البنَّا.. تخيلته صوفيًّا فإذا به شخصية متكاملة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


الورتلاني: "البنَّا".. تخيلته صوفيًّا فإذا به شخصية متكاملة

الإمام-الشهيد-حسن-البنا-13.jpg


كنت قبل عام1938م أسمع عن الأستاذ الإمام وعن (الإخوان المسلمون) كهيئة إسلامية تعمل كغيرها من الهيئات في جانب من جوانب الحياة.


ولما حضرتُ إلى القاهرة، وكان أول لقاء بيني وبين الإمام في جمع من الناس، ودار الحديث في ذلك الوقت عن أمور روحية صوفية، تخيلت عندها الأستاذ "البنَّا" رجلاً صوفيًّا لا أكثر ولا أقل، وكنا حينذاك في (الجزائر) نحارب البدع التي أدخلها من يدَّعون التصوف على المجتمع الإسلامي.


وجرى بيني وبين المرشد نقاش حول هذه المعاني، لمست فيه علم الرجل وتأثره بما يعلم، ولكن صورة أخرى عنه غير الصورة الصوفية لم تخطر لنفسي، وكثرت الاجتماعات بيننا بعد ذلك، وتوطدت الصلة، فتعارفنا جيدًا، وتصادقنا، ثم تآخينا في الله أخوة كاملة، فعرفت في "حسن البنَّا" معاني أخرى كثيرة غير المعنى الذي لمسته فيه أول مرة؛ وهو المعنى الصوفي، والذي شبهته فيه بـ"ابن القيم".


كان لـ"حسن البنا" صفات تفرقت في الناس، وقلمَّا اجتمعت في شخصٍ واحد، اللهم إلا طائفة نادرة من أولي العزم من الناس، ففي الناحية العلمية كانت للرجل طاقة علمية ينفرد الناس في ناحية من نواحيها، ولا تجتمع لهم؛ فإذا حدثه الفقيه وجد فيه الفقيه الممتاز، وتخيل أن هذه صفته، وإذا اجتمع به الأديب توهم أن صفته هذه وما له من غيرها، إنما هو مكمل، وإذا لقيه السياسي وجد فيه سياسيًّا من طراز فريد، وحسب أن ما له من الصفات الأخرى إنما هو جزء يسير، وإذا استمع إليه الناس وجدوه خطيبًا فحسب... إلخ.


ما اجتمع لـ"حسن البنَّا" من الصفات التي يختص بواحدة في العباقرة من الناس، والتي كان يتوهمه على واحدة منها كل من نظر إليه من الزاوية التي يفهمها، والحق أن "حسن البنَّا" هو تلك الصورة الضخمة التي تجمع تلك الصفات جميعًا وبحظٍ وافرٍ يوازي– إن لم يزد– ما للمتخصصين فيها من حظٍّ.


أما طاقته العلمية فكانت فريدة؛ فهو يعمل ليل نهار دون أن يبدو عليه أثرٌ من جهدٍ أو كللٍ؛ بل كان هناك من يلقاه ويمضي معه الليل يظن أن في الصباح راحته، وهناك من يلقاه في الصباح ويظن أنه قد أخذ حظه من الراحة ليلاً، ولكنه كان في الحالين يعمل.


وكان مؤمنًا برسالته، وبأن المسلم يجب أن يكون صورة من الرسول- صلوات الله عليه- فهو يأخذ نفسه بما علمه وعرفه عن الرسول، وما أكثر ما علم وعرف عنه ولهذا استعذب كل شيء.


أما ما اجتمع له من مرونة الخلق ورقته، فذلك لم يُتح لأحد، فكثير من الناس كان يأتى إليه ليناقشه في أمور، ويعتقد أن نهاية المناقشة أحد أمرين؛ إما عداوة سافرة، أو خلاف دائم.


وإنني لأدعو شباب المسلمين أن يتخذوا من حياة "حسن البنَّا" محلاًّ لدراسة عميقة؛ ليروا كيف نجح، وكيف توافرت له هذه المزايا التي ذكرت بعضًا منها حتى ينسجوا على منواله، فيتمون ما بدأ، ويصلون إلى ما لم يمهله القدر في الوصول إليه.

المصدر :إخوان اون لاين