما ينم عن زهو المتهم وما تملكه على وضاعته من غرور يرتد بذاكرتي إلى ما قاله شاعر معروف:

وكم صيد بذلك من ذليل
كما مالت من المصلوب عنق

أراني وقد انسقت بشجون الحديث إلى التحيف على ميدان القانون بالجنون إلى الأدب وأراني وهذا شأني مطالبا بأن أعود سراعا إلى حظيرتي ولا أجد خيرا في هذه المناسبة من التنويه لما ما بنقطة لم أكن لأعرض لها لولا ارتباطها بما تحدثت عنه من نزعة المتهم وفتوته.

تلك النقطة هي ما قد يدعي للمتهم لا منه أنه وإن لم يعترف قد عدل فعلا عن تنفيذ ما كان انتواه من قتل دولة الرئيس.

هذا القول لا أريد أن أعيب أحدا بنسبته إليه ولكني أفي الاتهام حقه بشموله بكلمة واحدة ولا أُنيها تلك الكلمة هي أن المتهم لم يجرؤ أن يدعي شيئا من ذلك طوال أدوار التحقيق وإن كان الدفاع يتذرع بهذا العذر فإن وقائع الدعوى تصدم تذرعه وأخلاق المتهم وما هو مفتون به من ولع البطولة ينفي هذا الاتجاه ويأباه.

لدي ما يكشف عن نواح كثيرة من أخلاق المتهم الشخصية ولكني أربا بنفسي عن أن ألمح بها توقيرا لمجلسكم وتنزيها لأسماعكم ولي من فطنتكم ما يضمن تقدير ما وقفتم عليه منها نم ثنايا التحقيق.

على من وقعت الجناية؟

لا أجد موقفا أدق من موقف النائب العمومي حيث يتكلم عن رئيس الحكومة القائمة بشأن جناية وقعت على شخصه ولا بستها ظروف قد يقال إنها تتصل بهيمنته الإدارية وقيامه على مصالح الدولة.

وموطن الدقة لا يرجع في الدعوى الحالية إلي أية ضرورة أجدها للتحدث عن هذه الهيمنة وعلاقتا بالجريمة فإن ذلك بعيد عن حاجتي ولا أحسب حضراتكم تقيمون وزنا لما ادعاه المتهم من أن مراقبة البوليس إياه قد تجاوزت حدها فإن الثابت من التحقيق أن رجال السلطة العامة ما كانوا يفعلون أكثر مما توجبه الحيطة لسلامة الأمن من عبث العابثين.

ولكن أمامنا حادثا جللا لرئيس الحكومة بجرأته في الإجرام أعصاب البلاد وأثار سخطها ونبه حذرها وقامت كل الهيئات والأحزاب تعلن استنكارها لما وقع وتنعى على الجناة شرورهم وعلى البلاد نكبتها بهم.

أعلن ذلك كل من له شأن وكل من له كيان ولم تكن صيحة الغضب الشامل ولعنة السخط العام مبعثها ري العزة التي يكتب مركز دولة الرئيس بل إن شخصيته العظيمة كانت في الواقع مثار هذا الشعور الصادق.

قلت إن الهيئات والأحزاب على اختلافها قد تضافرت على استنكار ما وقع والغضب على من جنى وأن شخصية من وقعت عليه الجناية ببارز عظمتها لم تكن الدافع الحقيق لهذا الشعور.

ومع هذا أراني على حرج وأنا مرتد ثوب القضاء أن أطلقت لساني في هذه الدعوى من كل النواحي ولا ريب عندي في أن ناحية من وقعت عليه الجناية من ألزم ما يكون لتبيان فداحة الجرم ومبلغ الضر وجلال اللطف الذي دفع هذا البلاء.

تلك عناصر لكم أن تتعرفوها وعلى أن أشرحها:

وإن أنا أوفيت الشرح حقه والبيان جوانبه أوشكت أن أتناول كل ما تسطع عليه شخصية الرئيس وفيه مالا تتسع له حرم القضاء.من أجل ذلك أراني على حرج.وهذا موطن الدقة وملتقى الصعاب ولكني أؤمن بفطنتكم ولي فيها كل الغناء فاقبلوا مني هذا الشرح القصير المدى واستكملوا ما فيه من قصور بما فيكم من نظر بعيد وفهم شديد.الجناية وقعت على اسماعيل باشا.

وقعت عليه وهي في طريقه إلى الاستشفاء من معقبات كده المضني في سبيل بلاده وسهره المراهق على مصالحها. إن نذالة الجريمة تتراءى لكم من خلال هذه الحقيقة التي لا يماري فيها أحد، والنذالة على حد قول هيجو أمعن في الشر من الجريمة وهي إن وقعت على عظيم كان شرها مستطيرا وضرها رزاء كبيرا.

تلك هي كلمتي القاصرة عمن وقعت عليه الجناية.لقد أبنت مبلغ نذالة الجريمة ومدى شرها إذ هي وقعت على كابر المقام أبنت ذلك بقدر ما فسح لي موقف النائب العمومي وأجازته الأمانة التي في عنقي.

ولو أن المجال حر لقائل لسمعتم كل ما يتطلبه حزمكم وترضاه عدالتكم، لكنني كما أسلفت مؤمن بفطنتكم ولي فيها كل الغناء.هذا الأمر الخطير هو ما أشرت إليه في صدر مرافعتي وألمحت به عند حديثي عن الباعث الذي دفع المتهم إلى جنايته.

ذلك هو ولع التبطل وغواية الاستعظام وما أجملت في جلسة الإحالة بأنه داء اجتماعي وبيل يهدد الحكومات في كيانها ويشل النظام في أساسه وأنه إن لم يؤخذ بيد عسراء استفحل ضرره وعز شر نعم استفحل ضرره وعز اتقاء شره.

أرسموا لأنفسكم بواسع خبرتكم ونافذ بصيرتكم حال البلاد وقد اصبح كل عزيم فيها هدفا لنا أي شفى تربعت في نفسه الشريرة هذه الأفكار الخطرة تلك حال استعيذ بالله منها.

هي مضيعة للطمأنينة ومقتلة للنبوغ ومفسدة لنفس العاملين بل هي حفرة يتردى فيها إخلاص الخلصين ونشاط المجدين وإيمان الصالحين.

أنتم قضاء الحق ولكنكم أيضا مربو الخلق.وكلمة العدل التي بها تنطقون يتجاوب صداها في نفوس ناشئة ونفوس ثائرة ونفوس فزعة حائرة.فاجعلوا حكمكم رسالة عدل، وبلاغ عبرة، وبشرى سلام.وإذا جنحتم إل الرحمة فاشملوا بها النشء وقد أوشك أن يلتوي والبلاد وقد دب فيها ذاك الداء الوخيم.

أنت أطباء النفس كما أنتم قضاة العدل والطبيب البصري لا يتردد ولا يني عنه الراحمين.وازنوا بين روعة الرحمة، وقد حلت البلاد وبالنشء وبين ضالتها إن هي حلت بهذا الجرم العتيد، ثم اقضوا والله معكم إنه الهادي ونعم النصير.

مرافعات الدفاع

مرافعات الأستاذ بسط شكري المحامي

يا حضرات المستشارين

في مثل هذا الوقت من العام الماضي وقف أمامكم خمسة عشر من العمال قال الدفاع عنهم ضمن ما قال بأنه ما ارتكبوه إن صح إنما كان على سبيل الشكوى أو التظلم مما حل بهم وأنهم أرادوا لفت النظر إليهم من جانب أولى الأمر فيهم وقد اتضح لحضراتكم بعد بحث كبير أن ما ارتكبوه قد أخرج شكواهم من حدودها إلى حدود الجريمة المعاقب عليها وكان حكمكم العالي المعروف.

والنزاع بين الشكوى والجريمة يتجدد أمامكم اليوم ولكن في مظهر واضح طبيعي وستقولون بعد قليل كلمتكم العليا في هذا النزاع وستقررون ما إذا كان الأمر القائم جريمة ستقولون بأن هناك شكوى وألا جريمة هناك.

وما كان ليقوى اللبس بين الشكوى والجريمة إلى هذا الحد لولا ما داخل المشتكي من عوامل نفسية وما حاق به من ظروف اجتماعية ولولا بعد الشقة بينه وبين من عنده شكواه لأن تقوى فترقى إلى درجة الجريمة وليست هي من الجريمة إلا في خروجها عن مألوف الشكاوي وأسلوب المشتكي.

على أن الشكوي والجريمة قد يلتقيان في نفس المظلوم عند الدفع غير أن الدافع لا يدعو إلى الجريمة إلا في النزاع عاما يتعلق بالجموع سليما بعيدا عن السوء.

ولا يتولاكم عجب أن تكرر عليكم وقوف متهمين لا يدفعون الدعوى إلا بالشكاوي ولا تجدون في نفوسكم عداء تذمر أو اشمئزاز لا تدهشوا فما قد حل بالبلد من تغيير لابد من أن يصادف مقاوميه ولابد من أن تصل شكواكم إلى أسماعكم لتقولوها للعالم في أحكامكم وأنتم باستعراضكم للشكوى وباستماعكم إياها إنما تخدمون الحق وتنصرون العدل، وليس من يخدم الحق سوام ولا من يجرأ بالعدل إلاكم.

ولقد عرف الفلال ذلك فيكم فنراه في أقواله يطالب بالإسراع بالمجيء به إليكم وكأني به عند قوله هذا أراد أن يرفع شكواه إلى دولة رئيس الحكومة وإليكم ولعل هذا ما حدا به إلى حمل مسدس في شكواه فهو يسمع الشكوى لرئيس الحكومة بأقواله ويقوده مسدس إليكم فتسمعون شكواه.

وليس غريبا جدا ما وقع من الفلال وما سلكه بالمجيء إليكم فلقد شهد العالم القضائي نظائر لمثل ما تنظرونه اليوم وأقرب حادث إلينا قضية الفيلسوف أميل زولا الشاعر الفرنسي المشهور فقد جيء متهما بالطعن في الهيئات الحاكمة بأقسى الألفاظ وأبشع التهم مع أن واقع الحال إنه لم يرد مما قال طعنا إنما أراد منه المثول أمام القضاء ليعيد النظر في قضية دريفوس المشهورة وقد أبت برلمانات ذلك العهد أن تنصف المتهم البريء أراد أن يقول الكاتب المشهور في مجلس القضاء

ما قال به مرارا لرجال الهيئة التنفيذية من براءة هذا الرجل فلم تعبأ بها فوجه الطعن صوريا ليظهر بمظهر المجرم وليئول به إلى القضاء فلما نظرت دعواه تمكن هو ومحامي دريفوس من سلوك السبيل إلى شرح الغامض من تلك القضية الكبرى وإظهار أخطاء القضاء فيها ورغما من أن محكمة السين التي نظرت الدعوى قد قضيت على زولا قصد جنائي لدى المتهم.

وقررت بصراحة أن المتهم لم يقصد طعنا إنما اراد إظهار الحق في قضية جنائي لدى المتهم وقررت بصراحة أن المتهم لم يقصد طعنا إنما أراد إظهار الحق في قضية دريفوس وقد أنتج فعله أثره المقصود حيث كان ملف دعوى إميل زولا سببا في إعادة النظر في قضية دريفوس والقضاء نهائية ببرائتة وإعادة الشرف إليه.

ولن يجد الفلال من منكوبي هذا العصر إلا ساحة عدلكم الرحبة ليشرح شكواه ويرجو لنفسه إنصافا فيها. وكيف السبيل إلى الشكوى وقد سد الظلم الوصول إلى المنصفين؟ وقد علم الناس أجمعون أن القضاء في مصر قد انفرد بالسلامة والصون والعدل فهو في كل عهد من أزمنة التغير قبلة المظلوم وقاهر الجبروت.

قال فولتير محامي فرنسا الأكبر في دفاعه عن كالاس في قضية مأسأة تولوز إن القضاة كالسماء فيجب أن يرجى القضاة طويلا بشدة صباح مساء من أصدقائهم وقسهم وخليلاتهم.ولم تكن شكوى الفلال بمقصورة على مالحقة من ظلم البوليس له والكثيرين من الخونة كما هو الظاهر فيها إنما كانت الشكوى من نفسه هو ومما حل بها على يد القدر أصابته المقادير في أظهر نعم الله على الإنسان السمع والبصر والكلام

ورأت نفسه الحرمان منها كما رأت نعمة التمتع بها جميعا فأوجدت كل هذه التغيرات الشاذة تفاعلات هامة في تركيب خلايا المخ كما سيأتي شرحه وأصبح الفلال وقد تغيرت حالة عن حال جميع الناس لا يقوى على احتمال سائر الناس فهو بذلك قليل الصبر على الأذى سريع التأثير في الظلم فهو إن شكا من شيء في هذا كان في شكواه غريبا شاذا كما رأيتموه اليوم.

ويساعد كثيرا في تفهم ما فعل الفلال على وجهه الصحيح تفصيل ما أصاب كيان جسمه من عوامل أضعفت من مقداره وشرح ما أصاب كيان نفسه من عوامل أهاجت من سواكن أفكاره في نور هذا التحليل وذاك وفي الشرح سنبحث ما وقع في الفالا تجدونه الشكوى العادية من صغير لكبير أحاطها شيء من الهوس أو الجنون منشؤه النقص الذي ذكرناه.

ولقد سمعتم ما أصاب الفلال كيف نكب في شرفه باعتباره متشردا كيف سدت في سبيله وجوه الرزق لشدة المراقبة إياه، وكيف اضطرب اطمئنانه وضاع عليه سكونة بسبب التفتش المستمر لمنزله ولزوجه في كل وقت وآن وهو في كل ذلك لم يرتكب جرما ولم يأت منكرا.

سمعتم كل ذلك تفصيلها وسمعتم كيف أضاف القدر إلى الآمة النفسية الآما جسمانية أذلت من قوة احتماله وأضعفت من سلامة تفكيره ورأيتم كيف حدا به كل ذلك إلى التفكير في الشكوى وكيف تمكنت شدة التضييق عليه من تكبير صورة الشكوى في خياله.

وقد سمعتم كيف أقدم على إبرازه شكواه بمثل ما ظهر به إلى الملأ ظنا منه أنه بهذا يكون مسموع الصوت مجاب الطلب ورأيتم كيف انتهى الدفاع من قبلي إلى تصوير الحادث تصويرا يطابق الواقع.

إن المتهم كان جالسا في بوفيه محطة مصر كبقية الناس، وعند مجيء صاحب الدولة صدقي باشا تقدم إليه مسرا كيما لا يمنعه أحد من الدخول إليه فلما أقترب منه شكا إليه ما حل به وكان في ذلك مادا يده اليمنى باسطا راحتها وعليها المسدس المضبوط ليثبت ابتعاد نفسه عن الإجرام بعدم ارتكابها الجريمة وهي قادرة عليها قريبة منها.

وبقي الآن أن أبين لحضراتكم حق القانون على ما وقع من المتهم هل يعاقب القانون عليه باعتباره جريمة أم لا؟ هل هناك شروع في قتل أم لا؟وأراني مضطرا قبل تطبيق النظريات القانونية على الوقائع أن أستبعد من طريقي واقعة قد جاء في الأوراق ما يبعدها كل البعد عما وقع من المتهم يوم الحادث، تلك الواقعة هي محاولة إطلاق المسدس فلم تخرج الرصاصة لعارض فجائي.

واقعة إن كان لها فضل أمامكم ولنا فهى الشهادة الناطقة بدقة التحقيق وعمق البحث وقوة الملاحظة مع الهدوء والفطنة والذكاء وصفات تحل بها كلها سعادة النائب العام وظهرت لنا عند قراءة الأوراق فلم نطق صبرا على الاعتراف بها والشهادة بفضلها أمام أكبر هيئة قضائية في البلد..

هذا هو فضل الواقعة وهو فضل كبير كما تعلمون أما تقريبها إلى الحادث ونسبتها إلى المتهمين فهذا ما نستبعده وهذا ما نرجوه النجاح في اقناع المحكمة باستبعاده.

  1. ليس في أقوال الشهود ما يؤيد هذه الواقعة فلم يقل واحد إن المتهم قد حاول الإطلاق ولم يقل واحدا إنه كان ممسكا المسدس بشكل من كان ينوي إطلاقه وغير خاف أن محاولة إطلاق المسدس تحتاج من المتهم وضعا معينا يساعده على التصويب وعلى تحريك الزناد وعلى امتلاك النفس وهي تقدم على الإجرام وهذا الوضع إن كان قد مر به المتهم لكان سهلا على من شهدوه من أول حركاته أن يلاحظوا عليه هذه العلائم فيقرروا بها لتكون دليلا عليه ولكن شيئا من هذا لم يحصل.
  2. وقد وجد التتك مثبتا إلى الإمام وهو بهذا الوضع يمنع الشك في محاولة إطلاقه وبعد من باب الفرض البعيد أنه كان نازلا معدا للضرب وحركة القبض على المسدس وهو راحة اليد ويقرر المستر ليس أن المتهم لم يقاوم مطلقا في تسليم المسدس فهو إذن قد ضبط بنفس الوضع الذي كان.
  3. أما القول بأن المسدس قد أطلق ولم يخرج الرصاصه لعارض خارجي فلعل السند الوحيد على هذه الواقعة هو تقرير حضرة الطبيب الشرعي الذي جاء فيه أن الانبعاج وجد على الرصاصة الأولى المعدة للإطلاق هو من نتيجة محاولة إطلاقها وعدم خروجها وهذه الواقعة وسندها مردود عليها بما يأتي:
(أ)- لم يشهد أحمد من الشهود بسماعه حركة الانطلاق أو بملاحظته الاستعداد لذلك.
(ب) أن الرصاصة التي وجد عليها الانبعاج لم يتقدم دليل قاطع على أنها كانت الرصاصة الأولى المعدة للانطلاق وقتها كان المسدس في يد المتهم ولقد رأينا في محضر تحقيق سعادة النائب العام عند إبداء هذه الملاحظة الخاصة بلانبعاج الظاهر على الرصاصة أنه يقول: الذي وجد على إحدى الرصاصات دون أن يذكر ذلك الوصف الهام لها وهو أنها الأولى المعدة للإطلاق.
ولقد سئل في ذلك حضرة الطبيب الشرعي فقرر في ما يأتي حرفيا: إن هذه الرصاصة كما شوهدت بالمسدس كانت معدة للإطلاق قبل الرصاصات الأربعة إلا أن ساقية المسدس يمكن أن تلفت وتغير مكان الرصاص بالنسبة للماسورة عند عمل حركة خارجية أو ضغط الساقية للجانب الأيمن من محورها.
ولقد حصل تماسك بين يدي صاحب العزة حسين بك والمستر ليس والمسدس بينهما وساقيته كما يقول الطبيب الشرعي سهلة الحركة فهناك احتمال كبير في أن الساقية قد تحركت فجأت هذه الرصاص بالنسبة للماسورة عند عمل حركة خارجية أو ضغط الساقية للجانب الأيمن من محورها.
ولقد حصل تماسك بين يدي صاحب العزة حسين بك والمستر ليس والمسدس بينهما وساقيته كما يقول الطبيب الشرعي سهلة الحركة فهناك احتمال كبير في أن الساقية قد تحركت فجأت هذه الرصاصة في هذا الوضع بسبب هذه الحركة
(ج) ولا يبعد مطلقا أن يكون الأثر موجودا على الرصاصة من قديم فلم يتقدم شيء يثبت عمر هذا الأثر وما إذا كان نتيجة محاولة الإطلاق في هذا الحادث أم لا وهذا ما فصله حضرة الطبيب الشرعي في تقريره.
(د) على أننا إن سلمنا بأن الرصاصة كانت موضعها الأول المعد للإطلاق وإن سلمنا بأن الانبعاج الظاهر عليها لم يكن قديما إن سلمنا بكل ذلك فليس هناك ما يثبت أن الانبعاج جاء نتيجة محاولة الإطلاق بفعل المتهم.

فقد قرر حضرة الطبيب الشرعي وكان مرجحا إقراره هذا غن غيره أنه يجوز حصول هذا الانبعاج من محاولة رفع الزناد ونزوله قبلما يصل إلى مكان ارتكازه وقرر بعد ذلك أنه قد تحصل هذه الحركة عند محاولة تخليص المسدس بالقوة من يد المتهم.

وهذا الفرض يعتبر حقيقة إذا أضيف إلى باقي القرائن في الدعوى ولقد أزال حضرة الطبيب الشرعي وحضرة الشاهد ليس شيئا كثيرا من اللبس الذي قد يستفاد من جراح أصبح صاحب العزة محمد محمد حسين بك ومن أنه نتيجة محاولة الافلات وعدم تسليم المسدس فقد قرر الطبيب الشرعي بجواز حصول الإصابة من ضغط يد المتهم ومسدسه فالمتهم لم يعارض في تسليم المسدس وأن ضغطه يد حسين بك هو الذي أحدث الإصابة.

بعد استبعاد هذه الواقعة يقف المتهم أمامكم بالوقائع الباقية وهي خروجه يمثل ما خرج وحمله المسدس بالصورة الثابتة في التحقيق.لا تكون هذه الوقائع شروعا في قتل حسب نص القانون تنص المادة 45 من قانون العقوبات على أن الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو حجة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها.

يترك هذا التعريف في نفس الباحث غموضا فهو لم يعرف بدء التنفيذ ولم يبين مداه، ولأن المادة تشمل الشروع في كل الجرائم كان أي تفسير لها عند تطبيقها على بعض الجرائم يظهر فساده إلذا طبق على البعض الآخر لاختلاف عناصره لهذا تناقضت الأحكام عندنا غير أن حضراتكم تستريحون كثيرا لتفسير المادة إن رجعتم بأبحاثكم إلى ما كان قائما من التشاريع في فرنسا وبلجيكا وإيطاليا في العهد الذي وضعت فيه المادة عندنا حيث قد أخذ الشارع عنهم ومنهم.

وسنرى أن نظرية الشروع في هذه البلدان قد مرت بأدوار عديدة وكانت مثار الجدل والبحث بين علماء القانون والسبب في ذلك راجع إلى حداثة التشريع عندهم لمثل هذا النوع من الجرائم حيث لم يجدوا لهم سندا فيه عند الرومان فالقانون الروماني كان خاليا من قواعد خاصة للشروع وكان للقضاة مطلق التصرف في موضوع الشروع في الجرائم الخطيرة.

أما في سائر الجرائم الأخرى عامة أو خاصة فليس لها شروع معاقب عليها وذلك تطبيقا للمبدأ القاتل لا عقاب حيث لا ضرر ولا مجنى عليه.وكانوا يعرفون الشروع في تلك الجرائم الخطيرة بأنه اتيان فعل قريب من الجريمة وفي فرنسا لما يجد علماء القانون فيها سندا لتشريعهم من القانون الروماني كانت قواعد الشروع عندهم وليدة أفكارهم تتغير مع الزمن.

وساروا في بادئ الأمر على ما كان سائرا عليه العمل عند الرومان، الاهتمام بحماية المجموع فلا يعاقب القانون إلا على ما أحدث ضررا ثم تدرج التشريع بعد ذلك حين وصل إلى ما هو عليه اليوم ويمكننا تقسيم هذه الأدوار التي مرت بها نظرية الشروع إلى أدوار أصبحت النظرية في الدور الثالث منها سليمة من النقد أو النقائض وها هي التي أرادها اشارع المصري والتي نرجو تطبيقها على الحادث ولا يسهل علينا فهم النظرية في الدور الثالث إلا إذا مررنا سراعا على ما كان عليه في الدورين الأول والثاني.

الدور الأول:

هو دور الشيئية والنظرية الشخصية وقد سبق العمل بالنظرية الشيئية لقربها مما كان معمولا به عند الرومان.

(1) النظرية الشيئية.

يعتبر الشروع فيها اتيان عمل من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة، لأن العبرة في هذه النظرية بالأعمال المادية المتعلقة بالجريمة أكثر من نية ارتكاب هذه الجريمة.

وقد قال أحد الفقهاء في كتابه القانون الجنائي ما تعريفه:

أعمال التنفيذ هي التي تكون الجريمة أو التي يكون الغرض منها تسهيل الجريمة وجعلها ممكنة الوقوع ولكنها ليست أعمالا مادية للجريمة نفسها ولا تدخل في تعريفها القانوني.

وقد قال المسيو فيلي كتابة شرح قانون العقوبات ما ترجمته:

خذ الجريمة التي كان ينوي المتهم ارتكابها وابحث عما إذا كان العمل المراد وصفه ثابتا من الأعمال التحضيرية أو التنفيذية يمكن أن يفصل عن الجريمة مع بقائها سليمة فإذا كانت بالسلب فالأعمال تنفيذية.

ولكن العمل بهذه قد أتى بنتائج لم يرض بها المجموع فقد أفلت من العقاب السارق الذي تلق سلما ودخل منزلا ليسرق ولكنه لم يضع يده على الشيء المراد سرقته.

(2) النظرية الشخصية.

ظهرت لما وجه نقد للنظرية الشيئية وهي تهتم الفاعل أكثر مما تهتم بالعمل الذي تم فالمجرم الذي اراد جريمته ولم يوقفه عن ارتكابها إلا ظروف خارجة عن إرادته ليس إجراما منه لو نفذ جريمته ولقد بنيت هذه النظرية على القواعد الآتية التي كانت شائعة في القرون الوسطى منه:

  1. تقوم الإدارة في كل جريمة مقام الأعمال.
  2. أن تكون العبرة بالإرادة.

وقد ظهر فساد النظرية من تطرفها الزائد فمن اشترى مسدسا اعتبر شارعا في قتل وأصبحت تقرر عقاب الجريمة الخائبة نسبة للنية التي ظهرت في أعمال قريبة من الجريمة والتي تدل على الأخلاق الخطرة الكامنة في المتهم بينما النظرية المادية لا تعرف شيئا عن الجريمة المستحيلة وتميل إلى تدرج العقوبات مع الأفعال المادية التي وقعت ولذلك هب العلماء في وجه النظريتين وأظهروا عدم موافقة كلتيهما لروح العدل في المجتمع وسنورد فيما يلي ما قاله العلامة فيدال في هذا الشأن.

إن النظرية المادية غير كافية وهي في الوقت ذاته خطرة من الوجهة الاجتماعية لأنها تجعل المجرم يستفيد من أعمال خارجة عن إرادته وتجعل الجريمة عديمة الأثر، وكذلك النظرية الشخصية فإنها تسمح للقاضي بأن يعاقب أي عمل يرى فيه التصميم الأكيد على مخالفة القانون وفي لك ما فيه من جعل حرية الأفراد تحت رحمة القدر ولذلك يجب على الشارع أن يحدد منطقة مادية للعمل يجب ألا يتخطاها القاضي للبحث عن النية التي مهما كانت أكيدة لا تخص غير صاحبها، وهي داخلة في دائرة القانون الأخلاق لا قانون العقوبات.

وانتهت أبحاثهم إلى إخراج نظرية للشروع جمعت بين النظريتين راعت فيها نية المتهم وما أتاه من أفعال التنفيذ ودخلت النظري بهذه في دورها الثاني:

الدور الثاني:

(أولا) خير تعريف لهذه النظرية في هذا الدور ما جاء في كتاب العلامة جارسون وهذه ترجمته: تنفيذ الجريمة يبدأ عندما يأتي المتهم أعمالا لها في اعتقاده نتائج تئول مباشرة وحالا إلى تلك الجريمة فعند ذلك الوقت يظهر العمل المادي الذي ينجم عنه الضرر الاجتماعي.

ولقد قال بمثل هذا العلامة جارو في كتابه المطول والمختصر ويستنج منه هذا أن جريمة الشروع عندهم يجب أن يتوافر فيها أمران هامان (1) أن تكون لدى نية المتهم ارتكاب الجريمة (2) وأن يقوم بأعمال تؤدي في اعتقاده مباشرة وحالا إلى ارتكاب الجريمة.

ولقد سارت المحكمة الفرنسية في أحكامها على هذه النظرية واضطرها العمل إلى التوسع فيها فأوضحت غامضا خصوصا فيما يتعلق بالشرط الثاني ولقد تمكن العلامة دوندييه من إيراد تعريف شامل لنتائج هذه الأحكام في كتابه شرح قانون العقوبات صفحة 95 حيث قال ما تعريبه:

تعتبر الأعمال المادية التي تمت بدءا في التنفيذ إذا شهدت على تصحيح نهائي عند المتهم أو بعبارة أخرى إذا كانت المسافة الأدبية بين هذه الأعمال المادية وبين الغرض المقصود قصيرة جدا أو ضعيفة بحيث إن الجاني كان سيجناها إلى الجريمة نفسها لو لم يمنعه المانع الخارج عن إرادته وهذا التعريف لم يكن خلاصة الأحكام الفرنسية فحسب بل هو أكثر التعاريف الأخرى انطباقا على روح التشريع الجنائي

وهو بذلك يشترط في جريمة الشروع أمرين

  1. أن يكون لدى المتهم نية الإجرام
  2. أن يأتي عملا هو مظهر للتصميم النهائي على ارتكاب تلك الجريمة

الدور الثالث:

ظهر في العالم وجوب التسامح والإعفاء وظهرت التوبة والمغفرة فاضطر العلماء في القانون إلى مجاراة الدين وأحكامه فظهرت في الوجود نظرية جديدة للشروع نظرية العدول وأصبحت الجريمة لا تتم بعد هذا التعديل إلا بتوافر ثلاثة شروط

  1. عنصر مادي ظاهر وهو البدء في التنفيذ
  2. عنصر أدبي داخل وهو أن يقصد بالبدء في تحقيق غرض جنائي.
  3. عنصر جديد وهو زوال عدول الجاني.

والنظرية الحديثة بإضافتها هذا العنصر الأخير جعلت التصاقا قويا بين سلسلة أعمال التنفيذ بحيث إذا وجدت فترة صغيرة وجد فيها المتهم ساكنا مع قدرته على الإجرام اعتبر هذا المتهم عادلا عن جريمته فرضا وتحملت النيابة عبء إثبات زوال هذا العدول أو عدم وجوده وقد شرح هذه النظرية العلامة جارو في الجزء الأول من مؤلفه قانون العقوبات

ولقد سار العمل بهذه النظرية نسبة لما فيها من مصالح الهيئة الاجتماعية ومن تحقق للعدالة فمن صالح الهيئة الاجتماعية أن يترك للمجرم أوسع فرصة للتوبة والعدول عن الجريمة ومن صالح العدالة ألا يعاقب من وجد لنفسه من نفسه رادعا أو زاجرا.

في إيطاليا.

وفي إيطاليا أحدث النظريات الإيطالية لصاحبها المسيو جارو وقد أوردها في كتابه شرح قانون العقوبات.

يكون العمل بدءا في التنفيذ ويعاقب كشروع إذا كان لا لبس فيه فهو يدل بنصه على القصد الجنائي عند المتهم ولا يمكن أن يفس بغير هذا القصد ويكون العمل تحضيريا لا يعاقب عليه إذا كان يدل على أغراض شتى.

وفي عرفه أن المتهم الذي يضع يده في جيب سيدة لا يعتبر شارعا في جريمة السرقة لأنه يحتمل أن يكون غرضه ملامسة هذه السيدة وأشعر ألا حاجة بي إلى طلب تطبيق هذه النظرية لأن ما لدينا من نظريات سابقة سيأتي بحضراتكم إلى عدم اعتبار ما وقع من المتهم شروعا في قتل فتقضون ببراءته.

كانت هذه النظريات بأدوارها أمام الشارع المصري عندما وضع نص المادة 45 عقوبات وفي نورها قد حدد الشروع وفصل ما بينه وبين أفعال التحضير وأصبح طبعا لدينا أن نستوضح الغامض في النص تفاصيل الشروع عند من أخذنا من متهم بوجوب توافر ثلاثة شروط الأول أن تكون لدى المتهم نية ارتكاب الجريمة (القصد الجنائي) (الثاني) أن يقوم مباشرة وحالا إلى ارتكاب تلك الجريمة، (و الثالث) زوال العدول.

وأراني مضطرا قبل تطبيق هذه الشروط على وقائع دعوانا أن أبدي ملاحظة على ما جاء في مرافعة سعادة النائب العام فقد جاء فيها أن الترصد إلى تحقق أو توافر يتحقق حتما شرط البدء في التنفيذ لا مانع في ذكر الترصد أو سبق الإصرار والكلام فيهما باعتبارهم ركنين من أركان التهمة الموجهة إلى المتهم شروع في قتل عمد مع سبق الإصرار أو الترصد ولن اعتبار الترصد أو وجوده كدليل في ذاته على بدء التنفيذ لا يتفق مع ما قرره شراح القانون وما أخذت به المحاكم.

  1. فجارسون نفسه الذي استند عليه سعادة النائب العام في هذا الشأن قرر في نفس الصفحة بما يخالف هذا الرأي فالذي استند عليه سعادة النائب ما جاء في تعلقياته على المادة 222، من القانون الفرنسي في نبذة من أن نفس المؤلف في النبذة 71 من نفس التعليمات يقرر بأن ذهاب الشخص إلى منزل غر يمه حاملا سلاحة متربصا له ليقتله لا يعتبر بدءا في التنفيذ على أن حضراتكم تلاحظون أمرا هاما هو ما جاء في النبذة 34 وهو ما قال به سعادة النائب العام جاء خاليا من الإشارة إلى أحكام صدرت بهذا الشأن بخلاف ما اعتاد عليه جارسون من الإشارة من أحكام المحاكم في كل نبذة.
  2. وستند سعادة النائب العام في تأييده لرأيه على ما استنتجه من أقوال جارسون فيما يتعلق باعتباره التسلق أو الكسر بدءا للقتل أو السرقة مع أني فهمت من مراجعة جارسون في هذا الصدد بأنه يقرر اختلافا كبيرا بين الأحكام في هذا الشأن فهو أخيرا يقول بأنه الرأي الراجح وأن رأيه هو المعول عليه في معرفة نية المتهم، فالترصد في ذاته بدون معرفة النية لا يعتبر دليلا على البدء في التنفيذ
  3. وعلى أن جارو صريح جدا في هذا الرأي فهو يقرر بأن الترصد في ذاته لا يعتبر دليلا على البدء في تنفيذ جريمة القتل.

وقد جاء في كتابه المختصر ما ترجمته حرفيا لا يعتبر بدءا في تنفيذ جريمة القتل الدخول في بيت ولو بالتسلق أو الكسر، لأن هذه الأعمال بعيدة جدا عن القتل وهو يفرق بين التسلق الداخلي والتسلق الخارجي ولم يقم وزنا إلا للتسلق الداخلي ويشترط النية في تقديره.وقد قال عدد من شراح القانون المصري عندنا بهذا الرأي يراجع كتاب أحمد صفوت بك صفحة 136 والقانون الجنائي للعرابي بك صفحة 24.

أحدث النظريات كما قلنا تشترط في الجريمة لا عتبارها شروعا ضمن ما يشترط ثلاثة شروط:

أولا: أن تكون لدى المتهم نية ارتكاب الجريمة القصد الجنائي

ثانيا: أن يقوم بأعمال تؤدي مباشرة وحالا إلى ارتكاب الجريمة.

ثالثا: وجوب تقديم ما يثبت عدوله عن العدول:

وسنرى فيما يلي أن الشرطين الأول والثاني غير متوافرين وأنهما إن توافرا فالشرط الثالث غير متوافر.

(أولا) نية ارتكاب الجريمة.

معرفة نية المتهم من المسائل الموضوعية التي تصل إليها المحكمة من واقع الوقاع وهنا استميح سعادة النائب العام في مخالفته من حيث البعد عن الكلام في الوقائع ونحن في مجال التطبيق القانوني فالقصد أو الية لا تعرف إلا من تحليل ما وقع من المتهم.

فالواجب أن نمر على الوقائع وقد أظهرها بحثكم نقية عن كل ما يحوطه لبس أو شك وتجدون أنفسكم في مروركم بها وتقديركم لها في حاجة تام إلى سبر غور المتهم ودراسة نفسيته.

وهي منبع الفعل والدافع فه فتترجمون الوقائع بما اختبأ في النفس من عوامل للخير أو الشر ولا أظنني إن فعلت ذلك أكون مخالفا لما قاله سعادة النائب العام من عدم الخلط بين الباعث والنية، فتحليل النفس لتفسي ما وقع منها أو ما كانت تنويه مما وقع لا يعتبر بحثا وراء الباعث سيظهر لكم من ذلك البحث أن نية المتهم لم تكن نية غدر بل كانت نية العيش الهادئ لا أكثر ولا أقل.

  1. ظهر من المضبوطات أن الفلال كان فيما مضى يحب المجموع ويرغب في الإصلاح فهو بذلك محب للمعيشة فيه وأن يعيش فيه مزدهرا مصلحا لذلك وضع كتابا في الأخلاق وكتب مقالات في الجريدة الأسبوعية تنبئ كلها عن نيته نحو الناس نية العيش الهادئ البعيد عن الإجرام.
  2. وكان الفلال شفوقا غارقا في الإشفاق وكان محبا للفضيلة شديد الحب بها أما إشفاقه فقد ظهر في تبرعاته للمحتاجين من العمال في وقت هو أحوج الناس فيه إلى المال وأما حبه للفضيلة فقد ظهر في اختياره زوجا له من كانت فريسة للرذيلة غارقة فيها.
  3. وقد وضع الفلال بين أيدي حضراتكم كتابا شاملا لحركاته وألفاظ نفسه لتحكموا منها أنه رجل دقيق ساهر يحاسب الزمان في حوادثه فهو ليس بمستهتر ولا بسفاك ولا زاهد في العيش أو كاره له.
  4. وتلحظون هذا الإنسان بعد ما حاق به من تضييق عليه في المراقبة البوليسية وقد أصبح متشردا بإنذارهم منذ 8 نوفمبر سنة 1931 تراه دون أن يكون مقررا في شكواه للنقمة مصمما على الوقيعة تلاحظونه بدون تفتيش منزله وبدون ذهابه إلى المحافظة وبدو استجوابه مرات بدون تعليق على هذا بشيء ما وكان ما صادفته أعمال البوليس في نفسه قيام التظلم أو الشكوى مما لا يحتاج إلى تدوين.
  5. وكم تتطلبون في المتهم وهو ذلك الدقيق في كتابة نفسه ورصد ملاحظته وأنتم في مجال محاكمته كشارع في قتل كم تتطلبون لو أن سجل في مذكرته كلمة غليظ أو حقد نحو رئيس الحكومة حقيقة رأيناه يسجل الحوادث الهامة في البلد ومن ذا لا يسجل في قلبه ما تقلبت عليه مصر من أحوال وكيف يكون عاقلا من لا يذكر كيف طوحت السياسية برجال وغيرت من قوانين ونظم ودساتير ونحن في عصر النور عصر الأمة والدستور.
  6. على أن المتهم قد سئل في التحقيق طويلا وكتب لنفسه دفاعا فما رأيناه يقول عن العمال وعن العمال وعن وجوب مساعدة العمال وعن اضطهاد رجال البوليس ومطاردتهم إياه في رزقه ولكن شيئا لم يقل عن نظام الحكم أو رجال الحكومة.
  7. ولقد جمعت ما لديه من جرائد وما لديه من قصاصات بمقالات فما وجدنا في مجموعها روحا معينة تنبئ عن نية المتهم وميله السياسي فإذا وجدنا بعض المقالات الخاصة بنقد الحكومة في عمل من الأعمال وجدنا بجوارها الكثير من المقالات الخاصة بمسائل أخرى لا صلة لها بانتقاد الحكومة والطعن فيها.
  8. ولقد مرت على محكمة الجنايات قضية اتهم فيها شقى بمحاولة اغتيال صاحب الدولة رئيس الحكومة وقد رأينا ضمن ما وجد لديه من أوراق نجد شيئا به من أقوال ما يفهم منه الحقد الدفين نحو ذلك المؤلف الاجتماعي ما يحاكي به كتاب اليوم في نقدهم المرير للحكومة وتصرفاتها.

تطالعنا الجرائد كل يوم بنقد عمل من أعمال الحكومة فهل رأينا الفلال وقد رأيناه مؤلفا كبيرا يجاري الكتاب في أقوال طائلة في مشروعات جبل الأولياء وبحيرة تانا وغيرهما من المشاريع التي كانت مادة غزيرة لشتائم الكتاب وقوارص نقدهم؟ وهل قل الفلال شيئا ما قاله الكتاب والمحاكم عما ارتكبته الإدارة من فظائع التعذيب وإرهاق النفوس واضطهاد الحكام؟

هل قال الفلال شيئا مما قاله الكتاب عن كساد الحال وبؤس الفلاح ونفاد الذهب ودنو البلد من الخراب؟ لم يقل شيئا يا حضرات المستشارين وكل ما قاله نصح في الأخلاق هل قال من يحاول اغتيال رئيس الحكومة شيئا يشتم منه الحقد عليه لم يقل شيئا يا حضرات المستشارين وكل ما قاله نصح في الأخلاق وعطف على العمال وحب في العيش الهادئ وليس هذا شأن القاتل السفاك هذا هو مجمل لما كان عليه الفلال وهو يبعده عن نية ارتكاب الجريمة مراحل كبيرة.

أما ما فعل الفلاح يوم الحادث فهو كذلك برئ لا نيبىء عن نية اجرامية أو شبهة إجرامية تقول النيابة في وصف ما فعل: شاهرا مسدسه في يده اليمنى بعد الرصاصة لعارض فجائي أنه كان شاهرا مسدسه مصوبا إياه نحو المجني عليه الثانية أنه عمل على إطلاقه.

فإذا أثبتنا أن المتهم برئ من كلتا الواقعتين انهدم ركن النية المستنتج من فعل المتهم وقد سبق أن أثبتنا عدم صحة الواقعة الثانية وبقى علنيا الرد على الواقعة الأولى واقعة اشهار المسدس وهي مواقعة مادية تبيانها إلى أقوال شهود الرؤية.

  1. شهد المستر بيكر والعزبي باشا والميرلاي ليس بمقطع بأن المسدس كان على راحة اليد وهذا الوضع لا يعتبر تصويبا للمسدس نحو المجني عليه فكلنا يعلم أن من يرغب في إيذاء شخص بمسدس صوبه نحوه بحيث تكون يده على زناده وفوهته نحو المجني عليه.
  2. وحتى شهادة سعادة دوس باشا ومعالي حلمي باشا عيسى ومحمد بك حسين لا يوجد فيها ما يفهم هذه الواقعة فقد قرر الأولان أن المتهم كان رافعا كلتا يديه وليس في هذا معنى التصويب أو محاولة الاغتيال.
  3. وقد استقر المتهم في مكانة مدة كان يتكلم ما أراد أن يقول وكان استقراره لزمن حتى راه دولة صدقي باشا وما كان للمتهم أن يرى الغدارة للمجني عليه صامتة لو كن أراد به شرا إنما الذي أراده هو أن يريه ليلفت النظر إليه وليثبت بعده عن الإيذاء وأنه أحق الناس بالحماية وهو البعيد عن الإيذاء رغم قدرته عليه.
  4. على أن أمرا هاما قالت به جميع الشهود يقطع في انعدام نية الغدر، ذلك ما قرره من رؤية المتهم رافعا يده وهو يتكلم أثناء مسيرة نحو دولة الرئيس.حتى إذا ما وقف أمامه برهة فاه بعبارات التظلم والشكوى.إذا تقرر ذلك فكيف نوفق بين هذا المظهر ونية القتل؟ م يقتل في مثل هذا الموقف ووسط هذا الحشد الحافل لابد من أن يستعين بالسكون والتسلل لتيمكن من الوصول إلى غرضه في غير حاجة إلى تنبه النسا وضبطهم إياه، أما النية لديه حيث لا يتفق ذلك مع الروح الغادرة الماكرة.
  5. والمتهم إن كانت لديه نية القتل حقا لكان اختار لها غير هذا الوقت وغير هذا المكان وكان ذلك ميسوا لديه كما نلاحظ في كثير من الحوادث.

(ثانيا) الفعل في ذاته:

ما أتاه المتهم ماديا لا يؤدي مطلقا إلى جريمة القتل بل يمكن أن يكون دليلا على انعدام النية.

ويجب هنا أن نقرر بأن وصف الأفعال التي وقعت بأنها بدء في تنفيذ أو أفعال تحضيرية هو مسألة قانونية يرجع فيها إلى تعريف القانون أقوال شراحه وليس مسألة موضوعية يرجع فيها إلى الوقائع بدون رقابة لمحكمة النقض عليها خلافا لما قاله النائب العام.

ولعل سعادة النائب العام يسلم معنا أن الاجماع في فرنسا على أن الوصف للأفعال يعتبر من المسائل القانونية.ويقرر بأن الحال في مصر على غير ذلك معتمدا على تعليقات وزارة الحقانية على المادة 29 من قانون العقوبات وفضلا عن أن ذلك كان مجال الكلام في الاشتراك فإن عبارة التعليق قالت وأن تعيين الأفعال وتعيين الأفعال يخالف وصف الأفعال.

تأثير الإصابات على المخ

يتفق العلماء في أن المخ يتأثر حتما بإصابات النظر والسمع والكلام ولكنهم يختلفون في تعليل هذا التأثير ومنشئه وسنورد فيما يلي النظريتين الهامتين في هذا الشأن.

(النظرية الأولى) قال بها المستر فرويد كبير علماء النفس يقول بأن جميع أعصاب الأجراء المتطرفة من الجسم كأعصاب اليد والقدم فعلا تمر قبل أن تصل المخ بمحطات مرور هي النخاع الفقري والنخاع المستطيل والمخيخ ووظيفة هذه المحطات ترتيب الأعصاب وأحداثها لتصل إلى المخ جاهزة سليمة

فهذه الأعصاب بهذه الصورة لا تتصل بالمخ مباشرة ولا تسجل فيه حركاتها مباشرة فهي بهذه الصورة تحرك العقل بما بالمخ فمن أصابه العمى تأثر مخه أو عقله لضعف أعصاب النظر وللقاعدة شواذ هكذا فيمن فقد النطق أو السمع ومتى حدث العطب في خلايا المخ لهذا السبب استحال على المخ أن يؤدي دورته الآلية ويقول المستر فرويد بأن المرء يفقد قوة الحكم أو التنبؤ أو القياس وتكون أحكامه على الأشياء معكوسة.

النظرية الثانية قال بها الأستاذ ديكسون مان ومستر برند في كتابهما تعلل هذه النظرية علة التأثير على المخ بسبب إصابات العين والأذن والفم بما هو مقرر طبيا من أن الطفل وهو في دور التكوين في الرحم يكون مخه وأعصاب عينه وأذنه وفمه قطعة واحدة وبالنمو التدرجي تنفصل هذه الأجزاء بقدر ما بينها من مسافات ولكنها لا تزال متصلة في الطبيعة والوظيفة بحكم التكوين

وقد تأيد هذا الرأي بظهور الأمراض التي يصاب بها المخ على العين مثلا وتزول عنها إذا برئ المخ منها واستنتجوا من ذلك كل إصابة في هذه الأجزاء لابد أن يتأثر المخ لا تصاله بها.

يظهر هذا التأثير بنوع من الجنون يسمى الباروانويا أو جنون الاعتقادات الهذيانية وقد جاء في كتاب الطب الشرعي للدكتور سيدني سمث وعبد الحميد بك عمار في صفحة 474 بعص مظاهر هذا الجنون ومن الحظ تتفق كثيرا مع ما أظهره التحقيق مع الفلال فنرى فيه الاعتداد بالنفس وسرعة التأثير وسوء الظن بالغير ويقول الشراح بأن التعذيب يثير هذا النوع من الجنون فتكثر منه الشكايات للملك والوزراء والمقامات العليا وهذا ما رأيناه في تصرف الفلال في الحادث المنطرح أمامكم.

فهو إذن مجنون إلى هذا الحد وهذا ما حدا به إلى سلوكه سبيل الشكوى على هذا النحو وحضراتكم من حماة القانون تحاسبون شخصا على ما لم يرده إرادة كاملة من هذا يطلب الغفران لما ظهر به من مظهر غير لائق بالعقلاء.

هبوا يا حضرات المستشارين بأنكم اعتقدتم بأن المتهم كانت لديه نية القتل وأن ما أثار للحمل من المسدس ومن وصفه إياه حسبما جاء في الأوراق هو بدء في التنفيذ يؤدي إلى هذه النية ولكنكم وجدتموه في اللحظة الأخيرة واقفا يمد ذراعه والمسدس في راحة يده دون أن يطلقه هنا تتطلب العدالة الشفوقة بالناس وبالجموع ألا تعاقبوا مثل هذا المتهم لافتراض عدولة افتراضا

حتى يقوم الإثبات من جانب النيابة بزوال هذا العدول أو عدول المتهم عن العدول ولقد ظل المسدس على راحة اليد برهة حدت بسعادة العزبي باشا أن يقرر أن المتهم ما كان ينوي في اللحظة ضررا يمكن أن يفهم من هذا الوضع إرادة الضرر فهو إذن في حالة العدول عن الجريمة وإلى هنا يقف العقاب بعيدا عن الجاني تبتعد نقمة القوانين عن إيذاء هذا الشخص بسوء وهي تعتقد بأن أحق الناس بالمكافأة حيث تمكن من كبح الشر والرجوع عن الخطيئة وما دام لم يقل على أنه رجع عن هذا العدول فهو برئ كم لم يأت بشيء ما.

مبدأ سام كان أساسه الأول احترام التوبة وفتح باب الرجوع عن الشر وفقا لأحكام الدين وقد هلل به علماء الاجتماع لأنه فيه تشجيع عن العدول عن الجرم والبعد عن الإيذاء واستقبله علماء القانون بالبشر والسرور، لأن من مصالح العدالة أن يقضي على الإجرام لا أن يعاقب المجرم.

وقد قال جارو في كتابه المختصر ما ترجمته من المؤكد أنه من صالح المجتمع أن يغض الطرف عن الأعمال التي تنفذ معها الجريمة وذلك لاتقاء الشر الذي سبق أن تم فإذا تقرر عقاب بدء التنفيذ في كل الأحوال فإن ذلك يدفع المجرم إلى تنفيذ الجريمة تنفيذا تاما.

وللعدول كما قرر العلماء أثره حتى لو كان الدافع إليه سببا محمودا كالتوبة مثلا أو سببا آخر كالخوف من العقاب أو من عدم النجاح في مشروعه الجنائي ولقد جاء في كتاب جارو حكاية مقتضاها أن رجلا في إحدى القرى حقد على رجل آخر فنوى قتله وصمم على هذه النية فتربص له وهيأ له بندقيته وانتظر عدوه الذي كان يجب أن يمر أمامه وعندما أقترب ذلك العدو تذكر الجاني فجأة أن عقوبة الإعدام قد أعيدت فجأة وعاد أدراجه ولم يعتبر فعله شروعا معاقبا عليه.

وقد يكون العدول أيضا بسبب التحقق من تفاهة موضوع الجريمة وقد أراد وأمثل لذلك عدم اعتبار السارق سارقا أو شارعا في سرقة من صمم على ارتكاب الجريمة فتسلق الجدار ودخل الغرفة ووضع يده على المال إلا أنه تحقق أن القيمة ضئيلة فوضع النقود مكانها وعدل عن السرقة.

وقد أجمل جارو كل هذه القواعد في عبارة وردت في شرحه المختصر:

ولا يقال بأن هذا العدول الذي يتصل بالفعل الخارجي عن الإرادة قد عرفه العلماء بأنه ما يمنع مباشرة أمام التنفيذ أما وقد وضع المسدس على راحة اليد برهة من تلقاء نفسه وقبل الإمساك به كان يمكنه في تلك اللحظة أن يطلق المسدس ولكنه لم يطلق ثم جاء بعد ذلك القبض عليه كان بعيدا عن العدول لا يشوبه ولا يضيع من جلاله ويجب أن يستفيد به المتهم ويكون القبض عليه من باب تحصيل الحاصل أو القبض على مخلوق برئ.

والفترة الصغيرة التي يقف فيها المتهم وقفه سلبية نحو ارتكاب الجريمة لاعتباره عادلا عنها وهذا ما أراده العلماء من وجوب توافر الاتصال بين سلسلة أعمال البدء في التنفيذ ولا يشوب هذا العدول ما وقع فيه المتهم كما قلنا كما أنه لا يشوبه الاستنتاج بأرجحية العدول فهو يعتبر عدولا مستمرا نهائيا حتى تقدم النيابة إثبات العكس.

وقد أخذت محكمة جنايات مصر بهذا المبدأ في حكمها الصادر في 26 أبريل سنة 1931 وقالت عن المتهم وقد وجد واقفا وبيده ألة الغد فالمتهم والحالة هذه إن لم يكن قد عدل فعلا عن قصده الجنائي فإنه على الأقل كان أمامه مجال واسع للعدول ولم تقدم النيابة دليلا قاطعا على أن المتهم ترك نهائيا نية العدول عن ارتكاب الجريمة.

وقد تناول الحكم الرد على وجوب التفريق من العدول في جريمة القتل والعدول في بقية الجرائم وقد أسهب بأدلة شديدة ومنطق عال في تحبيذ هذا الرأي ووجوب الأخذ به يراجع الحكم وسنقل فيما يلي ما جاء بالحكم حرفيا.

وهذا هو الرأي الصحيح في اب السرقات والقياس عليها في جرائم القتل لأنه يجب التمييز بين نفسية الجاني في السرقة ونفسية الجاني في القتل فإنه بقدر ما يقترب إلى الجريمة بقدر ما يشتد العراك بين ضميره وبين نفسه الأمارة بالشر، وقد يصل وجها لوجه إلى خصمه فيقوم الزاجر وتحول بشاعة الجرم فيسقط سلاحه من يده وهذه حكمة التشريع

وقد اراد المشرع أن يترك للمجرم أوسع فرصة للتوبة والندم والعدول عن الجريمة وهذا مراعاة للمصلحة العامة فلو أخذ بنظرية النيابة لترتب على ذلك دفع المجرم إلى اليأس وقواه على إتمام جريمته وتفويت الغرض الأسمى الذي أراده القانون للمجتمع.

ولقد أراد النائب العام أن يحولهم عن الأخذ بهذا الحكم وقبل أن نتمسك به سنرد على نقده بعد الملاحظات الآتية:

أول ما لاحظته على تعليق سعادة النائب العام على الحكم قوله إن مضمون الحكم تبرئة المتهم إذا كان لديه متسع من الوقت لإيقاف التنفيذ بمحض إرادته من غير تدخل أية إرادة أجنبية عنه.

وهو بهذا التلخيص لروح الحكم يضع عبء إثبات العدول على عاتق المتهم مع أني حسبما فهمت الحكم ألاحظ فيه أن يفرض العدول من المتهم فرضا وتحمل النيابة عبء إثبات زوال ذلك العدول وهذا يستفاد من قول الحكم فإنه على الأقل كان أمامه مجال واسع للعدول ولم تقدم النيابة دليلا قاطعا على أن المتهم ترك نهائيا العدول.

أما عن نقد الحكم فتتلخص المطاعن فيه فيما يلي:

  1. أن نظرية العدول لا يجب تطبيقها إلا في الشروع المستوفي لركنيه:البدء في التنفيذ ونية ارتكاب الجريمة وكأن الشروع مظهره يتم فقط بتوافر ركن النية مع البدء في التنفيذ ويجعل العدول أمرا يتعلق بالعقوبة لا بتكوين الشروع.وهذا مردود عليه بأمرين (الأول) أن في هذا مخالفة صريحة للنص القانوني للشروع الذي يقول بوجوب توافر زوال العدول مع الركنين الآخرين لتكوين جريمة الشروع وهذا ما قال به جارو.الشروع القانوني يتكون من عنصرين: مادي هو البدء في التنفيذ وعنصر معنوي هو النية، والظرف الملابس هو عدم وجود العدول ومجموع العنصرين والظرف الملابس يكون الشروع والثاني أنه لا يكون مفهوما اعفاء من عدل قبل أن يأتي شيئا من هذه الأعمال الأخير أحمق بالإعفاء بغير شك.
  2. أن سعادة النائب يقصد العدول كصفة للشروع الكامل مع أن العدول في الواقعة هو صفة للبدء في التنفيذ وهذا مأخوذ من نفس نص المادة ولعل قواعد الإعراب تساعدنا على تأييد هذا الاستنتاج لأن عبارة أوقف تنفيذه وخاب أثره جملتان ورادتان عد نكرة (بدأ في التنفيذ) هو المقصود بالعدول أو عدم العدول عنه.
  3. ويقول بأن العبرة بالعدول بالفعل لاحتمال العدول أو إمكانه فقط ويستند في ذلك على أن العبرة في عدم العقاب على الشروع بالعدول الفعلي فعلي وذلك يجب أن يكون العدول الفعلي هو المانع فقط.وفي هذا تشبيه لبدء التنفيذ بالشروع الكامل وتخصيص العدول باعتباره صفة للشروع دون اعتباره وصفا للبدء فقط مع أن النظرية الحديثة التي يقول بها جارو تقرر أن مع البدء في التنفيذ يجب توافر زوال العدول فالعدول يفرض في البدء إذا ظهرت علائم ذلك من قرب أو بعدي ولا يمكن بناء على هذه النظرية أن ينفذ إمكان العدول ما دام البدء لم يظهر بأي عمل.
  4. أما عن ملاحظة النائب على الحكم فيما يتعلق بما ذهب إليه من بحث نفسية المتهم ففي الحكم تقدير كامل لقيمة الإنسان والخوف من اغتيال الإنسان والتفريق بين ذلك وبين اغتيال الشيء أو المادة بخلاف ما قال به النائب فهو يجعل الخوف من المادة واختلاسها أكبر في النفس من اغتيال الإنسان بما لا تقول به الطبيعية البشرية.
  5. أما عن طمأنينة الناس فقد سبق أن قلنا هذه النظرية وأنها ما أدخلت إلا لإصلاح المجموع كما رأينا.فالحكم إذن سليم حكيم لا يشوبه نقد وهو متفق مع أحداث نظريات القانون في الشروع وهو ما يرغب في أن عدالة المحكمة ستأخذ به إحقاقا للقانون وما ذهبت إليه أراء الشراح.

يا حضرات المستشارين لقد شاءت لكم القضية أن تروا بأعينكم صورة من صور الحياة اليائسة يائسة بفعل الطبيعة فيها ومن جور الزمان عليها وقد جاءت لكم هذه النفس تطلب نورا وتطلب خلاصا فلا تجعلوها يائسة بحكمكم بل بقضائكم.

هي تطلب الحياة وترغب في العيش ولا أدل على ذلك مما قدمه التحقيق إليكم من علائم هذه الحياة عثر سعادة النائب العام في مفكرة المتهم على صحيفة يوم 16 مايو سنة 1933 وهو يوم الحادث وجد وردة حمراء ذابلة كان المتهم يستنشق عبيرها ويسمع لقولا صبح في اليوم والوردة الحمراء كما يقول هوجر شاعر الفرنسية هي معنى الحب والحياة

فهو في هذا اليوم تشع من وردته حب الحياة وحياة الحب فإذا ذهب ليقابل رئيس الوزراء ووردة الحياة في جيبه فهو إنما ذهب ليطلب الحياة ليطلب الخلاص لا ليزهق روحا أو يفعل شرا كأني به يرغب في أن يقول ما قالته مدام لا فارج لرئيس جمهورية فرنسا تطلب منه انصافا مولاي لقد يئست إثنى عشر عاما من عدالة البشر ولكني اليوم

وقلب فرنسا يخفق من قلبك التمس يا مولاي القدرة على تمثيل ضميري في كل عمل من أعمال حياتي وبالوسيلة إلى كسب سموك إلى قضية برائتي وغلى عطف الله على ظفر حقي ويقول معها وهي تخاطب قضاتها أنتم ممثلو العدالة الأهلية على الأرض فتنازلوا هذا أن تحمل الوقائع على تأييدي ولقد صحت نحوكم لا لا يلمس شأن منكوب في فرنساي في هذا العهد ولسوف أتعزي ولسوف أنقذ وسيكون العرفان خلة أمام حديثي.

مرافعة محمد عرفة المحامي

لدولة صدقي باشا يا حضرات المستشارين خطورته وللمتهم أيضا أدميته فإنهما اثنان كإنسانين يعيشان في هذا البلد متعادلان وهما الآن في ميزان العدالة فلا تثقل أحدى الكفتين أو تخف وقد سمعتم حضراتكم النائب العام وهو معروف بالبلاغة والفصاحة وأخوف ما أخافه أن يتملك مشاعركم ويستحوذ على ظنونكم بحيث تبدو الأمو في عيونكم حقائق لا تنقض وسترون حضراتكم عند التعرض للشهود على صورة تفصيلية لكثير من التناقض الجوهري في صميم الموضوع والكثير من الأجوبة المبنية على مجرد التخمين والظن والاستنتاج.

إن نفسية المتهم تضيق من رجال البوليس لاضطهادهم له وتضييقهم عليه بسبب انضمامه إلى اتحاد نقابات العمال الذي يرأسه عباس حلمي وانتخابه سكرتير النقابة للطهارة وإننا لنذكر للمحكمة واقعة سقوط باب ثلاجة بمحل دروبي على رأس المتهم دفعتين وإصابته بالخرس ومعالجته منه بالكي بالنار وإصابته بالعمى منه.

وأستخلص من ذلك أن عقلية المتهم خليط من علم غير ناضج وهوس أساسه كتب التعويذ وأنه يحتاج إلى طبيب لمعالجته لا إلى قاضي ينظر في أمره.إن حضرة الشريف عباس حلمي من العائلة المالكة وقد مد يده للعمال فانطووا تحت لوائه ولم يكن لعامل من العمال أيه ميول حزبية ولم ينضم أحد منهم إلى الاتحاد تحت هذه العقيدة.

رئيس المحكمة: ومن ادعى هذه الدعوى؟

المحامي: الشريف عباس حليم له جزء ضخم في التحقيق أرجو من المحكمة أن تتركني حتى أوفي دفاعي.

رئيس المحكمة: اتفضل وهو أوقفك أحد عن دفاعك؟

حضرات المستشارين: إن إنذار التشرد الذي سلمه البوليس للمتهم وضياع الخطابات التي قيل إن المتهم كان قد أرسلها لصدقي باشا كلها أمور من تلفيق رجال البوليس الذين كانوا يراقبون دون أن يظهروا له.

يا حضرات المستشارين إني أناشدكم وقد انتهيت من دفاعي أن تأخذوا بدفاع المتهم وتقضوا ببراءته ولا يفوتكم أن تدونوا في حكمكم ما يصبو إليه المتهم وهو أن البوليس قد تعسف معه وتغلغل في اضطهاده وأن البولي كان السبب في هذه المهزلة.

مرافعة مهدي الديواني المحامي

حضرات المستشارين: بداية، إن عقيدة الشهود قامت على الظن والاستنتاج والموقف الذي وجد فيه المتهم وإن حياة المتهم تستدعي وحدها النظر هل هلي حالة طبيعية أو حالة إنسان بسيط؟ وأنه مما قاله علماء النفس أن الروح المشبعة بالإجرام والتصميم على القتل تتطلب شخصا رزينا عاقلا لا سفساطا كثير الحركة كالمتهم وأن نفس المتهم ميالة للخير وليست ميالة للشر وما كان الوسط الذي عاش فيه وسطا إجراميا وعائلته هادئة وادعة خدمت أصحاب العرش في مصر ولم يشهد أحد بأن المتهم كان له ميول فيصح أن يقال أنه قصد القتل لغرض معين في نفسه

وأخيرا أختم دفاعي بأن أذكر حضراتكم بأن المتهم أمانة في عنقكم ووديعة في ذمتكم وأن القطر كله ينتظر كلمة الحق من أفواهكم وكلنا ثقة بأن الحق سينتصر على أيديكم ما دام في مصر قضاة ولهذا أصمم على طلب البراءة.

استجواب المحكمة للمتهم

المحكمة: أنت يا محمد لما سألت حضرة قاضي الإحالة عن التهمة قلت إن شريكا كان يريد منك نسف البرلمان وقلت إنك ستفصح عن هذا الشريك أمام محكمة الجنايات.

المتهم: سأقول كل ده في المرافعة.

المحكمة: إذا كنت عاوز تجاوب جاوب والمحكمة لا تجبرك على الإجابة.

المتهم: أنا مصر على ما قلته والشريك ده مخي اللي حرقه البوليس السياسي.

المحكمة: مخك هو اللي قال لك تقتل صدقي باشا؟

المتهم: قال لي لكن لم أستطع.

المحكمة: أنت ولا مخك بدنا نعرف؟

المتهم: مخي لكن إيماني بالله لم يقبل هذا.

المحكمة: بدنا نعرف تقصد بشريكك من؟

المتهم: مخي شريكي.

المحكمة: كنت وقتها تفكر في قتل صدقي باشا؟

المتهم: الأسئلة حرجة ليه كده.

المحكمة: إحنا نسألك عاوز تجاوب جو وهذا هو القانون؟

المتهم: أجاوب.

المحكمة: بماذا تقصد من عبارتك الماضية؟

المتهم: مخي ولكن لم أقتل.

المحكة: مادام مخك يحرضك فمعنى هذا أنك كنت تفكر في قتل صدقي باشا؟

المتهم: أفكر من المصايب إلي جابها لي صدقي باشا ومخي قال لي كده وأنا قلت حرام.

المحكمة: سبق أنك ذهبت في الاحتفال الذي أقيم لصدقي باشا قبل سفره.

المتهم: أيوه ووقفت عند باب شبرد.

المحكمة: وكنت ذاهبا لأي غرض؟

المتهم: الحادثة اللي كنت عاوز أعملها في المحطة كنت عاوز أعملها هناك علشان أستهتر بالبوليس إلي نشف ريقي.

المحكمة: وكنت تحمل المسدس؟

المتهم: نعم فوق بطني.

المحكمة: ومن الذي منعك؟

المتهم: لقيت عدد البوليس شوية.

المحكمة: مش كان أسهل لك؟

المتهم: أنا عاوز أعمل حاجة كبيرة علشان يعرف الباشا إني كنت عاوز أعمل لو كنت مجرما كنت أعمل.

المحكمة: وما الدليل على أنك ذهبت إلى شبرد في هذا اليوم.

المتهم: اثنان أحدهما سائق سيارة والثاني ترجمان.

المحكمة: نحن انتهينا من سماع أقوالك فهل لك أقوال أخر تريد إبداءها

المتهم: عاوز أقول المرافعة بتاعتي.

المحكمة: مرافعة أيه.

المتهم: مرافعة حضرتها وأنا في السجن وكتبتها في 18 صفحة تحبوا أقدمها وأنا مطمئن لكم.

الحكم: باسم صاحب الجلالة فؤاد ملك مصر.

محكمة جنايات مصر: المشكلة علنا تحت رياسة حضرة صاحب العزة محمد نور بك وحضور حضرات صاحب العزة محمد نجيب سالم بك, إبراهيم ثروت بك مستشارين بمحكمة استئناف مصر الأهلية وحضرة صاحب العزة محمد لبيب عطية بك النائب العمومي وعلى محمد أحمد كاتب بالمحكمة.

أصدرت الحكم الآتي:

في قضية النيابة العمومية رقم 1631- الأزبكية 1933 المقيدة بالجدول الكلي برقم 176 سنة 1933 بتاريخ 19 يوليو سنة 1933.

ضد:

محمد علي الفلال الشهير بسلطان عمره 37 سنة وصناعته طاه، وسكنه القاهرة ومولود بها.

وحضر للدفاع عنه حضرات الأساتذة محمد عرفه و[[بسطا شكريي] ومهدي الديواني بعد سماع أمر الإحالة وطلبات النيابة العمومية وأقوال المتهم وشهادة الشهود بعد سماع أمر الإحالة وطلبات النيابة العمومية وأقوال المتهم وشهادة الشهود والمرافعة والاطلاع على الأوراق وسرد وقائع الدعوى والمداولة قانونا.

حيث إن الدفاع عن المتهم نفي تهمة الشروع في القتل عنه بقوله إن نية القتل غير متوافرة لأن قصده من تقدمه بالحالة التي ضبط عليها بالمحطة كان تقديم المسدس إلى دولة رئيس الوزراء وبث شكواه إليه وأنه يجب تصديق المتهم في هذه الرواية لأن عقليته ضئيلة هيأت له أن يتقدم بهذه الكيفية لتقديم المسدس وطلب إحالته على الكشف الطبي للتحقق من سقم عقليته.

وطلب لهذا الغرض أيضا تحقيق واقعة سقوط الثلاجة في محل جروبي على رأس المتهم مرتين ودلل أيضا على عدم توفر نية القتل لدى المتهم بأن كان يحمل المسدس في راحة يده بشكل من يريد أن يتقدم به به إلى دولة رئيس الوزراء معتمدا في ذلك على شهادة بعض الشهود وفوق ذلك أن الأعمال التي وقعت من المتهم فعلا لا تكون البدء في التنفيذ الذي يكون الشروع المعاقب عليه

وأوضح الخلافات التي وقعت بين أقوال الشهود، وأراد أن يتخذ المعاقب عليه وأوضح الخلافات التي وقعت بين أقوال الشهود وأراد أن يتخذ من هذه الخلافات تكأة يصل بها إلى أن أقوال هؤلاء الشهود لم يكن أساسها الرؤية وإنما الاستنتاج وقال في صدد شهادة محمد حسين بك في نهاية مرافعته إن شهادته محوطة بالشك وأنه مدفوع إليها بحماس الحادث وإنه لا يميز الأشياء إلا على عد بضعة سنتيمترات وطلب الشكف عليه للتحقق من ذلك لأنه شخصيا يعرف فيه هذه الصفة من الصغر.

وحيث إن القانون عرف الشروع المعاقب عليه في المادة 45 من قانون العقوبات بأنه هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها وذكرت المادة المذكورة أنه لا يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكاها والا الأعمال التحضيرية لذلك.

وحيث إنه يؤخذ من هذا التعريف صراحة أنه لكي يكون الشروع في القتل المنسوب إلى المتهم معاقبا عليه يجب توافر الأركان الثلاثة الآتية:

أولا: قيام نية راتكاب الجناية أي نية القتل لدى المتهم.

ثانيا: أن يون قد قام بفعل بقصد تنفيذ هذه النية.

ثالثا: أن يكون هذا الفعل أوقف أو خاب أثره بسبب خارج عن إرادة المتهم.

وحيث أن نية القتل ثابتة عند المتهم من وقائع الدعوى السالف شرحها فإنه لما مثل أمام حضرة قاضي الإحالة بجلسة 20 يونيه سنة 933 ولم يكن قد حضر المحاميان عنه بعد وانهما قد أرسلا في طلب التأجيل للاستعداد ورغب المتهم في أن يدافع عن نفسه فلما سئل عن التهمة قال إن له شريكا وأنه سيقول عنه أمام محكمة الجنايات

ولما انتهى النائب العام من مرافعته التي كان قد حضر في اثنائها الأستاذان محمد عرفه ومهدي الديواني محاميين عن المتهم أبدى المتهم مباشرة أنه يترافع بنفسه وأخرج أوراقا من جيبه وأخذ في تلاوتها وقال إن عنده الكفاءة ليدافع عن نفسه وعن العمال أمام أكبر محكمة في مصر ثم قال موجها كلامه إلى حضرة قاضي الإحالة إن يعرف منه اسم ذلك الشريك

واشترك لذكر اسم الشريك أمام المحكمة أن تسمع مرافعته أولا فلما ترافع المحاميان عنه وبانت له وجهة الدفاع التي أتخذها المدافعان عنه من حيث الوقائع والقانون وطلب التقرير بأن لا وجه لإقامة الدعوة واحتياطيا عرض المتهم على طبيب الأمراض العقلية وسأله حضرة قاضي الإحالة عن رأيه في كلام حضرت المحاميين قال كويس خالص وأنا شريكي هو مخي اللي حرقتوه.

وكان أبيض وبقى زي البن ومن اطلاع المحكمة على تفصيلات الوقائع السابقة بحسب الترتيب المذكور في محضر جلسة حضرة قاضي الإحالة بانت للمحكمة نيته في القتل واتضح أنه كان جادا في قوله إن له شريكا حرضه على قتل دولة صدقي باشا فلما فهم من أقوال الدفاع عنه أنه قد يخلص من التهمة قال من تلقاء نفسه إن شريكه هو مخه واراد بهذا القول التراجع عن ذكر اسم الشريك

وقد اعترف أمام المحكمة بصدور هذه الأقوال منه أمام حضرة قاضي الإحالة وأصر على أن شريكه هو مخه فلما ناقشته المحكمة في تفهم معنى هذه العبارة وهل مؤداها أنه فكر فعلا في قتل دولة صدقي باشا قال هذه أسئلة محرجة فأفهمته المحكمة أنه حر في الإجابة أو عدمها فقال إنه فكر في قتل صدقي باشا من المصائب التي أتت له ولكنه لم يطاوع عقله.

وحيث إنه من مجموع هذه الأقوال وسواء أكان له شريك حرضه على القتل أو أنه فكر فيه من تلقاء نفسه فإن نية القتل متوافرة لديه يؤيد توافر هذه النية لديه اعترافه بأنه ذهب في اليوم السابقة ليوم الحادثة أمام فندق شبرد وهو يخفي المسدس معمرا في حزامه للغرض الذي يدعي أنه ذهب من أجله للمحطة مسلحا بمسدس صالح للاستعمال.

ومحشو بالرصاص ومعه للإطلاق وترصد في البوفيه حتى إذا ما دخل دولته في الساحة الداخلية للمحطة بين صفي البوليس والمودعين أقتحم المتهم الصفوف واتجه نحو دولة صدقي باشا ويداه ممتدتان ويحمل في اليد اليمنى المسدس وفوهته متجهة نحو دولته وهو يخفي المسدس بجريدة وضعها فوقي يديه وهذه الوقائع لا تدع مجالا للشك في توافر نية القتل عند المتهم إلى حين ضبطه وهي في الوقائع لا تدع مجالا للشك في توافر نية القتل عند المتهم إلى حين ضبطه.

وهي في الوقت نفسه تكذبه فيما زعمه من أنه لم يطاوع عقله في تنفيذ نية القتل التي فكر فيها أما دفاعه بأنه حضر ليقدم المسدس إلى دولة صدقي باشا ويبث شكواه إليه فهو دفاع ظاهر البطلان لا يسلم به العقل ولا تصده المحكمة أما ما ذهب إليه الدفاع من أن عقلية المتهم غير ناضجة ويجب أن نصدقه لهذا السبب فهو من لغو القول ولا تلتفت إليه المحكمة لأنها لاحظت المتهم طول مدة المحاكمة

وفي مناقشات المحقق له في التحقيق فتحققت أنه رجل متمتع بكل قواه العقلية وحاضر البديهة وعلى شيء من الذكاء وأنمما هو مشبع بفكرة تملكته وهي مبدأ الدفاع عن العمال فلا محل إذن للكشف على المتهم كما طلب الدفاع ولا إلى تحقيق حادثتي الثلاجة للسبب المذكور أما استدلال الدفاع بأن وضع المسدس في راحة يد المتهم ينفي نية القتل

فليس فضلا عن أن أغل الشهود شهدوا بأن المتهم كان في استطاعته في أي وقت والمسدس موضوع في يده على هذا الشكل أن يعمل حركة تصويب بغاية السرعة ويطلق الرصاص فإن معظمهم قد قرر عن هجوم المتهم بأنه كان هجوم معتد يريد إخفاء نية الاعتداء لا دخول متظلم والمحكمة على كل حال ترى أن الشهود وإن اختلفوا نوعا ما في تصوير إمساك المتهم المسدس

إلا أن هذه الاختلافات مبناها أن الحادثة حصلت مفاجئة وبسرعة البرق، فلم يكن لديهم وهم في دهشة هذا الحادث متسع لملاحظة كل الحركات التي وقعت من المتهم وهي لا تأثير لها على جوهر الموضوع ولذلك ترى المحكمة أن تعتمد على شهادة محمد حسين بك لأنه في تصوير تفصيلات الواقعة كان أقربهم إلى المتهم وأسرعهم إلى الانقضاض عليه والقبض على ذراعيه وانتزاع المسدس من يديه.

وهذا الشاهد قد صور الواقعة بأن المتهم كان مادا يديه إلى الأمام بمحاذاة الثدي يخفيها بالجريدة وأنه ضبط المسدس بيد المتهم وفوهته موجهة لجهة دولة رئيس مجلس الوزراء أما اعتراض الدفاع على نظر هذا الشاهد بأنه لا يرى الأشياء إلا على بعد بضعة سنتيمترات وأنه يعرف فيه هذه الصفة من الصغر فإنه من باب إلقاء القول على عواهنه تكذبه حقيقة الواقع.

لأن محمد حسين بك رأى المتهم على بعد ثلاثة أمتار وكسور فأسرع إليه وداهمه وهذه المداهمة ما صاحبها من انتزاع السلاح في يد المتهم دليل على أنه رأب يغر شك ما قرره في شهادته فضلا عن أن هذا الشاهد كان من ضباط البوليس من بدء حياته وتدرج في وظيفته إلى أن وصل إلى أعلى الدرجات فيها.

فإذا كان في صغره قصيره إلى الحد الذي يدعيه الدفاع بغير حق فإنه ما كان ممكنا أن يعين في هذه الوظائف التي تستلزم حدة النظر إلى أن قال: وحيث إنه من كل ما تقدم قد ثبت للمحكمة أن نية متوافرة عند المتهم بغير شك.

وحيث إنه يختص بالركن الثاني فإن المادة 45 من قانون العقوبات المصري التي عرفت الشروع المعاقب عليه قانونا لم تشترط أن يكون العمل الذي بدأ ف تنفيذه بقصد ارتكاب الجناية عملا من الأعمال المكونة للجناية نفسها

وإنما عبارة المادة تستلزم أن يكون ذلك العمل مؤديا فورا ومباشرة إلى ارتكاب الجناية وألا يكون الجناية وألا يكون داخلا ضمن الأعمال التحضيرية لها بل يجب أن يكون قد ارتقى إلى حد التفكير في الجناية والاستعداد لها ولم يشترط شرح قانون العقوبات في تفسر هذا العمل أكثر مما ذكر.

وحيث أن النيابة العمومية صورت الواقعة بأمرين:

(الأول) أن المتهم لما اقتحم الصفوف ودخل مواجها دولة صدقي باشا بالمسدس معمرا أطلق مسدسه ولم ينطلق المقذوف مستدلة بوجود الانبعاج الذي شوهد على كبسولة الرصاصة التي كانت في ساقية المسدس تحت الزناد (والثاني) أن هجوم المتهم على المجني عليه بالشكل الذي سبق وصفه في الواقع وإن لم يحصل الإطلاق هو بذاته من الأعمال التي كيون الشروع في القتل المعاقب عليه.

وحيث إنه يختص الأمر الأول في هذا التصوير فإنه من الجائز أن يكون قد حصل على الإطلاق ولم ينطلق المقذوف وهو في هذه الحالة مكون للشروع في القتل من غير نزاع ولكن هذا الأمر غير مقطوع به كما ظهر لك من تقرير الطبيب الشرعي ومناقشته ولذلك لا يمكن أتخاذ هذا الأمر وحده دليلا على ثبوت التهمة على المتهم أما فيما يختص الأمر الثاني من تصوير الواقعة.

فإن الثابت للمحكمة مما ذكر بيانه في الوقائع أن المتهم قد ثبت توافر نية القتل لديه للأسباب السابق ايضاحها إذ قد حضر إلى المحطة بمسدس صالح للاستعمال ومحشو بالرصاص ومعد للإطلاق وبمجرد أن علم بقدوم دولة المجني عليه إلى المحطة من التصفيق الذي سمعه خارجها قام من مكانه في البوفية بداخل المحطة واقترب من طريق مرور دولته وأخرج مسدسه من حزامه وأمسكه بيده اليمنى وأخفاه عن أعين الناس بجريدة معه.

فلما أن دخل دولته وسار في طريقه إلى القطار اقتحم المتهم صفوف الجمهور والعساكر وواجه دولته في الفضاء الذي كان بين الصفوف مادا يديه بالمسدس وهو يخفيه على الحالة السابقة وفوهته موجهة إلى دولة المجني عليه بحيث كان من الميسور له أن يحرك يده بالمسدس حركة التصويب والإطلاق بأسرع ما يمكن فيصيب الهدف كل هذه الأعمال بلا شك لتنفيذ جناية القتل التي انتواها المتهم ومكونة للشروع فيه بل هي الأنموذج الصحيح للشروع في ارتكاب جريمة القتل.

أما ما قيل من أن المتهم كانت لديه الفرصة لإطلاق المسدس قبل مداهمته ولم يفعل فهو إن صح يرجع إلى تقدير المتهم للفرصة المناسبة لإصابة لمرمى وأما الظاهرة التي تظاهر بها المتهم وقت الحادثة من حيث إخفاء يديه بالمسدس تحت الجريدة وصياحة بأن لديه مظلمة وشكواه من تدنيس اسمه فكلها طرق استعملها لإبعاد الشبهة عن نفسه كلي يصل إلى المكان الذي يراه مناسبا للإطلاق حيث يصيب المرمى.

وحيث إنه يختص بالركن الثالث أي عدم اتمام الجريمة لسبب خارج عن إرادة المتهم فهو أمر محقق منضبط محمد حسين بك وانتزاع المسدس من يده والحيلولة بينه وين اتمام جريمته في اللحظة التي عمد فيها إلى تنفيذها بالطريقة السابق الكلام عليها وضبط المتهم على هذه الصورة في هذه اللحظة يدل أكيدا على أنه كان مصمما إلى النهاية على تنفيذ جنايته بحيث لا يتصور احتمال عدوله عنها بمحض إرادته فهو إذن بلا مراء قد منع من اتمام جناية القتل بسبب خارج عن إرادته.

وحيث إنه فيما يختص بسبق الإصرار والترصد فإن وقائع الدعوى التي تثبت أمام المحكمة وخاصة أقوال المتهم نفسه ناطقة بسبب إصراره على ارتكاب الجناية وإصراره يرجع إلى بضعة أيام قبل الحادثة أي من التاريخ الذي عرف المتهم فيه اليوم الذي سيسافر فيه دولة المجني عليه من جريدة الأهرام وهو يوم 12 مايو سنة 1933 من ذهابه في اليوم السابقة لهذه الحادثة إلى جهة فندق شبرد.

وانتظار دولة المجني عليه أمامه لتنفيذ الأمر الذي يدعي أنه حضر إلى المحطة لتنفيذه وقد ثبت للمحكمة أنه كان يريد القتل بحسب البيان السابق، كما أن مفاجأة المتهم لدولة المجني عليه بالمحطة على الطريق السابقة إيضاحها

وأصدق دليل على سبق الإصرار أما الترصد فواضح من حضور المتهم إلى المحطة وانتظاره في البوفية نحو ربع ساعة كما يقول إلى أن سمع بقدوم دولة المجني عليه خارج المحطة فقام وانتظر بجوار عمود على مقربة من الطريق الذي سلطه دولته.

وحيث إن المستخلص من وقائع هذه الدعوى وأقوال المتهم في التحقيقات وأمام حضرة قاضي الإحالة ومن مذكرته التي قدمها في الجلسة وطلب من المحكمة بإلحاج الاطلاع عليها أن الباعث للمتهم على ارتكاب هذه الجناية هو الفكرة التي تملكته وهي أن العمال في بؤس وشقاء تضيق عليهم الحكومة ولا تعمل على اسعادهم فنصب نفسه للدفاع عنهم مستعدا لكل تضحية.

وحيث إن المحكمة ترى تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات على المتهم لما قدر لدولة المجني عليه من السلامة فتحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤقتة بدلا من الأشغال الشاقة المؤبدة المقررة قانونا غير أنها في الوقت نفسه ترى الحكم عليه بأقصى المدة المقررة للأشغال الشاقة المؤقتة لخطورة جريمته في ذاتهما من جهة وخطورة السبيل الذي اتخذه تحقيقا لفكرة قامت في ذهنه فاتهم وحكم ونفذ بما أملاه عليه هواه وهذا العمل هو الفوضى بعينها وفيه قضاء على النظام الاجتماعي

فلهذه الأسباب.

وبعد الاطلاع على المواد 45، 46، 194، 197 من قانون العقوبات حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة المتهم محمد علي الفلال الشهير بسلطان بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة.

وهكذا كانت سياسة صدقي باشا.. بطشا بالدستور وخنقا للحريات وتزويرا للانتخابات وزجا بالمواطنين في المعتقلات سياسة استبداد وظلم وقهر أدت إلى أنه لم ينعم بوقت أحس فيه بالراحة أثناء حكمه الدكتاتوري للبلاد وصارت إراقة الدماء أمرا عاديا طوالا حكمه.

القضية السابعة: مقتل محمود فهمي النقراشي

مقتل محمود فهمي النقراشي؟

• عبد المجيد أحمد حسين... سلام عليك يا عبد المجيد.

• سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين المخلصين المجاهدين الذين يرددون وإلى يوم الدين.

الله أكبر .. الله أكبر... لا إله إلا الله.

الله أكبر... الله أكبر.. .ولله الحمد..

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا..

صلا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

في الثامن من ديسمبر سنة 1948 أصدر محمود فهمي النقراشي رئيس مجلس الوزراء وقتئذ أمرا عسكريا بحل جماعة الإخوان المسلمين وشعبها وغلق الأمكنة المخصصة لشاطها وضبط أوراقها وثائقها وسجلاتها ومطبوعاتها وأموالها وكافة الأشياء المملوكة لها وتعيين منوب خاص مهمته تسلم جميع أموال الجمعية وتصفية ما يراه بناء على مذكرة قدمت من سعادة عبد الرحمن بك عمار وكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن العام ذكر فيها وقائع عديدة من القتل والنسف والتدير ارتكبها أفراد هذه الجماعة.

وأنها قد انحرفت عن أهدافها الدينية والاجتماعية التي تأسست من أجلها وأنها لم تكد تجد لها أنصارا وتشعر بأنها اكتست شيئا من رضا بعض الناس عنها حتى انحراف القائمون على أمرها عن أغراضهم الحقيقية وهي أغراض سياسية ترمي إلى وصولهم إلى الحكم وقلب النظم المقررة في البلاد بالقوة والإرهاب وأن هذه الجماعة أمعنت في نشاطها واتخذت الإجرام وسيلة لتنفيذ مراميها وعمدت إلى طرق شتى يسودها طابع العنف.

فدربت أفرادا من شبابها أطلقت عليهم أسم الجوالة وأنشأت لهم مراكز رياضية تقوم بتدريبات عسكرية مستترة وراء الرياضة كما أخذت تجمع الأسلحة والقنابل والمفرقعات وتخزنها لتستعملها في الوقت الذي تتخيره وساعدها على ذلك ما كانت تقوم به بعض الهيئات من جمع الأسلحة والعتاد بمناسبة قضية فلسطين وأنها انغمست في النضال السياسي، وأنه تبين من استعراض الحوادث أن جماعة الإخوان المسلمين قد أمعنت في شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدا بالغ الخطر

وأنه بات من الضروري أتخاذ التدابير الحاسمة لوقف نشاط هذه الجماعة التي تروع أمن البلاد في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى هدوء كامل وأمن شامل ضمانا لسلامة أهلها في الداخل وجيوشها في الخارج.

وفي تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الثلاثاء الموافق 28 ديسمبر سنة 1948 وبينما كان قد وصل النقراشي باشا إلى المبنى الرئيسي لوزارة الداخلية، وفي أثناء صعوده درجات المدخل يحيط به كالمعتاد حرس الوزراء وآخرون يرتدون الملابس الملكية

وقبيل وصوله إلى المصعد الموصل للطابق الثاني أطلق عليه عبد المجيد حسن وكان مرتديا ثياب ضابط برتبة ملازم أول ليتمكن من تنفيذ ما عزم علي تنفيذه رصاصتين قضتا عليه.

وقتل النقراشي وقبض على عبد المجيد حسن وتبين من التحقيقات أنه طالب بمدرسة الطب البيطري بجامعة فؤاد الأول واعترف بأنه من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأنه قتل النقراشي باشا بسبب تصرفاته مع جماعة الإخوان المسلمين،

وتشريده للطلبة المنتمين إليها من الكليات وأمره بحل جماعة الإخوان وما يتصل بها من شركات كانت الجماعة قد أقامتها إضافة إلى موقفه المتهاون من قضية السودان واعترف حسب ما كتب في أوراق التحقيق على خمسة من شركائه في الجريمة كلهم من جماعة الإخوان المسلمين

وهم: محمد مالك يوسف محمد مالك موظف بمطار ألماظه وسيد سيد القزاز تاجر موبيليات وعبد العزيز أحمد البقلي ترزي أفرنكي والشيخ سيد سابق محمد التهامي من علماء الأزهر الشريف وعاطف عطية حلمي طالب بكلية الطب.

وقدم هؤلاء الستة المتهمون للمحاكمة بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد بالنسبة لعبد المجيد حسن، والباقون بالاشتراك معه بطريقة الاتفاق والتحريض والمساعدة في ارتكاب هذه الجريمة وجريمة إحراز سلاح بدون ترخيص.

ولكن لم تمض أيام على رفع الدعوى العمومية على هؤلاء الستة المتهمين حتى أعلن أن عبد المجيد حسن قد أرسل خطابا إلى سعادة النائب العام محمود منصور باشا بيدي فيه رغبته في تكملة اعترافاته التي كانت نتيجتها أن رفعت النيابة الدعوى العمومية على تسعة متهمين آخرين،

وبذلك بلغ عدد المتهمين في هذه القضية (15) متهما وهؤلاء التسعة هم السيد فايز عبد المطلب مهندس ومقاول مبان، ومحمد صلاح الدين عبد المعطي موظف بوزارة الدفاع وشفيق إبراهيم أنس موظف بوزارة الزراعة ومحمود كامل السيد طالب بكلية الحقوق وعبد الحليم محمد أحمد طالب بكلية الآداب ومحمود حلمي فرج موظف بوزارة الداخلية ومحمد أحمد علي موظف بقسم المباني بوزارة الأشغال وجلال الدين يسي طالب بكلية التجارة ومحمد نايل محمود إبراهيم طالب بكلية الهندسة.

وقد وجهت إليهم تهمة الاشتراك مع عبد المجيد حسن بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة في ارتكاب جريمتي قتل محمود فهمي النقراشي باشا عمدا، مع سبق الإصرار والترصد وإحراز سلاح ناري بدون ترخيص بأن انعقدت إرادتهم على قتل المجني عليه، بوصف كونهم هم وعبد المجيد أحمد حسن أعضاء في جمعية إرهابية، من وسائلها القتل ووقع اختيارهم عليه لتنفيذ الجريمة، فأمروه بارتكابها وجهزوا له السلاح والملابس العسكرية ورسموا له كيفية ارتكاب الجريمة، ووضوعوا خطة لمؤازرته في أثناء تنفيذها.

وأحيل المتهمون جميعا إلى المحاكمة ونظرت القضية في (6 أغسطس سنة 1949) أمام المحكمة العسكرية العليا المشكلة برياسة محمد مختار عبد الله بك وعضوية محمد عبد العزيز كامل بك، ومحمد غالب عطية.

والأميرلايين: أحمد صالح أمين بك، وإبراهيم زكي الأرناؤوطي بك، ومثل الاتهام الأستاذ محمد عبد السلام وجلس إلى جانبه الأستاذ محمد إسماعيل عوض، وتولى الدفاع الأساتذة أحمد السادة عن عبد المجيد حسن، وأحمد حسين، ومحمود الحناوي عن السيد فايز عبد المطلب ومحمود نايل وعبد العزيز أحمد البقلي ومحمد أحمد علي، وعلي منصور عن محمد مالك يوسف، ومحمود حلمي فرج، ويوسف يعقوب عن السيد القزاز، ومحمود سليمان غنام، ومختار عبد العليم، عن الشيخ سيد سابق وأبو شقة عن عاطف عطية حلمي، وعبد الحليم محمد أحمد، وشكري بولس عن محمود كامل السيد وشقيق أنس، وأحمد فهمي رفعت عن جلال الدين يس وبحضور الأستاذين: محمد حسن النجار وحسين عبد الرحمن سكرتارية.

إجراءات المحاكمة

المحكمة العسكرية العليا.

برئاسة محمد محمد مختار عبد الله بك.مرافعة النيابة العامة. محمد عبد السلام.

حضرات المستشارين والضباط العظام.

وفي هذا المحراب المقدس محراب العدل والقصاص الذي جعله الله حياة لعباده كما أنزل في محكم كتابه نقف خاشعين مطأطئين رؤسنا إجلالا لذكري رجل عاش مجاهدا ومات شهيدا في سبيل بلاده، في سبيل كل مثل من المثل العليا للشجاعة والتضحية، ونكران الذات وجل عرفته بلاده فأولته ما يستحق من تقدير.

وشاركها في تقديره وتوقيره سائر بلاد الشرق بل العالم أجمع لما له من مواقف خالدة في الذود عن مصالح وطنه وجيرانه الأكرمين رجل هذا شأنه تراق دماؤه الزكية وتزهق روحه الطاهرة النقية بأيدي زمرة من الأشرار وعصبة من الفجار تنتمي لهذا الوطن والوطن منهم براء وتعتزي إلى الدين القيم

وهم له من أكبر الأعداء فالوطن يأبى أن يكون بنوه حربا على رجل من أعز بنيه عليه وأبرهم به، كما يأبى الله ورسوله أن يتخذ دينه ذريعة لارتكاب الكبائر وسفك الدماء وبث الفساد في الأرض على أوسع نطاق (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)

يا حضرات المستشارين في مثل هذا الوقت من العام الماضي وقف سعادة النائب العام السابق ليطالب بدم القاضي الجليل الذي سقط شهيد الإخوان وأعلن أن الرصاصة التي أردت الخازندار بك في تلك الضاحية الوادعة، وفي ذلك الصباح المبكر وهو في طريقه إلى مجلس قضائه وعلى خطوات من داره ومرأى من صغاره، أعلن أن تلك الرصاصات هي بداية لعهد إرهاب دموي شنيع.

نعم إن اغتيال القاضي الجليل على هذه الصورة البشعة كان بداية لها ما بعدها وفي الحق أن هذا الاغتيال الفاجر لم يخف معناه على فطنة النقراشي باشا فلم يحمله قط على معنى الجريمة الفردية، ولا عل معنى التحدي العرض لهيبة الحكومة المركزية أو حفظة النظام المحليين ولا على معن الثأر الجنوني من حكم أصدره القضاة

وإنما تلقاه وفهمه وانزعج له على أنه بداية عهد قصد به أن يكون مروعا مفزعا يطيش له الصواب بداية لعهد إرهابي يهدف إلى إخضاع المصريين وسلب شجاعتهم وإضاعة ثقتهم في نظمهم وحكامهم، لينزلوا القوم عن حقوقهم وليتشروا بالأمن على أرواحهم تلك الحريات التي قررها لهم الدهماء تأسيا بمن سلف من الغاوين (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون) (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون)

فلقد نكب المسلمون من قبل بأمثال هؤلاء ممن أتخذوا دين الله حجابا لستر نواياهم وقتل ضحاياهم فنكلوا بالدين وأهله شر نكال وبذروا في الأرض بذور الفتنة والضلال مما لا يفتأ المسلمون يعانون شره وبلواه حتى يومنا هذا وما من مسلم له بعض إلمام بالتاريخ يغيب عنه ما فعله ابن السوداء (عبد الله بن سبأ) اليهودي الأصل بالإسلام والمسلمين على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ولا ما فعله الخوارج في عهد علي كرم الله وجهه وما تلاه ولا ما فعله سوى هؤلاء من دعاة الفرق والشيع بديار الإسلام في مختلف الجهات والأزمات.

سترون من مرافعة زميلي الفاضل الذي نهض بعبء التحقيق مع سلفي العظيم: حضرة صاحب السعادة: محمود منصور باشا، كما ترون ولا شك من أوراق الدعوى، وما بذل سعادة رئيس المحكمة الموقرة من جهد قيم مشكور، فيما تولاه من تحقيق جديد إن هذه العصابة التي يمثل أمامكم بعض أفرادها لينالوا من رادع العقاب جزاء وفاقاي بما جنت أيديهم لم تكن عصابة خارجة عن القانون ثائرة على النظام فحسب ولكنها عصابة.

ضمت أخطر العناصر التي بلت بها مصر بل الشرق كله في العصر الحديث وإن قدرتها على تنظيم الإجرام وجمع أعوانه وإحكام شباكه ودعم أركانه وبث عيوبه وأرصاده وإمداده بأفتك سلاحه وأوفر عتاده يعدلها لها سوء قدرتها على تضليل العقول والإفهام في تيه من الأباطيل دينهم أن يلبسوا الحق بالباطل ويكتموا الحق وهم يعلمون ودأبهم أن يحرفوا الكلم ع مواضعه ويفتروا على الله الكذب ليبرروا إجرامهم وكفى بهذا إثما مبينا.

ها هي ذي رؤوس للفتنة قد أينعت بما أجترحت من اثم وضلال فاقطفوها مطمئنين إلى أنكم تحقون الحق وتقرون في نصابه، وترضونه المولى وتفوزون بثوابه، وتصونون لبلادكم سمعتها وكرامتها وتحفظون لأمتكم أمنها وسلامتها ودستورها فهم النقراشي باشا هذه الجريمة على أنها بداية لإرهاب مروع يهدد كل ما اكتسبته مصر في السنة الأخيرة: من تقدم داخلي أو استقلال خارجي وتزعزع ثقة العالم فيها في الوقت الذي بدأت تتبوأ موضعها في الجامع الدولية، وأخذت تفرض بحق مكانتها في الوسط الدولي بصفة عامة.

والواقع أن قتل الخازندار بك كان يحمل في تضاعيفه مقتل النقراشي باشا، وأن جماعة الإخوان لتبوء بنزر الجريمتين كلتيهما.

فإن هذه الجماعة قد احتضنت الإرهاب بل على الأصح قد كمت الإرهاب في تكوينها نفسه فإن شعار الإخوان ينطق بالعنف إذ هو سيفان بينهما مصحف تحتهما الآية: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)

ولقد كان هذا الشعار حريا بأن يثير الظنون في هذه الجماعة غداة تكوينها من قرابة عشرين سنة، لولا حرص القائمين عليها في مبدأ أمرهم على التظاهر بالتزام الدين، وحض الناس على العبادة والخير والبعد بهم عن السياسة وتجنب التهافت على مطالب الدنيا، ولكن ذلك كله لم يكن إلا ستارا كما صرح بذلك الشيخ حسن البنا في كتابه المطبوع بعنوان (رسالة التعاليم مني إلى إخوان الكتائب)

إذ جاء فيه: إن حركة الإخوان تمر بثلاث مراحل الأولى:

مرحلة التعريف بنشر الفكرة العامة بين الناس ونظام الدعوة في هذا الطور نظام الجمعيات، ومهمتها العمل للخير العام ووسيلتها الوعظ والإرشاد وإقامة المنشآت وفي هذا الطور الدعوة عامة، ويتصل بالجماعة فيه كل من أراد من الناس وليست الطاعة التامة لازمة فيه.

والمرحلة الثانية:

مرحلة التكوين باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد، وضم بعضها إلى بعض ونظام الدعوة في هذا الطور صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية وشعار هاتين الناحيتين دائما (أمر وطاعة) من غير بحث ولا مراجعة ولا شك ولاحرج وهذا الطور لا يتصل به غلا من استعد استعدادا حقيقيا لتحمل أعباء الجهاد الطويل كتبعة من التبعات، وأولى بوادرها الاستعداد وكمال الطاعة.

والمرحلة الثالثة:

مرحلة التنفيذ: والدعوة في هذا الطور جهاد، فلا هوادة فيه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية وامتحان وابتلاء كذلك قال المرشد في كتيب أخر له نشر سنة (946) أيها الإخوان لستم جمعية خيرية، ولا حزبا سياسيا ولا هيئة موضوعية لأغراض محدودة المقاصد ولكنكم روح جديد يسرى في قلب هذه الأمة

وصوت يعلو مرددا دعوة الرسول وإذا قيل لكم إلام تدعون فقولوا: إلى الإسلام الذي جاء به محمد والحكومة جزء منه فإن قيل لكم: هذه سياسة فقولوا: هذا الإسلام وإن قيل لكم أنتم دعاة ثورة فقولوا: نحن دعاة فإن ثرتم علينا فوقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن الله بأن ندافع عن أنفسنا وكنتم أنتم الثائرين الظالمين.

وقال الشيخ حسن البنا في نفس هذا الكتاب: قد يطلب إلينا أن نخالف عادات ومألوفات وأن نخرج على نظم وأوضاع ألفها الناس وتعارفوا عليها وليست الدعوة في حقيقتها إلا خروجا على المألوف وتغييرا للعادات والأوضاع فهل أنتم مستعدون أيها الإخوان؟

لم يكن المرشد العام أكثر صراحة مما كان حين قال في الكتيب أحب أن أصارحكم بأن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية وستجون أمامكم كثيرا من المشقات، سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام، وستجدون من أهل الدين والعلماء من يستغرب عليكم فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم.

ولم يترك المرشد العام شكا حول مراده بكلمة: الجهاد فقال قال في رسالة التعاليم السابقة ذكرها أريد بالجهاد الفريضة الماضية إلى يوم القيامة والمقصود بقول رسول الله من مات ولم ينفر لغزو مات ميتة جاهلية وأول مراتبه إنكار النفس وأعلاها القتل في سبيل الله.

ولقد طالب المرشد العام كتائبه بفروض نتضح بحقيقة الحركة وتشف عن لبتها، فقد طالبهم بالثقة والتسليم التام للقيادة واحتج عليهم بالآية الشريفة، التي اتحج بها محمد صلوات الله عليه وعلى المؤمين من المهاجرين والأنصار (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) وقال أي المرشد العام إن القائد جزء من الدعوة ولا دعوة بغير قائد، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة

وإحكام خططها ونجاحها وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العملية والشيخ بالتربية الروحية والقائد بحكم السياسة العامة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعا، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات، لذلك يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة.

هل هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدرها إليه القيادة في غير معصية طبعا لا مجال فيها للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير؟هل هو مستعد لأن يفرض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب، إذا تعارض ما أمر به مع ما يعلم في المسائل الاجتهادية؟هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرفات الدعوة؟ وهل تملك القيادة في نظرة الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة؟

طالب المرشد كتائبه بالثقة، ثم طالبهم بالتضحية وقال اريد بالتضحية بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية ومن قصر عن التضحية فهم أثم واستشهد بقوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقاي في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)

كذلك طالبهم بالثبات وقال: إن معناه أن يظل الأخ عاملا مجاهدا، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين فإما الغاية وإما الشهادة واستشهد بقوله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا من عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) وقال لهم: إن الوقت جزء من العلاج وإن وسائل الجماعة تحتاج إلى حسن الاستعداد وتحين الفرص.

وأخيرا أوص المرشد كتائبه بالكتمان وهي وصية لا تدع ريبة المستريب في حقيقة هذه الجماعة وأوصاهم بالكتمان وأوجب عليهم أن يقسموا هذا القسم ونصه: عرفت فكرة الإخوان وأدركت غايتها ووسيلتها وأهدافها القريبة والبعيدة، ووثقت كل الثقة بالمرشد العام وتعهدت بالقيام بما جاء برسالة التعاليم وأبايعه على ذلك وأقسم بالله على الطاعة والعمل والكتمان. والعجيب أنه أوصاهم أيضا فيما أوصاهم بمقاطعة المحاكم الأهلية.

هذا المعنى أن فكرة العنف والتحفز لانقلاب شامل وتربص الدوائر للوثوب وتبييت الغدر بالنظام الدستوري وأوضاع الحكم المقررة، والتحضير والاستعداد والتأهب ذلك يمكن أن نلمسه أيضا في كتابات الإخوان ورسائلهم إلى المرشد التي ضبطت بعضها في المركز العام فإننا نقرأ مثلا في كتاب تعليمات إدارية عن الإخوان العاملين ) ما يأتي:

يعتبر كل أخ عامل جوالا ويجب أن يدرب تدريبات الجوالة، وعلى كل جوال أن يكون أخا عاملا، ولا يقبل في صفوف الجوالة إلا من كان على هذه الصفة وفي نشرة إدارية مطبوعة رقمها (4) قسم المراقبة ما يأتي:

إذا كان الإخوان في إدارة الشعب لا يزالون يعتقدون أن الجوالة نظام تكميلي فإن عليهم أن يغيروا هذا الاعتقاد تماما فإن نظام الجوالة نظام أساسي رئيسي في فكرة الإخوان يراد به تدريب الأعضاء وتحقيق نية الجهاد.

وفي كتب مطبوع سنة (1947) عنوانه الطلائع وعليه شارة جوالة الإخوان ذكر أن الكاتب زار المرشد العام فسأله ما الذي دعاه إلى تكوين فرق الجوالة بحيث أصبحت تضم هذا العدد الهائل، فكان الجواب، لقد جاء تكوين فرق جوالة الإخوان أمرا طبيعتها حين فهم الإخوان الإسلام على معناه الحقيقي.

وأنه فوق كونه عبادة فهو تنظيم وتكوين ليس إعداد فرق الجوالة غريبا عن الإخوان فقد كان رسول الله يجهز الكتائب ويكون الفرق ويعد الأمة للجهاد وهنا أذكركم بما قاله عبد المجيد في جلسة (29) أغسطس من أن أحمد حجازي أخره أنه لا ينقص الدعوة لتكون كالدعوة المحمدية سوى الجهاد.

وكان الإخوان يعلمون بل يوقنون أن حركتهم ثورية انقلابية، تستند إلى القوة وتستهدف الاستيلاء على الحكم في البلاد من عهد طويل فقد كتب أخ إلى المرشد في (30 سبتمبر سنة 1940)

يقول: ترامي إلى أنباء بسيطة عن تلك الحركة المباركة التي عزم على القيام بها متى دقت الساعة ولقد راقني ما وجدته في إخواني من التكتم والتستر على تفاصيل ما عزموا عليه.

ثم أخذ الكاتب يشكو من مغالاة بعض الإخوان في الأمل وتسرعون في الرغبة في العمل في غير الوقت المناسب ثم قال وإذا قدر الله وحصل أي مكروه للدعوة فسيكون السبب هم هؤلاء الذين يتكلمون أكثر من اللازم، ولا يكتمون ما يسمعون وينبغي على فضيلتكم لفت نظرهم.

وخطاب آخر من أخ يشغل منصب رئيس مدرسة إلزامية بمركز (نجع حمادي) إلى المرشد ذكر فيه كاتبه: إنه التحق بجماعة الإخوان كجندي من جنود الدعوة العاملين بل في كوماند الفدائيين وأنه بايعه على الدم وأنه ذه ب إلى بلدته في أعمال مركز تلا بالإجازة وسط الجنود المخلصين وكان سببا في إشعال نار الثورة للدعوة في قلب الكثير ممن ينتظرون أمر قائدهم لينفذوه بكل دقة.

وأنهم باعوا الله أنفسهم وأموالهم يقاتلون متى شاء أستاذهم فيقتلون ويقتلون وأنه يخشى أن يحرم من الموقعة الأولى، التي يرى أن الوقت قد حان لها وجاء دورها إذ قرأ وقرأ الجميع معه اهتزاز عرش الدولة الطاغية من جراء اجتماع قلوبهم والعمل لرفع ظلمهم وعلى هذا الخطاب العجيب إشارة نعتقد أنها من المرسل إليه أي من المرشد نصها يوصي الله بالثبات والصبر للعمل للدعوة حيث هو حتى يفتح الله بيننا وبين الناس بالحق.

بل ولعل شعور الإخوان المتصلين بالمرشد أنهم أصحاب انقلاب قريب عنيف مكتسح، كان يملأ نفوسهم بالقلق والتعجل فهذا خطاب من أحد الإخوان إلى المشد يستعجله ويقول فيه: لا أقل من يكون الوقت وقتا للمناوشات والمناورات وتهيئة الأذهان ربما يقال إننا في فترة استعداد وتنظيم قد تأخر كثيرا وسيترتب على هذا أن الدور الثاني وهو وقت استعداد وتنظيم قد تأخر كثيرا وسيترتب على هذا أن الدور وهو وقت تهيئة المناوشات سنقوم به متأخرين وربما يترتب عليه ضياع وقتي العمل

واعتقد أن الدور الأول وهو الاستعداد والثاني وهو المناوشات يمكن القيام بهما معا حتى لا نتأخر في وقت العمل كان يلزم الإخوان أن يكونوا الآن في دور المناوشات وتهيئة الأذهان للمستقبل القريب جدا أليس كذلك يا سيدي؟

هناك نقطة أخيرة يجب أن يعرفها الإخوان والناس، أن أصحاب الدعوات ينالون العسف والاضطهاد في مبدأ الدعوة ونحن كأصحاب دعوات يجب أن يخضع لهذه السنة وإلى الآن لم نشعر أننا أصحاب دعوة وأننا نشعر بأننا جمعية خيرية تجمعنا الأخوة والحب وهذا فقط لا يرضى الإخوان كأصحاب دعوة ومستقبل وعلى هذا الخطاب تأشيرة نصها الآتي: كان للأستاذ المرشد راي عمارة تبنى في الداخل وحولها سور كبير يحجبها

ولا يعرف الناس ما في السور ثم يرفع السور فجأة فيرونه بناء كبيرا جميلا وأظن أن الإجابة ستكون هذه بل إن وسائل الإخوان فلان وجلس مع الإخوان وقال لهم تصريحات عن الحادث تضر الإخوان لو سمعها أحد من البوليس وهذا لا يتفق مع ما نرجوه من السمع والطاعة والكتمان فنرجو لفت نظر رئيس منطقة الإدارة ونرجو عمل تحقيق سريع.

وثمة خطاب أخر من أحد الإخوان له دلالة في خصوم لهم في الراي بمناسبة صدام وقع بينهم وبين الإخوان فيقول: ألا ينطبق عليهم حكم الردة؟ وما عقاب هؤلاء إلا القتال والحرب حتى يفيئوا إلى أمر الله ألم يأذن الله لنا أن نجهز عليهم وعلى زعيمهم؟

إننا في انتظار أوامرك الجديدة لعلها تشفى صدورنا ولعلها تمكننا من إبادة هؤلاء ومع هذا لخطاب ورقة عليها هذه الإشارة يبدو أنها من المرشد العام يشكر ولا داعي للقلق وإذا جد جديد فستكون هناك توجيهات بهذا الشأن.

أعتقد أن ما قدمته من شواهد يدل على صدق ما قلته من أن الإرهاب والعنف وفكرة إحداث انقلاب سياس شامل كامنة في جماعة الإخوان وقد أوضح عبد المجيد لحضراتكم هذه الحقيقة عندما قرر أن نظام الجوالة إن هو إلا نظام عسكري بحث أساسه الطاعة العمياء وأن النظام الخاص أي النظام السري أن هو إلا جزء من بناء الجماعة

وركن من أركانها ولكن لا يلتحق به إلا من يثبت من أعضائها نشاطه وإخلاصه وبقى على أن أبسط للمحكمة الموقرة دون جنوح إلى المغالاة أو التطير فإن هذا المجلس يجب أن يصفو لجلال الحق وأن يتحلى بما ينبغي له من الأناة والاعتدال والنزاهة والنصفة بقى على الآن أن أبسط للمحكمة كيف تحول العنف والإرهاب الكامنين إلى إرهاب فعلى منظم خطر لقد وفقت العدالة في قضية سيارة الجيب إلى أن تضع يدها على قسم من محفوظات الجانب السري للإخوان

أو كما يسميه قاتل النقراشي النظام الخاص أي أولئك الإخوان الذين عليهم أن يخفوا حقيقتهم عن الناس وأن يبقوا أمرهم سرا لا يعلم به سوء قيادتهم وزعمائهم والذين تعتمد عليهم الحركة في البطش بأعدائها وفي القيام بضربتها الكبرى التي تبلغها غايتها النهائية.

وسترون حضراتكم أن هذا الجانب السري من الإخوان أوسع وأشمل وأخطر من أن يوصف بلفظ جمعية وأنه إنما يكون جيشا إرهابيا أو أقرب الأشياء إلى الجيوش ومن ضمن هذه المحفوظات أوراق معنوية قانون التكوين وتتضمن بيانات عن كيفية تكوين وتنظيم الجماعة الإرهابية على نظام الخلايا من هيئة قيادة وأركان حرب وجنود تكون في مجموعها جيشا.

وواجبات كل فريق وكيفية تنظيم القوات واختيار الجنود وما يتعين توافره فيهم من شرائط وأن من أنواع الجنود من يكونون بعدين عن النشاط الظاهر وأن هذه النوع يجري تدريبه في حرص تام ولا يستخدم إلا وقت الحرب العلنية كما أن منهم نوعا يجب أن ينقطع انقطاعا تاما ويمك تكليفه بدراسات أكثر اتساعا وأعمال أكثر خطورة.

وتناول القانون التكوين أيضا بيان كيفية ترشيح أفراد الجيش وإرسال أوراق الترشيح إلى القيادة العليا مرفقا بها تقرير شامل يحوى بيانا عن الحالة الصحية والاجتماعية والثقافية للمرشح والطابع البارزة فيه، والميول الحزبية، والا يبقل الترشيح إلى عن طريق شخص يدرس كل المراحل مع ملاحظة أن يحصل على جميع البيانات دون أن يعرف المرشح داعي ذلك وأنه يكفي الميل إلى أي حزب أخر لرفض الترشيح رفضا باتا.

إذ يجب أن يكون المرشح مؤمنا تماما بصلاحية الدعوة كمبدأ ثم يقرر مجلس القيادة العليا على ضوء هذه البيانات قبول الترشيح أو رفضه، كما نص القانون على كيفية تكوين الفرد وإعداده بعد قبول ترشيحه فيعرف بأميره، أي برئيس خليته، ويقوم الأخير بدوره معه في جلسة روحية مصبوغة بالكتمان التام،

وتعريفه بنوع العمل والحديث حول شرعيته، وزيادة الأدلة التي عنده إن كان مقتنعا بشرعيته وإقناعه إن لم يكن مقتنعا وزيادة التوصيات بالكتمان والطاعة والصمت والتوجيهات عن تكييف الأمور وتغطية المواقف والحذر من التورط ودراسة معدات الاختيار

وتهيئة الفكر إلى احتمال قيامه بعمل قريب وتوصيته بالثبات في أثناء تأدية العمل وأن يكون طبيعيا عندما يحمل شيئا أو يقوم بعمل شيء مع الحرص على تجهيز إجابات معقولة لكل الأسئلة المنتظرة وتكليفه بكتابة وصية ثم اختياره بتكليف صامت حمل معدات في الطريق مراقبته ثم عرض الخطة وإقناعه بها، وتسليمه العدة لاستعمالها ثم تنفيذ الاختيار ومراقبته إلى قبل الموعد، ثم إلغاء التنفيذ.

ونجد مرافقا لقانون التكوين أوراقا عن تكاليف البيعة من طاعة وخضوع للقيادة ولأمراء الجماعات وكذا أوراق عن اللائحة العامة تضمنت واجبات أفراد الجماعة وحقوق رؤسائهم والتحقيق مع المقصرين وحق أمير الجماعة في توقيع العقوبات الأدبية والمادية، أخفها الصيام وزيادة الطوابير والسير على الأقدام لمسافات بعيدة.

وجاء في قانون التكوين أيضا أنه في حالة نجاح الاختيار يقدم الشخص للبيعة في القاهرة وفي حالة الرسوب يلحق بأسرة أو ما أشبه ذلك من الأعمال العامة وأن رقم (1) يقوم بتوصية الأفراد بحق الطاعة لأميرهم بعد البيعة.

وأن الأمر إذا كان له أخطر به القيادة للتصرف وذلك عن طريق رقم (1) وأنه ليس ليس لأحد مهما كنت منزلته في الجماعة الحق في رفعي الأمر للقيادة إلا عن طريق رقم (1) كما جاء فيها أن التحقيق مع المقصرين يكون بواسطة مجالس تحقيق تشكل حسب الأحوال من أمير الجماعة ومندوب الأقاليم ومدير الأقاليم ومندوب القاهرة في الأقاليم ومدير القاهرة وأن أية خيانة أو إفشاء سر عن حسن قصد أو بسوء نية قد يعرض صاحبه للإعدام.

أو إخلاء سبيل الجماعة منه مهما كانت منزلته ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالنجاة كذلك وجدت أوراق أخرى تتضمن تعليمات عن كيفية تعقب الأشخاص وما يتعين توافره في الشخص المتعقب من سرعة الملاحظة والاستنتاج والتفكير والظهور بمظهر لا يلفت النظر.

وأوراق تحوي بيانات مفصلة عن منشآت الجيش المصري، وبعض المنشآت الأجنبية من سفارات وقنصليات وغيرها من المنشآت الحكومية: من وزارات ومحافظات ومديريات واقسام ومراكز ونقط البوليس والسجون والمصالح ومكاتب التلغراف والتليفون والبريد وغيرها وعن المواصلات من سكك حديدية وترام وطرق زراعية وخطوط الأتوبيس.

وأوراق أخرى تتضمن الحض على أعمال الفدائيين وحرب العصابات وطريقة استعمال زجاجات موتولوف وتخريب المواصلات والسكك الحديدة واستعمال المفرقعات والألغام والأسلحة النارية وأساليب الخنق وأحدث وسائله.

وصور توضح طريقة استخدام النبدقية والمسدس وإلقاء القنابل اليدوية وأوراق تشرح كيفية القتل بواسطة الخنجر وكيفية تعطيل السيارات بخلط البنزين بالماء أو السكر أو سائل أخرى ومذكرات عن كيفية الكتابة بالشفرة ومذكرات وأوراق خاصة بالبرامج والمخابرات وتنسيقها مع الأقسام الأخرى ورفع مستوى القيادة وإطلاع القواد على نشاط الحركات السرية والبحث عن المعلومات وتحريها.

وأن الإعداد يتناول الشخصية من الإخوان العاملين وما يجب توافره فيهم من الصحة الجيدة والمهارة، والتنظيم الذاتي والمكر وأن يحققوا الحكمة التذؤب مع الذئاب ثم بيان ما يتناوله الإعداد الرياضي والفني والمعلومات عن الكهرباء واللاسلكي والتصوير الفوتوغرافي والاختزال والتدريب على التمثيل وعمل الماكياج وتغيير الزي والهيئة وقيادة الدرجات والسيارات والموتوسيكل وكذلك قيادة الطيارة عند اتصال الحركة بالخارج وأنه عند الاتصال اللاسلكي في الأوقات العصيبة يمكن توصيل الأشياء

والأخبار بواسطة طيارين وأن تشتري طائرات خاصة، حتى يتم إنشاء شركة للطيران، وغير ذلك مما وصفها خطوطا رئيسية يشملها بناء جماعة المخابرات التي تقدم تقارير عن القائمين بالأعمال في أقسام البوليس وقواتها والمجال الصناعية اليهودية والأجنبية والمصرية

وأن مهام المخابرات أيضا وجود جمعة المخابرات للأحزاب المصرية والوفد والسعدين والأحرار والدستوريين والكتلة الوفدية والحزب الوطني ومصر الفتاة وحزب الفلاح الاشتراكي وغير ذلك من النقابات والجمعيات المختلفة والحركات الشيوعية وكذا أعمال المخابرات لكل وزارة من الوزارات والجامعة و[[الأزهري]، والمدارس.

ومذكرة تحوي رموزا وأرقاما للأسلحة والمفجرات ومن بينها كلمتا مصحف وصابون إشارة إلى تسمية الأشخاص بأرقام معينة ثم تقرير عن اجتماع اثبتت فيه ارقام الحاضرين وما تناولوه من دراسة لأنواع المفجرات والمشاعل والفتيل والساعات.

ورقة معنوية (قواعد يجب مراعاتها) ونصها كالآتي:

أولا: قبل إجراء العمل:

  1. عليك التأكيد من أنك لا تحمل أي أوراق ذات صبغة أو فيها أسماء وعناوين وكذا منزلك يجب ألا يترك فيه أثرا يدل على قيامك أو اشتراكك في العملية.
  2. يجب التفكير في طريق الهرب كتفكيرك في طريق الهجوم.

ثانيا: في حالة العمل:

  1. لاحظ اتزان الأعصاب والهدوء، حتى تتيح لعقلك التفكير السليم من تصرف في الموقف أو لتنفيذ الخطة الموضوعة بدقة.
  2. لا تلبس الملابس البيضاء والسوداء والزرقاء فإنها تنكشف بسهولة في الظلام.
  3. لا تسمح لنفسك بالوقوع في قبضة أعدائك أبدا، بل استعمل كل الطرق للهرب.
  4. المناقشة ممنوعة منعا باتا، وإنما تكون قبل إجراء العمل حتى صدور أمر التنفيذ.

ثالثا: مراعات للقواعد السابقة تجعل فرصة النجاح (100٪) فإذا فرض وقبض عليك فيكون هذا في حالتين.

(أ‌) حالة التلبس بالعمل نفسه كحادثة العيسوي.. أي لا فائدة من الإنكار.

  1. عليك أن تجيب عن الأسئلة العامة كاسمك وعنوانك وعملك فقط وأصر على الإنكار في أن لك شركاء أو أنك تلقى أوامر من أية جهة.
  2. إذا سئلت عن انتمائك للإخوان فعليك إنكار ذلك بشدة وإذا ووجهت بدليل انتمائك إليهم، قل إنك قد تركتهم من زمن لأنهم غير عمليين وإنما أنت قمت بهذا لأن الوطنية تقتضيه.
  3. أحذر كثرة الكلام ولتكن إجابتك مقتضبة، ولا تحاول أن تدلل على ذكائك أمام المحقق بمحاولة الثرثرة.

(ب‌) حالة القبض عليك للاشتباه:

  1. مراعاة البنود الثلاثة السابقة عليك التمسك بإنكار العمل على طول الخط فإن الإنكار لن يضرك بك يفيدك.
  2. لا تطمئن مطلقا للأقوال المعسولة التي قد يبديها المحقق من أنك لن تعاقب وأنه سيطلق سراحك ليجرك بذلك للاعتراف.
  3. كذلك لا تخشى التهديد بأي حال لأن البراءة ستكون النتيجة لعدم كفاية لأدلة.
  4. لا تصدق المحقق إذا واجهك بأنه علم بشركائك وأنهم اعترفوا حتى ولو واجهك بهم فهي حيلة، وعليك أن تؤكد أنه ليس لك شركاء وتنكر معرفتهم.
  5. لا تتحدث مع أي شخص ولو كان زميلك في العمل في العمل في حالة وجودكم في المعتقل فيما يتصل بشئون الجماعة أو العمل فهناك من يدرسون في المعتقل لهذا الغرض وقد تكون هناك ساعة أو ميكروفون يتصل بالخارج ينقل حديثك.
  6. أعتقد تماما أن إخوانك مهتمون بأمرك وإذا فرض وتركوك وقتا ما فلا تيأس أبدا فقد يكون من المصلحة عدم الاتصال بك.
  7. وأخيرا يا أخي فإنك تعمل لله وبالله، فلتكن صلتك به وثيقة والله معك (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).

وقد دلت الوراق المضبوطة على أن أفراد الجيش السري كان يرمز لهم بأرقام معينة بدأت برقم (1) وضبطت تقارير كثيرة عن مراقبة محال وكيفية نسفها والزمان والمكان المناسبين لذلك ووسيلة الهرب وهذه التقارير ممهورة بأرقام ترمز لمحرريها ويصل بعضها إلى رقم (2207).

وضبطت في الجنايات العسكرية رقم (227 سنة 1948) الوايلي أوراق بخط السيد فايز تتضمن برامج للتنظيم القضائي والدعاية الداخلية والخارجية وأشير فيها إلى أن الأمر قد يتطلب اغتيال شخصية كبيرة معادية خارج القطر للفت أنظار العالم إلى بلبلة الخواطر بإذاعة الأخبار الكاذبة المثيرة إما بالصحف وأما بمحطات الإذاعة وإلى إنشاء شبكة من الجواسيس يوزعون على الهيئات الآتية: الوفد- السعديين- الأحرار- مصر الفتاة- الكتلة- جبهة مصر- الشبان المسلمين- الشبان المسيحيين- حزب الفلاح – حزب العمال- نقابات العمال- البوليس السياسي.

وضبطت أيضا أوراق بها تقارير ورسوم وبيانات دقيقة عن السفارات البريطانية والأمريكية والفرنسية وكثير من المحال التجارية والبنوك والمنازل والأشخاص بمدينة القاهرة وضواحيها والإسكندرية وبور سعيد والسويس

وغيرها من بلاد المملكة المصرية، وهي تدل على أن الجماعة كانت تراقب هذه الأمكنة وهؤلاء الأشخاص مراقبة دقيقة وأن المراقبين كانوا في كثير من الأحوال يبينون طريقة نسف المحل والزمان والموضع الملائمين لذلك.

وكانت جريمة القتل بصفة خاصة موضع عناية هذه الجماعة السرية، فقد عمدت أوراقها إلى تبريره والحض عليه، من طريق التغرير والإيهام والتضليل بأنه من سنة رسول الله وأن مرتكبه إنما يتبع النبي فيأمر يرضى عنه النبي وقد جاء في إحدى الأوراق المضبوطة ما يأتي: علينا أن لا نتردد في الاستعانة بسنة رسول الله في اغتيال اعدائه ولم يقتصر الرسول على اغتيال الرجال فحسب بل امتد إلى كل امرأة عنيدة خطيرة على أمن الناس وسلامتهم.

إنه من التنطع أن تقدس دماء المرأة بلا قيد ولا شرط فالحضارة الحديثة نفسها تذهب في عقابها إلى حد الإعدام هذه الجماعة أي جماعة الإخوان المسلمين يجب تأييدها على كل وطني وكل متخاذل عنها قاعد عن نصرتها فهو مقصر في أمر الله ومن يناوئها أو يناهضها ويعمل على إخفات صوتها من المسلمين أو غير المسلمين

فهو بلا شك مناهض لجماعة المجاهدين ولا فرق بين مواطأة العدو ومناهضة هؤلاء إلا أن المناهضة أشد إثما ولا تردد أبدا في الحكم بأن مثل هذه الخارج على المجاهدين مهدر الدم وأن قاتله مثاب على فعله بأعظم ما يثاب به المجاهدون عند الله.

وجاء في ورقة أخرى مضبوطة في قضية مقتل سائق السيارة الأرمني وإن القتل وإن كان يعتبر جريمة في الأحوال المدنية إلا أن له ما يسوغه كثيرا من ناحية العقيدة أو الوطنية وفي هذه الحالة يفقد القتل صفة الجريمة وينقلب واجبا على الإنسان إن لم يقم به كان مجرما في حق عقيدته أو وطنه.

ومضى حضرته يقول: أرسول الله قد اغتال؟

كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا فقد روى الإمام النووي في شرحه بصحيح مسلم أن إنسانا قال في مجلس علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إن النبي قتل كعب بن الاشرف غدرا فامر به علي فضرب عنقه وذكر المؤلف أن قتل كعب بن الأشرف إنما كان لا نقض عهد النبي وجاء مع أهل الحرب معينا عليهم.

وقد جاء في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)

وحسبنا رد على هؤلاء الغاوين قوله تعالى: (كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غورا لو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هو مقترفون) صدق الله العظيم.

وقد بلغت بهم العناية بأمر القتل أن جعلوا يختبرون أعوانهم في جرائم القتل السياسي السابقة ونواحي الضعف التي ضبط الفاعل فيها كأن هذه الحوادث مواقع حربية تدرس وتمحص ليتجنب فيها القتلة الأخطاء والسقطات.

حضرات المستشارين والضباط العظام.

لقد اجتمع لهذا الجيش السري فضلا عن الرؤوس المفكرة والعقول المدبرة، وكثرة الأيادي العاملة من ذوي الأطماع أو ذوي الشهوات أو قصيري النظر قليلي التجارب اجتمع له فضلا عن ذلك المال الوفير الذي حشد به الأسلحة والمفرقعات والذخائر ووسائل النقل

وأدوات التراسل والإذاعة المال الذي أعانه على شراء الرجال وإعداد الأوكار في مختلف الجهات في الحضر والريف ولقد ضبط لدى الإخوان من القنابل الألوف ومن الأسلحة ما يجزئ الجيوش، ومن المفرقعات ما يكفي لنسف مدن بأسرها.

لقد رأيتم حضراتكم من الشواهد التي قدمتها كيف تكون الجيش السري وكيف تجهز وكيف درب جنوده على استعمال الأسلحة الصغيرة والقنابل والمفرقعات وكيف بث منهم جواسيس يراقبون حركات الأحزاب السياسية كلها والجمعيات التي لها نشاط اجتماعي ملحوظ

وكيف قاموا بمراقبة الأشخاص توطئة للفتك بهم والدور والقصور والمتاجر والمصارف إما لنسفها أو لسلبها ورأيتم حضراتكم كيف عنى هذا الجيش بأمر القتل والحض عليه، وتهوين أمره على النفوس كما رأيتم إلى أي أفاق بعيدة كان ينظر هذا الجيش وإلى أي أهداف ضخمة كان يهدف وأنه كان لا يرضى بأقل من بسط سلكطانه الكامل على مصر ليكون حكمها غنيمة لقادته وزعمائه.

قلت: إن خطة قيادة الإخوان كانت ترمي أولا إلى لفت الأنظار ولقد جدت هذه القيادة في ذلك الجد كله فأخذت أولا تحاول أن تضع يدها على حركات الطلبة في المدارس والجامعات والمعاهد ووفقت في ذلك إلى حد بعيد، وكان المنتمون إلى الإخان على رأس كل شعب في معاهد التعلمي وهم أول من ابتداعي بدعة استعمال السلاح والقنابل في دور التعليم.

ولما أن رفعت الأمة عقيدتها تطالب بمطالبها القومية اغتنم الإخوان هذه الفرصة للفت الأنظار من طرق العنف والجريمة فدسوا من ألقوا القنابل في جهات متفرقة بالقاهرة والإسكندرية وبورسعيد.

وكأن قيادة الإخوان قد شعرت بعد ذلك أن الظروف قد تهيأت وأن الوقت قد نضج لأكثر من لفت الأنظار فأقدمت على افتتاح عهد من الإرهاب بفتاحة فاجعة كان ضحيتها علما من أعلام القضاء وهو المرحوم الخازندار بك، وهيأ لها استمرار هذا الإرهاب اندلاع الصراع في فلسطين فاتخذت من دعوى إرهاب اليهود أو الرغبة في إرهابهم وسيلة لإرهاب المصريين ولإضاعة ثقتهم بنظام الحكم القائم.

لقد كان الرأي العام يعتقد بعد مقتل الخازندار بك وتكرار حوادث النسف البشعة أن هذه الجرائم من فعل الإخوان فلما وقعت فاجعة شركة الإعلانات في (12 نوفمبر سنة 1948) كانت مصر كلها علامات استفهام في وجه رئيس الحكومة إذ ذاك تسائله إلى متى ولماذا ينتظر؟ وما الذي سيفعله؟ وصار الناس لا يأمنون على أنفسهم في غدوهم ورواحهم أن تعصف بالجالس أو الماشي أو الراكب منهم قنبلة أو رصاصة من مسدس أو سقف ينهار ليه في أية لحظة من نهار أو ليل وكأن الإخون

وقد أخذ ذلك القلق العام بهييبة الحكومة لهذه الحوادث والجيش المصري يعاني الصعاب خارج حدود بلاده، كأنهم أرادوا أن يغتنموا الفرصة ليثبوا وثبة لا تكلفهم إلا القليل فأثارو الشغب في الجامعة وفي أول يوم بدأت فيه الدراسة (4ديسمبر سنة 1948) وكان شغبا مسلحا ألقى فيه بعض أتباعهم قنبلة أودت بحكمدار العاصمة سليم زكي وهو بين جنوده فزاد جزع الناس لهذا الحادث وزلزلت مكانة الحكومة وسمعتها في الداخل والخارج زلزالا شديدا ولكنهم تابعوا خطتهم فإذا بشغب أخر يقع في المدرسة الخديوية بعد يومين من مقتل الحكمدار وإذا بالقنابل تلقى بهذه المدرسة على كبار رجال الحفظ فيصاب ضابط وسبعة من الجنود وعندئذ لم يبق في قوس الصبر منزع ولم تجد الحكومة أمامها إلا حل جماعة الإخوان

هذا الأمر بالانصياع والطاعة شأن كل المواطنين المسالمين بل اعتبرته تحديا لقوتها وجرحا لهيبتها وجرأة من جانب الدولة لا تجوز في حقها ولا تسوغ وبدأت جماعتها السرية تعقد الاجتماعات لتغسل بالدم هذه الجرأة هنا أحب أن أورد ما قاله المتهم الأول نقلا عن رئيس مجموعته السرية محمد مالك يوسف إذ قال أذكر أنه في أثناء اجتماع من الاجتماعات عقب حل الإخوان قال أحد الموجودين: الناس منتظرون علما يقوم به الإخوان ضد من حل الجماعة وذكر أحدهم أنه يحسن مهاجمة منزل النقراشي باشا (علشان) قتله فرد محمد مالك وقال: الشيخ حسن البنا لا يريد أن يضحي بأكثر من شخص واحد لارتكاب هذه الحادثة وأن باقي الأفراد سيكلفون بأعمال أخرى.

وكان الراي انتهى إلى ما أشير به من تقليل الخسائر المحتملة للقيام بهذا الثأر في أضيق الحدود، فوق اختيار الجماعة على عبد المجيد أحمد حسن لتنفيذ الجريمة، وعلى شفيق أنس، ومحمود كامل لمعاونته فيها وتلقى عبد المجيد أمر التكليف بهذه المهمة الشنيعة في يوم (18 ديسمبر سنة 1948)

وبدأوا يرسمون له الخطة ويجهزونه هو وزملاءه بالأسلحة وبالملابس اللازمة لتنفيذها واختاروا أن يكون التنفيذ في وزارة الداخلية ليكون وقع هذا الفعل شاهدا بشلطانهم معلنا عن قوتهم وليحمل من معنى التحدي للسلطات والاستهانة بها واسقاطسي هيبتها ما يعيد للجماعة منزلتها التي عسف بها أمر الحل.

وكانت مصر إذ ذاك تمر بفترة حرجة، فجيشها يقاتل وحده جموع الصهيونيين الذين قطعوا الطريق على بعض وحداته وأخذوا يشددون عليه النكير، بما حشدوا من عتاد هائل ورجال لا حصر لهم، وكانت البلاد معلقة الأنفاس ترقب جهود الحكومة في تمكين الجيش من الثبات والنجاة من الخطر المحدق به وبالبلاد كلها ولكن الإخوان لم يأبهوا لذلك وقرروا أن يغتالوا رئيس الحكومة ويوقعوا بقتله الاضطراب في أعمالها في تلك الآونة العصيبة.

ففي صباح يوم الثلاثاء (28 ديسمبر سنة 1948) حضر دولة النقراشي باشا إلى وزارة الداخلية على عادته يحف به حرسه، ولما قرب من المصعد فوجئ برصاتين ترديانه، أطلقهما عليه شاب يلبس ملابس ضباط البوليس تبين أنه هو عبد المجيد أحمد حسن وكان مترصدا له ليغتاله في عرينه هكذا استشهد النقراشي باشا، سقط شهيدا لأداء واجبه وهي نهاية فاجعة لقد فقدت مصر بهذا العمل الآثم قائدا من قادتها ورجلا هاما من رجالاتها وهي أحوج ما تكون إلى القادة والرجال.

لقد أذهلت هذه الجناية مصر جميعها وخاف الناس أن يكون الزمام قد أفلت نهائيا من يد القائمين على الأمر وأن يكون الإرهاب قد فاز بالغلبة على القانون، ولكن الأيدي الحازمة قد أمسكت بالزمام بقوة،

فتأججت شجاعة الشعب وأظهر الخطر معدن هذه الأمة فوقفت السلطات ومن ورائها الأمة ترد عنف الإرهاب وتذود عن مصر ويلاته وكان لهذه المحكمة الموقرة بأحكام لها عادلة سديدة فضل وأي فضل في إعادة الثقة إلى النفوسي والطمأنينة إلى القلوب.

حضرات المستشارين والضباط العظام.

لا تخدعنا هؤلاء القوم صلاتهم ولا صيامهم فقد قال صلوات الله وسلامه عليه في مثلهم تحقر صلاة أحدكم في جنب صلاتهم وصوم أحدكم في جنب صيامهم ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم) وورد في كتب التاريخ أن عروة بن أذينة وهو من الخوارج نجا من حرب النهروان وبقى إلى أيام معاوية ثم إلى زياد ابن أبيه ومعه مولى له، فسأله عن عثمان فشهد عليه عروة بالكفر فسأله عن أمير المؤمنين على كرم الله وجهه فتبرأ منه وشهد عليه بالكفر فسأله عن معاوية فسبه سبا قبيحا فأمر زياد بضرب عنقه، ثم عاد مولاه أي خادمه وقال له: صف لي أمره وأصدق واختصر فقال: ما أتيته بطعام في نهار قط، ولا فرشت له فرشا بليل قط.

فهذا الخارجي كان يصوم النهار ويقوم الليل، ولكنه كان ضال القلب، ولذلك كفر عليا وكفر عثمان.وإذا كان الإخوان قد أحلوا القتل باسم الدين فقد سبقهم الخوارج إلى ذلك إذ صوب قطري بن الفجاءة فعلية عبد الرحمن بن ملجم لعنة الله قتله الإمام علي.

فالضلال قديم وقتل الناس بفعله قديم كلك والاحتجاج على الجرم والجريمة والبدع والضلالات بكتاب الله وأياته الكريمة قديم أيضا فقد احتج بالقرآن متأولين، أصحاب البدع جميعا: من المعتزلة والجبرية والصفاتيةي والمشبهةي والمختلطة والقدرية، والخوارج على أصنافهم: من الأزارقة والأباضية والصفرية والشيبة والثعالبة، والبيهسية والشيعية على اخلافهم من كيسانية، وغلاة واسماعيلية إلى أخر ما تشير إليه كتب التاريخ: التي عنيت بأمر الفرق والملل والنحل.

لقد حرص هؤلاء الناس على الادعاء باحتكار الإسلام، والانفراد بفهم حقيقته والاستئثار بتأويل كتاب الله فملأوا جنودهم غرورا وافتئاتا حال بينهم وبين الإنصاف.

لم يكن بد من هذا العرض الذي أخشى أن أكون قد أطلت فيه لأنه هو الإطار الذي ينبغي أن توضع فيه الواقعة المعروضة عليكم لتبدو على حقيقتها ولتأخذ قيمتها في الظروف التي تقدمتها وتلتها فإن كل تقصيل من تفاصيل القضية، يجد أصلا له في هذه الشواهد العامة، التي ذكرتها بل إن هذه التفاصيل ليست إلا تطبيقا دقيقا في معظم الأحوال لتلك الشواهد العامة فيما يتعلق بتكوين الجماعة السرية أو بأساليبها في العمل وفي التخفي وفي الفرار من وجه القضاء.

وهنا أود أن أزيل شبهة كثيرا ما تذرع بها المتهمون في هذه القضية والقضايا الأخرى المشابهة وهي التمسح في الحرب الفلسطينية فإن الشواهد التي سقتها تقطع بأن الحركة الإرهابية للإخوان قديمة ترجع إلى ما قبل سنة (1945) وأنها كانت في طريقه إلى النمو والاستكمال وهذا الاستكمال قد تحقق قبل الحرب الفلسطينية، فأنشئت الخلايا وحصل التدريب وحشدت المعدات قبل الصراع الفلسطيني بسنوات بل لقد استغل الإخوان النزاع الفلسطيني لحشد الذخائر والأسلحة فظلوا حتى بعد أن حظرت الحكومة على الهيئات شراء الأسلحة ظلوا يشترونها ويخزنونها.

وقد ذكر عبد المجيد أنه عرف نظام الجمعية السرية من أواخر سنة (1946) وقبل أن تنشأ مشكلة فلسطين بزمن طويل وأن رؤساء الجمعية السرية كانوا يزعمون له ولغيره من الأعضاء أنم إنما يدربونهم ويعدونهم للجهاد فلما بدت مشكلة فلسطين

ورأى المخدوعون منهم فيها فرصة للجهاد ألحوا في التطوع لمحاربة الصهيونية ولكن رؤساء الجمعية كانوا حريصين على ألا يتطوع من جماعة الإخوان إلا الأعضاء المنتمون للنظام الظاهري وألا يبعثوا من أعضاء النظام السري إلا قلة، وأن يحتفظوا بالكثرة منهم لما أسموه بالجهاد الداخلي، وهو في عرفهم كما ذكر عبد المجيد الاغتيال والنسف والتدمير.

إن هذه الساحة ساحة قضاء كلها جد واتزان ووقار، لا محل فيها للمجادلات والمهاترات بشأن أصول الحكم والسياسة، هل ينبغي إبدال الحكام الدينيين بالحكام المدنين؟ وهل من المصلحة أو غير المصلحة أن يكون في البلد حزب واحد وهل من الخير أو من الشر ألا تقوم في البلد معارضة قوية هذه مسائل لم تعد الإجابة عنها في البلاد المتحضرة موضع شك، ولكن الجدل والتهاتر فيها مع ذلك في هذه الساحة لا موضع له ولا يتفق مع جلال المأساة الدامية التي تعالجونها حضراتكم الآن.

فبينما كان التحقيق في واقعة القتل يأخذ مجراه من ناحية كان التحقيق في حادث ضبط السيارة الجيب يأخذ هو الآخر مجراه من ناحية أخرى وقد ضبطت في هذه السيارة ثلاث كراسات تتضمن أسئلة وإجابات في القانون والفقه والدروس الروحية وحرب العصابات واستعمال الأسلحة والمفجرات وكيفية الإجابة في حالة الضبط وتعليل الصلة بمن يضبطي مع المقبوض عليه، وما يوجد معه من أوراق وقد أجيب في الكراسة رقم (28) ردا على سؤال خاص بسبب وجود محرر الكراسة مع آخرين بما يأتي.

صلتي بمن معي هو أننا أشخاص نقطن في حي واحد (14) سنة وبما أن عطلة عملي يوم الأحد وكذلك صاحب المنزل، فلذلك اجتمعنا أما عبد المجيد فبينما نحن جالسان رأيناه ذاهبا ليتريض ناحية الخلاء لحبه الرياضة فناديناه للجلوس معنا.

وأجيب الكراسي رقم (27) عن نفس السؤال بعبارة يقرر فيها صاحبها أن عادل وطاهر جاران له وأن أولهما صديقه وأنه ناداه في أثناء سيره في الطريق فصعد إلى المنزل للعب الورق،

وأن هذا هو تعليل صلته بهم وقد كانت هذه الكراسات هي المنفذ الذي تمكن به المحققون من كشف أسرار الحادث وهي الدليل المادي الذي ألجأ عبد المجيد إلى الإفصاح عن أسماء بعض أعضا الجمعية الإرهابية وذلك أن شخصا يدعى أحمد حجازي وهو أحد أصحاب شركة راديو الشرق الأوسط كان قد قرر في تحقق هذه الجناية أن عادل وطاهر ومحمد ممدوح حافظ قد حضروا إلى محله لشراء راديو فسئل ممدوح حافظ عن هذه الواقعة وتبين أنه يقيم مثل عادل وطاهر في حدائق القبة.

وقامت شبهة في أن يكون هو محرر الكراسة رقم (27) سابقة الذكر ولكن تبين أن خطها يخالف خطه، وقرر عند سؤاله أن كلا من عادل وطاهر وعبد المجيد أحمد حسن يعرفون بعضهم معرفة وثيقة وأنهم كانوا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين لحين صدور الأمر بحلها وأنه هو الآخر كان ينتمي إليها وأنه لما تين منها أنحراف إلى العنف انقطع عنها من نحو سنتين ونصف وإزاء هذه الأقوال، ولما كان عبد المجيد يقيم في لحي حدائق القبة بالقر من منزلي عادل وطاهر

فقد اتجه الظن إلى أنه قد يكون هو محرر كراسة الاختيار رقم (27) وضوهي خطه على خط الكراسة فتبين أن الخطين متقاربان وأنه يشابه إلى حد ما خط تقرير مضبوط في حافظة مصطفى مشهور عن القنصلية الفرنسية ونوقش عبد المجيد في ذلك فنفي كتابته للكراسة والتقرير كما أنكر معرفته لعادل وطاهر وندب خبير الخطوط بمصلحة الطب الشرعي الدكتور محمد إبراهيم شكري فحصها وقبل أن يقدم تقريره تبين أن اسم عبد المجيد قد أشير إليه في الكراسة رقم (28) على التفصيل السابق

فنوقش في ذلك فلم يجد بدا من الإقرار بأنه هو الشخص المقصود واعترف بأنه حرر الكراسة رقم (27) دون تقرير القنصلية الفرنسية وقد جاء تقرير الخبراء بعد ذلك مؤيدا له فيما قرره، من أن الكراسة مكتوبة بخطه وأن التقرير مكتوب بخط مغاير وعندئذ بدأ عبد المجيد بقدر وبشيء كثير من الاحتياط والتهيب في الإفصاح عن حقيقة الجمعية السرية الإرهابية التي كان ينتمي إليها ولكنه حتى ذلك الحين لم يكن يريد أن يفصح إلا عن أسماء من ضبط من أعضاء هذه الجمعية وهما أحمد عادل كمال وطاهر عماد الدين

بل أنه لم يذكر اسميهما إلا مضطرا إزاء مواجهته بالدليل المادي المستخلص من الكراستين المكتوبة إحداهما بخطه فقرر أن أحمد عادل عرض عليه في شهر رمضان الماضي أن ينضم إلى جمعية سرية من جماعة الإخوان المسلمين تعمل لنصرة الوطن والإسلام فقبل وتحمس للفكرة وأقسم على أن يضحى بنسه وماله في سبيل تحقق أغراض تلك الجمعية وأفهمه عادل أنه سيكون الصلة بينه وبينها

وعرض عليه مذكرات دنيية وأخرى في القانون الجنائي وقرر أن نسخة منها التي عرضها عليه أحمد عادل كمال وحدد له يوما لاختياره في القانون الجنائي وقرر أن نسخة منها التي عرضها عليه أحمد عادل كمال وحدد له يوما لاختياره فيماي تضمنته ثم ذهب بعد نحو أسبوعين إلى منزل عادل حيث وجد عنده طاهر عماد الدين، واختبره عادل بحضور طاهر في المذكورة

وإزاء هذه الظروف ضوهي خط كل من عادل وطاهر على الكراستين الأخريين الشبيهتين بكراسة عبد المجيد، وهما الكراستان رقما (28و 29) فلوحظ أن خط كل منهما تقارب خطح إحدى الكراستيني وندب خبراء الخطوط لفحصها فتحقق أن الأولى بخط عادل وأن الثانية بخط طاهر، وهما من راكبي السيارة الجيب التي ضبطت الكراسات الثلاثة مع جانب كبير من أوراق الجمعية السرية كما سبق.

وقرر عبد المجيد أن شخصا يدعى ضياء كان قد أفهمه أن قرار الحل هو بداية الجهاد في سبيل الدين وأن المرحوم النقراشي قد أصبح بعد إصدار هذا القرار عقبة في سبيل الدعوة وأنه يجب إزاحته من طريقها وأن كانت تتلى عليه أيات في الجهاد منها (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) و (إذا لقيتم فئة فاثبتوا) وغير ذلك ويقول عبد المجيد:

إنه أطلع بعد ذلك على بيان هيئة كبار العلماء وصار يقرأ القرآن في سجنه ويتلو الآيات التي وردت في هذا البيان عن تحريم القتل فتأثر تأثرا شديدا وأدرك أنه قد تنكب الطريق السوي وصار يردد هذا المعنى في التحقيق وهو يجهش بالكباء وأدرك أنه قد غرر باسم الدين ودأ يذكر بعض تفصيلات عن كيفية تدبير الحادث ولكنه يعزو حتى ذلك الوقت هذه التدبيرات إلى ذلك الشخص الذي أسماه ضياء (وتبيني فيما بعد أنه اسم مستعار لمحمد مالك يوسف).

ووقف الأمر فترة أخرى عند هذا الحد واقتصر عبد المجيد على القول بأن من حرضه على القتل هو ضياء هذا وأنه عرفه بترزي يسمى أحمد صنع له السترة العسكرية التي كان يرتديها وقت الحادث وظل يجهل شخصية هذين الاثنين إلى أن تقدم اليوزباشي رشدي لبيب معاون السيدة بتقرير جاء فيه:

إنه علم من التحريات أن صانع السترة العسكرية هو ترزي يدعي عبد العزيز أحمد البقلي وأنه خاط بنطلونها عند ترزي يدعي محمد سعيد.وتبين من تحقيق مصدر التحريات أن ترزي البنطلونات محمد سعيد كان قد أفضى لشخص يدعى مصطفى حسن يوسف وهو ترزي سابق، ويعمل عاملا في المطبعة الأميرية، ويتردد على محمد سعيد أفضى محمد سعيد لمصطفى بشبهته في أن يكون عبد العزيز هو الذي صنع البداية لقاتل النقراشي باشا وبني شبهته على أنه كان قد أحضر له قبل الحادث بأيام قليلة بنطلونا من الصوف الأسود.

وطلب منه أن يسرع بإنجازه فأنجزه له في يوم أحد وسلمه له وقال محمد سعيد لمصطفى حسن أيضا: إن عبد العزيز يتوقع القبض عليه في كل لحظة، وذهب مصطفى حسن إلى قسم السيدة ليبلغ بهذه المعلومات ولم يجد أحدا من رجال المباحث واتصل بمصطفى حسن في منزله، وأخذه هذا لمحمد سعيد، وأفضى له الاثنان بالمعلومات السابقة فقدم تقريره.

وبناء على هذا التقرير عرض عبد العزيز البقلي على عبد المجيد فنفي أنه هو صانع البدلة ولكن التحقيق لم يكتف بظاهر الأمر، بل حقق وقائع التقرير، فعرض البنطلون على الترزي محمد سعيد حسين بين بنطلونات أخرى مشابهة، فتعرف عليه من طريقة حياكته وقرر أنه كتب بالقلم الرصاص مقاساته على أحد جيوبه الداخلية وتبين صحة ذلك وجزم بأن عبد العزيز البقلي هو الذي ارسل له البنطلون المضبوط لحياكته وقد عرف ذلك من مميزات خاصة ببنطلونات عبد العزيز إذ أنه اعتاد أن يجعل جيوبها من القماش الأبيض وبطانة كمرها من فودرة أكمام الجاكتة.

وقال: إن اجتماع هاتين الميزتين جعله يجزم بأن البنطلون لعبد العزيز، ولم يسمع عبد العزيز أحمد البقلي إزاء هذه الحقائق إلا التسليم بأنه هو صانع البدلة، ووافقه على ذلك عامله مصطفى عبد المنعم المنوفي عند مواجهته به وكان قد نفى لك بادئ الأمر وعرض عبد المجيد على عبد العزيز فقرر هذا هو أنه صاحب البدلة، ووافقه على ذلك عامله مصطفى عبد المنعم المنوفى عند مواجهته به وكان قد نفي ذلك بادئ الأمر وعرض عبد المجيد على عبد العزيز فقرر هذا هو أنه صاحب البدلة.

كما قرر أن شخصا يدعي كمال السيد القزاز كان قد حضر له وأخبره بأنه سيبعث له بشخصين ليصنع لأحدهما بدلة ضابط بوليس وبعد يومين حضر عبد المجيد مع شخصين أخرين ودخل الدكان مع أحدهما وسلماه ثلاثة أمتار من قماش أسود فأخذ مقاسه من الدكان ثم أجرى له البروفة في اليوم التالي وسلم البدلة بعد ذلك لزميل عبد المجيد.

وقرر أنه يحتمل أن يكون قد سلمها له في يوم أحد وأن ذلك كان قبل حادث القتل بنحو خمسة عشر يوما ولم تكن نية عبد المجيد قد صحت حتى ذلك الوقت على الإفصاح عن الحقيقة كاملة وعلى الإرشاد عن شركائه كلهم، وكان يدرك أن تسليمه بأقوال عبد العزيز البقلي سيضطر إلى ذكر اسم ذلك الشخص الذي ذهب معه إلى دكانه فسئل فيما قرره عبد العزيز فنفي أنه صانع البدلة، رغم ما قرره عبد العزيز من وجود علامة أكيدة في الجاكتة.

إذ قرر أنه عندما ضغط بالآلة المسماة بالزمبة على الجيب الايسر للجاكته ليحدث ثقا لموضع الزرار، ضغط بها خطأ على حافة الجيب فأحدثت ثقبا في هذه الحافة وقد فحص هذا الجيب فوجد الثقب في أعلاه وقرر مصطفى عبد المنعم المنوفي عامل عبد العزيز أنه عرف الجاكته من نفس هذا الثقب.

كذا قرر عبد العزيز أنه طلب منه صنع بدلة لمازم ثان فأحدث بالزمبة ثقبا واحدا لموضع نجمة واحدة في الجانب القريب من الكتف في كل من الناحيتيني وتبين من معاينة الثاني في كل من الجانبين بمعرفة المحقق والطبيب الشرعي أنه أحدث بطريقة تقل في دقتها عن الطريقة التيأحدث بها الثقبين الخارجيين مما يدل على أن الثقبين الداخليين قد أحدثا فيما بعد بألة غير الآلة التي أحدث بها الثقبين الخارجيين.

رغم ذلك بقي عبد المجيد على موقفه ولكن نفسه كان يتفاعل فيها الندم والشك في سلامة تصرفه من الوجهة الدينية إلى أن أقتنع أخيرا على حد قوله بأنه قد غرر باسم الدين وأن من غرروا به ظلوا أحرار وتركوه هو في محنته ليتحمل وحده مسئولة هذه الجريمة الخطيرة هذا إلى أنه قد أدرك أن وجود هؤلاء الشركاء في الخارج مطلق السراح قد يعرض البلاد لأحداث أخرى ولنكبات أشد خطورة بدليل حصول حادث محاول نسف مبنى المحكمة.

كما أدرك أن تجهله شخصية ضياء جعل البوليس يعتقل كثيرا من الأبرياء وفكر في سجنه في اعتراف عبد العزيز بصنع البدلة فأدرك أن الحقيقة قد تكشفت وخاصة بعد أن ووجه بعبد العزيز وتحقق أنه اعترف بذلك حقيقة عند ذلك أدرك أن إنكار هذه الحقيقة لم يعد مجديا فصح عزمه على الإفضاء بهذه الحقيقة.

وقدم من سجنه في 22مارس سنة 1949 طلبا بيدي فيه أن يريد الإدلاء بمعلومات جديدة فاستدعى وبدأ اعترافه الأول وهو يتضمن واقعة تفصيل البدلة عند عبد العزيز البقلي وواقعة مالك حين طلب إليه أن يذهب إلى أحمد فؤاد الضابط ثم مقابلته لأحمد فؤاد حيث كلفه بشراء البدلة والأزرار والحذاء على نحو ما قدمناه.

حضرات المستشارين.. إن الأدلة واضحة ضد عاطف ومالك وأحمد فؤاد الذي قتل برصاصت رجال البوليس نتيجة هربه منهم وإطلاق الرصاص عليهم وجلال الدين يس الذي عهد إليه بالاشتراك مع عبد المجيد وشفيق أنس في تنفيذ الجريمة ولكنه عدل عن ذلك بحجة المرض وعبد الحليم محمد أحمد والسيد فايز الذي قبض عليه البوليس في مكتبة يوم (16 مارس 1949)

وقد حاول الهرب ولكن البوليس استطاع اعتقاله وقد تبين أن خط الأوراق المضبوط في قضية مقتل سائق السيارة الأرمني وقد أنكر معرفته بعبد المجيد ولما تعرف عليه قال:

إنه ربما رأه في المركز العام للإخوان كما تبين أن برامج الجمعية الإرهابية كتبت بخطة إضافة إلى أقوال عبد المجيد عنه التي تثبت اشتراكه في الجريمة وإدانته وسيد سابق الذي أفتى بمشروعية قتل النقراشي باشا بجماعة الإخوان وقيامه بوظيفة الإفتاء لهم واضحة من أقواله هو نفس فقد قرر أنه يتردد على المركز العام لهذه الجماعة.

واتصل بالشيخ البنا وعرض عليه أن يسافر مع متطوعي الإخوان إلى فلسطين ليفقههم في الدين فسافر معهم في منتصف شهر فبراير سنة 1948 إلى نقطة الريسة التابعة للعريش حيث مكث شهرين يصلي بالمتطوعين ويحدثهم في الشئون الدينية وعاد في شهر أبريل سنة (1948)

وعرض عليه الشيخ (حسن البنا) أن يشترك في تحرير جريدة ومجلة الإخوان فأخذ يكتب في المجلة أحكاما فقهية بعنوان طاقة الزهر حتى أغلقت المجلة في شهر نوفمبر سنة 1948 وكان يشرف على مكتبة الجماعة

وقال: إن مقالات طاقة الزهر كانت تتضمن شرحا لبعض الآيات والأحاديث والقصص والشعر وأحكام الفقه والفتاوي وكان يتلقى استفتاءات في هذه الموضوعات فجيب عنها في المجلة.وقد ضبط في منزله خطاب مرسل له من طاهر عماد الدين وهوأحد ركاب السيارة الجيب، وزميل عبد المجيد في الجمعية السرية.

وإضافة إلى ذلك فإن طاهر عماد الدين يعرف الشيخ سيد سابق ويتلقى عليه هو الآخر دروسا ويظهر أنها هي الأخرى دروس تخلط بين الدين والإجرام أو بعبارة أخرى تمهد السبيل إلى الإجرام عن طريق الدين يدل على ذلك الكراسات الثلاث رقم (27و 28و 29) المحررة بخط كل من عبد المجيد، وطاهر وعادل.

والتي تتضمن اختبارات في القانون، والفقه، والصلاة والوضوء، والطهارة، والدروس الروحية وحرب العصابات واستعمال الأسلحة والمتفجرات وكيفية الإجابة في حالة الضط وتعليل الصلة بمن يضبط المقبوض عليه وما يوجد معه من أوراق.

وقد سئل السيد سابق عن طاهر عماد الدين فقال: إنه تلقى منه خطابا خصا بسؤال من الأسئلة التي كان يستفتي فيها ولكن الظاهر أن علاقته لم تكن علاقة القارئ بالمحرر كما يريد أن يصورها بل هي علاقة أوثق في ذلك هي علاقة أحد أعضاء الجمعية الإرهابية بمفتي الدماء فيها وإلا فكيف تذكر اسمه هذا من مئات الأشخاص الذين ترد له منهم أسئلة ليجب عنها في المجلة إلى أن عبارة طاهر في خطابه تقطع

بأن السيد سابق هذا أستاذه ومعلمه يضاف إلى ذلك أن السيد سابق قرر في أقواله أنه كان يفقه متطوعي الإخوان في فلسطين في شئون الدين، وأنه كان من بين هؤلاء المتطوعين عبد الرحمن عبد الخالق وأنه استشهد في معركة دير البلج وعبد الرحن هذا هو صاحب الروح التي دخلت الجنة في سلة على ما سمع في كل كلمة قالها قد اختلق هذه الرواية اختلاقا ونسب صدورها إلى السيد سابق بل إن روايته في هذه الناحية طبيعية.

وقد صدق بسذاجة موضوعها عندما وعده الشيخ السيد سابق بالجنة إن قتل النقراشي باشا كما قاتل عبد الرحمن عبد الخالق يهود فلسطين وإن أردنا بعد ذلك أن ندرك قوة تأثير السيد سابق في سامعيه وفي أمثال عبد المجيد بالذات فلنرجع إلى أقوال هو نفسه التي يقول فيها إنه يجيد الخطابة ويجيد التأثير في سامعية.

ثم يرجع بعد ذلك إلى أقوال طاهر عماد الدين في خطابه له وهو يقول: أخي لقد هلكت فأصبحت مع العصاة والجاحدين أفتني بربك ولا تخف في الله لومة لائم إن الكلمات تقف في حلقي وةلاقلم يكتب بالرغم مني لتدنس طاهر عماد الدين هذا الشاب الذي علتموه كيف يتقي الله ويخشاه يا أخي من قبل وقاضي اليوم أني أكتب إليك.

ولم تمض على جبيني إلا ساعتان وربع بعد هذا الأمل الذي كان يملؤني في الجنة ورضوان الله، وما السبب؟ أضعفت إرادتي أم ماذا؟ إنني أعلل ذلك بأنني لم أقرأ وردي القرآني منذ شهر فهل هذا حق أم أنني كقول القائل: يكون بينه وبين الجنة ذراع فتغلب عليه شقاوته فتهوى به إلى النار؟

إن سني (22) سنة قضيت منها ما يقرب من ست سنوات في مرضاة الله ورضوانه فهل تمحو هذه السيئة هذه الحسنات أخبرني بربك كيف أكفر هذا الذنب وأخبرني بربك عن واقعة وقعت لجندي من جنود رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل واقعتي وعن حكمه فيها حتى يرتاح بالي، أرجو أن تكون قاسيا في حكمك ولا تأخذك بي رحمة هل أصوم النهار وأقوم الليل حتى يقضي الله في أمري؟ إني منتظر ردك، أسرع به فإنني لن أنام هذه الساعات والأيام ولم يدخل في فمي طعام ولن يفتر ثغري عن ابتسام حتى يأتيني ردك أفتني بربك فإني حائر.

ألا يدل هذا الخطاب بعباراته الصريحة على أن الشيخ سيد سابق كان يمسك بيديه مفاتيح الجنة والنار لهؤلاء الشبان الأغرار؟ وألا يدل على أنه كان يتحكم في نفوسهم ويوجههم كيف شاء حتى أن طاهر هذا في أشد اللوعة لسماع حكمه في زلته ليعرف بعده إن كان مصيره إلى النعيم أو إلى سقر.

حقا إلنه قادر على ذلك بلهو قادر على أن يفتي لعبد المجيد بمشروعية قتل النقراشي ثم يفتي في التحقيق بعدم مشروعيته فهو يقول لعبد المجيد في تبرير القتل (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) ولكنه يقول في التحقيق (ومن يقل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)

بل يقول كيف تكون الجريمة والفوضى جهادا في سبيل الله؟ وإنما الجهاد معلوم في كتاب الله وسنة نبيه وإن الاغتيال ليس واحدا في أنواع الجهاد فهل هناك ما هو أمعن في المراء والتضليل الذي سبق أن أشرنا إليه عند استعراض الأوراق المضبوطة في السيارة الجيب؟ والتي تفتى بمشروعية قتل من يعترض سبيل الدعوة والتي سبق ذكرها تفصيلا.

ومحمد نايل هذا المتهم يرد اتهامه عن طريق عبد المجيد بل إن التحقيق هو الذي كشف أمره ذكر عبد الرحمن عثمان في اعترافات المفصلة في قضية الاتفاق الجنائي كثيرا من الأسماء التي كان يستعيرها أعضاء الجمعية السرية وسئل بهذه المناسبة عمن كان يسيتعير اسم حسين وهو الاسم الموقع به عقد إيجاز المنزل رقم (25) شارع على يونس بشبرا

فقال عبد الرحمن: إنه يعرف شخصا يدعى محمد نايل كان يستعير اسم سيد حسين أو سعد حسين وعرض بناء على ذلك على صاحب المنزل محمد أحمد دياب وعلي حسن المغيث السمسار الذي توسط في تأخيره فتعرفا عليه وقال أولهما إنه رأه بين المترددين على هذا المنزل وأكد ثانيهما أنه هو نفس المستأجر الذي تسمى باسم سيد حسين وأنه حرر بيانات العقد بخطة ووقع عليه واستكتب المتهم بناء على ذلك خط عقد الإيجار.

فتلاعب في استكتابه تلاعبا ظاهرا سجله خبراء الخطوطفي تقريرهم وإزاء ذلك استحضرت أوراق أختياره بكلية الهندسة فزعم أنه لا يعرف إن كانت بخطة أم لا مما يقطع بسوء نيته وفاته إنها أوراق رسمية لا يجدي إنكار كتابتها وتبين بعد لك من تقرير الخبراء أن خط عقد الإيجار مطابق لخط هذه الأوراق الرسمية.

وسبق القول أيضا بأن محمد نايل محمود هذا قد وجدا اسمه في جدول خلايا السيد فايز وأمامه رقم (128) مما يقطع بأن عضو في الجمعية السرية وسبق القول أيضا أن الحديث في قتل النقراشي قد بدأ على لسان محمد صلاح الدين عبد المعطي بعد صدور أمر الحل في (8) ديسمبر وأن التدبير لكيفية ارتكاب الحادث قد بدأ في (18) ديسمبر فإذا كان الثابت من التحقيق أن هذا المنزل لم يستأجر غلا لستبدل فيه عبد المجيد وشركاؤه بملابسهم المدنية ملابس عسكرية وإذا كان الثابت أن محمد نايل قد استأجر هذا المنزل في (15) ديسمبر وقبل تفصيل بدلة عبد المجيد بثلاثة أيام فقط، فهل يكون هناك شك في أن محمد نايل وهو يعلم أن النقراشي باشا اعترض سبيلها أيما اعتراض بإصدار أمر الحل في (8) ديسمبر.

حضرات المستشارين والضباط العظام.

قولوا لهؤلاء القوم: إن الضلالة تلد الهوى وإن طريق الشر لا يمكن أن يوصل إلى الخير فالخير هو ذاته وسيلة وقاية لأنه قبس من نورالله والله جل جلاله غاية لا يمكن أن يكون طريقه إلا نورا وخيرا إن وجه الله أكرم من أن تكون هذه الكبيرة الشنيعة قد ارتكبت لمرضاته لا يسعها إلا وجه الشيطان

وهي مرضاة الشيطان لا لله نقدس وجهه وجل جلاله في أي زمان رأيتم جرائم بمثل هذه الخطورة اقترفتها هيئة تتحدث باسم الدين؟ لقد اراد القدر أن يضعنا بحيث نجد أنفسنا على حافة تطورات كبيرة ولكن هناك أمرا واحدا يتحدى كل تطور.

أمرا وجد قبل أن يوجد العالم وسيبقى بعد أن يزول العالم من الوجود، وذلك هو العدل العدل المنبعث من الخالق سبحانه وتعالى العدل الذي له في صدر كل فرد منا صدى والذي حبانا به الله ليكون مرشدا وهاديا والذي سيبقى بعد أن يصبح هذا العالم رمادا، يدافع عنا أو يتهمنا أمام الواحد الديان يوم يدعونا لتقديم الحساب وفقكم الله إلى أداء واجبكم وإنا لحكمكم العادل لمنتظرون.

مرافعات الدفاع

مرافعة أحمد السادة المحامي

فرض القانون فيما فرض ضمانا لحسن سياسة القضاء وإقامة العدل بين الناس ألا يتقدم منهم أ/ام هيكل قضائكم الجنائي دون أن يرافقه في هذه المرحلة الأليمة محام يتولى الدفاع عنه محام يشترك في شرف خدمة القانون ويرتفع عن أوسط المتهمين إلى الوسط الذي يفهم فيه معنى العدال كما تفهمونها ويتقدر أغراض الشارع التي وكل إليكم تحقيقها كما تقدرونها فيعرض عليكم المتهم كما يجب أن يعرض بريئا كان أم مذنبا ويصور لكما العواطف التي أجتلت نفسه.

وعصفت بوجدانه فأفقدته أسمى ما يتحلى به الإنسان إنسانيته وأرقى ما يطمح السمو إليه من فضيلة الرفق والتضحية والتسامح والتي لو سادت لما اجترم مجرم جرما ولما قامت الحاجة لنظام القضاء إن نفس القاضي وهو يجلس للقضاء عرضة لتنازع العوامل المختلفة والأهواء المتباينة بحكم مركزه يتبين مصاب المجني عليه فيتصور حال من أصابهم الجاني بجنايته ليقدر مبلغ أثرها فيهم وعليه أن يتبين نفسية المتهم وما تفاعل في نفسه من الأغراض والشهوات ومبلغا أثرها في حسن تقديره لما أقدم عليه.

على القاضي أن يحيط بهذا وذاك وهو بغير شك عرضة للأخطاء في التقدير بين مختلف هذه الأهواء والشهوات ومن هنا وجدت الحاجة إلى من يقيم الدعوى ومن يدافع عنها ليتفرغ القاضي إلى وزن ما يعرض عليه دون اجتهاد في البحث ما يجب أن يعرض.

لهذا كان شرف المحاماة عظيما بهذا المكان الأسمى الذي حلت فيه تحت هذا النظام ولهذا جئنا لندافع أمامكم عن هؤلاء المتهمين تقديرا منا لهذا الشرف يظن العامة يا حضرات المستشارين أن أعترف المتهم باجترام الجرم يخفف عبء القضاء على القاضي ويهون له سبيل الحكم في الدعوى لقد ضل العامة في زعمهم إذا أنكر الممتهم وأقيمت عليه البنية كان عمل القاضي هينا فهو لا يتقيد إلا بالعمل المادي وهذا قد أقيم عليه الدليل فلا ينبغي إلا توقيع العقبا فيوقعه القاضي وهو قرير العين طيب النفس في الخدمة التي أداها للمجتمع.

أما المتهم المعترف بجريمته فيتقدم لقاضيه وسريرته على كفيه ببسطها أمامه مطالبا إياه بأن يحل نفسه محله ويتصورها محوطة بظروفه وأن ينزل إلى دركه في الفهم وفي مبلغ أثر الحوادث فيه يطالبه بكل ها لأن القضاء لا يقوم إلا بتفهم هذا جميعه ومن أجل ذلك ترك لكم المدى الواسع بين أقصى العقوبة وأدناها والمفروض في جميع الأحوال أن الفاعل المادي واحد لا يجئ الفرق في الحكم إلا لاختلاف ما يفهمه القاضي من جميع تلك العناصر المختلفة، والأهواء المتباينة.

لهذا كانت مأموريتكم يا حضرات المستشارين والضباط العظام في حالة المتهم المعترف أشق وأدق منها في أي ظرف أخر حتى في حالة الجريمة التي يتعذر المتهم عنها بإحدى الشهوات كالانتقام والغيرة والسرقة للفاقة والغضب لعدم ضبط العواطف فإذا كان هذا هو حالكم في تبين الشهوات الأولية فكم يكون واجبكم أشق إذا كانت مقدمات الجريمة تشتبك فيها العواطف وتأخذ فيها الشهوات بعضها بأعناق بعض وتتناقض فيها الحالة النفسية للمتهم تناقضا لا يتفق مع النيتجة على ظاهر الحال، ولا يمكن فهمه إلا بالجهد والعنت.

إن النظريات الحديثة في علم العقاب تجعل أساس القانون الجنائي والضابط في كل ما يتصل به، من حيث المسؤولية أو العقاب قائما على حرية الاختيار لدى الشخص فإذا انعدمت لديه الملكات الذهنية أو النفسية التي تكفل له هذه الحرية بأن كل فاقد الإدراك أو الإرادة امتنعت المسئولية وإذا لم يكن المتهم فاقد الإدرا أو الإدارة امتنعت المسؤولية إذا لم يكن المتهم فاقد الإدارك أو اإدارة تماما بل كان ناقصها فيجب أن تتجرج المسئولية الجنائية تبعا لدرجة حالتها

واستشهد على ذلك بما جاء في كتاب الدكتور علي راشد ذلك هو أساس القانون الجنائي المتفق عليه في النظرية التقليدية الحديثة وفي المدرسة الوضعية أشد عناية بالجانب الشخصي للمتهم عند وضع سياسة العقاب فأوجبت مراعاة العوامل الداخلية اليت تصتل بالمتهم من ناحية تركيبه الجسماني أو العقلي من ناحية نفسيته وما تنطوي عليه من الميول والعادات والوسط والبيئة التي نشأ يعيش فيها وما يكتنفها من ظروف اقتصادية أو تعليمية أو سياسية أو غير ذلك باعتبار أن هذه هي العوامل الأساسية في أحداث الجريمة.

وهذه النظريات تنادي بإهمال فكرة التفكير عن الخطأ أو إرضاء الشعور العام بل إنها تستهجن إصطلاح كلمة عقوبة لما تنطوي عليه هذه الكلمة من معنى الأذى والانتقام وتستعيض عنه بإصطلاحات أخرى تبرر بصفة خاصة معنى الإصلاح والتقويم مثل وسائل العلاج وإجراءات الوقاية لتكون الأساس في عدم عودة المجرم إلى الجريمة وإصلاحه وتقويمه.

والمتفق عليه أنه لا يعتد في تحديد العقوبة من حيث نوعها أو قدارها ولا في تحديد وسائل العلاج أو بمقدار جسامة الفعل المادي أو خطورة الجريمة التي ارتكبها المتهم، ولكن يجب أن تكون وسائل العلاج من حين نوعها ومقدارها ملائمة لحالة كل منهم على حدة بحيث تكون حالة المتهم الخاثة والظروف الشخصية المحيطة به أثرا في تشديد العقاب أو تخفيفه أو إيقاف تنفيذه أو حتى الإعفاء من العقاب إطلاقا.

على هذا الأساس قامت التشريعات الحديث كلها خصوصا التشريعات في البلاد الديمقراطية كما أعتنق هذه النظريات أيضا كبار رجال الفقه المعارصرين مثل جارسو وجارو وسالني أوخذ بها الاتحاد الدولي للقانون الجنائي وإن قيام المسئولية في حق الجاني لا يعني عدم التعرض إلى الباعث على الجريمةي أو إغفالها عند النظر في سياسة العقاب أو تحديد المسئولة الجنائية فإن كثيرا من النظم التشريعية تقوم على أساس الاهتمام بالباعث لدى المتهم في ارتكاب الجريمة وتدخله في تقرير ال ركن المعنوي وتفرق بذلك بين المتهمين وخطورتهم بحسب نزعاتهم وهذه النظرية لا شك في صوابها ومطالبتها لحقائق الأشياء.

والمشروع المصري نفسه عندنا لم يشذ مطلقا عن هذه النظرية وهو لا يغفل الباعث عن وضع سياسة العقاب وتقدير المسئولية فهو يرتب العقوبة بين حدين أقصى وأدنى يتراوح بينهما تقديرالقاضي بحسب ما يراه من حالة كل منهم على حدة، كما أنه يصنع نظام تخفيف العقوبات للمادة (17) مراعيا في ذلك ظروف كل منهم الشخصية كذلك الشأن في أحكام الأعذار القانونية المخففة أو المشددة كما جعل المشروع المصري الظروف التي ارتكب فيها الجريمة من الاعتبارات التي يصح أن يستند إليها القاضي للحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة.

وقد أوجد التشريع الإيطالي ما هو معروف بنظام العقوبات المتوازنة ومقتضى ذلك تقرير عقوبتين مختلفتين للجريمة إحداها أخف وأرحم من الأخرى تطبق في حالة ما إذا كان الباعث على الجريمة شريفا.

ويقترن من ذلك نظام العقوبات المزدوجة في فرنسا وهو نظام وجد منذ سنة (1938) قصد به أن يعامل المرجمون السياسيون بعقوبات أكثر اعتدالا من العقوبات المقررة للجرائم العادية.

حضرات المستشارين إن المتهم الموجهة ضد الإخوان المسلمون نكتفي للرد عليها بالحديث الذي نشره المرحوم الشيخي حسن البنا في جريدة الإخوان في مايو سنة (1948) الذي يتساءل فيه الشيخ البنا عن سبب انحراف الإخوان عن خطتهم كما يزعم البعض فأجاب عن هذا السؤال بأن الإخوان لم ينحرفوا عن خطتهم التي ساروا عليها منذ بدأت دعوتهم إلى الآن وهي دعوة إسلامية والإسلام كما نعلم دين ودولة ومجتمع وقد واجه الإخوان بعد الحرب ظروفا للعمل للقضية الوطنية فلم يجدوا بدا من أدائها فإذا كان بعض الناس يرى في ذلك انحرافا إلى السياسة فإنهم لا يرونه إلا أداء للواجب الوطني الذي يفرضه الدين.

إنه ليتبين من هذا الحديث أن السياسة كانت تلازم الدعوة إلى الدين منذ بداية الفكرة في تكوين الإخوان وأعتقد أن الفكرة قد بدأت سياسية قبل أن تبدأ دينية وإن الدين كان وسيلة لتحقيق هذه الغاية وإننا لنرى أثر التدين في المتهم عبد المجيد حسن منذ نشأته فقد بدأ المتهم حياته مضطربا فقد فارق سم الرضاعة وحتى وصوله للسنة الرابعة من عمره،

لم يكن يقوى على النطق أو الكلام على غير المألوف ثم انتابته حالات شاذة في المرحلة التالية من عمره إذ كان يقضي فترات وهو في حالة سرحان، وعند ما بلغ سنة الثامنة بدأ يتدين ويقوم بالصلاة وساعده على لك أن البيئة التي نشأ فيها كانت بيئة متدينة فأهل منزله جميعا يؤدون الفرائض الدينية وقد جاء على لسان السيدة والدته أنه8ا أيقظته يوم الحادث

وهو وشقيقه الساعة الخامسة صباحا من يوم (28) ديسمبر أي في منتصف الشتاء ليؤديا صلاة الفجر الحاضر واستمر المتهم على هذا الحال حتى أتم دراسته الابتدائية فلما انتقل إلى المرحلة الثانوية من الدراسة وكان ذلك في مدرسة فؤاد الأول في سنة (1940) تقريا اهتم بتأدية الصلاة فيها اهتماما لفت نظر ناظر المدرسة لما كان يوحيه إلى أقرانه وكان موضع إعجابه.

وفي سنة (1942) التحق بجماعة (الإخوان المسلمون) بوصفها جماعة دينية تعمل على تطبيق أحكاما لدين الإسلامي وتعاليمه واستمر يؤدي واجباته الدينية في المدرسة.

أما في خارج المدرسة فكان يتمسك أيضا بأهداب الدين، وقد قويت عنده النزعة حتى لفت نظرأهل الأسرة إلى تصرفاته الدينية وقد قرر شقيقه بصحيفة (366) تحقيقات بأن (الناحية الدينية كانت متسلطة عليه، فكان يرفض أن يخرج مع إخواته البنات يرفض أن يلبس قميصا نص كم وغير ذلك)

وكان يزهد التأنق ولا يسعى للتزين إطلاقا وما يشتري له يرتديه دون تردد أو اعتراض وقد تجسم الاعتقاد الديني عنده بعد ذلك وأصبح يؤذن في جامع حدائق القبة وحتى في صلاة الفجر المبكر ويؤم المصلين وفي يوم الجمعة يذهب إلى الجامع ويكنس الجامع ويفرش الحصير فيه بنفسه ويخطب في المصلين ثم يؤمهم وقد ترتب على انصرافه إلى المسال الدينية أن أهمل دراسته فرسب في الامتحان مما أدى إلى تدخل أسرته وأرغموه على دراسته وكان ذلك هو في السنة الخامسة من الدراسة الثانوية.

ونؤكد بتقرير الدكتور مصطفى الباجوري من أنه لاحظ أن المتهم بعد وفاة والده أصبح ميالا للعزلة وكان قد بلغ الذروة في ذلك الوقت في تلعقه بجماعة الإخوان وأما عن أخلاقه وطباعه فنذكر أقوال والدته من أنه كان دائما صامتا وأقوال شقيقتيه من أنه هادئ الطابع وعمره ما زعق وقول زوج خالت عنه إنه كان دائما متباعدا..

وبعد فإن المتهم كان في حالة ماليخوليا وهي حالة هدوء شديد أو بعبارة أخرى حالة قابلية لطلاعة فهو متدين تدينا شديدا، وهذا العنصران هما اللذان يتطلبهما الشيخ البنا، وأقوال الأطباء النفسانيين في أصحاب هذه الحالة والأعراض التي تظهر عليهم وتصرفاتهم في الحياة واضحة وقاعطة بأن هذه الحالة تؤدي بهم إلى قتل العظماء

سواء كانوا من رجال الدولة أو من رؤساء الكنائس ونضيف إلى ذلك ما قاله الدكتور شكري حسن كامل عن حالة عبد المجيد إنه كان ينام على الأض ويرفض النوم على السرير تعذيبا لنفسه وذلك بعد يقظة ضميره وكان يبكي بكاء مريرا وامتنع عن أكل الحلوى، وكان يتمنى توقيع أشد الجزاء عليه.

حضرات المستشارين إن ما جاء في كتاب المسؤولية الجنائية للدكتور مصطفى القللي عن تطور التشريع الجنائي بعد سنة (1937) وبعد أن كان يعاقب على الجنون أو العتة، أصبح ينص في الفقرة الأولى من المادة (62) على أن تأثير المسئولية تشمل أي عاهة في العقل فدخل في ذلك جميع الأمراض العقلية التي كشفها الطب النفساني.

ولا يهم أن يكون المرض مفقدا المسئولية أو منقصاي لها فقد تكون حلاتنا مع ظروف المتهم كان لها تأثير على إرداته في ناحية تدينه ولعل ثبات يقظة ضميره واستنكاره للجريمة واعترافه على شركائه ما جاء إلا وليد التأثير عليه.

ولعل ما قضت به محكمة الجنايات في قضية مقتل الخازندار بك عن الصراع الكامن وأنه أثر في مسئولية المتهم بأن أنقصها بحسب معايير الذكاء التي استخدمت إلى (16 سنة أو 17 سنة) وقضت بالأشغال الشاقة المؤيدة بعد ذلك، لما يقطع بأن هناك من الأمراض ما ينقص من المسئولية الجنائية ولا يعدنها نهائيا وأصدرت محكمة النقض أخيرا حكما يجعل من الواجب على المحكمة أن تحيل المتهم إلى الفحص الفني.

إن بيئة المتهم وظروفه الخارجية وحالة مصر وظروفها السياسية وأنها اليوم غيرها بالأمس فتوجد الآن حركة فكرية انبعثت روحهافي نفوس المصريين بعد ما تقلبت في أطوار شتى، فاستيقظوا وأصبحوا أرقى شعورا وإحساسا وأعرف بحقوقهم الاجتماعية وواجباتهم الوطنية وقد نشا المتهم في هذا الوسط ومصر تعمل جاهدة لتنال حقوقها وحريتها وما زالت تعمل في هذا المضمار فلقد تدخل في السياسة والحزبية

وأننا أصبحنا نسمع بألوانهم الحزبية في الكليات والمدارس وبمعنى أخر إباحة النقد السياسي للطلبة ونستشهد بما قرره السيد فايز أحد المتهمين في التحقيقات حين سئل عن نوع انغماس جماعة الإخوان في تيار السياسة، حيث قال:

بدت لي أنها بدأت تتطاحن مع الأحزاب، وكان يجب أن تكون فوق كل ذلك وكذلك كانت تتطاحن مع الحكومات القائمة مع أنها لم يكن لها موقف حزبي خاص وكان يجب أن يكون موقفها توجيهيا فقط كما أني لاحظت أنه من أثر هذا التغلغل السياسي أن الشباب في الجماعة التي انتمى غليها أخيرا كان مندفعا أمام العاطفة الوطنية الممزوجة بعاطفة إسلامية، وعلى هامش الروح الإسلامية، ومعنى ذلك أن هذا الشباب كان مندفعا إندفاعا عاطفيا من غير تمكن من الفقه الإسلامي ولهذا كنت غير راض عن هذا التطور.

هذه هي البيئة التي ترعرع فيها المتهم ولا شك أن أثرها واضح في تهيئة النفوس وتكوينها تكوينا يغاير ما هو عليه في الدول المتمتعة بحقوقها ويقظة الشعب ورقابته لكل تصرف من تصرفات قادته وزعمائه في كل صغيرة وكبيرة إضافة إلى أثر الأحكام العرفية وكيف أنه حد من الحريات وخاصة حيرية الرأي والنقد لرجال الحكومة فإنه لا شك في ان هذا الحد يولد كبتا في الشعور وهذا الكبت لابد أن يكون له رد فعل تتفاعل فيه الغرائز وتندفع اندفاعا لا شعوريا نحو رد ذلك الحائل خصوصا إذا ما وجد ما يستدعي نقدا محرما بحكم تلك الأحكام.

وكذلك فإن الحرب عامل لاختلاف التوازن الضروري لضبط النفس لدى الجماعات، لتوجيهها نحو هدف واضح معين وهو ما يعرض الشعوب في أعقاب الحروب إلى الاضطراب والتطورات فينجم عنها تغيير كل في أنظمة الأمم التي ألفتها كما حث في إيطاليا وفي ألمانيا بعد الحرب الأولى، وكما حدث في الإمراطورية البريطانية نفسها التي تعد ارسخ الأمم في السياسة فقد اصيبت بتغيير جوهري فيما أسموه بالمستعمرات والدول العربية ومن بينها مصر فكان لها جميعا نصيب في الأوضاع التي حققتها جهودها وانتهت بوضع الدستور وإذن فللحروب أثر عميق في نفسية الشعوب.

إننا لا يمكن أن ننكر تأثير كل ذلك في عواطف المتهم فما جاء في أقواله ردا على أسئلة النيابة في التحقيق عن الظروف التي كون فيها فكرة القتل فقا: إن الفكرة نبتت عنده في جملة ظروف أولا موضوع السودان: فالنقراشي باشا لم يقم بأي عمل إيجابي وثانيا فلسطين فإنها ضاعت وأخذها اليهود وهذا يرجع غلى تهاون النقراشي باشا

والعامل الثالث أنه اعتدى على الإسلام فشرد الطلبةفي الكليات وحل جماعة الإخوان وما يتصل بها من شركات كل هذه العوامل كانت تجيش في صدر المتهم ولا شك في أنها عوامل استفزاز لعواطفه على ارتكاب الجريمة، ونستدل في صدد الاستفزاز والانفعال والتهيج بما قاله (فوستان هيلي)

من أن استمرار الانفعال والتهيج لا يمكن حصره ولا تحديده بحدود معينة لأنه في أغلب الأحيان يبقى ويستمر بعد حدوثه فيبقى الفاعل كألة يحركها سلطان الغض وما دام هذا حاله فإن فعله لا ينفذ على حالته الأولى وما دام الاندفاع الوجداني لم يسمح له بالتفكير فلا وجود عنده لتبص ولا روية.

هذه نظرية علماء النفس وفلاسفة الأخلاق فيما يختص بالأشخاص ذوي الأمزجة المعتدلة والإرادة السليمة فإذا طبقناها على حالة المتهم، وفي حالته كان الانفعال النفسي وتخدر الإرداة أو ضعفها في هذه الحالة أظهر وأوضح بكثير.

إن مسألة الاضطراب العصبي وتهيج الحواس، وإن كانت من المسائل التي جعل القانون تقديرها موكولا لرأي القضاء إلا أنها في الحققة من المسائل الفنية التي يقال بحق إن الفصل فيها من اختصاص علماء الطب والحكمة وألئك الين دفعوا أنفسهم للبحث في قوى النفس والعقل وحقيقة الإرادة والإدراك وراتباك القوى بما يصدر عن الإنسان من الأفعال والأقوال لذلك يجدر بنا أن نأتي بكلمة لأخذ هؤلاء الحكماء فيما انتهى إليه بحثهم في هذا الموضوع وهو الدكتور دي بلوزول في مقالة نشرها بتاريخ (10 أبريل سنة 1910) في مجلة الأطباء بباريس تحت عنوان الحساسية الأدبية والجريمة.

إن الأشخاص الذين يرتكبون جريمة وهم في حالة انفعال الحساسية وتهيج الشعور يظهر لنا أنهم ليسوا بمسئولين تماما عن عملهم حتى ولو لم يكن عندهم اضطرابات في العقل لأن إرادتهم قد يغلب عليها التهيج والانفعال فضعفت عن المقاومة، وقد يساعد على ضعفها أنهم في أغلب الأحيا يعتقدون أنهم يعملون عملا مشروعا.

حضرات المستشارين: لقد تعهدت الحكومة حركة الإخون منذ بدايتها وعطف عليها حتى ترعرعت ونمت ووصلت إلى الغاية التي كان ينشدها زعماؤها ونستدل على ذلك بأقوال الشيخ حسن البنا في قضية مقتل الجازندار بك عن أهداف الجماعة وتلا هذه الأقوال وما قاله عمار بك من أنه في سنة (1947) رئى غلق شعب الجماعة فأغلقت ثم رئى لها بعد ذلاك أن تفتح ففتحت.

وأنه بصفته ممثلا للأمن العام كان معارضا في هذا الفتح أي أن السياسة العليا رأت ذلك فنفذ ذلك ولم تتخذ أي احتياطات لضمان عدم العودة لأسباب الغلق وأن وزارة الداخلية بصفتها المهيمنة على شئو الأمن العام كانت على علم تام بحركات الجماعة وثكناتها.

إضافة إلى أنه لم تكن هناك معسكرات للتدري سوى معسكر هايكستب الحكومي ولكن بالرجوع إلى مقتل الخازندار بك يتضح أن هناك معسكرات كانت في حلوان وفي غيرها لتدريب الإخوان وقد كانت الحكومة هي المصرحة لهم بذلك.

يا حضرات المستشارين: إن الإمام حسن البنا ما من شك في أن شخصيته كزعيم لجماعة الإخوان المسلمون كانت شخصية فذة لها أثرها في حماسة الجماهير والأخذ بلبهم خصوصا ذلك الأسلوب الديني الذي اتبعه وتوجيه الفكر إليه وأن الغرض منه هو إقامة حدود الله وكيف كان قادرا على الاستشهاد بالآيات القرآنية.

والأحادين الدينية للتدليل على فكرته ومعلوم أن مبلغ تأثير القرآن أفصح من البيان وأن من البيان لسحرا ويكفي الرجوع إلى التصريح الذي استنكر فيه الجريمة لتتلينوا فيه قوة وجزالة اللفظ ولقد ثبت أن المرحوم الشيخ حسن البنا عندما قتل كان يبلغ من العمر (42) سنة فإذا كانت دعوته قد بدأت منذ (1925) كما هو ثابت من الأوراق فمعنى ذلك أنه بدأ دعوته ولديه من العمر حوالي (17) سنة ولا شك في أن من يقوم بهذا العمل وفي هذه السن المبكرة لابد أن ينطوي على شخصية فذة.

ونمت جماعة الإخوان إلى أن بلغت الألوف من التابعية لها ومنهم ذوو الشخصيات الاجتماعية من أطباء ومحامين ومهندسين وسياسيين وموظفين والمثل الذي ضربه عبد المجيد أحمد حسن عن الخطبة التي خطبها في الجامعة الأزهر وكيف أن جمهور المصلين تحمسوا وخرجوا في شكل مظاهرة بزعامته واصطدموا بالبوليس اصطداما أدى إلى قتل ثلاثة منهم.

ولعل أبرز مثل يضرب على مدى تأثير الشيخ حسن البنا حتى بعد وفاته ذلك الذي حاول الانتحار بعد أن عجز عن تنفيذ ما كلف به من قبل الجماعة.

إننا تبينا من دراسة النظم التي وضعها الشيخ البنا لجماعة الإخوان والمراحل التي يمر بها الشخص أنها تشبه تماما تلك النظم والمراحل التي كانت متبعة في نظام طائفة الإسماعيلية تلك الطائفة التي تكلمت عنها دائرة المعارف الإسلامية فقالت إنها فرقة من غلاة الشيعة، وهم جمعية سرية سياسية أصلهم من بلاد فارس ظهروا في سنة (840) ميلاديه ثم انتشروا في بلاد العرب وسوريا وأفريقيا وهم ينسبون إلى اسماعيل بن جعفر الصادق لأنهم قالوا بإمامته، وكانوا يقصدون تشويه عقل الطالب ويعلمونه معنى مكتوبا عن القرآن ولذلك سموا (الباطنية)

وفي المرتبة الثانية كانوا يعلمونه معرفة الأئمة المقامين من الله الذين هم مصدر كل معرفة وفي المرتبة الثالثة يعلمونه عدد الأئمة المذكورين الذي لا يمكن أن يتجاوز السبعة كما علمت وفي المرتبة الرابعة يعلمونه أنه منذ ابتداء العالم وجد سبعة مشترعين إلهيين وهم الرسل السبعة المعروفو بالفطناء بالشريعة، وكيفية إقامتهم للشرائع وفي المرتبة الخامسة يعلمونه أن لكل واحد من السبعة المستورين.

وهم المساعدون في شريعة الرسول الكبير رسولا لأجل الإيمان الحقيقي وفي المرتبة السادسة كانوا يفحصون السننن الإسلامية وفي المرتبة السابعة كان التلميذ ينتقل من الفلسفة إلى الأسرار، وفي المرتبة الثامنة كانوا ينورون عقله تنويرا تاما بسمو جميع الأنبياء والرسل، ثم يدخل في المرتبة التاسعة التي يمر بها ينقاد انقيادا أعمى لأوامر رئيسه.

ولقد قويتي شوكة حسن بن الصباح جدا، واستولى على هوى اتباعه كل الاستيلاء حتى إن السلطان لما أرسل إليه رسولا يطلب منه الطاعة دعا ابن صباح بعض أتباعه وقال أحدهم أقتل نفسك ففعل وقال للآخر أرم بنفسك من الحصن فرمى بنفسه ومات،

ثم ألتفت إلى الرسول وقال له: قل لمولاك هكذا يطيعني سبعون ألفا من الرعايا والأمناء وبقى ابن الصباحفي القلعة المذكورة (35) سنة لم يظهر فيها على سطح قصره إلا مرتين، وهناك قسم طائفته إلى (3) رتب الدعاة والرفاق والفداوية فالدعاة كان عملهم أن يدعوا الناس إلى مذهبهم ويرشدوهم إلى تعاليمهم والرفاق هم الذين دخلوا في مذهب وخضعوا للسلطة الدينية والفداوية هم الذين يستعملهم الرئيس في قتل أعدائه غدرا وبذلك يأخذونه فدية أنفسهم على الاستماته في مقاصد من يستعملهم وإن أقل مخالفة تكون سبب لوقوعهم تحت العقوبة والمسئولية إلى الابد وإن لم يبدر منهم خالفة يكون جزاؤهم الجنة.

ويلاحظ أنه لم يلقب أحد منهم بسلطان أو أمير، وهذا الحال ينطبق تماما على نظام الإخوان من ناحية الوصول إلى التأثي الروحي أو الإسلامي والتدرج في هذا التأثير حتى يفقد الشخص وعيه تماما إن للنفس أسرارا شتى يصعب جدا حصرها في كيفية محدودة أو اندماجها تحت قاعدة عامة لأ،ها تختلف باختلاف الأمزجة والطبائع وباخلاف كل فرد عن الآخر.

ولما كانت الإرادة هي مناط التكليف وعلى قدر إطلاقها أو تقيدها تكون المسؤلية وجب النظر فيها وتقديرها في كل إنسان على حدة باعتبار مشخصاته الذاتية ودرجة قابليته للتأثير والانفعال.

وإن من أسس المسئولية الجنائية الاختيار أي كون الشخص حرا في إن يأتيا الفعل أو لا يأتيه فإذا لم يكن حرا في إتيان الفعل المكون للجريمة فهو مكره عليه فالإكراه هو ما يواجه الشخص من مؤثرات داخلية أو خارجية يكون من شأنها إما إعدام إرادته إعداما تاما أو إضعافها قد لا يجد معه مناصا من ارتكاب الجريمة فيرتكبها رغما عنه.

والإكراه إما مادي أو معنوي أما الإكراه المادي: فهو كل فعل من شأنه إعدام الإرادة ودفع الشخص لارتكاب الفعل المنهي عنه دون اختار منه ولنذكر ما جاءفي هذا الصدد في كتاب (المسئولية الجنائية) للدكتور القللي من أن الإكراه المادي يختلف مصدره فقد يكون ناشئا عن فعل الطبيعة أو عن فعل حيوان أو عن فعل إنسان ومن أمثلة الإكراه الناشء على فعل إنسان حالة المنوم المغناطيسي إذا أمر النائم بارتكاب جريمة فنفذ أمره وهو نائم.

وإن من بين هذه المراحل نشأة المتهم الدينية فقد غرس الإيمان في قلبه وانضمامه إلى جماعة الإخوان وعمره (15) سنة بما جاء في شهادة عبد الرحمن عمار بك وكيل الداخلية السابق، من أن كان يحضر اجتماعات الإخوان المسلمين، وعندما كان مديرا للقليوبية في سنة (1944) لتشجيعهم ودلل بذلك على تشيجع الحكومة للجماعة وحتضانها لهم

كما استشهد على ذلك بمقال للأستاذ العقاد في جريدة الأساس لسان حال الهيئة السعدية وكان كل هذا من بواعث التأثير في المتهم، فاستجاب في يسر إلى الدعوة وانضم إلى الجماعة وتلا ما قال المتهم في التحقيق من أنه ارتكب الحادث من شدة التأثير عليه، وأن الإغراء كان واقعا على المتهم من قبل ارتكاب الجريمة بنتحو عام ومعنى ذلك أننا نخلص بنتيجتين الأولى أن عبد المجيد وصل في سنة (1945- 1946) إلى منتهى الطاعة العمياء لقادته في الجماعة

وانسجمت طباعه مع أوامرهم فوصل إلى رياسة فريق الجماعة بمدرسة فؤاد الأول وأما النيجة الثانية: فهي معرفة طباعه وأخلاقه وكيانه عن طريق الدراسة في نظام الأسرة ومضى فقال إنه إذا عجز المواطن عن قدرته على الحكم حكما صحيحا على الرجال والآراء سهل على الديماجوج تسخيره لأغراضه وقد يكون مسرحا أو سينما أيا كان الديماجوج فهو الذي يوجه الراي العام على هواه ووفق مطامعه والمرحلة الثانية التي مر با المتهم من مراحل التأثير فلنذكر ماقاله في التحقيق فيما يختص باجتماعه بأحمد حجازي أفهمه أن دعوة الإخوان نجحت تماما ولا ينقصها لكي تصير مشابهة للدعوة المحمديةي إلا الجهاد وأن الإخوان لم ينسوا هذا الباب أيضا وأنهم سيبدأون في تنفيذه.

حضرات المستشارين:

فلنستوعب في فهم عميق وإدراك واع ما قاله المتهم في التحقيق ذكر أن البيعة هي السبب في إنشاء فرق النظام الخاص وقد قيل له في أثنائها إن رمز الإسلام هو المصحف والسيف كان قديما.. أما اآن فالمسدس وكان أمام عبد المجيد في أثناء البيعة مصحف ومسدس على حد قوله.

وأن أول حديث عن الجهاد بالسيف كان في هذه البيعة وأن الغرض الذي قصد إليه هو الجهاد بالسيف دون تفسير لمعنى الجهاد يضاف إلى ذلك التهديد بالقتل لكل من أفشى سرا للجماعة بقصد أو بغير قصد:

وبعد فلنرما كان يفتي به الشيخ سيد سابق لأعضاء هذه الفرق من أن الجهاد في صورته التي رسمها الإخوان من الحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء ومن ثم فلا عقاب طبقا للمادتين (6و 7) من قانون العقوبات إضافة إلى قول المتهم من أنه اعتقد بمناسبة حرب فلسطين أو وقت الجهاد الذي أعد له ودرب عليه قد أقترب وأنه سيرسل مع زملائه إلى فلسطين ولكن القيادة لم ترسلهم ولما زاد الضغط على القيادة من الأعضاء

قالت لهم: إن الصهيونية ليسوا في فلسطين فحسب بل في كل مكان وفي مصر أيضا فإنه على أثر ذلك بدأ نشاط أفراد النظام الخاص يظهر في مصر ضد اليهود، ومن هنا بدأوا يفكرون في مشروعية اغتيال رجال الأمن الذين كانوا يصطدمون بهم إبان جهادهم ضد اليهود.

فأما عن المرحلة الثالثة وهي الأخيرة التي ارتكب فيها المتهم جريمته فإن المتهم حينما وصل إلى هذه المرحلة كان فاقد الإرادة تماما، مسيرا بما يمليه عليه الإخوان.

ولعل سوء الحظ الذي لقيه هو ميله للدين وانخراطه في سلك الضباط الاحتياطيين وانضمامه لجماعة الإخوان ولقد كان في خلال المدة من (18) ديسمبر حتى يوم ارتكاب الجريمة آلة تماما في أيدي قادته ليس له اختيار أو رأي في شيء.

وفي النهاية إن الجرائم السياسية بصفة عامة هي الجرائم التي تنطوي على الاعتداء على نظام الدولة السياسي سوا من جهة الخارج أي المساس باستقلال الدولة وسيادتها أو من جهة الداخل أي المساس بشكل الحكومة أو نظام السلطات العامة، أو حقوق الأفراد السياسية لمساس ذلك بالدولة أي بالنظر إلى موضوع الحقوق المعتدي عليها.

وكان من مظاهر هذا النظر اختصاص المجرم السياسي بأقصى أنواع العقوبات التي قد لا تقف في بعض الأحيان عند شخص المتهم أو أمواله بل تتعداه إلى أقاربه وأسرته وهذه السياسة لا تقوم إلا في البلاد التي تعيش في نظم ديكتاتورية تلك النظم التي تقوم على تقديس الدولة وما يتصل بها ولو على حساب الأفراد.

ولكن نمو الروح الديمقراطية أدى إلى تقدير الجريمة السياسية بميزان يخالف الميزان السابق ويناقضه فيجب النظر إلى البواعث التي انساق المتهم تحت أثرها إلى ارتكاب جريمته فقد تكون هذه البواعث تبلغ من نفس المتهم مبلغ الإيمان عقيدة فيصبح المتهم يعتقد ي رسالة يرى نفسه ملزما بأدائها تحقيقا لما يراه أنه خير عام في تقديره هو وقد يكون هذا هو تقدير المجتمع نفسه لتلك البواعث في ظروف معينة.

لأن نظر المجتمع إلى الأعمال التي ترتكب بدافع سياسي لا يظل دوما على حال فمن الأعمال التي تغيرت الظروف وهذا غلى أن المسألة في هذا الشأن كثيرا ما تكون متوقعة على ما يحصل عليه المجرم السياسي من نتائج وقد يفلح في غايته وعند ذلك لا شك في أن عمله يسبغ عليه صفات البطولة والزعامة ويهدر عنه صفة الجريمة والإجرام وكل ذلك يقتضي بحكم الضرورة مراعاة الرفق واللين في مؤاخذة المتهم السياسي.

على هذا الرأي تسير التشيعات الحديثة ومنها التشريع الفرنسي ففي فرنسا وضعت عقوبات ممتازة أكثر رحمة واعتدالا للجرائم العادية، وانتهى الأمر عندهم إلى إلغاء عقوبة الإعدام وإخضاع المجرمين السياسيين لمبدأ عدم التسليم وهذا هو الراي نفسه عندنا

فلا يجوز تسليم المرجمين السياسيين لهذا السبب وهذا المبدأ قد حرث عليه المشروع فنص عليه في الدستور المصري في المادة (151) وتأيد بالاتفاقات الدولةي المتعددة مثل اتفاقية مصر والعراق ومصر وفلسطين قبل الانقلاب وغيرهم كما أن المرسوم بقانون (163) جعل للمتهمين في الجرائم التي ترتكب بطريق العلانية امتيازات خاصة عند تنفيذ العقوبات عليهم، لا يتمتع بها غيرهم من المتهمين العاديين.

مرافعة أحمد رفعت المحامي

سمعت في هذه القاعة وصفا متكررا لما جاء عن لسان جلال في التحقيقات فقد وصفت أقواله بأنها اعترافات قيل هذا في مناسبات متعددة على لسان الينابة تارة وعلى لسان بعض زملائي تارة أخرى وردده الصحف وهو وصف خاطئ ولكنه مع ذلك تكرر وانتشر حتى أصبحت أخشى أن يترك أثرا في تحديد مركزه من الدعوى فجلال لم يعترف بجريمته لميقل إنه قتل لم يقل إنه اشترك في حمل السلاح وتلك هي التهم الثلاث التي تدور عليها القضية الحالية إنما أدلى جلال لسعادة رئيس المحكمة بأقوال حين استجوب في (31 يوليو سنة 1949).

هذه الأقوال تناولت وقائع معينة وتناولت نشاطا ضئيلا قام به وهذه الوقائع وهذا النشاط لا ينطويان على جريمة من هذه الجرائم التي تقوم عليها القضية ولعل القول بأن جلال معترف إنما جاء بسب أن باقي المتهمين معه فيما عدا عبد المجيد قد فضلوا لسبب أو لآخر أن يلتزموا خطة الصمت فكان جلال وقد فتح فمه وتكلم بمثابة المعترف بجانب المنكرين.

كان عبد المجيد المهم الأول قد أدلى باعترافات كثيرة مطولة اشتملت مئات الصحائف في أوراق التحقيق غير فيها وبدل وجزأ وكتل ولكنه لم يتناول اسم جلال إلا في اعترافاته الأخيرة، وفي أقواله في الجلسة ومن الحق إن أقول إن ما نسبه جلال إلى نفسه من وقائع قد سبقه إليها عبد المجيد فجاءت هذه الوقائع على لسان أحدهما متفقة في جوهرها مع ما جاءت على لسان الآخر، ومن الحق أن أقول أيضا أن النواحي المادية المتصلة بهذه الوقائع قد تناولها سعادة رئيس المحكمة وحضرة قاضي التحقيق المنتدب بالتحقيق الدقيق وبالانتقال والمعاينة فظهر من هذا كله صدقي ما أدلى به جلال في مجموعه.

والدفاع يقرر مبدئيا وفي غير تردد أن هذه الوقائع حسب تصوير جلال لها لا تنطوي بالنسبة إليه على أية جريمة من هذه الجرائم التي تجرى عليها المحكمة وإذن فهذه الوقائع التي جاءت على لسان جلال واعتبرت أدلة أتهام عليه هي التي يجب علينا أن نلتمس من المحكمة أن تستمع إلينا ونحن نحلل ونتفهم مدلولها من ناحية الجريمة وأركانها.

فمن مجموع الأقوال التي أدلى بها جلال نستخلص ما يأتي:

أنه حصل على الشهادة الابتدائية ولأن والده كان بعيدا عن والدته وأقام كل منهما في بلد عجز عن الاستمرارفي الدراسة الثانوية فترك المدارسوأخذ يبحث عن عمل واستطاع بمعونة أهل الخير أن يلتحق بوظيفة كاتب باليومية في وزراة الأشغال وكان ذلك في (4 سبتمبر سنة 1943)

وكانت سنه يومئذب لا تتجاوز السابعة عشرة وكان يتقاضى في هذه الوظيفة (24) قرشا فقط في اليوم ولما كان قد أمضى فترة فيها ألوان الحرمان والحاجة فقد كان هذه القروش تعني شيئا كثيرا في حياته لذلك ما إن وصلت يده إلى هذا المرتب الثابت حتى أخذ يعوض على نفسه الحرمان القديمي وأتخذ لنفسه في ذلك خطة غير قويمة عرف فيها أبواع التبذل ثم حصل أن نقل إلى المنصورة.

ولكنه لم يسلك سبيل الاستقامة هناك بل استمر في حياته الغواية والفساد فأصيب بحصوة في الكلى قاس منها ولا يزال يقاس الأهوال وقيل له إن هذا المرض نتيجة للخمر والعربدة وعندئذ زالت عن عينيه الغشاوة وأخذ يكفر في نفسه إنه لم ينل من التعليم إلا المرحلة الابتدائية وأنه لم يتم المرحلة الثانوية لسبب واحد هو حياة الفقر التي نشأت عن انفصال والديه.

وها هي ذي الناحية المالية قد تيسرت بالمرتب الذي أصبح يحصل عليه في يسر وانتظام وإذن ففي استطاعته أن يرتفع بمستواه العلمي ولكن هذا لا يكون إلا بأمرين الأول أن يتقى الله ويعرف حدوده فيتوب عليه فينقطع عن مسايرة الشيطان، والأمر الثاني أن يجزم أمره لمعاودة الدارسة والتقدم لامتحان الثقافة.

لم يكن جلال يريد أن يحيا حياة الاستقامة فقط بل حياة التقى والورع فرأى أمامه جمعية دينية إسلامية تلقى فيها المحاضرات الدينية هي جمعية الإخوان المسلمون إذن فليذهب إلى هذه الجماعة وكان معروفا أن رئيس هذه الجماعة كان يلقى محاضرة مرة في يوم الثلاثاء من كل أسبوع يقول جلال: إنه كان يذهب لسماع هذه المحاضرات كلما سمح له الوقت بالذهاب ويقول أيضا إنه واظب على دراسته حتى تقدم لامتحان الثقافة ونجح فيه.

لقد ثبت يا حضراات المستشارين أن جلال من ذوي الضمائر الحية وذوي الحس المرهف نام ضميره فترة من الزمن حين ساير صاحبه الشيطان وسار في طريق الغواية ولكنه استيقظ سريعا فأفادته اليقظة أفادته الاستقامة وأفادته الدراسة وتقوت عزيمته فها هو ذا ابتعد عن المفاسد فنجح في الامتحان شهادة الثقافة.

ثم واظب على الدراسة فنجح في امتحان التوجيهية وهو يسمع إلى المحاضرات الدينية ويؤدي فرض ربه عليه ولكن شيئا واحد يؤق منامه كان ضميره يؤنبه دائما على الذنوب التي ارتكبها في حق الله وشريعته لقد تاب وأناب ولكن ذلك لم يكن كافيا في نظرة كي ينال المغفرة من السماء.

توثقت الصلة بين عبد الرحمن السندي وجلال وهي صلة يقول جلال وهي صلة يقول جلال عنها أنها صلة يشوبها التحفظ التام من قبل عبد الرحمن وهذا طبيعي فعبد الرحمن هو الذي عرف فيما بعد أنه رقم واحد فهو صاحب أعلى مرتبة بعد صاحب الدعوة أو المرشد العام وسأحدث حضراتكم فيما بعد عن هذه المراتب أما جلال فهو تلميذ مبتدئ لم يصل حتى إلى درجة العضوية فهو من المستمعين أو المنتسبين وهو لا يصل إلى مرتبة العضوية إلا بعد إجراءات طويلة.

كان يجب أن يوضع موضع الاختبار وتدرس شخصيته دراسة دقيقة وتناول هذه الدراسة كل ما يحيط به وكل صفاته ومزاياه وعيوبه وأسرته وبيته ثم يفحص طبيا ثم بعد هذا كله يؤدي امتحانا خاصا وشيء من هذا كله لم يحصل لجلال فجلال استغل بواسطة عبد الرحمن السندي ومالك وأحمد قدري وانساق إلى الجماعات التي كانت تنعقد لتدبير الجريمة.

وعهد إليه بالاشتراك فيها ويعاونه عبد المجيد ولما عرف ذلك تقززت نفسه وأصابته رعشة ولقد حدث في اجتماع أخر أن قال لهم أنا أعتقد أنه لا ضرورة لهذه العملية ويحسن أنكم تتفقون مع الوزارة وتشوفوا لكم حق وأن السلم أحسن ثم ادعي لهم أن والده مريض وأنه مضطر للسفر إلى المنصورة لزيارته، وأراد بذلك التهرب من الاشتراك في الجريمة.

حقيقة عاد جلال من المنصورة قبل أن ترتكب الجريمة ولكنه في الفترة التي مضت بين عودته وبين يوم ارتكاب الحادث كان مزويا منطويا على نفسه مبتعدا كل الابتعاد عن ميدان التأمر وجو الجريمة.

إن خطأ جلال محصور في أنه حضر اجتماعين من اجتماعات المتآمرين ولبس بدلة الكونستابل مرتين على سبيل التجربة ولكن هذا الخطأ مغفور له لسبب وهو أنه كان مهددا في حياته لو أنه لم يساير المتآمرين ولكنه انتظر حتى إذا وجد السبيل للعدول بل للهرب من المدينة كلها ليكون بعيدا عنهم أولا وليباعد بين نفسه وبين التورط فيها بقول أو فعل فجلال لم يخطئ.

ولكنه كان مسلوب الإرادة وكام حق الاختيار عنده معدوما فقد كان عليه أن يختار بين أمرين فإما أن يساير الذين تسلوا عليه حتى يجد المخرج والمهرب وقد فعل أن يعرض حياته لخطر الاعتداء عليها من هؤلاء المتأمرين وإنكم لتعلمون يا حضرات القضاة المحترمين أن الغريزة البشرية وحب الحياة تدفعان الإنسان دائما لحماية نفسه من الخطر الحال بها وإذن فلم يكن أمام جلال إلا اختيار الطريق

أما عن التكييف القانوني للوقائع المنسوبة لجلال وحكم القانون عليها فإنها لا تخرج عن أعمال أولية عدل عنها مختارا حين لمس خطورة الجريمة وقبل وقوعها بعدة أيام وهي أعمال تحضيرية لا يعاقب القانون عليها وندعم ذلك بحكم لمحكة النقض صادر في (1922) إضافة إلى فقرات من كتاب محمود بك إسماعيل إبراهيم رئيس النيابة تثبت عدول الجاني عن ارتكاب الجريمة بإرادته وأنه لا عقاب عليه وأن العدول الذي يعتبره القانون حصانة للمتهم لا تجيز عقاب هو العدول الحاصل قبل إتمام الجريمة.

ولكن نظرية النيابة تقوم على أن جلال كان شريكا بالاتفاق والشريك بالاتفاق لا يستفيدي من العدول والرد على ذلك:

  1. أن النص القانوني (40/ 2ع) عن الاشتراك بالاتفاق قد فقد معناه منذ سنة (1910) بعد أن نسخه التشريع الذي أوجد جريمة الاتفاق الجنائي.
  2. يقول المتهم أنه حين اجتمع مع المتآمرين مرتين وحين نفذل لهم رغبتهم وارتدى بدلة الكونستايل مرتين، رأى أن يعدل عن الاستمرار معهم وقد عدل فعلا.ط
  3. يفرض أن المتهم جلال ينطبق عليه وصف النيابة من أنه كان شريكا بالاتفاق هو جريمه ككل الجرائم لها شروط ولها أركان يجب توافرها وإلا انعدمت الجريم وامتنع العقاب، والجريمي المنسوبة لجلال قد فقدت أخطر أركانها وهو القصد الجنائي إذ إن جلال كان واقعا تحت تأثير الإكراه المادي والأدبي

فقانون الجماعة ينص على أن أية خيانة أو إفشاء سر عن حسن قصد أو سوئ نية قد يعرض للإعدام أو بإخلاء سبيل الجمعة منه، مهما كانت منزلته ومهما كانت منزلته ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة.

وأما عن الجو الرهيب الذي اكتنف جماعة الإخوانٍٍ فالواقع أن هذه الهيئة الإرهابية في جماعة الإخوان لم تبتكر النظام الذي كنت تسير عليه إذ يبدو لي أنهم أطلعوا على نظم قديمة لجمعيات إرهابية خطيرة فأخذوا ينقلون هذه النظم على سبيل التقليد يمصرونها ويعصرونا حينا أخر، ولكن التقليد كان ظاهرا في كل ما نقلوه من هذه النظم كما كان التشويه واضحا كذلك.

وإنه ليهم الدفاع أن يتحدث عن هذه النظم وأن يبين للمحكمة المصادر التي نقلت عنها جماعة الإخوان وطريقة النقل، والدفاع لا يرى في ذلك خروجا عن مهمته بل يرى ذلك أمرا لازما وضرويا في هذه القضية كي يكشف للمحكمة عن بعض اسبا الفزع الخفية التي كانت تملأ نفس جلال ولا يستطيع أن يعبر عنها أو يعلل.

فإن هذه الأسباب خليقة بأن تبين للمحكمة إلى أي مدى كان المتهم مسلوب الإرادة وحق الاختيار ولقد كانت هذه الأسباب نفسها تملأ قلوب الجماهير وتملأ نفس الهيئة الحاكمة بالرهبة والرعب عند ذكر اسم هذه الجماعة.

وإنكم لتذكرون يا حضرات المستشارين والضباط العظام ما قاله أمامكم عبد المجيد وما ورد في التحقيقات من تكرار عبارات غريبة فقد ورد فيها ذكر الجنة والنار وورد ذكر الدعوى والداعي الدعوة المحمدية واليمين والبيعة والجهاد في سبيل الله والخيانة والخونة ومراتب الجماعة.

والامتحانات التي تعقد لمن أريد رفعه من مرتبة إلى مرتبة من أعضاء الجماعة وشعار الجماعة المكون من المصحف والسيفين فهذه النظم كلها وهذه التعبيرات التي سمعناها كلها منقولة عن جماعة إرهابية قديمة حرفا بحرف اللهم إلا ما مسخه التقليد وهي جماعة نشأت منذ حوالي سبعمائة سنة أمضت منا نحو مائتي سنة تعيث في الأرض فساد وتنشر الإرهاب المنظم الدقيق في كل أنحاء العالم الإسلامي كانت لها نظم علنية ظاهرة وأخرى سرية باطنية وكانت لها فتاوي دينية لا تتماشى مع فتاوي بقية المسلمين وكان لها تفسيرات خاصة بهم للقرآن الكريم والأحاديث، وقد نشروا رسائل اختص بها جماعة منهم.

وكانت بلاد الإسلام في بعض العهود مليئة بالفرق الإسلامية المضطهدة وقد اشتهر من هذه الفرق طائفة الإسماعيلية التي خرج منها جماعة تزعمها حسن الصباح فنظم الإرهاب تنظيمها دقيقا، ووضع له أخطر ما عرف العالم إلى اليوم من وسائل.

ويهمني أن أذكر لحضراتكم أن حسن بن الصباح ونظمة ووسائله وأساليبه كانت وما زالت محل دراسة عميقة من طوائف الإسماعيلية وغيرهم وهي لم تتناول النواحي الإرهابية وحدها ولكنها تناولت الإسلام كله بقواعده وأركانه وكتبه ورسله بالتوضيح والشرح والتفسير بطريقة إن تكن أرضت الشيعة وهم أصحاب مذاهب متعددة فإنها لم ترض أهل السنة

وقد أخذت أكبر جامعات العالم حتى في وقتا الحاضر تهتم بنظم حسن الصباح هذا وتتناولها بالبحث والدرس والمقارنة ففي جماعة بومباي في الهند تخصص لها البرنس إيفانوس الروسي، وهو أحد أساتذة هذه الجامعة وله فيها مؤلفات وفي مصر تخصص لها الدكتور محمد كامل حسين الأستاذ بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول وله فيها عدة مجلدت وفي فرنسا ماسينو الأستاذ بالكوليج دي فرانس وفي ألمانيا الأستاذ ستروتمان بجامعة همبرج وفي انجلترا الأستاذ برنار الأستاذ بجامعة لندن.

وبصرف النظر عن الناحية الدينية أو المذهية لدى جماعة حسن الصباح فإن النظم الإرهابية التي وضعها وسار عليها هو ومن تولى زعامة الطائفة بعده زهاء قرنين هذه النظم أصبحت الينبوع الذي ترتشف منه الجماعات الإرهابية والمصدر الذي تأخذ عنه وتقلده.

ونظرة إلى التاريخ القديم تبين لكم كيف نشأت الفرق الإسماعيلية وكيف ظهر حسن الصباح؟

وقف رسول الله محمد بن عبد الله فألقى خطبته أو حجة الوداع في جهة يقال لها خم فكان ما قاله صلى الله عليه وسلم وهو تيوجه بالخطاب إلى الإمام على كرم الله وجهه، هذه العبارة من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه ودعا من عاداه وأدر الحق معه حيث دار.

هذا الحديث من رسول الله غير مختلف وقد ورد في البخاري على أن أنصار علي وجدوا في هذا الحديث المعنى السافر للوصية فأطلقوا على الإمام علي لقب وصي رسول الله.

فلما قبض الرسول رأى أنصاره أنه هو الخليفة المنتظر ولكن المسلمين بايعوا أبا بكر الصديق ثم بايعوا من بعده عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ولم تستغرق خلافة هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم إلا سنوات قليلة ثم جاء دور علي.

ولكن عثمان بن عفان كان قد مات مقتولا تسور عليه القتلة داره فقتلوه وهو مستغرق في الصلاة فثارت أسرة عثمان واتهموا أنصار علي بأنهم تعجلوا لصاحبهم وأنهم قتلوا عثمان هذه القتلة الوحشية الظالمة تحقيقاي لرغبتهم في أن يلي الخلافة علي بن أبي طالب واعتصموا بالشام بزعامة معاوين بن أبي سفيان وبايعوا عليا واشتدت المنافسة بين الرجلين حتى استطاع الأمويون أن يقتلوا الإمام عليا.

فلما ولى الإمامة من بعده ولده الإمام الحسن رضي الله عنه، دسوا له السم فمات أيضا وجاء بعده الإمام الحسين رضي الله عنه فتقلوه في كربلاء إذ ذبحوه ذبح الشاة وهكذا كان مصير كل إمام لمناهضة الأمويين فجاء بعد الحسين علي زين العابدين ثم محمد الصادق ثم جاء بعده الإمام السابع إسماعيل ابن جعفر وباسمه تسمت طائفة الإسماعيلية ذلك أنه لما توفي إسماعيل كان له أخ يدعى موسى بن جعفر وولد يدعى محمد بن اسماعيل.

فانقسم المسلمون إلى طائفتين إحداهما تدعو لموسى باعتباره أرشد من أخيه وأكفأ للإمامة والأخرى تدعو لمحمد باعتباره ولي العهد الطبيعي وكانت لهذه الطائفة عبارة مشهورة فكانوا يقولون: إن الإمامة لا ترجع أبد منأخ إلى أخيه بعد الحسن والحسين وقد انتصر هذا الفريق فولى الخلافة محمد بن اسماعيل وخشى هذا الفريق من النكسة ومن تألب أنصار الفريق الآخر عليهم

فنظموا الدعاية أولا للمذهب الإسماعيلي الذي نشأ عن أنصار الفريق الآخر عليهم فنظموا الدعاية أولا للمذهب الإسماعيلي الذي نشأ عن الخلافة بين موسى بن جعفر ومحمد بن جعفر ومحمد إسماعيل وكانت الدعوة هنا للإمام ظاهرة هو محمد بن اسماعيل ولكن خلفاءه من بعده فضلوا التستر فقد كانت الدولة الأموية توطدت أركانها وعظم سلطانها فبدأ عهد الدعوة الآئمة المستورين وكانوا ثلاثة عبد الله ابن محمد وأحمد بن عبد الله والحسين بن أحمد.

ثم ظهر الإمام التالي وهو عبد الله المهدي فجأة في بلاد المغرب فأسس الدولة العبيدية أو الفاطمية ثم جاء بعده القائم ثم المنصور ثم المعز لدين الله فهاجم مصر واستولى عليها ونقل عاصمة ملكه إليها كل هذا والدعوة للمهب الشيعي سائرة منظمة ولكنها وقد أصبحت في كنف الإمام الظاهر وفي دولة مترامية الأطراف تضم بلاد المغرب ومصر هدأت قليلا

ثم تولي العزيز بالله والحاكم بأمر الله ثم الظاهر لدين الله ثم المستنصر بالله وفي عهده ظهر حسن الصباح فأخذ يدعو المستنصر حتى إذا توفى الخليفة كان له ولدان نزار والمستعلي فكان لكل منهما أنصار أما حسن الصباح فقد أنضم إلى نزار ولكن المستعلي هو الي تولى العرض ولكن الصباح هاجر من مصر وأخذ يدعو لنزار كإمام مستور واعتصم في القلعة في بلدة تدعى الأموات على جنوب بحر قزوين في مقاطعة أذربيجان الحالية في بلاد العجم وسميت طائفة الصباح يومئ الطائفة النزارية أو الباطنية ثم أطلق عليها بعدئذ طائفة الحشيشة أو الخشاشين.

ويقول سمو أقاخان زعيم طائفة الإسماعيلية في الهند إن نزار هذا هو جده الأعلى.أما المستعلي الذي ظفر بالعرض المصري دون أخيه نزار فقد ظهر له دعاة أيضا وأنصاره يسمو البهرة ولهم سلطان ظاهر سيف الدين البهرة وهو يزور مصر بين وقت وآخر.

ومن الخير أن نذكر أن طائفة الحشاشين أو النزاريين ظلوا إرهابيين طوال قرنين من الزمان حتى تمكن المغول بزعامة هولاكو من القضاء على القاطنيين منهم في الشرق كما تمكن الظاهر بيبرس من القضاء على إخوانهم بالشام، أما هؤلاء الموجودون في الوقت الحاضر في الهند وهم طائفة الإسماعيلية أو في العراق وإيران، وهم الشيعة الاثنا عشرية الذين كان أجدادهم يناصرون موسى بن جعفر أوفي البهرة أو المستعليون فهؤلاء جميعا قد لزموا خطة الهوء والمسالمة ولميعد فيهم هيئة فوضوية.

لعل أظهر ما في نظم هذه الطائفة هو الطاعة العمياء للإمام أو للداعي له، أو داعي الدعاة طاعة تؤدي معنى التضحية الكاملة للنفس والفكر والإرادة فيها الفداء وفيها قبول تعاليم الإمام حتى فيها يتصل بالدين اتصالا وثيقا ذلك لأن الإمام هو وحده الذي يحمل ذنونب أنصاره

وهو في نفس الوقت معصوم فإذا قال الإمام لأنصاره لاتعبدوا الله فعليهم الطاعة ولا عقاب عليهم في الدنيا ولا في الآخرة وإذا قال لهم اقتلوا فعليهم الطاعة ولا عقاب عليهم في الدنيا ولا في الآخرة وطاعة الإمام تؤدي إلى الجنة أما معصيته ففيها الحزي والعار وفيها نارجهنم ومعصية الإمام أو التردد في تنفيذ ما يأمر به أو إفشاء السر أو القيام بعمل يضر الدعوى عن قصد أو عن غير قصد كل ذلك يحجم دم المذنب.

مرافعة على منصور المحامي

إن الجريمة نبتت في جو ملئ بالطعن في جماعة الإخوان المسلمون التي ينسب إليها القاتل وبعض المتهمين. وقد جنى على رئيس وزراة له سياسته ومريدوه وأعقب الحادث تشريد وتشتيت وتلت ذلك سلسلة من الوقائع والإجراءات التي تدور بين الترغيب والترهيب فأخرج ذلك جوا بعث خلجات التردد لما اكتنف الدعوى من عصف في التميد والتصوير وخاصة فيما يتعلق بمالك ولما استقرأت الصفحات وخليت بين ما بها وبين ما أذيع وأثير واطمأنت إذ وجدت الأمر.

وقد نفضت عنه حواشيه لا يخرج عن مجرد اتهام إن وجد شبهة من سنة أو طرفا من دليل فله قوة في الرد وبرهان على النقد وعن جمعية الإخوان المسلمون نرى الا تثريب على هذه الحفنة من الشباب في انضوائها تحت لواء جمعية أزرتها يوما الطبقات المختلفة في البلد وعضدتها الأحزاب المصرية مع تضارب نزعاتها واختضنها لفيف من كبرائنا وذوي الرأي فيها، حتى إن مذكرة الحل التي بنى عليها القرار الذي أنهى شكل الجمعية أستندت إلى أمور كانت مبررة في نظر ولاة الأمور يوما ما ثم إن ما ثبت من جرائم قام بها بعض الأفراد.

لا يمكن أن يضاربه المجموع إطلاقا وإلا لحكمنا على جل هيئاتنا السياسية بما لا نرضاه لأنفسنا فقد نبت في هذه الهيئات من ارتكب الجريمة كذلك أو من عزة إليه ارتكابها ومن هؤلاء ذات المجني عليه ومع ذلك ما وصمت هذه الهيئات بوصمة الإجماع ولا اتسمت بسمة الإيعاز إضافة إلى أنه يجب ألا يضار المتهمون بالتحقيقات الواردة في قضية سائق السيارة الأرمني حتى من تقاسم فيها عبء التهمة ذلك أن القضية ليست مطروحة أمامنا بكلياتها لمناقشتها.

وعن الأدلة القائمة ضد مالك فهي تستند إلى أقوال عبد المجيد أحمد حسن وهنا نقول: إنا يؤلمنا أن نتناول بالتجريح متهما، مهما تجسمت جريمته، فهو أهل للرثاء لمرضه فعبد المجيد قد سلب نفسه إرادتها وتزين بمسوح عميق الإيمان في تحسين الجريمة فارتكابها مقتنعا

ثم اهتدى بذات إيمانه إلى بشاعة ما ارتكب فأقر مقتنعا كذلك،وخلع عل نفسه في هذا وذاك ثوب مسلوب الإرادة وألقى العبء والمسئولية على من ضمتهم جنبات القبور، أو جانبتهم قوائم الاتهام، وخرج من بين هؤلاء وهؤلاء مسيرا يستأهل الرثاء، فنراه وهو في ذروة الإ،كار وعندما كان منفصلا من الانتماء لجماعة الإخوان المسلمون يلوح بدافع عقيدته الكامنة المطبوعة المصنوعة أنه مهتم كل الاهتمام بتلك الجماعة وأنه يعتقد أن حل الجماعة هو محاربة الدين الإسلامي.

لأنها الجماعة التي تقوم بخدمة الإسلام ونرى عميد الكلية التي ينتمي إليها المتهم يقرر بصريح العبارة: أن هذا الطالب يتزعم حركة الإخوان المسلمون في الكلية وأنه على راس قائمة الخطرين من الطلبة، وأن اعترافات عبد المجيد بدأت باتهام نفسه فقط ثم تدرج في اتهام فريق من المتهمين وانتهت باتهام باقي المتهمين اعترافات بالتقسيط إن اعترافه الأول كان نتيجة اقتناعه بأن ما أتاه جريمة وأن هذه الاقتناع قد جاء عقب إطلاعه على بيا هيئة كبار العلماء وأن اعترافه الأخير جاء خشية في أن يحكم عليه وعلى من اتهمهم وبيقى الآخرون أحرارا فيرتكون الجرائم.

إن من الأدلة على خرق الأسباب التي يدعيها عبد المجيد أن نرى لنفسه علتين لاحقتين هما ما ذكرهما بصدد اعترافه على الشيخ سيد سابق ثم السيد فايز وقوله: إنه اعتراف على أولهما حتى لا يفتي بشرعية أية جريمة، وأنه اعترف على ثانيهما حتى يمنع وقوع جرائم جديدة بوصف السيد فايز- على حد تعبيره- منظم الإرهاب أو زعيمه.

فإن صح أن المتهم كان يرمي باعترافه لمنع انسياق أفراد النظام الخاص في تيار الجريمة لكان من أول واجبات المتهم وضع يد النيابة على رأس هذه الجرائم ومدبريها حتى يقطع الصلة بين الرأس وتلك الأيدي المسيرة فلا تستطيع الأيدي حراكا ونعود للقصة المؤلفة كما يقول المتهم قصة ضيء فنراه يبرر العدول عنها وأن هذا التبرير متأخر أيضا بأنه عدل عن هذه القصة لما انتباه من جزء لما رأى النيابة تقبض على الأبرياء للبحث عن ضياء فاراد أن يرجع هؤلاء الأبرياء لذويهم فيمنع الشقاء عن عائلاتهم.

وأخيرا يعلل اعترافه بعد أن أعلن بقرار الاتهام بخشيته من أن يحاكم ومن عاصره اتهاما فيطمئن أعضاء الجماعة بمجرد صدور الحكم ويقدمونو على ارتكاب جرائم أخرى إذ سيكون هذا أمانا لهم يبدءون على أثره أثامهم وفاته أن مجرد صدور الحكم تأديب وتهذيب تأديب يصدر عليه وتهذيب لغيره.

ثم إن كان هذا صحيحا أو على بعض الجانب من الصحة، فلم لم يتقدم المتهم بمجرد إعلانه بقرار الاتهام، ليعترف بما اعترف به.

ونشهد على ذلك بما ذكره المتهم عبد المجيد في بدء التحقيق وعند أول اعترافه حين سئل عن ضياء ومن يكون وكيف يمكن الاهتداء إليه وهو يجهله فأجاب عبد المجيد بأنه يتمنى أن تقبض النيابة عليه الآن، فهو الذي دفعه إلى ارتكاب الجريمة ويظهر أنه كان حريصا جدا من ناحية إخفاء اسمه حتى لا يجعلني أعرف مكانه وهو رجل شرير ويبلغ درجة غريبة من الشر.

وسئل في موضع آخر هل اسم ضياء هو الاسم الحقيقي لذلك الشخص أم اسم مستعار فأجاب أنه اسمه الحقيقي وعمره (30) سنة وغير متزوج.

كل هذه الأقوال تدل دلالة قاطعة على أن المتهم كان يرغب في الإفصاح عن ضياء هذا بل كان يتمنى ذلك الإفصاح وأنه كان في ذات الوقت عاجزا عن معرفة ضياء الذي صوره فإن أتى بعد ذلك وقرر أن ضياء هذا هو محمد مالك فإني مقالته هذه لا يمكن أن تكون عمدة في الاتهام ولا يتأتي انسجامها إلا مع الافتعال والاصطياد اللذين ساعدت عليهما عوامل مختلفة كما سأوضح فيما بعد.

بل إن هذا الذي نطق به عبد المجيد يتنافى مع نفس علته في هذا الصدد وهي تأليف القصة لمجرد إشعال الجماعة ومنعا من ارتكاب جرائم أخرى لإنه وهو يقصد هذا المعنى الرمزي قد أفصح عن أناس معروفين كأحمد عادل كمال وطاهر عماد الدين إذ أتم الإفصاح عنهم في (20 يناير سنة 1949) وما دام قد أرشد عن أفراد معينين رغم أنهم في نظره شركاء غير مباشرين فلا يضيره بعدئذ الإرشاد عن الشركاء بالجريمة عن طريق مباشر.

وكان أولى لو كان عالما أن يرشد عن سبب بلائه كما يقول وهو ضياء ها وإن كان العلة هي ما يقول فقد تحققت العلة إذ لم تحدث أي جريمة بعد هذه القصة وما دامت الغاية التي يرنو إليها قد تحققت فما باله بعد هذا أتى بكل مبتدع أو مختبأ؟

وما باله إن كانت في عطفيه نزعات وفي وعيه معرفة، يقطع على نفسه خط الرجعة في نهاية كل تحقيق أتاه طالبا فيقره في صدره إرغامه الإدلاء بالحقيقة ومع ذلك يظل عاجزا أحيانا ثم متدفقا، حينا يقيت الحقيقة أو كل الحققة حائرة إلى يومنا هذا وبقيت هذه الحقيقة بالرغم مما قيل لها أو عليها منصلة من علتها وإذا انهارت العلة فقد انهدم المعلول."

إن كذب عبد المجيد في هذه الاعترافات واضح ونقيم الأدلة على هذا الكذب ومنها أن في نظام جماعة الإخوان التي كان ينتمي إليها المتهم أن يعرف كل شخص جميع أفراد أسرته في الناحي الاجتماعية والثقافية والأخلاقية، وأن يعرف شئون إخوانه الظاهرة والخفية ومؤدي هذا أن عبد المجيد كان يعرف منازل من اتهمهم ويعرف مواقعها وأحوال أصحابها وظروفهم فإن أتى بعد ذلك.

ووصف منزل أحدهم أو تعرف على فرد فلا يمكن أن يقال إن هذا التعرف دليل على صدقه أو حتى مجرد قرينة ضدهم ولم تثبت النيابة أن هذا العلم قد نشأ عن طريق الجريمة الحالية أو بمناسبتها إن من الملاحظات الغريبة على الاعتراف الأول لعبد المجيد أن الثابت في تقديم هذا الاعتراف أن أحد رجال البوليس قرر لسعادة النائب العام، بأن أثناء اصطحابه المتهم إلى السجن رغب هذا الأخير في مقابلة النائب لأمر يجهله ثم تسفير هذه المقابلة عن الاعتراف.

واللافت في هذا الاتهام كان أمام النيابة منكرا في يوم (11) يناير وأعيد إلى سجنه في الساعة الثالثة من مساء ذلك اليوم ولم يعد النيابة بعد هذا إلا يوم (14) يناير وبدأ المحضر بتسجيل رواية المتهم من رغبته في مقابلة سعادة النائب العام.

فإن كانت العودة الأخيرة كما هو واضح في الثالث من يوم (11) يناير، إذن فالرغبة أبديت في هذا اليوم ولم تنقل للنيابة إلا يوم (14) فلم تمطي الزمن هذه الأيام الثلاثة؟ وإن قيل: إنها أبديت في غير هذا اليوم لكان هناك إذن اتصال بالمتهم عن غير طريق النيابة، ولقبل هذا أن يدور في ذلك الاتصال ما يدور.

فهذه اللمحات التي شاءت الظروف رغم التحوط أن تظل بصمات أصحابها عالقة بأوراق التحقيق لمحات تؤدي ولو إلى حد ما إلى تلمس ما دفع المتهم ليقرر ما قرر ويصور ما يصور خاصة وأنه جاء أخيرا فذلف لسانه في الصفحة الثالثة والعشرين من الملحق السادس ما فضح هذا أو كاد عندما سئل:

لماذا لم تذكر هذه التفصيلات في (22) مارس عندما تكلمت عن مالك وسيد سابق وعاطف؟.. فأجا أنا كنت أنتظر أن أحد المتهمين يقرر الحقيقة حتى يستفيد أيضا وأستفيد أنا.

فمن الذي أنبأ المتهم أنه سيستفيد إذا اعترف؟

وكيف جاءت هذه الفكرة إلى ذهنه؟ إن الوضع لا يقبل إلا أحد

فرضين:

إما أنه أغرى بهذا وأفهمه فقال بما قال، وأما أنه وهم هذا وفهمه فأدلى بما أدلى وكلتا الحالتين تجعل منه إنسانا مغرضا ذا غاية يسعى إليها وكل ذي غاية لا يبالي بما يسلك الوصول لتحقيق غايته.

حضرات المستشارين: لا يمكن أن نغض الطرف عن التعذيب الذي لحق بمالك لحمله على الاعتراف فإن مجرد التعذيب في التحقيق وبغض النظر عن وقوعه على الكل أو على البعض وبتجريد ذلك من نتيجته بالنسبة للاعتراف والإنكار فإنه حدث ويجب تسجيله كما يجب تمحيصه لأنه عند ثبوته يلقى ظلال على الروح التي كانت تسود التحقيق والجو الذي كان يدور فيه كما أن مجرد ثبوته يرفع الكثير مما سقناه على أنه فروض إلى درجة أقوى من مجرد الفرض العادي.

ثانيا: لقد قيل بأن المعترف من المتهمين لم يقل بتعذيبه حتى يجرح اعترافه أو يكون هذا الاعتراف محل نظر ومن ثم فلا صالح لغيره في إثارة هذا الموضوع أو التمسك بتحقيقه وأقول ردا على هذا: إن للأمر وجهين فقد يكون هذا المعترف قد افترق من مجرد رؤيته لتعذيب غيره فبادر إلى مقالته خوفا من أن يحل به ما حل بهذا الغير قائلا لنفسه، كما قيل يوما: انج سعد فقد هلك سعيد.

وقد يكون هذا المعترف قد نال ما ناله غيره، ولكنه لا صالح له بعد هذا في أن يعدل عن اعترافه أو يقول بتعذيبه لأنه حيال، الإثبات الخاص الذي يقوم حياله، فإنه لا يضار شخصيا من الاعتراف بل وقد يستفيد من إصراره على موقفه.

إن ثبوت التعذي على موكلي وعدم إدلائه بشيء بالرغم من هذا قرية على براءة هذا الموكل إذ إنه وقد لاقى الأمرين لم يكن لديه ما يقوله ولو زورا ليخلص مما يعاني.

قيل كذلك بأن هذه القضية ليست بمجال تحقيق التعذيب وهو غير مطروح أمامها كجريمة يعاقب القانون مقترفيها وإنما مجاله بلاغ مستقل يقدم للنيابة ولكن القول مع ماله من الوجاهة لا يستقيم على إطلاقه لأن هذا التعذيب الذي نثيره إنما جاء ف تحقيق ذات الدعوى ومن ثم فقد حق أن تحققه المحكمة لتستبين الجو الذي دار فيه التحقيق هذا إلى جانب أن فرصة آثار أمر التعذيب إنما أتيحت للمتهمين ووكلائهم عند طرح القضية على المحكمة فلم يفد تلك إلا أحد أمرين:

إما نلتمس في المحكمة تحقيقه أو نطلب إليها وقف السير في الدعوى إلى أن تحقق النيابةي الأمر وتظهر نتيجة هذا التحقيق وانتقل بعد ذلك إلى تنفيذ الأدلى القائمة ضد موكلي الثاني محمود فرغلي وهي تنحصر أيضا في أقوال عبد المجيد وبعض المتهمين الآخرين فقول عبد المجيد إن محمود فرغلي كان معه في خلية واحدة قول يقبل أن ينصرف إليه النظام العلني كما يسري عليه النظام السري فلقد كانت جماعة الإخوان مقسمة إلى أسر كل منها يجمع بينها وحدة خاصة يتصل أفرادها اتصالا عن قرب ببعضهم ويتصلون اتصالا بالجماعة فتخصيص التفسير بناحية معينة في الاحتمالين اجحافا بحق المتهم يأباه الواقع ولا ترضاه العدالة.

وننتهي في ذلك إلى التطبيق القانوني بالنسبة لمالك وفرغلي أما عن الأول، فإن النيابة تعتبره شريكا في الاتفاق الجنائي على قتل النقراشي باشا بطريق التحريض، لأنه طلب إلى عبد المجيد أن يقابل أحمد فؤاد الضابط الذي رسم له خطة الجريم، ولم تثبت النيابة أن مالك كان يعلم الغرض من هذه المقابلة ولم يقل عبد المجيد أن مالك حين طلبت إليه النيابة أن يذهب لمقابلة أحمد فؤاد كان يعلم الغرض من هذه المقابلة ومن ثم لا يكون مال ما دام لم يساهم ولم يساعد في ارتكاب الجريمة شريكا وبالتالي ليس مذنبا.

أما فرج فإن حتى لو ثبت جدلا أنه كان مكلفا بقتل النقراشي باشا قبل أن يكلف بلك عبد المجيد فإن هذا التكليف لم ينته إلى شيء وإنما اقتصر عمله على مجرد التفكير الذهني الحديث ومن ثم فلا جريمة.

ومع ذلك فعلى أسوأ الفروض فإنه يكون علم بجريمة ولم يخبر عنها ولا يعتبر اشتراكا التقاعس عن الإبلاغ عن الجريمة لمنعها إذا كانت في الوقت الملائم إلا في بعض الجرائم المعينة والواردة على سبيل الحصر في المواد (86، 87، 88، 90، 92، 93، 94) وليس منها جريمتنا فكل ما ينسب إلى فرج هو عمل تحضيري لا جريمة فيه.

مرافعة يوسف يعقوب المحامي

حضرات المستشارين: إن جماعة الإخوان المسلمون بدأت بدعوة محبة إلى النفوس وهي الدين واتباع أوامره وما لبثت أن تدخلت في الشئون العامة وكانت حكومة النقراشي باشا تعلم هذا التطور ولكنها لم تقدر خطورته وكان من المعقول أن تحد الحكومة من نشاط الجماعة السياسيي ولكن مرشدهم كان أذكى من أن يبدو بمظهر الخارج عليها المخالف لأوامرها.

وبعد.. فإن الأدلة القائمة ضد موكلي السيد القزاز ومن بينها أقوال عبد المجيد فقد ذكر أن القزاز هو الذي صحبه إلى دكان عبد العزيز البقلي الترزي وقول هذا الأخر إن القزاز زعيم رهط الجوالة بقلعة الكبش حضر إلي في دكانه وسأله عما إذا كان يعرف يصنع بدلة عسكرية فلما أجابه بالإيجاب أخبره بأنه سيحضر له شخصين يريد أحدهما تفصيل بدلة عسكرية وفعلا حضر في الموعد المحدد يصحبه هذان الشخصاني كاذبة.

ونستدل مما قيل في هذا الشأن على أن اسم القزاز لم يرد في أي عمل متصل بالجريمة غير أنه لم يلبث أن عبد المجيد وعاطف دخلا دكانه على ما جاء في اعتراف عبد المجيد كما أن صبي عبد العزيز البقلي قال صراحة أن عبد العزيز حضر للدكان ومعه قطعة القماش وصاحبها الذي أخذ له المقاس ولم يكن معه أحد هذا يكذب أقوال عبد المجيد ولقد يكون اختيار الجماعة للفظ الجهاد ما يثيره هذا اللفظ في مشاع الجماهير لأنه اقترن بتاريخ الإسلام وكان سرا من أسرار عظمته وانتشاره كان من المعقول أن ينبه هذا التطور الحكومة القائمة في ذلك الوقت إلى واجبها فتحد من نشاط الجماعة السياسية.

ولكن مرشهم رحمه الله كان أ ذكى من أن بيدو بمظهر الخارج عليها المخالف لأوامرها إذ طواها تحت جناحيه بالثناء عليها والتسبيح بحمدها حتى لا تجد سبيلا إليه وتبدو متجنية إذا اتخذت أي إجراء نحوه أو نحو جماعته.

ولست أقول هذا بناء على معلوماتي الشخصية أو ما هو معروف أو متوفر على الألسنة بل أقوله نقلا عن خطاب في القضية غفل من الإمضاء ولكنه لا شك صادر من أحد أعضاء الجماعة أرسل للمغفور له النقراشي باشا قبيل استشهاده هو ترديد لسياسة الجماعة كما أمليت عليهم حيث جاء به ما يأتي: فيا دولة باشا هل نسيت الأحزاب في مصر

وهل فرغ الجو من وفدي وشيوعي لا يبقى سوى الإخوان الذين لا يمكن أن تسمع كلمة اعتراف على أن رأرى الحق مضهوما وأخيرا لا تنسى كل شخص يلبس ثوب غيره والسلام جاء حرب فلسطين فظهرت الجماعة كهيئة مستقلة عن الحكومة وإن لم تكن خارجية تجمع المال وتكدس السلاح والذخيرة بغير حاسب أو رقيب بل تخترق قوانيني البلد الأخرى دون أن يسأئلها أحد ودليل ذلك حادث جبل المقطم الذي ضبط فيه عدد من أفرادها يحملون السلام والقنابل على خلاف ما تقضي به هذه القوانين ورغم ذلك حفظت قضيتهم وأخلى سبيلهم.

والآن نسائل أنفسنا ما الذي يمكن أن يستخلصه أفراد الجماعة غير الواقفين على بواطن الأمور وما قد تقتضيه السياسات الحزبية أو غيرها من السياسات؟ أليس لهم الحق في أن يعتقدوا بأن الحكومة تشجع اتجاهاتهم وتبارك جماعاتهم وأنهم بلغوا من القوة والمناعة حدا يجعلهم غير خاضعين لقوانين البلاد،

حيث نغض الطرف عن مخالفاتهم لها مهما بلغت خطورتها في الوقت الذي نمسك فيه بتلابيب بائع متجول يقف على قارعة الطريق طالبا للزرق وإني لعل ثقة بأن الحكومة لو احترمت قوانين البلاد من بادئ الأمر وقد ضبطوا متلبسين بخرقها في حادث جبل المقطم بدلا من حفظ قضيتهم لأسباب لا يمكن أن تقنع أحدا حتى الأمر بحفضها لجنبت نفسها بل جنبت هؤلاء المتهمين الوقوف.

ولصانت دماء بريئة وعزيزة على مصر كانت خاتمتها دماء ابن من أبر أبنائها ذهب ضحية تهاوه مهما كان سبب هذا التهاون ومبعثة وإذا كنت لا أخلى الحكومة من تبعات هذه الحوادث فإني أتوجه بشيء من اللوم إلى سلطتنا الرابعة صاحبة الجلالة الصحافة المصرية واعتبرها مسئولة أدبيا عنها إلى حد ما.

فلقد حصل قبيل الحوادث المنسوبة إلى بعض أفراد من جماعة الإخوان المسلمون ومنها القضية المطروحة على عدالة المحكمة حواد اغتيالات أخرى اقترفها غيرهم وذهب ضحيتها ابن بار من أبناء مصر كما شرع في قتل زعيم من زعمائها أمد الله في عمره فنطق القضاء فيها بحكمه العاجل متأثرا بظروف المتهمين وحدهم والذين هرب أحدهم بل كبيرهم في أثناء المحاكمة.

فراينا بعض جرائدنا في سبيل ما يسمونه السبق الصحفي تتبعه في رحلاته وتنقلاته وتنشر عنه الأحاديث وتصوره بصور مختلفة تارة بملابس عربية وأخرى بملابس أفرنجية واقفا جالسا مضجعا وراقدا ضاحكا ومكشرا عن أنيابه بذقن وبغير ذقن رواية عنه بأنه صيته وشبا البلد الذي لجأ إليه كانوا يتهافتون في الحصور على إمضائه وأن ملك ذلك البلد لم يكتف ببسط حمايته له بل أكرم وفادته وعطف عليه وأ،زله منزلة لا يحلم بها أي شاب حصل على أعلى الدرجات الجامعية، لا على حكم من محكمة الجنايات بعشر سنين وذهب صحفي معروف إلى حد التفاخر والمباهاة بأن قضائنا أبعد من أن يتاثر بالرأي العام أو يعيره أي وزن.

وأنه لا يحكم إلا بوحي من ضميره ولا يستلهم غير أوراق الدعوى وظروفها مجردة عن أي عوامل أخرى إن ما ضبط عند القزاز من صحف فيها مالات أو أخبار عن مقتل النقراشي باشا والشيخ حسن البنا وغيرها من الأوراق لا تمت للجريمة بأية صلة.

وإن اسم موكلي فيما عدا ما هو منسوب إليه بخصوص البدلة الرسمية لم يرد على لسان أحد سواه من المتهمين أو الشهود بوصفه عضوا في الخلية المنسوب إليه التأمر على النقراشي باشا أو حتى الجمعية السرية الكبرى ذاتالأغراض الواسعة إن مجرد الانتماء القزاز إلى جماعة الإخوان لا يعني اشتراكه في هذه الجريمة فهناك غيره ملايين ينتمون إلى الجمعية وغير مشتركين في القتل.

ثم إن أقوال متهم ضد متهم آخر وخاصة إذا ان مهددا بتوقيع أقصى العقوبة هي ف الواقع من أضعف الأدلة لأنه ليس من السهل إدراك ما يجول في خاطره ولا سيما إذا كان يرى شبح الموت يقترب منه وأنه لواضح كذب عبد العزيز البقي وتضارب أقواله مع أقوال صبيه عبد المنعم مصطفى المنوفي، ومن ثم ألبس لنا أن نسأل النيابة بعد ما سبق: أي الروايتين تريد المحكمة أن تأخذ بها وتعتمد عليها في قضائها؟ رواية البقلي التي يؤديها إن لم تكن مكذوبة؟ أم رواية الشاهد مصطفى عبد المنعم المنوفي المهلهلة المكذوبة؟

لنا دفاع نختم به هذا البحث وهو التسليم بصحة هذه الأقوال جميها واعتبارها غير متناقضة ومكملة لبعضها البعض على أساس أن القزاز كان قد سبق أن كلم المتهم الخامس من يومين عن حضور شخصين له ليفصل لأحدهما بدلة جهادية ولم يسمع حديثه أحد، حتى ولم ينظره أحد عند حضوره له في دكانه، وفي نفس اليوم الذي حضر فيه المتهم الأول لتفصلها

سواء أكان وحده حسب رواية مصفطى عبد المنعم أم معه عاطف حسب روايته والمتهم الأول أم عاطف وشخص ثالث مشلول حسب رواية المتهم الخامس وساء أكان أخذ المقاس حصل بدكان المتهم الخامس أم بدكان ترزي أخر يجاوز له وفي نفس هذا اليوم أرسل القزاز المتهم الخامس صبيه ليذكره بالمسألة أو ليطلبه عنده ويحدث بشأنها أو ليحدثه بشأن أخر أو أنه حضر مع المتهم الأول طقا لآخر رواية ذكرها الشاهد عبد المنعم وأ، عاطف سبق أن مر على دكان كمال ودخلها ثم خرج منها سواء أكان قابل أم لم يقابله، فما الذي تفيده هذه الأشياء كلها مجتمعة؟

إنها لا تفيد أكثر من أن القزاز توسط لدى المتهم الخامس لعمل بدلة ضابط لشخص من اثنين سيحضران عنده دون أن يوصيه بشيء خاص بهما أو يستحثه على عملها ف خفاء أو على عجل، كيوم أو يومين على الأكثر فهل يستخلص من هذه الواقعة مستقلة عن غيرها أنه يعلم بأن هذه البدلة معدة لعمل إجرامي ولقتل النقراشي باشا بالذات؟

لنفرض أن المتهم الرابع لم يخش الموقف ولم يرهب الاتهام فجاء أمام المحكمة أو أمام النيابة من قبل يقرر أن حقيقة المسألة أن المتهم الثالث عاطف عطية أو غيره طلب إليه أن يرشده إلى ترزي لعمل بدلة جهادية لصديق له فدله على المتهم الخامس زميله في جماعة الإخوان كما أخبر المتهم الخامس المذكور بالموضوع بل أوصاه خيرا به فهل يمكن أن تدينه المحكمة لمثل هذا القول؟ وإذا تدرجنا في الفرض وقلنا إن المتهم الرابع أدرك أو مفروض أن يدرك أن البذلة ستستعمل في أمر غير مشروع فهل يمكن أن تدينه المحكمة من أجل هذا باشتراكه في جريمة قتل.

وليس يؤثر في تقدير هذا الفرض أن موكلي لم يقل به لأن أنكار متهم في تهمة خطيرة كالتي نحن بصددها لا ييصح أن يفسر ضده ولا سيما إذا لاحظنا أن معظم من سئلوا في القضية أنكروا حتى مجرد انتمائهم لجماعة الإخوان.

وأما صلاح الدين عبد المعطي:

فإن الأدلة القائمة ضده تنحصر فيما جاء أخيرا على لسان المتهم الأول، دونأي تأييد من ناحية أخرى فاسمه لم يرد على لسان أحد من المتهمين أو الشهود كشريك في الجمعية الخاصة التي تكونت لقتل النقراشي باشا أو الجمعية السرية الكبرى التي كان يتزعمها أخيرا السيد فايز،

كذلك لم تضبط لديه ورقة واحدة تدل على انتمائه لأية جماعة من الجماعات المنسوب إليها نزعة إجرامية إضافة إلى اضطراب عبد المجيد وتناقضه في أقواله عن صلاح فلقد اقنرف القاتل جريمة وهو تحت اعتقاد بأن هناك ترتيبات اتخذت لهربه عقب ارتكابها ولكنه لم ير أثرا لها فحز ذلك في نفسه غير أنه وقف مكابرا مزهوا في التحقيق الذي أعقب القبض عليه يدعى أنه ارتكب الحادث وحده عن عقيدة راسخة وإيمان صادق وكان ينتظر من وراء جريمته أحداثا أو أن جماعته القوية بنفوذها ورجالها ستسعى إلى تهريبه.

كما هرب أخ له من قبل ولكن طال انتظاره بدون جدوى فرأ بثاق نظره أن موقف الزهو والمباهاة لا يجديه لهذا استبدل به موقف التوبة والندم زاعما أنه يريد معانة النيابة في الكشف عن سر الجريمة والشركاء فيها واختلق رواية تبين فيما بعد أنها لا أساس لها لم يقصد منها إلا أكثر من شغل النيابة والبوليس في عمل تقارير ومعاينات وانتقالات وعرض أشخاص إلخ.

وبعد أن بد البوليس يضع يده على القضية أشرك معه عددا من الشبان وقصر التهمة عليهم، ثم رأى بثاقر نظره أيضا أن هذا لا يخفف المسئولية عنه، لأ،هم في مستوى سنة وإدراكه بحيث لا يمكن الجزم إذا كانوا هم الذين أثروا عليه أو هو الذي أثر عليهم أو ساهم معهم بمقدار ما ساهموا معه، وهو في حاجة إلى القول بأنه كان واقعا تحت تأُير غيره لهذا أدخل السيد فايز والشيخ سيد سابق على مرحلتين ولما أوشكت القضية أن تنتهي إلى مصيرها انصرف همه إلى تأخير نظرها أو إطالة أجلها وهذا لايتأتى إلا إذا أدلى بأقوال جديدة من شأنها التحقيق مع غيره فانتظر مواجهته بمالك وأدخل عددا كبيرا معه لعل وعسى أن يؤدي اتساع دائرة الاتهام إلى أمر فيه مصلحته.

وبعد فإذا عقدنا مقارنة بين أقوال عبد المجيد أمام قاضي التحقيق وهي الأقوال التي أدخل فيها صلاح وبين أقواله الأولى التي جاء فيها أن صلاح لم يشترك في حديث القنبةل الفسفوية أو قنبلة الدخان، لا بأن ذلك تضارب أقوال عبد المجيد مرة أخرى وعلى فرض صحة أقوال المتهم عبد المجيد فيما يختص بجملة يجب الانتقام ممن حل الجمعية فهو لم يبين كيف يكون هذا الانتقام هل بالقتل؟ أم بالإهانة أم بالضرب والتشهير؟ ولذلك لا يمكن إدخال مثل هذا القول في باب من أبواب الاشتراك المنصوص عليها في المادة (40) عقوبات وهي التحريض أو الإنفاق أو المساعدة إذ هي لا تعدو إبداء رأي شخصي.

على أننا إذا ذهبنا إلى أبعد من هذا واعتبرناها تحريضا فإنه يشترط في التحريض قانونا أن يكون الفعل المكون للجريمة قد وقع بناء على هذا التحريض وبعبارة أخرى يكون التحريض قد أنتج أثره وهو شرط منصوص عليه صراحة في المادة (40) وعلى فرض ما قاله عبد المجيد من أن صلاح الدين حضر اجتماع يوم (25) ديسمبر الذي تقرر فيه يوم الأحد فإن حضور صلاح هذا الاجتماع لا يفيد اشتراكه في الجريمة إذ من الجائز أن يكون قد جاء مصادفة إلى منزل عاطف فوجدهم مجتمعين.

إنني أخشى بعد كل هذا أن تنقلب الشدة في عقابهم إلى عطف عليهم فيضيع على الحكومة مما تتوخاه من استتباب الأمن وعودة الحياة إلى مجاريها.وكلمتي الأخيرة إليكم هي: رفقا ثم رفقا بهذه القوارير، وتذكروا تلك الحكمة البالغة التي هي شعار قضائكم (الرحمة فوق العدل)

مرافعة عبده أبو شقة المحامي

في هذه القاعة وفي هذا الفقص وهذا المكان الذي يقف فيه عبد المجيد أحمد حسن الآن ومنذ ثلاثة وعشرين عاما، وقف محمود فهمي النقراشي متهما في قضية الاغتيالات السياسية وحبل المشنقة أقرب شيء إلى عنقه وعبد المجيد يومئذ في الأرحام ولقد شاءة إرادت الله جلت قدرته،

أن يصون النقراشي من كيد الكائدين ليؤدي ضريبة العظمة التي يفرضها القدر على أمثاله من الشهداء والمجاهدين حتى إذا أطفأ النسيان كل شيء بقى نور دمائهم شهابا رصدا لا تطفئه الأيام وفي هذه الحقبة من الزمن ولد عبد المجيد ونما وترعرع، وكتب على نفسه أن يكون أشقى أبناء هذا الجيل فطوي برصاته الغادرة كتاب حياة كانت، وستظل إلى الأبد قصة الثورة العاقلة الكاسحة لمن أراد أن يتعلم وقصة الوطنية الملهمة تعمل كثيرا وقليلا ما تتكلم وقصة الفضيلة

والأخلاق في رجل كلما ذكرته ذكرت قول علي في عمر: (إنه لم يأكل من طعام أعجبه حتى شبع، ولم يسلم من عدل ولده حتى أقام الحد عليه ولقد بشره النبي بالجنة، ولكنه كان أشدنا من الله خوفا) إن أراق التحقيق حدثتنا عن القاتل أنه فوضوي عنيد رهيب من ذلك الطراز من الفدائيين المنتحرين الذين امتلأت بهم ذمة التاريخ والدين ندبوا أنفسهم بما توافر لهم من قوة خارقة وعقيدة ثائرة طاعية للقيام بأعمال رهيبة هائلة يلتمسون من ورائها ما قر في أوهامهم من مجد أبدى أو بطولة أو خلود في عالم أفضل من عالمهم وفي سيبل أهدافهم تلك لا يشعرون لهيبة القانون أو سلطان لزواجر الاجتماع ولذلك ترى الواحد منهم يقبل على ضحيته جهرة على رؤوس الملأ يذيقه الموت ثم يقف على رأسها ضاحكا شامتا تزداد النشوة المسكرة في أوصاله لكما أحس بدمها الجاري يدفئ يديه.

في هؤلاء الفدائيين يحدثنا العلامة (جوستاف لوبون) في كتاب (الآراء والمعتقدات) فيقول: وحين تشتد اندافعات المرء الدينية لا تقدر على ردعها جميع الزواجر الاجتماعية وعقوبات القوانين إن هؤلاء أبناء فكرتهم وعقيدتهم آمنوا بها وعاشوا لها ويرون الموت تضحية رخيصة في سبيلا فترى الرجل منهم يعيش في عالمه الخاص مستقلا عن كل شيء إلا عن قيدته التي تأصلت جذورها في أعماق نفسه يسبح لها ويهون عليه أن يموت من أجلها وهو ن فكر في الانتقام لها من إساءة تصور في حدود تعصيه الطاغي أنها وجهت إليها أو خطر توهم بوحي نفسه أنه محدق بها أقبل على ضحيته أمام أعين الناس فصب عليها انتقامه الوحشي غير رحمة بها

ولا رحمة بنفسه مزهوا برؤسة الدم يقطر من يديه بل ليرى الضعف والهوان أن تخير لجريمته اختياط القاتل العادي الذي يدبر وسائل التخفي ووسائل الهر ووسائل الدفاع عن نفسه إن هؤلاء المنتحرين تتسم حياتهم في الفترة السابقة على الجريمة بنفس الطابع الذي تتسم به طريقة ارتكابها نفس الجرأة ونفس الشذوذ ونفس التعصب ونضرب مثلا لهؤلاء الفدائيين بعبد اللطيف عبد الخالق الذي أطلق الرصاص على الزعيم الخالد سعد زغلول..

فإن هؤلاء الفدائيين ارتكبوا جرائمهم على صورة فذة وعلى ملأ من الناس ارتكبوها وهم يعلمون أن مصيرهم المحتوم هو ن يخروا غلى جوار ضحاياهم قتلى بايدي الحراس المحيطين بهم أو عد ردح من الزمن بحبل المشنقة الذي أعد لأمثالهم ارتكبوها وهم يعلمون أنهم كتبوا على أنفسهم الموت وباعوا حياتهم وقبضوا الثمن الذي أرادوه أو توهموه نصرة للعقيدة التي ملأت جوانبهم وهونت عليهم كل شيء حضرات المستشارين إن هذه النظرية تنطبق على عبد المجيد فهو الطراز الفدائي ونستند في ذلك إلى ما جاء في أقواله الأولى عقب الجريمة

ثم اعترافاته وكيف أن عبد المجيد كان يعلن عن شعوره الأول ويصف النقراشي باشا بأنه خائف للوطن وخائن للدين ومشرد للطبة فهو يستحق القتل وأنه علل القتل بأن النقراشي باشا أضاع السودان وضيع فلسطين وحل الإخوان على أن عبد المجيد قد تطور بعد الحادث إلى إنسان أخر فها هي السحب الكثيفة التي خيمت على قلبه في الماضي تستحيل إلى إعصار مرعب وتفجر افنجارا مروعا فهو اليوم يحس بكل شيء ويقدر كل شيء ويزن يملكاته المعتدلة الرزينة كل شيء هو يشعر اليوم بأنه قتل عظيما

وأن الجلاد يفرك يديه في انتظار اللحظة التي يعصر فيها عنقه يشرع بأنه زهرة العمر ومن حقه أن يعيش وأن ينعم بالدنيا والمستقبل أصبح يريد اليحاة وهذه الغرادة تنمو بالقدر الذي ينمو فيه تقديره للختام الفاجع الذي هو مسوق إليه وهنا بعض النفوس تستطيع أن تجمع بين المتناقضات فلقد قتل عبد المجيد وهو دائم الصلاة فأي غرابة في أن يقتل اليوم بالكذب والاتهام وهو صائم وننتهي في ذلك إلى التدليل على كذب القاتل في اتهام عاطف وذلك من مناقشة اعترافاته.

وكيف بدأ يتهم شخصا اسمه ضياء ولم يشأ الإفصاح عن حقيقة شخصيته ثم عاد وأفصح فذكر أنه مالك يوسف.. وندلل ايضا على براءة موكلي بأدلة منها عدم استعراف الترزي عليه وعدم استعراف صاحب منزل شبرا عليه إذ أنه قال إنه يشتبه أن يكون هو الذي حضر إلى المنزل وكان قد تعرف على شخص أخر لا يمت للقضية بصلة.

وبعد فإذا كان هذا المتهم قد اراد أن يخدعكم بأكاذيبه فيستبدل بحبل المنشقة بضع سنوات يقضيها فليطمع ما شاء في هذه السنوا ولكن الله قد أعد لأمثاله المصير الرهيب أو العذاب في جحيم لا ينجيه منها كذب ولا بهتان وإن له الساعة في يوم الحساب يدفع فيها الثمن عن هذا الدم الذكي الذي اراقه ظلما دم هذا العزيز الذي كان صاحب الفضل عليه فأمر بأن يتعلم بالمجان في كلية الطب والا يرسل إلى المعتقل لقد كان رحمه الله يدافع عنه فيالسخرية القدر

وأيضا المتهم الثاني المعترف جلال الدين يس الفتى السكرير المتهالك على الملذات الضعيف المتخاذل الخائر العزيمة الذي يكره القتل ويكره منظر الدماء، ويبكي على عبد المجيد لأنه صائر إلى موت لا يستحقه وعلى نفسه لأنه لا يزال في زهرة العمر فكيف يموت المريض بالمغص الكلوي يأتيه في الليل وفي النهار وهو في السيارة وفي الترام وسائرا على قدميه النئوم الخامل الذي يعشق الراحة الدعة، جلال هذا هو القاتل لثاني الذي فرضت عليه الجماعة مافرضته على عبد المجيد من القيام بمراقبة المجني عليه والعمل على تمام قتله وسط حراسه وفي بيت الحكومة.

حضرات المستشارين أنحن نهزل أهذه قضية ترفع إليكم؟ أهذا اتهام تخاطب به عقولكم إنها لمأساة أمر فصولها وأحلفها بالعظة ذلك الفصل المضحك ألم تجد الجماعة المتآمرة على القتل شخصا غير جلال ليؤدي أخطر مهمة حملها فدائي؟ هل تتصورون أن تظل الجماعة مصممة على أن يكون جلال هو الشريك الأوحد لعبد المجيد في قتل النقراشي باشا يرافقه إلى مكان الجريمة، ويرتدي بدلة كونستابل ويحمل المسدس بعد الذي أقر جلال به من أنه كان في كل اجتماع يدعي إليه يستنكر قتل المجني عليه ويبدي أعظم النفور ويطلب إلى إخوانه ألا يخوضوا فيه كفكرة تحتمل التنفيذ ألا يكفي نفوره من الجريمة واعتراضه عليها، لإثارة الشك فيه وإبعاده عن محيطها ونتحيته عن القيام بأي دور لإعدادها ألا يخشون هذا المتمرد الضعيف الجبان الرعديد؟

إن رواية جلال كاذبة وندلل على ذلك بأدلة كثيرة منها ما عرف عن جبن جلال وخور عزيمته وإنكاره كل شيء في بدء التحقيق إذ أنكر ذهابه إل الوزارة بل أنكر حتى معرفته لعبد المجيد ولما ووجه به صمم على الإنكار هذا إلى أنه عند إحضاره من الطور للتحقيق معه في هذه القضية بات في كنف البوليس وكان يقرأ الصحف وكانت بعض الصحف تنشر أنباء التحقيق فدخل التحقيق وهو ملم بكل شيء وكان يفهم أنه إن أيد عبد المجيد فستدركه الرحمة فلا يعود إلى الطور.

كما أن عبد المجيدج لم يذكر اسم جلال يس في اعترافاته الأولى وظل سبعة شهور لا يذكر اسمه مع أنه رفيقه في القتل ومساعهد فهل يعقل أن يعني عبد المجيد بذكر مصاحبة عاطف له مئات من الأمتار من محل استرا إلى دكان الترزي وينسى الصديق والشريك الفعلي.

إن رواية القاتل عن وجود شركاء له في واقعة القتل ذاتها رواية ليست معقولة لعدة أسباب منها أنه لم يذكر شيئا عن ذلك في مراحل التحقيق الأولى وثانيا: أنه من غير المعقول أن يغفل القاتل ذكر شركائه في عملهي القتل ذاتها ويهتم بأن يذكر توافه الأمور التي فاضت بها أقواله الأولى وثالثا إن تعليل القاتل لوجود شركاء له أنهم أعدوا له طريق الهرب أو إتماما القتل قول لا يقبله العقل لأن طريقة القتل لا تدع مجالا للتفكير في الهرب،

وأما عن دفاع موكلي عاطف في التحقيق فقد قرر فيه ألا صلة له بالجريمة وأن عد المجيد التقى به مصادفة قبل الحادث بخمسة عشر يوما على مقربة من منزله فدعاه إليه وبقى فترة قصيرة كان القاتل يتحدث فيها عن أعمال النقراشي باشا، وعن ضرورة الانتقام منه فهناه عاطف عن الاسترسال في ذلك وبين له سوء مصير الجماعة كلها إن حاول أحد ارتكاب مثل هذا العمل الطائش وبصره بما جره قتل الخازندار بك على الجماعة من فقدان هيبتها.

ثم إن عاطف استشهد على سلامة نفسه ويده بشهود محترمين لا يطعن في شهادتهم وقد أيدوه في روايته تأييدا صادقا وأما عن عبد الحميد محمد أحمد فندلل على براءته بأن عبد الحميد لم يذكر اسمه مطلقا في جميع مراحل التحقيق وذكره لأول مرة يوم (20) يوليو بعد إعلانه بجلسة المحاكمة وإن كان ما نسبه إليه هو أنه الذي أرشده إلى منزل شبرا وأنه حضر اجتماعا في منزل عاطف ثم لم يره بعد ذلك وأنه يكفي لدحض حكاية منزل شبرا أن عبد المجيد قرر في أقواله الأولى أن أحمد فؤاد هو الذي أرشده إلى هذا المنزل ولم ينسب ذلك إلى عبد الحليمي وأما عن حضوره الاجتماع في منزل عاطف فلا يقيد الاتهام لانقطاعه عن حضور الاجتماعات الأخرى المقول بها إلى حين القتل.

ثم قال إنه كان قد أعد دفاعه لمناقشة أدلة الجناية المطروحة في حدودها الطبعيية ولم يكن ينوي التعرض لجماعة الإخوان ولكنه اضطر لتغيير هذه الخطة وذلك لأن النيابة تناولت في اسهاب تاريخ هذه الجماعة ونظرا إلى أن عبد المجيد الذي استمرأ حلمكم نشر قصصا طويلة عما سماه تاريخ الإخوان.

حضرات المستشارين: إنني مضطرا للحديث عن تاريخ الإخوان فإنه قد ظهر في البلاد منذ سنوات رجل حاد ال ذكاء متين الوعي شديد العارضة بارع المقدرة في مخاطبة الجماهير بشر في الناس بدعوة دينيه مؤثرة تدعوهم إلى التحرر من مفاسد الدنيا، وأن يتلمسوا في الدنيا وتعاليمه مهربا كريما من غير هذه المدنية وباطلها ولقد لقيت دعوته صدي رحيبا عميقا في نفوس الآلاف بل الملايين وتدفق القوم أفواجا إلى ساحة هذا الشبح الخطيب تدفقوا شيبا وشبابا متعلمين وجهالا عمالا وطلبة محامين وأطباء ومهندسين تدفقوا من كل فئة ومن كل مكان واتخذت هذه الجماعة طريقها إلى هدفها المرموق في ثقة وإيمان وأصبحت بعد سنتين قوة كبرى تثير الإعجاب لما توافر لها من دقة التنظيم وسرعة النمو والارتقاء.

ثم شبت نيران الحرب في فلسطين واضطرمت روح الجهاد في نفوس المصريين والعرب وتدفقت على الأرض المقدسة أفواج المقاتلين الذين وهبوا أنفسهم للفداء دفاعا عن قضية إخوانهم في الدين والدم والتاريخ فوجد الإخوان المسمون في هذه الحرب فرصة مواتية لإشباع عواطفهم ونوعا من الصراع يتلاءم أشد الملاءمة مع نوازعهم المتوثبة لخدمة كل ما يتصل بالدين والتضحية

فأسرع إلى حومة الوغى وبهم إلى الشهادة شوق الجبان إلى الحياة والذي يسأل التاريخ عن فعالهم في هذه الحرب يحنى الرأس إكبارا لما سجله شهداؤهم على الأرض الشقيقة من ضروب البسالة والإقدام ومن انتهاجهم في قتالهم نهج السلف الصالحين الذين نصرهم علي بن أبي طالب بشرعة القتال الحق فاستمعوا له وأطاعوا ولا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا طفلا ولا تجهزوا على جريح وأكرموا وفادة الأسير، ذلكم أقرب للتقوى وأولى بالمؤمنين ولقد كان من عناصر هذه الحرب أو من نتائجها أن تملك الحقد على العدو واشتد الكره للأعداء

من كان منهم يحمل السيف في ميدان القتال، ومن بقى في ربوع هذا الوادي يحمل ويبذل صنوف العون لإخوانه المقاتلين فحدثت في الخطوط الخلفية لجبهة الحرب حوادث نسف وتدمير لممتلكات اليهود نسبت على ما تقول النيابة إلى الإخوان المسملون وعلى الرغم من أن كلمة العدل في هذه الحوادث ووصفها الذي تستحقه لم يحن أوانها بعد فإن كثيرين من الإخوان المسلمون لم يتفق هذا العنف مع مزاجهم ورأوا فيه شذوذا

ونفروا منه نفورا.ولقد كان من مقتضيات هذه الحرب أيضا أن يعبئ الإخوان مواهب رجالهم وكل ما يملكون من صنوف القوة للخدمة من أجل فلسطين فأقبل أطباؤهم على تشكيل الوحدات الطبية لمعالجة الجرحى وإسعاف المصابين وأقبل ذوو اليسار منهم على بذلك أموالهم لإعانة الضحايات وشراء الأسلحة وتغلبت روح الجهاد والتضحية على كل شيء سواها فانصرف الطالب عن معهده يهتف من أجل فلسطين ويعمل لخدمتها في خدود طاقته وفرض كل فرد على نفسه وأعبائه الخاصة أعباء جديدة من أجل فلسطين ونصرتها.

حضرات المستشارين إن من الظلم الفادح أن نتجاهل أن هذه الجماعة انتظمت صفوفها آلافا من صفوة المثقفين وذوي الغايات والشباب الكريم الوثاب المشتعل وطنية وغراما بمجد الوطن ولست أنكر بل يجب أن أقول في لهجة الناقد الذي لا يرحم: إنه وقعت من بعض أفراد جماعة الإخوان المسلمون حوادث بالغى الخطورة كقتل القاضي العظيم الخازندار بك ومحاولة نسف هذه الدار وقتل الشهيد النقراشي باشا على أن الإنصاف يقتضينا

وقد قرأنا هذه القضايا جميعا ووعينا ظروفها أن نقولها كلمة حق صريحة قد تصدم رجل الشارع في معتقدة ولكنها تلتقي مع اقتناعكم الصحيح إن هذه الحوادث الفاجعة كانت مجرد أعمال فردية قام بها أشخاص بأعينهم أشخاص متهوسون مخبولون بوحي من أنفسهم وقصدوا بها إصابة أغراض محدودة تمسهم وحدهم دون أن يكون للجماعة كهيئة عامة صلة أو نصيب بتدبير هذه الحوادث أو بطريقة ارتكابها بل إنني لعل حق إذا قلت إن الجماعة نفسها قد أصابها الضرر الشديد أدبيا وماديا نتيجة لهذه الحوادث

وإن الشيخ حسن البنا أو أي رجل يحمل في رأسه بعض العقل لو عرض عليه أمر هذه الحوادث قبل ارتكابها لنهى في قوة وعنف وبكل ما يملك من قوة لأن الأثر المحتوم لهذه الحوادث لم يكن موضع شك إن أثره أن تفقد الجماعة هيبتا وقيمتها الأدبية وإن تستهدف قوتها للشك الشديد والضغط بل والحرب والعوان الشديدة.

حضرات المستشارين والضباط العظام:

إننا قصدنا بهذه الكلمة ثلاثة أهداف رئيسية:

الأول: إننا نعبر عن دهشتنا لهذا الطابع الذي خلعته النيابةي على الدعوى وهي أنها قضية الإخوان المسلمون ضد معارضهم في الرأي وضد النظام والقانون وبعض الشي من النظر الحليم يردنا عن إصدار هذا الحكم الجائر على الجماعة.

الثاني: إن يمزق عن عبد المجيد تلك المسوع المزيفة التي تستر فيها وأخفى شخصية الحقيقة أن يعرضه أمام المحكمة كمجرم سفاح قتل في جراءة وجنون ثم أراد أن يدفع عن نفسه مصيره الرهيب فلجأ إلى الكذب والتلفيق والخداع.

الثالث: أنه إذا كان الإخوان قد دبروا أمرهم لقلب نظام الحكم فلماذا أرسلوا صفوة رجالهم المدربين إلى ميدان القتال وحمل السلاح للاشتراك في حرب فلسطين وهذه مسالة معترف بها من عمار بك ومن عبد المجيد نفسه إذ قال إن التدريب كان يشمل السلاح وطريقة اقتناص الدبابات.

لقد كان النقراشي أمة وأن دمه ليساوي دماء الملايين فاغضبوا له ثم اغضبوا ولكن ما يزعج ذكراه أن تصيوا في غضبكم برئيا وأنتم لا تقصدون فاتخذوا عصمة من قول النبي (أدرءوا الحدود بالشبهات) واذكروا أن هؤلاء المتهمين الذين تتشبث أبصارهم بكم لا يرون أشخاصكم ولا صوركم وإنما يرون الله في صوركم الله الذي لايغفل ول يتحيز ولا يخطئ في حكمه أبدا وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل إن الباطل كان زهوقا.

مرافعة مختار عبد العليم المحامي

لايسعنى في مستهل هذه المرافعة إلا أن أشاطر حضرات الزملاء الذين سبقوني إلى هذه المنصة استنكارهم الجريمة في كافة صوره وأسال الله العلي الكبير أن بقى البلاد مباءات الفتن وأن يجنب شبابنا الاضطراب والقلق، وأن يتع بلادنا العزيزة بالأمن والأمن والطمأنينية والسلام، إنه خير مسئول.

إن الدفاع يعتقد أن القضية خلو بالنسبة لجميع المتهمين عدا عبد المجيد من دليل سوى ما يقوم لدى المحكمة من شبهة ولديها أقوال النيابة الأولى في مرافعتها فجماعة الإخوان المسلمون تهدف إلى خير الإسلام ونصرته والحض على اتباع تعاليم الكتاب وأطاعة الله والرسول ولم يكن الإجرام والإرهاب من طبيعتها وهنا نتساءل عما تره النيابة في شعار الإخوان وهو مصحف وسيفان وآية قرآنية وهل لم تعلم عن موقف الأستاذ حامد جودة الذي وقف منذ شهر في نادي الحزب السعدي يقول: هل أنتم مستعدون للجهاد؟

ولم يقل أحد أنه يدعو للإرهاب ولكن ياللعجب النيابة تنكر على [الإخوان]] عبارة ندعو إلى الإسلام والحكومة جزء منه، ومنذ عشرين سنة أخرج الشيخ علي عبد الرازق كتاب الإسلام وأصول الحكم فقرر فيه: أن الإسلام لا شأن له بأمر الحكومة فجرده العلماء من درجته العلمية وها هي ذي النيابة اليوم تحمل على الإخوان لأنهم يقولون إن الحكومة جزء من الإسلام فما أعجب الأمر.

وبعد فحرب فلسطين هي السبب في تكوين فرقة الجوالة وإنشاء التدريبات العسكرية وقد كان للأحداث نصيب في هذه الحرب وأن ما يقوله عبد المجيد عن النظام الخاص والخلايا السرية محض افتراء إذا لم تكن هذه الخلايا التي يزعمها إلا فرق المتطوعين في سبيل الله والوطن.

أليس عجيبا أن نسمع ممثل النيابة يحمل الإخوان المسلمون اليوم دم هذا الفقيد الكريم بعد أن برأها منه عميد النيابة وحامل لواء القضية بالأمس وبعد أن ورد حتى في أقوال النقراشي باشا بعد أن انقلب على الإخوان أن المرشد العام كان ناقما على مقتل الخازندار بل أراني قريبا من الجزم بأن روح النقمة وحملة الأرجاف والدعاية التي اصطنعتها الحكومة الحزبية لستر زلتها التاريخية في قرار حل جماعة الإخوان المسلمون

قد صادف تصديقا كاملا في دوائر النيابة فكتبت مذكرة الإخوان عمقة مسيطرة في نفس النيابة تعمد إلى كل فضيلة من فضائل هذه الهيئة فترها من منظار الاتهام رذيلة نكراء وترد كل مثل رفع من مثل الجماعة فتلفظه وصمه شنعاء بل تتعقب كل عظة كريمة في رسائل [الإخوان]] فتخرجها جريمة حمراء، خلقت النيابة في كل هذه الروح كلمة العنف ثم أكرهت اللغة والحودث إكراها على أن تصف بها أعمال الإخوان وللغة والحوادث من هذا براء.

وتأخذ النيابة على الإخوان تقسيم مراحل عملهم إلى تعريف وتكوين ثم تنفيذ وهذه الوثيقة من وثائق الاتهام آية البراءة مذا يعني المريب من نشر الفكرة العامة لو كانت له أهداف مستورة إن كان يعتمد على العنف فما أغناه عن إضاعة هذه الجهود الخارقة الطويلة في تبصير الرأي العام وإن كان يعتمد على الدعوة وهذا الحق الذي لا مراء فيه فلا يعقل أن يكون له نظام خاص.

أما ما دعا إليه المغفور له الأستاذ البنا من مخالفة المألوف فإني ما وددت قط أن تغفل النيابة هذه العبارة وإن ساقتها مساق التهمة فما هي إلا صفحة لامعة من صدق الدعوة وجدها واستقامتها وحدثوني إن شئتم عن فكرة صلحة بلغت البلاد بها شيئا من الخير دون أن تخالف مألوف الناس وعاداتهم والله لو تحررنا من سلطان مألوفاتنا.

ونحكم عادتنا فينا لكسدت سوق الاستعمار فينا ولوجد الأجنبي خسارة كبرى في أن يقيم بيننا ويأسا كاملا من أن يبتز أموالنا ويفسد أخلاقنا فقد أقسم عالم بشئون الاقتصد مرة أنه لو أجمع المصريون على مقاطعة الشاي فقط لاضطربت أسواقه في انجلترا اضطرابا يثير تجارة على ساسة البلاد فيحملهم على الانحناء لمطالب المصريين لو خالفنا مألوفنا في التدخين لوفرت الملايين.

ولو خالفنا مألوفنا في الكساء فاكتفينا بإنتاج بلادنا مهما بدا خشنا لألزمنا المحتل لبلادنا بالهجرة عنها دون أن نشهر سلاحا أو نريق دما فإذا قيل: إن ذلك يتفق وكرامة المستوى الحضاري الذي وصلت إليه مصر فدلوني على زعيم مصري يتمتع من تقدير العالم المتدين بمعشار ما تمتع به غاندي زعيم الهند بثيابه البالية ومغزله الضئيل ومعزته العجفاء.

إن قرار حل جماعة الإخوان كان قرارا غير قانوني، ولم تستند الحكومة فيه إلى سبب قوي يدعو إلى هذا الإجراء حتى أن عمار بك حين سئل في المحكمة عن سبب الحل وهل كان إجراء قضائيا أم إداريا أجاب بقوله: إننا لا نتقيد بالأحكام القضائية.

حضرات المستشارين: إن اتصال ضباط البوليس السياسي بالمتهمين ومحاولتهم التأثير في الشهود واضح وذلك يبدو واضحا وضوحا جليا من تضارب صاحب منزل شبرا في أقواله ومن قول أحد المتهمين لما ووجه بأقوال زميل له قال: (ريما كان هذا الكلام من إيحاء البوليس السياسي إضافة إلى أن هناك متهمين عذبوا وأوذوذا وإذا كان عبد الجيد لا يريد أن يذكر شيئا عن وسائل التعذيب التي اتخذت معه فلأنه الآن شخص مخدر بتأثير البوليس فهو مريض ولو أطلق لسانه لذكر كل شيء).

مرافعة أحمد حسين المحامي

حضرات المستشارين والضباط العظام:

في كل بلاد العالم المتمدنين: زالت الألقاب والرتب، وأصبح الناس يتخاطبون بأسماءهم مجردة من ألفاظ التكريم والتعظيم ولقد سمعت الناس في أمريكا وفي انجلترا يخاطبون رئيس حكومتهم باسمه مجرا ولا فرق في ذلك بين وزير أو عامل من العمال وليس لهذه القاعدة إلا استثناء واحد حيث لا يزال للألقاب كل صولتها وحيث لا يستطيع أن يسوق الحديث المخاطب إلا بعد أن يحشد عبارات الاحترام وهذا الاستثناء هو دار القضاء.

فما زالوا في أمريكا إذا خاطبوا أصغر القضاة قدموا لخطابهم بتمجيد القاضي وليس ذلك إلا الدليل على أن الناس كلهم من طراز والقاضي إذا جلس في منصة القضاء أصبح من طراز آخر ووظائف المجتمع كلها على اختلاف ألوانها وميادينها تتفق كلها في أنا من طبيعة واحدة لا فضل لإحداها على الأخرى فكلها ضروية أو نافعة لا طراد حياة المجموع وليس سوى وظيفة القضاة هي التي تنفرد من بقية الوظائف بأنها الوظيفة الأسمى والأعلى فهي ليست نافعة للمجتمع أو ضروية له فحسب بل إن المجتمع لا يقوم إلا بها وهو لا يتدرج تحت وصف المجتمع إلا إذا قامت فيه هذه الوظيفة الكبرى.

لطالما تصور الناس الخالق بصورة شتى تناسب عقليتهم وظروفهم وبيئتهم ولطالما ضلوا السبيل فنسبوا في كثير من الأحيان إلى هذا الخالق كثيرا من الصفات التي يتنزه عنها ولكن هناك صفة واحدة لم يستطع الإنسان في كل زمان ومكان إلا أني يصف بها معبوده وخالقه وهذه الصفة هي العدل فالألوهية والعدالة متلازمان والله عدل ولا يمكن للإنسان أن يتصور غير ذلك

وإذا كنا نرى في هذه الدنيا ظواهر وحوادث يبدو لعقولنا المحدودة أن العدل قد انتفى منها فإن ما أجمعت عليه الأديان السماوية بل تخيلته الفطرة السليمة أن هناك بعد هذه الحياة حياة أخرى حيث يسحب الميزاني وتصحح الأوضاع ويعطى لكل ذي حق حقه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وبغير هذا العدل النهائي لا تستقيم المعاني في نفوس الناس بل لا يمكن أن يكون لهذه الحياة كلها مغزة أو معنى.

فالعدالة هي المطمح النهائي للبشر وهي غاية الغايات وعلة العلل ومادام الأمر كذلك فلا عجب إذا كان القضاء كل تجلة وإكبار لا يختلف في هذا متهم عن متهم أو محام عن متهم أو وكيل نيابة عن محام وقد رضينا بقضائكم أيا كان بالبراءة أو بالإدانة سواء والقول بغير ذلك يكون إهدار لأخص خصائص القضاء الذي يجب أن ينزله الناس منزلة القداسة والرضا بما يأتي من أحكام.

أشارت النيابة على لسان ممثلها الأعظم وممثلها المترافع الذي يشكر العرفان له جهده في كل المناصب التي تولاها سواء في القضاء أو النيابة إلى حادث مقتل الشهيد الخازندار بك واعتبروه إثما كبيرا وجرما عظيما ويريد الدفاع أن ينضم إلى النيابة في كل ما قالته في هذا السبيل بل إني لأذهب إلى ابعد من ذلك فاقول إن قضيتنا هذه بالرغم من خطورتها لا يمكن أن ترقى إلى خطورة قضية الشهيد الخازندار بك فنحن اليوم أمام مصرع رئيس حكومة وهو رزء عظيم من غير شك ومع ذلك ففي عالم السياسة يجوز كل شيء

ولم يكن هذه أولى الجرائم في مصر أو في العالم ولن تكون آخر الجرائم من نوعها فقد قتل المرحوم النقراشي باشا والمغفور له الدكتور أحمد ماهر وفي تاريخنا قبل ذلك مقتل بطرس باشا غالي قدس الله روحه فالاعتداء على رئيس الحكومة على شناعته هو جريمة مألوفة وخاصة في المجتمعات التي لم تستقر بعد ولكن غير المألوف والذي لم تعرفه مصر في أي يوم من أيام حياتها هو الاعتداء على قاض لحكم أصدره.

ولو كان هذا القاضي من أصغر القضاة شأنا فما بالكم وشهيدنا من أعلى القضاة درجة وتجلى في مصرعه كل ماله من صفات عالية محمودة فقد كان يخرج من بيته في ساعة مبكرة وأكثر الناس لا يزالون نياما ويسير إلى عمله سيرا على الأقدام كأصغر موظف من الموظفين ويكتشف بعد موته أنه لا يملك من حطام الدنيا قليلا أو كثيرا.

يا حضرات المستشارين والضباط العظام:

دعوني في هذا المحراب المقدس أندد بالسياسة الحزبية التي أتلفت كل شيء في هذا البلد والتي سأريكم أن هذه المأساة التي نحن بسبيلها اليوم ليست إلا ثمرة من ثمارها فهذه السياسة الحزبية التي طغت على كل شيء وعميت عن كل حق لم تدرك للشهيد الخازندار حقا كما أدركته لأي سياسي من السياسيين فهؤلاء إذا ماتوا أو قتلوا لأي سبب من الأساب وجب أن تقوم الدنيا لهم وتقعد فأنشئت التماثيل في كل مكان وسميت الشوارع بأسمائها وأعطى ورثتهم وحفيدتهم الألوف المؤلفة من الجنيهات.

أما عندما يصرع قاض عظيم في أثناء القيام بواجبه فإن الدولة تمن علينا بأن معاشه قد سوى وأن ورثته قدأعطوا بعض المكافأة أين التمثال الذي كان يجب أن يقام للحازندار بك في محكمة الاستئناف؟

وأين الدروس والعبرة التي كان يجب أن تكون في متناول كل طالب وكل شاب ليتعلم معنى قدسية القضاء وليكون الشهيد الخازندار رمزا لهذه القدسية؟

وإذا كان للقضاء بصفة عامة هذه القدسية فإن القضاء المصري العاللي قد برهن على أنه جدير بهذه القدسية وإنني إذا كنت أقول هذا فليس ذلك نزولا عن واجبات المهنة ولكنها شهادة المراقب المجرب الذي جرب بنفسه وتذوق حلاوة العدالة كمحام أحيانا وكمتهم في أكثر الأحيان.

وما لنا نذهب بعيدا وهذا هو الحكم في قضية مصرع الخازندار؟ فسيبقى هذا الحكم درة الحكم خالدة تتوج جبين القضاء المصري لقد أذهل الحكم الناس في حينه بل لقد أنكره أقواام كثيرون قد خلطوا بين استبشاع الجريمة وبين عقوبة القاضي ونسوا ألا تلازم البتة بين الاثنين فدرجة الجريمة من البشاعة تحددها عناصر ودرجة العقوبة تحددها عناصر أخرى.

كان البعض يظن أن القضاء المصري سيفتك بقتلة الخازندار بك فتكا، كانت الرغبة في الانتقام تملأ صدور البعض حتى لقد تمنوا لو كانت هناك طريقة لقتلهم قتلا بطيئا أو تعذيبهم وكيهم بالنار يتمنى أناس اليوم أن تفعلوا ذلك بهؤلاء المتهمين ولكن القضاء المصري العالي وهو يمثل العدالة السماوية أصدق تمثيل قد تنزه عن الحقد والغضب قد ارتفع فوق الدوافع الشخصية والمؤثرات الخاصة

فقال في حكمه وقوله الحق إن القضاء لا ينبغي أن يتأثر بشخصية المجني عليه وأنه ينبغي عند تقدير العقوبة على الجاني أن يقدر ظروف الجاني فلما استبان للقضاء أن هذا الجاني وصاحبه مشكوك في أمر إدراكهما وأن أحدهما قد يكون مريضا بالصرع وأن الآخر لم يكتمل نموه العقلي ولما كانت الأحكام لا تبنى إلا على اليقين الثابت فقد تزعزع يقين القضاء في أحقية هذهين المتهمين للإعدام فكان التحول من هذه العقوبة إلى أخرى أخف منها منحتما نعمة الحياة وهما اللذان سلبا قاضيا عزيزا نعمة الحياة.

أقول لكم يا حضرات المستشارين إن الناس قد تذهب في هذا الحكم مذاهب شتى أما أنا فإني أنحني إجلالا لهذا الحكم الذي يعلي من سمعة مصر في أنحاء العالمين لو أن الحكم قضى بإعدام المتهمين لما كان في الأمر شيء غير عادي أو لافت للنظر فأحكام الإعدام تصدر في كل يوم على قتلة أشخاص أهون شأن الخازندار بك وليسوا في وظيفته.

والناس كلهم يعرفون أن من قتل يقتل وما كانت لتكون صفقة رابحة أن يعدم شابان ناقصا الإدرا أحدهما أو كلاهما في مقابل شخصية الخاذندار بك فهي شخصية لا تعوض ولا يمكن أن تقوم بمئات بك الألوف من أمثال الشابين اللذين صرعاه، كان حفيا بالقضاء إذن أن ينظر إلى الموضوع النظرة كان حفيا به أن ينزع الغل والحقد من نفسه وأن ينظر إلى المتهمين نظرته إلى أي متهم آخر فيعاملهما بميزان العدل والحق والعدل عنده قد استبان في إعفائهما من عقوبة الإعدام فقضى بذلك في شجاعة واعتداد

وأنني لأشكر النيابة من أعماق قلبي إن جاءت لنا في هذه القضية بأوراق هذا الحكم لتكون بمثابة مصباح يضيء لنا الطريق وسط ظلمات هذه القضية وإن كانت هذه الدائرة والحمد لله ليست في حاجة إلى هذا المصباح بالذات فقد أوقدت بدورها مصباحا يزري ببقية المصابيح.

ولعلكم قد أدركتم يا حضرات المستشارين والضباط ما الذي أعنيه بالمصباح الذي أوقدتموه وهو ليس إلا حكمكم في قضية نسف المحكمة فإذا كان العدوان على الخازندار بك قد أزعج الناس مرة فقد أزعجتهم هذه الجريمة ألف مرة، وإذا كانت مصر قد خسرت في الخازندار بك قاضيا جليلا فقد كادت تخسر في هذا الحادث زهرة قضاتها والمشتغلين بالقانون أجمعين لم يوجد في مصر كلها من أقصاها إلى أدناها من لم يرتجف جسده بالقشعريرة وهو يطالع تفاصيل هذه الجريمة لم يوجد مصري واحد لم يشعر بأنه كان مهددا شخصيا وبالذات بها فدار المحكمة يغشاها مئات وألوف من مختلف أبناء الشعب كبارا وصغارا فلو أحدثت هذه الجريمة كل أثارها المبتغاة لكانت النكبة التي لا يعلم سوى الله مداها لولا أنه سلم.

وأني لأذكر أنني في ذلك الوقت كنت أترافع في قضية القنابل عن المتهم الأول فيها سعد زغلول فرايت من واجبي أن أخصص جزءا كبيرا من مرافعتي استنكر فيه هذه الجريمة وأظهر مدى خطورتها.

كان الناس يظنون يا حضرات المستشارين والضباط العظام أنكم سترون الإعدام جزاء هينا لهذه الجريمة ولقد طالبتكم به النيابة العمومية تطبيقا للمادة (88) التي تقضي بعقوبة الإعدام على كل من استعمل قنابل وآلات مفرقعة بغرض ارتكاب قتل سياسي ولو أنكم قضيتم بالإعدام لا قدر الله في هذه الجريمة لوجدتم مسوغا من هول الجريمة وشناعتها ولكنكم ارتفعتم فوق الحقد، وفوق الغضب.

ولم تفكروا إلا أنكم قضاة تزنون الأمور بميزان الحق فاستبعدتم أن تكون الجريمة قد ارتكبت لغرض سياسي وأدركتم حقيقة المقصود منها وأنه إتلاف أدلة الاتهام في قضية الجيب وأن هذا شعور طبيعي لدى كل متهم أن يدفع عن نفسه التهمة بأي أسلوب من الأساليب فإذا كان صاحبنا قد أخطأه التوفيق وانحرف في اختيار وسائل الدفاع فإنا يجب ألا نذهب مع الغضب إلى الحد الذي ينسينا هذا الهدف الغريزي الأول.

قلت لكم مرة في حجرة المداولة: إن هذا الحكم مفخرة وإنه ليسعدني أني أعلن هذا على رؤوس الأشهاد ولعل أعظم ما راعني في هذا الحكم هو أسلوبه العف الذي لا يعرف الغضب أو الحقد فقد رحتم فيه تردون على دفاع المتهم عن نفسه وكان أقسى ما قلتموه من تعبير في واقعة من الوقائع وهي حضوره إلى باب الخلق ليأكل فولا إن هذا قول هراء تعرض المحكمة عنه.

هذا هو أقسى تعبير جاء في حكمكم وليس وراء ذلك نزاهة في لغة القضاء والأحكام وهكذا سيبقى حكمكم شكلا وموضوعا درسا وعبرة وموعظة لمن يريد الاتعاظ.

فيجب أن تكونوا على ثقة حضرات المستشارين والضباط العظام أننا مطمئنون كل الاطمئنان إلى حكمكم إذا كان حضرات الذين يمثلون جيشنا الباسل الذي نفخر به ونعتز لم يكن القضاء صنعتهم كما هو الشأن في مستشارينا الأجلاء فنحن لا نشك لحظة أنهم قد تسلموا هذا المنصب المقدس فأصبحوا زملائكم وشركائكم يقدرون المسئولية الملقاة على عاتقهم وأن ملابسهم إذا كانت عسكرية في الظاهر وإذا كانوا لا يرتدون الوشاح الأخضر كما تلبسون فإنهم يلبسونه من الداخل

وإن من سيكون سيء الخط من المتهمين فيحكم عليه بالإدانة يستطيع أن ينظر إلى قلوب هؤلاء الضباط ملتمسا الرحمة ولست أشك لحظة أنه عندما تأتي الساعة التي تخلون فيها إلى ضمائركم ويكون هناك رأي يقول بالشدة ورأ يقول بالرأفة والرحمة فإن حضرات الضباط سيكونون ممن ينادون بالحرمة لأنهم وهم أسود الوغى في الميدان لا يمكن إلا أن يكونوا ألين الناس طبعا وأرحمهم قلبا وهم يجلسون من المدنين مجلس القضاء.

لقد أثار زملائي من قبل دفوعا واعتراضات وصل أمرها إلى حد رد رئيس المحكمة ولقد كان لي موقف عجيب بصدد هذه الاعتراضات وهذه الدفوع فأنا كمحام يحتم علي واجبي أن أعمل كل شيء في حدود القانون لأنقذ موكلي وإني أكون مقصرا كل التقصير إذا أنا غلبت أي اعتبار سوى اعتبار صالح المتهم ذلك أن صالح المجموع تتولاه النيابة العمومية والقضاء النهائي تتولاه المحكمة وقد فرض القانون على المحامي أن يكون صالح المتهم هو شغله الشاعل وإلا قصر في حق وظيفته

وعلى هذا الأساس كنت أشاطر إخواني دفوعهم ولعل أحرج نقطة عندي طالما أثارت الشك في نفسي هي تولي حضرة الرئيس التحقق بنفسه في المرحلة الأخيرة من مراحل هذه القضية فلطالما ساءلت نفسي أليس يعني هذا أن الرئيس قد سبقنا فكون لنفسه رأيا في هذه القضية كما يكونه أي محقق وأن مجهوداتنا بعد ذلك ستكون عبثا لا طائل تحته وستكون بمثابة الضرب على حديد بارد.

لا جدال في أن الرئيس قد استخدم في ذلك حقا قانونيا لا جدال في أنه فوق كل ريب وشبهة لا جدال في أن تحقيقه هو النزاهة بعينها وسوف ترون أنني سأهدم هذه القضية من أساسها معتمدا على تحقيق الرئيس كل ذلك لا جدال فيه عندي ولكن المسألة ظلت تناوشني مع ذلك وتقضي مضجعي فالقضاء ليس قانونا فحسب وليس مجرد إجراءات ولكنه روح وتجرد وحياد تام مطلق

ولم يكن عندي شك أن هذا التحقيق خروج على الحيدة المطلقة ولذلك لن أستطيع إلا أن أصارح سيدي الرئيس بما يجيش في نفسي من قلق وهواجس فرأيت أن الرئيس يدرك من هذا الأمر مثل ما ندرك فأسرع في أول جلسة للتصريح بأن لن يتاثر إلا بما يدورفي الجلسة وأن العمدة عنده هي كل الأقوال التي تلقى في الجلسة وبدأنا نرى كيف يسعى حضرة الرئيس لتكوين اعتقاده مما يدرو أمامه

وأنه لما بدأت المرافعات سواء من النيابة أو الدفاع جلس يستمع لها استماع القاضي المجرب الذي يلمس الحق مما يدور في الجلسة ويلقى على سمعه ويثار أمامه ولذلك فإني صريح القول يا حضرات المستشارين والضباط العظام إنه لم يعد ثمة قلق في نفسي وإنني أنظر إلى النتيجة في ثقة واطمئنان.

إن الدفوع التي أثارها زملائي مطروحة عليكم وإنني كمحامي لا أستطيع إلا أن أنضم إليها وسوف تقضون فيها قضائكم الذي سيكون محكما كقضائكم في الموضوع ولكنني في ذات الوقت لا أستطيع إلا أن أؤكد اطمئناني في أنني أترافع أمام قضاة لم يكونوا لهم في هذه الدعوى حتى الآن رايا أو شبه راي وأن كل قول سأقوله أو سأتيره سوف يبادرون بتحقيقه وأن ليس هناك ما يدخل السرور في نفوسهم أكثر من أن أصل إلى موضوع اليقين في اتهام أحد هؤلاء البؤساء فأزعزعه وأعمر نفوسهم بالشك لست أشك لحظة أنكم ستستمعون لي بقلوب مفتوحة عطشى للوصول إلى الحقيقة التي تؤدي إلى براءة الكثيرين من هؤلا المتهمين.

ذلك أنكم تدركون محل الإدراك يا حضرات المستشارين والضباط العظام القول المأثور والمتفق على أنه قاعدة قضائية كبرى وهو أنه خير لك ألف مرة أن تخطئ في تبرئة مذنب من أن تخطئ في الحكم على بريء واحد.

ما أجمل قول الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقول: أدرءوا الحدود بالشهبات فهذا تحريض من الرسول أن ندفع حد الله عن الناس بالشبهات أليس ها هو أخر ما انتهى البشر إليه من حضارة وهم يقولون إن الشك يفسر لصالح المتهم فمهمتي أن أدخل الشك إلى قلوبكم وأنا في ذلك أصدع بواجب سماوي إلهي في قول الرسول: أدرءوا الحدود بالشبهات وأنا أؤدي واجبي القانون في ذات الوقت والذي يطالبنا بتفسير الشك لصالح المتهم.

حضرات المستشارين والضباط العظام:

بقى أن أختم هذه المقدمة من مرافعتي بأن أقول لحضراتكم إن لنا عليكم حقا ولكن علينا حقا أما حقنا عليكم فهو أن تدعونا ندافع عن أنفسنا بالطريق الذي نختاره وأن تسمعوا كل ما نريد أن تسمعوه وأن تحققوا كل ما نريد منكم أن تحققوه ويكون لنا مصلحة في تحقيقه حقنا عليكم يا حضرات المستشارين ألا تنتهي هذه المحاكمة وفي نفسي وقت نفس موكلي شيء لم يقله ولم تسمعوه أم حقكم علينا فهو أن نعتبر أن الحكم الذي ستنطقون به بعد ذلك ليس من قولكم ولكنه من وحي رب العالمين وإنكم مشكورون مأجورون في جميع الأحوال لكم أجر المجتهد في حالتي الخطأ والصواب.

هذه القضية التي نحن بصددها اليوم، يا حضرات المستشارين والضباط العظام ليست قضية عادية مما اعتادت المحاكم أن تفصل فيها يوم ولذلك فقد نشأ سوء التفاهم بيني وبين الرئيس عندما صرح في حدى الجلسات بأن هذه قضية قتل عادية فتسرعت وأسأت الفهم وفهمت من هذا التعبير معناه الظاهري وكان طبيعيا أن أعترض عليه وأن أسجل اعتراضي إلى أن تبينت من أحاديثي مع الرئيس في الجلسة وفي حجرة المداولة ما الذي يقصده بهذا المعنى.

فهو يعني بقوله أن هذه قضية قتل عادية وأن الجزء المادي فيها يكون جريمة قتل وهو ينظر إليها الاعتبار دون أن يتأثر بشخصية المجني عليه وضخامتها وإذن فقد قصد الرئيس بهذا القول خيرا بالمتهمين لا إضرارا بهم وألا فهو يتفق معي كل الاتفاق وسائر أعضاء المحكمة الموقريني على أن هذه القضية لايمكن الحكم فيها حكما صحيحا بعيدا عن ملابساتها والظروف التي تحيط بها أو ما تسميه النيابة الإطار الذي يجب أن توضع فيه وقائع هذه القضية.

وليست قضيتنا بقضية كل يوم ولن يكون بقدر المحكمة أن تفصل فيها فصلا يطمئن إليه ضميرها إذا لم تنظر هذه القضية في ضوئها الحقيقي مقدرة خطورالأثار التي ستترتب على حكمها ليس فقط في الجيل الحاضر بل بالنسبة للأجيال المقبلة وبالنسبة للعالم الإسلامي قاطبة.

لا يمكن أن تكون قضيتا هي قضية كل يوم فليس في كل يوم يقتل رئيس وزراة ويهتز المجتمع هذه وتغشاه الغواشي المظلمة الحالكة التي عشنا جيمعا في ظلها في الشهور الماضية والتي سبقتي هذا الحادث ولحقته.

لقد شعر النائب العام بأن واجبه يحتم عليه أن يستهل مرافعة النيابة في هذه القضية بنفسه، وأن يرسل شواظا من نار على رأس هؤلاء المتهمين البؤساء والذين ما داموا قد أصبحوا في داخل هذا القفص فليس في اتطاعتنا أن ننظر إليهم إلا نظرة العطف والإشفاق على المذنب منهم قبل البرئ فعلى النائب العام

ذلك هو لا يفعله في كل قضية وليس ذلك إلا إحساسا منه بخطورة هذه الدعوى وأنها تؤلف صفحة من صفحات حياة مصر لا حياتها السياسية أو الاجتماعية أو الأدبية بل حياتا المادية وكيانها الذي أوشك أن يتزلزل كما قال لكم سعادة النائب العام.

حضرات المستشارين لقد راى النائب العام من واجبه أن يؤبن المجني عليه في هذه القضية وأن يرثيه رثاء حارا بل لقد سمعتم أحد الشهود وهو يخرج على حدودي الشهادة على الرغم من أنه قاض مارس القضاء لكي يتخذ من ساحة المحكمة مكانا لتأبين الفقيد.

ولم تضق المحكمة ذرعا بذلك لأن شخصية المجني عليه تستحق أن تذكر بالخير في هذه القضية بل إنني لا أشك لحظة أن روحه تطل علينا من عليائها وترف بيننا الآن وقد يظن البعض أنها تحوم فوقنا طالبة القصاص من هؤلاء المتهمين وأخذهم بالشدة

وقد يتصور البعض أن روح النقراشي تصرخ اليوم طالبة منكم أن تنتقموا لها وأن تنكلوا بالمتهم الأول وبقية المتهمين وهؤلاء الذين يظنون هذا أبعد ما يكونون عن الحقيقة السامية إنما نفكر عن الذين يعيشون في هذا العالم الأرضي بهذه العقلية المحدودة التي لا تنظر إلى أبعد من أنفها إنما نضطرب نحن بهذه العواطف القاصرة عواطف الحقد والانتقام والبغض والحقيقة فقد تنزهوا وتساموا عن عواطف البشرية المجردة هؤلاء تحولوا إلى عاطفة كلها خير وكلها نور كلها حق.

إن النقراشي باشا وقد انكشف عنه الحجاب يدرك الآن أن عبد المجيد عندما أطلق عليه الرصاص لم يكن سوى ألة وأداة لا في يد هؤلاء المتهمين أو في يد حسن البنا كما تحاول النيابة أن تصور لكم الأمر ولكن في يد القدر الذي شاء أن يختم حياة النقراشي باشا على هذه الصورة الكريمة فالنقراشي باشا الآن في عليائه.

وقد تسامى عن الجزئيات لا يفكر إلا في خيرنا وخير هذا المجتمع الذي وهبه كما تقول النيابة حياته فإذا كانت روحه الآن تحلق بيننا فهي ليست روحا تطالب بالثأر والاتقام ولكنها روح تدعو لكم بالتوفيق إلى الحق المجرد إلى ما فيه منفعة الناس ولو استطاعت أن تخاطبكم لقالت لكن: إن العفو والتسامح خير علاج لاستدلال الحق من النفوس وإطفاء نيران الفتنة والجريمة.

وإذا كانت روح النقراشي باشا تحلق حولنا فإنني لا أشك لحظة أن روحا أخرى تنظر إليا كذلك وهي بدورها تدعو بالتوفيق وأن يلهمكم الله الصواب أنها روح لم تسمع في هذه القاعة إلا لسخط عليها من فم المتهم الأول تارة ومن فم بعض الشهود تارة أخرى، مع أن جلال الموت كان يجب أن يعصمها من أن تكون محلا لهذا السخ وهذا الإنكار.

ولست أشك لحظة في أن ضميركم القضائي وأن روح العدالة في نفوسكم قد آلمهما وأزعجهما أن يتردد أمامهما أسم يذكر بما يكره كل إنسان أن يذكر به دون أن يكون موجودا أو ممثلا في الدعوى ودون أن يدفع عن نفسه التهمة أسرف عبد المجيد المتهم الأول وأسرفت النيابة في تلاوة أوراق وفقرات مما سمته كتب وتعاليم المرحوم (حسن البنا) لتثبت على هؤلاء المتهمين الجريمة ولتأخذ بتلابيبهم من أقوال شيخهم وإذا كنت أتسامح مع عبد المجيد إذا خبط خبط عشواء دفاعا عن نفسه مما سأعود إليه بالتفصيل فإني أعتب علي النيابة ممثلة المجتمع وهي خصم شريف أن تقف هذا الموقف من رجل مات ولا يوجد بيننا ليدافع عن نفسه.

لقد سمعتم يا حضرات المستشاين والضباط العظام أن القضية رقم (277) الوايلي والمعروفة بقضة سيارة الجيب قد ضبطت في (15) نوفمبر وفيها كل الأوراق التي تهول النيابة في شأنها وتكبر وكان المرحوم حسن البنا في ذلك اوقت على قيد الحياة فما الذي حال بين النيابة وبين أن تقبض عليه باعتباره شريكا وتحاسبه ولقد حلت جمعية الإخوان المسلمون في (8) ديسمبر وحلت بنا على مذكرة مثل أمامكم صاحبها

وقال لكم: إن ما ورد فيها من الجرائم ليست إلا قليلا من كثير وقد اعتقل الحاكم العسكري كل ذي شأن في الإخوان فما الذي حال بين النيابة وبين أن تقبض عليه وقد قدم الرجل نفسه ليحقق معه ويحاكم ولقد ضبطت أوراق الجمعية وفتشت فلماذا لم تقبض على حسن البنا ليحقق معه؟

واغتيل النقراشي باشا وظهر أن المتهم الذي اغتاله كان من الإخوان المسلمون فما الذي حال بين أن تقبض عليه وقد قبض الحاكم العسكري على الألوف وزج بهم إلى المعتقلات ما التفسير لذلك كله؟ وما التعليل؟ ليس هناك إلا واحدا من اثنين إما أن نصدق ما يشاع يقال من أن الحكومة السابقة لم تصدر أمرا باعتقاله أو القبض عليه لكي تقتله ولست أستطيع وأنا قدس العدالة أن أقر لرأي فلم يبق إلا التعليل الثاني ألا وهو أن النيابة لم يكن عندهم ضد الرجل شيء يدينه به

وقد اغتيل المرحوم حسن البنا في فبراير أي بعد مدة طويلة من اكتشاف جرائم مدينة الإسماعيلية التي ضبطت فيها مفرقعات ومطبوعات وضبطت سيارة الجي في نوفمبير وحلت الجمعية في أوائل ديسمبر وقتل النقراشي باشا في أخر ديسمبر ونسفت دار الحكمة في يناير وقد كان لدى النيابة ألف مبرر ومبرر لاعتقال حسن البنا

فما دامت لم تفعل ذلك ولم تستخدم حقها فمن حقنا ومن حق حسن البنا ألا يتحدث عنه في هذه القاعة إلا كما يتحدث عن كل رجل أفضى إلى ربه فهو الآن مع الرفيق الأعلى الذي يعرف من أمر النفوس ما يعرف ما قدمت وما أخرت.

وإني لأرجو أن تقر روح حسن البنا بعد أن سمعت ما سمعت، وبعد أن عرفت أن القضاء المصري لا يرضى بظلم من الناس أبدا.

لقد عارضت حسن البنا في حياته واختلفت معه في الرأي ولكن استشهاده على هذه الصورة التي مات بها قد جعلتني أقف في صفه على طول الخط وإني اليوم أبكيه وأرثيه أعتز بصداقته وأخوته وسأعيش طول عمري محافظا على ذكراه ممجدا سيرته.

لا يا حضرات المستشارين والضباط العظام ليست هذه القضية المعروضة أمامكم بالقضية العادية قضية كل يوم انظروا إلى الققص تجدون أمامكم ثلاثة عشر شابا ليس فيهم إلا المهندس أو الطالب أو الموظف أو العامل الناجح كلهم من صميم أبناء الشعب الذين سهر آباؤهم وكدوا حتى أوصلوهم إلى ما وصلوا إليه من التعليم والوظائف هؤلاء المتهمون أمامكم هم ثمرة الكد الشريف

وإنني لأفخر وأعترف بأنني أترافع عن موكلي السيد فايز المهندس والذي يشغل والده وظيفته باشجاويش في البوليس وإنني أبعث بالتحية إلى هذا الوالد الذي يعذ ويشرد الأن لأن ابنه متهم في قضية.

لقد رأينا أباء آخرين يغدق عليهم ويحضرون هذه القاعة محفوفين بالإكراه والاعتبار فلما لاحظ البعض هذا الأمر قيل لهم: وما ذنب الأب يؤخذ بجريرة الأبن؟ ألا تعرفون قول الحكيم العليم (لا تزر وازرة وزر أخرى) فلم يسع الناس إلا أن يقولوا آمنا وصدقنا بقول الحكيم العليم أنا نحن اليوم يا حضرات المستشارين والضباط العظام، فمعاقبون بالإبعاد

لأن ابننا متهم في قضية وذا كان من حق كل والد أن يلقى نظرة على ابنه في هذا الموقف العصيب فلا تشعرون معي يا حضرات المستشارين بالقسوة العصيب فلا تشعرون معي يا حضرات المستشارين بالقسوة التي حالت بين الأبن لأن موظف صغير وبين رؤية ابنه؟ لقد أدر رجال الإدارة أنني سأقف اليوم منددا بها العسف والطغيان فسمحوا لهذا الوالد المسكين في آخر لحظة بأن يأتي اليوم فقط لرؤية ابنه فرفروا على وعليكم مرارة هذا الموقف المؤلم.

هؤلاء المتهمون في هذه القضية ليسوا سوى الطليعة لعشرات غيرهم من المتهمين سوف يحاكمون بنفس التهمة بل إن بعض هؤلاء سيخرجون من هذا القفض سواء بالبراءة أو بالإدانة لتبدأ لهم محاكمات من جديد ومن وراء هؤلاء جميعا مئات ألقى بهم في المعتقلات وهم معتقلون بسبب هذه القضية وأمثالها فكل كلمة تقال في هذه القاعة تؤثر على مستقبلهم وكل كلمة في حكمكم فاصلة في حظوظهم فإما أن تنقشع عنهم الغمة وإماغشيتهم ظلمات فوق ظلمات.

وهنا ألوف وألوف من الأمهات والآباء والأبناء والزوجات الذين تتعلق قلوبهم وأفئدتهم بهذه القضية وإذا كان شهود هذه القاعة عددا محدودا فإن الصحافة تتولى نقل ما يجري هنا إلى مئات الألوف وتهتز أسلاك البرق حاملة أنباء ما يجري في هذه المحاكمة إلى أنحاء العالمين فنحن لسنا بأي حالة من بإزاء قضية عادية بل نحن بإزاء قضية من أخطر ما عرفت مصر من قضايا وفي هذا الجو يجب أن نقترب منها وبهذا الجو يجب أن نعالجها وأن نعرف أن كل تصرفاتنا محسوة علينا ليس فقط بالنسبة للأجيال المقبلة التي ستكون هذه القضية محل دراستها ومراجعتها دائما أبدا وإنما نحن مراقبون الآن من رح العدالة المجردة.

ومن الملائكة ومن الله رب العالمين وعلى هذا الأساس يجب أن يكون قولنا بقدر وأن تون خطواتنا بحذر وأن نسقط من اعتباراتنا كل اعتبار، إلا إرضاء ضمائرنا وإرضاء الله بإحقاق الحق.

حضرات المستشارين والضباط العظام:

لقد رسمت لنا النيابة ما أسمته الإطار الذي يجب أن تنظر فيه القضية وهو إطار مخضب بالدماء ومرصع بالجماجم وأشلاء القتلى إطار أسود فظيع جعلت جلودنا تقشعر ونحن نتابع وصفها له من منا لم يهتز ويرتجف وهو يسمع النيابة على لسان ممثليها وهي تصور هؤلاء المتهمين ومن منا لم يفزع من هذا الجو الذي حاولت النيابة أن تخلقه حول هؤلاء المتهمين وأن تسربلهم به؟

لقد عادت بنا النيابة إلى ذلك الجو الرهيب الذي كن يعيش فيه البشر منذ أثنى عشر قرنا، عندما كانت السيوف تحصد لأهواء الحاكمين في مجالسهم، عادت بنا إلى الجو الذي كانوا يعلبون فيه بالرؤوس لعب الصوالج بالأكر، ويحضرني بهذه المناسبة ما طالعته أخيرا من أن أحد أمراء جزيزرة العرب الذين اشتهروا بالبطش أو بالجزم كما يقولون قد أودع نفرا من الناس في السجن فجاء ذوو قرباهم يتشفعون فيهم، ويقول كاتب التاريخ الذي يروي القصة، فكان الأمير أنس منهم اعتدادا بأنفسهم وهم يستشفعون فأمر السياف بأن يأتي برقاب المسجونين فجئ بهم في طس وضع ما مائدة الطعام فبهت ذوو قرباهم ولم يستطيعوا إلا أن يمضوا في التهام طعامهم دون أن ينبسوا ببنت شفة خوفا من أن يكون مصيرهم كهذا المصير.

هذا هو الجو العبق الذي أرادت النيابة أن تعطر به هذه القاعة في أثناء نظر هذه القضية ولقد ثار إحساس القاضي المرهف في عصر المدنية والحضارة لهذا الجو الذي يراد خلقه في القضية فاعترض على النيابة عندما استشهدت بموقف لزياد ابن أبيه وبالرغم من أن النيابة حاولت أن تدفع عنها الشبهة بأنها إنما قصدت التشبيه بين الخوارج في صومهم ونسكهم وجرائمهم وبين هؤلاء المتهمين ومع ذلك فإن الرئيس لم يرض بهذا التفسير وأنكر أن يتردد اسم زياد بن أبيه في هذه القاعة وهو السفاح الذي يضعه التاريخ على رؤس السفاحين.

وإذا كان رئيس المحكمة بضميره الحي لم يعجبه أن يتردد اسم زياد بن أبيه على أي صورة من الصور فلست أشك لحظة في أن ضميره لم يرض كذلك عن عبارة قيلت على لسان سعادة النائ العام وعسى أن يكون واسع الصدر فيسمح لنا أن نعاتبه عليها، إن سعادة النائب العام أستاذنا من غير شك ونحن نقدر له مكاته بل ونشكره على غيرته التيحدث به أن يستهل المراففعة في هذه القضية فباعبتاره ممثل الدعوى العمومية والحارس عليها ما كان ينبغي أن يفوته هذا الموطن ليذكر بصولة القانون ولكن يلوح أن الدعوة إلى الرجوع بنا إلى عصور الإنسانية الأولى التي يحاكم من أجلها هؤلاء المتهمون قد نجحت إلى حد أنهاأثرت في نفس النيابة ووصلت منها إلى درجى الاقنتاع فراحت تتقمص شخيات تاريخية بل وانزلقت إلى حد أن نظرت إليكم هذه النظرة ورأت أن تشرككم فيها

فسعادة النائب العام يقول لكم وهو يشير إلى هؤلاء المتهمين: هذه رؤوس الفتنة قد أينعت وحان قطافها ثم ينظر إليكم قائلا (فاقطفوها) وهو هنا يتمثل بقول الحجاج ويريد أن يتقمص وتتقمصوا معه شخصية الحجاج بين يوسف قائل هذه الكلمات وأني أعيذ سعادة النائب من أن يكون حجاجا أو أن يتمثل بقول الحجاج وهو حارس العدالة أما أنتم فعلوتم وتنزهتم عن أن تكونوا كالحجاج علوا كبيرا.

لست أشك لحظة في أن سعادة النائب لم يكن فيها قال إلا مستخدما صورة من صور البيان مع ذلك فإن واجبي يحتم على أن أقفش هذه القفشة وأرجو أن يغفر لي سعادة النائب.

لا يا حضرات المستشارين والضاط العظام انتم لا تقطفون رؤسا كما كانوا يفعلون وهذا هو مظر المدنية والحضارة التي نعيش فيها والتي يجب أن نحرص كل الحرص على مظاهرها.

لقد خفقت قلوبنا عطفا ورحمة وأنتم تستدعون عبد المجيد أحمد حسن، قاتل النقراشي والمقر بعمله فتلطبون له مقعدا ليجلس عليه ثم تتفقون به فتسألونه إذا كان صائما أم لا؟ وتسألونه إذا كان يريد ماء ليشرب وهذه هي الإنسانية في ذروتها العليا، وهذا هو الدرس الذي ألقته المحكمة على عبد المجيد وعلى أمثاله من الشبان الذين يركب الشيطان رؤسهم فتخذون من أنفسهم حكاما ويصدرون أ؛كاما بالقتل على زيد أو عبيد من الناس بدعوى أنه قد خان أو ارتد أو كفر ثم ينفذون عليه الحكم بالإعدام.

لقد كان هذا الأسلوب يمكن أن يكون له محل في العصور القديمة عندما كانت هذه الشيعة الغالبة عندما كانت العلاقة بين الناس قائمة على القهر والغلبة أما اليوم فقد وصلت البشرية إلى درجة كبيرة من الرقي ونحن اليوم في هذه القاعة نشهد مظهر هذا الرقي فهذا هو قاتل النقراشي يجلس على الكرسي ويعامل بالاحترام في ساحة القضء ويدافع عن نفسه ما استطاع إلى ذلك سبيلا بل ويحتم القانون أن يوجد إلى جواره أستاذ نابغة كزميلي الأستاذ أحمد ليأخذ بناثره كل ذلك يتفق وروح الإسلام وتعاليم الإسلام الذي يقول لنا: أدرءوا الحدود بالشبهات والمتهم برئ حتى تثبت إدانته فما أروع هذا الدرس الذي تقدمونه يا حضرات المستشارين لتقولوا للمصريين جميعا إن العدالة هنا موفورة فمن هذا الذي يريد أن يردنا إلى قانون الغابة وإلى قانون الهمجية؟

وإذا كنت أعتب على النائب العام كلمة تمثل فيها بالحجاج فإنني أحمد له عبارة أخرى أعتبرها مفتاح دفاعي في هذه القضية وتحدد بالدقة الجو الذي يجب أن تنظر فيه هذه الدعوى أما الكلمة فقوله: لستم قضاة مصر بل أنتم أساتها.

في هذه العبارة يا حضرات المستشارين والضباط العظام قد وصفكم سعادة النائب العام فأبدع وصفكم وسهل مهمتي قريبة ميسورة.

لقد كنت أتددت بحثا طويلا لأصل منه إلى أن وظيفة القاضي في هذه القضية وأمثالها ليس مجدر إظهار نقمة المجتمع على الجاني، ولكن وظيفته تذهب إلى أبعد من ذلك وهو أن يقوم بدور الطبيب الذي يجب أن يصل إلى أصل العلة، وأن يشخصها ثم يعالجها العلاج الشافي، حتى يسلم الجسم وينجو من معاودة العلة.

إنه يخيل إلى أنني أكون متطفلا وأنا أخاطب جهابذة القانون الجنائي وعلماءه وسدنته إذا رحت أرددد على أسماعهم التطورات التي أجتازتها فكرة العقوبة وأنها شخصية بحتة فكل إنسان ينتقم لنفسه، ثم أخذ المجتمع حق العقوبة لنفسه ولكن العقوبة ظلت مظهرا من مظاهر الانتقام والتنكيل وكانت تعتبر إخلالا بقانون سماوي ثم أصبحت تعتبر إخلالا بقانون أخلاقي وظلت العقوبة تتسم بسمة الانتقام ولكنها بدأت في العصور الحديثة تتحول إلى وظيفة اجتماعية وأنها سبيل للإصلاح والهداية وأنها إجراء وقائي يراد منه حماية المجتمع لا أكثر ولا أقل فاصبحت حماية المجتمع هي الهدف المنشود وليس إيذاء الجاني أو تعذيبه وتطورت الأمور أكثر من ذلك فظهر من التطورات التي أصبحت محل اتفاق ما يقرر أن الجريمة في نهاية الأمر ليست عملا فرديا بحتا بل أنها ثمرة لظروف تقتضي أن يستفيد الجاني من العقوبة الموقعة عليه أقصى فائدة.

أنني أستأذنكم في أن أتلو عليكم فقرة من كتاب أستاذي الدكتور محمد مصطفى القللي بك في المسئولية الجنائية ذلك الكتاب الذي نال جائزة فؤاد الأول للقانون الجنائي سنة (1947) وليس وراء ذلك تقدير لقيمة الكتاب وما فيه من بحوث قال في معرض تسجيله للانتقادات على المذهب التقليدي الذ يجعل الجريمة ثمرة مباشرة لنفسية الجاني.

إن الجريمة ليست بحادث عرضي، يأتي وليد إرادة الجاني صدفة بل إنها ظاهرة ككل الظواهر الاجتماعية تتدخل في نشوئها عومل مختلفة شخصية واجتماعية وطبيعية وإذا أيد مقاومة الإجرام مقاومة ناجحة وجيب أن يجتذ الداء من أساسه فتعالج هذه الأسباب التي تغذي جيش المجرمين وتقاوم بواسطة الإصلاحات المختلفة من صحية واقتصادية وتهذيبية إلخ وهكذا كان من شأن هذا الغرض الفاسد أي أعتبار الجاني مسئولا عن فعلته أن حجب بين دعاة المذهب القديم وبين هذه الحقائق الملموسة وكان من أثر ذلك زيادة الإجرام زيادة مطردة.

هذا هو الأساس والدستوري الذي ينبغي أن يكون عليه عملكم في هذه القضية وهو ما لخصه سعادة النائب العام في هذه العبارة القصيرة الوجيزة البليلة لستم قضاة مصر بل أنتم أساتها.

ماذا يستفيد النقراشي باشا الآن وقد أصبح في عالم الخلود أن تصبوا جام النقمة على بعض و كل هؤلاء المتهمين هل يرده ذلك إلى الحياة؟ هل يعوض هذه الخسارة التي أصيبت بها مصر بفقده؟ هل تتصور النيابة أنها صفقة متوازنة متعادلة أن يقدم أي شاب على قتل رئيس الحكومة فيكون جزاؤه القتل هل هذا هو ما تريده النيابة وما تطمئن إليه هل هذا هو ما تريده الأمة ويقر عينها؟

إن النيابة يهمها باعتبارها ممثلة المجتمع ألا يتكرر هذا الحادث على اي صورة من الصور أعتقد أن النيابة تريد من صميم قلبها أن تصل إلى موطن العلة لتعالجها حتى لا يتكرر هذا الذي وقع وهذه وظيفة هذه المحكمة الكبرى أما العقوبة التي تقع على من يدان من هؤلاء الشبان فهذا أمر ثانوي وليس هو الأمر الرئيسي

لقد أعدم الورداني قاتل بطرس غالي فلم يردع ذلك محمود العيسوي عن أن يتقدم لقتل المرحوم أحمد ماهر ولقد شنق محمود العيسوي فلم يردع ذلك عبد المجيد عن أن يقتل المرحوم النقراشي وتطالبكم النيابة بإعدام عبد المجيد وأستطيع أن أؤكد للنيابة والحكم لله ثم لكم أن النتيجة التي سينتهي إليها عبد المجيد لن تكون بذات أثر يذكر في ردع من تحدثه نفسه بارتكاب مثل هذه الفعلة إذا لم نحاول هنا أن نتقصى أسبابها والعلل التي تؤدي إليها فنحاول أن نمنعها بالقضاء على أسبابها

والعجيب يا حضرات المستشارين والضباط العظام أنني بينما كنت أفك في هذا الموضوع إذ بي أطالع في جريدة المقطم خبرا طريفا جاءهم من الهند فحواه أي الراي الهندي منقسم إلى قسمين في صدد قاتل غاندي الذي حكم عليه بالإعدام ففريق يرى وجوب تنفيذ هذا الحكم أما الفريق الأكبكر فيرى ألا ينفذ فيه الحكم وأن يكتفي بسجنه لأن غاندي وقد عاش رسول السلام الذي يمقت العنف، سيقتل مرة أخرى إذا نفذ حكم الإعدام في قاتله إنهم يقولون في الهند كما أقول لكم ما أتفه أن يقتل قاتل غاندي فإن قاتل أحقر الناس يقتل وإنما العظمة كل العظة وروعة الرسالة المقدسة التي حمل لواءها غاندي إنما تتجلى في الإبقاء على حياة قاتله ليبقى في سجنة مدى الحياة آية على انتصار مبادئ غانيد الذي عاد إلى الحب والصفح وندد بالقتل والعنف هذا هو الرأي الذي أميل إليه وأرجحه بل وأمن به.

إن الدفاع متفق مع النيابة في الأهداف التي تهدف إليها ويختلف معها في الوسيلة التي تدعوكم لإنتاجها. نحن متفقون جميعا ولا خلاف بيننا في أنه يجب وض حد للجرائم التي كانت مصر هدفا لها في السنوات الخمس الماضية، والتي رجعت بنا إلى الوراء وكادت تزعزع كياننا وأساءت إلى سمعتنا في أنحاء العالمين حتى أصبحت بعض الدول لا تسمح لرعاياها بالسفر إلى مصر إذا كتبوا تعهدا قالوا فيه: إنهم يسافرون تحت مسئوليتهم الخاصة.

أجل يا حضرات المستشارين والضباط العظام يجب أن نتضافر جميعا للوصول إلى هذه النتيجة ولست في هذه أتكلم من تلقاء نفسي بل إن موكلي كانوا يصرحون بذلك طوال التحقيق فينذدون بالجريمة والمجرمين.

نحن متفقون مع النيابة كل الاتفاق لا يشذ في ذلك متهم عن متهم على إن الإسلام برئ من الجرمية وليس سوى أخينا عبد المجيد من استحل القتل باسم الدين وزعم في التحقيق أنه فعل لك بتاثير فتوى الشيخ سيد سابق وهي فرية لا دليل ليها من مفتريات عبد المجيد التي سنعود إليها بالتفصيل فيها بعد ولنا ما قاله السيد سابق عن نفسه في التحقيق من استبشاعه للجريمة واستنكاره لها واستشهاده بآيات الكتاب الكريمة على إنكارها ولقد قال كلمة جليلة رائعة عندما ووجه بفربة عبد المجيد وكيف يقع مني ذلك وأنا أدرس كتاب الله للناس وأعلمهم أن الإسلام معناه السلام وأن المسلم من سلم الناس من يده ومن لسانه.

ولقد سمعتم في هذه القاعة شهادة أحد الإخوان المسلمون وهو نفيس حمدي ورأيتموه كيف نقل عن السيد سابق في فصاحة وطلاقة براءته من الجريمة والمجرمين وكيف دارت بين شباب متحمس وبينه حول هذه الجريمة فأظهر حكم الإسلام فيها وأن قتل النقراشي باشا هو كبيرة الكبائر.

وزعم عبد المجيد أنه فعل ما فعل تحت تأثير المرحوم حسن البنا وقد أصدر المرحوم حسن البنا بيانا رسميا بإنكار الجريمة يهمنا أنه بسط فيه حقيقة الإسلام بالنسبة للجريمة والمجرمين فقال رحمه الله.

لقد كان دعوتنا حين نشأت العمل لخير الوطن وإعزاز الدين، ومقاومة دعوات الإلحاد والإباحية والخروج على أحكام الإسلام وفضائله، تلك الدعوات التي دوي بوقها وراجت سوقها في تلك الأيام وإذا كان ذلك كذلك فما كانت الجريمه والإرهاب ولا العنف من وسائلها لأنها تأخذ عن الإسلام وتنهج نهجه وتلتزم حدوده.

ووسيلة الإسلام في الدعوى مسجلة في كتاب الله ادع إلى سبيل الله ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والقرآن الكريم هو الكتاب الذي رفع من قدر الفكر وأعلى من قيمة العقل وجعله مناط التكليف وفرض احترام الدليل والبرهان وحرم الاعتداء حتى في القتال (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)

والإسلام الحنيف هو دين السلام الشامل والطمأنينة الكاملة والروحانية الصافية والمثل الإنسانية الرفيعة ومن واجب كل مسلم ينتسب إليه أن يكون مظهرا لهذه الحقيقة التي صورها النيبي صلى الله عليه وسلم بقوله: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

هذا هو كلام المرشد العام وإني أرجو أن تلاحظوا يا حضرات المستشارين روعة العبارة وصدقها وفصاحتها في تصوير الإسلام ومن العبث أن نتصور أن قائل هذا القول الحكيم الرائع هو الذي أفتى بقتل المسلمين على أي وجه من الوجوه.

بقى أن أزيل شبهة قد تعلق بالنفوس وورد ذكرها على لسان عبد المجيد ومن لف لفة هو تأسية بقول الرسول أو عمله أو تأويلهم بعض آيات القرآن لقد عاش الرسول في المدينة يدعو الناس بدعوته طوال ثلاث عشرة سنة فلم يلق إلا العنت والإرهاق والأذى والاضطهاد فلم يأمر واحدا من أصحابه أن يغتال واحدا من هؤلاء الذين يعذبونهم ويذيقونهم الصاب والعلقم لم يدفع الشر بالشر ولا الأذى بالأذى وإنما كان سبيله الصبر والاحتمال والدعاء لقومه بالهداية وقد كانوا أهل شرك ووثنية ولقد كان باستطاعته أن يدعو ربه أن يهلكهم أو ينزل عليهم رجزا من السماء كما فعل نوح من قبله عندما قال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين) أما سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فلم تكن له إلا كلمة واحدة (اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون) ولما كان الضيق يشتد به أحيانا كان الله يسرع بتذكيره أنه داعية إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فيقول له الحق: (فذكر أنما أنت مذكرلست عليهم بمسيطر) ويقول له: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) ويقول (لا إكراه في الدين قد تين الرشد من الغي)

كانت هذه هي سبيل الرسول الكريم طوال مقامه في مكة وهاجر من هاجر من المسلمين هربا من الغذاب والنكال ولكن أحد منهم لم يفكر في أن ينتقم لنفسه أو يثأر لأخوانه.

ثم هاجر الرسول إلى المدينة وبدأت صفحة جديدة من صفحات الجهاد التي وصفها وأشار إليها في محكم آياته والتي يقع البعض في الفتنة بسببها فيتصورون أنهم يخاطبون بهذه الآيات ويتألوننها أسوأ تأويل فيرتكبون بعض الجرائم جهلا منهم بالإسلام وروحه.

أو وضع الرسول في المدينة يختلف عن وضعه في مكة، فبعد أن كان في مكة ومن معه من المؤمنين أقلية: أصبح المسلمون في المدينة أغلبية ساحقة إذ بايعه الجميع على السمع والطاعة وأصح الرسول صلوات الله عليه في مكان القيادة والصدارة ممن حوله بغير منازع أو مدافع بينما ظل أنصاره يعذبون ويضطهدون في مكة فأنزل الله عليه أية القتال:

(آذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) فهذا إذن من الله سبحانه وتعالى نزل على لسان رسوله جبريل إلى سيدنا محمد فهو أمر من الله يدعوه فيه للقتال لإنقاذ قوم يعذبون في دينهم ويعده فيه بالنصر المحقق ولقد صدع سيدنا محمد بالأمر وأناله الله النصر.

فلم يكن الأمر أمر فتنة أو انقلاب ولكنها دولة ذات سيادة قامت تدافع عن أبنائها المظلومين بنص صريح من القرآن ودعوة مباشرة من الله عز وجل فعندما قاتل الرسول لم يكن معتديا أو مستخدما للعنفي وإنما كان مدافعا عن حرية العقيدة وصادا بأمر الله.

لعل أروع ما يذكر في هذا الصدد ليكون الدليل على أن موضوع القتال موضوع شائك لا ينبغي أن يترك للفوضى أن الرسول بعد أن دخل مكة فاتحا عثرت خزاعة وقد كانوا مسلمين على رجل من هذيل وهو مشرك فقتلوه فغضب النبي وقال في الناس خطيبا فقال (يأيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام من حرام من حرام إلى يوم القيامة لا يحل لا مرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما أو يعضد فيها شجرا لم يتحلل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد يكون بعدي ولم تحلل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها ثم رجعت كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد منكم الغائب فمن قال لكم إن رسول الله قد قاتل فيهما فقولوا: إن الله قد أحلها لرسوله ولم يحللها لكم يا معشر خزاعة رافعوا أيديكم عن القتل فلقد كثر أن نفع لقد قتلتم قتيلا لأدينه فمن قتل عد مقالي هذا فأهله بخير النظرين إن شاءوا فدم قاتله وإن شاءوا فعقله).

هذا هو فعل الرسول يا حضرات المستشارين والضباط العظام، وغضبته لموت مشرك في مكة فأعجبوا لأقوام جاءوا بعد ذلك فقاتلوا المسلمين لا المشركين في مكة نفسها متمسحين باسم الدين ومتأسين بفعل الرسول الذي أنكر سلفا عل كل من سيحاول أن يمتسح به أو يتشبه فسيدنا محمد لم يرسل إل رحمة للعالمين والدين الإسلامي هو دين الرحمة وهو الدين العدل والحرية ففساد ما بعده فساد أن يتصور باسم الغسرة الدينية أن يعتدي على حق أحد في الحياة والحرية.

هناك شبهة أخرى تجيز الالتجاء إلى العنف أحيانا، ولقد وقعت فيها أنا شخصا منذ خمس عشرة سنة وهي شبهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه يقتضي أحيان الإنكار بالدين ولقد بحثت هذا الموضوع بمناسبة استعدادي للدفاع عن بعض الذين اتهموا بإراقة زجاجات الخمر على سبيل العنف فوجدت من مباحثي أن الأمة متفقة على أن الإنكار باليدي فلا يكون إلا لولي الأمر وإلا فلو ترك لكل مسلم أن ينكر على أخيه المسلم بيده لا نقلب الأمر إلى الفوضى ولاختلط الحابل بالناب واختلت الأمور والأوضاع ولذلك اتفق الفقهاء على أن الإنكار باليد في أبسط صوره لا يكون إلا بأمر ولي الأمر، وذلك منعا للفتن ودراء للمفاسد والمحضورات.

إن الشر لا يمكن محاربته بما هو أشر منه فإذا رأى الإنسان منكرا فأقدم على تغيره بيده فقد تنشأ عن هذا مضرة أعظم وفساد ولذلك حظروه على عامة الناس وأناطوه بولي الأمر.

هذه هي قواعد الدين الإسلامي وقد كان المرحوم الشيخي حسن البنا يعرفها كل المعرفة ولذلك فقد كان على راس الذين أنكروا في ذلك الوقت هذه الفعلة من أبناء مصر الفتاة فكتب في العدد (33) من النذير وهي مجلة (الإخوان المسلمون) ما يأتي بالحرف الواحد بعنوان (تحطيم الحانات)

وظلت الحكومة على هذا الجمود والانصراف عن الإصلاح الاجتماعي حتى وقعت هذه الحوادث المتلاحقة حوادث تحطيم الحانات ونحن لا نوافق على تحدي القانون بهذه الصورة وليس من منهاجنا نحن الإخوان المسلمين أن نسلك هذا السبيل وليس ذلك هربنا من التبعات المترتبة على هذا العمل فالله يعلم أننا تجردنا له عن كل شيء ومن نفس وأهل ومال فكلمتنا إلى هؤلاء الشبان أن يكفوا عن هذه الوسيلة وأن يعملوا على تحقيق أغراضهم في حدود القانون.

وفي نفس العدد (33) من النذير مقال لرئيس تحرير النذير بعنوان الإخوان المسلمون والدستور المصري وقد جاء فيه وما كان لجماعة الإخوان المسلمون أن تنكر الاحترام الواجب للدستور باعتباره نظام الحكم المقررفي مصر ولا أن تحاول الطعن فيه أو إثارة الناس ضده وحضهم على كراهيته وما كان أن تفعل ذلك وهي جماعة مؤمنة مخلصة تعلم أن إهاجة العامة ثورة وأن الثورة فتنة وأن الفتنة في النار ولكن الإخوان المسلمون اعتمادا على نفس هذا الدستور سيسعون على جهد طاقتهم بالطرق القانونية لإلغاء البغاء العلني والسري وإغلاق حانات الخمور ومحال الميسر وميادين السباق وصالات الرقص الخليع..

وكتب حضرته بنفس العدد مقالا آخر بعنوان حول حوادث تحطيم الحانات جاء فيه: تحريم الخمر وتعاطيها أمر من اختصاص الإمام فإذا قصر كان خارجا على الكتاب والسنة، وعندئذ يجب عل العلماء وذوي الرأي أن يقدموا له النصيحة فإذا أبة وجب على الأمة أن تجاهده حتى تخلعه ومن هنا نرى الإسلام هو دين نظام جعل حق تغيير المنكر للإمام ولم يعط هذا الحق لكل فرد من أفراد الأمة وإلا أصبح الأمر فوضى.

فالحكومة هي التي تقوم في عصرنا مقام الإمام فهي المسئولة عن تحريم المنكرات فإن لم تفعل وجب على نواب الأمة أن يسحبوا ثقتهم منها، فإذا لم يؤد النواب واجبهم أصبح لزاما على الأمة ألا تمنحهم ثقتها وتنتخب غيرهم فإذا أجتمع تحت قبة البرلمان نواب مسلمون أمكن القضا على كل منكر بقوة القانون وحكم النظام.

هؤلاء هم المسلمون في سنة (1939) أي منذ عشر سنوات يكرهون العنف والإخلال بالنظام حتى أنهم بادروا فأعلنوا إنكارهم للجريمة التي وقعت من غير صفوفهم وأعلنوا حكم الإسلام فيها وقد كانت هذه الأقوال هي التي استندت إليها النيابة في ذلك الوقت على هؤلاء المتهمين في تحطيم الحانات فماذا حدث حتى تحول بعض الإخوان من النقيض إلى النقيض كما تقول النيابة فجعل سبيلهم كله عنفا وإكراها وخروجا على القانون وإخلالا بالنظام.

إن حسن البنا لم يتغير ولم يتبدل والإسلام هو الإسلام فما الذي حدث حتى أدى إلى هذا الانقلاب؟ وما العوامل والعناصر التي حولت الهادئين المسلمين الوادعين إلى عناصر خطرة وإرهابية؟ كما يحلو للنيابة أن تسميهم هذا هو بيت القصيد في هذه القضية الذي يجب أن تصل إليه إذا أردنا أن نحدد المسئوليات وأن نعرف المجرمين الحقيقين في هذه القضية.

صدقوني يا حضرات المستشارين ويا حضرات الضباط العظام أن ليس أمامكم في هذا القفص مجرمون خطرون فإن شباب مصر أجل وأنزه من أن يكونوا مجرمين وإنما أمامكم في هذا القفص مجني عليهم جنت عليهم الأوضاع الفاسدة المقلوبة التي لعبت بهم وعبثت بهم فجعلتهم وقودا لتستخدمهم في قضاء أغراضها فلما اشتعلت النار أحرقت مشعلها فجاءوا اليوم يصرخون ويندبون ويشقون الجيوب ويلطمون الخدود وينادون بالويل والثبور وعظائم الأمور.

إن وقوف هؤلاء الشبان في هذا القفص وبقاء المئات غيرهم في السجون اليوم في انتظار دورهم ليس سوى الفصل الأخير في مهزلة أو بالأحرى مأساة اشترك فيها رجال السلطان في السنوات الخمس الماضية والجميع يتحملون الوزر والمسئولية لا فرق في ذلك ين نيابة وبوليس أو بين رجال السياسة والأحزاب الحاكمة على اختلاف ألوانها فإذا وضحت أمامكم هذه الحققة فستأخذكم الشفقة يا حضرات المستشارين والضباط العظام، وتدركون أن هؤلاء المتهمين مجني عليهم وليسوا جناة فتبرئوا الكثيرين منهم وتأخذوا من ترون إدانته بأخف العقاب لعدم تكامل مسئوليته.

فنحن مع النيابة في إنكار الجريمة وإنكار نسبتها للإسلام ولكنا نختلف في حقيقة المسئول عن حدوث ما حدث وهو ما سأكشف عنه عما قريب.

إذا كان الإسلام يأبى العنف والإكراه فقد بقى أن نبحث إذا كان العنف والإكراه في حد ذاته يصلح لحل أي قضية من القضايا ونحن هنا متفقون والنيابة مرة أخرى على أن العنف لا يحل قضية وأن ليس هناك ما يسيء إلى مصر في مستقبلها وحاضرها أكثر من أن نتخذ العنف فيما بيننا سبيلا لإظهار الخلاف في الراي أو تقدم فرق أو استعلاء حزب على حزب.

وإذا كان الحاكمون في هذا البلد يقولون هذا فإنه يهمني وأنا أمثل جانب الدفاع وأنا رجل أبعد ما أكون عن الحكم والسلطان أن أؤكد هذه القاعدة وأنادي بها واصيح لقد قتل محمود العيسوي الدكتور أحمد ماهر ليمنع إعلان الحرب إلى جانب الحلفاء ولكن سلفه النقراشي أسرع إلى تنفيذ هذا العزم واتخذ من جريمة العيسوي سبيلا للتضيق على البلاد ولحكمها بالحديد والنار.

ومعنى هذا أن مصر خسرت بهذه الجريمة أحمد ماهر ومحمود العيسوي الذي كان شابا نابغة ممتازا كان يمكن أن تستفيد منه البلاد وخسرت مصر حريتها طال عذابها بسبب الجريمة وقد كنت احدا ممن سجنوا زورا وبهتانا عقب مقتل ماهر باشا وكذلك الأستاذ حسن البنا.

وهذا هو عبد المجيد قتل النقراشي باشا دفاعا عن الإخوان المسلمين فلم يسرع ذلك بعودة الإخوان المسلمون كما كانوا يتصورون وكان من جراء هذا العمل أن مات المرحوم حسن البنا وشقيت البلاد بحكم إرهابي مخيف كاد يؤدي بمصر إلى الدمار والهلاك.

فالعنف لا يحسم قضية في مصر بل وفي اي بلد آخرى من بلاد العالم وفي أي عصر من عصور التاريخ هذا الانقلاب الذي تم في سوريا على حسني الزعيم كن انقلابا عنيفا وإن لم ترق فيه دماء ولكنه كان عدوانا على القانون وخروجا عليهفلم أشك في أنه سينتهي إلى هذه النهاية التي انتهى إليها ونرجو أن يكون ذلك أخر آلام الشعب السوري الشقيق.

لقد أعجب أقوم في يوم من الأيام ولم أكن منهم والحمد لله بهتلر عندما قام في داخل ألمانيا بعملية تطهير فقتل أكابر الناس بدون محاكمة وبدون شفقه ولا رحمة لقد تصور الناس أن لك مظهر اقتدار ونجاح ومن الناس من يفتن بالقوة فتونا، ولقد سار هتلر بعد ذلك سيرة لا يؤمن فيها بغير القوة، فسرعان ما جاء اليوم الذي تحطمت فيه ألمانيا وجثث على أقدامها وسارت الجيوش الإنجليزية ولاروسية على جثث هتلر ورفاقه وحكوكم جورنج وأصحابه كمجرمين أخساء.

فالعنف لا يؤدي إلا إلى العنف والخروج على القانون لا يمكن أن يؤيدي إلا إلى الخروج على القانون.

هذا رجل كابي مسلم الخرساني شاد الدولة العباسية على بحر من دماء ضحاياه ولكنها لم تكد تقوم حتى كان هو من بين الضحايا وهكذا صدق السيد لمسيح إذ يقول من أخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ.

نحن متفقون إذن يا حضرات المستشارين والضباط العظام على أننا يجب أن نستل من نفوس الشبان في بلادنا كل جنوح لاستعمال العنف فضلا عن الجريمة ولكننا مختلفون في الوسيلة التي تؤدي إلى ذلك ومختلفون في حقيقة المسئول عن هذه الروح التي انتشرت في صفوف الشبان.

أما النيابة ومن خلفها رجال الحكومة السابقة فقد ظنوا أن الشدة والشدة وحدها هي الكفيلة بعلاج هذا المرض فراحوا يبطشون يونكلون متجاهلين كل عرف وكل قانون كانت النتيجة أن النار لم تزد إلا اشتعالا ولولا أن الله سلم فكان هذا التوفيق في استبدال عهد بعهد واسلوب بأسلوب.

إن رجال البوليس وهم يحاولون مطاردة المتهمين خارجين في ذلك على كل قانون وكل عرف وكل ذوق كانوا يزرعون شرا، لم يكن هناك جدال في أنه لا يلبث أن ينتج شرا أعظم عندما يعتقل الأبرياء يكمن الغل في قلوب المظلومين فيتألف منهم جيش جديد يفيض بالحق والرغبة في الانتقام.

وعندما كانوا يدخلون البيوت ليلا ونهارا فيقبضون على كل من فيها رجلالا ونساء ويزجون بهم في السجون والمعتقلات إنما كانوا يؤسسون لجرائم جديدة توشك أن تهدم كيان هذه البلاد لم نسمع من قبل في تاريخ هذا البلد الحديث أن أفراد أسرة قد اعتقلوا بأجمعهم لأن متهما في قضية قد ظهر ف صفوفهم وهذه الإجراءات مهما بالغت في الشدة فهي لا تميت الجريمة أو العنف لأنها هي في حد ذاتها جرائم عنيفة فليس لها إلا أثر واحدا، وهو أن تبقى النار مستعرة.

وإنما يحارب الشر بالعدل وتحارب الجريمة بالقانون وتحار الفتنة بالقضاء على أسبابها إن السلاح الوحيد الذي يقضي به على الجريمة هو اتفاق الجميع على احترام القانون ونزول الحاكمين على أحكام القانون فيشعر الناس بأن هناك أساسا مكينا يستطيعون جميعا أن يرجعوا إليه فلا يكون ثمة حاجة إلى العنف والإكراه للتعبير عما في النفوس أو استخلاص الحقوق لأن ذلك كله يمكن أن يتم من خلال القانون.

من هم المسئولون عن الإخلال بالقانون في السنوات الخمس الماضية من هم الين أشاءوا في البلاد وفي صفوف الاغرار من الشبان روح الاستهتار به إنني أطلب منكم أن تشيروا إلى ذلك في حكمكم.

هل خاف عن مسامكم وهل يصل إلى علمكم أنه كانت تصدر قرارات من النيابة بخظر النشر في قضية من القضايا ثم لا يلبث الناس أن روا محاضر التحقيق منشورة في الصحف أو بالأحرى في صحيفة معينة؟ يحدث هذا ثم تحاسب الصحيفة ولا يجرى تحقيق لمعرفة المسئول عن هذا الإخلال الخطير.

هل خاف عن مسامعكم أو لم يصل إلى عملكم أن شابا أدانته محكمة الجنايات بتهمة قتل المرحموم أمين باشا عثمان وحكمت عليه بالسجن عشر سنوات، فراحت بعض الصحف تصور هذا القاتل باعتباره بطلا من الأبطال فتنشر مذكراته التي تفيض بالتفكير الإجرامي كما لو كانت تنشر مذكرات زعيم من أكبر الزعما لقد كان هذا مخالفة صارخة للقانون بل كان تشجيعا على الجريمة لا يقدم عليه أحد في بلاد متمدينة ومع ذلك فإن المسئولين لم يفكروا في محاسبة هذه الجريمة على ما فعلت أو وقفها على الأقل عن المضي في غيها.

لا أظن أنه غاب عن مسامعكم أو لم يصل إلى عملكم أن هذا المتهم قد فر من وجه العدالة وكان يتعين على الدلوة أن تقلب الأرض حجرا على حجر في سبيل البحث عنه ولكنه كان يعيش في بيوت بعض الكبراء وترسم له الصور في شتى الأشكال والأوضاع فلم تتحرك النيابة ولم يتحرك المسئوليون ليسالوا أصحاب الجريدة من أين جاءوا بهذه الصور وهي الدليل الذي لا ينقض لى اشتراكهم في التهري والتستر وعلمهم بمكان المذنب الفار من العدالة.

لقد كان هذا عبثا صارخا بالقانون والأمن والنظام ولكن من بيدهم الأمر لم يحركوا ساكنا لأن الحزبية البغيضة جعلتهم يستمرئون هذه الجرائم لأنها موجهة إلى خصومهم.

والإخلال بالقانون سرعان ما يؤدي إلى إخلال أشنع ولذلك فقد بدأت تقع سلسلة من الجرائم مروعة فلا يروعنا أكثر منا إلا أن نجد بعض الصحف تفرج وتبتهج وتحاول تصوير العمل في صورة مشورعة وأعني بهذا العمل محاولة الاعتدء الشنيع على النحاس باشا، فقبل أن تنسق المحكمة وقبل أن تبدأ أعمال النسف في مصر كلها بدأت محاولة نسف بيت النحاس باشا فقهقه أقوام وفرحوا وطربوا ولم يستطيعوا أن يكتموا ذلك على صفحات الجراد وقد كنت أنا واحدا ممن يدرك خطورة الموقف وأن هذا العبث بالقانون لا يمكن أن ينتهي إلى خير بأي حال من الأحوال ثم كانت هذه المحاولة الثانية حيث هوجم النحاس باشا بالمدافع السريعة الطلقات فلم يهتم البوليس بالعثور على الجناة لأن شخص المعتدي عليه هو النحاس لا أكثر ولا أقل.

ولقد رأينا كيف عملت النيابة والبوليس بالليل والنهر على هذه القضية التي نحن بصددها وكيف وضعت الجوائز لمعرفة الفاعلين، أو الذين يظن أنهم فاعلون أما في قضايا الاعتداء على رفعة النحاس باشا وهي لا تقل خطار عن هذه القضايا فلم يصلوا حتى الآن إلى الفاعلين بل لم يشتبهوا في أحد وليس وراء ذلك تناقض صارخ وكيل بمكيالين وهذا هو السبب الحقيقي لهذه الجرائم التي تولوا منها النيابة اليوم وتنذر وتحذر.

إن النيابة تنذرنا اليوم وتحذرنا أما نحن فقد أنذرنا وحذرنا من قبل وقلنا: إننا سنصل إلى هبذه النتائج إذا لم نتفق جميعا على احترام القانون والضرب على كل إخلال به وبيد من حديد، فعسى أن تقولوا لأولياء الأمور في مصر عسى أن تقولوا لرجال النيابة ورجال البوليس إن الساعة قد حانت لكي يكون القانون في مصر هو سيد الجميع، والذي لا يفرق بين مصري ومصري وبين مواطن ومواطن وأن نكره الجريمة تقع لى خصومنا الراي أضعاف ما نكرها إذا وقعت علينا وإذا كانت الشيء بالشيء يذكر فهذا هو المجال لأهيب فيه بالنيابة والبوليس أن يجدوا في البحث عن قتلة حسن البنا كما بحثوا عن قتلة النقراشي لا يقولوا:

إن حسن البنا و من هو فعلا نهتم بهذا البحث نهتم به لأجل الحق والعدل والأمن أولا وأخرا فقاتل حسن البنا يسرح ويمرح وباستطاعته لاي إنسان آخر فالخطر إذن معلق على رؤوسنا جميعا ولا فكاك لنا منه، إذا أردنا السلام والأمن يجب أن نفرق بين جريمة وجريمة.

حضرات المستشارين والضباط العظام:

أنني أرجو أن تقدروا خطورة هذه النقطة التي أثرتها وأن تحظى باهتمامكم فتبحثوها وتحققوها لأنها قوية الصلة بما نحاكم عليه اليوم إنكم تدهشون بل وتذهلون عندما تتصفحون أوراق هذه الدعى فتجدون شبابا يفكرون هذا التفكير وينحرفون هذا الانحراف وأنهم لعبوا بالنار لأدركتم أن هؤلاء مجني عليهم وأنهم قد تأثروا بمن هو أكبر منهم وأرسخ قدما وأكثر تجربة وهم ولاة الأمور الذين نيط بمن هم أكبر منهم وارسخ قدما وأكثر تجربة وهم ولاة الأمور الذين نيط بهم حفظ الأمن والقانون.

بينت لكم حتى الآن أن أصحاب الشأن لا يمكن أن يعفوا من المسئولية عندما نستعرض الاضطراب الذهني الذي ساد مصر في الأعوام السابقة وقد بقى أن أضع أيديكم على مسئوليتهم في الانحراف بالإخوان المسلمين أو بالأصح في الإخوان المسلمين عندما تلمسون هذه الحقيقة باليد، فسوف تدركون مرة أخرى أنكم تحاكمون مجنيا عليهم، لا جناة في الحقيقة.

لقد تلوت على مسامعكم من قبل هذه الفقرات التي نشرتها مجلة النذير على لسان حال الإخوان المسلمون تنديدا بإقدام بعض شباب مصر الفتاة على ما سمي في ذلك الوقت تحطيما للحانات وهو لم يزد في حقيقته على إراقة بعض زجاجات الخمر فاعتبروا ذلك جريمة من أبر الجرائم نددوا بها حتى لقد كانوا أقسى علي وعلى إخواني في ذلك الوقت من النيابة نفسها ولا جدال في أنني أشكركم لهذا الموقف شكرا جزيلا فقد أعطوني في ذلك الوقت درسا وعيته ولم أغفله أبدا بل لقد كان نقطة التحول في آرائي وأفكاري حيث بدأت أمقت العنف وأحاربه.

كان الإخوان المسلمون في ذلك الوقت على رأسهم المرحوم الشيخ حسن البنا يدعون إلى بعث مجد الإسلام ولكن عن طريق التربية والإعداد والإرشاد والتهذيب ولقد كانت نعم الخطة ونعم الأسلوب كان الأستاذ حسن البنا يدعو إلى سيادة أحكام القرآن لا عن طريق تدبير الانقلابات ولكن عن طريق إعداد جيل جديد يربي على أخلاقه وفضائله فيشيب مؤمنا بالقرآن وبسيادته فغذا أتيح له أن يشغل وظيفة في الحكومة جعل القرآن وأسلوب القرآن وروحه هو هدفه ونبراسه، وإذا اتيح له أن يصبح نائبا في البرلمان جعل المناداة بسيادة القرآن شغله ودينه وإذا أتيح لأخ من الإخوان أن يكون وزيرا سار سيرة القرآن، وطبق أحكام القرآن ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

فالمسألة إذن تبدا وتنتهي بالإعداد الروحي والتربية الروحية والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولذلك فقد درج الإخوان حتى ذلك التاريخ أن يبعثوا بالرسائل إلى الحكومات المتعاقبة بنصحونها ويهدونها سواء ويدعون لها في المبتدأ والخاتمة وبالتوفيق والسداد وكان أنصار الشيخ حسن البنا يتزايدون وهو ماضي في هذه الدعوة الطيبة المباركة من من المسلمين لا ينفتح قلبه لدعوة سداها ولحمتها القرآن والحق سبيلها والسلام والمحبة واحترام القانون فبدأ الناس يدخلون في هذه الدعوة أفواجا وبدأ الشيخ حسن البنا يذرع القطر طولا وعرضا فيؤلف الشعب واللجان ويخطب فيها ويعلم ويفقه فكانت البلاد تفتح له مصاريعها فلم تكن لجانه إلا مكاتب لتحفيظ القرآن وتنفقيه الناس والدعوة إلى الخير والإحسان وتربية الناس على الأخلاق الفاضلة الكريمة.

وعند هذا القدر قامت الحرب وأودعت أنا وزملائي المعتقلي وأوقف كل نشاط لنا ولم يبق لا من عمل إلا أن نراقب المرحوم حسن البنا وحركة الإخوان فإذا حدثتكم اليوم عن المسئول الأول عن انحراف الإخوان فهو حديث العارف المراقب، وإني لأرجو أن تحققوا في كل واقعة أقولها لكم اللهم إلا إذا سلمت النيابة بها. اعتقل الأستاذ حسن البنا وقادة الإخوان المسلمون في مستهل الحرب كما اعتقلنا فما راعنا في أحد الأيام إلا وزير من وزراء الدولة في ذلك الوقت وهو سعادة حامد بك جودة يزور الأستاذ حسن البنا في معتقل الزيتون ويجلس معه عدة ساعات ويعرف بعد ذلك أن حامد بك جودة يسعى في الإفراج عن المرحوم الشيخ حسن البنا وكان ذلك في سنة (1941) ولكن أن تقدروا يا حضرات المستشارين والضباط العظام تأثير ذلك على الأمة وفي الراي العام بصفة عامة وفي المتهمين للإخوان المسلمين بصفة خاصة فهذا الشيخ حسن البنا يعتقله الحاكم العسكري ورئيس الحكومة ويعلمه أنه يعمل على الإفراج عنه ثم لا تمضي أيام حتى يفرج عنه.

نريد أن نقف هنا قليلا لنتساءل لماذ فعل بذلك حامد بك وجودة؟ لأنه يتوقف على ذلك الجواب معرفة المسئول الأول من كل التطورات التي طرأت على حركة الإخوان بعد ذلك.

هل فعل ذلك غيرة على الحق وأن حسن البنا قد ظلم باعتقاله فماذا عسى هو قائل من مئات المعتقلين الآخرين والذين كنت واحدا منهم وإلى اي مدى أثرنا اهتمامه في ذلك الوقت أو التفاته لم يعبأ حامد بك جودة في ذلك الوقت إلا بشخص واحد هو المرحوم حسن البنا فمن حقنا أن نقول إن هذا الاهتمام لا تعليل له إلا واحد من اثنان إما أن حامد بك جودة كان في ذلك الوقت قد أصبح واحدا من أتباع حسن البنا الين يدينون له بالولاء وإما أن حامد جودة قد ذهب لحسن البنا وسعى للإفراج عنه لكي يستغله ويستغل حركته في تدعيم نفوذ حزبه السياسي هذه هي الواقعة التي طلبت من حضراتكم أن تسدعوا أمامكم حامد بك جودة لأداء الشهادة عنها لأنها في اتعتقادي واقعة خطرة وهام لأنها تحدد لنا بالضبط أن دعوة الإخوان المسلمون كان مجنيا عليها وأن رجال السياسة هم الين بدءوا يلقون شباكهم عليها ويخرجونها من دائرة السياسة وألا عيب السياسة ومطامع السياسة ومغامرات السياسة.

استدعوا حامد بك يا حضرات المستشاين وقولوا له ما الذي كان يعرفه عن الإخوان المسلمون في سنة 1941 عندما سعى سعيه للإفراج عن زعيمهم استدعوه وأسألوه ماذا كان في رأسه وأي خطط كان يرسمها من وراء هذا السعي ولن تستطيعوا أن تكونوا اقتناعكم وأن تلقوا الضوء على نواحي هذه القية إذا أغفلتم هذه الناحية فلم لا تحققونها ولذلك فإنني أطالب بتحقيقها.

خرج الأستاذ حسن البنا من الاعتقال وقد ازداد جاها وعزا بوقوف الوزراء إلى جواره ومضى في دعوته حرا طليقا يجوب البلاد يؤلف الشعب وينظم الجماعات ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وهو شاعر بجميل حامد بك جودة من غير شك عارف له هذه اليد واشتهر في البلاد أن الإخوان المسلمون في حماية الحكومة القائمة وفي حماية السعديين بصفة خاصة.

وجاء انقلاب (4) فبراير والذي جاء بالوفد إلى الوزارة وكان طبيعيا أن تنظر الحكومة نظرة شذراء إلى (الإخوان المسلمون) وهم الذين كانوا على علاقات طبيعيا أن تنتظر الحكومة نظرة شذراء إلى الإخوان المسلمون وهم الذين كانوا على علاقات طيبة مع رجال العهد الماضي، ولكن الوسطاء أفهموا النحاس باشا وفؤاد سراج الدين باشا أن الشيخ حسن البنا رجل دين لا أكثر ولا أقل ودعوته دعوة للأخلاق والفضيلة وباستطاعته رفعته أن يقابله ويتفاهم معه ونجحت المفاوضات وتقابل مصطفى النحاس وحسن البنا وقبل حسن البنا في ذلك الوقت أن ينزل عن ترشيح نفسه في الانتخابات في مقابل أن تطلق له الحكومة حرية المضي في دعوته الدينية البحتة.

وخرج حسن البنا من عند النحاس باشا وقد باعد بين نفسه وبين السياسة التي أوشك أن ينزلق فيها بترشيح نفسه ولكن هل بعدت عنه السياسة كما بعد عنها هل فرت منه كما فر منها... لا يا حضرات المستشارين والضباط العظام.

فقد حدث في السياسة المصرية انقلاب جديد، أخرج بمقتضاه الوفد من الحكم وجاء عهد أخر يتلخص برنامجه في شيء واحد، وهو القضا على الوفد قضاء مبرما والإعفاء من آثاره نهائيا وكان طبيعيا أن يتنكر العهد الجديد للإخوان باعتبارهم من دعائم الوفد ولكن الإخوان أنكروا هذه التهمة وأعلنوا أنهم لا علاقة لهم بالأحزاب وإنما هم يتعاونون مع الحكومة القائمة أيا كان لونها باعتبارهام حركة روحية ولكن ولاة الأمور لم يقبلوا منهم هذا الموقف ولم يرضوا منهم بأقل من أن يظهروا خصومتهم للوفد وتنكرهم له إذا شاءوا أن يستمروا في نشاطهم

ولم يكن باستطاعة الإخوان أن يترددوا في هذا السبيل فأعلنوا خصومتهم للوفد باعتباره حزبا سياسيا، وخصومة حزب سياسي معين معناه انخراط صريح في سلك السياسة الحزبية وهكذا شهد عام (1946) انحراف الإخوان وتحولهم من حركة روحية بحته تصادق الجميع وتتعاون مع الجميع إلى هيئة لها رأي في السياسة الحزبية فتناصر فريقا ضد فريق وقك كان انزلاقا من غير شك ولكن الإخوان دفعوا إليه دفعا وإكرهوا عليه إكراها فلم يكن أمامهم حرية الاختيار فإما أن يسلكوا هذا السبيل وإما لا يسمح لهم بالبقاء فاندفعوا في هذا التيار.

وكان معنى هذا الموقف الجديد أن يخاصمهم الوفد وأن يخاصموه فبدأت الاحتكاكات بين الطرفين وبدأ الصدام على طول الخط وكان طبيعيا أن تقف الحكومة إلى جوار الإخوان المسلمون في كل صدام يقع بينهم وبين ، بل وكانت تحميهم وتشد أزرهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

مرة أخرى نريد أن نقف هنا وقفة طويلة لنمحلل ما انتهى إليه الموقف ومقدار الخطر الي بلغ إليه الإخوان المسلمون فلقد راينا كيف أن الأحزاب جميعا قد أجمعت على تملقهم ووجدنا الوزراء بل رئيس الوزراء صدقي باشا يسعى إلى دارهم.

فهل تعجبون إذا استقر اليقين في نفس كل عضو من الإخوان المسلمون أنهم صفوة الناس وأكرمهم ولما كانوا لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بكتاب الله ودين الله ورفع راية الإسلام فليس عليهم إلا أن يمضوا في هذا الطريق وأن يمضوا فيه حتى نهاية الشوط فلا يكون إلا النجاح والنصر المحقق.

وإذا كانت السياسة اليوم قد دخلت إلى برنامج الإخوان فقد استتبع هذا تبيان ذلك من الإسلام والقرآن وسرعان ما تبين لهم أن الإسلام دين ودنيا وسيف ومصحف فبدأت فكرة الجهاد تعرض على بساط البحث وبدأ شباب الإخوان على الأقل للدفاع عن هذه الحركة التي بدأت التيارات المختلفة تلفح وجهها وتهدد كيانها فقد بدأت صحف الوفد تهاجم وبدأت لجان الوفد تهاجمها في كل مكان معنى هذا أنه لو قدر للوفد أن يصل إلى الحكم يوما فمعنى ذلك نهاية الإخوان إذن فلابد من الحيلولة دون وصول الوفد إلى الحكم فإذا قدر له ووصل فلابد من أن تكون الحركة قد بلغت من القوة والاستعداد بحيث لا يمكن التعرض لها أو مهاجمتها.

وهكذا بدأ التفكير يتطور وينتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى وتلك هي سنة الحياة وطبيعتها ولكنني قد عرضت عليكم الوقائع في صدق وأمانه وأرجو أن تكونوا قد أدركتم أن المسئول الأول عن هذه التطورات هم رجال السياسة وبصفة خاصة رجال العهد الذين انقلبوا بعد ذلك على الإخوان هذا الانقلاب الخيف فكانت هذه المصائب والنكبات.

أنشأ الإخوان المسلمون منذ وقت مبكر نظام الجوالة وقد كان هذا النظام منذ اللحظة الأولى ضد القانون فالأحزاب والهيئات السياسية محظور عليها بمقتضى قانون الأقمصة الملونة أن تتخذ تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية وإليكم نص القانون رقم (17 سنة 1937).

مادة 1- تحظر الجمعيات أو الجماعات دائمة كانت أم مؤقتة التي يكون لها سواء من حيث تأليفها أو عملها أو من حيث تدريب أعضائها أو نظامهم أو زيهم أو تجهيزهم صورة التشكيلات شبه العسكرية خدمة لحزب أو مذهب سياسي معين.

ولقد كان هذا القانون ينطبق انطباقا تاما على جوالة الإخوان المسملون التي كانت في حقيقتها تؤلف جيشا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وقد بلغ عددهم في فترة من الفترات عشرين الفا باستطاعة قيادة الإخوان أن تعبئهم في أي مكان شاءت.

كيف سمحت الحكومة بقيام هذا الجيش التابع لإحدى الهيئات على خلاف القانون هذا سؤال نريد أن نسمع عنه جوابا من النيابة العمومية ومن ولاة الأمور الذن تولوا الحكم في العهد الماضي ثم جاءوا على حين غرة يبطشون بهؤلاء الشبان ويقولون لهم أيها المجرمون القتلة.

ما السر الذي خول لدعوة الإخوان المسملون وبعد أن انخرطت في المنازعات الحزبية أن يكون لها هذا الجيش من الجوالة إسألوا السياسة العامة التي سمعتموها تتردد أمامكم من الشهود أسألوا السياسة العامة التي لم تسكت فحسب بل لقد شجعت ومولت هذا الجيش ظنا منها أنه عدة لها ضد خصومها وأنه سلاح ضد الوفد الذي يريدون القضاء عليه بأي صمن ولو بالخروج على كل قانون وكل عرف وكل مألوف.

لقد قيل في وقت من الأوقات: إن هؤلاء الجوالة إنما سمح بقيامهم تطبيقا لقانون الكشافة ولكنكم لو رجعتم إلى قانون الكشافة لوجدتموه يحظر حظرا باتا على الكشافه إن تنتمي إلى جماعات سياسة دينية وعلى هذا فقد كانت جوالة الإخوان المسلمون ضد القانونين العام والخاص على السواء فهي ضد قانون الكشافة الذي يحظر تدخل الكشافة في السياسة أو الدين وكلاهما كانت جوالة الإخوان المسلمون موصوفة به وعقوبة مخالفة هذا النص هو حل فرق الكشافة أو الجوالة.

ولكن جوالة الإخوان المسلمون كانت تملأ مصر من أقصاها لأدناها تسير في كل مكان وفي كل مدينة وفي كل قرية وهي تكبر وتهلل وتظهر قوتها وبطشها وكانت اجتماعات الإخوان المسلمون تعقد في كثير من الأحيان تحت حماية هذا الجيش المنظم فلم تنكر الحكومة أو تعترض فمن المسئول إذن يا حضرات الميتشارين عن هذا الانحراف الذي انحرف إليه بعض الشبان؟

أهم هؤلاء المتهمون في هذا الققص وكان مجنيا عليهم؟ أم هي ولاة الأمور الذين جمعوا هؤلا الشبان وأسلموهم لهذه التنظيمات وهذه المظاهرات العسكرية والتي زاد في قوتها روعتها أنها تجري باسم الدين هو ماء الحياة وريحان النفوس؟

إن النيابة تهول لنا وهي تطالع فقرات ما يسمى قانون التكوين وتتحدث عن الطاعة وعن النظام وعن اليمين وعن التضحية بالنفس وعن التدريب على الأسلحة وعلى اللاسلكي والإسعاف ومواد القانون إلى أخر ما تسرده على مسامعنا مما لا محل له في قضيتنا فهل فات النيابة أن نظام الجوالة يحتمل ذلك كله وأنه لم يتجاوزه إلا في عبارة أو اثنين خاصتين بالقتل وتحليله وهذا هو الانحراف الذي يطرأ على كل شيء.

ترى ألا تعلم النيابة أن الجوالة لا يكون جوالا إلا إذا أقسم يمينا إلا إذا بايع على السمع والطاعة الا تعرف أن الجوال لا يكون جوالا إلا بعد تدريبات وتمرينات وامتحانات ينتقل فيها من مرحلة إلى مرحلة ومن طور إلى طور؟

لقد كان عبد المجيد أحمد حسن يصور لكم الموقف أبداع تصوير عندما قال لكم: إن انتقاله من الجوالة إلى النظام الخاص قد تم دون أن يحس أن تغيرا كبيرا قد طرا عليه فالنظم هي النظم والقواعد هي القواعد إذا كان النظام الخاص هو جيش الدعوة فإن الجوالة كانت جيشها الرسمي المعترف به من الحكومة تمد بالإعانات وتسمح بالاستعراضات.

إني أرجوكم حضرات المسشارين والضباط العظام أن تسمعوا شهادة رشدي بك الغمراوي مفتش البوليس الذي أصطدم بجوالة الإخوان المسلمون عندما كان مأمورا لقسم الخليفة لتتبينوا المسئولية الخطيرة التي كانت لرجال العهد الماضي في الجناية على بعض شبان (الإخوان المسلمون) وحملهم على الانزلاق فالشطط.

تتلخص الواقعة في أن مأمور قسم الخليفة تلقى تعليمات مكتوبة أن يحول دون سير طوابر أو مواكب في الشوارع ولست أريد أن أقول: من الذي كان مقصودا بهذا المنشور ولكن رشيد بك الغمراوي وهو ضابط مستقيم ينفذ ما لديه من التعليمات طبق هذا المنشور على جوالة الإخوان المسلمون فخرج بعساكره وجنوده ليحولوا بينهم وبين السير فاربوا

ورفضوا فكان أن وقع بينهم هذا الاصطدام الخطر الذي اشر إليه عمار بك في مذكرته ولكن الذي لميقله عمار بك ولا إمام بك في شهاتيهما أن رشيد بك الغمراوي مأمور القسم قد عوتب على موقفه واصطدامه مع الإخوان المسلمون وسوى الموقف بإقامة احتفال ضخم لجوالة الإخوان أمام قسم الخليفة كمظهر على انتصار الإخوان المسلمون وسلطانهم وإني ادع لكم يا حضرات المستشارين والضباط والعظام إلا أن تستدعوا رشيد بك الغمراوي لأداء الشهادة لكي يتين لكم أن هؤلاء الشبان عندما يوقفونهم اليوم في القفص ليسوا في حقيقتهم غير مجني عليهم وليسوا جناة.

والآن فلنجر أمام حضراتكم عملية حسابية أو غذا شتئم عملية كيميائية أترون أن هذه الحوادث التي وقعت من بعض أعضاء الإخوان ليست إلا نتيجة طبيعية بحتة كحاصل الضرب أو التفاعلات الكيميائية؟ فنحن الآن في حركة دينية تدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه وتعمل لإعاد مجد الإسلام والمسلمين فلا يمكن أن يوجد مسلم واحد في مصر بل في أي أنحاء العالم ألا ينفتح قلبه لهذه الدعوى ولا يميل لها ويأخذ بناصرها وهذه واحدة.

ولقد صادفت هذه الحرة هوى من الجميع فأقبل رؤساء الأحزاب وأقطاب السياسة والحكومة على تأييدها والتشرف بالانتساب إليها فمرة حامد جودة ومرة المرحوم صبري باشا وفؤاد سراج الدين وثالثة صدقي وهو من هو وزعيم الجماعة محفوف بالكرامة والرعاية يدعي إلى الجلوس في مجالات عالية وتستعين به الحكومة في لجانها العليا فتختاره عضوا في لجان تشرف على التعليم أو تعمل على تنقيح برامج بعض المعاهد وتزاول الجماعة نشاطا اجتماعيا لم يسبق له مثيل في مكان من أنحاء العالم ألا ينفتح قلبه لهذه الدعوة ولا يميل لها ويأخذ بناصرها وهذه في مصر فثمة مستشفيات خيرية، ومدارس لتحفيظ القرآن، وجمعيات للبر، والإحسان، وكل هذه المؤسسات كانت تنشأ تحت إشراف وزارة الشئون الاجتماعية، وتمنح المؤسسات والإعانات اللازمة.

لقد بلغ عدد الشعب الإخواني المسجلة في الشئون والتي تستحق إعانة خيريه ما يزيد على خمسمائه شعبة كانت كلها تمنح إعانات أو بسبيل أن تعان وكانت مجالس المديريات والبلديات في كل مكان تسارع إلى شد أزر هذه المؤسسات وتقويتها وإلى جوار هذه المؤسسات الخيرية قامت شركات مالية ناجحة راحة تنشء مصانع لمختلف صنوف الإنتاج وهذا هو العنصر الثاني.

حضرات المستشارين.

ضعوا إلى جوار ذلك كله حرية شاملة كاملة يتمتع بها الإخوان المسلمون في أحلك الأوقات والظروف وحسبكم أن تلقوا نظرة على هذه الورقة المضبوطة في أوراق الجمعية الموجهة من شعبة المحجر إلى فضيلة المرشد العام، يخطرونه فيها بأنهم يعتزمون الاجتاع كل خميس في دار الشعبة ويطلبون منه أن يتخذ الإجراءات الكفلية بحريتهم فيؤشر عليها فضيلة المرشد بإخطار المحافظة وبوليس قسم الخليفة باعتماد شعبة المحجر كي لا يتعرض لاجتماعها.

ماذا تكو الصولة أكثر من هذا وماذا يكون النفوذ في ذروته العليا أكثر من هذه التأشيرة التي تشبه أن تكون تأشيرة وزير الداخلية هذه الحرية الشاملة الكاملة لنشاط الإخوان الذي لا يحده حد، ولا يتقيد بظروف هو عنصر ثالث من عناثر العملية الحسابية أو الكيميائية التي أجربها أمام حضراتكم.

ضموا الآن إلى هه العناصر قيام جيش من الجوالة الذين يدربون تدريبا شبه عسكري ويقسمون يمين الطاعة والولاء في طول البلاد وعرضها للحركة وقائدها والذين يتكونون على خلاف القانون والذين انتزعوا لأنفسهم الحق في ألا تسير عليهم أحكام البوليس.

اجمعوا كل هذه العناصر في هيئة من الهيئات يا حضرات المستشاين والضباط العظام ثم أجعلوا هذه الهيئة تنخرط في نزاع سياسي مع حزب من الأحزاب القوية في مصر الذي تعمل الحكومة بجدع الأنف على تقويض أركانه ثم قولوا لي ماذا تكون النتيجة بعد ذلك واحكموا إن شئتم على هؤلاء المتهمين بأنهم جناة وليس مجنيا عليهم.

لم يكن هناك مناص من تطور أساليب الجماعة وسط هذه الظروف وأن ترى نفسها مضطرة للتسلح تسلحا دفاعيا ضد هذا الحزب في بادئ الأمر ثم ينقلب التسليح هجوميا على هذا الحزب بالذات ما دام كله يوافق هوى الحاكمين وولاة الأمور.

إنني لألقى الكلام على عواهنه فها هي ذي مذكرة عمار بك التي طالب فيها بحل الإخوان المسلمون تشير إلى أنه بتاريخ (6يوليو سنة 1946) وقع اصطدم في مدينة بورسعيد بين أعضاء الجمعية وخصوم لهم استعمل فيه القنابل والأسلحة وأسفر عن قتل أحد خصومهم وإصابة آخرين، وضبطت لذلك واقعة الجناية رقم (679 سنة 1946) قسم ثان بورسعيد.

وإذا كان عمار بك لم يذكر في هذه الحادثة إلا الجانب الذي يؤيد وجهة نظره فقد بقى أن تعرفوا أن هذا الحادث أسفر عن حرق دار الإخوان المسلمون في بور سعيد ومحاصرة المرحوم حسن البنا في أحد المساجد ونجاته من الخطر في ذلك اليوم بأعجوبة.

ولقد أشارت مذكرة عمار بك إلى حادث آخر وقع في مدرسة شبين الكومن وقد شهد أمامكم في هذه الجلسة أن المجنى عليه في هذه الحادثة كان من الإخوان المسلمون.

وهكذا تحول النزاع السياسي بين الإخوان المسلمون وبين الوفد إلى نزاع يشوبه العنف فكان من الطبعي أن يهب الإخوان المسلمون للدفاع عن أنفسهم بنفس السلاح خاصة أن الحكام والقائمين بالأمر لا يبغون منهم أن يدفعوا عن أنفسهم فحسب بل لو استطاعوا أن يسحقوا الخصوم لكانوا محل الإعجاب.

فهل تعجبون يا حضرات المستشارين والضباط العظام وهذه هي الظروف وهذه هي الملابسات أن يفكر بعض المتطرفين من الإخوان المسلمون بينهم وبين أنفسهم في إنشاء نظام خاص يكون المقصود منه هو حماية الدعوة التي نمت وترعرعت واستوت على سوقها والتي تحظى برضاء الله من فوق سماواته السبع وتحظى برضاء الحاكمين وولاة الأمور على ظهر الأرض؟

إن النيابة تمسك اليوم بتلابيب هؤلاء المساكين، وتقول لكم: هذه رؤس الفتنة قد أينعت وحان قطافها فاقطفوها وتنذر بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتتحدث عن الاتفاقات الجنائية المخيفة التي كادت تهد كيان المجتمع المصري هذا، وأنا أقول لكم وفي يدي سيف القانون والعدالة إذا كان اجتماع هؤلاء الشبان هو اتفاقا جنائيا فحرى أن يوضع إلى جوارهم هؤلاء الذين حرضوهم بأن مدوا لهم الحبل على الغارب هؤلاء الذين تجاوزوا عن القانون بل أهدروا القانون حماية لهؤلاء الشباني وتشجيعا لهم.

لقد مثل أمامكم سعادة عبد الرحمن بك عمار ولقد رايتم كيف راح يهدر كالجمل ويزأر كالأسد ويصب جام النقمة والغضب على رأس الإخوان المسلمون وهؤلاء المتهمين البؤساء فإذا سئل في شيء مما جاء في مذكرته ظن أننا نتشكك في وقوع هذه الحوادث ويروح يؤكدها ويقسم عليها أغلظ الإيمان ثم لا يرضى بأقل من أن يختم كلامه بهذه العبارة التي كررها أكثر من مرة وليس هذا إلا قليلا من كثير من الجرائم التي ارتكبتها هذه الجماعة يا سبحان الله وأين كنت يا مدير الأمن العام الحازم الباطش وهذه الجرائم التي يشيب لهولها الولدان والتي عددتها في مذكرتك ليست إلا قليلا من كثير أين كنت أيها الأسد الهصور يا من تصول اليوم في ساحة القضاء وتجول؟ أين كنت وهذه الجرائم تترى وتتراكم تراكم السحاب وتهطل هطول الأمطار؟

يا حضرات المستشارين والضباط العظام:

لا تظنوا أنني سأقنع منكم في ختام مرافعتي بالبراءة لموكلي بل إنني أطالبكم فوق ذلك باسم القانون وباسم الأمة التي تريد أن تعيش في سلام وهدوء في ظل قانون محترم أن تشيروا لها عن المسئولين الحقيقين عن هذا العبث الذي نحاكم عليه اليوم.

عندما قدمت لحضراتكم مذكرة بهذه الأسئلة التي أريد توجيهها لسعادة عمار بك ووجدتم في راس هذه الأسئلة ما يشير إلى أن عمار بك كان يحضر اجتماعات الإخوان المسلمون وهو مدير... لابد أنكم ارتبتم في هذا الأمر في دخيلة أنفسكم ولكني أحمد الله على أن سعادته لم يوجه له هذا السؤال حتى اعترف به ولم ينكره فهل تعرفون لماذا بادر عمار بك بالاعتراف لأنه خشى أن نواجهه بهذا الأمر مكتوبا ومنشورا على صفحات الجرائد بل وتزيد الصحف عليه أنه خطب في حضرة المرحوم حسن البنا.

ولعلكم قد رأيتم من شهادته أمام حضراتكم أنه خطيب متدفق فصيح لا ينطق إلا بالبيان والبديع ولكن أن تتصوروا عندما يقف في حفل للإخوان المسلمين فماذا يقول؟ وماذا عساه بيدي ويعيد؟

لم يكن هناك مناص وهو الذكي الأريب، من أن يعترف بواقعة شهوده لحفل الإخوان المسلمين في مدينة بنها على أن يعلله على هواه وهو أنه فعل ذلك باعتباره مديرا للمديرية ليتعرف على نشاط الجمعيات العامة القائمة في منطقة إدارته.

آمنا وصدقنا أنه حضر إلى هذا الحفل مراقبا أو بالأحرى مستمعا فيجب أن نسجل عليه أنه قد أدرك من شأن الإخوان المسلمون في هذا الحفل وما سبقه وما لحقه ما أدرك.

قرر أمامكم عمار بك أننا تقابلنا معه في وزراة الداخلية أنا والمرحوم حسن البنا وقد أنكر في بادئ الأمر أن المرحوم حسن البنا قال عنه: إنه عضو في الإخوان وأنه لم يعترض على لك ثار عبد الرحمن بك عمار وفار وأنكر أن يكون ذلك حدث ثم استطرد بعد ذلك فاعترف اعترافا جزئيا يؤسفني أنه لم يسجل في محضر الجلسة وهو أنه قال على أن أحمد حسين لم يقل: إنني قلت بل إن حسن البنا هو الذي قال.

على أية حال يا حضرات المستشارين فيما يتعلق بهذه الواقعة لست أريد أن أقول: إن عمار بك كان كاذبا فحاشاي أن أسيء إلى أحد أو أن أجرحه بكلمة نابية ولكن أقول لكم: إنني صادق فيما أقول ولست أنا عضوا من الإخوان المسلمون ولست هنا لأدافع عنهم وإنما لأدافع عن الحق، وليس بيني وبين عمار بك ما يدعو لأن أكذب عليه وهذا الذي أقوله قد وقع أمامي، ولكم أنتم وحدكم أن تصدقوني أو تكذبوني.

طبيعي أن ينكر عمار بك الآن أن تكون هذه الكلمة قد قيلت في حضرته، وهو يقول عن الإخوان بدون استثناء أنهم عصابة من المجرمين الثائرين الإرهابيين أما في ذلك الوقت فقد كان الانتساب إلى الإخوان المسلمون شرفا أي شرف ونجاحا ما بعده نجاح ولكن ذاكرة عمار بك تضعف في بعض الأحيان وإلا فهل يستيطع عمار بك أن يقول لنا ما باله وقد أصبح مديرا للأمن العام ثم وكيلا لوزارة الداخلية لما تقع الجرائم من بعض أفراد ينتمون إلى هذه الجماعة فلا ينكرها وما باله وهو يزعم أنه خالط الجماعة باعتبارها جماعة دينية ولا زيادة وماله لا ينكر عليها نشاطا سياسيا راحت تظهره وتبديه نشاطا بدأ يهدد الأمن العام إذ يقع الاصطدام بينها وبين خصومها في الرأي فتسيل الدماء أنهارا وتكلف البوليس عنتا وإرهاقا.

أما كان يجدر بوكيل وزارة الداخلية المسئول عن الأمن والذي يعرف من أمر الإخوان المسلمون كما يقول إنها جمعية دينية لا يرى حرجا من شهود اجتماعاتها وهو مدير، أما كان واجبا عليه أن ينبه ويحذر من هذا الانحراف؟

لقد سألتموه يا حضرات المستشارين فيما سألتموه عما فعله عقب هذه الحوادث فكان يقول لكم: إنه اتخذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار وقوع هذه الحوادث وليس أدل على أن هذا غير صحيح من مذكرته بالذات حيث نرى فيه الحوادث متكررة في نفس المكان الواحد وهي في كل مرة تزداد شدة وخطورة مما يدل على أنه لم تتخذ أي إجراءات.

وفي اليوم الذي صدر فيه قرار الحل لم تكن الحكومة ولم تكن الحكومة ولم يكن البوليس قد اتخذ أي إجراء وقائي ضد نشاط الإخوان وليس أدل على ذلك من حالة الفزع التي كان فيها رجال البوليس عندما كان الأمر بالحل يوشك أن يصدر ولم يتخذوا للأمر أهبته.

فليست عندهم دوسيهات لأعضاء الإخوان ولا يعرفون المتطرف منهم من غير المتطرف مع أن البوليس السياسي يعرف هذه المعلومات عن كل الهيئات والأحزاب السياسية في مصر إذ حدث في مرة من المرات أن اشترينا في بيتنا زوجا من الفراج لوجدتموه في تقارير القسم السياسي باعتبارى خطرا من أشد الخطرين ولو قيلت نكته في مدينة أسوان على لسان أحد أعضاء مصر الفتاة لتضمنتها تقارير القسم السياسي أما بالنسبة للإخوان فحتى آخر دقيقة لم يكن القسم السياسي يعرف من أمورهم شيئا.

راحت النيابة تلقى ظلا على هؤلاء المتهمين البؤساء بأن تحثو في وجههم الشبهات من قضية سيارات الجيب وراحت تبدي وتعيد وتسهب وتطنب في إظهار خطورة التنظيم والشبكة الواسعة النطاق التي كان يعدها هؤلاء الانقلابيون فيغمرون في طوفان من الدم.

أو لم تسائل النيابة نفسها: وأين البوليس السياسي من هذه الأمور الخطيرة أين البوليس السياسي الذي تغدق عليه الدولة الرتب والألقاب والعلاوات والترقيات والمكافآت أين القسم السياسي بحوله وطوله والذي اعتمدت عشرات الألوف من الجنيهات للإداق على رجاله أين هو من هذه المشروعات الخطيرة التي استغرقت شهورا وسنين لإعدادها أو لميصل إليه طرف منها أو لم يشم رائحة منها أو لم تتحرك غريزته البوليسية فيستشعر الخطر الداهم؟

إنهم يقولون لنا في تصريحات رسمية وفي خطب منبرية وفي البرلمان وفي كل مكان إن مصر يجب أن تتيه ببوليسها وعلى رأسه البوليس السياسي فكيف يتفق هذا مع جهل البوةليس المطبق بهذا المشروعات التي توصف اليوم بأنه جهنمية أين كان البوليس من هذا الجيش الطويل العريض الذي تطلق عليه جيش الإرهاب؟

أفهم أن يخفى على البوليس مؤامرة تدور بين شخصين أو ثلاثة في جهة من الجهات أما أن تخفى على البوليس جيوش بأسرها تعد وتنظم فاسمحوا ليالا أبتلع هذه المغلطة وأن أسمى الأشياء بأسماءها وأن أعرضها عليكم على حقيقتها التي لا تحتمل شكا أو جدلا أو مناقشة.

فالحق كل الحق أن الذي كان يجري إنما كان برضاء السلطات الحاكمة وأن هذا الإعداد للإخوان إنما كان محل رعايتهم وتشجيعهم ولذلك فقد كان على البوليس السياسي أن يغمض عينيه حتى لا يورط نفسه ويورط الحاكمين في مشاكل واعتبرت دعوة الإخوان المسلمون على هذا الأساس منطقة حراما لا يجوز للبوليس أن يقربها ولذلك نمت المؤسسات والمنظمات وترعرعت في جو من الأمن والدفء والسكينه والعوامل المشجعة.

ليس صحيحا إذا ما قاله عمار بك من أن إجراءات كانت تتخذ عقب وقوع حادث من هذه الحوادث للحد من نشاط الإخوان المسلمون وإنما الصحيح هو العكس وأنهم عقب كل حادثة كانوا يلقون تشجيعا وتأييدا لأنها كانت تظهر ما وصلوا إليه من القوة صالحون كل الصلاحية للمهمة التي يراد منهم القيام بها وهي كما قلت لكم القضاء على حزب يراد القضاء عليه باي ثمن من الأثمان ولو على حساب القانون وعلى حساب الأمن والسلام. فلتطو النيابة إذن أورقها وصفحاتها الخاصة وبالاتفاق الجنائية والتمهيد للانقلابات فلقد اتفقنا على ألا يكون لذلك أي تأثير على جوهر الواقعة المطروحة أمامنا وسوف أتكلم عن هذه المسالة من الناحية القانونية في القسم القانوني من مرافعتي أما اليوم فحسبي أن أقول للنيابة: سدوا هذا الباب ولا تفتحوه فإن رائحة تزكم الأنوف تهب منه.

لا تتحدثوا عن الانقلاب والإرهاب فلقد كنتم شركاءنا فيه جميعا لقد قدمت قضايا فحفظتموها وضبطتهم وقائع فلم تنكروها فلو لم يكونوا شركاءنا في الرأي لأنكرتم هذه الأمور كما تنكرونها اليوم لنصل الآن إلى مرحلة فلسطين والجهاد في سبيل فلسطين والحلقة الأخيرة من مراحل تطورات الإخوان المسلمون وموقفها ولست أجد ما أقوله في هذا الموطن سوى أن أجأر إلى الله بالشكوى ومن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

وأحمد الله أن قد خلقني منصفا وما قيامي في هذه القضية إلا مظهرا هذا الانصاف ويقول لكم عمار بك عندم طرقتم موضوع فلسطين إن هذه هي مصيبة المصائب ونكبة النكبات اليت اتخذها الإخوان المسلمون ذريعة يتذرعون بها لتدبير أعمالهم الإجرامية والتستر وراءها لجمع الأسلحة وينكرون على الإخوان قيامهم بدور عظيم في معركة فلسطين ينكرون عليهم شهداءهم وجرحاهم وأبطالهم الذي سجلت أعمالهم في تقاير رسمية.

أما كان الأول أن يسكتوا عن موضوع فلسطين؟ أما كان الأول ألا تمس النيابة هذا الموضوع والا تتهم الإخوان بالتستر والتمسح في قضية فلسطين.

لقد طلبنا منك يا حضرات المستشارين والضباط العظام أن تستدعو للشهادة عبد الرحمن باشا عزام وسماحة مفتي فلسطين ليشهدا لكم بالدور العظيم الذي قام به الإخوان المسلمون في فلسطين فاسرعت النيابة وقالت إنها تسلم بهذه الوقائع فإذا كان الأمر كذلك فعلام تهولون وتسرفون وتطنبون في وصف الأسلحة التي وجدت والذخائر التي ضبطت والتي تصفونها بأنها تكفي لنسف مدن بأكملها وتصفون الأسلحة بأنها تمون جيوشا بأكملها إذا اردنا أن نحقق واقعة الدور الخطير الذي قام به الإخوان المسلمون في معركة فلسطين قلتم لنا نحن نسلم بهذه الوقائع ولا حاجة لتحققها ولنحصر القضية في مقل النقراشي باشا فإذا قبلنا هذا الوضع وارتضيناه رحتم تفتحون لنا الأبواب وتتحدثون عن الأسلحة والذخائر وأنها ما كانت لتجمع إلا للإرهاب وتنظيم الإنقلاب.

حضرات المستشارين والضباط العظام

إن واجبي يحتم علي وقد قيل ما قيل بشأن هذه الأسلحة والذخائر أن أعرض أمامكم بعض الحقائق فإن شئتم أن تحققوها فنحن على استعداد لهذا التحقق وأن شئتم أن تمروا علهيا فيصبح من حقنا عليكم أن تمروا كذلك على كل ما ذكرته النيابة من إشارة إلى الأسلحة والذخائر المكتشفة التي تريد أن تنتزع منها دليلا للإساءة إلى مركز هؤلاء المتهمين.

إذا كانت الجيوش المصرية قد دخلت فلسطين رسميا في 015 مايو سنة 1948) فإن معركة فلسطين لم تبدأ في هذا اليوم بل لقد كان ذلك هو آخر مرحلة من مراحل هذه المعركة ما قبل ذلك فقد كانت الحكومات العربية تخشى التدخل السافر في موضوع فلسطين ولذلك فقد استقر الراي على أن يجري العمل في قضية فلسطين بطريق غير رسمي وأن توقم به الجامعة العربية كهيئة مستقلة عن الدولة العربية وأن تعتمد الجامعة العربية في ذلك على الهيئات والجماعات التي أبدت غيرة الدفاع عن قضية فلسطين ذلك بتنظيم جيش من المتطوعين أطلق عليه جيش التحرير.

ولقد كان لي شرف الانخراط في هذا الجيش وكان لي شرف الدخول إلى فلسطين مع الكتائب الأولى التي دخلتها وكان من إخواني أول سرية من أبناء مصر دخلت إلى فلسطين فهذا الموضوع يتصل بنا كل الاتصال ونعرف مراحل ونعرف خوافيه وظواهره.

في ذلك الوقت كانت الهيئة العليا التي اتخذت مصر مقرا لها تطالب الحكومة المصرية بأن تعطيها سلاحا فرضة الحكومة المصريةي أن يتم ذلك رسميا ولكنها صرحت للهيئة بأن تجمع السلاح من البلاد فلم يكن للهيئة من سبيل لتحقيق ذلك إلا بمساعدة الإخوان المسلمون فنظم الأمر بين الهيئة والإخوان تحت إشراف الحكومة وموافقتها على أن يتولى الإخوان جمع السلاح لحرب فلسطين وأعطى مندوبو الإخوان التصريحات اللازمة لجمع السلاح

فذهبوا إلى الصحراء الغربية بمعاونة رئيس أركان مصلحة الحدود حسن بك سري عمر الذي يمكن أن تسمع شهادته في هذا السبيل إذا شاءت المحكمة تحقق هذه الواقعة جمعت الأسلحة وحشدت وكان ذلك عملا قانونيا بحتا في ذلك الوقت فمن العبث اليوم أن ينكر ذلك على الإخوان وأن يوصفوا بالجريمة والعمل على إغراق البلاد في طوفان من الدم وأن يحتج عليهم بهذه الأسلحة التي تعرف الحكومة كيف جمعت وكي تمولت هذه يجب ألا تكون محل شك أو خلاف وإلا فنحن على استعداد لإثباتها حرفا حرفا وكلمة كلمة ونطلب على ذلك سماعت شهودنا.

لقد كانت الهيئة العليا تتريث في تسلم هذه الأسلحة أحينا لعدم وجود مخازن لديها أو توافر وسائل النقل وأحيانا كانت تكلف الإخوان بمهمة إصلاحها وجعلها في حالة جيدة ولقد فتح الإخوان ورشا للسلاح للقيام بهذا العمل وكان ذلك كله تحت سمع الحكومة وبصرها.

ولقد شهد أمامكم عمار في صراحة تامة أن دار الإخوان المسلمون في شارع محمد علي كانت ملأ بالذخائر التي انفجرت وأنهم قرروا في التحقق أنها كانت مخصصة لفلسطين ولذلك فقد صرف النظر عنها.

وليس أدل على ذلك من حيثيات قرار الحفظ في قضية جبل المقطم حيث أعتقل شبان من الإخوان وهم يتدربون على إطلاق النار وضبطت معهم كميات ضخمة من الأسلحة ومع لك فقد حفظت النيابة الدعوى ضدهم لما ثبت لديها من هؤلاء الشبان إنما يتدربون من أجل فلسطين وإليكم نص قرار الحفظ.

وحيث أنه فيما يتعلق بتهمة أحراز السلاح والذخيرة المنسوبة إلى الأشخاص المضبوطين فالتهمة ثابتة قبلهم مناعترافهم الصريح غير أنه من ناحية أخرى فإن الغرض الذي من أجله اجتمعوا وأنفقوا من أموالهم إنما هو غرض نبيل دعت إليه ضرورات الحالة في فلسطين في ذلك الوقت فدفعتهم نخوتهم الوطنية وشعورهم العربي إلى نصرة إخوانهم في فلسطين مجاهدين بأموالهم وأنفسهم وفضلا عن اي الظروف السياسية قد تطورت فيما بعد واندفعت الدولة بذاتها بجيوشها وأفرادها ودخلت في معترك حرب نظامية مع عصابات اليهود فالتقى غرض الأفراد مع هدف الدولة

نرى من الموافقة لذلك:

أولا: حفظ جناية الشروع في القتل لعدم معرفة الجناة.

ثانيا: حفظ جنحتي إحراز الأسلحة والذخيرة قطعيا لعدم الأهمية.

وإذا كانت السياسة تتقلب وإذا كان رجال السياسية يتخذون الغدر كوسيلة من وسائلهم فأنتم قضاة تترفعون عن ذلك كله وتسمون على كل هذه الاعتبارات ولذلك فلا شك أن نفوسكم اليوم تستقبح الذي حدث لا شك أن ضمائركم الآن بدأت تحس أن الأمور ليست كما تهول النيابة وأن كل قول له رد وكل شبة لا دفع وأن الاتفاقات الجنائية والاستعدادات الإرهابية ليست في حقيقتها.

كما تبدو هكذا في الظاهر ولو كانت قضية الاتفاق الجنائي منظورة الآن أمامنا لطلبت من حضراتكم الآن أن تخلو هذه القاعة لنستطيع أن نقول كل ما نفوسا فإنني لا أستطيع في جلسة علنية أن أقول كل ما أعرف وأن واجبي الوطني يحتم علي أن أصمت ولا أتكلم وليس في سكوتي اليوم إخلال بحق الدفاع عن هؤلاء المتهمين فهم لا يحاكمون على هذه الاتفاقات الجنائية وإنما وقد أثارت النيابة الزوبعة.

فكان لابد من أن نبددها وقد حالوت أن تغشى هذه القضية بظلمات فوق ظلمات فكان لابد أن نسلط الضوء على هذه الظلمات لنجلي الحققة أمام حضراتكم سافرة جلية وأعتقد أنني حققت هذه المهمة ولذلك فإنا في غني عن أن أتعرض لما نسب للإخوان من حوادث كنسف شركة الإعلانات الشرقية ومحاولة استخلاص الأدلة من هذه الحواث على تجريم هؤلاء المتهمين.

لست أريد يا حضرات المستشارين والضباط العظام أن أنكأ الجروح وأن أكشف المستور فأعين العالم تتطلع إلينا وحسب هذا القدر وهذه الإشارة

حضرات المستشارين العظام

عند هذا الحد ينتهي القسم الأول من مرافعتي والذي لم أرد من ورائه إلا أن أضع القضية في إطارها الصحيح لا في الإطار الذي وضعتها فيه النيابة وهو إظهار هؤلاء المتهمين ومن سيأخذون مكانهم ف مظهر الوحوش وسفاكي الدماء فالإخوان المسلمون ليست من إنشاء يوم وليلة وإنما هي عمل عشرين سنة متواصلة بالليل والنهار ولم تكن الإخوان المسلمون تعمل في الظلام ولا كانت تعمل في المريخ أو في دولة غير الدولة المصرية.

بل كانت تعمل في وضح النهار وفي ضوءه تطبع مطوبعاتها في أيام الرقابة فيجيزها الرقباء المعنيون من الحكومة ويلقى المرشد العام خطبة في حضرة الوزراء والمديرين وكبار الموظفين ثم كانت لهم في نهاية الأمر صحيفة يومية يطالعها كل من له عينان للقراءة ولمن تكن الإخوان المسلمون جمعية ماسونية مقفة على أعضائها بل كانت جمعية مفتوحة لكل من شاء من الموظفين أن يدخلها وكان باستطاعة البوليس وباستطاعة الحكومة أن تتبع أعمالها وسكناتها إذا شاءت إلى هذا سبيلا ولم يكن الإخوان المسلمون في حاجة إلى جيشهم العلني المؤلف من الجوالة كان بذاته كافيا لتحقيق كل ما تؤمل الجمعية في تحقيقه.

وقد تم ذلك كله في وضح النهار وتحت سمع الحكومات المختلفة وبصرها بحيث إن رئيس النيابة المترفع لم يجد ما يؤيد به دعواه إلا أن يتلو علينا كتبا طبعت بعشرات الألوف ووزعت في طول البلاد وعرضها.فمن العبث تجاهل ذلك كله وإظهار الإخوان المسلمون في صورة الاتفاق الجنائي أو التجمع غير المشروع.

قد لا تعرف النيابة ولا تعرف المحكمة أنني كثيرا ما وقفت من الإخوان المسلمون موقف المعارضه أنني كثيرا ما نددت وحذرت وأنذرت فلم يسمع لي في لك الوقت لا من القائمن على أمر الإخوان المسلمون ولا من القائمين على أمر الحكومة وبمن فيهم إبراهيم باشا عبد الهادي نفسه الذي دارت بيني وبينه مناقشات طويلة في هذا الموضوع.

ومع ذلك فقد رأيت أن واجبي كمحام يحتم علي أن أقف إلى جوار المتهم من ناحية ولأنني رجل يثور على الظلم في كل صوره وأشكاله من ناحية أخرى ولقد بدأت أرى الظلم الذي يحيق الإخوان المسلمين وقد رأيت هؤلاء الذين كانوا يدفعونهم بالأمس ويشيعونهم هؤلاء الذين كانوا يناقشونني ويحاجونني في أمر الإخوان المسلمون وهم أنفسهم الذين يتكلمون اليوم باسم الإخوان المسلمون ويطلبون منكم اليوم أن تشتدوا عليهم وألا تأخذكم فيهم رحمة ولهذا جئت وشرفت بالدفاع عن هؤلاء المظلومين.

استبعدوا إذن يا حضرات المستشارين والضباط العظام من أنفسكم كل ما قالته النيابة تصويرا لهؤلاء الشبان وحقيقتهم وحقيقة جمعيتهم فلذلك كله مجال آخر حسبنا في هذه اليقضية أن نركز في هذه الواقعة المعروضة أمامنا وهي مصرع النقراشي باشا فلا نتأثر إلا بوقائعها ولا نستمد دليلا إلا من عناثرها ولقد وعدتموني أن تفعلوا ذلك وإني مطمئن إلى وعدكم.

انتهينا يا حضرات المستشارين والضباط العظام من تنقية جو القضية مما علق به وتلبد في سماءه وإن التحدث عن تجريم الإخوان المسلمون كجماعة واعتبار مجرد الانتساب إليهم جريمة أي جريمة هو موضوع ينبغي ألا يثار في هذه القضية التي نحن بصددها لأن الكلام يطول والمسئوليات تتعدد ولا نخرج منه إلا بنتيجة واحدة وهي أن هؤلاء المتهمين مجني عليهم وليسوا جناة.

الأسباب التي أدت إلى مصرع النقراشي

ولنصل الآن إلى الأسباب التي أدت إلى مصرع النقراشي لنزنها بميزان التاريخ. ولنسمع فيها حكمها حكم القانون.

حضرات المستشارين

في يوم (7 ديسمبر سنة 1948) كانت هناك هيئة حية تحتل في البلاد مكانا رئيسيا ممتازا وهذه الهيئة تسمى الإخوان المسلمون لم تكن هذه الهيئة وليدة يوم وليلة بل إن التاريخ تأسيسها يرجع إلى قبل ذلك التاريخ بعشرين سنة كاملة وصلت هذه الهيئة إلى درجة من القوة في حياة البلاد لا مثيل لها من قبل ولست أتصور أنه يوجد مثيل ها في أي من بلاد الشرق الإسلام في الوقت الحاضر ولست أعرف إلى أين نذهب في بطون التاريخ لنجد شبيها لها.

لم تكن الهيئة سرية كما يقول زميلي الأستاذ أحمد السادة ولم تكن طائفة أو شيعة كالإسماعيلية كما قال في مرافعته كذلك ولكنها كات هيئة رسمية علنية تدعو إلى كتاب الله وإلى سنة نبية وكان الوعاظ الرسميون في البلاد أعضاء في الهيئة وكان المديرون والوزراء وكبار الموظفين وخيرة العناثر في الأمة ينتمون إلى هذه الهيئة ولقد رأيتم يا حضرات المتشارين كيف أن شعبة واحدة كشعبة المحجر أو شعبة طولون قد ضمت من الأعضاء عددا جاوز بضع المئات من مختلف العناصر ولم يكن هؤلا الأعضاء مجرد أشخاص ينتمو إلى الهيئة أو يحضرون اجتماعاتها أو يؤيدونها بقلوبهم

بل كانوا أعضاء عاملين يدفعون للاشتراكان ويتلقون التعليمات ويصدعون بما يؤمرون لم تكن جمعية الإخوان المسلمون إذن مجرد جمعية سرية أو تشكيلة ضئيلة يمكن أن يقال لها انفضى فتنفض أو يمكن أن يقال إنها قد حلت فتحل لقد كانت جماعة الإخوان المسلمون تكتلا شعبيا من الدرجة الأولى لم تعهد له مصر مثيلا من قبل، فقد كان هناك نصف مليون عضو على أقل تقدير يتنسبون إلى هذه الجماعة في صور وأشكال شتى وأني أتحدى أن يكون في مصر حزب مهما علا قدره يستطيع أن يقدم دفاتر وسجلات تحوي أسماء جزء صغير من هذا العدد باعتبارهم منتسبين إليه.

لقد كان الإخوان المسلمون يعدون أنفسهم لخوض الانتخابات المقبلة، وكان لهم أمل جبار في أنهم إذا لم يكتسحوا الانتخابات فعلى الأقل سيخرجون منها كحزب من أقوى الأحزاب الممثلة في البرلمان وأني أرجو أ، تضعوا هذه الحقيقة نصب أعينكم عندما تزنون الدوافع الحققية التي أدت إلى قرار احل وما ترتب على هذا القرار من اغتيال النقراشي باشا.

لقد شعر القوم في الدقيقة الأخيرة بأن قوة (الإخوان المسلمون) أصبحت جارفة وأنها باتت تهددهم في الانتخابات القادمة فقرروا أن يتخلصوا منها أي ثمن من الأثمان فبدءوا يضغطون على الإخوان المسلمون وتضغط عليهم وراح النقراشي باشا يضيق عليهم الخناق وراح بعض الشباب المتطرف من الإخوان الذين كانوا قد ألفوا هذه الحرية الواسعة والفوا الانصار في معاركهم الواحدة تلو الأخرى راحوا يردون على هذه التضييق بتوجيه بعض الضربات فإذا بالنقراشي يقرر الحوادث التي وقعت في الأيام السابقة لقرار الحل، فإذا بالنقراشي باشا يقرر أن يضرب ضربته الحاسمة أو الباطشة والتي كان مصرعة إحدى نتائجها والتي اتفق الجميع على أنها كانت مقررة.

ولقد أبنت النقراشي باشا عند مصرعه واستنكر هذه الجريمة أشد الاستنكار في حينها ولكني فعلت ذلك باعتباري رئيسا لحزب وباعتباري رجلا اجتماعيا تهمه سلامة المجتمع الذي تهدده أمثال هذه الجرائم.

أما في موقفي هذا منكم فلست بالرجل السياسي ولست بالرجل الاجتماعي ولكنني المحامي الذي جعل القانون في ذمته الدفاع عن موكله ولذلك فإن واجبي يحتم علي أن أناقش تصرف النقراشي باشا وهو يقضي بحل الهيئة أو بالأحرى وهو يقضي بحل حزب كبير من أحزاب البلد الكبرى فأقول: إن التوفيق قد أخطأه كرجل سياسي وكرجل مسئول عن الأمن وكرئيس وزراة في بلد ديمقراطية وأنه اشتط في إجرائه إلى الحد الذي جعل موضوع قتله يرد على الأذهان فورا، كأنه نتيجة لأزمة للعمل الذي أقدم عليه.

لقد سمعتم يا حضرات المستشارين من سعادة عبد الرحمن بك عمار الذي كان يلازم الفقيد في هذه المرحلة ملازمة تامة أن النقراشي باشا كان يعرف أن مصيره القتل إن هو أقدم على هذا الإجراء ومع ذلك فقد مضى فيه، وقد يكون ذلك مظهر شجاعة النقراشي باشا وكل من حوله كانوا يخوفونه عاقبة أمره، وكانوا يحذرونه من القتل.

ولقد نشرت لنا أخبار اليوم في إحدى صفحاتها الدامية التي لا يسمح بنشر أمثالها في أي بلد متمدن دون أن يعقب عليها رجال القانون وحفظته نشرت لنا أخبار اليوم بعد مصرع النقراشي باشا صفحة كاملة فيها أسمته حاديثا بين مصطفي بك أمين وبين النقراشي باشا وفي هذا الحديث يدعي كاتبه أنه قابل النقراشي باشا وهو يفكر في حل الإخوان المسلمون وأنه طلب منه أن يعدل عن هذا الإجراء لأنه سيموت إن هو أٌدم عليه ولكن النقراشي باشا ظل على موقفه فعاد مصطفى بك أمين إلى دار أخبار اليوم يبكي النقراشي باشا هو وإخوانه في دار الجريدة فلما مات بعد ذلك باسبوع لم يبك عليه لأنه كان قد سبق بالبكاء.

فأنتم ترون شبه إجماع يا حضرات المستشارين وصل إلى حد النشر على صفحات الجرائد إن حل الإخوان المسلمون كان معناه قتل النقراشي باشا فما معنى هذا التلازم ومن أين جاء هذا الشعور هل جاء فقط من ناحية خطورة الإخوان المسلمون ولكن مهما بلغ خطر الإخوان المسلمون فهل يمكن أن يقاس بقوة الدولة؟ لقد كان النقراشي باشا حاكما عسكريا ولديه من السلطات مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ففيم كانت هذه العقيدة التي تكونت بأن القتل سيكون مصيره؟

إنني أخشى يا حضرات المستشارين أن يكون ذلك هو مظهر الشعور بالإقدام على أمر غير طبيعي وأمر شاذ وأمر متناه في القسوة والعجلة، فضلا عن أنه ضد القانون وضد الدستور وضد سلامة الشعب.

كان صدور أمر الحل في (8) ديسمبر إجراء متسرعا لا يختلف في هذا اثنان بأي حال من الأحوال ولقد وجهتم سؤالا صريحا إلى سعادة عمار بك هل كان من رأي رجال البوليس والأمن التريث في إصدار الحل؟ فأجابكم جوابا صريحا لا لبس فيه ولا غموض.

(س) هل حصل أن تقدم لكم بعض رجال البوليس قبل حل الجماعة باقتراح وقف هذا الأمر خشية على الأمن العام؟

(ج) التفكير في هذا الإجراء وإعداد العدة لذلك أخذ شيئا م الوقت لأن بعض المصادر البوليسية كانت تخشى من معقبات الحل وكانت تخشى أن تقوم عناصر الإرهاب بحوادث تعكر صفو الأمن، ولكن المغفور له دولة النقراشي باشا، وقد كان كبير القلب أقدم على الحل، لأنه اقتنع بضرورة هذا الإجراء ولقد بصر بالعواقب ولكنه قال: أنا أخشى الحق ولو كنت أول ضحاياه.

وهكذا ترون أن الواقعة ثابتة أمامكم وهي أن رجال البوليس قد حذروا وأنذروا وطالبوا بعدم الإقدام على هذه الخطوة أو على الأقل تأجيلها.

فلماذا ومتى كان البوليس يشير وينصح لرئيس الوزراء بالتريث في إجراء من الإجراءات أو عدم الإقدام عليه؟ السبب في هذا واضح وهو أن رجال البوليس وهم رجال فنيون بطبيعة الحال كانوا يدركون أن معالجة الأمور لا تكون بهذا الأسلوب وأن الإنسان إذا آراد أن يوقف قطار مندفعا فليس السبيل إلى ذلك وقفه فجأة وإلا انقلب القطار على الفور وأحد خسائر ونكبات.

لقد كان الإخوان المسلمون في ذلك الوقت قوة مندفعة كل شيء يزيد اندفعاها وكانت الحكومات المتعاقبة قد شجعتها بما يهيء لها هذا الاندفاع فكان من العبث إذا اراد النقراشي باشا أن يوقف هذا الاندفاع أن يوقفه مرة واحدة.

لقد كان الوليس لا يعرف شيئا عن الإخوان المسلمون فقد كان الإخوان حرما مقدسا لا يجوز التسلل إليه وكان تحويلهم فجأة من نشاطهم الظاهر إلى نشاط خفي وهم بهذه الكثيرة الساحقة فيه تعجيز للبوليس عن العمل وهو ما يثبته لكم هذه القضية فقد رأيتم كيف كان البوليس يتخبط في الظلام لأنه لم يكن يعرف شيئا من أمر هذه الجمعية قد يكون صحيحا أن أفراد من الإخوان في المدة السابقة على الحل قد قاموا بسلسلة من الأعمال غير المشروعة ولكن النقراشي باشا كان يجب أن يتذكر أن هؤلاء الشبان لم يأخذوا بسيف القانون حتى الآن ولم تعامل الجمعية بجزم القانون وصولته على ذلك فقد كان الأجدر به أن يشرع في تطبيق القانون عليهم كاملا غير منقوص، وأن ينتظر نتيجة هذه المرحلة.

كان باستطاعة النقراشي باشا وقد تعددت هذه الأعمال غير المشروعة أن يطلق للنيابة سلطتها فتفتش دار الإخوان وأن تفحص أوراق الإخوان كان باستطاعة النقراشي باشا باعتباره وزيرا للداخلية أن يمنع اجتماعات الثلاثاء في دار الإخوان المسلمون وأن يحول بين الطلاب وبين التردد على دار الجمعية كما يفعل بالنسبة للأحزاب كان باستطاعة النيابة أن تقبض على المرحوم حسن البنا وأن تعامله كما تعامل غيره ممن يتهمون بمثل هذه الأعمال.

كان باستطاعة النقراش أن يلفت أنظار الموظفين المنتمين إلى الجمعية إلى أنه لا يجوز الجمع بين وظائفهم وبين عضوية هذه الجماعة كان باستطاعة النقراشي باش أن يأمر وزارة الشئون الاجتماعية أن تكف عن صرف الإعانات التي تصرفها للجمعية بل كان في استطاعته إذا شاء أن يجعل وزير الشئون الاجتماعية بما له من حق حل المؤسسات الخيرية المسجلة عنده أن يحلها إذا خرجت على الحدود المرسومة لها كان باستطاعته أن يجعل وزير الشئون يستخدم هذا الحق فيحل مؤسسة البر والإحسان باعتبار أنها لم تعد كذلك كان باستطاعة النقراشي باشا أن يفعل بعض هذا أو كل هذا في الوقت الذي يضاعف فيه استعداده فتسير إجراءاته طبيعية ومعقولة ولما وقعت هذه الكارثة ولكن النقراشي باشا أبى ألا ينتقل من النقيض إلى النقيض ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وفي يوم واحد وفي ساعة واحدة بل وفي لحظة واحدة وكلنا يعرف ما هي نتائج هذه الانقلابات الحادة والعنيفة.

أبى النقراشي باشا إلا أن يوقف القطار دفعة واحدة وإلا أن يتحدى العاصفة في غير مرونة فكان موته نتيجة طبيعية لفعلته بشهادة الجميع.

ما زالت أذكر من دروس في علم الطبيعة أن في هذا الكون قانونا أزليا يسمى قانون القصور الذاتي الا وهو أن كل جسم متحرك يبقى متحركا مالم يطرأ عليه طارئ يوقفه وكل جسم ساكن يظل ساكنا مالم يطرأ عليه طارئ يحركه ونحن نستخدم هذه النظرية عندما نوقف شيئا أو نحرك شيا فندرك أن بها قوة ذاتية تدفعها للحركة إذا كانت متحركة وأن بها قوة ذاتية تثبتها في مكانها إذا كانت ساكنة وأننا لكي ننقلها من حالة إلى حالة يجب أن نترفق بها إذا شئنا الوصول إلى نتائج طيبة فنحن لا نعدو بالسيارة دفعة واحدة بل ننتقل بها من الأول إلى الثاني إلى الثالث عندما نوقفها لا نوقفها مرة واحدة بل نقلل من حركتها بالتدريج حتى تسكن سكونا طبيعيا.

هذه هي نواحي قوانين الطبعية ولقد أغفلها النقراشي باشا وأسقطها من حسابه وقد يكون ذلك فرط إعتداد بنفسه أو قد يكون فرط إخلاص لما يعتقد تستطيعون أن تقولوا عنه ما شئتم يا حضرات المستشارين مدحا أو ثناء عليه فذلك لا يمهمني وإنما الذي يهمني أن أسجل عليه أنه في هذا الإجراء قد أغفل قوانين الطبيعة التي تقضي بالتدرج للوصول إلى أحسن النتائج وأبى إلا أن يختار أسلوب الطبيعة الثائر العاصف المدمر الذي لا يعرف منطقا والذي يؤدي دائما إلى الكوارث.

كيف يمكن أن يقضي على حركة عاشت حوالي عشرين سنة وتغلغلت هذا التغلغل وانتشرت هذه الانتشار وارتبطت مصالحها بمصالح الناس هكذا بضربة واحدة وفي لحظة واحدة لقد كان هذا إجراء غير طبيعي إجراء شاذا والشذوذ لا يولد إلا شذوذا ومجاوزة الطبيعة لا يمكن أن تنتج إلا شرا وهذه هي النقطة الأولى. حضرات المستشارين والضباط العظام:

رأيتم كيف أن هذا الإجراء كان غير طبيعي وقد بقى أن تدركوا كيف أنه غير قانوني.

إن القاعدة الأساسية في القانون الجنائي وهي ذات القاعدة الشرعية ألا تزر وازرة وزر أخرى فكل إنسان مسئول شخصيا عن أعمال التي وقعت منه شخصيا ولا يعرف القانون الجنائي حتى الآن مسئوليات جنائية تحمل للشخص المعنوي ولا يعرف حتى الآن وقد يعرف في المستقبل ولكن حتى الآن لا يعرف العالم تحميل مسئولية الجرائم التي يرتكبها بعض أفراد جماعة بأسرها منتشرة على طول البلاد وعرضها ولقد وقعت جرائم هذه مسالة لا شك فيها فلتكن هذه مسئولية المشتركين فيها وليقبض على كل من له صلة بها عن قرب أو بعد أو مجرد الشبهة حتى تنجلي كل ذلك مفهوم ومعقول أما أن تصدر عقوبة على هيئة بأسرها لما نسب وقوعه لبعض أفراد منها فذلك هو الإخلال الصارخ بالقانون والإخلال بالقانون لا يؤدي إلا غلى شر كما قلت لحضراتكم.

لا شك أن النقراشي باشا قد استند في هذا الإجراء إلى الأحكام العرفية حيث تخول له الفقرة (8) من المادة الثالثة منع أي اجتماع عام وحل بالقوة وكذلك منع أ ناد أو جمعية أو اجتماع وحلة بالقوة. هذه هي الفقرة التي لابد أن يكون النقراشي باشا قد استند إليها في هذا القرار وآه من الأحكام العرفية يا حضرات المستشارين والضباط العظام وآه من نكبات الأحكام العرفية وما تسببه لبلادنا من شرور وويلات.

في ظل الأحكام العرفية يا حضرات المستشارين جرى ما جرى في مصر من أحداث وشرور وآثام طوال سنوات الحرب العالمية الثانية ولعل آخر ما رزئت به مصر من هذا القبيل هو مصرع الشهيد أحمد ماهر والذي ماذت داخل البرلمان ولم تنجه الأحكام العرفية بل الأحكام العرفية هي التي جنت عليه وسببت قلته.

فقد كان الرقابة مفورضة على الصحف في ذلك الوقت فلم يكن الناس يتنفسون أو يعبرون عن آرائهم وكان كل شيء يجري في الظلام بقوة الأحكام العرفية فتصور محمود العيسوي أن إعلان الحرب معناه تطويح البلاد في أتون القتال فأقدم على فعلته لإنقاذ مصر مما توشك أن تتردى فيه فلما طال به العمر بعد فعلته وأدرك أن إعلان الحرب لم يكن إلا إجراء شكليا عرف أنه كان مخطئا ولكن بعد فوات الوقت، ولو لم تكن هناك رقابة على الصحف نتيجة الأحكام العرفية ولم يكن بطش وإرهاب نتيجة الأحكام العرفية لما اغتيل أحمد ماهر لأنه لم يكن هنا مايدعو إلى ذلك.

ولقد تنفست البلاد الصعداء بانتاء الحرب العالمية الثانية لا لشيء إلا التخلث من نير الأحكام العرفية فلم تكد هذه الأحكام ترفع حتى شعرت الأمة بزوال كابوس مخيف كان راسخا على صدرا فراحت تنطلق في مجال الحياة الحرة الطليقة وانتعشت معنويات البلاد فظفرت بجلاء جزئي عن مدنها الداخلية وكان يمكم أن تظفر الجلاء النهائي لولا أن دهمتنا قضية فلسطين ولقد كانت قضية فلسطين نكبة النكبات نكبة على نفسها ونكبة على كل من اشترك في محاولة حلها.

ولقد ضاعت فلسطين وشرد أبناؤها وكل الذي خرجنا به من معالجتنا لقضيتها هو أننا لا نزال مرة أخرى نرزح تحت نير الأحكام العرفية.

لقد قيل لنا هذه المرة عندما فكروا في إعلانها أنها ستكون مقصورة على حماية الجيش المصري في الميدان وأنها ستطبق في أضيق الحدود ولقد دفعتا جميعا حماستا لإنقاذ فلسطين إلى أن يرضى بهذه التضحية فنزلنا عن حرياتنا ورضينا أن تعلن الأحكام العرفية ولكن بعد أن أخذت العهود والمواثيق على أن تكون أحكاما عرفية ضد الصهيونية لا ضد المصريين.

وها أنتم ترون أن المصريين لا الصهيونيين هم الذين يحاكمون بمقتضى هذه الأحكام وأن المصريين لا الصهيونيين هم الذين يملئون المعتقلات وأن هيئة مصرية وليست صهيونية هي التي حلت بمقتضى هذه الأحكام.

هذه هي الأحكام وهذا هو شذوذها وهذا هو الانحراف في تطبيقها ومع ذلك فسوف أثبت لكم يا حضرات المستشارين أن النقراشي باشا قد ذهب في بطشه في الكيفية التي حل بها الجمعية إلى حد تجاوز فيه الأحكام العرفية ذاتها، فجاء بإجراء غير شرعي لا يتصف بأية صفة قانونية فاصبح يندرج في أعمال الغضب والعدوان التي تسبب بدورها غضبا وعدوانا لأن الشر لا ينتج إلا شرا كما قلت لكم.

استند النقراشي باشا على قانون الأحكام العرفية لحل الجمعية على المادة (3) فقرة ثامنة كما قلت لكم وإذا كانت هذه الفقرة تجيز حل اجتماع أو جمعية أو ناد، فليس من هذه الفقرة ولا في أي بند من بنود قانون الأحكام العرفية ما يخول للحاكم العسكري مصادرة أموال فرد أو جماعة على أي وجه من الوجوه حتى ولو كان من الأعداء.

أن الدستور صريحا يا حضرات المستشارين والضباط العظام في إن مصادرة الأموار محظورة حظرا باتا، ومعلوم أن الأحكام العرفية توقف بعض مواد الدستور ولكن هذه المادة ليست من المواد الموقوفة بمقتضى قانون الأحكام العرفية لأن مصادرة الأموال هذه من عمليات العصور البائدة ولقد حرمتها الشرائع الحديثة والمدنية الحديثة تحريما باتا ولم تستثن من ذلك فترة الحرب وقيام الأحكام العرفية بل لم تسنتثن من ذلك أموال الأعداء التي كان ما يقول القانون بشأنها ن توضع تحت الحراسة أو تصفي ريثما تنتهي الحرب، ويفصل هذه الأموال والحقوق إن قانون الأحكام العرفية يا حضرات المستشارين قد حدد الإجراءات الاستثنائية التي يجوز للسلطة القائمة على الأحكام العرفية أن تتخذها بإعلان أوامر كتابية أو شفهية للتدابير الآتية بيانها والتي ذكرت في المادة الثالثة منه على سبيل الحصر.

  1. سحب الرخص بإحراز السلاح وحمله.والأمر بتسليم الأسلحة على اختلاف أنواعها والذخائر والمواد القابلة للانفجار والمفرقعات وضبطها أينما وجدت وإغلاق مخازن الأسلحة.
  2. الترخيص بتفتيش الأشخاص أو المنازل في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل.
  3. الأمر بمراقبة الصحف والنشرات.
  4. الأمر بمعاقبة الرسائل البريدية والتلغرافية والتليفونية.
  5. تحديد مواعيد فتح المحال العمومية وإغلاقها.
  6. الأمر بإعادة الأشخاص المولودين أو المواطنين في غير الجهة التي يقيمون فيها إلى مقر ولادتهم أو موطنهم.ط
  7. الامر بالقبض على المتشردين والمشتبه فيهم وحجزهم في مكان أمين.
  8. منع أي اجتماع عام وحله بالقوة وكذلك منع أي ناد أو جمعية أو اجتماع وحله بالقوة
  9. منع المرور في ساعات معينة بالليل والنهار إلا بإذن خاص.
  10. تنظيم استعمال وسائل النقل
  11. إخلاء بعض الجهات أو عزلها.
  12. الاستيلاء على أية واسطة من وسائط النقل أو أيه مصلحة عامة أو خاصة أو أي معمل أو مصنع أو محل صناعي أو أي عقار أو أ منقول أو أي شيء من المواد الغذائية.

والاستيلاء يا حضرات المستشارين معناه دفع مقابل لما يؤخذ فقانون الأحكام العرفية صريح في أن الحاكم العسكري يملك اعتقال الناس ولكنه لا يملك مصادرة أموالهم لأن الحد من الحرية إجراء مفهوم أنه قد يكون لازما لإيقاف نشاط الإنسان الخطر ولكن مصادرة الأموال قد اتفق على أنها لا معنى لها إلا رغبة في التنكيل وقد تطورت البشرية إلى حد إخراج التنكيل من قاموس عقوباتها.

فالمصادرة عمل لا تقره الأحكام العرفية ومع ذلك فقد أقدم النقراشي باشا على مصادرة أموال الجمعية وتصفيتها والتصرف فيها وعين مندوبا من قبله لتسلم هذه الأموال وتصفيتها وهو عمل شاذ وبشع وقاس ولقد رأيتم كيف تبرأ من الرجل الذي وقف أمامكم معتزا بأن حل الإخوان المسلمون.

لقد سمعتم شهادة عمار بك ولقد كانت كلها تفيض بالزهو والفخار والاعتداد ولما وجهت إليه سؤالا عما كان يقصده في ختام مذكرته عندما طالب بإيقاف نشاط الإخوان المسلمون إذ به يقوم أمام حضراتكم من غير تردد إنه كان يعني حل الجعية فلما ألححت عليه بالسؤال وهل كان من رأيك مصادرة أموال الجمعية إذ به ينطلق بالرد وكأنه قذيفة: أنه لا شأن له بمصادرة أموال الجمعية ولا علاقة له به وأنه كرجل أمن لا يعنيه إلا الإجراء اللازم لحماية الأمن أما المصادرة فلا شك له بها.

هذا هو عبد الرحمن بك عمار يا حضرات المستشارين وهو من هو حماسة واعتدادا في حرب الإخوان المسملون يرى نفسه مضطرا إلى أن يبرئ نفسه من موضوع مصادرة الأموال لأنه يراه موضوعا شائكا ويراه في نفس الوقت ليس ضروريا ولازما.

وإذن فقد كان هذا التصرف من ناحية المرحوم النقراشي باشا تصرفا في غاية الشطط، تجاوز فيه كل معقول ومقبول وسوف يقول مجلس الدولة كلمة في هذا الموضوع بالنسبة لرد هذه الأموال وموضوع حل الجمعية على العموم ولكننا هنا ونحن نحاكم أمام قضاتنا على الاعتداء على النقراشي باشا يهمنا في الدرجة الأولى أن نظهر لحضراتكم أن النقراشي باشا قد لجأ إلى عمل غير قانوني وغير مشروع وأن مجرد الأمر بالحل ولو كان طبقا للقانون هو عمل استفزاي لا شك فيه فما بالكم إذا شفع هذا الحل بإجراء غير قانوني فيه الاعتداء على مال الجماعة الذي هو في حقيقته مال الأفراد فإن الإخوان المسلمون كما قلت لحضراتكم وكما هو ثابت لا يحتاج إلى تدليل كانت في هذه الفترة قد أنشأت شركات مساهم،

أنشئت على غرار قانون الشركات وصدرت بها مراسيم وبعض المراسيم كانت في طريق الصدور وكانت هناك مستشفيات ومستوصفات ومصحات وكل هذه ساهم فيها الناس بأموالهم إما لجلب منفعة مالية أو للقيام بمنفعة عامة وكانت هذه المؤسسات والمنشآت تتعامل مع الجمهور حسن النية فكان له أموال طرفها كما كانت لها أموال طرفه، فجاء أمر الحل والمصادرة يشمل كل هذه الأنواع من الأموال فهو من ناحية صادر كل ما وجده من الأموال في حوزة الجمعية منقلوا كان أو عقارا ثم طالب كل من عنده أموال لها أن يبادر بتقديمها ولم يحاول أن يعطي كل ذي حق حقه وإذن فقد كان القرار باطشا قاسيا كما قلت لكم ليس له حدود ولا سدود وقيود.

لست أريد أن أطيل عليكم في وصف ما يورثه في النفس سلب أموال الإنسان أو مصادرتها وحسبي أن أشير لكم إلى مواد قانون العقوبات في المادة (245) والتي تقول ألا عقوبة مطلقا على من قتل غيره أو أصابه بجراح أو ضربه في أثناء استعماله حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس غيره أو ماله.

ونصت المادة (250) على الأحوال التي تبيح القتل العمد دفاعا عن المال وليس من قصدي ولا غايتي أن أثير أمام حضراتكم دفعا خاصا بأن بعض المتهمين قد استخدموا هذا الحق ولكنني أردت فقط أن أظهر لكم من القانون خطورة العمل الذي أقدم عليه النقراشي باشا، وكيف أن القانون يعرف مقدرا حب الإنسان لما له بما يفوق أحيانا حبه لنفسه فأجاز القتل دفاعا عن هذا المال.

فعندما يقدم النقراشي باشا يجرة قلم على مصادر أموال الناس والعباد لا يكون في هذا يقوم بإجراء ضروري لحفظ الأمن ولا يكون في هذا يقول بعمل مشروع بل يخالف الدستور والقانون والعرف وما انتهت إليه الحضارة البشرية من أنه مصادرة للأموال.

على أن هذا العمل على قسوته يا حضرات المستشارين والضباط العظام لا يقاس إلى عمل آخر يبدو صغيرا هينا ولكن النقراشي باشا سامحه الله وأسكنه فسيح جناته كان فيه قاسيا أشد القسوة ولم يكن فيه رجل الأمن والنظام ولكنه كان رجل السياسة الذي يريد أن يحقر خصمه وأن يذله.

أصدر النقراشي باشا أمرا بحل الإخوان المسلمون ومصادرة أموالها وفي ذات الوقت أصدر أمره باعتقال كل أعضاء مجلس الإرشاد الذي هو بمثابة مجلس إدارة الإخوا المسلمون واعتقل كثيرا من الأفراد الظاهرين في الإخوان ولكن شخصا واحدا لم يعتقله وذلك هو حسن البنا فهل كان النقراشي باشا في ذلك رجل أمن يحاول أن يطفئ نيران الفتنة أشد أنه في هذا الإجراء لم يكن كذلك وإنما كان رجلا سياسيا حزبيا غارقا في الحزبية إلى الأذقان فهو يبطش بخصمة ثم يريد في ذات الوقت أن يحقره على ما نشرت المجلات والصحف فقد ذكرت كلها بدون استثناء أن حسن البنا طلب من النقراشي باشا أن يعتقله فيمن اعتقل فقال له المرحوم النقراشي باشا: إنه لا خطر منك بعد أن قصصنا أجنحتك.

لا يا حضرات المستشارين والضباط العظام ذلك موقف كله تناقض وشذوذ وهو ليس من المحكمة في قليل أو كثير كيف يقبض على أشخاص ويعتقلون بحجة أنهم رؤساء مدبرة في الإخوان المسلمون ثم لا يثقبض على الرأس الأكبر كيف يقدم النقراشي باشا على هذا الإجراء الأخير وهو البطش بالإخوان هذه البطشة الكبرى ثم يتصور أنه يظل منطقيا مع نفسه بالإبقاء على حسن البنا حرا طليقا وأين حماية الأمن وأين اتقاء الخطر وهذا هو رأس الفتنة كما تقولون مطلق السراح مرة ثانية أشد بأن هذه غلطة من النقراشي باشا وقد دفعه إليه شديد حرصه على تحقير حسن البنا وإظهاره بمظهر الرجل الذي لا حول له ولا قوة ولا طول وأن أصغر معاون من معانية هو أخطر منه شأنا.

هذا هو الموقف يا حضرات المستشارين والضباط العظام يجب أن نلخصه مرة أخرى في كلمات قلائل لتتضح يالحقائق فنستطيع أن نستخلص منها النتائج

  1. تشجيع يجاوز كل معروف ومألوف لتقوية الإخوان المسلمون وتدعيمها حتى أصبحت قوة مرهوبة الجانب يعمل لها ألف حساب.
  2. تهاون عجيب على طول الخط في تحقيق الجرائم التي تقع من بعض أفراد الإخوان المسلمون وتستر على هذه الجرائم أحيانا.
  3. تعطيل القانون بالنسبة للإخوان المسلمون فيسمح لهم بتأليف الفرق شبه النظامية وجمع الأسلحة على أوسع نطاق عرفته مصر.
  4. وفجأة يراد وضع حد لذلك كله في لمحة عين.
  5. فتحل الجمعية وتصادر أموالها على خلاف القانون والدستور والأحكام العرفية.
  6. ويزج في المعتقلات بمئات من رؤوس الإخوان المسلمون.
  7. ويترك حسن البنا حرا طليقا لتحقيره وإذلاله.

فما هي النيتجة الطبيعية لكل هذه المقدمات؟ لا شيء سوء اغتيال النقراشي باشا ولقد أدرك هذه النتيجة كل إنسان في ذلك الوقت كما أثبت لحضراتكم.وبقى أن أبين لحضراتكم لماذا يكون الاغتيال نتيجة محققة لهذا التصرف.

عندما تريدون أن تصدروا حكما على متهم من المتهمين وأنتم مطمئنون إلى أنكم لم تظلموه فلا ينبغي بحال من الأحوال أن تقيسوا الأمور بعقليتكم وأن تقيسوها بعيدة عن الجو الذي أحاط بهذا المتهم عندما ارتكب ما ارتكب.

إننا نجلس هنا جميعا وكلنا من رجال القانون فنقف ونتكلم ونناقش أمام هذا الهيكل والقانون هو سيدنا والعدالة هي رائدنا وأنتم يا شيوخ القضاء قد حنكتكم التجارب والأيام حتى أصبحتم ذخيرة مصر التي تدخرها للملمات فإذا شئتم أن يكون الشباب الغر في مثل إدراككم وأن يكون حكمه على الأمور مثل حكمكم وأن تطالبوه بالنضج الذي هو بعض نضجكم فإنكم تكونون قد كلفتموه شططا وأني أعيذكم أن يكون هذا تقديركم.

وأنه ليسعدني أن أذكر في الموطن أنني كنت أترافع في مرة من المرات أمام أستاذنا عبد العزيز بك كامل، وقد كان رئيسا لمحكمة الإسكندرية وكان المتهمون طلاباي اتهموا بالإضراب والتظاهر والتجمهر وغير ذلك من الجرائم التي يبرع البوليس في تقديم الطلاب بها وكانت المرافعة في إحدى المعارضات وكان غايتي منها الإفراج عن المتهمين فقال لي: أننا لا نستطيع أن نبدي آراءنا السياسية بغير هذا الأسلوب المتطرف فقلت له على الفور: ولكن أين لهؤلاء الشبان الصغار الأغرار بعقلية عبد العزيز بك كامل وحكته ونضجه إنني استشهد بعبد العزيز كامل الطالب في سنهم وأسأله كيف كان يعمل وكيف كان يتصرف في مثل هذه المواقف؟

ولقد أسرع عبد العزيز بك كامل بالإفراج عن المتهمين لأنه أدرك قوة حجتي ومن ذلك الوقت آمنت بأنه نعم القاضي.

فالقاضي يا حضرات المستشاين لكي يوفق في حكمه، يجب أن ينظر إلى المتهم في ظروفه وأن يحاول إلى حد ما أن يضع نفسه مكانه ويسائل نفسه كيف يتصرف في مثل هذه الظروف.

تصوروا يا حضرات المستشارين والضباط العظام شبانا صغارا عاشوا في بيئة كلها تدين وعاشوا في جماعة نمت وترعرعت في كنف الحكومات المصرية المتعاقبة فوجدوا هذه الجمعية وتأييد قائدها.

تصوروا شبانا يرون القانون لا يطبق بالنسبة للإخوان المسلمون ويرون الحرية الشاملة الكاملة في الحركة والنشاط والاجتماع لا تتوافر إلا للإخوان المسلمون ثم تصوروا شبانا يرون الدور العظيم الذي قثامت ب الإخوان المسلمون في فلسطين وسقط إخوان لهم شهداء في ساحة الجهاد تصوروا هذا الجو العبق بأحاديث الجهاد والاستشهاد وعندما بلغت الإخوان المسلمون ذروة قوتها وأعدت نفسها للنصر الأكبر وقد قرب موعد الانتخابات يقدم النقراشي باشا على البطش بالإخوان المسلمون هذه البطشة الكبرى فيجعل جمعيتهم غير مشروعة ويجعل مجرد الانتساب إليها جريمة ويصادر أموالها ويعتقل رؤساءها.

ما الذي يتصوره أي شباب منخرط في الإخوان المسلمون إلا أن النقراشي بشا قد اعتدى على الدين الإسلامي وبالتالي قد مرق من الإيمان والإسلام.

إنكم تدهشون اليوم يا حضرات المستشارين وأنتم جالسون على هذه الأرائك كيف يبلغ بإنسان الجهل إلى حد أن يصل إلى ارتكاب القتل باسم الدين الإسلامي ولكنكم لو تصورتم هذا الجو الذي عاش فيه هؤلاء الشبان لرايتم أن المسألة عندهم وصلت إلى درجة البديهيات والتي لا تحتاج إلى فقه أو فتاوى أو مبررات فقد كانت ساطعة في نفس أي فرد منهم سطوع الشمس.

لقد كنت أسمع في هذه الأوقات كلمات تتردد في الشوار وفي الطرقات ربما فسرت ما يبدو لكم شاذا وغيريبا لطالما سمعت في ذلك الوقت أن النقراشي باشا الذي لم يحل هيئات صهيونية قد حل هيئة إسلامية وإن النقراشي باشا الذي لم يصادر أموال اليهود قد صادر أموال الإخوان المسلمون عقب مقتل النقراشي باشا في شناعة هذا الجرم الذي يخالف نص القرآن الذي يشتد يغلظ على من يقتل مؤمنا فإذا الجواب السريع يأتيه كالقذيفة ومن أدراك أن النقراشي كان مؤمنا ثم راح صاحبنا يتدفق بسيل من الحجج لإثبات أن النقراشي لم يكن مؤمنا وبالتالي لا يدخل تحت هذا النص.

هذه هي عقلية الإخوان المسلمون في ذلك الوقت وها هو الجو الذي كانوا يعيشون فيه فلا تصدقوا عبد المجيد إذا قال لكم: إنه كان في حاجة إلى فتوى من الشيخ السيد سابق لتبرير مقتل النقراشي ولا تصدقوه إذا قال لكم إنه كان في ذلك الوقت يتمنى لو أقدم على ما فعله عبد المجيد ولقد سمعتم في اقوال عبد المجيد ما يدلكم على أن أشخاصا آخرين كانوا يغبطونه على هذا العمل ويحسدونه لهذا الاختيار وإذا صح بعض ما يقوله عبد المجيد في أقواله فإن الدليل على أنه كان يقدم على قتل النقراشي باشا كما لو كان مقدما على حفلة عرس وزفاف وكان يصلي كل يوم صلاة الاستشهاد استعدادا منه للموت في يومهن ولن تجعله هذه الأيام الطويلة التي عاشها بعد ذلك يتشبث بالحياة بل لقد كان حريصا على قتل النقراش والموت بعد ذلك كحرص الشباب الراغب في الزواج كما قلت لكم.

ولم يكن عد المجيد في هذا فذا ولا هو الويد بين الإخوان المسلمون بل كان هناك مئات ومئات فما معنى هذا وعلام يدل إن يدلكم على أن مسألة قتل النقراشي باشا هو المقتول وأن أي شخص في مكانه يفعل فعلته في هذه الظروف التي شرحتها لكم سيكون الضحية.

لقد اصطدمت الحكومة وهي شحنة كهربائية بالإخوان المسلمون وهي شحنة كهربائية أخرى مضادة فكان لابد أن ينجم من اصطدامها شرارة الشرارة هي متقل النقراشي باشا.

فلو أنكم نظرتم إلى هذه القضية نظرتكم إلى قضية قتل عادةية فإنكم تظلمون التاريخ وتظلمون الواقع والحق فهل ليست مجرد جريمة قتل ولكنها كانت معركة وأسبابها وككل معركة بين أبناء البيت الواحد أو الأسرة الواحدة، يخرج منها المتعاركون خاسرين تماما، فالضربة التي يطلقها أحد الجانبين ترتد إليه باعتباره عضوا في الأسرة وابنا لها.

وهذا ما حدث في هذه المعركة فقد كانت معركة بين المصريين فالخسائر التي وقعت على هذا الجانب أو ذاك قد وقعت على مصر والمصية التي حاقت بالطرفين قد حاقت في حقيقتها بمصر ومهمتنا الآن يا حضرات المستشارين أن نضيق هذه المعركة في أضيق نطاق فلا يأخذنا الغضب فنضيف إلى خسائر مصر خسائر جديدة ونزكي النيران التي أوشكت أن تخبو وننكأ الجروح التي أوشكت أن تلتئم.

فإذا اتفقنا يا حضرات المستشارين العظام على أن نحصر نتائج المعركة بين النقراشي باشا وبين الإخوان المسلمون في أضيق نطاق فقد وجب ألا نحاسب عن مصرع النقراشي باشا إلا الذين اشتركوا فيه بطرقة مباشر أو بالأحرى الذين أطلقوا النار عليه وقدموا لمطلق النار السلاح والمهمات اللازمة لإتمام فعلته فإذا تجاوزنا هذا الحد وحاولنا أن نشرك مع القاتل أشخاصا لم يكن دورهم محددا بهذه الحدود فإننا نكون قد جاوزنا شاطئ الحق واليقين وخرجنا إلى خضم الشبهات والشك.

لا تحاولوا أن تبحثوا في هذه القضية عن محرضين للمتهمين فالمسألة لم تكن في حاجة إلى تحريض فإذا احتمت المعركة فكل جندي لم يعد في حاجة إلى تحريض أو أمر للقيام بواجبه فقد أعد وجهز لهذا الغرض من قبل وحل الإخوان المسلمون كان هو ذروة المعركة المستعمرة بين الإخوان وبين النقراشي.

فلا تبحثوا عن شركاء بالتحريض ولا تبحثوا عن شركاء بالاتفاق فكل هذه المعاني لا يكون لها كيان ووجود إلا في جريمة قتل عادية حيث لا يقدم القتال على القتل إلا تحت تأُير تحريض المحرض أو اتفاق الشريك.

فهذا رجل يريد أن ينتقم من خصم له فيحرض عليه شخصا أخر ليقتله ويغريه بالمال أو يدفعه بما له عليه من صولة فيذهب هذا الشخص ويقتل من أمر بقتله وقد لا يعرف من أمره شيئا إلا أنه يقتله في مقابل عطاء أو نتيجة دسيسة أو إغراء من أي نوع كان كما كانت مواد القانون القديم تعدد كما هو الشأن في القانون الفرنسي حتى الآن.

هذا وفي أمثال هذه الحالات يدرك الإنسان بداهة أن من دفع آخر للقتل لا يقل جرما عن القتل إن لم يزد وهنا يرد هذا المعنى الذي أشار إليه زميلانا الأستاذ أحمد السادة عندما ذكر أن الفقه الإسلامي يغلظ من مسولية المحرض بأكثر من الفاعل وهذا حق عندما يتضح لنا أن الفاعل لم يكن في الحقيقة سوى آلة في يد المحرض.

أما عندما تكو ن هناك استفزاز جماعية وشعور عام بوقوع ظلم أو غبن قد وقع على جماعة من الجماعات وأنه لابد من دفعه ومقاومته فإن أقدم بعض أفراد من هذا المجموع على القتل لا يدين إلا الذين اشتركوا فيه بالفعل وأعني بالاشتراك القيام بالأعمال المادية والمساعدة والمسهلة والمجهزة لإتمام العمل فإذا خرجنا عن هذه الدائرة إلى دائرة الاشتراك بالحريض أو الاتفاق رأينا أنفسنا نخبط خبطا عشوائيا فكل عضو في الجماعة كان في حالة استفزاز وكل عضو كان يتمنى أن يغتال النقراشي باشا وكثيرون كانوا يتسابقون للحصول على شرف الشهادة بقتل النقراشي فهل ندين هؤلاء جميعا وهل نقبض عليهم ونقتص منهم إننا إن فعلنا ذلك نكون قد أهدرنا كل القواعد الجنائية التي لا تعاقب الإنسان إلا على الأعمال التي ما كانت لتقع لولا تداخل إرادته هو بالذات.

والمسالة المطروحة عليكم لتفصلوا فيها هل تعتبرون أن كل من فكر في قتل النقراشي باشا وتممناه وحبذه يعتبر شريكا في مقتله إذا كان هذا رأيكم فإن كل عضو عامل في الإخوان المسلمون في يوم (8) ديسمبر يمكن أن يعد شريكا في هذه الفعلة فقد كانوا جميعا يتكملون بها في الشوارع والطرقات وفي أوراق الدوسية بالذات تحقيق أجرى بصدد ما سمعه أحد الموظفين من فم سائق إحدى مركبات الترام من أن النقراشي باشا سيصرع بعد أيام ولقد أنكر سائق الترام أنه قال ذلك بطبيعة الحال ولكني أؤكد لكم أنني سمعت أنا شخصيا مثل هذا.

وحدثني أحد معارفي في يوم من الأيام أن رفقاء له في المكتب كانوا يقولون أنهم سيقطعون النقراشي باشا إربا إربا فلما وقعت حادثة النقراشي جاء يذكرني بما قاله لي عن زملائه في المكتب فقلت: لا أظن أن هناك علاقة مادية بين ما قالوه وما حدث بالفعل فقد كان كلاما يرمي على عواهنه.

فالحالة النفسية للإخوان المسلمون يا حضرات المستشارين والضباط العظام في الأيام التي تلت قرار الحل كات حالة هياج واستفزز وذلك وضع طبيعي جدا ولم تكن لهم حيلة في دفعة أو رده فإذا أردنا أن نعاقب اليوم على مصرع النقراشي باشا فلا ينبغي أن نعاقب إلا الذي قتله بالفعل ومن ساعده بعمل مباشر في هذا القتل لا أن نبحث عن شركاء بالاتفاق فقد كان الإخوان كلهم يحرض بعضهم بعضا.

حضرات المستشارين والضباط العظام.

أدخل السيد فايز في هذه القضية وأدخل المتهمون من الثامن إلى الخامس عشر معه بناء على أقوال عبد المجيد حسن التي أبدها بعد أن أحيلت القضية إلى المحاكمة ولم يحدث في تاريخ القضاء الجنائي ولم يسبق لنا أن سمعنا أن عرفنا أن تسعة متهمين يزج بهم في جناية خطيرة لأن متهما قال عنهم أقوالا لم تتأيد بأيدليل مادي وإنما هي مجرد أقوال قالها المتهم الأول وقد رأن اليأس على قلبه وراح يجاهد بكل ما يستطيع لإنقاذ نفسه بشتى الطرق والأساليب.

ويقينا يا حضرات المستشارين أنه لولا حواشي القضية ومقدماتها وملابساتها لما وجد محقق واحد يدخل مثل هؤلاء المتهمين في هذه التهمة الخطرة استنادا على أقوال متهم قد يشهد على نفسه بالكذب في كل أقواله، وسجلته عليه النيابة في تحقيقاتها المختلفة كما سنتبين ذلك.

ولكن الإطار الذي يحيط بهذه الجريمة هو الذي سمح بالزج بهؤلاء الأبرياء أما الآن وقد حطمنا لكم هذا الإ"ار وقد اتفقنا على ألا نتأثر بوقائع في قضية أخرى فلم يتبق إلا حادث مصرع النقراشي مجردا من كل مقدمات وحواشي وذيول ولذلك فإن القضية تعود إلى وضعها الطبيعي ألا وهي أن هؤلا المتهمين وعلى رأسهم السيد فايز يتعين براءتهم بلا استثناء لأنه لا دليل إلا أقوال عبد المجيد التي لا تساوي الحبر والورق الذي كتبت عليه.

قد يقال إن هذه الأقوال قد تأيدت بما ألدى به جلال يس من أقوال وسوف ترون يا حضرات المستشارين أن موضوع جلال يس هو فضيحة الفضائح في هذه القضية وأنه يسكون هو الدليل الذي لا ينقض على تلفيق هذه الأقوال الأخيرة سوف ترون يا حضرات المستشارين والضباط العظام أنه كان يمكن القول بأن باب الحديث عن التعذيب الذي وقع على المتهمين مسدود في وجوهنا في هذه القضية ولكن اقحام جلال يس قد فتح لنا هذا الباب على مصراعيه وسترون أنفسكم مضطرين قبل أن تحكموا في هذه القضية إما أن تحققوا موضوع التعذيب والإكراه الذي وقع على بعض المتهمين وإما أن تستبعدوا أقوال جلال يس أو على الأقل تضربوا بها عرض الحائط لأنها ليست محلا للثقة.

على أنني سأظهر لكم من واقع الأوراق تلفيق أقوال جلال وعبد المجيد بما يجلكم تهدمون القولين معا. ولندع الآن أقوال جلال يس لنستعرض أقوال عبد المجيد والتي هي الدليل الأكبر في هذا الاتهام لقد استعرض زميلي الأستاذ علي منصور بنجاح عظيم هنأته عليه المحكمة وأنضم إليها في هذه التهنئة أقوال عبد المجيد وتطوراتها ومراحلها المختلفة والدوافع عليها.

ومع ذلك فلا غنى لي عن أن أستعرض هذه الأقوال كلمة كلمة وعبارة عبارة لأظهر لكم كيف أن عبد المجيد شخص برع في الكذب واعتبره سبيلا من سبل التقرب إلى الله وأنه استخدم مهارته وبراعته وذكاءه لإتقان الكذب حتى أصبح من المكتوبين في سفر الخلود عند الله كذابا تطبيقا للحديث الشريف القائل ما يزال العبد يصدق ويصدق حتى يكتب عند الله صديقا وما زال يكذب ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا.

عندما كنت أطالع أوراق هذه القضية كان شخص سعد زغلول المتهم الأول في ضية القنابل حاضرا في ذهني كان يقدر له الناس وكان قدر لنفسه عقوبة لا تقل عن الأشغال المؤقتة ومع ذلك فلم يصدر الحكم عليه إلا بسنتين اثنتين كان قد أمضى أغلبهما في السجن عندما صدر الحكم وذلك لأن محكمة الجنايات قد اقتنعت بأن هذا المتهم الأول لم يكن له مناص من أن يكذب لينجو بنفسه من حبل المشنقة فقد اتهموه في بادئ التحقيق بأنه مرتكب جريمة إلقاء قنبلة سينما مترو وهي هذه القنبلة التي استنكرها كل مصرين واعتبر فاعلها مجرما لا يستحق أي شفقة أو رحمة فأسقط في يد سعد زغلول عندما رأى نفسه متهما بهذه التهمة

ولم يجد سبيلا لدفعها عن نفسه بصورة قاطعة إلا أن يعترف بأنه وقت حدوث هذه الجريمة كان يضع قنبلتين في مكانين آخرين من العاصمة وسرعان ما تحول سعد زغلول إلى ألعوبة في يد القسم السياسي والذين جعلوا منه سيف اتهام يضربون به ذات اليمن وذات اليسار فزجوا ببعض الشخصيات الكبيرة التي كان يهمهم أن يقحموها في هذه الدعوى وتولى سعد زغلول مهمة إثبات التهم على الآخرين وإدخال كل من تريد النيابة أن تدخله وذلك بعد أن استطاع بدهائه وتهويشه أن يحصل من المرحوم النقراشي باشا على خطاب رسمي بعث به إلى النيابة يسجل فيه وعده لسعد زلول بتخفيف العقوبة عنه إذا هو اعترف بالحقيقة كاملة ولقد راح سعد زغلول بما سماه الحقيقة الكاملة ولم تكن هذه الحققة الكاملة إلا طوفانا من الأكاذيب شقيت النيابة وشقي القاضي المحقق في تقصي أخبارها

وتتبع آثارها وكان سعد زغلول يعترف على نفسه فيما يعترف بنسبة بعض الحوادث إليه ويرشد عن بيوت ويدل على أشخاص باعتبارهم شركاءه فإذا حققت هذه الأقوال أظهرت الماديات كذبها ولكن سعد زغلول كان يدفع عن نفسه خطرا رهيبا وقد استمرأ أن يكون عضوا بارزا في الدولة بهذا الأسلوب يتهم من يشاء ويبرئ من يشاء وهكذا تألفت قضية القنابل من ستة آلاف صفحة ولم تكن كلها إلا تقصيا لأكاذيب سعد زغلول وعندما وصلت القضة إلى محكمة الجنايات واستغرق نظرها شهورا طويلة وانتهت فيها إلى الحكم لم يسعها إلا أن تبدي أسفها لأكاذيب سعد زغلول التي أشقت الجميع هذا الشقاء ولكن لم يكن هناك لوم أو تثريب على سعد زغلول فقد كان متهما يدافع عن نفسه وقد كان هذا هو السبيل الوحيد للدفاع عن نفسه وقد نجح نجاحا كبيرا فبعد أن كل شبح الإعدام علقا فوق رأسه انتهى أمره إلى عامين من الحبس وكان قد قضاهما بالفعل في السجن.

تمثلت أمامي قصة سعد زغلول وأنا أطالع أقوال عبد المجيد وأتتبع طبعاتها المختلفة وأنا أرى عبد المجيد في كل مرة يقول قولا جديدا في غير حياء أو خجل ويؤكد بها قوله الجديد بنفس الحرارة والقوة التي كان يؤكد بها أقواله القديمة

وهكذا رأيت نفسي أمام سعد زغلول أخر مع فارق جوهري ذلك أن سعد زغلول لم يكن هو مرتكب حادث قنبلة سينما مترو، وإنما حام شبح الاتهام فوق راسه أما عبد المجيد فق قتل النقراشي باشا بالفعل وضبط متلبسا ولا سبيل للفرار أو الفكاك فتستطيعون أن تتصوروا مقدار اليأس الذي تردى فيه عبد المجيد وتستطيعون أن تحكموا على نفسيته عندما يحاول أن ينقذ نفسه مما يتصوره مصيرا محتوما.

والآن فلنتبع أقوال عبد المجيد لنرى الدوافع الخفية التي دفعته إلى الإدلاء بكل كلمة جديدة لتستبينوا أنها لا يمكن أن تكون محلا للثقة.بدأ عبد المجيد أقواله بإنكار أن يكون له شركاء كما تعلمون ونسب الأمر والتدبير والتنفيذ إلى نفسه وحمل نفسه المسئولية الكاملة عن هذا العمل.وهذه هي الطبعة الأولى من أقوال عبد المجيد ويجب أن نقف عما قليل لنتساءل ماذا يعني هذا الموقف؟ وما قيمة هذه الأقوال.

نحن مضطرون إلى أن نصدقها وأنا ممن يميلون إلى هذا الرأي فهذه الأقوال تمثل نفسية عبد المجيد على حقيقتها وشعوره بأنه المسئول الأول عن هذا الحادث وهو يدرك أن الذين مدوا له يد المعونة إنما كانوا يقومون بأعمال ثانوية بحتة لا تقاس إلى عزمه ومضائه وشجاعته فهو لا يعتبر أن له شركاء يقاسمونه ضخامة العمل الذي أقدم عليه.

أنتم يا حضرات المستشارين والضباط العظام مضطرون إما إلى الاقتناع بهذا الرأي وإما تقرروا أن عبد المجيد كان في هذا الموقف كذابا لا يقول الحقيقة وأنه أراد أن يتستر على شركائه وتكونون بذلك قد سجلتم عليه أولى مراحل الكذب وأنه شخص قادر على أن يقول غير الحق.

نحن الآن في المساء (11) يناير أي أنه مضى قرابة أسبوعين على ارتكاب عبد المجيد فعلته وهي فترة كافية لكي تزول من نفس عبد المجيد حالة الحمى التي كان فيها عقب ارتكاب الجريمة أسبوعان هما مدة كافية وقد خلال عبد المجيد إلى نفسه بين جدران السجن وطالع كتاب الله وصلى وصام فلو أن ما يقال عن يقظة الضمير وأن اعترافاته التالية قد جاءت نتيجة لهذه اليقظة أن نوم ضمير السيد عبد المجيد من النوع الثقيل الذي لا يفيق إلا بالطبل البلدي ففي هذا اليوم ممدوح حافظ قد شهد على عبد المجيد أنه قوي الصلة مع عادل وطاهر عماد الدين وسئل عبد المجيد.

س: هل تعرف محمد ممدوح حافظ؟

ج: لا.

س: ولكنه يعرفك.؟

ج: يجوز أنه يعرفنني

س: هو يقول أنك من الإخوان وهو يقيم في نفس الحي الذي تقيم فيه؟

ج: (أنا ما أعرفوش)

س: ويقول إنك تعرف طاهر عماد الدين وأحمد عادل كمال؟

ج: هذا كلام مش مضبوط.

ثم عرض عليه المحقق بيان حسن البنا يستنكر فيه جريمته فأجاب بكلمته المشهورة والتي ذكرتها من قبل.هذه الجريمة التي ارتكبتها بفكري أنا ولم يحرضني أحد على ارتكابها ومازلت مصرا على أني مرتكب لهذه الجريمة ولا استنكرها وهذا رأي حتى الآن رغم ما قاله الشيخ حسن البنا وما يقوله بعد ذلك.

هذا هو عبد المجيد بعد أسبوعين على ارتكابه الحادث وأنتم مضطرون إلى أن تفقوا هنا مرة ثانية لتسألوا أنفسكم هل كان عبد المجيد صادقا في هذه الأقوال أم كان كاذبا؟ أما أنا فأميل إلى تصديقه كما قلت لكم باعتباره هو المسئول الأول عن هذا العمل فهو ينفي التهمة عن أي إنسان آخر ولا يريد أن يشر عن قرب أو بعد لأي اسم من الأسماء لئلا يضار برئ من الأبرياء وهو موقف سليم لا يلام عليه فإذا كنتم تصورن موقفه على هذه الصورة فلن تبقى أمامكم الآن إلا أن تقروا أنه كان كذابا في أقواله هذه المرة أيضا ومعنى هذا أن عبد المجيد يستطيع أن يكذب وأن يصر على الكذب وأ، يتحدى الصادقين بأكاذبيه.

ولنسرع الآن إلى تحقيق (14) يناير والمقول أن ضميره قد استيقظ فيه وأنه قد أدلى بأقواله بصوت متهدج وأنه ختم هذه الأقوال بأن أجهش في البكاء ونح نشكر سعادة المحقق كل الشكر لأنه رسم لنا هذه الصورة التي نطالبكم على أساسها بأن تعتبروا عبد المجيد ليس كذابا فقط بل وممثلا قديرا في ذات الوقت فلا تقيموا لأي كلمة تخرج من فمه وزنا.

كان عبد المجيد هو الذي طلب مقابلة النائب العام فلما أذن له بالمقابلة قال له: عدت إلى نفسي فوجدت أن العمل الذي ارتكبه جريمة وأن هناك من غرر بي في ارتكاب هذه الجريمة واستغل حماستي ووطنيتي فاردت أن أتوب إلى الله وهذا يسكون في أن أظهر الحقيقة الكاملة.

هذه هي أقوال عبد المجيد مزوقد ومنمقة ولقد لبس لنا مسو الكهنة وأظهر الندم والتوبة وأ آية ذلك أنه سيقول الحق فهل بر بهذا الوعد، أم أنكم تدركون الآن تدركون الآن أنه كان كذابا بل وكن لئيما مخادعا ظل يخدع المحقق ويضلله.

عزا في هذه الجلسة إلى شخص سماه ضياء كل الدور الذي وزعه بعد ذلك على عشرات من المتهمين والبذرة الصغيرة من الكذب سرعان ما نمت وترعرعت وأصبحت شجرة باسقة الفروع ولكنها ليست مباركة بإذن الله بل هي الشجرة الموصوفة في القرآن بأن طلعها كرءوس الشياطين.دعوني أذكر لكم ما قال عن ضياء هذا لتعرفوا أنه نسب إليه كل التهم التي وزعها فيما بعد على عشرات المتهمين.

ولما حلت الإخوان المسلمون زارني أحد الإخوان واسمه ضياء في منزلي وأعرف أنه موزف وكلن لا أعرف فيأي وزراة يشتغل وأعرفه من مدة خمس سنوات، وكان حضر إلي قبل ذلك فلم يجدني ثم جاء لي مرة ثانية وفيها تقابلنا وتكلم معي عن حل الإخوان قائلا إن هذا الحل في الحقية هو بداية للجهاد وسيظهر من الذي سيثبت على دعوة الإخوان ومن الذي سيتركها فقلت له: إن هذه الدعوةأنا مؤمن بها وما دام العمل في سبيل الله وفي سبيل الوطن فإنني مستعد أن أقوم به ثم تكلم بعد ذلك عن المرحوم النقراشي باشا قوال إن هذا الرجل عقبة في سبيل الدعوة.

ويجب إزاحة هذه العقبة واستشهد بعدة آيات مثل (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وقال أيضا الآية الآتية: (إذا لقيتم فئة فاثبتوا) وعدة آيات أخرى لا أذكرها كلها في هذا المعنى يستنتج منها أن هذه العملية وهي إزاحة تلك العقبة هي عمل في سبيل الله وقال بصراحة إن قتله واجب فقلت له مادام هذا العمل في سبيل الله وإننا عاهدنا الله على ذلك فإنني سأقوم به أي بقتل النقراشي ثم ذكر كيف أن ضياء فصل له الخطة وجاء إليه بالترزي في بيته وفصل له البدلة ثم أعطاه المسدس وأتفق معه على كيفية ارتكاب الجريمة إلى آخر هذه الأقوال التي طالعتموها.

هل كان هذا شخصا يقول الحق وهو ينسب إلى ضياء كل الأعمال التي وزعها فيما بعد على أربعة عشر من المتهمين إنني أدع لكم أن تجيبوا عن هذا السؤال فإما أن يكون هذا الذي قاله في بادئ الأمر من تخليص كل شركائه في هذا المجهول الذي رمز له بكلمة ضياء هو الحق وعندئذ يتعين عليكم براءة هؤلاء المتهمين فورا، وإما أن تقولوا لي: إن عبد المجيد في هذه المرحلة لم يكن يقول الحق، أيأنه كذاب مخادع وأن مازعمه من أن ضميره قد استيقظ وأنه قد تاب إلى الله وأناب إليه، إن ذلك كله كذب في كذب ورياء في رياء.

وقد بقى أن أريكم كيف يصل عبد المجيد إلى درجة من الكذب تجعلني أحتقر نفسي إذا انا صدقت كلمة واحدة مما يخرج من فم هذا الشاب.

حاول المحقق أن يظفر منه باي معلومات أو تفصيلات عن حققة اسم هذا الضياء الذي جهل عنه كل شيء.

س: هل تعرف منزله؟

ج: سمعت أنه كان ساكن في الفجالة.

س: ألم يصف لك موقع منزله؟

ج: لا

س: ألا تعرف الوظيفة التي يشتغل فيها أو أنه تابع لأي وزارة؟

ج: أعتقد أنه كاتب وأنا متجنن لأني معرفش أكثر من كده عنه، لأنه دبني في الجريمة وسابني)

انظروا يا حضرات المستشارين الكلمة وأنا متجنن لأني معرفش أكثر من كده انظروا إلى السبك والحبك ليظهر كلامه في مظهر كلام الصادق الأمين

س: وكيف يمكن الاهتداء إلى ضياء هذا وأنت تجهله؟

ج: أنا أتمنى أن تقبض النيابة عليه لأنه هو الذي دفعني إلى ارتكاب الجريمة ويظهر أنه كان حريصا جدا من هذه الناحية حتى لا يجعلني أعرف مكانه أو أذكر اسمه وهو رجل شرير ويبلغ درجة غريبة في الشر لأنه هو الذي أوحى إلي بارتكاب الجريمة ونجا هو من المسئولية.

ثم سئل وهل تظن ضياء هذا اسمه الحقيقي أم أنه كان يتسمى هذا الاسم؟

ج: اسمه الحقيقي وعمره ييجي ثلاثين سنه وأعرف أنه غير متزوج وعلمت ذلك منه.

س: الم تخبر أحدا بما كان يوحى به إليك ضياء أو بما اعتزمه من قتل النقراشي باشا حتى أخرجت هذا العزم إلى حيز التنفيذ؟

ج: لا أبدا وياريت كنت قلت لحد كان نصحني ومنعني.

إذن ما ذكرته أولا عن مصدر البدلة والمسدس غير صحيح.

ج : نعم غير صحيح وأنا ذكرت الحقيقة كلها.

هذا هو عبد المجيد الصادق الأمين الذي تعجب النيابة كل الإعجاب بصدق أقواله وأنه لا يكذب فهل هذا الذي يقوله صدق أم كذب؟ إذا كان صدقا ففيم اتهامكم هؤلاء الناس؟ وإذا كان كذبا فكيف انقلب الكاذب بعد ذلك صادقا؟

وقد بقى يا حضرات المستشارين والضباط العظام أن تسألوني ما الذي حمل عبد المجيد على أن يقف هذا الموقف وأن يضلل المحقق هذا التضليل في هذه المرحلة من التحقيق ولماذا لم يصر على إنكاره القديم ولماذا يعترف اعترافا صحيحا؟ والجواب عن هذا السؤال يفسر لكم كل أقوال عبد المجيد وكيف ولماذا تطورت هذا التطور العجيب.

كان عبد المجيد يظن يا حضرات المستشارين عندما أقدم على ارتكاب الحادث أن مصيره الموت المحقق لابد محاكمة كهذه التي يشهدها الآن ولكن في ذات اللحظة التي يرتكب فيها جريمته كان عبد المجيد يتصور أن أمره يمكن أن يكتشف بمجرد إشهاره المسدس فيقتله الحراس في حالة نجاحه وقتله النقراشي باشا لأن الغضب الذي سيثور في نفس الحرس سيجعلهم يقتلونه على الفور إن لم يكن بإطلاق النار عليه فالبضرب والتهشيم كان عبد المجيد يتصور ذلك كله ولذلك فقد كان يصلي كما قال لكم في بيت أحمد فؤاد صلاة الاستشهاد في كل مرة أقدم فيها على هذا العمل وهذه هي فكرة عبد المجيد الأولى التي كانت مسيطرة عليه.

ولكن عبد المجيد لم يمت في مكان الحادث فقد اسرع رجال البوليس لإنقاذه كما هي العادة لمعرفة شركائه وبعد أن مرت الأيام الأولى بقسوتها بدأ رجال القسم السياسي يتصلون بعبد المجيد على جاري عادتهم وبدءوا يجلسون معه ويتقربون إليه مظهرين الشفقة عليه بطبيعة الحال مظهرين النقمة على أولئك الذين أوقعوه في هذه الورطة مصورين له هذا الدفاع الذي سمعتموه منه بعد أن أجاده وأتقنه من أنه كان أداة في يد آخرين وأنه لا توجد محكة لا تنظر بعين الاعتبار إلى موقفه وأنه كان ضحية وكان مجنيا عليه.

وغنى عن البيان أن عبد المجيد لم يستمع لهذه الأقوال في بادئ الأمر فهو الذي الأريب المثقف وهو الذي يعرف مقالب رجال القسم السياسي وخدعهم كل ذلك يضاف إلى عقيدة عبد المجيد في نفسه وأنه هو المسئول الحقيقي عن مقتل النقراشي كل ذلك جعله لا يلقى لهم أذنا صاغية ولكن الزيارات ظلت تتكرر بالليل والنهار وبدأت الألفة تنشأ بين عبد المجيد وبين حضراتهم ولكم أن تتصوروا هذا الشاب المتهم بقتل رئيس الوزراء عندما يرى ما يخالف كل ما توقعه من سوء المعاملة ويرى بدلا منها محاولات مختلفة من ضباط القسم السياسي للترفيه عنه لقد بدأ يركن إليهم شيئا قليلا.

وبينما كان رجال القسم السياسي يعملون في صبر لعلاج المتهم كان من هم أكبر منهم كان رئيس الوزراء إبراهيم باشا عبد الهادي يعمل من ناحيته للتأثير على عبد المجيد وتحطيم أعصابه وقد روى أن أعظم ما يحطم أعصابه هو الإيقاع بينه وبين حسان البنا بحمل حسن البنا على التبرؤ مه واستنكار فعلته.

حضرات المستشارين العظام

لقد طلبت منكم والقضية في دور القضية في دور التحقيق استدعاء دولة إبراهيم باشا عبد الهادي للشهادة فأرجأتم ذلك إلى ما بعد سماع المرافعة وهذ إحدى النقط التي أريد أن تستجوب المحكمة فيها إبراهيم باشا عبد الهادي لتيضح أمامها أن الحكومة بأسرها قد اشتغلت ابتداء من رجال بوليسها حتى وزارائها ورئيس وزرائها لعمل كل ما من شأنه الحصول على عبد المجيد علي اعترافات فإذا ثبت لكم ذلك أدركتم على الفوز أن هذه الاعترافات لا قيمة لها لأنها اعترفات مزيفة لم تصدر بإرادة المتهم ولكنها صدرت تحت الضغط والحيل وشتى أساليب الخداع.

أريد أن تستدعوا إبراهيم باشا عبد الهادي ومعالي مصطفى بك مرعي لتسألوهما عن الظروف التي صدر فيها هذا البيان ولماذا صدر فقد كان هناك أمر عسكري صادر بحل الإخوان المسلمون ومنع أي نشاط خاص بهم كانت الدعوة لهم محظورة وكل من نطق بكلمة يشتم منها رائحة النشاط للإخوان يرتكب جريمة وكان ذلك كله قبل مقتل النقراشي باشا فلماذا وتحت أي دافع وأي مؤثر سمح للمرحوم الشيخ حسن البنا بأن يذيع بيانا للناس يستهله بالدعاية لجماعته ولحركته.

ما الذي حمل حسن البنا على إذاعة هذا البيان وقد رفض النقراشي باشا أن يسمح له قبل موته بإذاعة بيانات من هذا القبيل؟ وما الذي حمل إبراهيم باشا عبد الهادي على السماح له بإذاعة هذا البيان وما المقصود منه؟

لقد كانت إذاعة هذا البيان ثمرة مفاوضات طويلة متصلة بين المرحوم الشيخ حسن البنا وبين مصطفى بك مرعي وزير الدولة وكان أساس هذه المفاوضات أن يذيع الشيخ حسن البنا هذا النداء تمهيدا للنظر في إعادة الإخوان المسلمون بعد إدخال إصلاحات على خططهم وأنظمتهم هذا هو موضوع المفاوضات كما زعموه لحسن البنا ولكن الحقيقة أنم كانوا يريدون أن ينتزعوا منه هذا البيان الذي يتبرأ فيه من القاتل ويستنكر الجريمة والمجرمين لما يحدثه هذا البيان من أثر في نفس عبد المجيد ولقد أجاب المرحوم حسن البنا طلبهم بحسن نية فأصدر البيان كخطوة في سبيل دعوة السلام.

ولقد دهش الناس في ذلك الوقت لصدور هذا البيان الذي يدل صدوره على قرب عودة المياه إلى مجاريها بين الشيخ حسن البنا والحكومة فلما سالت واحدا من كبار السعديين عن تفسير هذا البيان وهل هو مقدمة لعودة الإخوان المسلمون إذا به يضحك ساخرا ويقول بل لقد غررنا بحسن البنا لنحصل منه على بيان للتأثير به على عبد المجيد من ناحية وليكون مقدمة لما يحل بعد ذلك بحسن البنا.

فهذا البين كان ثمرة مناورات ومفاوضات غرر فيها بحسن البنا فهو ما كان لصدره إلا بناء على وعود وعهود قطعت له فلما أصدره أسرعت النيابة إلى استغلال هذا البيان فيما قصد إليه فاستدعت عبد المجيد أحمد حسن في نفس اليوم وهكذا يأبى الله إلا أن يكشف لنا المستور بالدليل من أوراق التحقيق فلم يكن ثمة داع للتحقيق مع عبد المجيد في هذا اليوم ولكنه استحضر ليتلي عليه بيان حسن البنا ليحدث تأثيره في نفس عبد المجيد.

ولقد صدم عبد المجيد بتلاوة البيان من غير شك ولكن نفسه القوية قاومت الصدمة في بادئ الأمر فكان رد فعل البيان أن تمسك عبد المجيد بفعلته وأن قرر أنه مصر على فعل ولا يندم عليه بالرغم مما قاله حسن البنا أو سيقوله في المستقبل وعند هذا القدر أيعد عبد المجيد إلى السجن ليتفاعل في نفسه تأثير هذا الموقف الجديد.

لقد أقدم عبد المجيد على فعلته معتقدا أنه يؤدي واجبا دينيا وها هو الزعيم الديني الذي عاش عبد المجيد السنوات الأخيرة من حياته يتطلع إليه ويعتبره مثلا أعلى يقرر على رؤس الأشهاد براءته وإنكاره لهذا العمل وبراءة الإسلام من هذا الجرم.

لا جدال في أن عبد المجيد أصيب من جراء هذا البيان بخيبة أمل شدية عبر عنها بنفسه مما علل سبب اعترافاته فيما بعد وفي هذا الظرف المواتي تقدم له أصحابنا رجال القسم السياسي يستخدمون أساليبهم ومناوراتهم. فهذا هو حسن البنا قد تبرأ منه وقد فعل ذلك ثمنا لعودة الإخوان المسلمون على حسابه وها هو ذا في البيان يثني على النفراشي باشا وعلى الحكوخمة القائمة فعبد المجيد إذن يضحي بنفسه من أجل زعيم لا يستحق وجماعة غير صادقة في جهادها هذا هو ما قيل لعبد المجيد للتأثير عليه وبعد يومين صدر بيان هيئة كبار العلماء وفيه تأييد لما جاء في بيان حسن البنا بإنكار القتل وأنه ضد التشريعة.

وعلى ذكر بيان هيئة كبار العلماء وكيف وصل إلى علم المتهم يسرني أنه لم يفت المحكمة أن تلاحظأن الصاغ توفيق السعيد، قد أنكر أمام المحكمة أنه أطلع المتهم بصورة قاطعة على هذا البيان ولقد حاولت المحكمة أن تبين له ألا حرج عليه في الموضوع إذا فرض وأطلع المتهم على هذا البيان وأن هذا من صميم عمله وبالرغم من ذلك كله فقد أصر حضرة الصاغ المحترم على أن يرواغ في الإجابة عن هذه الواقعة الثابتة. أنظروا إلى أجوبته في هذا الموضوع أمام المحكمة:

س: ثابت في الأوراق أن حضرتك أطلعت عبد المجيد أحمد حسن بسجن الأجانب على بيان هيئة كبار العلماء فما مناسبة ذلك؟

ج: كانت هيئة كبار العماء قد عملت بيانا مطبوعا وكان معنا وطبيعة عملنا نمر على السجن وجايز يكون عبد المجيد شافه معنا.

س: ألا يجوز أن عبد المجيد أحمد حسن وقد قتل دولة رئيس الوزراء وقال: إنه قتل لأنه خان وطنه وضيع القضية المصرية وضيع فلسطين ألا يجوز أن يكون واجبك وأنت ضابط بوليس أن تطلعه على بيان هية كبار العلماء

ج: جايز يكون شافه معي.

س: ألا ترى أن واجبك كضابط بوليس أن تطلعه على هذا البيان؟

ج: جايز

س: هل تذكر أن عبد المجيد أحمد حسن طلب منك البيان بالذات

ج: لا.

هذه أجوبة توفي السعيد أمام حضراتكم وقد نسى سعادته بأنه قد اعترف في التحقيق صراحة لا تحتمل شكا ولا تأويل أنه هو الذي أطلع عبد المجيد على هذا البيان بناء على طلب عبد المجيد وإليكم ما جاء في محضر النائب العام بهذا الخصوص.

ملحوظة: طلبنا الضابطين: محمود طلعت أفندي وتوفيق السعدي أفندي لسؤالهم عما قدم منهما صورة بيان هيئة كبار العلماء الذي ورد ذكره على لسان المتهم فأبلغنا حضرة الصاغ توفيق السعيد أنه هو الذي أطلع المتهم على هذا البيان وذلك بناء على ما علمه من سجن الأجانب المودع به المتهم أن الأخير يريد قراءته.

شكرا لله يا حضرات المستشارين والضباط العظام شكرا لله الذي يأبى إلا أن يظهر الحق دائما وأبدا فهذا هو توفيق السعيد يفضح نفسه وبالدور الذي لعبه عندما يأتي أمام حضراتكم لينكر واقعة ثابة مقررة وهو لم يفعل ذلك إلا تطبيقا للقاعدة الخالدة يكاد امريب يقول خذوني وتوفيق السعيد يدرك أنه متهم لما قام به من أعمال فلجأ إلى ما يلجأ إليه كل متهم وهو أن يلوذ بالإنكار والمراوة ولم يتصرف تصرف رجل البوليس الذي لا يخشى في الحق لومة لائم لأنه لم يقم إلا بواجبه وهكذا حكم توفيق نفسه قبل أن نتهمه ونحن يكفينا هذا لكي نأخذب بتلابيبه ونعرض أمام المحكمة متلبسا بفعلته وهي محاولة التاثير على المتهم وإغرائه بكل صنوف المغريات ليستدرجة إلى الكلام ضد إخوانه وزملائه.

وبدأ عبد المجيد ينزلق ويقع في الفخ الذي نصب له ولكن عبد المجيد ذكي اريب يا حضرات المستشارين والضباط العظام عبد المجيد جبار العقل وهؤلاء الضباط لا يصلون إلى مستوى إدراكه فهم يريدون أن يغروا به ويعدونه ويمنونه أنه إبذا تكلم وإذا اعترف على إخوانه فإنهم سيحسنون معالمته وسوف يشفعون له عند الحاكم العسكري وماذا يهم الحاكم العسكي من موت عبد المجيد إنما يهمه أن يضع يده على العصابة المجرمة والمسئولين الحقيقيين فلو أن عبد المجيد ساعد الحاكم العسكري للوصول إلى رؤساء الجمعية إذن لا نفتح باب النجاة أمام عبد المجيد.

وقد بدأت هذه الأحاديث تعمل عملها في نفس عبد المجيد ولكنه في ذات الوقت شاب حذر ولذلك فقد قرر أن يقوم بتجربة ثم يتنظر نتائج هذه التجربة فإذا نجحت إلى حد ما فلا باس من أن يخطو خطوة في سبيل النجاة وهكذا.

وكانت تجربته الأولى أن يظهر بمظهر المعترف التائب النادم وأنه سيقول كل شيء ثم لا يقول شيئا في الحقيقة ذا فائدة في سير التحقيق ولكنه يفيده مع رجال البوليس السياسي الذي وعدوه وعودا خلابةي في مقابلة الاعتراف. وعلى هذا الأساس تقدم عبد المجيد للنائب العام وقا بتمثيل هذا الدور الرائع وخلق للبوليس هذه المشكلة الجديدة وهي أن يبحثوا عن إبرة في المحيط أو ذرة معينة بين رمال الصحراء فلم يكن هذا البحث إلا بمثابة البحث عن إبرة في جوف البحر.

وهذه هي براعة عبد المجيد الذي تقول عنه النيابة إن أقواله صادقة مائة في المائة وأنه لا يكذب أبدا وأنه يعترف لأن ضميره قد استيقظ وقد تاب وأناب.

وكم أحسست بالإشفاق على سعادة النائب العام السابق محمود باشا منصور ذلك الشيخ الكبير وعبد المجيد يسحبه سحبا إلى مكان سحيق في حدائق القبة، ثم يوقفه في العراء إلى جوار شريط السكة الحديد ويقول له: هذا هو المكان الذي كنت أخلع فيه ملابس المدنية لاستبدال ملابس الضباط بها.

وقد كان النائب العام مضطرا إلى أن يصف المكان ويسجله في محضره وأن يحاول قد استطاعته أن يسيغ هذا الإجراء فيقول إن البيوت في هذا المكان لا ترى الواقف في هذه النقطة وإن وقوف المتهمين بها لا يثير الشبهات ثم تتغلب روح المحقق على الائب العام فيقول: ولكن عندما يشعر المتهم في تغيير فلا يمكن أن يتم بذلك بدون استثارة دهشة المارين من عمال السكة الحديد.

هذا هو عبد المجيد أحمد حسن وكيف يلعب بالبوليس والمحققين بعد أن لعب بالدولة فقتل رئيس وزرائها. وكنل عبد المجيد نسى أنه مهما كان قويا فإن ظروفه تجعل منه شخصا مريضا ولذلك فإن أي رجل صحيح البدن يكون أقوى منه ولذلك فقد ظن أنه سيلعب برجال البوليس ولكنه لا يلبث أن صبح ألعوبة في أيديهم.

لقد بر رجال القسم السياسي بوعودهم وعهودهم لعبد المجيد فلم يكد يظهر بمظهر المعترف حتى تحسنت معالمته في السجن أكثر من ذي قبل وأصبحوا يكثرون من الجلسات معه وتأنيس وحشته ولو أن عبد المجيد يا حضرات المستشارين والضباط العظام عن الدور الذي لعبه معه رجال القسم السياسي لأسمعكم المطرب والمعجب فهو وحده الذي يعلم الآن أن كل ما أقوله حق وأنني أصور الموقف كما لو كنت أعيش معهم.

كان ما يشغل بال الحكام في ذلك الوقت وبالتالي ربجال البوليس هو كيف يوجدون الصلة بين مختلف حوادث الإخوان ليجعلوا منا حلقة واحدة تؤدي إلى البطش بالشيخ حسن البنا وبزعماء جمعية الإخوان ولذلك فلم يكن هم رجال البوليس السياسي أن يضغطوا على عبد المجيد وحادثته وبين عادل كمال وطاهر عماد الدين الذين ضبطا متلبسين في سيارة الجيب ليستخلصوا من ذلك وجود اتفاق جنائي شامل على رأسه حسن البنا وبقية زعماء الإخوان.

ولذلك اتجه تأثيرهم على عبد المجيد وأقنعوه أن اعترافه بالاتصال بعادل كمال و طاهر عماد الدين لن يسيء إلى مركزه بأكثر مما هو سيء بل على العكس يفتح له الأمل في الإعفاء الوراد في مواد الاتفاقات الجنائية وهو لن يسيء في بذلك الوقت إلى عادل أحمد كمال وطاهر عماد الدين لأنه مقبوض عليهما بالفعل والتهمة ثابتة عليهما فربط عبد المجيد حادثته بحادثتهما لن يضر حتما إن لم يفد في إظهار حسن نية عبد المجيد وأنه يريد أن ينير العدالة ويضع يدها على اتفاق جنائي خطر.

وعلى هذا الأساس انتهز عبد المجيد فرصة التحقيق معه في (5) يناير لكي يقرر هذه الأكذوبة الجديدة أو الطبعة رقم (3) من أقواله.

وفي شهر رمضان اللي فات عرض على عاد الانضمام إلى جمعية وطنية سرية تعمل للوطن وللإسلام ضد الصهيونيين وضد الإنجليز وكان في تلك الأيام تقع غارات كثيرة من طيارات الصهيونيين فأا كنت متحمسا لهذه الفكرة وانضممت لها وبعد كده حلفت اليمين على أني أضحي بنفسي ومالي في سبيل تحقيق أغراض هذه الجمعية وهذا ما أذكره من خلاصة اليمين لأني لا أذكر الصيغة بالتمام وأفهمني عادل أنه سيكون الصلة بينه وين الجمعية وبعد كده جاب لي شوية مذكرات قانون ومذاكرات فيها حاجات عن الدبابات ومذكرات دينية وقال لي أطلع عليها وأقرأها وأنه سيمتحنني فيها ورحت له يوم الامتحان وجدت عنده طاهر عماد الدين وملاني الأسئلة الموجودة في الكراسة اللي عرضتها على سعاتك قبل المرة دي وأنكرت أنها بخطى ثم يستمر عبد المجيد في روايته حتى القبض على عادل وطاهر عماد الدين

ثم لا يفوته أن يربط بين هذه الواقعة وواقعة حضور ضياء له لتحريضه على قتل النقراشي فيقول: ولما انحلت جماعة الإخوان المسملون جاءني في المنزل ضياء وقال لي: إنك كنت متصل بالجعية عن طريق عادل وأن عادل قبض عليه وزاد على ذلك بأن قال لي: إنني أطلعت على الكراسة وعلى أجابتك وطلب مني أن أعتبر نفسي متصلا بالجمعية عن طريق أي طريق ضياء وصار يتردد على كما ذكرت في أقوال السابقة حتى قمت بتنفيذ جريمة قتل النقراشي باشا وهكذا أحكم عبد المجيد الحلقة وأوجد الرابطة بين ضياء وبين عادل أحمد كمال ولقد أثبت لكم التحقيق بعد ذلك أقوالا تكذب ذلك كله وترسم خطوطا تغاير كل المغايرة هذا التخطيط عادل أحمد كمال ولقد أثبت لكم التحقيق بعد ذلك أقوالا تكذب ذلك كله، وترسم خطوطا تغار كل المغايرة هذا التخطيط.

وأنتم مضطرون يا حضرات المستشارين أن تصدقوا هذا الوضع الجديد الذي رسمه لكم عبد المجيد من أنه كان عضوا في جمعية سرية تتألف من عادل أحمد كمال وطاهر عماد الدين وضياء وأن هذه الجمعية هي المسئولة دون غيرها عن مصر النقراشي باشا أنتم مضطرون أن تأخذوا بهذه الحقيقة وبالتالي تحكموا بالبراء على هؤلاء المتهمين الذين لم يرد لهم ذكر في أقوال عبد المجيد أما أن تأخذوا بذلك وإما أن تقولوا إن عبد المجيد كان كاذبا وهو يقول هذه الأقوال وأن كل ما زعم من يقظة الضمير والتوبة والإنابة لم يكن إلا دجلا في دجل وكذبا في كذب.

فهو إذن كذاب معتاد الكذب، فما أعجب أن نسمع النيابة تصفه بالصدق الذي يضعه في صف الصديقين والنبيين. شقيت النيابة وشقي معها البوليس لما أدلى عبد المجيد بطبيعته الثالثة في (15) يناير وكان البحث كله يدور حول الجمعية السرية كما حددها ورسمها عبد المجيد دون أن يصل التحقق إلى نتيجة واضحة.

وفيهذه الأثناء كان البوليس قد وصل إلى ما يتصوره طرف الخيطس في حادث مقتل النقراشب باشا عندما عثر على الترزي الذي أعترف بتفصيل البدلة وقد ثبتت هذه الواقعة أمام النيابةي ثبوتا لا يدع مجالا للشك خاصة أن عبد العزيز البقلي انتهى بالقول بأنه صانع البدلة وابتهجت النيابة بأن ضوءا جديدا قد نفذ إلى القضية ودعى عبد المجيد ليستغرق على الترزي فإذا بعبد المجيد يفجع البوليس ويفجع النيابة فلا يستعرف على عبد العزيز البقلي فقالوا له الا تعرف هذا الترزي فأجاب لا فقالوا له ولكنه أعترف أنه صانع البدلة فأجاب ربما يكون صنعها ولكن لا أعرفه.

حضرات المستشارين والضباط العظام

إنكم مضطرون إما أن تصدقوا أن عبد المجيد في هذا القول فتنفوا هذه الواقعة الثابة من أن عبد العزيز البقلي هو صانع البدلة وأما أن تقرروا أن عبد المجيد كذاب في كل ما يقول وأنه جرئ في الكذب وقادر عليهي وأنه لا يتحرى في أقواله وجه العدالة وإنما يسير على خطط وأغراض رسمها لنفسه.

ولكن أت طالبوني بأن أعلل لكم لماذا وقف عبد المجيد هذا الموقف وهو أمر واضح في غاية الوضوح فعبد المجيد كما قلت لكم رجل يريد أن يكون سيد الموقف وأن يستفيد مما لديه من معلومات أكبر ما يمكن من الاستفادة.

عبد المجيد رجل أصح في وضع يريد أن ينقذ فيه حياته وهو يعلم أن الآخرين يريدون أن يضعوا أيديهم على كبار رجال الجمعية وإذن فليساوم على هذا الموضوع إن شاء اتهم وإن شاء برأ وهو على استعداد أن يتهم ولكن بعد أن يقبض الثمن وعدا مؤكدا بإنقاذه من القصاص هذا هو التفسير الذي لا تفسير غيره ولكن بعدها أن تقولوا إذا كانت أقوال عبد المجيد تساوي الحبر والورق الذي كتب عليه.

في (22) مارس تقدم عبد المجيد بمفاجأة جديدة من مفاجأته فقد طلب مقابلة النائب العام ليدلي بأٌوال جديدة.وأحضره النائب العام وإذا بالسيد عبد المجيد يظهر بمظهر الذي قرر نهائيا أن يخدم العدالة وأن يدع كل تحفظ وأن يقول كل ما لديه من المعلومات فألقى بالطبعة الرابعة من طبعات اعترافاته.

فذكر اسم محمد مالك و أحمد فؤاد و عاطف عطية واعترف بأن عبد العزيز البقلي هو الذي خاط له بدلة الضباط وبدأ يذكر الواقعة المفصلة الخاصة بتدبير حادث مقتل النقراشي باشا والتي ظل عمودها الفقري ثابتا لا يتغير في أقوال عبد المجيد وأن كان عبد المجيد قد احتفظ لنفسه بالشروط العشرة وما فيها من حق الإدخال والتعديل والتغيير والزيادة والنقص إلى آ خر هذه الشروط ولذلك فقد تغير المستحقون في وقفية السيد عبد المجيد أو بالأحرى تغير الممثلون ولكن جسم الوقفية وموضوع التمثيلية ظل ثابتا لا يتغير ونحن نشكر عبد المجيد على كل حال أن جعل لنا بصيصا من النور لنهتدي به أو بالأحرى لنستضيء به وسط ظلمات أكاذيبه.

ولكن قبل أن نستعرض ما قاله عبد المجيد في هذه الطبعة يجب أن نعرف الحافز له على هذا التطور الجديد والخروج من الإبهام إلى الإفصاح ومن الغموض إلى الوضوح في هذه الفترة يا حضرا المستشارين ومنذ صدور الطبعة الثالثة من أقوال عبد المجيد كان قد وقع حدث ضخم كان من غير المعقول ألا يكون ذا أثر عميق في نفس الأستاذ عبد المجيد أحمد حسن بحيث يظهر هذا التأثير في الطبعات التالية من رواية الشائقة أما هذا الحادث الجلل فهو حادث مصرع الشيخ حسن البنا وذلك الحادث الوحشي الهمجي الذي عاد إلى الوراء والذي جعل لزاما على أن أقف إلى جوار حسن البنا وذكراه وجهاده.

لست أريد يا حضرات المستشارين والضباط العظام أن أمس هذا الموضوع الخطير إلا بقدر فلست أريد أن أثير الآن هذا الموضوع وأن أفتحه على مصراعيه فإن ذلك مجالا قريبا وهو قضية الشروع في مقتل حامد جودة وإبراهيم باشا عبد الهادي والتي ستعرض على القضاء في الشهر القادم.

ويكفيني اليوم أن أقف عند مدى تأثير هذا الحادث على عبد المجيد وكيف استغله رجال القسم السياسي وماذا قالوا وعادوا في هذا الموضوع لعبد المجيد.

مات حسن البنا يا حضرات المستشارين وهو الذي كان عبد المجيد يرى أن رجال الحكم والمحققين ورجال البوليس في أشد اللهفة لإدخاله في حظيرة الاتهام باعتباره المحرض الأول وكان عبد المجيد يعرف أن هذه هي الورقة الكبرى التي يجب أن يظل يساوم عليها حتى يحصل على الأمان والضمان الذي ينجيه فإذا بعبد المجيد يفاجأ بقتل حسن البنا ومعنى هذا أن جهود ولاة الأمور للوصول إليه قد انتهت عند الطريق المتختصر فأسقط في يده وتعرضت نفسه لخيبة أمل جديدة.

ولذلك فقد لاذ بالصمت طوال شهر كامل لم يقل فيه شيئا جديدا وعند هذه المرحلة كان رجال القسم السياسي قد بدءوا يحسون أنهم قد سيطروا على الموقف فلابد أنهم بدءوا يقلبون ظهر المجن لعبد المجيد ويفهمونه أنه لم يقل شيئا يستفيدون به وأن الحال إذا استمرت على هذا المنوال فلن يكون باستطاعة أحد أن يتقدم لمساعدته وبدءوا يظفئون الأمل الذي أضاءوه في نفسه إذا لم يقل كل ما عنده خاصة أن موضوع الإخوان في طريقه إلى الحل والتصفية بعد مقتل حسن البنا فعلى عبد المجيد أن يتدراك نفسه قبل فوات الوقت وأن يقول كل ما عنده إذا أراد أن يجد رحمة أو تخفيفا.

هذا هو الجو الذ أدلى عبد المجيد فيه بالطبعة الرابعة من اعترافاته وعندي أنها أهم الطبعات السابقة واللاحقة وهي الطبعة الجديرة بالاعتبار لأن الظروف والملابسات التي أحاطت بها ومقتل حسن البنا الذي تقدمها كل ذلك يجعلنا نتصور أن أقوال عبد المجيد في هذه المرة تنطوي على شيء من الحق ولا أقول الحق كله لأن عبد المجيد في هذه المرة تنطوي على شيء من الحق ولا أقول الحق كلمة لأن عبد المجيد أبعد ما يكون عن أن يثق الإنان بأي كملة من كلامه ولكن الإنسان لا يستطيع إلا أن يقرر أنه إذا كان في أية طبعة من طبعاته شيء من الحق فإنها هي هذه الطبعة.

بدأ عبد المجيد طبعته الرابعة بإصدار أمر ضبط وإحضاء كل من محمد مالك ويستغل في مطار ألماظة وأحمد فؤاد وهو ملازم أول ببوليس مصر وعاطف عطية وهو طالب بكلية الطب ويسكن في المنيرة لأن هؤلاء قد اشتركوا معه في مقتل المرحوم النقراشي باشا والثلاثة من جماعةالإخوان المسلمون وبهت المحقق لهذه المفاجأة الجديدة ولهذه الصيغة التي وضعه فيها عد المجيد أقواله من إصداره الأمر بإحضار هؤلاء الثلاثة.

ويتخلى ذهول المحقق أو إذا شئتم بروده في مقابلة هذه الأقوال الجديدة في هذا السؤال الذي وجه عقب هذا الإفشاء الجديد وهذا السؤال لم يزد على كلمتين اثنين.

س: وكيف اشتركوا؟

وبدأ عبد المجيد يقص قصته الخالدة في يوم السبت السابق على الحادثة بعشرة أيام فات على محمد مالك الصبح .,..إلخ.هذه الرواية التي كررها بعد ذلك عشن مرة وفي كل مرة يزيدها شرحا وإيضاحا أو بالأحرى يحشوها كذبا فضاحا.

إن رواية (22) مارس هامة جدا يا حضرات المستشارين بالنسبة لموكلي من السابع إلى الخامس عشر ففي هذه الرواية أعلن عن أسماء من اعتبرهم شركاء في غير لبس ولا غموض ولست أجزم بأن من ذكرهم عبد المجيد هم شركاؤه بالفعلليست هذه هي مهمتي وأنا رجل أشك في كل كلمة تخرج من فم عبد المجيد

والذي يهمني أن عبد المجيد ذكر أشخاصا في هذا اليوم قرر أن يقول فيه الحققة أخيرا وأن هؤلاء الأشخاص الذين ذكرهم هم أحمد فؤاد ومحمد مالك وعطية حلمي ولق سالته النيابة أسئلة صريحة متهزة فرصة تفتح نفسه لتصل مرة إلى الحقيقة الكاملة فسألته الأسئلة الآتية.

س: ما دمت تحدثت عن الجمعية السرية وذكرت هذه الأسماء نريد أن نعرف منك كل ما تعلمه عن هذه الجمعية وكيف تأسست ومن أعضائها وأغراضها؟

ج: أنا سبق أن ذكرت أن أحمد عادل كمال اتصل بي يعني فاتحنى في رمضان الماضي وقال لي إن فيه جمعيةسرية بتعمل لخدمة الوطن والإسلام ولم يذكر لي شيئا أكثر من لك وبعد ذلك أعطاني المذكرات فقرأتها وامتحنني فيها وأجبت عن الأسئلة في الدفاتر اللي اعترفت أنه بخطي وبعد ذلك قبض عليه وهو وطاهر في حادثة سيارة الجيب وبعدين اتصل بي مالك اللي كنت بأقول عنه أنه ضياء وهذا كل ما أعرفه عن الجمعية السرية ولازم كل دول أعضاء في الجمعية أي عادل وطاهر ومحد مالك وأحمد فؤاد وعاطف وأحمد البقلي الترزي والحقيقة أنا مش متأكد من الترزي.

هذه إذن هي أسماء أعضاء الجمعية السرية بمن فيهم الذين اشتركوا مع عبد المجيد في مقتل النقراشي. ويعجبني من النائب العام السابق أنه غير راض عن أقوال عبد المجيد فراح يعنفه ويؤنبه لماذا لم يقل هذه المعلومات من قبل ولماذا لم يستدل على الترزي ولماذا جهل اسم ضياء قبل هذه المرة؟ ولماذا ولماذا .

فكان جواب عبد المجيد عن ذلك الواقع أن واقعة اعتراف البقلي بخياطة البدلة هي السبب أو بعبارة أخرى كانت أحد الأسباب التي دفعتني أن أطلب مقابتلكم لأن أقرر كل الحقيقة وأنا سبق أن ذكرت أني اردت أن أظهر الحقيقة حتى لا يظلم أحد خلاف من اشتركوا فعلا أو كانت لهم يد في قتل المرحوم النقراشي باشا.

حضرات المستشارين والضباط العظام

يجب أن نقف هنا طويلا وأن نضع عدة خطوط تحت هذه العبارة أردت أن أظهر الحقيقة حتى لا يظلم أحد خلاف من اشتركوا فعلا أو كانت لهم يد في مقتل المرحوم النقراش باشا إذا كان باستطاعه عبد المجيد أن يقول كلمة صدق واحدة فلست أجد عبارة أقرب ماتكون غلى الصدق من هذه العبارة وهي أنه يريد ألا يظلم أحد خلاف من اشتركوا بالفعل أو كانت لهم يد في قتل المرحوم النقراشي باشا.

فإذا صدقتم هذا القول من عبد المجيد فقد تعينت برائة المتهمين من السابع إلى الخامس عشر فإذا قلتم: لا إن عبد المجيد الصادق أمين وأن أقواله تساوي الحبر والورق الذي كتبت عليه.

وفي (27) مارس أي بعد خمسة أيام كاملة من الطبعة الرابعة رأيى عبد المجيد أن يصدر طبعة خامسة فإن نجاح الطبعة الرابعة كان رائعا وقد تضمن عدة حوادث مثيرة فقد فر مالك ولم يمكن العثور عليه كما أن أحمد فؤاد قتل في أثناء القبض عليه وقد شجع عبد المجيد هذا النجاح فاسرع بإصدار طبعة جديدة كانت مقصورة هذه المرة على إقحام اسم فايز عبد المطلب المتهم السابع في هذه القضية.

وكالعادة جاء ذكر اسم فايز مفاجئا للمحقق الذي سمع هذا الاسم لأول مرة كان المحقق يسال عبد المجيد:

س: ألم تقابل عاطف أو أحمد فؤاد أو محمد مالك قبل أن تتصلوا ببعض تمهيدا لقتل المرحوم النقراشي باشا؟

ج: أنا اتصلت أولا بماك واللي وداني لمالك السيد فايز وانعقد لسان المحقق مرة أخرى من الدهشة لهذه المفاجأة وتتجلى دائما دهشته وبرودة السؤال التالي:

س: من هو السيد فايز؟

ج: السيد فايز شخص في الجميعة السرية عرفني به عادل

س: متى عرفك به عادل؟

ج: قبل حادث ضبط عادل في سيارة الجيب بحوالي شهر ونصف.

س: وأين حصل هذا التعارف؟

ج: السيد فايز درجته في الجمعية أعلى من دردجة عادل وهو رئيس الجمعية السرية.

س: وأين يشتغل السيد فايز؟

ج: يشتعل مهندسا ولا أعرف أين؟

س: لم يذكر شيئا عن السيد فايز إلا اليوم فما هي العلة في ذلك.

ج: أيوه أنا ذكرته النهاردة وأنا لسه عندي كلام كثير باقي من المرة اللي فاتت.

على هذه الصورة أقحم السيد فايز على لسان عبد المجيد لأول مرة وقبل أن نمض في استعراض مانسبه إلى فايز أريد أن أبين لكم كيف أن عبد المجيد قد انتهى إلى أن يصبح آلة في يد البوليس السياسي يدور حيث يدور ويقدم لهم الدليل ضد يعوزهم الدليل عليه ويتهم من يرغبون في اتهامه ويظهر أن الطبعة الرابعة من أقواله قد جعلته يشعر بأنه يسيطر على الموقف مرة أخرى وبالتالي بدأت الاتصالات وبدأت الوعود والعهود تتجدد إذا ما ساعد عبد المجيد البوليس على وضع يده على الجمعية السرية التي بدأت تؤق مضاجع الحكومة بأكثر من الإخوان المسلمون الذيين أنتهى خطرهم كحز أو كهيئة علنية.

كانت عناصر التطرف في الإخوان لا تزال ترفع رأسها قوة ولقد وزع في ذلك الوقت وعقب مقتل حسن البنا منشور على درجة كبيرة من الخطورة نسب فيه إلى المسئولين مقتل (حسن البنا) وأعلن في ختام المنشور أنهم سيقتلون المسئولين وقد أقض ذلك مضاجع المسئولين بطبيعة الحال فكلفوا رجال البوليس أن يصلوا إلى جذورالجمعية السرية مهما كلفهم ذلك الأمر ولابد أنهم لجئوا إلى عبد المجيد حسن مرة أخرى يستعطفونه ويعدونه وما يعدونه إلا غرورا

وفجأة نرى اسم السيد فايز عبد المطلب يقفز على صفحة تقرير مقدم من حكمدار بوليس [[مصر] إلى سعادة حاكم القاهرة العسكري وهذا نصه:

المدعو السيد فايز عبد المطلب من جماعة الإخوان المنحلة ذوي النشاط الخطر نرجو صدور الأمر بضبطه وتفتيشه وتفتيش مسكنه ومؤشر في ختام هذا التقرير بإذن الحاكم العسكري فؤاد باشا شريف وكان هذا التقرير في يوم (14) مارس ولعلكم ترون من صيغته ومن تقديمه للحاكم العسكري أن السيد فايز لا يزيد على مجرد واحد من الإخوان المسلمون ذوي النشاط الخطر وأنهم يطلبون من الحاكم العسكري صدور الأمر بضبطه.

ثم نرى بعد ذلك خطابا موجها من حضرتي الصاغين محمد علي صالح ومحمد الجزار إلى أحمد بك طلعت وكيل الحكمدار وهذا حضرة صاحب العزة الأميرلاي أحمد بك طلعت.

علمنا من تحرياتنا أن المدعو السيد فايز عبد المطلب من جماعة الإخوان المنحلة ويقيم شارع عبده باشا رقم (31) بالعباسية من أعضاء الجمعية السرية الإرهابية لهذه الجماعة المنحلة وأنه كان يراس هذه الجماعة وعلمنا أنه كان على صلة وثيقة بالمتهم عبد المجيد أحمد حسن في قضية المغفور له دولة النقراشي باشا ..

هذا وقد سبق ضبط السيد فايز عبد المطلب المذكور مع آخرين في جبل المقطعم في يناير سنة (1948) يتدربون على استعمال الأسلحة والمفرقعات... ونرجح أن تكون بعض الأوراق التي ضبطت بالسيارة الجيب مكتوبة بخط المذكور ومرفق طبه محضرا تفتيش وضبط نرفع هذا لعزتكم للنظر في رفعه للنيابة وللتصرف.

وها أنتم ترون يا حضرات المستشارين والضباط العظام أنه ما بين غمضة عين وانتباهتها قد تحول السيد فايز الذي هو عضو من الإخوان الذين يطلب اعتقالهم كبقية الأعضاء ومن حاكم القاهرة العسكري على سبيل الروتيني لا أكثر ولا أقل كبقية الأعضاء ومن حاكم القاهرة العسكرية على سبيل الروتين لا أكثر ولا أقل قد تحول فايز هذا إلى رئيس للجمعية السرية، وأنه شديد الصلة بعبد المجيد وقوى الصلة بالمتهمين في قضية الجيب وأنه سبق أن ضبط في جبل المقطم وبالحملة نرى شخصية السيد فايز كما صورها الاتهام بعد ذلك تتجلى في هذا التقرير.

ويحق لي أن أسألكم يا حضرات المستشارين والضباط العظام من أين فتح الله على حضرة الصاغين محمد علي صالح ومحمد الجزار بهذا القبض من المعلومات؟

ثم لا يكاد يقبض على السيد فايز ويودع السجن ويستقر به المقام حتى يتقدم عبد المجيد من تلقاء نفسه في الطبعة الخامسة من روايته بالزج باسم السيد فايز عازيا إليه أنه رئيس الجمعية السرية. لا أظنني في حاجة إلى كبير عناء لكي أنثبت لكم الترابط الوثيق بين هذا التقرير الجديد المفصل وبين طبعة عبد المجيد الخامسة.

وليس أمامنا إلا أن نتصور أن عبد المجيد قد اتصل برجال القسم السياسي، وأعطاهم هذه المعلومات عن فايز ويكون معنى ذلك أن عبد المجيد قد تحول إلى مرشد للبوليس السري يعطيهم المعلومات خفية في مقابل أجر أو في مقابل وعد، أو أن يكون العكس هو الذي حدث بمعنى أن رجال القسم السياسي وقد قرروا الزج بالسيد فايز قد أسرع إلى عبد المجيد ليعاونهم على هذه المهمة فحرضوه على قول ما قال ولقنوه بعض الذي قال.

لا مفر لنا ولا فكاك من تصور الأمر على هذين الوجهين، ولا مفر للنيابة من أن تسلم معنا، خاصة أن سيدي ممثل النيابة لا يعترف بالصدف ونحن نوافقه أن الصدفة ليست هي التفسير الحقيقي لبعض الظواهر في كثير من الأحيان والصدفة وحدها لا تستطيع بحال من الأحوال أن تفسر لنا اهتداء البوليس إلى خطورة السيد فايز فجأة

وبعد ثلاثة أشهر من وقوع حادثة النقراش وأن يقرر عبد المجيد كذلك فجأة وبعد ثلاثة أشهر من وقوع حادثة النقراشي وأن يقرر عبد المجيد كذلك فجأة وبعد ثلاثة أشهر خطورة السيد فايز، وأن تنطبق عناصر تقرير البوليس على عناصر أقوال عبد المجيد ولعلي بذلك أكون قد كشفت لحضراتكم الغطاء عما يدلكم أن أحد الطرفين قد تحول إلى ألعوبة في يد الآخر وأقصد بالطرفين البوليس السياسي من ناحية وعبد المجيد من ناحية أخرى وسواء كان عبد المجيد هذه الذي أصبح القسم السياسي قد أصبح ألعوبة في يد عبد المجيد يوجهة لمن قرر عبد المجيد اتهامه سواء بدأت تفوح من الأوراق منذرة بأنها في طريقها إلى الشياط.

قلت لحضراتكم إن الطبخة كانت في طريقها إلى أن تنشيط ومعنى هذا أنها كات لا تزال في هذه المرحلة في حدود معقولة مقبولة ولا يزال عبد المجيد، ولا يزال رجال القسم السياسيي معه يحاولون أنقاذ الظواهر على الأقل والعمل في دائرة معقولة.

ولذلك فقد جاء اتهام عبد المجيد للسيد فايز بحيث يحمل في طياته البراءة القاطعة من حادث مقتل النقراشي وما طالعت هذه الصفحات من التحقيق إلا وقطعت ببراءة السيد فايز من هذا الحادث ولست أتصور كيف يمكن لمحكمة تطالع هذه الكلمات المسجلة في قوة ثم تقضي بعد ذلك في موضوع السيد فايز بغير البراءة من حادث مصرع النقراشي باشا وقد جاء الآتي:

س: ما الذي جعلك تخفي اسم فايز ولا تذكره عندما ذكرت اسم مالك وأحمد فؤاد وعاطف على أنهم من أعضاء الجمعية وأنهم شركاؤك في الجريمة على النحو الذي ذكرته؟

ج: أنا لم أذكر اسمه لأنه كان أقوالي منحصرة في الذين اتصلت بهم لتنفيذ الجريمة وهم مالك الذي أرسلني إلى أحمد فؤاد وأحمد فؤاد أرسلني لعاطف، ولم تأت مناسبة لأن أذكر كيف تعرفت بمالك فلما سئلت اليوم عن كيفية تعرفي بمالك ذكرت الحكية من أولها، وكان الطبيعي أن أذكر اسم السيدس فايز لأنه هو الذي عرفني بمالك.هذا كلام صريح وواضح وليس باستطاعة أحد في الدنيا أن يدع هذا الكلام المستقيم إلى كلام مريض سقيم بعد ذلك.

لماذا لم يذكر عبد المجيد السيد فايز في اعترفاته السابقة لأن أقواله كانت منحصرة في الأشخاص الذين اشتركوا معه فعلا في حادث مقتل النقراشي أما أن عبد المجيد يعرف فايزي أو يعرف عشرات غير بل ومئات وأنه كانت لهم به علاقات مختلفة فهذا مسألة لا شك فيها ولا جدال وليس يعني معرفة عبد المجيد لأي شخص من الأشخاص أو تعامله معه في يوم من الأيام أنه كان شريكا له في مقتل النقراشي باشا.

ولقد كان عبد المجيد واضحا في ذلك وصريحا وإنني أشكره لذلك من صميم قلبي وعادو المحقق سؤال عبد المجيد بعد قليل.

س: وصفت السيد فايز بأنه رئيس الجمعية فكان من الطبيعي عندما أدليت بأقوالك الأخيرة أن تذكر اسمه؟

ج: أنا كنت فاهما أني أسأل عما يتصل بحادثة القتل وكيف بدأت وهي تبدأ من مالك.

س: ولكنك تقول أن السيد فايز هو رئيس الجمعية بحسب ما عرفك به عادل؟

ج: عادل عرفني أن السيد فايز رئيس ولا أعرف إذا كان السيد فايز عليه رؤساء أكبر منه، لأن هذا نظام الجمعية وأنا لم أذكر اسم السيد فايز سهوا مني فقط، وكنت معتقدا أني أجيب فقط على بدء اتصالي بالجماعة الذين هم شركاء لي فعلا في القتل بذاته فابتدأت من مالك الذي أرسلني لأحمد فؤاد أرسلني لعاطف حتى تم إعداد كل شيء لأرتكاب الجريمة، ولكن معرفتي بمالك جاءت عن طريق السيد فايز كما قلت.

لم يشأ المحقق أن يقتنع بهذه الأقوال المحكمة بل أراد أن ينفذ إلى موضع استنتاجات عبد المجيد لعله يظفر منها باتهام إلى السيد فايز فإذا به يسأله سؤالا ليس من اختصاص سلطة الاتهام؟

س: وهل السيد فايز شريك في جريمة القتل باعتباره رئيسا لك في الجمعية السرية؟

ج: أنا كل اللي أعرفه أن هو الرئيس المباشر في الجمعية وأنه هو الذي ارسلني لمالك أي عرفني به.

لا أظن يا حضرات المستشارين والضباط العظام أنكم في حاجة إلى الكثير من ذلك لكي تصدروا الحكم بالبراءة على السيد فايز وبقية المتهمين من السادس إلى الخامس عشر فأما أن يكون هناك محل لإدانة هؤلاء وأما أن يكون كاذبا في هذا القول ولست أتصور إذا قررتم أن عبد المجيد كاذب في هذه الأقوال المستقيمة فكيف تستطيعون أن تدينوا المتهمين بعد ذلك باقوال عبد المجيد المشوشة المضطربة؟

مضى على صدور الطبعة الخامسة من رواية عبد المجيد حوالي أربعين يوما فقد كان تاريخ الطبعة السابقة (27) مارس وشعر عبد المجيد أن نسخ الطبعة قد نفذت من ناحية وأنها فقدت صفة التشويق وأصبحت قديمة والأستاذ عبد المجيد رجل ممتاز لو أنه أشتغل صحفيا أو مخرجا سينمائيا لكان له شأن جبار في حياة هذه البلاد فلديه هذه الحاسة اللازمة للصحفى والمخرج السنمائي وهي ضرورة التجديد المستمر والابتكار لاستبقاء رضا الجمهور واهتمامه لذلك فقد شرع عبد الميجد بإصدار طبعته السادسة في (4) مايو وقد أصبحت هذه الطبعات تصدر بصورة مرتبة منظمة يطلب عبد المجيد من مأمور السجن ورقا وقلما ويخط سطرين اثنين ويطلب فيهما مقابلة سعادة النائب العام وأصبحت الطبعات كلها تبدأ بالمتهيد الآتي:

س: هل أنت الكاتب لهذا الطلب وعرضنا الطلب المرفق بكتاب حضرة مأمور سجن الأجانب.

ج: نعم أنا الذي كتبته بخطي وقدمته لحضرة مأمور السجن.

س: وما هي الأقوال التي تريد أن تدلي بها اليوم؟

ثم تبدأ فصول الرواية وفي المرة تناول التعديل أحد فصولها فأدخل إلى المسرح شخصية ظريفة حقا وهي شخصية المفتى أو مفتى الدماء كما يحلو للنيابة أن تسميه وصدق من قال: إن الحقيقة دائما أغرب من الخيال فلو أننا راينا في إحدى المسرحيات شخصية السيد سابق وأنه رجل مهمته أن يفتي على تحليل القتل لأنكرنا هذا المنظر واستهجناه ومع ذلك فإن الحسيب النسيب عبد المجيد يريد منا أن نقتل هذه الصورة في عالم الحقيقة وليس عالم الخيال.

إن موضوع السيد سابق لا يحتاج إلى كبير عناء لإظهار تفاهته ولكن الذي يعنيني منه هو حقيقتان بارزتان.

الأولى: أن عبد المجيد بدأ يرتب دفاعه عن نفسه ويتراجع فيما أصر عليه حتى الآن من أنه المسئول عن هذه الجريمة.

بدأ عبد المجيد يتأثر بالطريق التي رسمه له ضباط القسم السياسي للدفاع عن نفسه ومقتضيات هذا الدفاع تحتم عليه الظهور بمظهر الذي اندفع تحت تيار عاطفة دينية وأنه تلقى فتوى شرعية ممن يملكون حق الفتوى ولست أشك لحظة في أن المرحوم حسن البنا لو كان على قيد الحياة لا حتل هو مكان الشيخ سابق باعتباره صاحب الفتوى بقتل النقراشي ولكن الشيخ حسن البنا كان قد قتل فليس سوى الشيخ سابق من يمكن استخدامه للقيام بهذا الدور.

أما الحقيقة الثانية فهي أن عبد المجيد تعرض بالتفصيل لاجتماع يوم الأحد (19) ديسمبر الذي عقد في بيت عاطف وقصر حديثه على أن الموجودين فيه كانوا يتألفون من عاطف وأحمد فؤاد والسيد سابق وعبد المجيد.

لقد احتجت النيابة على صلاح عبد المعطي أن عبد المجيد عندما تحدث عن الاحتماع الذي عقد بعد حل الإخوان المسلمون كشف عن صلاح عبد المعطي بأن كان فيه واحد لا يعرف اسمه فلما ذكر في أقواله بعد ذلك أن صلاح عبد المعطي كان حاضرا الاجتماع صاحت النيابة يا سلام على الدقة فعبد المجيد يذكر بالضبط أسماء الأشخاص الذين حضروا فإذا أراد أن يخفى اسم أحدهم تحدث عن وجوده ثم قال: إنه لا يعرف اسمه.

فإذا كان هذا هو شأن عبد المجيد وأسلوبه في العمل والتفكير فلنا أن نحتج به في هذا الموطن فنقول للنيابة: وما رأى النيابة إذن وها هو عبد المجيد يتحدث عن اجتماع الأحد فلا يشير في بادئ الأمر إلا إلى عاطف وأحمد فؤاد، ثم يصدر طبعة خاصة بالسيد سابق ويحدد الموجودين نهائيا بأنها كانوا ثلاثة أشخاص.

وإذا أردت أن تأخذوا مثالا في دقة عبد المجيد التي تتحدث عنها النيابة وأحكامه للكلام فما عليكم إلا أن تثبتوا هذا السؤال الذي وجهته النيابة لعبد المجيد عقب زجه بالسيد سابق.

س: كيف نزلتم من منزل عاطف بعد هذه المقابلة؟

ج: أنا نزلت لوحدي ورحت على بيتي وتركت الثلاثة هناك.

أنظروا إلى هذه العبارة وتركت الثلاثة هناك، والمقصود بالثلاثة هم أحمد فؤاد وعاطف والسيد سابق فهل هذا كلام كذاب يخفي وجود أشخاص أخرين أم هو شخص دقيق في أقواله ومحكم في تعبيراته.

إما أن تقولوا أنه صادق في هذا القول فيتعين عليكم براءة السيد فايز وبقية المتهمين وإما أن تقولوا بل لقد كان كاذبا ولست أعرف كيف يكون عبد المجيد كاذبا إذا برأ الناس وكيف يكون صادق إذا اتهمهم؟ أشهد أنه لا يمكن أن يكون هناك قاضي يجلس في كرس القضاء يقول مثل هذا القول فالكذاب لا يمكن أن يكون إلا كذابا أمام الناس، وأمام القضاء حتى ولو صدق.

وصدرت الطبعة السابعة من وراية عبد المجيد في الخامس والسادس عشر من شهر يونيو وكان ذلك بمناسبة القبض على محمد مالك، وقد استثار محمد مالك عبد المجيد كما يقولون ووصفه بالمجرم فرد عبد المجيد على التحية بمثلها وقرر أن يفضى بكل ما عنده من معلومات لكي يفحم مالك فأخرج لنا الطبعة السابعة منقحة ومصححة ومشفوعة بالصور فذكر اسماء جمال فوزي ومحمود كامل ومحمد فرغلي ومحمد أحمد علي وأنهم كانوا يؤلفون خلية واحدة وهنا أريد أن أقف لنتساءل معا هل يمكن أن يتصور الذهن أن عبد المجيد قد وصل إلى هذه المرحلة يمكن أن يزعم أنه لا يزال في نفسه اعتبار من الاعتبارات للإبقاء على شخص أو إخفاء شخص واحد أو الحرص عل سمعه شخص.

لقد كان قد انقضى على عبد المجيد مند بدأ في إصدار طبعاته حوالي خمسة أشهر وشرق وغرب في أقواله وداس على كل الاعتبارات وكل القيم والمقاييس.

ولم يعد لجمعية الإخوان في نفسه أي تأثير وقد قتل رئيسها وأعتقل كل أعضائها وتلطحت سمعتها فلم يبقى هناك ما يبقى عليه عبد بل لقد تحول أعضائها وتلطحت سمعتها فلم يبق هناك ما يبقى عليه عبد المجيد بل لقد تحول عبد المجيد في هذه الفترة إلى مظهر من مظاهر النقمة على الإخوان ورؤساء الإخوان وزعماء الإخوان وها هو لا يتعفف عن الزج بأسماء أربعة جدد يضمهم إلى قائمة الاتهام في معرض اللجاجة مع محمد مالك

فمن العبث أن يقال بعد ذلك أن عبد المجيد قد أبقى بعض الوقائع مخفية وأنه أراد أن يحمي بعض الأشخاص فلم يذكر اسماءهم لست أتصور أي تفكير من أي نوع كان يمكن أن يبرر كتمان عبد المجيد لبعض الوقائع أو حماية لبعض الشركاء بعد أن وصل إلى ما وصل إليه وأصبح محترف اعترافات إلا إذا اتفقتم معي على أن عبد المجيد هو مخرج سينمائي وأنه من غواة إصدار الرواية المسلسة المليئة بالمفاجآت والمواقف المثيرة وقد يكون أسلوب عبد المجيد في تأليف رواياته وإخراجها أسلوبا مسليا حقاي ولكن أعيذ قضاءنا العالي أن يتخذ هنا الخيال الخصب أساسا لاتهام الأبرياء.

تكلم عبد المجيد مرة أخرى فاتهم جمال فوزي، ومحمود كامل، و محمود فرج و محمد أحمد علي بأنهم كانوا يؤلفون معه خلية وقد جئ بهؤلا الأربعة، وواجهوا عبد المجيد، وكما واجهة مالك من قبل وكذبوه كما كذبه وتحداه أن يثبت كلامه فليس ينسب لهم عبد المجيد أي قول أو إشارة تنم عن أنهم اشتركوا معه عن قرب أو بعد في حادث مقتل النقراشي وإنما ظل يذكرهم ويجابههم بأعمالهم السابقة على حل الجمعية كالذهاب للتمرين في الإسماعيلية أو كاشتراكهم في جمعية الشبان ولعبهم البنج بنج وهي كلها وقائع تافهة كنت أعيذ حضرة وكيل النيابة من أن تتخذها دليلا على صدق عبد المجيد فثبوت أن يكون محمود كامل ومحمود فرج ومحد أحمد علي أعضاء في جمعية الشبان المسلمين شيء والقول بأنهم اشتركوا في مقتل النقراشي شيء آخر.

والمهم الذي يعنيني الآن هو أن يجعلوا هذا الموقف أساس حكمكم ببراءة محمود كامل ومحمد فرغلي ومحمد أحمد على فقد واجه عبد الميد هؤلاء الثلاثة وتحدوه في مواجته فلم يجرؤ على أن ينسب إليهم شيئا بل العكس من ذلك نفي عنهم نفيا صريحا تهمه اشتراكهم في مقتل النقراشي بل نفي مجرد علمهم بالحادث وقد ضغطت عليه النيابة ضغطا شديدا فلم تصل منه إلا لنفس النتيجة .. وهي نفيه عنهم مجرد العلم ولا أقول الاشتراك.

س: ألم تتصل بمحمود كامل ومحمد فرغلي ومحمد أحمد على عقب اتصالك بأحمد فؤاد؟

ج: أفتكر قابلتهم مرة في الشبان المسلمين.

س: ألم تذكر لهم أن أحمد فؤاد كلفك بشيء؟

ج: لا

س: ولم لم تذكر لهم ما أخترت له مع أنهم أعضاء معك في الجمعية السرية كما تقول؟

ج: لأن نظام الجمعية يحتم ألا يبوح أحد الأعضاء بأسرارة التي يعرفها للعضو الآخر فأنا ما كنتش أٌدر أقول لهم حاجة عن حادثة القتل التي أخترت لها

س: ما فائدة وجودهم كأعضاء في الجمعية السرية إذن؟

ج: أنا سبق أن قلت: إن نظام الجمعية يقضي بألا يبوح شخص بما يكلف به من عمل لا لأعضاء الجمعية السرية ولا غيرهم.

س: هل جمال فوزي ومحمود كامل ومحمود فرغلي ومحمد أحمد في نفس الجمعية السرية التي منها السيد فايز وأحمد فؤاد وعاطف عطية حلمي والشيخ سيد سابق ومحمد مالك؟

ج: نعم طبعا ولكهم من جماعة الإخوان.

س: إذا كانوا كلهم من جمعية واحدة فما السبب إذن أن يعلم بجريمة القتل بعضهم ولا يعلمها البعض الآخر معأنهم كلهم سواسية في الجمعية السرية؟

ج: نظام الجمعية يقضي بألا يعلم بنبأ الجريمة إلا من يسشتركون فيها فعلا أو يساعدون على تنفيذها ويخشى أنه إذا علم بها كل الأعضاء ألا يؤمن إفشاء السر قل إتمام العمل.

ماذا تقولون في هذا الكلام الصريح والواضح المستقيم الذي يشرك فيه محمود كامل وفرغلي ومحمد أحمد، في جمعية الإخوان وفي الجمعية السرية ولكنه ينفي عنهم تهمة مجرد العلم بحادث النقراشي ماذا يقولون في هذا الكلام؟

أما أنا فأقول لكم: إما أن يكون صادقا وهو ما أميل إليه ويتعين براءة هؤلاء المتهمين من الاشتراك من الاشتراك في مقتل النقراشي وإماأن يكون كاذبا وتتعين براءتهم كذلك فلست أعرف كيف ينقلب الكذاب صادقا عندما يسرع في اتهام الناس وأني أعيذكم من أن تعتبروا أقوال عبد المجيد كاذبة إذا كانت لمصلحة الأبرياء وتعبروها صادقة إلذا كانت لإدانتهم.

وقد كان من محاسن هذه الطبعة الجديدة أنها نفت الدعوى التي أدعاها في الطبعة الخامسة من أن السيد فايز هو الذي عرفه بمالك ففي هذه الطبعة الجديدة قرر عبد المجيد أن اليد فايز هو الذي عرفك بمالك أجاب ذلك لأني كنت أخفي شخصية جمال فوزي ولم أن أريد أن أظهرها الله.... الله. يا سيد عبد المجيد.

تود واحد في داهية لأنك تريد أن تخفي واحد آخر وترفع وتخفض وتعز وتذل ولا لوم عليك أو تثريب فأنت متهم بأخطر جناية تدافع عن نفسك وإنما اللوم والتثري على هؤلاء الذين يقدمون للمحاكمة بمثل هذه الأقوال التي يتجلى دائما كذبها وأني أحمد الله أن في مصر قضاة سوف يضعون أقوالك هذه في موضع الصحيح.

نفي عبد المجيد إذن عن السيد فايز أنه هو الذي عرفه بمحمد مالك ومالك عرفه بأحمد فؤاد وأحمد فؤاد بعاطف تماما كقصة وحصانة في الخزانة، والخزانة بلا سلم والسلم عند النجار والنجار عاوز مسمار والمسمار عند الحداد. ولقد سألت النيابة عبد المجيد سؤالا صريح في تحقيق (16) يونيو

س: ما معنى هذا أنك لم تجتمع بالسيد فايز ومحمد مالك معا في وقت واحد؟

ج: لا

س: ألم تشاهد السيد فايز ومحمد مالك مجتمعين معا في أي مرة من المرات؟

ج: لا

فهل يمكن أن يكون هناك شبهة بعد ذلك في أن السيد فايز لا علاقة له بالتدبير الخاص بقتل النقراشي؟

أما النيابة فقد اقتنعت بذلك كل الاقتناع ولذلك فعندما قدمت قرار الاتهام في هذه القضية استعبدت منه السيد فايز على الرغم من أنها اعتبرته المتهم الأول في قضية الاتفاق الجنائي وذلك خضوعا منها لهذه الأقوال الصريحة القاطعة التي تنفي عن السيد فايز اشتراكه في مقتل النقراشي باشا.

وما يقال عن السيد فايز يقال عن بقية المتهمين حتى الخامس عشر ولذلك فلم تزج النيابة بمحمود كامل ومحمد فرغلي ومحمد أحمد علي وذلك لنفس السبب

حضرات المستشارين والضباط العظام:

لم يكن طبيعيا أن يظل عبد المجيد محتكرا لسوق الاتهام في عالم الإخوان المسلمون ولم يكن طبيعيا أن يظل متربعا على عرش الإخراج السينمائي دون أن يبرز له منافس فما دامت السوق مفتوحة والبضاعة رائجة فلا بد أن يتقدم حين لآخر من يباشر عملية إنتاج السلع الرابحة.

ولذلك فقد ظهر في (11 يوليو سنة 1949) منافس لعبد المجيد في سوق الاتهام وبنفس الأسلوب الذي كان يتقدم به عبد المجيد لإصدار طبعاته المختلفة أصدر عبد الرحمن عثمان طبعاته الممتازة الجديدة فكتب خطابا من سجنه لمحد بك عبد السلام وكيل نيابة الاستئناف وهذا نصه بعد الديباجة.

مقدم هذا لعزتكم عبد الرحمن عثمان عبد الرحمن الطالب بكلية الحقوق والمسجون الآن بسجن الأجانب والمتهم الذي سئل أمام عزتكم.

حيث أن عزتكم قد سألتني يوم (25 يونيو سنة 1949) عن بعض وقائع أنكرتها ولكنني أعرفها فأرجو من عزتكم السماح بأخذ أقوالي إنصافا للحقيقة وعدولا عن إنكاري الأول وتفضلوا إلخ.

واستدعى عبد الر حمن بطبيعة الحال ثم أخذ يدلي باعترافه الطويل المسهبة ولقد كان في غنى عن التعرض لعبد الرحمن وخصيته لكن المحكمة الموقرة أبت إلا أن تستدعي عبد الرحمن، لتسمع منه أقوالا تتصل بموضوع قضيتنا وهذه الأقوال من التفاهة من حيث كونها دليلا أو شبهة دليل أو مجرد شبهة وبحيث أنها لا تسحق العناية بها أو الرد عليها في قضيتنا هذه فهو لم يزد على قوله أنه سمع من محمد فرغلي أن محمود كامل كان يلبس بدلة عسكرية ويحمل قنبلة يدوية.

هذه الرواية لا تساوي مليما واحدا لأنها وراية سماعية نقلا عن محمد فرغلي وقد رأيتم كيف أن محمد فرغلي لم يتسطع أن يتمالك اشمئزازه واستنكاره لهذا القول فراح يصب اللعنات على عبد الرحمن عثمان أمام حضراتكم مما اضطركم إلى أن توقفوه عن حده وحسنا فعلتم ولكنكم يجب أن تعذروا المتهم الذي يقف في هذا القفص يحاكم على أشد الجرائم وأخطرها ثم يأتي أمامكم شخص ينسب إيه وقائع خطيرة ما أنزل الله بها من سلطان فهذا الذي سمعتموه من محمد فرغلي إنما هو ثورة البرئ المظلو في وجه الكاذب الاثيم.

كان يمكن أن نكتفي بهذا القدر فنمر على موضوع عبد الرحمن عثمان ريثما أعود إنه في تعليلي سر الاعترافات التي فوجئنا بها أخيرا ولكن هناك نقطتين لا أستطيع أن أمر عليهما وإلا كنت مقرا في واجب الدفاع.

أما النقطة الأولى فهي اتصال عبد الرحمن بشخص ية كبيرة من رجال الدولة لا داعي لذكر أسمها ولنفهم أن هذا الشخص الكبير هو خال هذا المتهم وأن هذا المتهم يعيش في بيت خاله الرجل الكبيرة وأن التحقق قد أكتشف بعد ذلك فجر ان هذا الكبير إلى حلقة الاتهام.

وعندما تخلون إلى ضمائركم في قاعة المداولة لتقدير الأدلة على هؤلاء المتهمين، يجب أن تسألوا سؤالين. هل من المعقول أن ينضم ابن موظف كبير وابن أخته المقيم معه في بيت واحد إلى جماعة لا يعرف أن أباه راض عنها؟ وهل من المعقول أن تستمر هذا الاتصال سنوات كثيرة دون أن يلاحظ هذا الكبير صلة ابنه وابن أخته بهذه الجماعة؟

هذا هو السؤال الأول الذي أريد أن توجهوه إلى أنفسكم ولست أريد أن أفيض أنا في الرد على هذا السؤال فله مجاله عندما نكون في قضية الاتفقا الجنائي الكبير وحسب الآن هذه الإشارة وأن أذكركم أنه من الخير في هذه القضية ألا نفتح باب تاريخ الإخوان وتطورات الإخوان وما انطوت عليه الإخوان من اتفاقات إجرامية من الخير للنيابة أن تسد هذا الباب مؤتا فإن ريا تزكم الأنوف تهب منه كما قلت بالأمس.

أما السؤال الثاني الذي يجب أن توجهوه إلى أنفسكم بخصوص عبد الرحمن عثمان وأنتم تقدرون قيمة أقواله واعترافه فهو أن تتصوروا مقدار الحرج الذي أصبح فيه هذا الشخص الكبير عندما يتهم ابنه وابن أخته بهذه التهمة الخطيرة وماذا يعمل لتخفيف الحرج عن نفسه؟

وتكفيني الأن هذه الإشارة تارا إلى ضمائركم الباقي فلست أريد أن أسهب طويلا في هذا الموضوع لأنني أريد أن ألتزم حدود الواقعة التي أمامنا وهي مقتل النقراشي باشا وأقوال عبد الرحمن في هذا الصدد لا قيمةلها ولا اعتبار وقد انهارت أمام حضراتكم إنكار المصدر الذي روعي عنه عبد الرحمن ما روي فإذا كان يقوم في أنفسكم شك من ناحية محمد فرغلي وتكذيبه باعتبار أن محمد فرغلي قد التزم خطة الإنكار والتكذيب على طول الخط فما رأيكم في عبد المجيد سيف الاتهام المسلطة

والذي كان قد أصدر من روايته سبع طبعات كاملةاتهم فيها الناس جزافا دون قصد أو اعتدال لا يمكن أن يتهم عبد المجيد والحمد لله أن هل مصلحة في الإنكار على أي صورة من الصور فإذا جاء عبد المجيد وعرضت عليه وقائع عبد الرحمن مجملة في بادئ الأمر ثم مفصلة في النهاية وعبد المجيد يكذبها على طول الخط فأجيب أنه لا يبقى بعد ذلك شبهة في أن عبد الرحمن كذب فيها على طول الخط فأجيب أنه لا يبقى بعد ذلك شبهة في أن عبد الرحمن كذب فيها قال وأدعى وإليكم الآن نص الحوار الذي دار بين المحقق وبين عبد المجيد في هذا الصدد وقد أسرع باستدعائه ليواجهه بهذه الوقائع الجديدة.

س: ألا تعلم أن رؤساء الجمعية قد عينوا أحدا للوقوف في مكان الحادث أو بالقرب منه عند إطلاق الرصاص على المرحوم محمود فهمي النقراشي باشا؟

ج: ما فيش إلا الشخص المكلف بأن يخطرني في القهوة بالتليفون بقرب موعد وصول النقراشي باشا.

س: ألم يعينوا أدا للوقوف في فناء وزارة الداخلية.

ج: لا.

س: هل يحتمل أن يكون هذا التدري قد تم بغير علمك

ج: ما اعرفش.

س: قرر شخص يدعى عبد الرحمن عثمان أنه على علم من محمد فرغلي أن محمود كامل كان واقفا في فناء وزارة الداخلية وهو يلبس بدلة عسكري بوليس وكان يحمل قنبلة يدوية وقد قصد ذلك إلقاء هذه القنبلة على كل من يحضر من كبار الشخصيات عقب قتل النقراشي باشا ولكن حال دون ذلك قفل باب الوزارة.

ج: أنا ما أعرفش حاجة زي دي وإنما محمد فرغلي (ده) موظف في الداخلية وأنا ما شفتش محمود كامل لما رحت الوزارة يوم الحادث.

س: هل لو كان موجودا ببدلة عسكرية كنت تعرفه أو كان الأمر يختلط عليك؟

ج: في الغالب كنت أعرفه من ملامحه.

هذه هي أقوال عبد المجيد نفي قاطع صريح لهذه الواقعة وليس بعد ذلك دليل على كذبها وأنها من تخريفات السيد عبد الرحمن عثمان، أو من قبيل هذه الشائعات الجوفاء التي تترد عقب أمثال هذه الحوادث.

على أن هذا الموقف يهدم في ذات الوقت يا حضرات المستشارين والضباط العظام ما أدعاه عبد المجيد أمام حضراتكم في تفسير سبب إمساكه في ذكر الحقائق في بادئ الأمر ثم تصريحه بها لكي تعلموا أن الكذب لا يمكن أن يقف على قدمين ولولا هذا لكانت مصيبة البش في الكذابين كبيرة قال لنا أن السيد عبد المجيد أنه كان يخفي بعض الحقائق ولكي يتيح لغيره من المتهمين أن يعترفوا من ناحيتهم ببعض الحقيقة لكي يستفيدوا ويستفيد.

ونحن نشكر جميعا السيد عبد المجيد لأنه لم يكن أنانيا وأنه أراد أن يعيش وأن يسمح للآخرين أن يعيشوا ولكن يؤسفني أن هذه الواقعة التي نحن بصددها تكذب عبد المجيد في أن يكون هذا غرضه ومقصده.

فها هي الفرصة التي يريدها قد تحققت ها هو متهم آخر يقرر بعض الوقائع التي يزعم عبد المجيد أنه يخفيها فكان الحق والمنطق يقضيان عليه أن ينتهز هذه الفرصة ليقول ما عنده ليعزز أٌوال زميله المعترف الآخر بدل أن يهدمها وليكون متمشيا مع هذه الفرة التي ادعاها تبريرا لموقفه العجيب.

لماذا يفكر الآن في اشراك محمود كامل معه وقد جاء على لسان غيره لا تستيطعون يا حضرات المستشارين أن تعللوا إنكاره هذه المرة بأنه كان كذابا فمبررات الكذب في المرات السابقة من ادعائه أنه يريد ألا يقول كل الحقيقة كانت مبلوعة والسلام أما هذه المرة فقد جاءت الحقيقة لو أنها كانت حقيقة من شخص آخر غيره فليس هناك مبرر لأن يكذبها فإذا كان قد كذبها فلأنها ليست حقيقة ولأنها لم تحدث.

ولن تستطعيوا يا حضرات المستشارين والضباط العظام أن تسندوا على أي كلمة من كلمات عبد المجيد التي قالها فيما بعد هذه الجلسة وأن تعللوا سكتوته عن إبداء الحقيقة الكاملة بما علل به لأن هذا الموقف الذي نحن بصدده يهدم هذا التعليل ولا يبقى أمام حضراتكم إلا أن تقولوا: إن عد المجيد كاذب لا يطمأن إلىأي كلمة تخرج من فمه.

على أنني لا أستطيع أن أدع أقوال عبد المجيد في هذه المرة دون أن أشير مرة أخرى إلى نفيه القاطع لاشتراك السيد فايز في تدبير مقتل النقراشي مع شدة تحرق النيابة إلى الوصول إلى هذه الحقيقة.

س: بعد أن أفهمك السيد فايز أنك عضو في خلية يراسها جمال فوزي هل كنت تقابله بعد ذلك؟

ج: لا

س: من الذي عين محمد مالك إذن رئيسا للجلية بعد سفر جمال فوزي؟

ج: قبل ما يسافر جمال فوزي كان حضر محمد مالك في الاجتماع الثالث أو الرابع وفهمنا جمال فوزي أنه عضو في خليتنا وأنه هو اللي راح يعلمنا قيادة السيارات والموتوسيكلات ولما سافر جمال فوزي أصبح محمد مالك هو الصلة بيننا وبين القيادة لأنه هو اللي كان متصل بالقيادة من مبدأ الأمر.

س: ألم يعين السيد فايز إذن المتهم محمد مالك رئيسا؟

ج: ما أعرفش وإنما هو كان الصلة بين الخلية والقيادة.

س: ما هو مركز السيد فايز في الجمعية السرية بالتحديد؟

ج: السيد فايز رئيس الجمعية السرية في القاهرة.

س: هل تعتقد أن السيد فايز أشترك ففي تدبير حادث المرحوم النقراشي باشا؟

ج: ما أقدرش أرعف بالضط لأنه ما اجتمعش معنا بمناسبة تدبير الحادث واللي يعرف بالضبط مالك لأنه هو اللي قال لي قابل أحمد فؤاد وهي اللي حيقول لك على المأمورية التي ستكلف بها ولما قابلت أحمد فؤاد وأعطاني الستة جيه وقال اشتري قماش البدلة قلت له عشان أيه فقال هو مالك ما قلش لك وفهمني الحكاية.

حضرات المستشارين والضباط العظام.

أكروا أننا نحن الآن في شهر يوليو أي بعد سبعة أشهر كاملة من بدء التحقيق مع هذا المتهم وها أ،تم هؤلاء ترون أنه في كل مرة يزداد إصراره على إبعاد السيد فايز من الاشتراك معه في تدبير حادث مقتل النقراش بشا ولا يمكن أن يكون هناك تعليل أو تبرير لهذا الموقف من ناحيته، إلا أنه الحق فهل باستطاعتكم إذا وجدتموه قد تنكس على رأسه بعد ذلك وأقحم السيد فايز معه في تدبير الحادث باستطاعتكم أن تصدقوه؟

حاشاكم يا حضرات المستشارين والضباط العظام أن تفعلوا ذلك وإلا فأين تذهبون من ضماركم؟ أين تذبهون من عقولكم؟ أين تذهبون من ربكم الذي نصبكم خلفاء له في الأرض وطالبكم الا تحكموا على الناس إلا ببينة فهل يمكن أن يكون هذا الكاذب المعتوه بينه أو شبه بينة؟

ولنصل الآن إلى أخر طبعات عبد المجيد أمام النيابة وبعد إحالة القضية إلى المحكمة وهي التي تؤلف الطبعة الأولى في دوسيه المحكمة؟

لقد أعفانا عبد المجيد من تقص البواعث التي أدت إلى إصدار طبعته الجديدة المنقحة ولو لم يفصح عنها عبد المجيد لما وجدنا أي عناء في اكتشافها فهي بديهيةي من البديهيات ومع ذلك فقد ذكرها عبد المجيد في صراحة نشكره عليها.

فقد فزع عبد المجيد عندما وصله قرار الاتهام ولقد وقفنا من قبله هذا الموقف وكنا أصلب عودا ولم نكن متهمين بجرائم تهددنا في حياتها بل كانت كلها تهما سياسية يشرف الإنسان بأن يوصف بها وكنا نعرف مقدما نوع التهمة والمواد التي تطلب النيابة تطبيقها ومع ذلك فعندما كانت تأتي هذه اللحظة التي نتسلم فيها قرار الاتهام كانت تخفق قلوبنا وتشحب وجوهنا فإن قرار الاتهام معناه المرحلة الأخيرة قبل المحاكمة والمحاكمة تعني الحكم.

كان هذا هو حالي فما بالكم بحال عبد المجيد وهو يعرف أن المحاكمة معناها الحكم وأن الحكم معناه النهاية؟ عبد المجيد كان يتصور أنه سيموت في يون (28) ديسمبر في مكان الحادث عاش حتى(20 يوليو سنة 1949) وذلك كله بفضل تشعب التحقيق وفي واقعة صغيرة وهي الخاصة مقتل النقراشي باشا

فلماذا يضع حدا لحياته بالاقتصار على هذه الواقعة بعد أن رأى النيابة تسلخها من واقعة الاتفاق الجنائي الكبرى رغبة منها في التعجيل في محاكمته وفي ذات الوقت كان ضباط القسم السياسي يعملون والذين أصب يهمهم الحصول على أدلة في القضية الآخرى الأوسع نطاقا وهي قضية الاتفاق الجنائي ولا جدال في أن عبد المجيد بعد ما عاد من التحقيق الذي عرضت عليه فيه أقوال عبد الرحمن عثمان الخاصة بمحمود كامل لا جدال في أنه قد تداول مع أصدقائه وأصحابه رجال القسم السياسي عن هذه الواقعة الجديدة وعما قاله عبد الرحمن ولابد أنهم قالوا له على الذي قاله عبد الرحم عثمان وأ،ه ذكر تاريخ انضمامه إلى الإخوان ثم راح يسرد الحواث يوما بعد يوم وساعة بعد أخرى..

ولابد أن عبد المجيد دهش في ذلك الوقت من أن يكون لهذه الأقوال أي قيمة أو خطورة فعبد المجيد يدرك أنه يجب ألا يقال أمام التحقيق إلا وقائع عادية معينة لا مجرد سرد حوادث تاريخية حدثت على مر العصور والأيام. فلما جاءه قرار الاتهام وانخلع قلبه وراحت غريزة البقاء تعمل في نفسه عملها قرر أن يوقف المحاكمة بأي ثمن من الأثمان فانتهز فرصة استدعائه مرة أخرى لمناقشته في بعض الوقائع التكميلية وإذا به يفاجئنا بالعودة إلى الوراء أربع سنوات تقريبا أي إلى سنة (1945) ثم يشرع في قص تاريخ حياته في السنوات الأربع عاما بعد عام وشهرا بعد شهر وأسبوعا بعد أسبوع.

وفوجئ المحقق بهذا الفيض من الأقوال وسأل عبد المجيد عن مدى هذه الأقوال فإذا به يقول إن لديه معلومات طويلة مفصلة وبالغرم من شدة حرص النيابة على تلقف أقوال عبد المجيد فقد كان حضرة عبد السلام بك قد زهد في أقوال عبد المجيد وعرف أكاذيبه وخدعه وأحاييله ولكن الواجب يقضي عليه أن يستمع لكلام عبد المجيد الجديد فلم يسمعه إلا أن يرجئ هذا التحقيق إلى اليوم التالي نظرا لشعوره بالتعب.

والحقيقة التي لا شك فيها أن مثل عبد السلام بك لا يتعب من تحقيق إذا كان يعرف أنه سيكشف عن حقيقة ولو اقتضى الأمر أن يعمل عبد السلام عدة ليال بدون انقاطع ولكن عبد السلام بك أدرك اللعبة الجديدة التي يلعبها عبد المجيد وأنه ييد أن يفتح التحقيق مرة أخرى على مصراعيه ولذلك فقد دب إلى نفسه السأم ولا أقول التعب فأرجأ التحقيق إلى اليوم التالي ليكون أكثر نشاطا واستعدادا للصبر وتحمل رذائل عبد المجيد وأكاذيبه.

وفي اليوم التالي استدعى عبد المجيد وشرع في علم هذا المؤلف الخالد الذكر ولم تفه ثماني ساعات لإكماله فانتهى التحقيق في هذا اليوم الثاني وجئ بعبد المجيد في ويوم ثالث ليتابع إملاء مؤلفه وكان عبد المجيد قد اقترب من حادث حل جمعية الإخوان ومصرع النقراشى فهل يقول عبد المجيد في هذا الحادث كما ظل سبعة أشهر يردده إنه أذكى من ذلك وأحصف فلو أنه وقف عند هذا المقدارر لما نفعته أقواله الجديدة هذه وربما نظرت قضية النقاشي باشا فلا بد أن يجر معه في هذه القضية أكبر عدد ممكن من الأشخاص ليعيد ربط القضيتين أحداهما بالأخرى.

وليجعل التحقيق فيهما متشابكا وقد رأى النيابة والبوليس متلهفين للزج بالسيد فايز في حادث مقتل النقراشي باشا فما من مرة من المرات إلا وواجهه المحقق باسم السيد فايز ودوره في حادث النقراشي فكان ينفيه عنه فلماذا لا يزج بسم السيد فايز في تدبير حادث النقراشي باشا ما دام مجرد رئاسته للجمعية لم تكن لإدانته معه في هذا الحادث؟

ولما لا يتنفع بهذه الأقوال التي قالها عبد الرحمن عثمان من أن محمود كامل كان في وزارة الداخلية بملابس عسكرية ومعه قنبلة فيخلق من هذه الواقعة قصة.

ولكن عبد المجيد كما قلت لكم مخرج سينمائي جبار، فلو أنه وقف عند هذا الحد حد إشراك محمود كامل لقيل له على الفور إنها قديمة وإنه يكرر كالببغاء ما سمعه في التحقيق إذن لابد أن تكون للواقعة حواش وذيول ولابد أن يدخل على المسرح شخصيات جديدة مثيرة وراح يقلب في ذاكرته ذات اليمين واليسار عن صخية يؤدي ظهروها على المسرح أكبر درجة من الإثارة لجمهور النظارة فإذا بشخصية شفيق أنس تبرز أمامه فيفرك عبد المجيد يديه سرورا وابتهاجا لأنه ما كان يمكن أن يعثر على شخصية يثير اختيارها الدنيا ويقعدها كهذه الشخصية فقرر أن يون شفق أنس هو النجم الجديد الذي يقدمه في مسرحيته.

وهنا لا أستطيع إلا أ أقف طويلا لأعاتب عبد المجيد وأن أنعى عليه قسوته.لك الله يا عبد المجيد لقد فهمنا أن تقتل النقراشي باشا وأن تبرر ذلك بمبررات هي من تلبيس إبليس وفهمنا أن تكذب دفاعا عن نفسك بل وفهمنا أن تزج بالإبرياء ليأخذوا نصيبهم من المسئولية معك كما تقول.

ولكن الشيء الذي لا أستطيع له تفسيرا هو زجك بشفيق أنس بعد أن حكم عليه بأشد عقزبو في القانون وأصبح الآن في مكان التفكير عن الذنوب ماذا تريد منه يا عبد المجيد إنك لا تستطيع أن تتشدق بأنك جئت به لوجه الحق فإا صح زعمك فلقد سكت هذا الحق سبعة أشهر كاملة فأت رجل إذن لا تستطيع أن تزعم أنك غيرو على الحق ولقد عللت سكوتك في بادئ الأمر عن ذكر بعض الأشخاص بأنك كنت تعرف أنهم جني عليهم مثلك وأنه قد غرر بهم فهل اتضح لك بعد ذلك أن شفيق أنس لم يكن ممن غرر بهم كما غرر بك

فلماذا لم ترحمه يا عبد المجيد وقلت عندما زججت ببعض الأشخاص في التهمة تعليلا لذلك أنك خشيت على المجتمع من وجود هؤلاء الأشخاص أحرار لئلا يكرروا فعلتهم ويجنوا على المجتمع وعلى هذا الأساس اقحمت محمد مالك وأحمد فؤاد ثم جئت بالسيد سابق فماذا عساك قائل في شفيق أنس وهل هو حر طليقا خشيت منه على المجتمعي بعد أن أصبح رهن القيود ولحبوس وجئت في أقوالك الأخيرة بزعماء الجمعية من أمثال صلاح عبد المعطي والسيد فايز ليأخذوا نصيبهم معك أوليست الأشغال الشاقة المؤبدة عقوة كافية تريد أن توقعها بشفيق أنس.

فأنم ترون يا حضرات المستشاين والضباط العظام أنه لا يوجد أي مبرر يستدعي الزج بشفيق أنس في هذه الواقعة إلا رغبة عبد المجيد في أن يذكر وقائع مثيرة يكون من شأنها فتح باب التحقيق مرة أخرى على مصرعيه فتجاوز في سيبل هذه الغاية كل مظاهر القسوة فجاء بمتهم في السلاسل والقيود ليحام عن واقعة مكذوبة لا يمكن لإسان عاقل أن يقف أمامها بعض لحظات.

أدلى عبد المجيد بأقواله الجديدة وهي أقوال ساقطة لا قيمة لها ولا وزن يسقطها مجرد صدورها من متهم يتوقع الحكم عليه بالإعدام في أي لحظة ويعمل جاهدا لتخليص نفسه من هذا الخطر الداهم باي ثمن من الأثمان. ويسقطها أن عبد المجيد نفسه يكذبها فقد ذكر الوقائع الواردة فيها من قبل وكررها بصورة واحدة وثبت على رواية معينة طوال بعضة شهور وهي تخالف كل المخالفة هذه الأقوال الجديدة.

وكان يمكن ألا تكون لأقوال عبد المجيد أية قيمة تذكر وألا نكلف أنفسنا عناء البحث فيها واستعراضها وإظهار تفاصل كذبها كلمة كلمة ولولا أنه ظهر أن عبد المجيد كان يستعمل حق الإيجار من الباطن فكانت له صلة بشاب اسمه جلال الدين يس ويظهر أن عبد المجيد يعرف بفراسته من أمر جلال هذا ما اتضح أمام حضراتكم من أنه شخص ضعيف سيهل التأثير عليه فقرر أن يتخذ من جلال تكأة جديدة يتكىء عليها لتدعيم أكاذيبه الجدية، ولست أشك لحظة واحدة في أنه اتفق مع أصدقائه من ضباط القسم السياسي على هذه الطبخة الجديدة وأنه قبل أن يذكر اسم جلال أمام النيابة كان قد ذكره لأصدقائه ومعاونيه أو رؤسائه كما تشاءون أنهم اتفقوا على استخدام جلال هذا في نصب شبكتهم الجديدة.

وبرز اسم جلال فجأ يا حضرات المستشاين والضباط العظام بدون مقدمات وبدون تمهيد سابق وإذا بهذا الجلال الذي لم يرد ذكره على أي لسان في هذه القضية التي بلغت صفحاتها بضعة ألوف وسئل فيها مئات الأشخاص. إذا بجلال هذا يتضح أنه شخص طويلة عريضة لعبت دورا خطرا في مأساة متقل النقراشي بحيث كان يمكن أن يذكر الحقيقة لكاملو وكان يخفي بعض إخوانه وأصدقائه ولكنك يا سيد عبد المجيد ذكرت أسماء الكثيرين باعتبارهم أعضاء في الإخوان وأعضا في خلايا ثم كنت أمينا ونزيها فلم تنسب إليهم واقعة اشتراكهم في مقتل النقراشي فما الذي منعك من أن تذكر اسم جلال في اي معرض من المعارض ألم تكن رأيته مرة أبدا ولو في اجتماع من بتوع يوم الثلاثاء؟

أدا ولو في تمرين من التمرينات العسكرية ذات اليمين وذات اليسا؟ أبدا سبعة أشهر كاملة يا حضرات المستشارين والضباط العظام لم تنطق شفتا عبد المجيد باسم جلال بك لم يهتف به ولو همسا كل الأسماء التي ترونها في هذا القفص قد ذكرت في هذه القضية وأشار إلها عبد المجيد في مناسبة أو أخرى إلا جلال هذا وقد تحدث عبد الرحمن عثمان ما شاء الله له أن يتحدث وذكر بدوره أسماء وخلايا ومجاميع ورحلات ذات اليمين وذات اليسار ولكن اسم جلال هذا لم يرد على لسانه واعترف متهمون آخرون ذات اليمين وذات اليسار ولكن اسم جلال لم يرد على أي لسان ومع ذلك فقد برز لن جلال وظهر أن كان يوشط أن يلعب دورا خطيرا جبارا في هذه القضية ومرة أخرى لا أستطيع إلا أن أٌول يا سلام إلى هذه الدرجة.

فما تفسير ذلك يا حضرات المستشارين والضباط العظام؟

ما تفسير أن يكون لجلال هذا الدور الخطير؟ ثم لا يعرف من أمره شيء ولا ينكشف من أمره شيء ولا يشير إليه عبد المجيد إلا بعد سبعة أشهر كاملة عندما يبحث له عن سند واه ليدعم به أقواله الجديدة الساقطة والأعجب من ذلك كله أن يأتي هذا الجلال الذي كان محجبوا في عالم الغيب فإذا به دون الناس أجمعين يوافق عبد المجيد في سخافته وترهاته هاهم أربعة عشر متهما أمامكم بخلاف جلال يس أروني متهما واحدا من بين هؤلاء الأربعة عشر قد صدق عبد المجيد بكلمة واحدة إلا جلال يس وجلال يس وجلال يس آخر المتهمين طرا في هذه القضية والذي لم يرد ذكره على لسان عبد المجيد في آخر شهر يوليو.

ما تفسير ذلك يا حضرات المستشارين والضباط العظام؟ أدركت النيابة الشذوذ في موقف جلال لقد أدركت أنه نغمة نشاز في جو هذه القضية لا تتفق مع مختلف النغمات فيها ولذلك فقد أسرعت لتقدم لكم تفسيرا لتريح ضمائركم ولتبرر الموقف العجيب فراح عبد السلام بك يشير إلى ضعف أعصاب جلال يس ولقد ضغط عبد السلام بك على هذه الناحية ضغطا أرابني لأن هذا الضغط من شأنه أن يهدد قيمة أقوال جمال يس فعندما تتحدث النيابة عن ضعف أعصاب متهم وأنه سريع الانهيار فإنك بذلك تفتح الباب على مصرعيه للدافع ليهدم أقوال جلال يس على نفس هذا الأساس.

ومع ذلك أبى عبد السلام بك الألمعي إلا أن يشير إلى هذه الناحية في أخلاق جلال وأن يضغط عليها حتى لقد راجعته في هذا الموضوع بيني وبينه وقلت له ما بالك يا عبد السلام بك تشير إلى هذه الناحية ولا تفتأ تكررها مع أنها ضد الاتهام فأجابني على الفور وهل هذه حقيقة أستطيع أن أنكرها إن كل شيء يهتف في التحقق بضعف أعصاب جلال يس فلم أتمالك نفسي أن أهنئ عبد السلام بك على هذا الموقف المستقيم ورحت أشيد بالنيابة التي لا تبغي سوى ظهور الحق.

ولكني لم أكد أفكر قليلا في الموضوع حتى أدركت أنني لا أزال سليم النية إلى جوار براعة النيابة وأن هذا الموقف الذي يبدو لي مستقيما وهادما للاتهام هو السبيل الوحيد لتعزيز هذا الاتهام فهو يعلم أ شخصية جلال هذه مريبة وأن ميلادها في هذه القضية ميلاد مريب وأن أقوالها بالتالي أشد إرابه وإثارة لشك فاسرع بهذا التعليل ليدعم به هذه الشخصية المريبة فكانت قصة ضعف الأعصاب التي إ أضعفت قيمة الدلل من ناحية فهي السبيل الوحيد لقيام هذا الدليل من ناحية أخرى.

ولأحاول الآن أن أغوص قليلا في أعماق هذه الشخصية التي برزت لنا فجأة أن نبدد هذه الظلمات التي تحيطها وتكتنفها.

وأول استنتاج لا نستطيع الفكاك منه هو أنه لابد أن تكون هناك صلة خاصة بين عبد المجيد وجلال ولابد أن يكون بينهما صداقة وثيقة تفوق أي علاقة تربط عبد المجيد وجلال ولابد أن يكون بينهما صداقة وثيقة تفوق أي علاقة تربط عبد المجيد بأي شخص آخر من الإخوان بدليل أنه الاسم الوحيد الذي حرص على إخفاءه سبعة أشهر كاملة في الوقت الذي لم يدع فيه اسم لم ذكره مما يجعلني أتصور أن جلال هذا إذا كان قد اشترك أو حاول أن يشترك في مصرع النقراش باشا فلا بدأن يكون ذلك قد تم من بطن عبد المجيد وبتحريضه وتحت تأثيره لقد أدان عبد المجيد كل الناس إلا شخصا واحدا حرص كل الحرص على أن يخفي اسمه سبعة أشهر كاملة.

فلما ذكره في نهاية الأمر بعد أن انهات لديه كل القيم والمقايس ظل حريصا على أن يجتنب مواطن الردى ولقد سمعتموه في هذه الجلسة ثلاثة أيام متوالية لم يذكر فيها اسم جلال إلا في المرحلة الأخيرة ثم لا يكاد يلفظ اسمه حتى بشفعه بما يخفف به عبء المسئولية عن جلال من أنه لم يكن موافقا وأن كان معترضا وأنه كان يشكو مغصا ويتألم وأنه لم يتحرك من مكانه في القهوة ولم يدخل معه في أي مرة من المرات إلى وزارة الداخلية وأنه قال له أن والده مريض وإنه يريد أن يذهب لرؤيته.

وبالجملة كل ما ساقه جلال دفاعا عن نفسه نراه على لسان عبد المجيد هذا العطف من ناحية عبد المجيد على جلال نراه دفاعا عن نفسه نراه على لسان عبد المجيد وهذا العطف من ناحيةي عبد المجيد على جلال نراه متبادلا من ناحية جلال ففي أقوال جلال التي يرويها عن نفسه أنه كان مستخسرا جدا عبد المجيد ومتألما علشانه وأنه حيروح فطيس في موضوع النقراشي هذا.

بل أن جلال يس قد أعترف عندما كانت المحكة تسمع أقواله في غرفة المداولة بمناسبة الاعتارض الذي أبدى أمامها اعتراف جلال صراحة بأنه تحدث إلى عبد المجيد وأن عبد المجيد اشتكى له من سوء موقفه وأن كل همه أن ينجو من حبل المشنقة وعنى هذا أن جلال قد تطوع من باب الشفقة على عبد المجيد لكي يخلصه من هذا الكرب بأن يذكر هذه الأقوال التي ذكرها.

أريد أن استخلص من كل ذلك حقيقة واحدة ولا زيادة عليها لا تتحمل شكا وهي أن هناك علاقة خاصة وصلة خاصة تربط عبد المجيد بجلال وتقرب بينهما إلى الحد الذي لا مثيل له في أي علاقة أخرى بين عبد المجيد وشخص آخر ولابد أن يكون لعبد المجيد سلطان قوي على جلال وأنه يثق به ثقة مطلقة لابد أن عبد المجيد يعرف أن جلال هذا عجينة في يده يستطيع أن يصوره كما يشاء وقد صدق عبد المجيد في فراسته فهو لم يكد يخلو إلى جلال يس حتى جاء جلال ليقول مثل ما قال عبد المجيد أو هكذا يظن جلال ويظن عبد المجيد وتظن النيابة معهما ولكنكم سترون أن أقوال الآخري وإننا أن نتسائل هل تأثير عبد المجيد وحده هو الدافع لجلال سوق هذه الأقوال التي زج بنفسه بمقتضاها في هذه التهمة الخطيرة.

لو أننا قلنا ذلك لتجنينا على الحقيقة فقد كان هناك تأثير أخر أشد رهبة من تأثر عبد المجيد كان هناك تأثير يعتر العامل الحقيق الذي جعل قوي جلال يس تخور فيطيع عبد المجيد في كل ما يطلب منه ويردد الأقوا التي يلقنها له أما هذا العمل الآخر فهو التعذي والإيذا الذي كان في هذا الوقت في أوجه وذروته.

حضرات المستشارين والضباط العظام:

لقد أفسسحت هذه المحكمة صدرها لسماع كل ما قاله بعض المتهمين عن موضوع تعذيبهم بل وزادت على ذلك أن وجه لضباطي البوليس السياسي بعض أسئلة في هذا الموضوع وايد أن أبادر فأشكر المحكة على اهتمامها بهذه الناحية وقد حان الوقت أن أصل إلى نقطة خطيرة في دفاعي لا يظمئن ضميري إلى عناصر الدفاع فيها قد استكملت إلا إذا أجليها وتفضلت المحكة فأجبتني إلى ما أريد سماعه من الشهود.

إن المحكمة في هذه القضية قد يكون لها العذر إذا هي لم تول موضو لتعذي كل أهميته نظرالأنه ليس في المتهمين المقدمين إليها من اعتراف على جريمة سوى عبد المجيد ونحن متفقون على أن عبد لمجيد لم يعذب ولم يقل ما قال تحت ضغط العذيب ولكنه قال ما قال تحت تأثير الإغراء بالنجاة وتحت تأثير الحياة الطية التي يحاط بها في سجن الأجانب ذلك أمر نتفق عليه ونتفق أيضا على أن المتهمين الذين قبض عليهم في المرحلة الأولى من التحقق في هذه القضية قد عوملوا معالمة لم يدخل فيها العذيب.

ولكن الذي لا شك فيه يا حضرات المستشارين والضباط العظام والذي سأجعلكم تلسمونه باليد لتثبتوه في حكمكم هو أن المتهميني الذين قبض عليهم في المرحلة الأخيرة قد عذبوا ونكل بهم فمالك قد عذب عذابا يحمر منه وجه الفضيلة والمدنية والحضارة البشرية الحديثة ولا جدال عندي أن جلال يس غذا كانت أعصابه قد انهارت كما تقول النيابة فهي لم تنهر أمام الحقائق الدامغة ولكنا قد انهارت تحت تأثير الرغب مما سيحل به إذا خرج من جلسة التحقق دون بأن يقول ما طلب منه أن يقول.

إنني أقررر لحضراتكم وأن مطمئن الضمير أن تعذيبا من أرهب ما عرفت هذه البلاد قد وقع بالفعل بمجرد وقوع حادث الشروع في قتل حامد بك جودة على ظن أنه إبراهيم باشا عبد الهادي منذ ذلك الحادث داس السئولون على كل أحكام القاون نهائيا وطالبوا البوليس أن يحصل على اعترافات من كل من يشتبه في أمره بأي ثمن من الأثمان.

فالمتهمون الذين حقق معهم قبل هذا الحادث كما هو الشأن في الجمهة العظمى هؤلاء المتهمين قد سار معهم التحقيق سيرته القانونية المعتادة أما الذين قدر لهم أن يقبض عليهم بعد هذا الحادث فؤلاء قد عوملوا بهمجية ووحشية لا يمكن أن نقف أمامها طويلا وأن نحققها وأن نندد بها وبمرتكبيها وإلا اشتركنا جيمعا في الاثم ولطخنا سمعة بلادنا وقتلنا الحضارة في وطننا.

لقد اعترف جلال يس بما اعترف به في ظل ها الجو وما دامت هذه الأقوال قائمة كدليل من أدلة الاتهام فلا فكاك لكم يا حضرات المستشارين والضباط العظام من أن تحققوا موضوع التعذيب إذا شئتم أن تتبنوا حقيقة هذا الدليل.

ولقد عذب محمد مالمك وليس هناك دليل تؤسس عليه براءته أكثر من أن يحتمل هذا التعذي فلا يقول عن نفسه شيئا يدينه فليس هناك إلا البرئ من يقول على احتمال التعذيب.

ولقد استدعيتم حضراتكم عبد الفتاح ثروت لتسألوه عما قاله في التحقق مما له علاقة بإثبات التهمة على هؤلاء المتهمين فلم تكادوا توجهو إليه السؤال ماذا وقع عليه من التعذي حتى انطلق يحدثكم عما وقع لقد رأكم قدميه وساقيهوكانت أثار التعذي بها واضحة حتى أن كاتب الجلسة قد أثبت هذه الآثار بناء على طلبكم.

ولقد حدثنا حديثا تتفتت منه الأكباد سجلته محاضرة هذه المحاكمة ومن قبله محمد نايل ذرك لكم في جلسة سرية وفي الجلسة العلنية ما هدد به من الاعتداء على عرضه ولقد أصدرت المحكمة قرارا حكيما في هذا الموضوع فقررت إحالة هذه الوقائع على النيابة لتحقيقها ولكن هذه الإحالة لا يقصد من ورائها إلا معرفة شخصية الجاني الذي ارتكب هذه الجريمة أما هنا في هدة القضية فنحن لا نريد أن نصل إلى معرفة هذه الشخصية ولكن واجبنا يحتم علينا أن نقرر هل هناك تعذيب أم لم يكن لأنه يتوقف على هذه الحقيقة بتقدير الدليل المنتزع من أقوال هؤلاء الذين عذبوا وأكرهوا على قول ما قالوا.

وصلت إلى قصة التعذيب يا حضرات المستشارين والضباط العظام أثناء وجودي في مدينة لندن وقد اجتمعت بأحد كبار الموظفين المسئولي الذي وفدوا من مصر ولست في حل من ذكر اسم الموظفين أو وظيفته لأنه قال ما قاله لي بصفة شخصية ولم يتوقع أن يكون كلامه لي محل استشهاد به في هذه القضية.

قال لي هذا الموظف الكبير وهو يحدثنا عن سير الأمور في قضايا الإخوان المسلمون إنهم قسوا على المتهم الأول في حادث الشروع في مقتل رئيس الوزراء وهو مصطفى كمال عبد المجيدفصاح بإبراهيم باشا عبد الهادي الذي كان يشهد مظاهر القسوة في عرضك يا بش ارحمني فقال له الباشا إذا كنت تتكلم فإنني عل استعداد أن أرفع عنك هذا العذاب أما إذا لم تتكلم فسوف أترك الحجرة وأدعهم يفعلون بك ما شاءوا فوعد أن يتكلم ثم شرع يتكلم وقال ما طلب منه أن يقوله وهكذا سمعت الحديث في لندن عما يجي في مصر فأقشعر بدني يا حضرات المستشارين والضباط العظام أن نكون قد انحدرنا إلى هذه الهاوية وأن نكون نظم محاكم التفتيش قد بعثت في بلادنا.

وعندما عدت إلى مصر أعلنت احتجاجي على هذه الأوضاع فاعتزلت الحياة العامة وقبعت في الريف فلما تغير العهد حضرت إلى القاهرة وجعلت أول همي أحقق موضوع التعذيب هذا بل إن اشتراكيفي هذه اقضية المطروحة أمام حضراتكم لم يدفعني إليه إلا شيد حرصي على أن أصل إلى الحقيقة في هذا الموضوع الذي اعتبره موضوع الموضوعات.

قابلت كبيرا مسئولا في النيابة ممن لعبوا دورا كبيرا في هذه الحقبة الماضية وقلت له إنني أريد أن أسألك سؤالا يؤق مضجعي ويجعل الحاية ضيقة في وجهي هل صحيح أنه حدث تعذيب للمتهمين في قضايا الإخوان والمشتبه فهيم فأجابني صديق جوابا مستقيا لا عوج فيه ولا تحايل هل هناك شك يا صديقي في أن الفترة من ديسمبر سنة 1948 إلى يوليو سنة 1949 كانت فترة استثنائية في كل شيء لقد كنا نخرج من بيوتنا لا نعرف هل سنعود إليها أم لا وكنا على مكاتبنا هنا ولا نعرف في أي لحظة ستفجر القنابل تحت أرجلنا لتنسفنا نسفا.

كان هذا جواب صديقي المسئول في النيابة وقد حمدت له الصراحة والاستقامة بالإقرار أن العهد كله كان عهدا استثنائيا ورغبة مني أني أكون أمينا فقد نقلت لحضراتكم ما ذكره تبريرا لهذا الاستثناء.

على هذا الأساس استقر في خاطري أن التعذيب كان حققة وعلى هذا الأساس رأيت أن أتطوع في الدفاع عن المتهمين في هذه القضايا فلقد عشت طول عمري أحارب الطغيان ولقد حاربت بعض المتهمين عندما حاولوا أن يطغوا على المجتمع وقد بقى علينا الآن أن نقف إلى جوارهم عندما تحاول الدولة أن تطغى عليهم.

ولقد ثبت حصول التعذيب في هذه القضة ثبوتا لا يدع معه مجالا للشك م أقوال الشهود وثبت من اعتراف جلال يس وإليكم الآن هذه القرائن التي إذا اجتمع وصلت إلى مرتبة الدليل الذي لا ينقض.

أما القرينة الأولى على حصول التعذيب في مرحلة متأخرة فهي أن شكوي حدوثه لم تصدر من هؤلاء المتهمين الذين قبض عليهم في بادئ الأمر وإنما صدر من محمد مالك التي تنم أوراق التحقيق على حدوثه وحسبنا أن نشير إلى أن النائب العام قد أثبت في محضر أن مالك كان يلبس عند التحقيق جلبابا عاديا أبيض من الجلابيب التي تلبس عادة في المنزل ورأسه عار وحافي القدمين ولست أعرف ما التعذي في ابشع صوره وأشكاله إلا هذه الصورة أن يطلب من إنسن على أي صورة من الصورة أن يسير في قميص النو حافي القدمين.

وقد رأيت المحكة بعين رأسها آثار في ساقي مالك تدل على حدوث التعذيب وقررت أحالته إلى الطبيب الشرعي لإثبات هذه الآثار ولقد سمعت تفاصيل مما وقع على مالك من التعذيب ولا يمكن أن تقرروا أنه كاذب لأن واقع الحال يصدقه انظروا إليه بعد أن فرغ النائب العام من التحقق معه يدخل عليه ثانية في لهفة ويتوسل إلى المحقق اعمل معروف المحضر تاني وقول: إنني أعرف أحمد فؤاد.

ما هذا يا حضرات المستارين والضباط العظام وعلى أي وجه تفسرونه متهم يسأل عن وقائ فينكرها ويقفل التحقيق ويخرج المتهم من الحجرة ثم يندفعي هذا المتهم ثانية إلى المحقق ويتوسل إليه أن يستأنف التحقيق ومعه، ليقرر واقعة كان قد أنكرها في التحقيق الأول.

إن لكم عقولا يا حضرات المستشارين وأن لكم ضمائر وهي التي ستهديكم لتفسير ها الموقف وأ،ه ولا يمكن وأنه لا يمكن إلا أن يكون قد قوبل في الخارج أسوأ مقابلة وهدد بأنه سيتكرر له ما وقع عليه بالأمس فعاد يذكر بعض الوقائع ليخف العذاب عنه.

هل تريدون قرينة تدلكم على نطاق واسع خذوا هذه القينة من معلوماتكم في هذه القضية ومن الدليل الذي ترى النيابة أن توجهه إلى هؤلاء المتهيمن وهو الدليل على كونهم في الجمعية السرية والتي تأمرهم أن يلوذوا بالإنكار على طول الخط فإذا صح هذا فبأي تعليل تعلل النيابة أن المتهمين في قضية الشروع في مقتل حامد بك جودة قد اعترفوا على طول الخط.

وأن المهمين الذين كانوا لا يتكلمون تحولوا فجأة إلى مسرفين في الكلام يتهمون أنفسهم ويتهمون الآخرين ومن عجيب أن هؤلاء المتهمين جيمع كانوا يأتون أمام المحقق جرحى مهشمين من آثار التعذيب فإذا سألهم المحقق عن سبب هذه الإصابات أجابوه جميعا بدون استثناء أن الجمهور قد اعتدى عليهم عند القبض عليهم فضربهم هذا الضر المبرح الذي نشأت عنه هذه الإصابات وهو رد مصطنع وضع البوليس على ألسنتهم وهددهم بتكرار ما حدث لهم إذا لم يقولوا ذلك بقى أن استخرج لكم هل يعلم إذا كان قد حصل تعذيب لأحد المتهمين؟

الأميرالاي إبراهيم إمام حضرات المستشارين رجل اشتغل بالقسم السايسي ومع ذلك فقد حمد الناس له سيرته واستقامته ولذلك فقد كان في حرج من هذا السؤال فهو لا يرد أن ينفي لأن ذلك يخالف ضميره وهو لا رد أن يثبت لأنه يعرضه للمسئولية في علمه ولذلك فقد رد ردا ما زال يرن في أذني حتى هذه الساعة لأنه كان يحمل ما اعتلج في صدور الأميرالاي إبراهيم إمام من تردد بين الواجب نحو ضميره ونحو الحق والخوف من المسؤولية فجاء الرد عنوانا على ذلك

قال الأميرالاي إبراهيم إمام لم يقع منه شخصيا أي تعذيب هذا هو ضمير الأمرالاي إبراهيم إمام يتكملم لم يقع منه شخضيا أي تعذيب وهذه حقيقة مقررة فلم يحدث أن ذكر أي متهم من هؤلاء المتهمين أو غيره اسم الأميرالاي إبراهيم إمام في معرض الضرب أو التعذي فجاء يؤكد لحضراتكم هذه الواقعة التي تحمل اتهام الآخرين بمفهوم المخالفة لو وقف الأميرالاي إبراهيم عند هذا الحد ولذلك فقد أسرع يقول بصوت أكثر خفوتا:ولم أعلم بحصول تعذيب.

حضرا ت المستشارين والضباط العظام.

إن لكم عقولا تهديكم سواء السبيل فقدروا هذه الإجابة من الأميرالاي إبراهيم إمام حق قدرها وزنوها تخرجوا منها بأ الرجل لم ينف وقوع التعذيب ولم ينكره وإنما نفي نفسه أن يكون قد اشترك أو يكون قد وصل إلى عمله ولم يقل لكم إنه لم يحدث ولم يحصل.

وتدل أقوال الصاغين توفي السعيد ومحمد الجزار على حدوث التعذيب فقد سألتم الصاغ توفيق السعيد إذا كان قد وقع على المتهمين تعذيب فأجابكم بالنفي فقلتم له ولكن وجدت آثار في أقدامهم وأجسادهم فإذا به يجيبكم بأن هؤلاء الإخوان أمرهم غريب جدا فهم يضربون وبعضهم بعضا ويوقعون لى بعض وليس هناك ما يمنع أن تكون هذه الأثار نتيجة هذه العقوبات والطبائع الغريبة للإخوان

وهذا تعليل غريب يلفت النظر لم تستسغه المحكمة فيحينه ومع ذلك فلو وقف الأمر عند هذا استحضرتم الصاغ محد الجزار وسألتموه في ذات الموضوع

س: هل عذبتم أحدا من المتهمين في هذه القضية؟

ج: لا أبدا.

س: وجدت ببعض المتهمين آثار قد تكون نتيجة لهذا العنف.

ج: لم يحصل.

س: هل حصل منكم تعذيب لبعض المتهمين في الضية الأخرى قضية سيارة الجيب؟

ج: لا وإنما فيه حكاية نحن نعلم أن الإرهابيين دول كانوا يوقعون بعض عقوبات على بعضهم إذا حصل مخالفات منهم.

وقع الشاطر يا حضرات المستشارين فهو يكرر نفس التعليل الشاذ الذي ساقه زميله من قبل ويسوقه دون أن يطلب منه فدل على أن هذا دفاع محضر اتفق عليه الرجلان وعندما يحضر الدفاع عنما تضطرب الأقوال فهذا هو الدليل دائما على الشعور والألم والحرج إن لكم عقولا وضمائر يا حضرات المستشاين تشهدون بها ولست أشك لحظة أنها تنطق لكم الآن بوقوع التعذيب الذي تعددت القرآئن والأدلة على قيامه.

بقيت واقعة أجمع عليها كل الذين تحدثوا عن التعذيب وأشار إليه فها الموظف الكبير الذي حدثني في لندن عن وقوع التعذيب قد ذكر لي أن إبراهيم باشا عبد الهادي كان حاضرا في هذه الجلسة ولقد سمعتم محمد مالك أن رئيس التعذيب قد سأل عن شعوره فأجابه بأنه يستمتع بالمباراة

فرد عليه رئيس الوزراء السابق: وهل ما زلت تستمتع بهذه المباراة؟

وقد حدثكم عبد الفتاح ثروت أن ما وقع له كان في حضرة الرئيس السابق الذي كان يشهد ذلك كله ويؤيده. فإذا كنتم في شك من هذه الواقعة فإني أقدم لكم صحيفة تدلكم على وجود رئيس الحكومة في المحافظة لاستقبال مالك عند حضوره.

ولقد قيل هذا الكلام في هذه القاعة وتناقلته الألسن فلم يبق مناص من أن تستدعوا رئيس الحكومة السابق لتسألوه عن هه الواقعة إذا كنتم في شك من أمرها إن الدفاع عن السيد فايز وبقية المتهمين إلى الخامس عشر يقرر ويسجل أن القرائن والأدلة قد توافرت في هذه الدعوى على أن تعذيبا محققا قد وقع على المتهمين وأن هذا التعذيب قد تم بعلم رئيس الوزراء السابق وفي حضوره ويطلب الدفاع استداعاء رئيس الحكومة السابق ليشهد على حدوث هذا التعذيب أو لينفيه، وأحسب أنه بات من مصلحة إبراهيم باشا عبد الهادي نفسه أن تتاح له الفرصة لكي يقول رأيه في هذا الموضوع يقوله المتهمون وقامت القرائن على صحته.

حضرات المستشاين والضباط العظام: سواء استدعيتم رئيس الحكومة السابقة أم لم تستدعوه فواقعة التعذيب قائمة في حديثي فلم اشأ أن أعدد أمام حضراتكم ولقد اقتصدت صنوف هذا التعذيب لأنه باعتباري رجلا مسئولا لا أستطيع أن ألقي الكلام على عواهنه ولكن الذي يهمني من الموضوع لكي أصل إلى الجو الذ أدل فيه بأقواله أن أذكر لحضراتكم أن موضوع التعذي قد فاض وشاع حتم عم البلاد وكن أكثر ما يتفاقم حديث التعذيب وسط صفوف المعتقلين من الإخوان في الطور أو الهايكستب فيهم من ناحيتهم في عذاب وهم مقيم فقد انتزعوا من عائلاتهم وأسرهم وألقى بهم في مكان ناء عن بلادهم.

ولست أيد أن أخدش أمساعكم بوصف الآلام التي يتعرض لها المعتقلون في الطور لست أريد أن وذي حاسة العدل في نفوسكم بأن أصور لكم الصورة القائمة التي يعيشون فيها وحسبي أن أقول أنهم أقوام أصحاب عائلات أخذوا من عائلاتهم دون أن يفكر إنسان كيف تعيش هذه العائلات وكيف يطعمون ولكن أن تتصوروا حالة هؤلاء البؤساء الذين يعيشون في المنى يعالمون معاملة المجرمين وما م بمجرمين محرومون من الضمانات التي يقررها القانون العادل للمجرميني المحكوم عليهم محرومون من الأمل الذي يتمتع به المجرم العادي من معرفة وقت معين تنتهي فيه عقوبته ومحرومون من راحة النفس التي شعر أنها دافعت عن نفسها وأن دفاعها قد سمع ثم قضى عليها الحكم فهم في جحيم وأسألوني أنا الذي عشت في هذا الجحيم ثلاث سنوات ولكن أين اعتقالي من اعتقال إخواننا الذين يعيشون في الطور فقد كنت معززا مكرما على اية حال مطمئن الضمير إلى أن الذي اعتقلني هو عدو بلادي فاعتقالي هو الشرف الذي لا يفوقه شرف.

أما هؤلاء المساكين فحياتهم ليس فيها حتى مجرد هذا العزاء لم يكن للمعتقلين عمل إلا أن يتلقفوا أخبار التعذي التي تقع على إخوانهم الذين يتهمون في القضايا وكانت تصل إليهم مضخمة ومجوفة سمعوا عن مقتل شيخهم حسن البنا في قارعة الطريق وسمعوا عما أصاب أسرته مما لا محل لإثارته الآن فله مجاله ومكانه وسمعوا عن الإخوان الين يقتلون بالرصاص من حين لأخر في خلال القبض عليهم سمعوا عن الاعترفات التي تتوالى من أخوانهم وقيل لهم: إن هذه الاعترافات قد حصل عليهيا بنزع الأظافر وبالتهديد وبهتك الأعراض ولكم أن تتصوروا الفزع الذي كان يعيشون فيه من أن يحل بهم ما حل بإخوانهم.

ولقد حان الوقت لكي نصرخ من فوق هذا الحرم المقدس في وجه المسئولين فنطالبهم بوضع حد لهذا الجحيم الذي يعيش فيه أبناؤنا وإخواننا.

لن يكون هناك سلام في هذه البلاد ولمن يكون أمن ما بقيت هذه الإجراءات الشاذة قائمة لا دستور ولا ديمقراطية مع قيام المعتقلات وعلى البلاد أن تختار هلي تريد العودة إلى محاكم التفتيش وظلمات العصور الوسطى أم تريد أن تعد بين الدول المتمدنية والمتحضرة ولا مدنية ولا حضارة مع قيام المعتقلات والزج بالأبرياء فيها.

ثم أدعى إلى عقولكم وإلى ضمائركم أن تتصوروا موقف جلال الدين يس عندما استدعى من المعتقل لست أدري أهو الطور أم هايكستب أدع لكم يا حضرات المستشارين أن تتصوروا ما هو شعور شخص كجلال يس عندما يعلم أنه استدعى لأن عبد المجيد قد اعترف عليه وج باسمه في الاتهام وأنه إذا أنكر فسوف يلقى هذا وصل إلى سمعه مضخما من عذاب وآلا تقول لكم النيابة إن جلال يس شخص مريض بأعصابه وأقول لكم إنه مريض بأعصابه فعلا وقد بقي أن تتصوروا تأثير هذا الجو عليه لست أشك لحظة في أن جلال

قال لرجل البوليس السياسي بمجرد أن جاءوا به لا تحالوا أن تمسوني بسوء وإني على استعداد أن أقول ما تريدون ولابد أن رجال البوليس قد قالوا ماذا يريدونه أن يقوله: لقد اعترف عليك عبد المجيد وعبد المجيد صادق لا يكذب هكذا كانوا يقولون عنه عليك أ، تؤيده في أقواله خاصة أن أقواله لا تضرك في شيء فهو قد قال عنك أنك عدلت في نهاية الأمر والمطلوب منك أن تشهد على السيد فايز وعلى السيد سابق وعلى عاطف ولا عليك أن تخلص نفسك أنت من الموضوع.

وجاء جلال يس إلى المحقق والذي لم يكن إلا رئيس المحكمة ورأى في رحابه الأمن والسلام ولم يجد هذا الجو الخانق الذي كان يخشاه ويرتجف منه فقرر الحقيقة الغالبة على كل شيء وأنكر كل ما ووجه به على لسان عبد المجيد ثم تمت المواجهة بين عبد المجيد وبينه وجلال ماضي في إنكاره لأنه هو الحق ثم ذكر جلال هول ما هدد به إذا هو أصر على إنكاره فدار راسه بين عاملين يتجاذبانه هل يصر على الإنكار الذي هو عين الحق ويلقى ما يلقى من مصير أم يصدع بما أمر به ويصدق عبد المجدي في أقواله وشعر جلال بالارتباك وشعر بالدوخة والصداع فاستأذن القاضي المحقق في بعض الراحة فأذن له مشكورا مأجورا وخرج جلال إلى حجرة الاستراحة كان من كان ممن يهمهم سير هذه الدعوى ماذا حدث في هذه الاستراحة ماذا جرى فيها ماذا قيل لجلال وبأي شيء الخوف من سطوة البوليس وتحت تأثير خديعة التي داهموه فيها إن هذا الموقف هو السبيل الوحيد لنجاته متهم ومن التهمة.

لسنا نعرف ماذا حدث في هذه الفترة ولكنا إذا تصورنا رجلا كمالك وهو من هو قوة وأعصاب وصرا وجلدا يرى نفسه مضطرا أن ينفدع إلى حجرة التحقيق وأن يستعطف المحقق ليفتح المحضر ليقرر فيه أنه يعرف أحمد فؤاد، إذا كان هذا ما مالك لم يستطع بعد أن سمع ما سمع إلا أن يحاول النجاة بنفسه من العذاب فأحسب أن القضية هينة جدا بالنسبة لجلال وهو من تقول عنه النيابة ويقول عن نفسه إنه مريض لا يحتمل أي لون من ألوان الضغط فضلا عن العذاب فأحسب أن القضية هينة جدا بالنسبة لجلال.

وتنقسم أقوال جلال إلى قسمين قسم خاص بتاريخ حياته وانضمامه إلى الإخوان وتاريخ الحوادث السابقة على موضوع مصرع النقراشي وهذا الجزء من كلامه لا يغنينا أن نتعرض له في قليل أو كثير كما لم يعنينا أن نتعرض لهذا القسم من أقوال عبد المجيد أو غيره فإن يكون جلال صادقا في هذه المعلومات أو غير صادق مسألة لسنا بسبيل تحققها وإنما الذي يعنينا هو الواقعة الخاصة بتدبير مقتل النقراشي الذي يزعم عبد المجيد وجلال أنهما اشتركا فيها في أدوارها الأولى

فإذا أظهرنا لحضراتكم كذب جلال في كلمة كلمة وحرف حرف وتعارضه مع عبد المجيد في كل الوقائع التي ذكرها كل منهما على انفراد إذا أظهرنا لحضراتكم هذا الكذب وهذا التناقض أطمأنت نفوسكم إلى أن جلال هذا كاذبا أدخله عبد المجيد على الدعوى ليعزز به أقواله المنهارة واختاره بالذات للعب هذا الدور لأنه خاضع لتأثيره ويصلح فيه إرهاب البوليس وقدصحت فراسة عبد المجيد.

يجب أولا ألا يدهشنا أن يقرر جلال صلب الوقائع الخاصة بالاجتماعات المزعمة فقد عرضت عليه رسميا وبصورة مفصلة بعرفة حضرة رئيس المحكمة المحقق ثم عرضت عليه مرة ثانية في مواجهة بينه وبين عبد المجيد أمام رئيس المحكمة وحسبنا أن نستعرض هذه الأسئلة التي وجهت إلى جلال.

س: هل تعرف عطية حلمي؟

ج: لا

س: ألم تذهب إلى منزله في حي المنيرة على مقربة من الكوبري؟

ج: مش متذكر

س: تعرف السيد فايز ؟

ج:ر يجوز أعرفه.

س: السيد فايز الذي ضبط في الجبل يمرن الأشخاص على إطلاق النار؟

ج: لا أعرفه.

س:ر ألم تذهب إلى المنزل في شبرا أنت وعبد المجيد وغيرتم هدومكم هناك ولبست كونستابل؟

ج: لا أبدا.

س: ألم تذهب يوم الأربعاء (22) ديسمبر إلى المنزل الكائب بالمنيرة وكان هناك السيد فايز وعطية وآخرون؟

ج : محصلش أبدا.

س: ما قولك أن عبد المجيد حسن يقرر أنك ذهبت إلى منزل عاطف عطية يوم (19) والأربعاء (22 ديسمبر سنة 1948) وأنه حصل حديث عن مقتل النقراشي باشا وأنه هو الذي يقوم بالجريمة وأن الاتفاق أن تشترك معه وأن تساعده بأن تلبس ملابس كونستابل وفعلا ذهبت إلى منزله الكائب بشبرا يوم الاثنين (20) ديسمبر ويوم الثلاثاء (21) ديسمبر.

ج: لم يحصل.

س: ذكر عبد المجيد أنه يوم الاثنين (20) ديسمبر ذهب إلى الداخلية ولما خرج وجدك على القهوة وكمت لابس كونستابل ثم ذهب إلى المنزل الكائن بشبرا لتغير ملابسه فوجد أن ملابس الكونستابل التي كنت تلبسها موجودة هناك فاستنتج أنك ذهبت وغيرت وانصرفت.

ج: لم يحصل شيء من ذلك أبدا.

س: وفي يوم الثلاثاء (21) ديسمبر ذهبت إلى نفس القهوة التي أمام الداخلية وأنت لابس كونستابل ومر عليك عبد المجيد بملابس ضابط وانصرفتما سمعا إلى المنزل الكائن بشبرا وغيرتما ملابسكما هذهي هي المعلومات التي عرضت على جلال يس وزادتها الموجهة تفصيلا وتثبيتا وإيكم نص ما سجلة حضرة المحقق في وصف ما دار في المواجهة.

تمت أقواله وواجهناه بعبد المجيد حسن فقا عبد المجيد أن أول تقابل بجلال كان في منزل عاطف عطية حلمي يوم الأحد (19) ديسمبر وأنه قابله مرة أخرى في منزل عاطف يوم الأربعاء (22) ديسمبر وأرجىء التنفيذ لما قاله فيما سبق من أن الشيخ حسن البنا كان مهددا بالقتل وفي هذه الجلسة قرر جلال أن والده تعبان وراح يسافر له وأخذ إذنا من السيد فايز للسفر ولذلك حصل أن شفيق أنس حل محله وقال يجوز أن شفيق أنس حل محله لأي سبب آخر وأنه في اليوم الذي تقابل فيه مع جلال الدين بالقهوة وهو يوم الاثنين (20) ديسمبر وبعد أن أنصرف جلال راكبا أتوبيس نمرة (5) متجها للسيدة ولما تقابل معه في اليوم التالي أخبره أنه عند روه الأتوبيس في اليوم السابق حصل له نوبة مغص وقرر جلال أن هذا كلهي لم يحصل.

هذا هو جوهر المعلومات التي ألقيت إلى جلال يس بطريقة رسمية وإذن فقد سقط الاستدلال الذ يمكن أن ينشأ من أقواله بعد ذلك من حيث أتفاقها في الجوهر مع أقوال عبد المجيد في هذه الوقائع ويبقى الاختلا في التفاصيل الذي يدل على تخبط خجلال ولو كانت الواقعة صادقة لما حدث هذا التخبط والذي سأبينه لحضراتكم.

جوهر الواقعة التي يعترف بها جلال أنه حضر اجتماعات في بيت عاطف لوضع الخطط لتدبير مصرع النقراشي وأنه ذهب تنفيذا لهذا الاتفاق إلى منزل شبرا أكثر من مرة واستبدل ملابسه ملابس كونستابل وأنه جلس على قهوة أمام وزارة الداخلية وشهد عبد المجيد وهو يتجه صوب الوزارة ويخرج منها ثم عاد إلى منزل شبرا منفردا مرة ومصاحبا له في مرة ثانية.

فأقوال جلال تشمل ناحيتني أو بالأحرى ميدانين الأول ميدان تدبير الجريمة والثاني ميدان تنفيذ الجريمة وفي هذا الميدان الأخير الخاص بتنفيذ الجريمة من حيث ارتداؤه ملابس الكونستابل وانتظاره في القهوة واصطحابه لبعد المجيد لا نرى بين الاثنين أي خلاف يذكر وليس من مهمتي يا حضرات المستشاين والضباط العظام أن نثبت المتهمة على واحد من هؤلاء المتهمين ولكن عندما أرى تطابقا بين أقوال المتهمين في واقعة ثم أرى تضاربا في أقوالم في واقعة ثانية،

فقد أصبح لزاما علينا أن نقرر أن هذا التضارب لم ينشأ إلا نتيجة الأكاذيب والأفتعال.أنه لا يهمني من قليل أو كثير أن أحدد مدى العلاقة الخاصة التي تربط بين جلال وبين عبد المجيد لا يهمني أن أحدد بالضبط الدور الذي لعبه جلال يس في مقتل النقراشي وإنما يعنني أن أثبت لكم أن أقواله عن اجتماعات بين عاطف هي أكاذيب لأنه بمقارنتها بأقوال عبد المجيد التي هي أكاذيب في أكاذيب نرى التضارب في كل جزء من أجزاء هذه القصة.

وعندما يختلف شخصان متعلمان مثقفنان في تهمة خطيرة كهذه التهمة التي نحن بصددها فلا يمكن أن يكون ذلك إلا دليلا كذبهما فإذا اتفقا على أسماء الاشخاص الذين حضروا هذه الاجتماعات فهذا هو التلفيق المفضوح والذي لا يتفق مع الخلافات السابقة الذكر ولنعرض الآن لهذه الخلافات بالتفصيل.

حدد جلال عدد الاجتماعات التي حضرها في بيت عاطف بثلاثة اجتماعات في ثلاثة أيام توالية وبتفصيل عجيب ولذلك فقد وجه إل يه حضرة المحقق السؤال التي تعقيبا على ورايته.

س: على حسب رايتك تكون قد ذهبت إلى منزل عاطف ثلاث مرات، وكان عبد المجيد على حد قولك يلازمك فهل هذا صحيح؟

ج: مضبوط ثلاث مرات وأنا متأكد أني رحت ثلاث مرات.

ج: يوم الأحد بالليل الأحد اللي قبل الأحد السابقة على الرجيمة (19) ديسمبر.

س : وثاني وثالث مرة؟

ج: رحت يوم الاثنين والثلاثاي ورا بعض وسافرت يومك الأربع الموافق (12) ديسمبر.

فنحن إزاء كلام صريح قاطع لا لبس فيه ولا غموض قاله جلال يس في أقواله المرسلة فلما نوقش في أقوال هثبت عليها وأكدها وأعطى من التواريخ والترتيب في الوقائع ما لا يدعى مجالا للشك فهو يبدأ الاجتماعات بيوم الأحد الليقبل الأحد السابق على الجريمة ثم يسير سير ا منطقيا مع الاجتماعين الآخرين وأنهما كانا في يوم الثلاثاء وأنه سافر يوم الأربعاء.

ولكن عبد المجيد حدد الاجتماعات التي حضرها مع جلال باجتماعين في تحقق النيابة وهما في يوم الأحد (19) ويوم الأربعاء (22) فلما واجهه رئيس المحكمة بالتناقض في أقواله وأنه قرر في النيابة أنه اجتمع مرتين فقط وأن اجتماع يوم الاثنين كان في منزل أحمد فؤاد أسرع وأكد أن المسألة التبست عيه وأن حقيقة الاجتماعات في بيت عاطف حيث وجد بها جلال كانت اثنين يوم الأحد ويوم الأربعاء وقد ثبت على هذا الموضوع وصمم عليهي بهذه العزيمة الجدبارة فلما واجهه حضرة رئيس المحكمة بعاطف عطية حلمي أجاب بصريح اللفظ والنص.

قرر عبد المجيد ما سبق له أن ذكره من أنه حصل اجتماع بمنزل عاطف يوم الأحد (19) ديسمبر والأربعاء (22) ديسمبر والسبت (25) ديسمبر وهذا الاجتماع الأخير لا شأن لجلال به فلم يبق إذن إلا اجتماع الأحد والأربعاء.

وهذا يخالف أوقوال جلال الذي جعل الاجتماعات ثلاثة وحدد لها أيام الأحد والاثنين والثلاثاء وإزاء هذا التضارب في العدد والمواعيد كان لابد من المواجهة بين جلال وعبد المديد وقد تمت المواجهة وفي هذه المواجهة أفتحض التلفيق والتزوير والاتفاق بين الاثنين فقد راحا يوفقان بين أقوالهما على صورة مزرية وإليكم ما سجله محضر التحقيق.

وأحضرنا عبد المجيد أحمد حسن من غرفة الجلسة المجاورة لمواجهته بجلال فيما قال فاستمر كل منهها يذكر الآخر بمكان تلاقيهما ويوم هذا التلاقي وأخيرا قال عبد المجيد إذا كان جلال يقطع بأن سافر يوم الأربعاء فيكون الاجتماع الثاني الذي حضرة في مزل عاطف قد حصل يوم الثلاثاء مساء وقال عبد المجيد:

أنا متأكد أنني لم أذهب يوم الاثنين لمنزل عاطف عطية وقال جلال يس أنا في الواقع متلخبط عن اجتماع يوم الاثنين وجايز أن ما يقوله عبد المجيد صحيح من أنني ذهبت معه لمنزل عاطف يوم الأحد ويوم الثلاثاء.

وهكذا تم الصلح بين الاثنين وتمت المخالصة على أساس تنازل كل منها عن جزء من وجهة نظره والصلح خير يا حضرات المستشارين والضباط العظام.

جلال متأكد أنه لم يذهب يوم الأربعاء لأنه سافر وعبد المجيد متأكد أنه لم يذهب يوم الاثنين لأنه كان عند أحمد فؤاد ومعه إذن فليرفع الخلاف ولتوفق الروايات جريا عل مذهب السلف الصالح وليصبح الاجتماعات في يومي الأحد والثلاثاء وسلام على أقوال عبد المجيد المفصلة الواضحة المزوقة المنمقة من أنه اجتمع مع جلال وأحمد فؤاد في ميدان فاروق وأنه أمرهما أن يذهبا غدا إلى بيت عاطف أين تذهب غدا هذه الطويلة العريضة التي لا تصلح مجالا للسهو أن النسيان غدا بالنحوى وباللغة العربية الفصحى سرعان ما تتقلص وتنكمش وتنطوي وسبحان من يضع سره في أضعف خله وسرعان ما جعل الزمن في قبضة عبد المجيد يتصرف فيه كيف يشاء.

وهذه هي الأدلة التي يقال لكم خذوا بها هؤلاء المتهمين وهذا هو التطابق بين أقوال جلال وعبد المجيد تطابق يطهي ويطبخ أمام حضرة رئيس المحكمة في التحقيق فيسجله في أمانة ودقة ونشكره عليها.فمن العبث أن تأتي لنا النيابة لتستخرج من هذا الطبخ الشايط أدلة تدين بها هؤلاء الأبرياء.

في اجتماع يوم الأحد يقرر عبد المجيد في أقواله أمام النيابة وذهبت غلى منزل عاطف وكان موجودا هناك عاطف والسيد فايز وعبد الحليم وشخص آخر علمت ان اسمه جلال ويقول جلال عن هذا الاجتماع أيضا.

ورحت لمنزل عاطف في المساء حوالي المغرب وكان عاطف في المنزل فقط وأنا وعبد الحلمي وبعدين وأنا موجد أنا وعبد الحليم مع عاطف جه عبد المجيد ومعه فريد بملابس ملكية وجه السيد فايز بعد كده فعبد المجيد يقول إنه ذهب فوجد السيد فايز قبل ذهابه جلال يقول إن السيد فايز جاء بعد وصول عبد المجيد فإذا عمتم يا حضرات المستشارين والضباط العظم أن السيد فايز هو المقصود بالاقحام في هذه الأقوال الكاذبة تبينتم لماذا اختلف الاثنان على موعد حضوره لأن الواقعة الكاذبة لا يمكن الاتفاق عليها بطبيعتها.

ولنصل إلى الاجتماع الثاني والذي لا نعرف يا حضرات المستشارين أين نعرف تايخ وهل هو الاثنيني أم الثلاثاء أم الأربعاء كائنا ما كان هذا الاجتماع الثاني المجهول التاريخ فإن جلال يقرر أنه ذهب إليه بالكيفية الآتية:

والساعة خمسة جالي إسماعيل وقال قابل عاطف في البيت ليلتها فرحنا الساعة (7) فلقيت عبد المجيد هناك والسيد فايز وعاطف والضباط أحمد فؤاد.أما عبد المجيد فيقرر أن هذا الاجتماع الثاني قد ذهب إليه جلال وعبد المجيد معا وهو ما يخالف هذا التفصيل الذي ذكره جلال من ذهاب اسماعيل إليه والتنبية عليه بالحضور ثم منفردا.

قد تخرجون من هذا الحرج يا حضرات المستشارين والضباط العظام بأن تقولوا إن الحقيقة هي أنه حدثت ثلاثة اجتماعات لا اثنان كما ذكر جلال في بادئ الأمر فإذا قلتم ذلك تذهبون باتفاق المتهمين في المواجهة أنه لم يكن هناك سوى اجتماعي فقط وأين تذهبون بما قرره عبد المجيد أمامكم في هذه الجلسة من أنه لم يكن هناك سوى اجتماعين لا ثالث لهما وأنها كانا في يومي الأحد والثلاثاء وأين تذهبون بما جزم به عبد المجيد وثبت عليه من أنه اجتمع يوم الاثنين في بيت أحمد فؤاد بالليل وليس ببيت عاطف.

الحق أن المسألة في هذه الناحية قد تحولت إلى شوربهي أو طورلي في الأقوال وما ذلك إلى نتيجة الأكاذيب والترهات ولن تستطيعو إلا أن تسقطوا من أقوالكم موضوع هذه الاجتماعات المختلف عليها كل هذا الاختلاف.على أن الخلاف الأكبر والجوهري والذي يهدم قصة هذه الاجتماعا هو تسجيل ما دار في هذين الاجتماعين وما قاله كل واحد من الحاضرين.

فهذا عبد المجيد لا يزيد ولا يقول عما دار في هذين الاجتماعين إلا كلمة قليلة محدودة غامضة لأنه شخص حذر يدرك أن التوسع في الكلام سيوقعه في المحظور وتنكشف أكاذيبه ولذلك فقد جاءت عباراته على هذه الاجتماعات مبهمة غامضة على خلاف جلال اذي راح يسرف في ذكر تفصيلات وقصص وأحاديث لو أن لها أدنى نصيب من الصحة لكان عبد المجيد ذو الذاركة الحديدية أولى الناس بذكرها ولذلك فقد افتضح التلفيق وأن جلال قد ذكرت له رؤس مواضيع لم يستطع أن يعيها فخلط بينهما تعثر كما سترون.

يقول عبد المجيد عن الاجتماع الأول في تحقق النيابة.

وذهبنا إلى منزل عاطف وكان موجودا هناك خلاف عاطف السيد فايز عبد الحليم وشخص آخر علمت أن اسمه جلال وأخبرت هؤلاء المجتمعين بما تم أثناء النهار وكان الكلام طبعا موجها للسيد فايز باعتباره رئيسا وقد قال السيدفايز في هذا الاجتماع أنه سيعاوونني عل ارتكاب الحادثة بواسطة شخص يرتدي ملابس كونستابل هذا الشخص هو جلال.

ثم حضر بعد ذلك الشيخ سيد سابق على التفصيل اللي كرته وتكرر أمامه هذا الكلام فيما يتعلق بتدبير الحادث ولبس جلال ملابس كونستابل وارتديت أنا ملابس ضابط واتعرضنا الخطة بالتفصل وقد أفتى لنا الشيخ سيد سابق بمشروعية القتل على التفصيل الذي ذكرته تماما وعند انصرافي..إلخ..

هذه اقوال عبد المجيد فلننظر إلى أقوال جلال:

وجه السيد فايز بعد كده وبعدين أتناقشوا في حل الجمعية وأن هذا العمل في غير محله والسيد فايز قعد يعدد بعض مناقب الإخوان ولم أن أتصور هذا الكلام ودهشت له حتى أن عبد المجيد لاحظ أنني أشرب سجاير مع أنه ممنوع شرب السجاير وأخذت أشرب سيجارة وبدءوا يتناقشوا ف الموضوع والسيد فايز سأل هل البدلة حاضرة وخالصة ولا لأ وعبد المجيد كان جايب جزمة معاه حطها على السرير وقالوا: البدلة جاهزة وأخذوا يتكلمون في الموضوع وأنا لم أتدخل في المناقشة وكذلك عبد المجيد وبعدين وجهوا الكلام لعبد المجيد وابتدءوا يرسموا كروكي على مدخل القوة اللي أمام الدالخية وحصل مناقشة في الأولى في أي قهوة أقعد عليها وبعدين أختاروا القهوة (دي) وقال لي السيد فايز: بكره الصبح الساعة ستة تروح مع عبد الحليم.

وناقشت المحقق جلال في أقواله تفصيلا فسأله:

س: كيف حصل الحديث في أول اجتماع في منزل عاطف؟

ج: رحت لقيت عاطف وكان معي عبد الحليم وقعدنا انتظرنا شوية وشربت سيجارة على بال ما جه عبد المجيد وأحمد فؤاد وبعد كده جه السيد فايز وابتدأ يتكلم السيد فايز عن حل الإخوان ويعدد كل اللي عملوه للبلد وقال إن الشخص ده اي النقراشي باشا قفل مئات المساجد وترك الأستاذ البنا بعد ما قص أجنحته كالطير الجريح وراح يعلموا من المركز العام قسم الدرب الأحمر ويدخلوا فيه البغايا ويطعلوا فيه الرخص ووقع الاختيار على عبد المجيد وأن مثل هذا الشخص الذي أغلق المستشفيات وتجاهل كل ما قامت به الجمعية من خدمات يجب ألا يعيش.

ما الخطة التي فهمت أن السيد عملها؟

ج: السيد فايز قعد يرسم مدخل الوزارة ويوصف لعبد المجيد يدخل من اي باب ويقف فين وكان المفهوم أن عبد المجيد يدخل جوه الوزارة وحتى إذا تمكن من النراش باشا وهو نازل من الأوتومبيل وعبد المجيد جوه يضربه وتركوا لعبد المجيد اختيار الظرف المناسب.

واقعتان خطيرتان جدا طويلتان عريضتان إذا جاز لأحد أن يذكرهما وأن يتكلم عنهما فهو عبد المجيد ولي جلال فهما تخصان عبد المديد بل ووتتصلان بشخصه كل الاتصال بل وتتصلان بدفاعه عن نفسه فإذا كان عبد المجيد لم يشر إلى أحدهما عن قرب أو بعد ونفى حدوث الثانية في هذا المجلس ونسب الواقعة إلى شخص آخر في مكان آخر فماذا يكون الكذب والتزيفيف والتلفيق إلا هذا؟

أما الوقاعة الأولى فهذه الخطة الطويلة التي القاها السيد فايز والتي خرجت من الأقوال العامة إلى أقال خاصة لا يمك أن تثبت في ذهن أي مستمع إليها فتشبيهه حسن البنا بالطير المقصوص الأجنحة والتحدث عن دار الإخوان وأنها ستتحول إلى قسم بوليس تدخل فيه البغاء وتعطى رخصا للزنا هذه الأقوال التي سمعها عبد المجيد كما سمعها جلال يس كانت جديرة بأن تثبت في ذهنه، أو أن يشير إليها على الأقل هنا في هذه المحكمة وهو يتحدث عن التأثير الذي كان خاضعا له وقد رأينا كيف أن عبد المجيد لم تفته شاردة ولا واردة وأنه يحاول أن يوهمنا أنه يذكر نص الآيات التي قيليت له منذ سنوات وكل ذلك لستخلص منها أنه كان تحت تأثير وتحريض.

وقد رأينا أن عبد المجيد قد اضطر إلى إدخال السيد سابق في هذا الاجتماع ليوجد تكأة يتكي عليها فأما كان أولى به وهو يصور نفسه في صورةي الخاضع للتحريض أن يذكر هذه العبارات القوية المؤثرة والتي تجعل دم أي إنسان يغلي في عروقه وهي مسألة تحول دار الإخوان المسلمون إلى مكان تتجمع فيه العاهدرات إن حسدي أنا يقشعر من هذه الحقيقة الآ ن بعد شهور وشهور ولا لوم ولا تثري على أي شاب انتمى إلى الإخوان المسلمون في أي يوم من الأيام إن الدم غلى في رأسه لتخيله هذه الحقيقة

ففكر في الجريمة فلو أن هذه العبارة وأمثالها قيلت لنفشت في رأس عبد المجيد ولما ذهبت منها أبدا ولكن عبد المجيد على كثرة ما شرق وغر وأطال وأسهب فإن هذه العبارة لم ترد على لسانه لا في هذا الاجتماع ولا في غيره فما تفسير ذلك إلا أن يكون الكذب والاختراع قيل لجلال نريد منك أن تزج بالسيد فايز في هذا الاجتماع فإن عبد المجيد قد شهد عليه فظن المسكني أنه يحبك بالسيد فايز في هذه الاجتماع فإن عبد المجيد قد شهد عليه فظن المسكين أنه يحبك التهمة بأن نسب إلى فايز هذه الأقوال وفاته أنه الكذبل لا يقف على قدمين وأن عبد المجيد لم ينسب للسيد فايز هذه الأقوال.

فإذا جاز لكم أنش تشككوا في الموضوع فتقولوا إن هذه أقوال على أي حال يجوز أن تكون صدرت من السيد فايز فسمها جلال ولم يسمعها عبد المجيد لأي سبب من الأسباب أو قد تفرضون أن السيدفايز قالها لجلال قبل مقدم عبد المجيد وذلك على خلاف قول جلال لنفسه الذي يقول وبعدين جه السد فايز أي بعد مقدم عبد المجييد أقول إذا شتئم أن تذهبوا إلى هذا المدى فإنني أذهب معكم ذلك أن الحجة القاطعة لا تحتمل جدلا ولا شكا ولا مناقشة أقذف بها في وجه جلال باعتباره كذاا ملفقا وأقذف بها في وجه عبد المجيد باعتباره كذابا ملفقا.

أما هذه الحجة فهي قول جلال: إن السيد فايز رسم لعبد المجيد خريطة وزراة الداخلية وراح يتناقش معه في أين يقف وكيف يسر وكيف يتصرف وهذه الوقاعة ذكر عبد المجيد أحمد فؤاد قام بها في يوم السبت في بيته عندما ذهب إليه لأول مرة ولم يرد على لسان في أي مرة من المرات لا في الاجتماع ولا في غيره إن السيد فايز رسم له هذا الكروكي وناقشه في هذا الموضوع وهي مسألة بديهية أن يجهل السيد فايز كل شيء عن وزراة الداخلية وأن يكون أحمد فؤاد هو الذي يعف كل شء عنها وعلى أية حال فنحن هنا أمام واقعة مادية حدثت في حجرة طولها متران في أقل من ذلك وقد تكدس فيها خسمة اشخاص وأيد أن تعللوا لي حضرات المستشارين والضباط العظام كيف يذكر جلال واقعة ضخمة كذه الواقعة تتصل بشخص عبد المجيد ثم لا يشير إليها عبد المجيد ولا يذكرها وإنما يؤكدها في موطن آخر بالنسبة لشخصة آخر؟

ما معنى هذا معناه التلفيق والكذب لقد قى في ذاكرة جلال من الأقوال السريعة التي قيلت له ليقولها بقى موضوع الخريطة فلم يجد ما هو أنسب من أن ينسبها للسيد فايز في هذا الاجتماع وعندي أن موضوع هذه الخريطة واقعة مادية لا سبيل للفكاك منها وهو مفتاح إظهار الكذب والتلفيق في أقوال جلال.

هكذا لا تستطيعون أن تقولوا يا حضرات المستشارين في صدد هذه الاجتنماعا إن أقوال عبد المجيد قد تأيدت بأقوال جلال بل الصحيح أن أقوال جلال في هذه الاجتماعات تهدمها أقوال عبد المجيد وأقوال عبد المجيد تهدمها أقوال جلال وما ذلك إلى كذب في كذب.

بقي أن نتعرض هنا لهذه الشبهة التي تنشأ من استعراف جلال وعبد المجيد على بيت عاطف وشخصيته وإني أعيذ المحكمة من أن يقيم لهذا الاستعراف على الأشخاص أو البيوت وزنا فهءلاء كلهم أعضاء في جمعية واحدة وعاشوا معا في سنوات وسنوا قد قام نظامهن على التعاطف والتأخي فإن يعرف عبد المجيد بيت عاطف فهو لا شيء وأن يعرف جلال بيت عاطف فهذا لا شيء وقد رأتيم كيف أن عبد المجيد قد ذكر في أقواله بالنسبة لفايز وقد ذهبنا لنهنئ السيد فايز بالإفراج عنه عقب قضية المقطم وكنت أعرف بيته لأني كنت أزور فيه طاهر وحجازي وهذا هو سبب استعرافي على بيته.

فالاستعراف على البيوت هذا لا تقيموا له وزنا ولا تتخذوا منه شبهة أو ما أضعف من الشبهة.

وفي قضية سعد زغلول التي أشرت إليها لم يتعرف سعد على البيوت فقط بل إنه ذكر في بيت عبد المؤمن أنه يوجد مكتوبا على الحائط تاريخ وفاة أخيه بالقلم الرصاص، وأنه في أثنا اختفائه جاء لواليده برقية تنبئ عن موت أحد أقاربهم وقد حققت النيابة كل هذه الوقائع فثبت أمامها ومع ذلك فإن المحكمة لم تعرها أي اهتمام بعد أن كان واضحا أن سعد زغلول يعرف أمين عبد المؤمن وهو صديقه.

فأنت في هذه القضية يا حضرات المستشاين والضبط العظام أمام شبان يعرفون بعضهم بأكثر مما يعرفون أهلهم وذويهم فقد قام نظام الجمعية على ذلك وهذا نظام الأسر والكتابئ والجوالة كلها تقوم على التعارف الشديد. فالقول إذن بأن جلال تعرف على بيت عاطف هذه مسالة لا قيمة لها والقول بأن عبد المجيد تعرف على بيت عاطف هذه مسألة لا قيمة لها.

بل إن موقف عبد المجيد في التعريف على بيت عاطف هو موقف مريب إلى أبعد حدود الريبة كاف لهدم ما قاله عن اجتماعات في بيت عاطف فهو يزعم أنه قد اجتمع في هذا البيت ثلاث مرات على أقل تقدير ومن هو عبد المجيد هل أنتم في حاجة إلى أن أحدثكم عن ذاكرته أنتم في حاجة إلى أن أشير إلى جبروت عقله أوليس هو الرجل الذي يذكر لنا أسماء بألقابها منذ سنوات مضت أوليس هو الرجل الذي يذكر لنا ارقاما وتواريخ وتذهل النيابة لدقة هذه التواريخ والأرقام وانطباقها على الواقع فماذا تقولون في عبد المجيد هذا يقول عن عاطف أنه لا يستطيع أن يصف بيته ولكن يرشد عنه وأنه لا يعرف عن عاطف إلا هذا الاسم.

عبد الميجيد الذي يقول لنا أنه ذهب مرة إلى عبد الحليم منذ ثلاث سنوات فذكر هذا العنوان وذهر إليه لا يستطيع أن يصف بيت عاطف الذي ذهب إليه ثلاث مرات على الأقل وأحيانا أربعا وأحيانا خمسا؟

وعبد المجيد لا يعرف من اسم عاطف إلا هذه الكلمة أما عطية حلمي فلا يعرفها فإذا علمتم يا حضرات المستشاين أنه يوجد على بابا شقة عاف يافطة نحاسية تحمل اسم والده عطية حلمي ويافطة أخرى تحمل اسم أخيه صلاح حلمي بحيث أن عاطف هو عاطف عطية حلمي فهل هذا الجهل هو جهاز شخص كعبد المجيد يتردد على هذا البيت أربع أ, خمس مرات أشهد أن عبد المجيد أكذب الكاذبين.

هذهي هي الوقائع رأينها كيف تكذ عبد المجيد وتهدم هذه الاجتماعات وبالتالي حضور السيد فايز فيها وقد بقى أمامنا شبهة عقلية ساقتها النيابة وسنرى أن هذ الشبة في حساب الاتهام هي دليل في حساب البراءة ودليل قاطع لا يحتمل قياد دليل قطعي عكسي تقول النيابة هل من المعقول أن شخصية كالسيد فايز تحتل مكان القيادة والصدارة على مجموعات اقاهرة لا تحضر هذه الاجتماعات؟

وأقول يا حضرات المستشاين والضباط العظام: أنكم إبذا قلتم إن السيد فايز هو رئيس مجموعات القاهرة وأنه أحد القادة العظام فإن هذا هو الدليل الذي لا ينقض على أنه من غير المعقول أن يحضر هذه الاجتماعات إذا كان لأي كلمة ممما قالته النيابة عن هذا التنظيم العجيب لهذه الجماعة أي مجال من الصحة والصوا ب تقولون: إننا في نظام خاص سري يتألف من خلايا لا تعرف الخلية ما يدور في الخلية الثانية وأن الأوامر تأتي دائم من أعلى حتى تصل إلى الجنود فلا يعرفون الأمر بها وإنما عليهم أن ينفذوا فقط قلتم ذلك وقال عبد المجيد مصداقا لهذه الصورة إن محمد مالك جاءة يوم السبت (18) ديسمبر وقال له:

اذهب لمقابلة أحمد فؤاد الساعة السابعة والنصف ولم يزد على ذلك محمد مالك حرفا واحدا وبعد هذه الكلمة اختفى محمد مالك فلم يعد له أثر يبدو تبدد في الهواء تلاشى كما تتلاشى الجن في القصص والخرافات محمد مالك الذي كان يجتمع مع عبد الميجيد كل يومفي الشبان المسلمون ويلعبون البنج بنونج ويتحدثون عما يجب أن يعمل انقاما للحل محمد مالك هذا مجرد أن يبدأ العمل في مصرع النقراشي فيقول له أن يذهب إلى مقابلة أحمد فؤاد دون أن يذكر له سببا أو تعليلا فلما يسأله يقلو له أحمد فؤاد حيقولك وبعد هذه الكلمات الصغيرة القصيرة يختفي محمد مالك ومن الوجو فلا يظهر له ذكر ولا اسم في المدة من (18) ديسمبر حتى (27) ديسمبر ولا يمكن أن يكون ذلك إلا أية كذب عبد المجيد في أقواله التي ينسبها إلى محمد مالك وقد أستأذنت النيابة في هذا الموضوع فسألته عن تعليله فأجاب بأن مهمة مالك قد انتهت باعتبارة أمير الخلية خلية عبد المجيد وأنهم لابد أن يكونوا قد درسوا الخطة قبل لك.

وأقروها فلما جاء دور التنفيذ لم يعد هناك ما أوجب اجتماع مالك بعبد المجيد أمنا وصدقنا ورضينا أن هذه هو نظام الجمعية السرية فما أعبج يا حضرات المستشاين والضباط العظام من أن نرى مالكا يختفي مع أنه رئيس مباشر ثم يظهر على الأفق السيد فايز هو الرئيس الأعلى ورئيس المجموعات كلها وسرعان ما ينزلق عبد المجيد كما ينزلق كل كذاب فإذا به ينسى أن الخطة كانت موضوعة وأن تنفيذها هو الذي بدأ فإذا به يجرد السيد فايز من زعامته وينزل به إلى مستوى مجرد متآمر مع عبد المجيد ويزيد جلال يس الكذا الآخر فيجعل الخطة ترسم ابتداء في حضرته.

والآن ما هو المعقول هل المعقول أن يحضر السيد فايز اجتماعات المؤامرات فيخالف بذلك كل التعليمات والاحتياطات التي يقولون إن النظام الخاص قد وضعها نظمها أم المعقول أن السيد فايز وراء الستار وأنه يحرك جنوده بحيث إذا سقط أحدهم في الميدان بقى هو قائما يعد جنودا آخين هذا هو المنطق منطق الرياسة والزعامة وأبسط قواعد التنظيم وهو ما سار عليه محمد مالك في زعم عبد المجيد دعونا إذن من المنطق فالمنطق لا يسعف الاتهام وقد رايتم أن الوقائع بدورها متهافتة.

تقول لكم النيابة إن عبد المجيد يذكر الحوادث بدقة غرية ويسرد القول فلا يخطئ فيه إذا كرره وقالت لكم إنه كان وهو يدلي بأقواله أمام المحكمة كانت تراجع النيابة هذه الأقوال فدهشة لهذا التطابق العجيب وأييد أن أقول أنا أيضا كنا نقم في مقاعد الدفاع أنا وزميلي الأستاذ أحمد السيد بهذه المقابلة فكنا لا نقل دهشة عن النيابة ورحت أحاول أن أجد تفسيرا لهذا الموضوع ففكتر أن يكون كلاما محفوظا وأنه من تكرارا المخفوظات وكنت سأبني مرافعتي على هذا الأساس وسأتلوا عليكم أقواله في التحقيق وأقوله في التحقيق وأقواله هنا فإذا رايتم التطابق العجيب في اللفظ وفي الكلمة الواحدة وفي الترتب وكل الشك في نفوسكم فارتبتم أن يكون هذا كلاما محفوظا لكني لما بدأت أقوم بهذه العملية وجدت أن هذا التطابق في الكلام هذا كلاما محفوظا لكني لما بدأت أقوم بهذه العملية وجدت أن هذا التطابق في الكلام إنما الحوادث.

وهذه الأقوال فإن يكن قد ذهب إلي الإسماعيلية أو رمى قنبلة على قسم البوليس أو أدى امتحانا أو كشف عليه طبيا فكل هذه الحوادث والوقائع يصدق فيها عبد المجيد لأنها حقائق ولذلك فإنها لا يمكن إذا سردت ألا تتكرر ما دامت حقائق ولكن عبد المجيد عندما يدخل في الوقائع يصدق فيها عبد المجيد لأنها حقائق ولذلك فإنها لا يمكن إذا سرت ألا تتكرر ما دامت حقائق ولكن عبد المجيد عندما يدخل في الوقائع المكذوبة وتخونه الذاكرة ويقع الاضطراب هنا نرى عبد المجيد لا يصل إلي مرتبة جلال يس المضطرب الأعصاب.

المنهوك القوي الذي يقول عن نفسه من باب الإحتياط إن التواريخ والوقائع اختلطت في رأسه هذا الجلال المضطرب هذا الاضطراب يصبح هو أستاذ عبد المجيد في ذكر الوقائع والتوايخ ويضطر عبد المجيد صاحب العقل الجبار للانحناء أمام جلال فإذا قال جلال إن الاجتماع كان يوم الأربعاء فالقول ما قال جلال وذا راح يعدد وقائع هذا الأسبوع الأخير يسردها أمام النيابة في أحد الأيام فإذا فرغ من التحقيق وعاد إلى بيته أو بالأحرى إلى سجنه عاد في اليوم التالبي يقول: إنه سقط اجتماع لم يذكره العجيب أن هذه الاجتماع لو صح لوجب أن يكون أخطر الاجتماعات كلها لأنه الاجتماع السابق على التنفيذ ولأن مسرحه قد انتقل من بيت عاطف إلى بيت أحمد فؤاد

فكيف ينسى هذا الاجتماع الضخم ينساه لأنه اجتماع مكذوب ولا تستطيعون يا حضرات المستشاين أن تقولوا غير ذلك إذا أرديتم أن تنصفوا عبد المجيد فإنه يذكر الوقائع بقوة فكيف يتفق ذلك مع نسيان أخطر اجتماع عقد قبل مقتل النقراشي وهو الاجتماع السابق على يوم مصرعه الذي صدرت له فيه الأوامر النهائية التنفيذ الذي تم، مثل هذا الاجتماع لا ينسى لأنه لا وجود له ولذلك فلم يغب ذلك عن فطنة رئيس المحكمة، فقال له: لماذا لم تقل عن هذا الاجتماع إلا في اليوم التالي؟ فأجاب لما افتكرت وهذا هو الرجل الذي راح يسرد علينا ثلاثة أيام وقائع متسلسلة منذ سنوات وسنوات يكرر فيها ماقاله أمام المحكة بالحرف الواحد هو الذي ينسى مثل هذا الاجتماع لا ولكنه كذب عندما اخترع هذا الاجتماع.

وقد بقى أن تسألوني يا حضرات المستشارين والضباط العظام ولماذا خلق هذا الاجتماع وقد كانت الاجتماعات السابقة تكفي فأقول لكم: خلقه لكي يفتضح أمره فالله سبحانه وتعالى لابد أن يوقع الكذاب ولكن عبد المجيد بطبيعة الحال لم يكن يخلق أمره وإنما جاءت الفضيحة بطريق غير مباشر ولكنه خلقه لكي يؤكد على السيد فايز فهو يخشى أن تكون الاجتماعات السابقة كلها لا تكفي لإدانة السيد فايز باعتباره شريكا فقد وجد في التحقيق الطويل أنه ذكر عن السيد فايز كل شيء وأنه الرئيس المدبر ومع ذلك فعندما جاء قرار الاتهام كان خلوا من السيد فايز كل شيء

وأنه الرئيس المبدر ومع ذلك فعندما جاء قرار الاتهام كان خلوا من السيدفايز كل شيء وأنه الرئيس المدبر ومع ذلك فعندما جاء قرار الاتهام كان خلوا من السيد فايز وهو يريد تنفيذا لأوامر معينة بألا يفلت السيد فايز من يده هذه المرة ففي كل اجتماع يعقد لابد من إحضار السيد فايز فجئ بالسيد فايز في يوم الأحد وجئ به في يوم الأربعاء الذي تحول إلى يوم الثلاثاء ولأمر ما أراد عبد المجيد أن وجئ به في يوم الأربعاء الذي تحول إلى يوم الثلاثاء ولأمر ما أراد عبد المجيد أن يظهر بمظهر الدقيق في أقواله فعندما وصل اجتماع يوم السبت (25) ديسمبر قال مش متأكد إذا كان السيد فايز كان حاضر الاجتماع

وإلا لا فلما عاد إلى سجنه ودارت هذه الكلمة في رأسه إذا به يصرخ يا خبر أسود وأحسن أن العبارة دي تبرئ السيد فايز باعتبار أنه لم يحضر آخر الاجتماعات ولذلك فلا بد من خلق اجتماع أخر في مساء الاثنين وأن يحضره السيد فايز حتى لا يكون هناك مجال للشك. إن السيد فايز هو الكل في الكل ويج علينا أن نشكر عبد المجيد لأنه لم يقل لنا إن السيد فايز هو الذي أطلق الرصاص على النقراشي وليس هو أو على الأقل: إنه كان بين الموجودين في وزارة الداخلية لمساعدته وحمايته وهذه هي أقوال عبد المجيد عندما تصل إلى سرد هذه الحوادث والاجتماعات تخريف في تخريف وأضاليل في أضاليل يكذب بعضها بعضا وتتناقض مع المنطق ومع سير الحوادث وبديهيات القضية.

قالت لكم النيابة إن أقوال عبد المجيد عندما تصطدم بالماديات تجد لها تأيدا عجيبا تتغزل في أقوال عبد المجيد ما شاء الله أن تتغزل وقد قلت لكم إن الماديات تصدق عبد المجيد عندما يتحدث عن وقائع عريضة في السنوات الثلاث الخالبية لأنني أعرف سببا يلجئ عبد المجيد إلى الكذب في الوقائع ولكن أقوال عبد المجيد الأخيرة كلما أصطدمت بالوقائع المادية كذبت وكذبت على طول الخط، ولو أننا في صدد تحقيق أقوال عبد المجيد كلها لظهر لنا ضلالها ولكن الجزئيات التي أتيح لنا أن نحققها في هذه المحكمة كلها كشفت عن كذب عبد المجيد. ذهب عبد المجيد في أقواله الآخيرة،

أنه ذهب في إجازة عيد الأضحى مع محمود كامل وأخرين إلى الإسماعلية وقد جاء صاحب البيت الذي يقيمي فيه محمود كامل وشهد أن محمود كامل قد زاره في عيد الأضحى في أول يوم وأنه قد رد له الزيارة في ثالث يومن وهذه شهادة لا تستيطعون أن تخرحوها أن أن تنالوا منها فهي شهادة رجل أقسم اليمين وكان هناك ألف سبب وسبب يدعوه ألا يزج بنفسه في هذا الموضع لكيلا يصب محل شبهة البوليس ولكن الرجل أدى الشهادة ولم يكتمها لأنها حق ولا سبيل إلا أن تأخذوا هذه الشهادة وهي قاطعة في تكذيب أقوال عبد المجيد وهذه واحدة.

وقال عبد المجيد في أقواله الأخيرة إن محمو كامل شكا له من أنه قام بعملية في الأسبوع السابق على مقتل النقراش باشا وذكر موضوع السيارة وقتل سائقها بحقنة سامية وينسى عبد المجيد أنه هو شخصيا كان قد ذكر هذه القصة عن نفسه وأنها قد قيلت له، وأنه حاول أن يقوم بها بنفسه وأوشك أن أتصور أن هذه العملية الأخيرة التي نسبها لمحمود كامل وقد قام بها عبد المجيد نفسه، وها قد جاءكم تقرير الطبي الشرعي يثبت أن تشريح الجثة لم يظهر بها أي أثر من آثار السموم كما أن التحقيق من قبلها قد أثبت أنه لم يوجد في العربة أية حقنة مسمومة

كما زعم عبد المجيد نقلا عن محمود كامل فعلى أي شيء تدل هذه الواقعة تدل على واحد من اثنين لا ثالث لهما أن عبد المجيد كان كاذبا فيما نسبه إلى محمود كامل من آقوال فليس هناك ما يدعو محمود أن يتحدث عن حقنة مسمومة وعن حقن الرجل بها دون أن يكون لذلك أدنى ظل من الحقيقة لا يوجد ما يدعو محمود كامل لذلك فما قالة عبد المجيد إما كذب وأما أن يكون عبد المجيد هو فاعل هذه الحادثة ونسبها لمحمود كامل وذكر موضوع حقنة السم وتركها في العربة لإبعاد الشبهة عن نفسها عندما يظهر بطلان هذه الوقائع المادية. ليس صحيحا إذن أن أقوال عبد المجيد عندما تصطدم بالماديات فإنها تصدقها.

ولنصل الآن إلى الفرية الكبرى التي نسبها عبد المجيد لمحمود كامل، وشفيق أنس من أنهما كانا معه في وزارة الداخلية أحدهما بملابسها الكونستابل والثاني بملابس سائق سيارة وقد أجمع أمامكم الشهود الرسميون أن هذا يعتبر ضربا من ضروب المستحيل لقد كان طريق عبور النقراشي باشا يخلي عند مروره من الباب الخارجي حتى حتى باب الوزارة وقد شهد أمامكم ثلاثة رجال مسئولون وقطعوا وأكدوا أنه لا يمكن أن يسمحوا بالوقوف لأحد في هذا الطريق ملكيا كان أو عسكريا ولقد سمعتم من الضابط المكلف بحراسة البوابه بأنه لا يسمح لأي إنسان أن يدخل قبل أن يتحرى في أمره ملكيا كان أن عسكريا ولقد دققتم وألححتم بالسؤال فأصر على موقفه وليس في استطاعتكم

إلا أن تأخوا بهذه الأقوال القاطعة فليس عندكم ما تجرحون به هؤلاء الشهود ونسبه الإهمال اليهم غير ثابتة لا يتحقيق إداري ولا بتحقيق قضائي فلم يعد من الجائز أن نفرض افتراضا أن دخول عبد المجيد إلى الوزارة متسللا وهو بملابس الضباط وكونه في صالة الوزارة شيء ودخول شفي أنس بملابس الكونستابل ومحمود كامل بملابس السائق شئ أخر فإذا جاز أن نتصور أن الحراس على الباب سيحترمون ملازما أول فلا يوقفونه فإن دخول كونستابل وسائقه بدون إذن مسألة فيها نظر فإذا أجمع الشهود أن أحد لم يدخل فإذا دخل فما كان يمكن أن يقف في فناء الداخلية عند مقدم النقراشي باشا فهذه واقعة قائمة لا يمكن أن تنضها تخرجات عبد المجيد بل إنها بذاتها تهدم هذه التخريجات.

حضرات المستشارين والضباط العظام هذا هو عبد المجيد وهذه هي أقواله هباء وخلط في خلط ولا عجب في ذلك فالعجيب ألا تكون كذلك فهذا شاب منكود يريد أن يخلص نفسه وهذا هو السبيل لتخليصه ولقد رأيتم كيف طريق النقل أو العقل ولقد رأيتم جلال يس كيف أختلف معه واضطراب وأنه قلده في موقفه فأصبح شأنه شأن عبد المجيد فأي دليل يوجد بعد واضطرب وأنه قلده في موقفه فأصبح شأنه شأن عبد المجيد فأدي دليل يوجد بعد ذلك في هذه الفضية على اشتراك اي المتهمين في مقتل النقراشي باشا، لا يوجد دليل واحد مما يسمح لضائركم بأن تحكموا على متهم بعقوبة ضخمة في جناية خطيرة أجل إنني أقر أن هناك شبهات وقرائن تقوم على بعض هؤلاء المتهمين في قضية أخرى لأنها ليست مطروحة أمامنا وقد وعدتمونا يا حضرات المستشارين بألا تتأثروا بها لأنها ليست مطروحة أمامكم وما دام الأمر كذلك فلم يبق أمامكم

إلا أن تعودوا بالقضية إلى وضعها الصحيح وهي أنها جريمة فردية قام بها عبد المجيد بمفرده وساعده عليها بكل العون والمدد أحمد فؤاد الضباط هذا هو القدر الثابت في هذه القضية الذي لا يأتية الشك من بين يديه ولا من خلفه أما مازاد على ذلك فهو ضرب في بيداء الشكوك والافتراضات وتلمس الاتهام عن طريق الظن والشبهة وهو ما أعيذكم منه، فلم يبق إلا أن تقضوا بالبراءة لسائر المتهمين.

يا حضرات المستشارين والضباط العظام.

انتهيت الآن من مرافعتي ولم يبق لي إلا أن أشكركم على ما أفسحتم لي من صدوركم لولا أنكم باعتباركم قضاة فأنتم فوق كل شكر وثناء.

انتهت مرافعتتي واقتربت الساعة التي تخلون فيها إلى ضمائركم وتستلهمون ربكم الحكم في هذه القضية فاذكروا يا حضرات القضاة ما قلته لكم في مستهل مرافعتي من أنكم أسأة مصر ولستم قضاتها أذكروا أنكم لا تمثلون سيق النقمة بل أنتم رسل العدل الذي لا يعرف غضبا ولاحقدا إن الناس تحكم بظاهر الأمور أما أنتم فتغوضون إلى أعماقها ولقد بسطت لك من أسرار الأمور ما يجعلني لا أقنع بالبراءة بل إنني أريد براءة مسببة.

أريد منكم يا حضرات المستشارين والضباط العظام أن تنددوا بالجرائم ومرتكبيها مهما سما مركزهم وعلا قدرهم قولوا لهم إن الخروج على القانون يؤدي إلى الفوضى والجريمة قولوا لهم إن مصيبة المصائب في مصر هي محاولة حكم الشعب بوسائل غير طبيعية فلنتمسك جميعا بالدستور ولننزل عند إرادة الشعب ولنرفع من سلطان القانو فيستقر الأمن والنظام ولا يفتكم يا حضرات القضاة وأنتم على هيئة قضائية في البلاد أن تنددوا بالتعذيب الذي وقع على المتهمين وأن ذلك لو استمر لعاد بالبلاد إلى عصور الفوضى والهمجية.

أما أنتم يا أبنائي وإخواني المتهمين فإنيي أستودعكم الله واستودعكم أيدي أمينة طالما أمسكت بميزان العدالة فلم يختل في يدها، لقد أصبحوا بحكم المران غير قادرين على الخطأ أما أنا فليعلم الله أني قد أديت واجبي نحوكم قدر استطاعتي وإنني وأنا أترك هذا الحرم المقدس، فإنما أغادره آمنا مطمئنا عليكم فإياكم والجزع واقلق وأيا كان الحكم الذي سيقع عليكم فهو حكم الله لا حكم هؤلاء القضاة فاستقبلوه بصدور رحبة وثغور باسمه والله معكم والله معهم والله معنا جميعا والسلام علكيم ورحمة الله وبركاته.

الحكم

المحكمة العسكرية العليا

بجلستها العلنية المنعقدة في الساعة التاسعة والنصف الموافق (13 أكتوبر 1949 ) تحت رياسة محمد محمد مختار عبد الله وعضوية محمد غالب عطية ومحمد عبد العزيز كامل والأميرألاين أحمد صالح أمين بك ابراهيم زكي الأرناءوطي بك ومثل النيابة الأستاذ محمد عبد السلام وسكرتارية الأستاذين محمد حسن النجار، وحسين عبد الرحمن وبعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعات والمداولة قانونا حكمت المحكمة حضوريا:

أولا: بمعاقبة عبد المجيد أحمد حسن بالإعدام شنقا.

ثانيا: بمعاقبة كل من عاطف عطية حلمي ومحمد مالك شفيق أنس ومحمود كامل بالأشغال الشاقة المؤبدة.

ثالثا: ببراءة المتهمين وهم السيد القزاز وعبد العزيز البقلي والشيخ سيد سابق ومحمد التهامي والسيد فايز عبد المطلب ومحمد فرج ومحمد أحمد علي وجلال الدين يس ومحمد نايل محمد إبراهيم.

وبعد فلا تبكى ولا تحزني يا أمة الإسلام فأولاد مصر يتحرقون شوقا إلى الاستشهاد في سبيل إعلان كلمة الحق في كل مكان ابتغاء مرضاة الله

القضية الثامنة: مقتل محمد أنور السادات

مقتل محمد أنور السادات؟

خالد الإسلامبولي عبد الحميد عبد السلام حسين عباس عطا طايل محمد عبد السلام فرج.

• قتلوا السادات قتلا لم يصل الخيال لأي مواطن مصري إلى أن يقتل بمثل هذه الطريقة ووسط هذا الحشد الهائل من رجال الحكومة وكبار المدعوين والضيوف وضباط الأمن والرحراسة والمخابرات من الجيش والبوليس المصريين والمدججين بأحدث الوسائل الأمنية الأمريكية الحديثة.

• تخلصوا منه بعد أن أصبح عبئا على كاهل المواطن المصري عبئا ذروته سبتمبر (1981) ذروته التي أودت بحياته.

في الثالث من سبتمبر سنة (1981) أصدر محمد أنور السادات رئيس الجمهورية وقتئذ قرارات تعسفية بالقبض على 1536 شخصا من خيرة رجالات ونساء مصر من القيادات الدينية والسياسية والحزبية وإلغاء بعض الصحف والمجلات المعارضة وإبعاد (67) صحفيا عن الصحف وأجهزة الإعلام ونقل (64) أستاذا جامعيا إلى أعمال لا تتعلق بمجالات تخصصهم بنا على مشورة قدمت من النبوي اسماعيل وزير الداخلية والقابض على زمام الأمن وقتئذ الذي رأى أن هذه العناصر تهدد وحدة وأمن البلاد.

وفي تمام الساعة الثانية عشرة وأربعين دقيقة بعد ظهر يوم الثلاثا الموافق (6 أكتوبر سنة 1981) 8 ذو الحجة 1401 وبينما السادات يجليس في المنصة الرئيسة لساحة العرض العسكي بمينة نصر احتفالا بعيد نصر أكتوبر يحيط به كعادته في هذا الاحتفال كل رجالات الحكومات ابتدرته فتية من شباب مصر يتقدمهم خالد الإسلامبولي وعبد الحميد عبد السلام وحسن عباس وعطا طايل فأفرغوا فيه عدة رصاصات طرحته على الأرض يختبط في دمه أطلقوها من رشاشاتهم التي تحملها يد لم تخنها قواها نفذت أولاها في رقبة السادات كما ينفذ عشماوي حكم الإعدام في الآثمين ووجد ما تلاها سبيلا إلى جسم رئيس الجمهورية.

ورئيس مجلس الوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية محمد أنور السادات.

وقتل السادات وقبض على خالد الإسلامبولي وعبد الحميد عبد السلام، وعطا طايل وحسين عباس ثم صدرت الأوامر بالقبض على عدة أشخاص من الذين ينتمون إلى جماعة تنظيم الجهاد وهم:

  1. محمد عبد السلام فرج: مهندس ميكانيكي بإدارة الجامعة القاهرة.
  2. كرم زهدي: طالب بالمعهد العالي التعاوني بأسيوط.
  3. فؤاد الدواليبي تاجر موبيليات.
  4. أسامة عبد الماجد: طالب بكلية هندسة أسيوط.
  5. أسامه إبراهيم حافظ طالب بنهائي هندسة أسيوط.
  6. الدكتور عمر عبد الرحمن: أستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بأسيوط.
  7. المقدم عبود الزمر: ضابط بالمخابارت العامة والاستطلاع.
  8. صالح أحمد جاهين: مهندس ميكانيكي
  9. عبد الناصر عبد العليم درة]]: طالب بمدسة الجيزة الثانوية.
  10. طارق الزمر: طالب بكلية الزراعة جامعة القاهرة.
  11. محمد طارق إبراهيم: طبيب أسنان.
  12. أسامه السيد قاسم عامل.
  13. صلاح السيد بيومي: عامل.
  14. علاء الدين عبد المنعم: طالب بكلية التربية جامعة الزقازيق.
  15. أنور عطاشه: طالب بكلية التربية جامعة عين شمس.
  16. محمد طارق إسماعيل المصري: طالب بمدرسة مصر الجديدة الثانوية.
  17. علي محمد فراج: نجار.
  18. عبد الله محمد سالم: طالب بكلية أصول الدين.
  19. صفوت الأشوح: صيدلي.
  20. محمد السلاموني معيد بكلية التربية جامعة عين شمس.

وقدموا للمحاكمة بتهمة قتل السادات عمدا مع سبق الإصرارا والترصد وقد انحصر الاتهام في خالد الإسلامبولي و عبد الحميد عبد السلام و عطا طايل، و حسين عباس كفاعلين أصليين وفي الآخرين كشركاء في القتل ونظرت القضية في (12 نوفمبر سنة 1981) أمام المحكمة العسكرية العليا المشكلة برياسة اللواء سمير فاضل وعضوية اللواءين مصطفى ماهر و عبد العزيز الشاعر، ومثل الاتهام محمود عبد القادر رئيس النيابة العسكرية واللواء فاضل خليل المدعي العام العسكري وتولى الدفاع عبد الحليم رمضان وممد رزق وعما السبكي وشوقي خالد و عبد العزيز الشوربجي وفريد عبد الكريم وأحمد ناصر وعطية سليمان وعطية خميس وحافظ الختام، وإسماعيل النجار وإبراهيم صالح ومحمد عبده مراد.

وبعد سماع مرافعات النيابة والمحامين والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا قضتي المحكمة في (6 مارس 1982) بإعدام كل من خالد الإسلامبولي وعبد الحميد عبد السلام وعطا طايل وحسين عباس و محمد عبد السلام فرج ومعاقبة كل من عبود الزمر و محمد طارق إسماعيل المصري بالأشغل الشاقة لمدة (15) سنة وكل من علاء الدين عبد المنعم و أنور عكاشة و على محمد فراج بالأشغال الشاقة لمدة (10) سنوات وب[[عبد الناصر عبد العليم]] بالأشغال الشاقة لمدة (5 ) سنوات وبراءة كل من الدكتور عمر عبد الرحمن و محمد السلاموني

المحاكمة: قضية اغتيال السادات

المحكمة العسكرية العليا.المشكلة برياسة اللواء سمير فاض القضية رقم 7 لسنة 1981 عسكرية عليا

متطفات من الموضوعات التي أثارتها النيابة العسكرية وهيئة الدفاع والمحكمة.

قرارا الاتهام

وجه المدعي العام العسكري تهمة قتل رئيس الجمهورية محمد أنور السادات عمدا مع سبق الإصرار والترصد إلى خالد وعبد الحميد عبد السلام وعطا طايل، وحسين عباس وأنهم عقدوا العزم على قتله غجرا وغيلة في أثناء وجوده المنصة الرئيسية في العرض العسكري يوم (6 أكتوبر سنة 1981) إلى محمد عبد السلام فرج بتهمة الاشتراك بطريق الاتفاق والتحرض والمساعدة مع المتهمين الأربعة المذكورين مقدما في الجناية السابقة بيانها وإلى الخمسة مجتمعين أنهم قد حازوا وأحرزوا الأسحلة والذخائر بغي ترخيص قانوني كما حازوا وأحرزوا واستخدموا المفرقعات بغرض ارتكاب اغتيال سياسي وإلى العشرين الباقين السابق ذكرهم تهمة الاشتراك كذلك في قتل السادات.

مرافعات الدفاع

تضمنت مرافعات الدفاع الشفهية والمذكرات المكتوبة المقدمة منهم على مدار جلسات المحاكمة ابتداء من 12 نوفمبر 1981وحتى 6 مارس 1982) الطلبات والدفوع التالية:

  1. ضم التحقيقات التي تجريها نيابة أمن الدولة العليا مع بعض المتهمين في القضية رقم (462 لسنة 1981) أمن دولة عليا (قضية الجهاد)
  2. عدم دستورية محاكمة المتهمين أمام القضاء العسكري.
  3. بطلان قرارا الاتهام لمخالفته لما جاء في تقرير الطب الشرعي.
  4. بطلان إجراءات المعانية لمكان حادث الاغتيال.
  5. بطلان إجراءات تحريز المضبوطات المستعملة في تنفيذ الاغتيال
  6. بطلان تقرير الطبيب الشرعي عن جثة القتيل محمد أنور السادات
  7. شرعية قتل السادات.

ضم التحقيقات التي تجريها أمن الدولة العليا مع بعض المتهمين في القضية رقم (462 لسنة 1981) أمن دولة عليا قضية الجهاد.

استد الدفاع في هذا الطلب إلى أن قضية الجهاد تتناول وقائع مرتبطة بوقائع قضية اغتيال محمد أنور السادات وإعمال لنصل المادة 183 من قانون الإجراءات الجنائية في أحوال الارتباط التي يجب فيها رفع الدعوى عن جميع الجرائم أمام محكمة واحدة إذا كانت بعض الجرائم من اختصاص المحاكم العادية وبعضها من اختصاص محاكم خاصة يكون رفع الدعوى بجميع الجرائم أمام المحاكم العادية مالم ينص القانون على غير ذلك. تعقيب المحكمة:

رفضت المحكمة قبول هذا الطلب استنادا إلى أن المادة يخاطب سلطة الإحالة ويلزمها برفع الدعوى بجميع الجرائم أمام المحاكم العادية إذا شمل التحقيق الواحد عدة جرائم مرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة الأمر الذي لا ينطبق على القضة المطروحة على المحكمة والمحكمة لا تتعرض لوقائع قضية اغتيال السادات فقط إضافة إلى أنه لا يجو للمحكمة أن تطالب ضم أرواق التحقيق الذي لا يزال جايا أمام جهة قضائية أخرى وهي نيابة أمن الدولة العليا بحجة وجود ارتباط بين وقائع ووقائع الدعوى المطروحة أمام المحكمة.

عدم دستوية محاكمة المتهمين أمام القضاء العسكري.

واستند الدفاع في ذلك إلى:

  1. نص المادة (95) من قانون الأحكام العسكرية التي تنص على أن تعيين القاضي العسكري يكون لمدة سنتين قابلتين للتجديد وعدم جواز نقله إلى مناصب أخرى إلا للضروريات العسكرية والتي تمثل مخالفة صريحة لنص المادة (168) من الدستور التي تمنع عزل القضاة وتعتبر حكم العزل سواء بسواء الأمر الذي يترتب عليه عدم دستورية القضاء ذاته.
  2. إن المختص بالتصديق على أحكام المحكمة العسكرية العليا هو رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك وقد ضمن الموجودين في المنصة في أثناء الاعتداء عليها وبالتالي يعد مجنيا عله أو على الأقل شاهدا في الدعوى أو مطلوبا لشهادة الأمر الذي يترتب عليه أن يكون رئيس الجمهورية خصما وحكما في أن واحد.
  3. إن القضية العسكرية هم جزء من الإدارة العامة للقضاء العسكي والإدارة الأخيرة هي إحدى إدرات القيادة العليا للقوات المسحلة وهذه الإدارة طبقا للمادة الثانية من قانون الأحكام العسكرية يتولاها ميدير لا يشترط أن يكون قاضيا وهو لا يؤدي اليمين القانوني بالنسبة لنظيره في المحاكم والإدرات المدنية وهو يمارس اختصاصاته الممنوحة بقوانين ونظم القوات المسلحة والقضاة العسكريون يصدر القرار بتعيينهم من وزير الدفاع ويؤدون القسم أمامه وهم خاضعون لكافة الأنظمة المنصوص عليها في قوانين الخدمة العسكية ولأن وزير الدفاع من ين المجني عليهم أو على الأقل شاهد أو مطلوب للشهادة فإن القضاء العسكري التابع له لا يكون مناسبا لنظر الدعوة لوجود شبهة التحيز للمسئول الأول عنه.
  4. إن القضاء العسكي غير مستقل ولا يتمتمع بالحصانة وهما الضمانتان الأساسيتنان اللتان وضعهما الدستور لحماية الحقوق والحريات ذلك لأن القضاء العسكري تابع لوزارة الدفاع ولا يمكن القول إطلاقا إنه يستقل عن وزير الدفاع وعن هيمنته ولا حتى استقلالا معنويا وخاصة أن هيئة المحكة قد شكلت بقرار من مستشار وزير الدفاع وبتوجيهه.
  5. إن القانون رقم 25 سنة 1966 القاضي بإصدار قانون الأحكام العسكرلاية غير دستور على أساس أن هذا القانون منذ أن صدر في 11 سبتمبر 1971 نص على أن أنه ينظم القضاء العسكي ويبين اختصاصه في حدود المبادئ الواردة في الدستور ولأن الدستور ولأن الدستور لم يكن قد صدر بعد فإن القانون المذكور لا علاقة له بالدستور وأن صدور الدستور يلغي وجوده إضافة إلى ان هذا القانون قد صدر في ظروف سياية وتشيعية معينة تطلبت سرعة إصداره.

تعقيب المحكمة

قررت المحكمة أن القضاء العسكري هو المختص بنظر الدعوى واستندت في لك إلى الفقرة (أ) لنص المادة الخامسة من قانون الأحكام العسكرية على من يرتكب إحداى الجرائم الآتيه: الجرائم التي تقع في المعسكرات أو الثكنات المؤسسات أو المصانع أو السفن أو الطائرات أو المركبات أو الأماكن التي يشغلها العسكريون الصالح القوات المسحلة أينما وجدت الاستقرار والدوام إضافة إلى أن المكان المعد للعرض العسكري والذي وقعت فيه الجريمة مكان يشغله العسكريون لصالح القوات المسلحة فترة إجراءات العرض ويخطر دخول أي فرد من المدنيين فيه خلال هذه الفترة إلا بتصريح من القوات المسلحة.

بطلان قرارا الاتهام لمخالفته لما جاء في تقرير الطب الشرعي.

على اساس أن قرار الاتهام قد ذكر أن المتهميني أفرغوا ذخائرهم كلها في الحادث في حين قد أثبت تقرير الطبيبب الشرعي أن البنادق الآلية والرشاشة التي استخدمها المتهمون وجدت بها أعيرة نارية لم تطلق بطلان إجراءات المعاينة لمكان الحادث:

على أساس عدم وجود المتهمين أو مثلين عنهم في أثناء المعاينة إضافة إلى أن هذه المعاينة قد كشفت عن عدم ثبوت أي أثار لأي مقذوفات أو طلقات من رشاشات المتهميني في أمكنة المنصة الرئيسية لساحة العرض. بطلان إجراءات تحريز المضبوطات المستعملة في تنفيذ الاغتيال.

على أساس مخالفتها لأحكام قانون الإجراءات الجنائية حيث لم يثبت وجود الأحراز في حوزة المحكمة بل تم التصف فيها قبل إحالة الدعوى إليها.

بطلان تقرير الطب الشرعي عن جثة القتل محمد أنور السادات.

على أساس أنه قد تبين أن الذي كتب التقرير هو الدكتور عبد الغني البشري كبير الأطباء الشرعينين سابقا والذي لم تعد له صفة رسمية في نطاق الطب الشرعي كما أنه لم يؤد اليمين عند مباشرته للإجراءات إلى جانب أن التقرير لم يقدم وصفا أو ذكرا للإصابات الأخرى التي أصابت القتيل ولا كيفية حدوثها خاصة بعد أن أثبت التقرير نفسه أن القنابل اليدوية التي ألقاها المتهمون على المنصة لم تصب أحدا وانتهى التقرير دون وصف صادق إلى أن العيار الذي استخرج أصاب جانب الصدر الأيسر للقتيل

واخترق جويف الصدر في اتجاه من اليسار إلى اليمني وبميل كبير من ناحية القدمين إلى ناحية الرأس مما قد يوحي بأن الإصابة حدثت والجسم مائل على الجنب وفي حين أن الإصابة حسب التقرير كانت في المواجهة وليس لمسار المقذوف داخل الجسم أي دلالة على اتجاه اطلاق العيار الناري على الجسم من الخارج قبل اصطدامخ به في الوقت الذي قطع فيه تقرير الطب الشرعي يتعذر تحديد موضوع الضرب بالنسبة للعيار الثاني عاد وأد أن كل هذه الإصابات حدثت من مسافة تتعدى حدود المتر إضافة إلى أن التقرير لم يتناول أمر تفتيت المقذوفات الأخرى التي دخلت إلى الصدر والتي تختلف عن نوع المقذوفات التي استخدمها المتهمون في الحادث.

شرعية قتل رئيس الجمهورية محمد أنور السادات.

ذهبت هيئة الدفاع إلى أن السادات خرج على شرعة الله وفاستحق بذلك القتل كعقاب شعرعي وأنه لم يكن كافرا بالإسلام فقط بل إنه خرج في حكمه على شريعة الله وأخرج معه شعب مصر كله وانتهج لنفسه سياسة تتعارض تماما وصالح الدولة.

واستندوا في ذلك إلى الآتي:

  1. سقوط الشرعية عن الدلة نتيجة لتصرفات السادات التي انتهت بأحداث 3 سبتمبر باعتقال 1536 من القيادات الدينية والسياسية والحزبية وسبه آئمة الدين الأمر الي أدى إلى قيام حالة فساد عامة بالبلاد دفعت بالمتهمين إلى قتلة فخرجت أفعالهم بناء على ذلك على دائرة التجريم لانعدام الركن الشرعي للجريمة تطبيقا لنص المادة 60 من قانون العقوبا على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق بمقتضى الشريعة.
  2. خروج السادات على الأمة الإسلامية بالكامل بعقده صلحا منفردا مع اليهود وأعداء الله والإسلام ودعوته لإنشاء ما يسمى بمجمع الأديان الثلاثة في سيناء.
  3. ضربة للمسلمين في ليبيا وتأييده لإسقاط حكم إسلامي في أوغندا ليتولي الحكم نظام عنصري وتدعيمه لكميل شمعون في لبنان والمؤازرة لضرب المسلمين.
  4. سكوته عن ضرب الصهاينة للمسلمين في جنوب لبنان في حين كان يشن حملة شعواء بمناسبة وبدون مناسبة على الوجود السوري في لبنان

إن السادات مشرك بالله والدليل قوله في خطابه الذي قتل به نفسه في (5) سبتمبر (أنا لا يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد). وفي هذا ادعاء للأولهية وهذا شرك بل أقصى أنواع الشرك أن يتصور العبد أنه إله آخر وأنه كن يحكم نعمته من يشاء ويذل من يشاء ونستغفر الله وأنه إعمالا لقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي قاعدة تعطي الحق إلى قتل السادات

وأنه بناء على ذلك فإن المتهمين ليسوا قتلة بل نفذوا شريعة الله أو في أسوأ الأحوال هم قتلوا دون توافر القصد الجنائ قياسا على حكم المادة (63) من قانون العقوبات ويصبح قتلهم قتلا خطأ وليس قتلا عمدا وذلك استنادا إلى حسين نيتهم وتحريهم قبل إقدامهم على فعلهم بدليل استادهم إلى كتاب الفريضة الغائبة وعلما بقاعدة درء الحدود بالشبهات مما يسقط القصاص عنهم.

تعقيب المحكمة

رفضت هذا الدفع واستندت في ذلك إلى أن الفعل المنسوب للمتهمين هو قتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات وآخرين ممن وجدوا في مكان الحادث كما أنه إذا كان الدفاع يذهب إلى أن القتل تم بمقتضى حق تقرره الشريعة الإسلامية فإن يلزم للرد على هذا الزعم أن تعود المحكمة إلى قواعد الشرع الإسلامي المقرر بكتاب الله والسنة النبوية الشريفة وما ذهب إليه أئمة الإسلام وفقهاء الشريعة الإسلامية في تفسرهم لما ورد بالقرآن والسنة مصداقا لقوله تعالى (فأن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) (الآية: 59 النساء)

وقوله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائقة ليتفقهوا في الدين وليتنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع النيبي صلى الله عليه وسلم يقول قوما يتمارون في القرآن فقا إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه بعض إنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا ولا يكذب بعضه بعضا فما علمتم منه فقولوه وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه.

وفي صدر ما نبحثه من أمر استبحاحة دم المسلم ومتى يكون؟ ولمن يكون؟ نعود إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصمو مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحق في قوله لا يحل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث.ط

  1. الثيب الزاني.
$#النفس بالنفس.
  1. التارك لدينه المفارق للجماعة

وقد قال الله تعالى في كتابه الحكيم (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذلك جبريل أتاني فقال من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ) قلت: وإن زنا وإن سرق.

هذه النصوص من القرآن والنسة تهدينا صراحة إلى أنه وإن كانت الأعمال مصدقا للإيمان ومظهرا عمليا له فإن المسلم إذا ارتكب ذنبا من الذنوب بأن خالف نصا من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله علهي وسلم لا يخرج بذلك عن الإسلام ما دام يعتقد صدق هذا النص ويؤم بلزوم الامتثال له وفقط يكون عاصيا وإنما لمخالفته بأوراق القضية هي يجوز تكفير المسلم بذنب ارتكبه ومن له الحكم بذلك إن كان له وجه شرعي واستطرد مجيبا مستندا إلى ما ورد في القرآن والسنة: قال الله سبحانه وتعالى (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتعون غرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة) (الآية: 94 النساء)

وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من أصل الإيمان وعد منها الكف عمن قال لا إله إلا الله لا نكفره بذن ولا نخرجه من الإسلام بعمل.

ومن هذه النصوص يتضح أنه لا يحل تكفير مسلم بذنب اقترفه سواء كان الذنب ترك واجب مفروض أو فعل محرم نهى عنه وتسوق المحكمة في مجال إسباغ صفة المسلم على من نطق الشهادتين قصة أسامة ين زيد مع أحد الكفار بعد أن قال لا إله إلا الله وبرر ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ما نطق بشهادة إلا خوفا من السيف فقال هل رسول الله صلى الله علهي وسلم هل شققت قلبه ونرجع هنا إلى رأي لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في كتابه: أنت تسأل والإسلام يجيب في رده على سؤال عما إذا كان يجوز لفرد أو جماعة أن يكفروا فرا أخر وجماعة أخرى فقال أي إنسان مهما كان علمه لا يستطيع أن يجترئ على واحد يعلن لا إله إلا الله ويقول عنه: إنه لا يلتزم في أعماله بأمور الدين أقول لهم:

هل الذين يشيرون إليه بذلك لا يقومن بتفيذ أحكام الله إنكارا أم كسلا إن كان كسلا نستمهله حتى أخر يوم في حياته ولا نكفره وأما إن وأما إن كان منكرا هذه الأحكام ويقول فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة الإيمان بالقلب والإسلام واتفق العلماء على أنه يفتي بردة مسلم إذ فعل فعلا أو قال قولا ولا يحتمل الكفير ويحتمل غيره بل روي عن الإمام أنه قال: إذا قال كلمة تحتمل الكفر من مائة وجه وتحتمل الإيمان من وجه فإن لا يحكم بالكفر والذي يباح دمه فهو المرتدي ويباح دمه للإمام دون غيره لأن إطلاق ذلك للناس يؤدي إلى الفساد ويؤدي إلى الاتهام بالبطل بالكفر مع التنفيذ بغير الحق ويؤدي إلى التناحر والرمي بالفسوق.

بعد الإيمان وذلك ما ذمه الله تعالى في قوله: (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) وبهذاب البيان يكون مجرد ترك بعض أوامر الله أو مجرد فعل ما حرم الله مع التصديق بصحة هذه الأمور وضرورة العمل بها يكون هذا اثما وفسقا ولا يكون كافرا ما دام مجرد ترك دون جحود أو استباحة وعلى ذلك يكون تكفير الحاكم لتركه بعض أحكام الله وحدده دون تطبيق لا يستند إلى نص في القرآن أو السنة وإنما نصوصها تطبيق عليه إثم هذه المخالفة ولا تخرجه بها من الإسلام.

وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأى من أميره شيئا يكره فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميئة جاهلية وعن الأشجعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من آتام وأمركم جيمع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه.

فإذا ما طبقنا قواعد الشرع السابق تفصيلها والتي استندنا فيها إلى كتاب الله وسنة رسوله وآراء أهل اذكر من فقهاء المسلمين على ما نسبه المتهمون للرئس الراحل محمد أنور السادات كفيرا له واستحلالا لمده نجده رحمه الله لم يجحد ما أنزل الله كتابه الكريمة وعلى لسان رسوله عليه الصلاة والسلام لم ينكر ضررة الحكم بما أنزل الله بدليل نص المادة الثانية من الدستور في عهده بناء على استفتاء تم عام 1980 أصبحت فيه الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع

وأنعقدت اللجان ولا زالت تعمل لتقنين الشيعة الإسلامية وإحلالها محل القانون الوضعي على مستوى مجلس الشعب والأزهر الشريف وإن ما نسبه المتهمون للمجن عليه من إتيانه أمورا مخالفة للدين الإسلامي فهي أمور إن صحت فتدخل في باب الذنوب والمعاصي التي لا تخرجه عن ربقة الإسلام ونستشهد هنا بمن أتخذه المتهمون مفتيا لهم في شئون الدين والشرع وهم المتهم العاشر:

الشيخ عبد الرحمن فقد جاء بأقوال المتهم الخامس محمد عبد السلام فرج بمحضر تحقيق النيابة العسكية أنه وكرم زهدي وفؤاد الدواليبي استفتوا الشيخ عمر بخصوص الرئيس الراحل السادات وحل دمه فأفتى بعدم حل دمه وإن كفره كفر دون كفر وليس كفرا بواحا يخرجه من ملة الإسلام كالفسق وأنه ارتك معصية أو كبيرة لا تخرجه من ملة الإسلام.

وبهذا يكون ما دفع به الدفاع من إباحة ما ارتكبه المتهمون من جريمة قتل الرئيس محمد أنور السادات مستندين إلى حق مقرر بمقتضى الشيعة وفق المادة (60) دفع لا أساس له من واقع أو قانون مما تنتهي معه المحكمة إلى رفض هذا الدفع.

وأما عن الدفع الاحتياطي بالغلط في الإباحة استنادا إلى حسن نية المتهمين فلم يتضح أي حسن نية من جانب المتهمين بدليل استفتائهم للدكتور عمر عبد الرحمن ورفضهم فتواه بعدم حل دم الجني عليه على نحو ما ورد بأقوال المتهم محمد عبد السلام فرج بتحقيق النيابة العسكرية كما فات الدفاع أن المتهمين لم يقتصروا على قتل السادات وحده بل قتل آخرين معه تصادف وجودخم في موقع الحادث رغم توقعهم إمكان تعدي آثار الاعتداء إلى غير الرئيس السادات على حده بل قتل آخرين معه تصادف وجودهم في موقع يتقصروا على قتل السادات وحده ل قتل آخين معه تصادف وجودهم في موقع الحادث رغم توقعهم إمكان تعدي آثار الاعتداء إلى غير الرئيس السادات على حد مارود بأقوالم مما تنتهي معه المحكمة إلى رفض الدفع بالغلط في الإباحة المقدم من الدفاع

الحكم

بالجلسة المنعقدة بالمحكمة العسكرية العليا جهة الجبل الأحمر في 6 مارس 1982 وبعد سماع المرافعات والإطلاع على أوراق القضية والإطلاع على مواد الاتهام والمادة (75) من قانون الأحكام العسكرية والمواد (017، 30، 32) من قانون العقوبات والمادة (604) من قانون الإجراءات الجنائية وبعد المداولة قانونا حكمت المحكمة حضوريا.

أولا: بمعاقبة كل من خالد الإسلامبولي وعبد الحميد عبد السلام وعطا طايل وحسين عباس ومحمد عبد السلام فرج بالإعدام.

ثانيا: معاقبة كل من عبود الزمر، وطارق الزمر ومحمد طارق وب[أسامه قاسم]] وصلاح بيومي بالأشغال الشاقة المؤبدة

ثالثا: معاقبة كل من كرم زهدي وفؤاد الدواليبي وعاصم عبد الماجد وأسامه إبراهيم حافظ بالأشغال الشاقة لمدة (15) سنة.

رابعا: معاقبة كل من المتهم صالح أحمد جاهين وعبد الله محمد سالم وصفوت الأشوح لمدة (15) سنة.

خامسا: معاقبة محمد طارق إسماعيل المصري بالأشغال الشاققة المدة (15) سنة.

سادسا:معاقبة عبد الناصر عبد العليم درة بالأشغال الشاقة لمدة (10) سنوات

سابعا: معاقبة عبد الناصر عبد العليم درة بالأشغال الشاق لمدة (10) سنوات.

ثامنا: براءة كل من المتهمين الدكتور عمر عبد الرحمن ومحمد السلاموني مما هو منسوب إليهما.

تاسعا: مصادرة المضبوطات والأسحلة والذخائر المضبوطة على ذمة القضية.

القسم الثاني

حكم المحكمة

(ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)

وبعد ما المصير؟

ماالمصير بعد أن عاشت مصر والأمة العربية بأسرها كل هذه القضايا ابتداء بقضية دنشواي والاحتلال والإعدام والسجن والضرب بالسياط ومرورا بقضية مقال ذكرى دنشواي ومحاولة القضاء على الرأي العام الإسلامي الحر، وحرية الصحافة المصرية العربية بصفة عامة وقضية مقتل بطرس غالي وخيانة الوطن والانتهازية وقضية مقتل السير ستاك ووطنية الفدائين المصريين العظيمة في مواجهة الاحتلال مهما كانت التضحية بالأرواح والأموال وقضية الاغتالات السياسية ومحاولة إخماد لهب الحركة الوطنية وقضية مقتل [[محمود فهمي النقراشي]] ومناهضة الإنجليز للإسلام وقضية مقتل محمد أنور السادات وظلم واستبداد الحكام.

ما المصير؟

ما المصير؟

ما المصير؟

رفعت الجلسة.

بسم الله الرحمن الرحيم

محكمة مصر الدائرة الوطنية

بالجلسة الوطنية النعقدة علنا بسراي المحكمة تحت رئاسة الشعب المصري رئيس المحكمة والمختص بتفيذ أحكامها.عضوية ماضي الأمة وحاضرها مستشارين وشرع الله ممثل الادعاء والضمير الوطني ممثل الدفاع.

صدر الحكم الآتي في القضية الوطنية المرفوعة في مصر ضد:

  1. الاستعمار وأعوانه.
  2. استبداد الحكام وبطانة السوء
  3. مناهضي الأديان السماوية.

المحكمة:

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا، حيث إن الوقائع تخلص في أن مص أقامت دعواها المعلنة ضد الاحتلال وأعوانه واستبداد الحكام ومناهضي الأدياني طالبه الحكم في مدى شرعية تصدي الشعب للحكم في القضايا السابق ذكرها الواقعة بينها وبين الثلاثة السابق ذكرهم مقدما شارحة دعواها بأنه: بتايخ (14سبتمبر سنة 1882) وبعد صراع جان بين الدول الأحنبية الاستعمارية على احتلال مصر تم لإنجلترا احتلال مصر كي تضرب الإسلام في حصنه وثبت دسائس التفريق بين المسلميم وتقضي على الخلافة الإسلامية وتضعها تحت النفوذ البريطاني وبتاريخ (25 فبراير 1895) أباح الإنجليز إنشاء محكمة مخصوصة أو بمعنى أدق مصيدة مخصوصة للتنكيل بالمصريين وبتاريخ 13 يونيو 1906) اقتحم الإنجليز قرية دنشواي إحدى قرى محافظة المنوفية يسرقون أرزاقها ويضربو أهلها ويزهقون أرواحم ويعتدون على أعراض أسرهم.

وبتاريخ (25 مارس سنة 1909) الذي سلط سيفه على رقاب الصحف وحرية الكتابة وفي (10 فبراير 1910) اتفق صاحب العطوفة على مشروع مد امتياز قناة السويس.

وبتاريخ إكتوبر سنة 1924) فشل سعد زغلول رئيس وزراء مصر يومئذ مع مستر رامسي ماكدونالد رئيسا الوزراء الإنجليزي وزعيم حزب العمال الاشتراكي وعاد من لندن كما ذهب وظل الاحتلال قائما في البلاد رافضا التفاوض السعدي الوفدي في المطالبة بالجلاء التام.

وبتاريخ 31 يناير سنة 1926 وعقب القبض على شفيق منصور ورفاقه استطاعت إنجلترا وأعوانها الحصول على شهادات الزور وتزييف الحقائق وتلفيق التهم كي تقضي على زعماء الحركة الوطنية.

وبتاريخ 26 أغسطس سنة 1932 حاولت صاحبه الجلالة حكومة انجلترا وصاحب العطوفة إسماعيل صدقي باشا الإيقاع بكرامة المجاهدين من العمال المصريين وإخماد صوتهم في المطالبة بحقوقهم وإعادة من طردوا إلى أعمالهم

وبتاريخ 8 سبتمبر سنة 1948 استطاع الإنجليز والقصر استصدار أمر عسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين وشعبها والقبض على كثير من قياداتها وغلق الأمكنة المخصصة لنشاطها وضبط أوراقها ووثائقها وسجلاتها ومطبوعاتها وأموالها وكافية الأشياء المملوكة لها وتعيين مندوب خاصة مهمته تسلم جيمع أموال الجمعية وتصفية ما يرى تصفيته له.

وبتاريخ 3 سبتمبر سنة 1981 أصدر الرئيس محمد أنور السادات قرارات تعسفية بالرفض على (1536) من خيرة القيادات الدينية والسياسية والحزبية وإبعاد (67) صحفيا عن الصحف وأجهزة الإعلام و (64) من أساتذة الجامعات ونقلهم إلى أعمال لا تتعلق بمجالات تخصصهم وإلغاء بعض الصحف والمجلات المعاضة لسياسته.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بأن:

أولا: الحكم في هذه القضايا حق مشروع لمجموع أفراد الشعب مادام كان لك في حدود الهدف المنشود وهو الخلاص من الاحتلال وأعوانه واستبداد الحكام وبطانة السوء ومناهضي الأديان استنادا إلى قول الله سبحانه وتعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من (رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وقوله صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتم الظالم فلم تأخذوا على يديه يوشك الله أن يعمكم بعذاب من عنده) وقوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر).

ثانيا: النظر في شئون مصر الداخلية والخارجية وشئون الأمة العربية بأسرها يجي أن يكون غير مقيد بالحزبية العمياء لأن كل حزب وكل زعيم أمام الشعب المصري سواء وأن الوطنية ليست هي الحزبية أو الزعامة أو النيابة أو الوزارة فلا فضل لهذا على ذاك إلا بالعمل المجدي النافع وأن البلاد لا ترضى عن حكومة دون حكومة إلا بالنتائج لا بأشخاص الحكام وأن الأسماء الرنانة والألقاب الفخمة والجاه العريض والسلطان الواسع ما هي إلا أعراض خادع زائلة وهؤلاء جميعا عليه أن يتقوا الله في الشعب المصري العربي المجاهد الصابر الثائر ويجب عليهم أيضا أن يتقوا الله في الشعب المصري العربي المجاهد الصابر الثائر ويجب عليهم أيضا أن يعملوا بجد وإخلاص على إنقاذه مما يعاني من الفواجع والآلام والفرقة والغربة قبل أن يحاسبهم حسابا عسيرا ويؤمئذ لا يجدون لهم وليا ولا نصيرا.

ومن هنا توجه المحكمة ألف تحية والف سلام إلى الشعب السوداني الشقيق الذي سارع بإنشاء محكمته الشعبية التي اختار لها كبار قضاته علما وفقها و كفائة وتجردا ورفع إليها جميع مشاكله فأصدرت حكمها العادل الذي خلص السودان من وطأة الطغيان ومذلة الهوان يدعمهم فيه قول الله سبحانه وتعالى (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار)

ثالثا: إن مصر لن تبلغ هدفها إلا بعد الشفاء من التسمم الحزبي الأعمى والانشغال بالمصالح الشخصية الفردية البحتة ومن هنا تناشد المحكمة السيد رئيس الجمهورية بالتنحي عن رئاسة الحزب الوطني والعمل على جمع كلمة الأحزاب لعلاج مشاكل مصر الحالية.

رابعا: على مصر أن تتلخص من كل فساد وانحراف وتسلط واستبداد حتى يمكن تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية تطبيقا سليمان لأن الأسلوب الصحيح لتطبيق الإسلام لن يكون إلا في مجتمع استقامت قواعده على نهج الإسلم وانتظمت أموره وفق نظامه.

خامسا: أن الإسلام عقيدة وشريعة أو دين ودولة ولا يستطيع أحد إن يقول أن الإسلام شيء والقانون والاقتصاد والسياسة والاجتماع وغير ذلك من أمور شيء غيره استناد إلى قول الله تعالى (وانزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شيء)

سادسا: مراعاة للشعور الوطني وحفاظا على حقوق الشعب المصري العرية تناشد المحكمة رؤساء الأحزاب بالخضوع لأمر الله عز وجل استنادا إلى قول الله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)

سابعا: مراعاة للشعور العربي حفاظا على حقوق الشعب العربي على جميع زعماء البلاد العرية محو الخصومات ورفع راية الوحدة والخلاص من سيطرة الدول الغربية الاستعمارية وأخيرا. .. ترى المحكمة أن كل مواطن في الأمة العربية بعد محاميا، يوجب عليه القانون والضمير الوطني أن يدافع عن مصالح مجتمعة وحريته وأن يلتزم في ذلك غاية جهده وعنايته.

إمضاء رئيس المحكمة.ولتحي مصر. ولتحي الأمة العربية.ولتحي الوحدة ولتحي الاستقلال