الجهاد بالنية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١١:٣٣، ١٧ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الجهاد بالنية



الجهاد-2.jpg

النية الصادقة أكبر معين في معركة العقيدة وأهم عامل للنجاح في شتى مناحي الحياة


النيَّـة الصادقة معيار قبول الأعمال

النيَّـة الصادقة معيار قبول الأعمال، وأساس التوفيق والنجاح في شتى ميادين الحياة، بها تنقلب العادة عبادة، ويصعد العمل الصالح إلى الله عز وجل، وكلما صدقت النيَّـة وصحت نزل العون، والتأييد من السماء.

من المواقف التي يتجلى فيها المعنى السابق واضحاً جلياً: فتح المدائن.

ففي السنة السادسة للهجرة، وعقب فراغ سعد بن أبي وقاص من فتح بلدة "نهر شبر" على شاطئ دجلة، قرر العبور إلى المدائن على الشاطئ الآخر، لكن زيادة مياه دجلة كانت عظيمة لا يستطيع أحد عبورها، ولا وسيلة غير العبور، فماذا عساهم فاعلون؟


وقف سعد خطيباً بجيشه على شاطئ دجلة، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر، فلا تخلصون إليهم معه، وهم يخلصون إليكم إذا أرادوا، فيناوشونكم في سفنهم، وليس وراءكم شيء تخافون أن تُؤتوا منه، وقد رأيت أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن تحضركم الدنيا، ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم، فمن مجيبي؟


علت كلمات سعد على تلاطم أمواج دجلة، وسرت في نفوس جند الإيمان، فحرّكت في القلوب الشوق إلى لقاء الله ـ عز وجل ـ إنه جهاد النيّـة، هذا هو السلاح الذي لا يفل، والقوة التي لا تُغلب، وهل خلف القوم وراءهم كل غال وعزيز، واستقبلوا الموت إلا من أجل هذه الغاية؟


فصاحوا جميعاً: عزم الله لنا ولك الخير، فافعل.


وسارع الشجعان، وذوو البأس إلى العبور الفوري، وبلغ عددهم ستمائة فارس، وصاح مقدمهم: أتخافون هذه النطفة!، وقرأ قول الله تعالى: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا (آل عمران: 145)، ثم أقحم فرسه الماء، وتبعه إخوانه بخيولهم، فعبروا جميعاً كأنما يسيرون على اليابسة، وصدوا حامية الفرس، ليعبر سعد ببقية الجيش.


كان يوماً عظيماً، وأمراً هائلاً، وعملاً جاء امتداداً لمعجزات رسول الله ص أجراه الله على أيدي أصحابه، ولم يُر مثله من قبل.


سار على الماء بجوار سعد بن أبي وقاص: سلمان الفارسي، وكان سعد يردد: حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرنَّ الله وليَّـه، وليظهرن دينه، وليهزمنَ الله عدوه، إن لم يكن في الجيش بغي، أو ذنوب تغلب الحسنات.


خرج الجميع من الماء، وساقوا وراء الأعاجم، حتى دخلوا المدائن، وكان الفتح المبين، ونزل سعد في القصر الأبيض، واتخذ الإيوان مصلى، وارتفع صوت الحق في معقل المجوسية، وحصنها الحصين، وعلا صوت سعد بالقرآن الكريم: كم تركوا من جنات وعيون 25 وزروع ومقام كريم 26 ونعمة كانوا فيها فاكهين 27 كذلك وأورثناها قوما آخرين 28 فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين 29 (الدخان).

ثم تقدم إلى صدر الإيوان وصلى للفتح ثماني ركعات


دروس وعبر

عنصر الإخلاص من أهم عوامل حسم المعركة لصالح المخلصين، إنه حبل الرجاء الذي يربطه أصحابه بمدد السماء، ويقوي عزائمهم على المضي في خوض معركة العقيدة، وجهاد الدعوة، مستشعرين لطف الله وتأييده، وهذا الرجاء الصادق هو السبب الرئيس في التفوق، والتغلب على الأعداء، إنه السلاح الفعال الذي أحرزه المؤمنون، وخلت منه ذخيرة العدو: وترجون من الله ما لا يرجون (النساء: 104).


من هنا حرص سعد ـ رضي الله عنه ـ على إثارة هذا المعنى في نفوس جنوده:


"وقد رأيت أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم، فإنها سلاح خصكم الله تعالى به، وفضَّلكم على من سواكم، به انتصر أسلافكم، وبه تقهرون عدوكم، وتظفرون بأمانيكم".


وتحقق لسعد ما أراد، فاجتاز دجلة بجيشه، كما اجتاز موسى البحر بقومه، كلاهما جعل الله غايته، وسار في كنف العناية: تحفظه القدرة، وتحفه الألطاف الربانية، فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى" إنا لمدركون 61 قال كلا إن معي ربي سيهدين62 (الشعراء).


وكان شعار سعد: "نستعين بالله، ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، فخرجوا من الماء بنعمة من الله وفضل، لم يمسسهم سوء، ولا نالهم أذى.


الرعيل الأول

تفرَّد جيل الصحابة بكثير من المزايا والبطولات، ذلك أنهم تلقوا المنهج مشافهة من النبي ص، ثم وقفوا عند تعاليمه، لا يتعدونها قيد شعرة، ولا يخلون بتطبيق جزئية منها، فآتى ثماره في حياتهم، وارتقى بهم إلي القمة السامقة، من محاسن الأخلاق، ومحامد الفعال، وكريم الصفات، وانتشلهم من مساوئ بيئتهم، وضلالات قومهم، ليكونوا خير أمة أخرجت للناس، فأرست دعائم حضارة، لم تنعم الإنسانية بمثلها منذ وجد الإنسان.


ثم تلقى جيل التابعين المنهج عن صحابة أوفياء، وأساتذة أمناء، كانوا هداة لهم بالأعمال، والأفعال، فعلموهم العلم والعمل، ونقلوا إليهم عنصر النبوة بوضاءته وأنواره، ومثلوه لهم واقعاً عملياً، حتى لكأنهم يعايشون نزول الوحي ـ غضاً ـ على النبي ص ، فاستمر أثر المنهج في حياتهم، وأصبحوا امتداداً للجيل الرباني الفريد، وجزءًا مكملاً له.


والدارس لتاريخ الأمة الإسلامية يرى أن تقدمها وازدهارها أو تخلفها وانحدارها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى قربها من منهج الله أو بُعدها عنه.

فما من فترة جعلت منهج الله نبراسها وهاديها إلا قادها إلى الخير والنصر، والتقدم والازدهار.


وما اتخذت منهج الله وراءها ظهرياً إلا انفرط عقدها، وتغلب عليها من هو أقل منها عدداً وأضعف عتاداً، فاحتل أرضها، وفرّق شملها، واستباح حماها، وعاشت معه حياة ضنك وبلاء، لا يخرجها منها إلا عودة صادقة إلى منهج الله عز وجل.


لم تشغل روعة المدائن، وأبهة الإيوان سعداً وجيشه، ولم يخطف أبصارهم بريق الذهب والفضة، والأثاث والرياش، ولا ما جمعه الأكاسرة وشادوه على امتداد قرون من حضارتهم، نعم لم يلقوا عصى التسيار، وعدة الجهاد ليجنوا ثمرات الفتح، فينعموا بالجميلات من النساء، ويخلدوا إلى الراحة والمتعة في الظلال الوارفة، يستعذبون صافي الماء، ويستنشقون نقي الهواء، لا، لم يخطف بريق النصر أبصارهم، بل توجهوا إلى خالقهم بالشكر على ما أنعم، وبالدعاء أن يديم النعمة والانتصار، فخطَّوا قبلتهم، وصلوا صلاة الفتح، حمداً لله على سابغ نعمته، ووافر فضله.


إنهم بهذا يتجردون من حولهم وقوتهم، ويردون الأمر لصاحبه الذي خلق ورزق وآوى ونصر.


أسباب النصر

بكلمات معدودات لخّص سعد بن أبي وقاص هذه الأسباب فقال: "والله ليظهرنَ الله دينه، وليهزمنَ عدوه: إن لم يكن في الجيش بغي، أو ذنوب تغلب الحسنات".


إنها الحقيقة التي لا يمارى فيها، فإن البغاة إذا انتصروا ازدادوا عتواً عن أمر ربهم، وعصوه في عباده، وعطلوا أحكام دينه، ومنعوا مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه، وسعوا في خرابها، ثم تولوا في الأرض ليفسدوا فيها، ويُهلكوا الحرث والنسل، ويحاربوا الناس في أقواتهم، ويعتدوا على حرماتهم، فما كان الله ليمد هؤلاء بنصره، إن الله بالناس لرؤوف رحيم.


إن الجيوش التي تستمرئ الذنوب، وتنهكها المعاصي غير مؤهلة للذود عن حرمات الأمة، أو الذب عن حياضها، فضلاً عن حمل الرسالة، وتسنُّم الموقع الطليعي أو القيادي.


فمن استسلم لأهوائه، وانقاد لشهواته، فمكانه خارج حلبة القتال، وقيادة الجيوش.


واجب القائد

قائد كل عمل هو العقل المدبر، والفكر المخطط لإنجاح عمله، وبمقدار حبِّـه لعمله، وحرصه على إنجاحه يستقيم العمل وينجح.


قائد الجيش ليس بدعاً بين القيادات، فهو المدبر لشؤون جنده، الحريص على تأمين سلامتهم، ومعرفة مشكلاتهم، يجنبهم مواطن الهلاك، ويدفع عنهم أسباب الضر كافة.


إنه واحد منهم، لا يستأثر بشيء دونهم، ولا يتخلف عن معركة، أو موقعة يخوضونها.


هذا ما اتسم به موقف سعد ـ رضي الله عنه ـ: فقد أعلن للجيش عزمه على عبور دجلة، دون أن يجبر أحداً منهم على ذلك، ولما تدافع ذوو البأس من الرجال تريث مع جمهرة الجيش، ولم يدفعه الحماس إلى المخاطرة بالجميع، فلابد من الاطمئنان إلى نجاح التجربة، وسلامة المغامرين، فإن نجحت خاضوها جميعاً، وإن أخفقت سلمت له غالبية جيشه، ليحول المعركة إلى ميدان آخر. واقع مرير


لا تتحقق العبرة من دراسة التاريخ إلا بإسقاطه على الواقع، قال تعالى: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب (يوسف: 111).


والناظر في واقع غالبية جيوشنا يرتد طرفه حسيراً أسيفاً، إذ حيل بينهم وبين الفضيلة والأخلاق، وهُيئت لهم جل أسباب الفساد، ففشت فيهم المعاصي والذنوب، فعادوا من معاركهم مشاة في وهج الشمس، ولفح الهجير، وقد جلبوا معهم الخيبة والهزيمة، وما كان أسهل النصر لو أعدوا له عدته:


رباه قد أصبحت أرواحنا شيعاً

فامنن علينا براعٍ أنت ترضاهُ

راعٍ يُعيد إلى الإسلام سيرته

يرعى بنيه وعين الله ترعـاه.