التاريخ البلاستيك للأستاذ هيكل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التاريخ البلاستيك للأستاذ هيكل

أحمد عز العرب

نستميح القارئ عذرا في استعارة هذا العنوان من كتاب الكاتب الراحل محمد جلال كشك الصادر سنة 1988 تحت عنوان »ثورة يوليو الأمريكية« والذي أفرد فيه فصلا كاملا من ص35 إلي ص75 عنوانه »التاريخ البلاستيك وهيكل« رصد فيه الوقائع العديدة من التناقض في المعلومات التاريخية في كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل المختلفة بين ما يكتبه في أحد كتبه وما يعيد كتابته في كتاب آخر بعد بضع سنوات عن نفس الواقعة أو بين ما يكتبه في النسخة العربية وما يكتبه في النسخة الانجليزية عن نفس الواقعة في تناقض تام مع الحقيقة ومع السرد لنفس الواقعة في كل حالة.

وقد رصد جلال كشك عشرات الحالات الموثقة من كتب الاستاذ هيكل وحدد في كل حالة المرجع لمن يريد المراجعة.

وتفرض علينا المساحة المحدودة الاكتفاء بمثل واحد لهذا التناقض.

ففي كتاب هيكل عن حرب السويس في النسخة العربية يذكر هيكل اللقاء بين المرحوم الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الراحل روزفلت والذي قال فيه الملك عبدالعزيز عن منح اليهود وطنا في فلسطين أن العرب يرفضون العيش مع اليهود في فلسطين لأن العرب لم يؤذوا اليهود وبالتالي فتعويض اليهود عما فعله هتلر بهم يكون بعودتهم لبلادهم التي هجروها خوفا من النازي.

وفي النسخة الانجليزية من نفس الكتاب يقول هيكل بالحرف الواحد: إن العرب يرفضون العيش مع اليهود في فلسطين أو أي مكان آخر في العالم.

وبذلك يكون موقف العرب من اليهود عنصريا ومعاديا للسامية دون تفسير مقبول.

وليس في الخلاف بين النسختين خطأ في الترجمة فهيكل يعترف في مقدمة النسخة الانجليزية انه ترجم الكتاب بنفسه لعدم حدوث لبس!!

نقول كل هذا بعد سماع حلقة الأستاذ هيكل في قناة الجزيرة يوم 17 نوفمبر الماضي والتي عرض فيها فترة وزارة الوفد الأخيرة من يناير سنة 1950 حتي يناير سنة 1952 ثم الستة شهور الأخيرة من حكم فاروق حتي سقوطه بالانقلاب العسكري في 23 يوليو سنة 1952.

وقد تجني الأستاذ هيكل علي التاريخ وعلي الوفد بصورة مذهلة وعرض بعض المعلومات المنتقاة ليصل بالقارئ إلي نتيجة مغايرة للحقيقة وتضيع معها معالم تاريخ الكفاح الشعبي المصري الذي طمسه الانقلاب العسكري وصور تاريخ مصر كله قبل الانقلاب في صورة جاهلية كاملة انقشعت بوقوع الانقلاب.

ومازالت أجيال ما بعد الإنقلاب تجني ثمار جرائم هذا التزوير العمدي للتاريخ في صورة ضياع للهوية وضياع الديمقراطية والإنسحاق الكامل أمام الاستعمار الأمريكي.

باختصار شديد يقول هيكل إن حزب الوفد عندما عاد للحكم في انتخابات حرة اكتسحها سنة 1949 كان ذلك بصفقة غير مكتوبة مع الملك فاروق سماها هيكل حلف الأعداء وأن الوفد عندها كان قد تحللت عزيمته التاريخية في الكفاح نتيجة السن والرفاهية التي حلت علي الزعيم الخالد مصطفي النحاس وأصبح الحزب وحكومته يسيطر عليهما ثنائي من الزعيم الراحل فؤاد سراج الدين والمرحومة السيدة زينب الوكيل حرم الزعيم الخالد مصطفي النحاس.

وأن الوفد عندما أساء الحكم لجأ الي إلغاء معاهدة سنة 1936 مع بريطانيا في 8 أكتوبر سنة 1951 لتحويل الأنظار عن فشل وفساد حكمه وأن الملك وقع مراسيم إلغاء المعاهدة لإحراج حكومة الوفد وإظهار أنها لا تملك برنامجا لمواجهة الاحتلال وأن الملك استعان بحافظ عفيفي باشا كرئيس للديوان الملكي وعبدالفتاح عمرو باشا كمستشار سياسي لما يملكان من مواهب تنقذ الموقف وأن حريق القاهرة في 26 يناير سنة 1952 تم في الوقت الذي كان فيه سراج الدين باشا وزير الداخلية مشغولا بتسجيل عمارة اشتراها في الشهر العقاري وكان النحاس باشا مشغولا بتقليم أظافر يديه وقدميه بمعرفة اخصائي »بادكير ومانيكير« ولا يعلم هو ووزير داخليته ما كان يشتعل في العاصمة من حرائق وأن الحريق كان سببه المذبحة التي قام بها الانجليز في اليوم السابق لقوات بوليس الاسماعيلية الذين أمرهم وزير الداخلية من مكتبه بالقاهرة بمقاومة الدبابات الانجليزية ببنادقهم البدائية بدل الذهاب للإسماعيلية وقيادة قوات البوليس بنفسه.

وإمعانا في تشويه صورة الزعيم الخالد زعم هيكل أن الطلب الوحيد الذي طلبه الزعيم الخالد من الملك يوم تشكيل الوزارة هو السماح له بتقبيل يد الملك.

وينهي هيكل عرض الفترة بأن الملك أقال حكومة الوفد يوم 27 يناير سنة 1952 عقب حريق القاهرة وشكل علي ماهر الوزارة لمدة شهر ثم طرده الملك وكلف نجيب الهلالي بتشكيل وزارة أعلنت عند قدومها أن هدفها سيكون التطهير قبل التحرير أي القضاء علي الفساد قبل مواجهة الانجليز وأثني هيكل علي عبقرية الهلالي في ذلك وأخذ يستعرض علاقته الحميمة به وبحاشيته.

كان هذا هو تاريخ الفترة كما عرضه هيكل مشوها ومناقضا لكل الحقائق الموجودة في مراجع تاريخ الفترة العربية والأجنبية.

والحقيقة يا أستاذ هيكل ـ سامحك الله ـ كما تعرفها جيدا وكما تصر علي تشويهها للأجيال المنكوبة بحكم الدكتاتورية التي ساهمت أنت بشدة في إقامة صرحه الظالم أن حكومة الوفد جاءت للحكم في يناير سنة 1950 عقب انتخابات حرة اكتسحها الوفد بعد ان عجزت حكومات الأقلية عن فرض معاهدات تربطنا بالاستعمارالبريطاني مثل مشروع معاهدة صدقي بيغن سنة 1947 التي أسقطتها المقاومة الشعبية الضارية وقدمت لها مئات الشهداء مثل مذبحة كوبري عباس سنة 1946 ومذبحة 21 فبراير سنة 1947 في ميدان الاسماعيلية ـ التحرير حاليا ـ واضطر الملك والانجليز إضطراراً الي السماح بانتخابات حرة لعل حكومة تمثل الشعب تستطيع الوصول لتسوية مع الانجليز.

ومنذ إقالة حكومة 1944 للوفد وإنشاء جريدة أخبار اليوم التي كان الاستاذ هيكل يعمل محررا لدي مالكيها والتي أنشئت من أموال مجهولة المصدر كما يعترف هيكل نفسه في كتابه »بين الصحافة والسياسة« كانت رسالة الجريدة منذ إنشائها وحتي الانقلاب العسكري سنة 1952 هي تشويه الوفد وتشويه صورة الحكم البرلماني في نظر الشعب والترويج لأكذوبة »الدكتاتور العادل« الذي تحتاجه مصر طبقا لما تروجه أخبار اليوم وما يشحذ له كتابها ومنهم الاستاذ هيكل أقلامهم.

أما قصة تقبيل الزعيم الخالد ليد الملك يوم تشكيل وزارة الوفد في يناير فقد أخطأت يا أستاذ هيكل وأحبط الله عملك وعمل من يرددها معك فوالله الذي لا يحلف بأعظم منه فإن هذه الواقعة المغلوطة لم تحدث أبدا بل رددتها جريدة أخبار اليوم علي صدر صفحتها لتشويه صورة الزعيم الخالد.

وبطبيعة الحال لم يستطع الزعيم الخالد إصدار بيان علني بتكذيبها حتي لا يصطدم مع الملك من أول يوم فلجأ الي تكذيبها بصورة غاية في الذكاء إذ نشرت جريدتا المصري وصوت الأمة الوفديتان صورة كبيرة لأول لقاء مع الملك يوم تشكيل الوزارة وقف فيها الزعيم الخالد شامخا منتصب القامة مبتسما والملك أمامه شامخ منتصب وقد تشابكت أيديهم الأربعة في مصافحة لم ينحن الزعيم مجرد انحناءة خلالها.

ونسخ هذه الصحف موجودة بدار الكتاب.

سارت حكومة الوفد في المفاوضات مع الانجليز طوال سنة 1950 وحتي خريف سنة 1951 ولما وصلت المفاوضات الي طريق مسدود ألغت حكومة الوفد المعاهدة ولم يجرؤ الملك علي الوقوف في وجه المد الشعبي العارم وقتها فاضطر لتوقيع مراسيم الإلغاء وبدأ الكفاح المسلح ضد الاحتلال بمظاهرة سلمية من مليون شخص سار الزعيم الخالد رئيس الحكومة ووزراؤه في مقدمتها من مقر مجلس الوزراء حتي ميدان التحرير ثم بدأت عمليات المقاومة المسلحة التي كان يمولها سرا بالمال والسلاح وزير الداخلية فؤاد سراج الدين الذي تنعي عليه أنه لم يسافر إلي الاسماعيلية لقيادة جنوده ضد الانجليز فإن كان القائد الأعلي للبوليس مفروضاً فيه أن يقود البوليس في جبهة المواجهة فلماذا يا استاذ هيكل لم تنصح بطلك وولي نعمتك الذي دفع جيشه الي المذبحة فوق رمال سيناء سنة 1967 أن يترك عرشه في منشية البكري بالقاهرة ويتوجه الي سيناء لقيادة ضحاياه؟ ألم يكن وهو رجل عسكري أساسا أقدر من فؤاد سراج الدين المدني علي قيادة جنده؟

أقيلت حكومة الوفد عقب حريق القاهرة الذي تآمر الملك والانجليز علي إشعاله.

وجاء علي ماهر لمدة شهر لتهدئة الشارع الثائر نجح خلاله في القبض علي الفدائيين العاملين بمنطقة القناة وجمع أسلحتهم ثم أمر بالاستقالة بعد أداء مهمته..

وجاءت حكومة نجيب الهلالي الذي تشيد بعبقريته في رفع شعار التطهير قبل التحرير، جاءت ألعوبة في يد الملك يقضي بها علي الحركة الوطنية بهذه المتاهات الزائفة.

وأستعير من كتاب »فاروق ملكا« لأحمد بهاء الدين هذه الجملة في وصف مسرحية التطهير التي أعلنها الهلالي.

قال بهاء رحمه الله: وكان التطهير علي يد الهلالي أضحوكة كبري فقد كان الملك هو الفساد الأكبر الذي يتضاءل بجانبه كل فساد وكان الهلالي ألعوبة في يد الملك«.

باقي التاريخ معروف فقد سقط الملك وجاء العادل المستبد الذي طالما روج له هيكل في جريدة أخبار اليوم وغيرها من الجرائد التي عمل بها ونجح المستبد العادل في سحق الديمقراطية وسحق الإنسان المصري من الداخل وهزيمة مصر والعرب الساحقة أمام إسرائيل سنة 1967 التي مازلنا ندفع ثمنها الي أن يشاء الله ويستيقظ الشعب.

إننا لا ننكر علي الأستاذ هيكل قلمه القدير وقدرته علي تجميع الوثائق واستنباط أجزاء الحقائق مع الأكاذيب حتي يكون »القص واللزق« الناتج هو ما يريد هيكل ترديده.

وختاما يا أستاذ هيكل نذكرك بأسطورة الملك الفارسي الذي كان أعرج وأعور وطلب من أشهر رساميه أن يرسم صورته وأنذره أنه لو أظهر فيها عيوبه الخلقية سيقتله ولو غير الحقيقة فسيقتله أيضا فرسمه الفنان الذكي في صورة جانبية علي حصانه من ناحية عينه السليمة وطبعا لم يظهر بها أن رجله العرجاء أقصر من الأخري وبذلك فلم يغير الفنان الحقيقة كما أمره الملك ولم يقل الحقيقة في نفس الوقت حتي ينجو بجلده.


التاريخ البلاستيك للأستاذ هيكل (2)

أحمد عزالعرب

تحت نفس العنوان نشرنا فى الوفد يوم 2006/17/2 رداً على ما ذكره الأستاذ هيكل فى حلقته بقناة الجزيرة يوم 17 نوفمبر سنة 2005 التى تهجم فيها على تاريخ الوفد وسمعة العمالقة من زعمائه مصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين ونسب لهما من الوقائع المغلوطة ما حاول به تبرير موقفه بجانب ضباط الانقلاب العسكرى فى يوليو سنة 1952 بل موقفه من حكومة نجيب الهلالى التى كانت ألعوبة فى يد الملك السابق فاروق.

وذكرنا أننا استعرنا عنوان المقال من كتاب الكاتب الراحل جلال كشك »ثورة يوليو الأمريكية« الذى أفرد فيه فصلاً رصد فيه الوقائع العديدة من التناقض فى المعلومات التاريخية فى كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل المختلفة بين ما يكتبه فى أحد كتبه وما يعيد كتابته فى كتاب آخر عن نفس الواقعة بعد بضع سنوات أو بين النسخة العربية والنسخة الإنجليزية من أحد كتبه عن نفس الواقعة.

ونضطر اليوم آسفين إلى إعادة تصحيح تاريخ مصر وتاريخ الوفد الذى تجنى عليه هيكل فى حلقته بقناة الجزيرة يوم 8/6/2006 التى خصصها لتحريف التاريخ والتطاول على كل زعامات الوفد التاريخية بدءاً من الزعيم الخالد سعد زغلول ثم الزعيمين العملاقين مصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين مكتفين ببعض الحقائق فى حدود المساحة المتاحة.

يقول هيكل عن سعد زغلول ان رغبته فى الانفراد بالزعامة وطغيانها دفعته الى التجنى على أقطاب مصر أمثال لطفى السيد زعيم الليبرالية المصرية وعدلى يكن وعبدالخالق ثروت واتهامهم بالخيانة وممالأة الاستعمار البريطانى.

ومرة ثانية نقول له سامحك الله يا أستاذ هيكل فقد خلطت بين صلابة الزعامة التى كانت حجر الزاوية فى شخصية سعد زغلول وبين ما تسميه طغيانها فلم يكن سعد يعرف أى قدر من المساومة على حقوق الأمة مهما كانت النتائج بينما كان الرجال المخالفون له فى الرأى الذين ذكرهم هيكل من المؤمنين بالمهادنة مع الاحتلال البريطانى والاكتفاء باستقلال رمزى لا يختلف كثيراً عن الحكم الذاتى فقد كانوا من طبقة كبار ملاك الأرض الزراعية المرتبطة بالقصر الملكى الذين قال عنهم المندوب السامى البريطانى يوماً إنهم أصحاب المصالح الحقيقية فى مصر.

وحتى لا نجارى الأستاذ هيكل فى اغتياب رجال انتقلوا الى رحاب الله وحاولوا خدمة وطنهم فى حدود ما اعتقدوا فى صوابه نكتفى بأن نذكرّ هيكل بأن لطفى السيد الذى كان يوماً أبا الليبرالية المصرية هو نفسه الرجل الذى نعى على الشعب اختياره الكاسح للوفد ولسعد زغلول فى أول انتخابات حرة فى تاريخ مصر سنة 1924 التى تمت بعد صدور دستور سنة 1923 وعبر لطفى السيد وقتها عن غضبه على الدستور وعلى المصريين لسوء اختيارهم »قائلاً قولته الشهيرة إن دستور سنة 1923 ثوب فضفاض أكبر من مقاس الأمة المصرية«.

ينتقل هيكل بعد ذلك الى إعادة تجريح الزعيمين الخالدين مصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين بترديد اسطوانته المشروخة عن قلب الأوضاع التاريخية بالنسبة لحادث 4 فبراير سنة 1942 موحياً أن الوفد جاء الحكم على أسنة الرماح البريطانية والحقيقة التاريخية التى تخرق عين من يتحداها كانت أن مصطفى النحاس قبل الوزارة بإلحاح شديد من فاروق ولانقاذ عرشه من السقوط.

ومرة أخرى يكرر هيكل أنه خلال حريق القاهرة يوم 26 يناير سنة 1952 كان مصطفى النحاس يقلم أظافر يديه وقدميه ولا يدرى بما يدور فى العاصمة وكان فؤاد سراج الدين وزير داخلية مشغولاً بتسجيل عمارة اشتراها فى الشهر العقارى.

ويثبت هيكل بالإصرار على ترديد هذه الأكاذيب أنه من أنجب تلامذة عبقرى الدعاية التاريخى الدكتور جوبلز وزير دعاية هتلر الذى كان يدرب تلاميذه على الدعاية قائلاً: اكذبوا وأمعنوا فى الكذب واستمروا فى ترديده حتى يظنه الناس بل وتظنوه أنتم صدقاً«.

وأخيراً تبلغ الجرأة على التاريخ الزعم بأن ضباط الانقلاب فى يوليو سنة 1952 كانوا منقسمين بشأن عودة البرلمان وعودة الديمقراطية وأن جمال عبد الناصر كان زعيم التيار الديمقراطى الذى يريد عودة البرلمان الوفدى للحكم تطبيقاً للشعار الذى أعلنه قادة الانقلاب عند وقوعه وهو العمل فى ظل الدستور وأنه لو كان النحاس فى مصر يوم وقوع الانقلاب ولم يكن مسافراً خارج مصر لتغير التاريخ.

ونرد على الأستاذ هيكل وتاريخه الانتقائى الذى سبق به ترزية القوانين فى عهدنا الحالى السعيد الذى مهد له الأستاذ هيكل بتفانيه فى إقامة صرح الدكتاتورية العسكرية منذ وقوع الانقلاب سنة 1952 حتى استغنى السادات عن خدماته سنة ،1974 نرد على هيكل قائلين إن الانقلاب العسكرى سنة 1952 سمح الاستعمار الغربى بنجاحه عندما كانت مصر على أبواب ثورة شعبية اجتماعية وسياسية كاسحة بعد أن ألغت حكومة الوفد المعاهدة مع بريطانيا سنة 1951 وبدأ الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطانى وأن حريق القاهرة فى يناير سنة 1952 الذى تآمر الملك والإنجليز على إشعاله تم قبل ثلاثة أيام من اقرار البرلمان الوفدى لمشروع قانون إباحة حمل السلاح الذى قدمه له وزير الداخلية فؤاد سراج الدين.

وأن الإنجليز ومن ورائهم أمريكا سمحوا بنجاح الانقلاب بعد أن تهالك الحكم الملكى تماماً وأنه لو تدخل المائة ألف جندى بريطانى الموجودون يومئذ بمصر ضد الانقلاب بحجة حماية الملك الشرعى لتغير تاريخ مصر قبل غروب شمس 23 يوليو سنة 1952 .

وليس معنى ذلك أن ضباط الانقلاب كانوا عملاء للغرب بل ضباطاً وطنيين يريدون خدمة بلدهم بالطريقة التى يعرفونها وهى الحكم العسكرى الدكتاتورى.

وقد فضل الإنجليز تركهم ينجحون فى انقلابهم قبل أن تستولى الثورة الشعبية على مصر فالتعامل مع الدكتاتورية أسهل كثيراً من التعامل مع ثورة وطنية.

وحتى لا يتهمنا أحد بالتجنى على ضباط الانقلاب نسوق شهادة أحدهم من قادة الصف الثانى للضباط الأحرار وهو السيد محمد أحمد البلتاجى الذى أصبح فيما بعد محافظاً للجيزة وهى الشهادة التى أوردها الشاعر المعروف فاروق جويدة فى كتابه »من يكتب تاريخ ثورة يوليو« ص250 وما بعدها يقول البلتاجى: كنت فى غرفة السويتش الساعة 4 صباحاً بعد استيلائنا على القيادة وكنت فى غاية التوتر خوفاً مما قد يفعله السبعون ألف جندى بريطانى لو تحركوا ضد الثورة.

وحضر جمال عبد الناصر لى فى غرفة السويتش وطمأننى أن الإنجليز موافقون على حركة الجيش!!! ولا تعليق لنا.

أخيراً يا أستاذ هيكل فأنت سيد العارفين أن جمال عبد الناصر وزملاءه لم يدر فى خلدهم أبداً الالتزام بالشرعية الدستورية التى تشدقوا بها فى برنامجهم الانقلابى والدليل البسيط على ذلك أنه بعد أقل من أسبوع من الانقلاب واجهت ضباطه مشكلة أن الدستور الذى تعهدوا باحترامه وهو دستور سنة 1923 كان ينص على دعوة البرلمان للانعقاد بمجرد وفاة الملك لإعلان ولى العهد ملكاً أو تعيين مجلس وصاية لو كان ولى العهد قاصراً وأنه لو كان مجلس النواب منحلاً كما كان الحال عند وقوع الانقلاب يدعى المجلس المنحل للقيام بهذه المهمة ثم ينصرف.

ولما كان عبدالناصر ورفاقه رافضين تماماً للحكم المدنى الدستورى ولعودة برلمان الوفد المنحل للانعقاد للقيام حتى بهذه المهمة المحددة فقد طلبوا من الآباء الروحيين لترزية القوانين ايجاد مخرج لهم من هذا المأزق فقام السنهورى رئىس مجلس الدولة رحمه الله وغفر له بدعوة الجمعية العمومية لمستشارى مجلس الدولة وأوجد لهم المخرج قائلاً إن الدستور نص على حالة خلو العرش بوفاة الملك ولكنه جاء خلواً من النص على خلو العرش بتنازل الملك كما فعل فاروق وبذلك فان ضباط الانقلاب يكونون فى حل من عدم دعوة مجلس النواب الوفدى للانعقاد.

ولم يخرج على هذا الإجماح الظالم لمستشارى مجلس الدولة سوى صوت وحيد فريد فى الصلابة فى الحق هو صوت المستشار المرحوم الدكتور وحيد رأفت الذى كان اسماً على مسمى والذى ذكر زملاءه أنهم بفتواهم هذه يضعون أسس الحكم الدكتاتورى فى مصر.

إننا فى النهاية نعلم قدرات الأستاذ هيكل الإعلامية تماماً مهما جار على الحق وظلم التاريخ ونعلم أن المنبر المتاح له فى قناة الجزيرة الفضائية يغطى أضعاف أضعاف المنبر المتاح لنا فى جريدة الوفد ولكننا نؤمن إيماناً لا يتزحزح بأن ظلام العالم كله لا يستطيع أن يطفئ ضوء شمعة.