الحركة الإسلامية في ماليزيا نشأتها منهجها تطورها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحركة الإسلامية في ماليزيا نشأتها منهجها تطورها

تأليف: محمد نورى الأمين بن إندوت

مدرس الحضارة الإسلاميةفي جامعة التكنولوجها (بتروناس)

الإهداء

إلى العلماء العاملين.... والدعاة المجاهدين .. إلى جند الله المرابطين..

وإلى أمري العزيزة .. التي ربتني وعلمتني ودعت لى بالتوفيق

وإلي زوجتي ... التي كانت لى نعم الأنيس والرفيق

وإلى قرة عيني .. ولديّ العزيزين .. سمية ونعمان.. حفظهم الله تعالي

تقديم

فضيلة الشيخ عبد الهادي بن أوانج نائب رئيس الحزب الإسلامي الماليزي وكبير وزراء ولاية ترنجانو الماليزية

الحمد الله القائل في كتابه (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) والصلاة والسلام على حبيبنا وقدوتنا وأسوتنا محمد قائد الدعاة المجاهدين وعلى آله وصحبه أجمعين ..أما بعد

فإن الدعوة الإسلامي تأخذ دورا بارزا في الدفاع عن الإسلام والمسلمين في ماليزيا سواء في عهد الاستعمار أو في عهد سيطرة العلمانية بعد استقلال البلاد .. أمد العهد الأول فلم تستطع القوات العسكرية والسياسية التي تسيطر على أرض البلاد ضد انتشار الإسلام ونشر المسيحية بين السكان

فالإسلام لم يزل منتشرا في بلاد جنوب شرق آسيا ومن بينها ماليزيا منذ الفترة التي قامت فيها القوات البريطانية والهولندية والبرتغالية بتقسيم المنطقة كما إن إجبار أهل البلاد بالقوة على ترك دينهم أدي إلى إشعال غضب المسلمون وإذكاء حماستهم على طرد الاستعمار والاستجابة للدعوة الإسلامية .

وأما في العهد الثاني فقد أصبحت الحركة الإسلامية على يد الدعاة والمجاهدين وبفضل الجهود المبذولة حصنا قويا للدفاع عن شخصية المسلمين ومكانتهم في مواجهة العلمانيين الذين ورثوا تركة الاستعمار الغربي الصليبي بعد استقلال البلاد

وبذلك بدأت الحركة الإسلامية المنظمة تواجه الأيديولوجيات الهدامة التي تغزو عقول المسلمين وأفكارهم وتحكم حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى تقوم بالدور الجهادي المنوط بها فتبقي هي الفئة المسلمة التي تقوم على الحق لا يضرها من خذلها حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك .

وإني إذ أكتب هذا التقديم الموجز لأرجو أن يكون هذا البحث القيم الذي أعده الأخ الفاضل محمد نوري الأمين بن أندوت يفصل ما أجملت ويبين ما قلت لكي يعرف الإخوة العاملون في حقل العمل الإسلامي أن لهم في بلادهم ماليزيا أخوة يقفون صفا يؤدون واجب الدعوة والنصرة لهذا الدين صفا واحدا ويدا واحدة حتى يرجع أمر هذا الدين إلى ما كان عليه فطوبي للدعاة إلى الله .

أخوكم الحاج عبد الهادي بن الحاج أوامج
نائب رئيس الحزب الإسلامي في ماليزيا وكبيرا وزراء ولاية ترنجانو

شكر وتقدير

أتوجه بالشكر والحمد والثناء لله تعالي على عظيم فضله وجزيل كرمه أن أكرمني بخدمة دينه أولا ثم أتم علىّ نعمته ووفقني إلى إنجاز هذا العمل فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه سبحانه وتعالي ثم أتوجه بجزيل الشكل والامتنان للقائمين على جامعة آل البيت أدامها الله ذخرا للإسلام والمسلمين

كما أتوجه بجزيل الشكر والتقدير لأستاذنا الفاضل فضيلة الدكتور شريف الشيخ صالح الخطيب الذي شرفني بالإشراف على هذا البحث وما أولاني من نصح وتوجيه وإرشاد طيلة فترة عملي في البحث فجزاه الله عني خير الجزاء وحفظه الله في بدنه وولده وماله

كما أتوجه بالشكر للقائمين على الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا وأخص منهم أستاذنا الكريم بالشكر للقائمين على الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا وأخص منهم أستاذ الكريم الدكتور محمد نور منوطي المشرف المشارك على هذا البحث فجزاه الله خيرا على جهوده الطيبة

كما أتقدم بالشكر والتقدير لكل من مد يد العون والمساعدة لإنجاز هذا البحث وأخص منهم أصحاب الفضيلة الأساتذة المناقشين ما سيقدمونه لى من نصح وتوجيه فجزاهم الله خيرا ..

والحمد لله رب العالمين
محمد نوري الأمين

المقدمة

لقد أصبحت الصحوة الإسلامية واقعا ملموسا وحقيقة ناصعة لا يماري فيها منصف ولا ينازع فيها عاقل , هذه الصحوة التي بعثت الأمل وحركت العواطف وهزت العقول في انطلاقه إسلامية في الحياة كلها كرسالة تستوعب كل تطلعات الإنسان – السوى – في الإيمان والحرية والعدالة وكل معاني الخير ليبتعد ذلك الإنسان عن كل سفاسف الأرض ورذائلها ويسمو بعقله وروحه وفكره إلى الأعلي ليحقق معاني الخلافي ويقوم بواجب الإعمار الشامل روحيا وماديا ؛

ويتحرك في امتداد هذه الحياة ليصل إلى التكامل الفكري والعلمي بحيث لا يترك فراغا يجتذب الأفكار الأرضية الأخرى إنها دعوة الإسلام كله إلى الحياة كلها غيبا وشهادة عبادة ومعاملة روحا ومادة يلتزم الأخلاق ويؤصلها ولكن ليس بعيدا عن باقي مفردات الحياة الأخرى في السياسة والاقتصاد والأمن والاجتماع .

وإن ما حققته وتحققه هذه الصحوة الإسلامية المباركة ليس مجرد ضربة لازب ولا صدفة من الصدف بل إنها أولا قدر الله وإرادته ومقتضي حكمته وعلمه عزوجل ثم بعد ذلك هي جهد وجهاد وعمل متواصل ودعوة وتعليم وتربية وإعداد وحشد للمقدرات وتعبئة للصفوف في كل ميادين الحياة هذا هو حركة الإسلام التي جاءت لتخترق كل إشكالات الواقع في فترات التخلف والظلام التي سادت تاريخ أمتنا حينا من الزمان ؛

لقد جاءت الحركة الإسلامية لتجتذب إليها الجيل الإسلامي المنفتح على الحياة وبدأت الساحات تدفع بالشباب الذي يفكر بالإسلام من موقع متميز شامل يعتمد على ساسا تربوي متين وفكر حي مستنير وأصالة مهيبة ومعاصرة واعية مكن هذه الحركة وأبناءها أن يطلوا على هذه الألفية الثالثة من موقع حضاري متحرك في عناصره وخصائصه التي تفصله عن المواقع الأخرى

لقد جاءت الحركة الإسلامية في هذه الظروف تدعو إلى حكم الإسلام وحياة الإسلام وأخلاق الإسلام وتقدم النموذج العملي لكل ذلك من خلال فصائلها المتنوعة الاهتمامات والمتكاملة الأهداف والمتوحدة في غايتها ووجهتها .

كما لا ينكر أحد على الحركة الإسلامية أنها هي التي كانت وراء هذه الصحوة العريضة التي عجزت بعض القوى على مواجهتها فسعت لمواكبتها وأعيت الأعداء أن يجتثوا جذورها لأنها أصبحت بفضل الله هي الجذور نفسها لهذه الأمة المباركة وهي الأمل الذي يترعرع في أحضانه جيل جديد بشكل بارقة الأمل وانطلاقه النور لهذه الأمة ولعودتها إلى مركزها الطبيعي الذي خلقت لتكون فيه وليس لوجودها مبرر آخر إلا هو فإن لم تكن فيه فهي في حقيقة الأمر لا مبرر لوجودها ..

إلا أن كل هذه الانتصارات التي حققتها الحركة الإسلامية في قيادتها للأمة فترة طويلة وكل هذه الآمال المعقودة عليها تبقي قاصرة ما لم تواصل الحركة الإسلامية حركة التطوير وتطيل المراجعة والنقد البناء لحركتها هذه وتنظر فيما حققته وتستشرف المستقبل وتخطط له وتعد العدة لأن ذلك هو أمارة الصدق في الخروج والإخلاص في القصد كما قال تعالي (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة)

وإن محافظة الحركة الإسلامية على مواقعها المتقدمة الجديدة التي انتقلت إليها الدعوة الإسلامية بفعل هذه الحركة المباركة العالمية وحازتها بفضل الله تعالي تفرض كما يقول الأستاذ الراشد في صناعة الحياة وقفة تأملية على أبنائها يتدارسون خلالها الربانية الكريمة التي حباهم الله بها جراء صبرهم الطويل في المحن وثبات ألسنتهم وأقدامهم في مقابلة الفتن .. وما يزال الدعاة بخير ماذعنوا للمنطق ودفعهم الاجتهاد الحر إلى السير في دروب الإبداع والتنويع .

إن ماليزيا بوصفها إحدى بلاد المسلمين التي تشهد صحوة إسلامية واعدة كان لها نصيب من هذه الجهود المباركة للحركة الإسلامية إذ ترتبط الحركة الإسلامية فيها ارتباطا وثيقا بجذور وصول الإسلام إلى هذه البلاد وبمزايا الموقع والسكان على هذه الرقعة من الأرض وإننا نقصد بالحركة الإسلامية معني متميز هو المعني الذي استقر عليه فهم دعاة الإسلام في مراحل متأخرة من مراحل العمل الإسلامي

وأصبح هو المتبادر الآن إلى الأذهان فمقصودنا من الحركة الإسلامية أولا ذلك المعني الواسع للحركة وهو معني قريب مما ذكره الأستاذ مصطفي الطحان في كتابه تحديات سياسية أن الحركة الإسلامية هي قاسم مشترك بين العاملين للإسلام سواء كانوا حركات إسلامية قطرية أم إقليمية أم عالمية أو حركات إصلاحية لأهداف محدودة أو أجهزة رسمية تعمل على نشر وترسيخ مبادئ الإسلام ؛

أو جمعيات خيرية تساعد أصحاب الحاجات من المسلمين أو حركات سياسية تناصر القضايا الإسلامية أو حركات طلابية تعمل على تجميع الطلبة في إطار إسلامي أو حركات فكرية تعمل على نشر الفكر الإسلامي وتصحيح المسار أو حركات سلفية تعني بعقيدة الأمة أو حركات صوفية تجاهد في سبيل نشر الإسلام بل ويشترك في هذا الإطار الأفراد الذين يعملون حسب اجتهادهم في خدمة الإسلام ..

فالحركة الإسلامية كل هذا لا يحدها مذهب ولا يحتكرها قوم ولا يدعي ملكيتها فريق .. بل هي هامش مشترك لكل من يساهم في القضية الإسلامية , ومن هذا المنطلق شملت الدراسة عددا من الأنشطة لمختلف الأحزاب والتنظيمات والجماعات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية على اختلاف المذاهب والاتجاهات إذ أنها تصب في النهاية في خدمة الإسلام والدعوة الإسلامية على تفاوت بينها

إلا أننا أحيانا نضيق هذا المعني نوعا ما فنقصد بالحركة الإسلامية معني أضيق من هذا يشمل فقط الجماعات الإسلامية ذات النهج المتكامل والعمل الجهادي سياسيا وتربويا ودعويا وحركيا بهدف إقامة الدولة الإسلامية وإقامة أحكام الشريعة وحدودها والتي لا ترضي بأقل من ذلك هدفا استراتيجيا لها على المدى الطويل وتعتبر أن هذا هو مبرر وجودها وقيامها ولا يخفي على القارئ هذا المعني من خلال تصفح موضوعات الكتاب والوقوف عند محطاته المختلفة .

ومن الجدير بالذكر في هذه المقدمة الموجزة أن هناك عدة أمور يتضح من خلالها أن للوجود الإسلامي في ماليزيا ومزايا وخصائص تميزه عن غيره في هذه البقعة من بلاد المسلمين جنوب شرق آسيا بعامة وهي مزايا قد لا توجد في كثير من بلاد الإسلام

ولعل من أهمها:

  1. أن مما اتفق عليه بين المؤرخين أن وصول الدعوة الإسلامية إلى هذه البلاد كسان بطريق سلمي ولم يلق دعاة الإسلام عناء كبيرا بالنسبة لغيرها من البلاد في جذب إقبال الناس إلى دين الله وهذا ما تؤيده شواهد التاريخ على ذلك إذ توسع المد الإسلامي في هذه البلاد بشكل سريع وقوى لدرجة أن أهالي تلك البلاد قد أكرموا من حمل هذه الدعوة وما زالوا إلى يومنا هذا يكنون الاحترام ويعترفون بالفضل لأولئك الدعاة من أصول عربية أو غيرها ممن حمل الدعوة الإسلامية إليهم عن طريق التجارة أو لغرض التعليم والدعوة .
  2. طبع الشعب الملايو في جنوب شرق آسيا وما تميز به من خصائص أخلاقية وذوقية ملاحظة ومشاهدة على هذا الجنس من البشر كما يشير إلى هذا المفكر الكبير مالك بن نبي حيث يقول في كتابه المسلم في عالم الاقتصاد عن هذه البلاد وأهلها:رقعة من الله عليها بأخصب تربة تنبت من كل أنواع الخيرات في مناخ يجعلها تنتج مع ثمراتها في ثلاثة مواسم وأسكن فيها مئة مليون من العباد يعجب الإنسان من ذكائهم ومن ذوقهم الجمالي المرهف .... هذه الخصائص وغيرها أكسبتهم مرونة عالية في التعامل مع كثير من الأحداث والمتغيرات وهذا ما يشهد به تاريخ ماليزيا الذي يعتبر نموذجا متميزا للتعايش السلمي مع الآخرين وحسن الجوار والمعاملة كما أن هذه الخصائص كان لها أثر واضح على إتقان التنظيم والتخطيط لأعمال الدعوة الإسلامية على يد أبناء الحركة الإسلامية من الماليزيين .
  3. تركيبة المجتمع الماليزي ذات الأعراق والأجناس والأديان المختلفة وفي ظل تعايش هذه الفئات معا منذ أزمان طويلة مما يجعل هناك تبعا لذلك تنوع في أساليب الدعوة الإسلامية وأنواعها فمنها ما يخاطب المسلمين بخاصة ويرفع من مستوي التزامهم بهذا الدين الحنيف ومنها ما يتكفل بدعوة غير المسلمين والاهتمام بحديثي العهد بالإسلام.... فهناك جهود موزعة ومختلفة من حيث الاهتمامات حيث يشكل غير المسلمين أقلية عريضة وذات ثقل ووزن في الحياة الاقتصادية والسياسية وهو واقع تأخذه الحركة الإسلامية بعين الاعتبار وبدرجة كبيرة من الاهتمام والعناية لأهميته في المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد ويتضح هذا في الائتلاف الأخير الذي ضم عددا كبيرا من المعارضة من غير المسلمين إذ تم التوصل إلى قواسم مشتركة بين الحركة وبين هؤلاء المعارضين تحقق للبلاد نوعا من الاستقرار على المدى الطويل بإذن الله وتكفل دعم أو حياد على الأقل الأطراف غير الإسلامية للمشروع الإسلامي ..
  4. طبيعة الحياة السياسية للدولة الماليزية منذ وصول الجبهة الوطنية بقيادة الحزب الوطني للحكم بعد خروج المستعمر الانجليزي حيث نجحت هذه السياسات المتبعة على الصعيد الخارجي بالذات إلى حد كبير في إظهار توجه إسلامي واضح وبخاصة في فترة تولي أنور إبراهيم زعيم حركة الشباب الإسلامي "أييم" سابقا منصب نائب رئيس الوزراء في ماليزيا حيث كان يمثل أقوى الأصوات المنادية إلى ما يسمي بأسلمة الحياة والنظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وقد خطا خطوات واسعة في هذا المجال انتشرت وذاع صيتها في كثير من البلاد ومنها ما كان يمثل تجارب متقدمة في مجال التطبيق الإسلامي وبخاصة في المجال الاقتصادي .. فهذه الجهود والمحاولات بغض النظر عن مقاصد الحكومة من ورائها تعتبر ذات أثر كبير أيضا على أداء الحركة الإسلامية لأنها تتطلب من هذه الحركة المبادرة والمسارعة في تطوير مشروعها الإسلامي البديل والمنافس للمشروع العلماني الذي حاول أنور إبراهيم وأتباعه المؤديون لتجربته الإصلاح من الداخل أن يضفوها على ذلك المشروع وتقريبه قدر الإمكان من الإسلام وأهداف الإسلام ولكنها كانت تجربة قاسية رغم ما حققته كما سيأتي في ثنايا هذا الكتاب إن شاء الله تعالي .
  5. التطور الاقتصادي والتكنولوجي والمدني للحياة في ماليزيا التي اعتبرت أحد النمور الآسيوية الواعدة والتي كانت تضع خطتها التنموية على أساس مصاف الدول الصناعية والخروج من دائرة الدول النامية مع بداية عام 2020م وتحقيقها لمعدلات نمو عالية في الفترات الأخيرة .. فهذا يزيد من الأعباء الملقاة على عاتق الحركة الإسلامية من حيث ضرورة تطوير عملها بما يتلاءم مع هذه المرحلة المرتقبة ومحاولة تكميل واستيعاب هذا التطور المادي ومواكبته إضافة إلى التأكيد على الجانب الخلقي والقيمي لهذه النهضة التي تشهدها الحياة بشكل عام .

هذه الأمور وغيرها مما ينبغي أخذه بالاعتبار عند دراسة الحركة الإسلامية في الحالة الماليزية إذ أنها تشكل معالم الواقع الذي لابد أن يؤثر بدوره على انطلاقه الحركة الإسلامية وعلى أدائها وأولوياتها

كما أنه ينبغي أن يؤثر على خطة الحركة ومشروعها الذي يأتي في مرحلة حرجة بعد انتهاء وفشل تجربة حركة الشباب الإسلامي " أييم " في المشاركة في الحكم إلى جانب القوى العلمانية إضافة للظروف والمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية مع بداية الألفية الثالثة بكل ما تحمله من تغيرات في موازين القوى وأقطاب إدارة الحياة في العالم بأسره ومع كل ذلك معالجة آثار الأزمة الاقتصادية والسياسية التي عصفت بماليزيا منذ نهاية عام 1997م ..

كل هذه المتغيرات والتطورات أحدثت نقلة سريعة وتطورا كبيرا في أداء الحركة الإسلامية وأثرت على أدائها سلبا وإيجابا بما يستدعي الوقوف على هذه التطورات ورصدها ومحاولة رصد ملاحقة ومواجهة الحركة الإسلامية لهذه التطورات فيأتي هذه الكتاب خطوة على الطريق وليس هو كل الطريق بل نرجو أن نتبع هذا بغيره من الأعمال الأعمق تحليلا والأشمل تناولا ومتابعة لما يستجد على الساحة الماليزية ولهذا فلا أدعي أن هذا الجهد قد استوعب الموضوع وغطاه التغطية الكافية ؛

ولكن حسبي أن أقدم بهذا العمل صورة متكاملة للقارئ العربي عن أحوال إخوانه المسلمين وحركتهم الإسلامية وتجربتهم في العمل الإسلامي المتواصل الأطراف والممتد الجذور عبر التاريخ والمترابط برباط الإخوة الإيمانية ووحدة الهدف والمصير كمقدمة لأعمال أخري تالية إن شاء الله فقد أصبح من مظاهر اهتمام الحركة الإسلامية في ماليزيا والتي أتشرف بالانتساب إليها

ومن توجهاتها أن تقدم صورة واضحة موثقة عن تاريخ واقع ومستقبل الحركة والعمل الإسلامي في ماليزيا للقارئ العربي ليكون على بينة من أحوال إخوانه المسلمين ولمواجهة حملات التشويه الإعلامي التي تغزو العالم الإسلامي شرقا وغربا بهدف تفريق كلمة المسلمين وتشتيت صفوفهم وإضعاف ارتباطهم وصلتهم الوثيقة ؛

وذلك من خلال دراسات موثقة ومؤصلة منهجية تعتمد الحقائق وتبتعد عن المبالغات والمزايدات إضافة إلى تعميق وعي أبناء الحركة الإسلامية الماليزيين ومعرفتهم بتاريخ وواقع العمل الإسلامي في بلادهم من خلال لغة القرآن اللغة العربية ولربطهم بهذه اللغة التي يتعين عليهم الإلمام بها إلماما كافيا للقيام بمهمتهم الدعوية ونقل التجارب الإسلامية الرائدة الأخرى إلى ماليزيا للاستفادة منها وتنزيلها على واقعهم بصورة صحيحة واعية في ضوء معرفة الثوابت وملاحقة التطورات ..

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم

الفصل التمهيدي: لمحة عن ماليزيا وتاريخ الدعوة الإسلامية فيها

أولا:لمحة في التعريف بماليزيا

الموقع والمناخ

تقع ماليزيا في جنوب شرق آسيا قرب خط الاستواء بين خطي عرض 1,7 شمالا وخطي 100 و119 شرقا وتبلغ مساحتها 329,757 كيلو مترا مربعا وهذا يشمل شبه جزيرة ماليزيا (ماليزيا الغربية) وصباح وسراواك وولاية لابوان الفيدرالية (ماليزيا الشرقية) في جزيرة بورنيو 1

وأما أرخبيل الملايو فهو عبارة عن مجموعة من الجزر المتقاربة تقع تجاه السواحل الجنوبية الشرقية من آسيا بين المحيطين الهادي والهندي وتعتبر أكبر أرخبيل في العالم يتألف من آلاف الجزر التي تكون إندونسيا والملايو والفليبين وسنغافورة وبروناى .

ويحد ماليزيا من الشمال تايلاند وبحر الصين الجنوبي وبروناى ومن الجنوب بحر جاوا وجزيرة سنغافورة والقسم الإندونيسي من جزيرة بروناى أما من الشرق فيحدها بحر جاوا وجزيرة وبحر سيليبس ومن الغرب مضيق ملاكا الذي يفصلها عن جزيرة سومطر وأما المناخ فماليزيا كليا ضمن المنطقة الحارة ومناخها استوائي تحكمه الرياح الموسمية وتهطل الأمطار خلال الفصول الأربعة ودرجة الرطوبة فيها عالية .

السكان

يبلغ عدد سكان ماليزيا في إحصائيات عام 1992 م وأكثر من 21 مليون نسمة وينقسم هؤلاء السكان إلى ثلاث مجموعات عرقية رئيسية لكل منها دينها ولغتها وحضارتها مما يجعل هذا البلد من أكثر الشعوب تعددية في العالم وهذه المجموعات هي:

  1. شعب الملايو: وهو أكبر وأهم هذه المجموعات وتسمية الملايو جاءت من النسبة إلى منطقة ملايو في سومطره ويعتبر العرق الملايو ثالث عرق مسلم في العالم بعد العرقين الهندي والعربي واليوم تنسب هوية العرق الملايو إلى كل مسلم في ماليزيا يتكلم اللغة الملايوية ويلتزم بالعادات الملايوية ويتمتع هذا العرق بمكانة متميزة بين باقي الأعراق الأخرى كما يتضح من دستور البلاد الذي ينص على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي واللغة الملايوية هي اللغة الرسمية للبلاد .
  2. الصينيون: وهؤلاء جاءوا إلى ماليزيا مع بداية القرن العشرين بتشجيع من السلطات البريطانية وذلك لخبرتهم في مجال تنجيم القصدير ويسيطر الصينيون اليوم على معظم الاقتصاد وخاصة التجارة والسياحة وتنتشر بينهم معتقدات البوذية وبعضهم اعتنق النصرانية وقليل منهم ينتمي للكونفوشيه ويعيش معظمهم في المدن بمعزل عن مجتمعات الملايويين ويظهرون الولاء الشديد لكل ما هو صيني .
  3. الهنود: حيث قد قامت السلطات البريطانية بجلبهم إلى ماليزيا في أوائل القرن العشرين للعمل في الزراعة والصناعة ومزارع المطاط .

وتتوزع نسب السكان وأعرافهم في ماليزيا الشرقية والغربية على النحو

العرق ماليزيا الغربية ماليزيا الشرقية
الملايو 57% 55%
الصينيون 28% 23%
الهنود 10% 1%
آخرون 5% 21%


ومعدل الكثافة السكانية 59,1 في كيلو متر المربع ومعدل النمو السكاني 3,2% سنويا .

تتألف ماليزيا من 13 ولاية بالإضافة إلى العاصمة الاتحادية كوالالمبور وهذه الولايات هي:

اسم الولاية المساحة كلم2 عدد السكان العاصمة
باهانج 35,965 1,081,148 كوانتان
بيراق 21,005 1,974,893 إبيوه
برليس 790 190,182 كانغار
بينانج 1,031 1,116,801 جورج تاون
ترتجانو 12,955 808,556 كوالاترنجانو
جوهر 18,986 2,162,357 جوهر بهارو
سراواك 124,449 1,718,380 كوجينج
سلانجور 7,956 2,413,567 شاه عالم
صباح 73,620 1,80,848 كوتا كينابالو
قدح 9,426 1,364,504 ألورستار
كلنتن 14,943 1,207,684 كوتابارو
ملاكا 1,650 529,199 ملاكا
نجري سمبيلان 6,643 722,017 سرمبان

وجميع هذه الولايات تقع في شبه الجزيرة (ماليزيا الغربية) ما عدا ولايتين سراواك وصباح اللتين تقعان في شمالي جزيرة بورنيو (ماليزيا الشرقية)

الديانات

الإسلام هو دين الدولة الرسمي ولكن حرية ممارسة الشعائر الدينية مكفولة لكل الطوائف الأخرى ويتوزع سكان ماليزيا مئويا على حسب أديانهم ومعتقداتهم على النحو التالي:

الرقم الفئة النسبة المئوية
(1) المسلمون 53,0%
(2) البوذيون 17,3%
(3) الكونفوشيون 11,6 %
(4) المسيحيون 8,6%
(5) الهنود 7,0%
(6) الأديان القديمة 2,0%
(7) أديان ومعتقدات أخرى 0,5%

والمسلمون في ماليزيا على معتقد أهل السنة ويتبعون في الفقه فقه الإمام الشافعي .

ثانيا:آراء المؤرخين حول دخول الإسلام إلى ماليزيا

إن تحديد تاريخ دخول الإسلام وظهوره في أرخبيل الملايو لا يزال غير متفق عليه بين الباحثين إلا أنهم يعترفون بأهمية الحركات التجارية العربية في نشر الدعوة الإسلامية إلى جنوب شرق آسيا من حيث إن العرب زاولوا مع بلاد الشرق تجارة واسعة النطاق منذ عصور مبكرة جدا .

ومن المعروف أن الإسلام قد وصل إلى هذه المنطقة بطريقة سلمية وعلى أسس من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن لذلك لم تصل أخبار الدعوة إلى مسمع العالم ولم يهتم المؤرخون حتى المسلمون منهم اهتماما لائقا بما كان لهم من آثار هامة في هذه المنطقة

سواء كانت من الناحية الدينية أو الاجتماعية أو السياسية مع أن الأدوار التي لعبتها الدعوة الإسلامية على مسرح جنوب شرق آسيا من هذه النواحي لم تقل أهمية عن الأدوار التي لعبتها الدعوة الإسلامية على مسرح جنوب شرق آسيا من هذه النواحي لم تقل أهمية عن الأدوار التي لعبتها الدعوة الإسلامية في المناطق الأخرى من العالم كالهند وأسبانيا وتركيا وغيرها

قال الدكتور سيد محمد نقيب العطاس

" إن دخول الإسلام إلى أرخبيل الملايو من منظور العصر الحديث كان أخطر وأهم الأحداث في تاريخه ويمثل نقطة بداية ينطلق منها تاريخ إسلامي جديد لأن أ÷ل الأرخبيل قبل مجئ الإسلام كانوا على ديانات شتي مثل الهندوسية والبوذية والوثنية" .

لقد ظهرت آراء متعارضة ونظريات مختلفة حول دخول الإسلام إلى الأرخبيل ومن الثابت أن الإسلام لم يصل إلى أرخبيل الملايو إلا عن طريقين طريق سواحل الهند بحرا وطريق الصين برا . ومن الثابت أيضا أن العلاقة التجارية والدبلوماسية بين العرب والصين والهند كانت موجودة منذ زمن بعيد وأن الإسلام وصل إلى الصين والهند في وقت مبكر قبل وصوله إلى الأرخبيل .

أما علاقة العرب التجارية مع الصين فقد كشفت السجلات الصينية القديمة أن العرب قد اتخذوا لهم أماكن استيطان ومراكز محاسبة في كانتون بالصين سنة 300م وأثبت التاريخ أن القوافل التجارية كانت تسلك الطريق البري من شبه جزيرة العرب إلى الصين من قديم الزمان وذكر في الرواية المشهورة عند المسلمين الصينيين أن الإسلام قد دخل إلى الصين في عهد النبي صلي الله عليه وسلم كما سارت العلاقة السياسية بين الصين والعالم الإسلامي منذ القدم على أحسن حال .

وأما علاقة العرب مع الهند فكانت التجارات العربية قبل الميلاد بقرون عديدة تحملها السفن المصرية والفينيقية وتبحر إلى إندونيسيا عن طريق سواحل الهند , وتحمل الفضة والعاج والطواويس وغيرها ويعمل التجار العرب كوسطاء بين التجار الأوروبيين والتجار الآسيويين من الهند وغربي الآرخبيل

وأصبحوا سادة التجارة في المحيط الهندي في القرن التاسع الميلادي فكانت سيادة العرب والمسلمين على تلك المنطقة سيادة سلمية تجارية ممزوجة بنشر الدعوة الإسلامية بالحسنى خاصة في مليبار " (غربي الهند) وهو المكان الذي انطلقت منه الدعوة الإسلامية في الهند .

أولا:دخول الإسلام عن طريق الهند بحرا

لقد ذهب معظم الباحثين من المستشرقين إلى أن الإسلام قد انتشر في العالم الملايوي عن طريق الهند بل زعم بعضهم أن الهنود هم الذين نشروا الإسلام في الأرخبيل وظهر هذا الرأي بعد عام 1883 م حيث ذهب المؤرخ الهولندي سنوك هورخنيه إلى القول بأن الإسلام دخل الملايو من الهند بعد أن اعتنقها الهنود ثم اشتركوا في نقل الإسلام من الهند إلى الارخبيل عن طريق المهاجرين وهم أول من أدخل الإسلام إلى هذه المنطقة .
ودعم هذا الراي براين هاريسون بقوله : بأن الإسلام قد دخل الملايا ليس من قبل الفرس أو العرب وإنما من الهند وأن جنوب شرقي آسيا تنظر دائما إلى الهند لتستمد منها الوحي الثقافي المرتبط بالمكانة التجارية
لهذا فإن قبول الإسلام لدي سكان أرخبيل الملايو توقف أولا على قبوله من الهنود الذين كان لهم ارتباط تجاري بين الهند وجنوب شرقي آسيا ومن المؤيدين لهذه النظرية الهولندية الدكتور جوندا وماريسن , والدكتور ر. أ. كرن وغيرهم من المستشرقين الهولنديين مثل سي . أ . أوه فان نيوين هويز .وفون رونكل وكان تأييد معظم هؤلاء الباحثين للنظرية الهولندية مبني على أساس الاتصال التجاري الوثيق بين الهند وآرخبيل الملايو ولما أسلم الهنود جاءوا إلى أرخبيل الملايو بدينهم الجديد .
والحقيقة أن هذه النظرية الهولندية في نظرنا لا تقوم على دليل قوى كاف وفي ردها يقول الدكتور وان حسين عزمي والدكتور هارون دين " إن الاتصال الوثيق بين شعب وآخر لا يكون دائما عنصرا هاما في أن يغير أحدهما عقيدته بمجرد تغيير الآخر عقيدته واعتناقه للعقيدة الجديدة
والتاريخ خير شاهد على ذلك ألم يكن الفرس على اتصال وثيق مع العرب ؟ فهل غيروا دينهم بمجرد اعتناق العرب للإسلام؟ فالجواب لا ... فبناء على ذلك يظهر جليا أن الاتصال الوثيق وحده لا يصلح أن يكون دليلا لأن كل شعب له شخصيته ومقياسه للأمور كما أن له ظروفه ونظرياته الخاصة به في الحياة .
ولقد أكد هذا الرأي الدكتور سيد نقيب العطاس قائلا
" منذ حوالي القرن السابع عشر الميلادي وما قبله فإن كل دليل رئيسي له صلة بالمؤلفات الإسلامية قد أجري عليه الفحص والتفتيش ولكنه لم يشر إلى وجود أى مؤلف هندي أو كتاب العلماء الغربيون بأنه من الهند قد ثبت في النهاية أنه من العرب أو الفرس" .
وبالإضافة إلى ذلك فإن الظواهر التي ظهر بها الإسلام في هذه المنطقة هي ظواهر عربية فمن تلك الظواهر تكوين الحروف الجاوية العربية وشكلها وأسماء أيام الأسبوع وأسلوب بناء العقيدة والتصوف والنطق بقراءة القرآن وغير ذلك فهذه الأساليب عليها ملامح العرب وهي تدل على أن حامليها هم من جنس العرب وهم الذين نشروا الإسلام في هذا الأرخبيل .
فيتضح لنا مما سبق أن أكثر الدعاة الذين جاءوا من الهند كانوا عربا في الأصل ورغم ذلك فنحن لا نناقض أنفسنا إذا اعترفنا بمساهمة الدعاة الهنود ودورهم الجليل في نشر الدعوة الإسلامية في ماليزيا مع التجار العرب والفرس خاصة في القرن الثالث عشر الميلادي وما بعده .

ثانيا:دخول الإسلام عن طريق الصين برا

ذكر وان حسين عزمي وهارون دين بأن التجار العرب والمسلمين قد انطلقوا من كانتون ويونان إلى شمبا وإلى ماليزيا . فكان المركز التجاري في كل من فطاني وفام على الساحل الشرقي لشبه جزيرة الملايو أول مركزين تجاريين يلاقونهما في طريقهم فدخلوهما ودخلت معهم لأول مرة الدعوة الإسلامية إلى ماليزيا حيث قبلتها فطاني ومنهما انتشرت إلى المقاطعات الماليزية الأخرى على السواحل المواجهة لبحر الصين مثل كلنتن وترجانو وباهنج وربما قدح أيضا .
والدليل على صحة هذه النظرية أن معظم الشواهد الأثرية المكتشفة في ماليزيا كانت من جهة شمال غربي وشرقي شبه جزيرة الملايو ومنها ما اكتشف في ربة لنجو بولاية قدح سنة 1965م وهو بلاط شاهد قبر مكتوب عليه شيخ عبد القادر بن حسين شاه عالم 291هـ وسنة 291 هـ توافق سنة 903م (أول القرن العاشر الميلادي)
كما يؤكد ذلك النقود التي ضربت ببغداد عام 234هـ 848م (في عهد المتوكل بن المعتصم) والتي عثر عليها في قدح أيضا ولأنه كان للعرب مركز في قدح فقد استنتج بأنهم الذين حملوا هذه النقود كما حملوا الإسلام إلى هذه البلاد بعد أن مروا على كمبوديا كما يفيد الاستقراء التاريخي .
وبالإضافة إلى قدح فهناك آثار إسلامية أخرى اكتشفت في ولايتي كلنتن ونرتجانو في شرقي شبه جزيرة الملايو فالأثر الإسلامي الذي اكتشف في ولاية كلنتن هو عبارة عن دينار ذهبي مكتوب على أحد وجهيه عبارة " الجلوس كلنتن 577" وعلى الوجه الآخر كلمة " المتوكل " وهذا يعني قيام دولة إسلامية في ولاية كلنتن في السنة 577هـ - 1181م.
أما الأثر الإسلامي المكتشف في ترنجالو فعبارة عن حجر كبير منقوش عليه بكتابات اللغة الملايوية بالحروف العربية تذكر فيها بعض الأحكام الإسلامية منها حكم الزنا الذي طبق بترنجانو في عهد حكم راج مندليكا كما أنها تشمل أيضا أحكاما أخرى تتعلق بالديون وغير ذلك؛
وقد ذكر شيفارد بأن الخريطة التي رسمها بطليموس في الإسكندرية في أواخر القرن الثاني الميلادي يشير إلى ميناءين في شرقي شبه جزيرة الملايو وهما فريمولا وكولي ويعتقد أن ميناء فريمولا هو مصب نهر ترنجانو وميناء كولي هو في كمامن .
وقال الدكتور فاطمي:
" إن السجلات التاريخية لأسرة الإمبراطور سونج البحر الصيني منذ سنة 977م . وقد كتب إيمانويل جودينهودي ايرديد الأسباني وهو أول عالم أوروبي درس عن ماليزيا في سنة 1613م قائلا: لقد قبلت عقيدة محمد في فطاني وقام على الساحل الشرقي وبعد ذلك قبلها وشجع على انتشارها فاراميسوارا في ملاكا سنة 1411م".
ولقد أرود بعض الباحثين الدوافع والأسباب التي أجبرت التجار العرب و الفرس وحملتهم على تغيير طرق تجارتهم إلى مواني أرخبيل الملايو منها ما حدث في كانتون في عهد الإمبراطور هي سونج عام 878 -889م من ثورة مثيرة في جنوب الصين أدت إلى مذبحة قتل فيها حوالي 120,000 أو 200,000 تاجر معظمهم من المسلمين العرب والفرس وبناء على ذلك نجد كثيرا من التجار المسلمين قد فروا من كانتون متجهين إلى شبه جزيرة الملايو .
ومنها أيضا ما حدث في نهاية عهد أسرة الإمبراطور تانج (618 -905م) حيث قتل ثوار الصين وعلى رأسهم تين شينج كونج نحو خمسة آلاف من الوافدين ومن المسلمين في ولاية بسانج شاو وبسبب هذه الحادثة أضطر الباقون من التجار المسلمين للهجرة إلى أرخبيل الملايو طلبا للسلامة ولنشر الدعوة الإسلامية قد وصلت إلى شرق وشمال شبه جزيرة الملايو عن طريق الصين منذ زمن قديم ثم انتشرت هذه الدعوة في الملايو حتى قيام الدولة الإسلامية في بعض الأمكنة في شرق شبه الجزيرة .

الخلاصة

ومن خلال ما سبق نستطيع أن نقول بأن أكثر الدعاة الأوائل كانوا من العرب أو من سلالة العرب الذين انتشروا في أقطار الشرق وممن يمرون بالهند أو بالصين قبل وصولهم إلى ماليزيا وبهم انتشر الإسلام فيها؛

قال الدكتور حمكا:

طثيرا ما يأتي في الحكايات الشعبية المكتوبة ذكر السلالات كسلالة ملوك جزائر اللملوكو بأنهم ينتسبون إلى جعفر الصادق وأن سيدا علويا جاء ناشرا للإسلام في أحد بلدان الشرق وأن سيدا آخر داعية في مملكة " كوتاي "
جاء من دماك وأمثال هذه الحكايات وإن كانت لم تؤيد بوثائق أو حجج فإنه لابد أن تكون لها أصول حقيقية وليست مجرد أقاصيص وهذا يدل على أن دور العرب في نشرهم للإسلام في بلدان الملايو كان عظيما وذلك الأمر ليس في مقدرونا إغفاله .

ومما تقدم نري أن الإسلام قد دخل ماليزيا عن طريق العرب أولا من خلال الصين ولكنه لم ينتشر انتشارا واسعا في جميع شبه جزيرة الملايو إلا بعد أن فتح فاراميوارا دولة ملاكا وصار ميناؤها من أهم المواني في جنوب شرقي آسيا في القرن الخامس عشر الميلادي ومنذئذ بدأ الإسلام ينتشر بسرعة في جميع أطرف شبه جزيرة الملايو بعد وصول عدد كبير من التجار العرب عن طريق الهند إلى ملاكا وإقامة بعضهم فيها .

ثالثا:ظهور الحركات الإسلامية المنظمة على الساحة الماليزية

وبعد وصول الإسلام إلى ماليزيا انتشرت الدعوة الإسلامية في أرض الملايو بطريقة غير مباشرة من خلال الأعمال التجارية والاحتكاك المستمر بين التجار العرب المسلمين وبين الأهالي والذي يجب أن يكون واضحا لنا تمام الوضوح هو أن التاريخ لم يرو لنا أن انتشار الإسلام في تلك البقاع قد اتسم بالعنف أو سفك الدماء أو استخدام السيف كما يروج أعداء الإسلام عندما يتحدثون عن انتشار الإسلام السريع في أرجاء العالم ؛

إنما كان ذلك بسبب ما تحلي به أتباعه من صفات وأخلاق , وما كانوا عليه في معاملاتهم المختلفة من صدق وأمانة ووفاء بالعهود وتمسك بالمثل العليا المستقيمة وهو سر نجاح الداعي العربي المسلم في نشر الإسلام في أرخبيل الملايو

كما لقيام دولة ملاكا الإسلامية أثر كبير في انتشار الدعوة الإسلامية في أرض الملايو ولكن هذه الحركة الدعوية قد تغيرت بتغير الزمان والظروف خاصة في فترة الاستعمار وهذا ما سأتناوله في هذا المبحث إن شاء الله تعالي .

أولا: قيام الدولة الإسلامية في ملاكا وأثرها على الدعوة الإسلامية

تعتبر قيام الدولة الإسلامية في ملاكا على الساحل الغربي بالملايو في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي نقطة مهمة في بدايات انطلاق حركة الدعوة الإسلامية في الملايو .

ومع أن دولا إسلامية أخرى في كلنتن وترنجانو قد سبقت قيام دولة ملاكا الإسلامية ولكن التاريخ لم يرو لنا أحداثا كثيرة عن تلك الدول كما نجدها في تاريخ سلطنة ملاكا الإسلامية فإن تاريخ هذه الدولة لم يكن معروفا لدي الملايويين فحسب ؛

بل جاءت أخبارها في مصادر أجنبية وسجلات مدونة في تواريخ الصين والبرتغال وغيرهما ولذلك فإن الحديث عن دولة ملاكا الإسلامية سيكون لائقا جدا لإبراز مهمتها والأدوار التي لعبتها من أجل نشر دعوة الإسلام فكانت بمثابة تجسيد ونموذج للدولة الإسلامية في تاريخ الملايو قديما .

ورد في تاريخ الملايو أن سلطنة ملاكا قد فتحها باراميسوارا وهو أحد نبلاء سلطنة سريويجابا الإندونيسية الهندوسية التي تقع في فالمبنج وقد وقع هذا الفتح بعد ما استولي " فاتيه كاجامادا " على الحكم في مملكة ماجافاهيت

وأراد أن يوسع مملكته في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي فهاجم باساي وفالمبنج وسنغافورة فاضطر باراميسوارا إلى الفرار من فالمبنج إلى سنغافورة ثم إلى جوهر وموار ومنها واصل سيره حتى انتهي إلى ملاكا فأقام حكومته الجديدة هناك في حوالي سنة 1390م مع أن ملاكا في ذلك الوقت كانت ما تزال تحت حكم سيام .

لقد نالت هذه الدولة الجديدة اعترافا رسميا من الصين سنة 1405 م ثم استطاعت أن تتخلص من النفوذ التايلاندي (السيامي) كليا سنة 1409م بعد أن فازت بالتأييد السياسي القوى من الصين

ومن هذا التاريخ بدأت ملاكا تظهر كميناء تجاري هام مزدهر وبسقوط فاساي وسنغافورة في يد ماجافاهيت انتقل كثير من المسلمين والتجار منهم خاصة إلى ملاكا باعتبار أنها ميناء يمكن التحرك فيه بسهولة فبوصول التجار المسلمين إلى دولة الهندوسية بدأت حركة الدعوة الإسلامية تلعب دورها في نشر دين الإسلام مع نمو الحركة التجارية ازدهارها .

ولما مات أمير ملاكا الهندوسي خلفه ابنه مجت إسكندر شاه وكان مقتنعا بالإسلام الذي يمارسه التجار المسلمون في ملاكا فأسلم في سنة 1414م وأدخل شعبه كله معه في الإسلام وباعتناق هذا الأمير الجديد للدين الإسلامي بسبب تسلط الدعوة الإسلامية من قبل الدعاة والتجار المسلمين صارت ملاكا منذ ذلك التاريخ دولة إسلامية وارتبطت بدولة باساي الإسلامية برباط المصاهرة بعد أن تزوج مجت اسكندر شاه أميرة مسلمة من باساي .

تطور الدعوة الإسلامية

وقد دخلت الدعوة الإسلامية مع قيام دولة ملاكا الإسلامية سنة 1414م مرحلة جديدة تحولت فيها من جهود فردية بحتة إلى جهود حكومية مرتبة , وكان العلماء يشاركون السلاطين في نشر الإسلام وإقامة أحكامه ولهذا فتح السلاطين أبواب ملاكا للدعاة وعاملوهم بكل احترام وأعطوهم البيوت ليسكنوا فيها والأمكنة ليبنوا عليها مساجدهم .
وفي عهد مظفر شاه قامت الإمبراطورية التلايلاندية بهجوم عسكري على هذه المملكة حقدا وحسدا وخوفا من انتشار الإسلام فأرسلت إليها قواتها ولكنها ارتبكت ارتباكا شديدا لما رأت شجاعة أبطال مسلمي ملاكا واستعدادهم القتالية دفاعا عن الدين وعن المملكة فعادت القوة التايلاندية فاشلة وفي عهد منصور شاه حررت هذه المملكة ولاية باهنج من النفوذ التايلاندي البوذي ؛
كما حررت بعض الولايات الأخرى بجزيرة سومطرا من القبضة الهندوسية ونشرت فيها الإسلام وفي عهد السلطان محمود شاه توسعت سيطرة المسلمين على مناطق كلنتن وقطاني وقدح بعدما كانت تحت السيطرة التايلاندية البوذية وكانت دولة ملاكا الإسلامية حينئذ تشمل جزيرة سنغافورة وجزءا من جزيرة سومطرا ومعظم الولايات الماليزية الغربية .
وتعتبر الفترة ما بين منصور شاه وعلاء الدين شاه عصرا ذهبيا للمملكة وعرف كلاهما بالتدين والورع والاهتمام بشؤون الدين وقد وصل إلى ملاكا خلال هذه الفترة علماء ودعاة من مكة المكرمة وغيرها من الأمصار الإسلامية لنشر الإسلام وتبادل الآراء حول المسائل الفقهية وقضايا علم الكلام والتصوف " ففي عهد السلطان منصور شاه قدم مولانا " أبو بكر " في أحد المراكب ومعه كتاب " الدر المنظوم " ثم أرسل الكتاب إلى مخدوم آخر في باساي لعرضه عليه ؛
ولقد تتلمذ سلطان باساي نفسه على يد مولانا أبي بكر الذي مدح تقدم السلطان في دراسته الفقهية وتضلعه في العلوم الإسلامية وكان مخدوم آخر اسمه " صدر جاهان " أستاذا للسلطان محمود شاه وابنه وكان محمود شاه حاكما لملاكا من عام 1488م – 1511 م ويذكر أن محمود شاه أرسل مبعوثا إلى باساى يحتلون مكان الصدارة في العلم والثقافة فكثير من رجال العلم والفقه تلقوا تعليمهم في ملاكا أو باساي ؛
وكان موضوع الصوفية متداولا بين علماء ملاكا في عهد السلطان منصور شاه ولهذا ذهب كثير من أهل جاوا إلى ملاكا لدراسة القرآن والحديث وبعد تخرجهم أصبحوا كلهم دعاة ووعاظا والواقع أن أغلب الوعاظ الغرباء الذين عملوا في جاوا جاءوها من ملاكا أو باساي فقد كانتا تشكلان مركز " رئاسة الأركان " للوعظ والإرشاد .
لقد ساهمت ملاكا الإسلامية في دفع عجلة الدعوة بأرخبيل الملايو عن طريق إرسال الدعاة والتجار الذين جاءوا إلى ملاكا للتجارة خصوصا التجار من جاوا وغيرهم من تجار أرخبيل الملايو وجنوب شرقي آسيا وقد نجحت الدعوة في جذب بعض هؤلاء التجار إلى اعتناق الإسلام
فلما أسلموا ورجعوا إلى بلادهم ساهموا مع الدعاة هناك في دفع حركة الدعوة الإسلامية في بلادهم فهنا يظهر جليا أهمية ملاكا في تطور الدعوة في هذا العصر وكيف أنها قد صارت مركزا هاما جدا للدعوة ومصدر إشعاع لها لا لماليزيا وحدها وإنما لأرخبيل الملايو ولجنوب شرقي آسيا كلها .
في عام 1511م قام البرتغاليون بالهجوم على ميناء ملاكا بقيادة " الفنودي البوكرك" وسقطت ملاكا الإسلامية في يد البرتغاليين بسبب التفوق العسكري الذي كانوا عليه وذلك في 24 أغسطس 1511م
ولم يكن غرض احتلال ملاكا هو مجرد المصالح الاقتصادية والتجارية وإنما كان امتدادا للحروب الصليبية التي بدأت في البلاد العربية ثم في الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر وبعد هذا الحادث المؤسف دخلت الدعوة الإسلامية في عهد جديد عهد الصراع بين المسلمين والمسيحيين وواجه المسلمون هذا بالجهاد وبمقاومة حركة التنصير التي قام بها البرتغاليون وغيرهم من المستعمرين .

ثانيا: الدعوة الإسلامية في فترة الاستعمار

خضعت ماليزيا لوطأة الاستعمار الغربي لمدة خمسمائة عام تقريبا من (1511م -1957م) وابتدأ هذا الاستعمار بالاستعمار البرتغالي (1511م -1641م) ثم الهولندي (1641م -1824م) ثم البريطاني (1824م – 1957م)

كما استولت اليابان على ماليزيا وجميع جنوب شرقي آسيا لمدة أربع سنوات (1941- 1945م) في الحرب العالمية الثانية غير أنه لم يكن لاحتلال اليابان شأن كبير أو تأثير ما في حياة المجتمع الماليزي المسلم .

ومهما كانت أوضاع المسلمين صعبة في أرض الملايو في هذه الفترة لكن الدعوة الإسلامية استمرت في مسيرتها ودورها ولم يستطع المستعمرون الذين حاولوا منع الدعوة أن يوقفوها وبقيت تؤدي دورها بكل الوسائل الممكنة لها ومن أهمها المصليات والجوامع والمدارس الدينية (الفندق) والتي كان لها تأثير كبير في نشر الدعوة الإسلامية في فترة الاستعمار .

دور المصليات والجوامع

إن أول مراكز التعليم والتربية في تاريخ الملايو القديم هي بيوت العلماء والمعلمين والتي تلقي فيها دروس القرآن العظيم والتفسير والحديث وعلم الكلام والفقه وغيرها وبمرور الزمان ومع ازدياد الناس لم يعد يسع البيت الصغير للتجمع وإلقاء الدروس ؛
فقام المجتمع بإنشاء المصليات أى أماكن خاصة للصلوات الخمس وللتجمع فيها والتي تمنحهم حرية اللقاء والتدريس والمناقشة في أمور الدين بإرشاد المعلمين ومعظم المواد الدراسية في المصليات في أول ظهورها كان يتعلق بالأمور الأساسية في الشريعة الإسلامية مثل التوحيد والفقه والتصوف والتفسير .
وبجانب المصليات كان للمسجد دور مهم في انتشار التعاليم الإسلامية في البلاد ويوجد بكل قرية كبيرة مسجد جامع تقام فيه صلاة الجماعة والجمعة ومن المألوف في ماليزيا أن يجتمع المسلمون فيه ليس للصلاة والعبادة فحسب ولكن أيضا للاستماع إلى الدروس الدينية التي يلقيها أحد الأئمة ؛
كما يقام فيها عادة الاحتفالات الدينية بمناسبات متعددة منها ذكري نزول القرآن وحادثة الإسراء والمعراج قدوم العام الهجرى الجديد ويذهب إليه الأولاد والبنات ليتعلموا فيه القرآن وما إلى ذلك من النشاط الاجتماعي .
فإذا كان البيت هو المدرسة الأولي التي يقوم فيها الآباء والأمهات بتربية أولادهم تربية إسلامية فإن المسجد والمصلي كانا المؤسسة الثانية التي تولت المسئوليات الكبرى في حفظ بقاء الإسلام ووحدة الصف خلال فترة الاستعمار وكانت هي الساحات والأندية التي تجمعت فيها القوى لتنظيم التعبير عن مطالبة الاستعمار بالجلاء وبترك البلاد مستقلة عن نفوذه .

نظام " الفندق " التعليمي

المراد بالفندق هو " مجموعة من البيوت الصغيرة تحتوى على بيوت لسكن طلبة العلم وبيت للشيخ ومكان للدراسة وهذه العناصر مجتمعة تسمي بنظام الفندق " وقد تبلغ مساحة هذا المكان فدانا أو فدانين وفيها مسجد مستخدم للتعليم أيضا أما البيوت الصغيرة وقد يتجاوز عددها المئات بناها الطلبة بأنفسهم ليسكنوا فيها حيث إن معظمهم جاءوا من مناطق بعيدة .
وقد اختلف الباحثون في تحديد أصل نظام الفندق ولكن الرأي المشهور حوله أن هذا النظام التعليمي جاء من ولاية فطاني التي تعد المنبع الأول لانتشار هذا النظام في ماليزيا خاصة في ولايتي كلنتن وقدح والفندق مماثل للحلقات الدراسية القديمة التي كانت تقام في المسجد الحرام أو الجامع الأزهر الشريف
حيث يجلس الطلبة أمام المعلم أو الشيخ حول إحدى أسطوانات المسجد يتلقون العلوم الدينية والعربية من الكتب المقررة عليهم وهذا النظام أصبح سائدا في الملايو في عهد الاستعمار الانجليزي ولا يزال باقيا في بعض الولايات إلى يومنا هذا .

والحقيقة إن نظام الفندق التعليمي هذا قد أسهم مساهمة كبري في خدمة الإسلام والمسلمين وذلك للأمور الآتية

أولا: أن هذا النظام قد نجح إلى حد كبير في نشر المعرفة الإسلامية وتدريب جماعات الدعاة قبل قيام الغزو الفكري والاستعمار البريطاني في الملايو
ثانيا: أنه قام بتربية المسلمين روحيا وهيأهم لتحمل مسئولياتهم نحو خالقهم حتى تصبح حياتهم ومماتهم لله رب العالمين وحده .
ثالثا: أن هذا النظام عوّد المسلمين على أن يحترموا الشريعة الإسلامية ويطيعوا أحكامها ويحكموها في شؤونهم اليومية وأن يتخلقوا بالأخلاق الحسنة في كل الأحوال وحيثما وجدوا .
رابعا: أن هذا النظام قد أثبت للجميع بأن اللغة الملايوية قادرة على أن تصبح لغة العلم والأدب والمعرفة حيث استخدم العلماء هذه اللغة في تعليمهم وتأليفهم خلال هذه المرحلة كما أثبت أيضا من جهة أخرى أن اللغة العربية هي لغة الإسلام وشعار المسلمين كلهم قديما وحديثا وشرقا وغربا حيث أنها اللغة التي نزل بها الوحي والمصدر الوحيد لفهم القرآن والسنة .
وقد أصبح بعض هؤلاء الخريجين مدرسين فتحوا بدورهم مدارس دينية جديدة في قراهم وبرز بعضهم في التأليف فكتبوا كتبا إسلامية عربية وأصبح بعضهم أئمة يؤمون الناس في صلواتهم ويرأسونهم في العمل والجهاد لمرضاة الله وصلوا بعضهم سياسيين دعوا المسلمين إلى الجهاد والحرية ومكافحة الاستعمار وهكذا أدي كل واحد واجبه فظل الإسلام ثابتا باقيا في أرض الملايو.. على الرغم من استحكام قبضة الاستعمار في ذلك الوقت .

الجهاد الإسلامي ضد الاستعمار

إن الحركات والثورات الملايوية ضد الاستعمار وإن كان بعضها قد قامت بقيادة الزعماء من غير تدخل العلماء بصورة مباشرة ولكنها قد أثارتها أصالة الحماس الديني وواجب الجهاد من حيث إنها ظهرت في المجتمع الإسلامي الذي يدرك ضرورة مقاومة الاستعمار من أجل إقامة الدين وشريعته ولهذا كانت دوافع هذه الثورات خاصة في مقاومة بريطانيا دوافع دينية وتستهدف إقامة الدولة الإسلامية وليس مجرد المصالح الشخصية .
ومن هنا يظهر دور العلماء المسلمين الملايويين وجهودهم في إحياء الشعلة النضالية الإسلامية وبث روح الجهاد في سبيل الله ضد الغزو الصليبي الاستعماري .

ومن أشهر الثورات الإسلامية التي قادها العلماء هي:

(أ‌) ثورة كلنتن: قامت هذه الثورة بقيادة الحاج محمد حسن (لقبه تؤ جنقوت أى ذو اللحية) عام 1914 لإقامة الدولة الإسلامية وطرد استعمار الصليبيين من منطقته وقد سيطر هو وأنصاره على منطقة فاسير قوتيه بولاية كلنتن وهاجم البريطانيون فقاتل الحاج محمد حسن وأنصاره حتى استشهد سنة 1915م.
(ب‌) ثورة ترنجاتو: قام بهذه الثورة الحاج عبد الرحمن بن عبد الحميد أحد علماء ترنجانو عام 1928م ضد معاهدة الحماية البريطانية وضد قبول السلطان للمستشار البريطاني وتطبيق القانون البريطاني
وقد سيطر أهل القري بولاية ترتجانو على منطقة كوالا برنج ورفعوا راية الدولة العثمانية بالرغم من سقوطها مما يدل على حماستهم الدينية وولائهم لدولة الخلافة وقام البريطانيون بقتال الثائرين فاستشهد أربعة عشر رجلا منهم واعتقل الشيخ عبد الرحمن ونفي سياسيا إلى مكة المكرمة وتوفي فيها .

وهكذا أعطي الإسلام لهذا الشعب المسلم عزيمة الجهاد والتضحية في سبيل الدفاع عن دينه ووطنه وذلك بالإضافة إلى جهود علمائه وإرشادهم لإعلاء كلمة الله تعالي وطرد الاستعمار ولم يتوقف شعب الملايو عن بذل الجهود والمقاومة ودفع ثمن هذا الجهاد بالأرواح والدماء

ونلاحظ مما سبق أن الدعوة الإسلامية في تلك الفترة قد تطورت من التجمعات في المصليات أولا إلى تأسيس نظام " الفندق" التعليمي ثم إلى تنظيم الثورات الإسلامية ضد الاستعمار فلكل مرحلة من مراحل التطور أثر كبير في انتشار الدعوة الإسلامية وتمسك المجتمع الملايوي بدين الإسلام .

الفصل الأول:عوامل ظهور الدعوة الإسلامية المنظمة في ماليزيا

أولا : انتشار حركات الإصلاح في العالم الإسلامي

ثانيا : الحركة الاستقلالية ضد الاستعمار

عوامل ظهور الدعوة الإسلامية المنظمة في ماليزيا

لقد اجتمعت عدة عوامل أوجدت العمل الإسلامي المنظم داخل ماليزيا وهذه العوامل منها عوامل خارجية نتيجة لانتشار فكرة الإصلاح في العالم الإسلامي وتأثيرها على المسلمين الماليزيين وأخرى داخلية وهي ظهور الحركات الاستقلالية الملايوية في مقاومة الاستعمار

وهذا ما سأتناوله فيما يلي:

أولا:انتشار حركات الإصلاح في العالم الإسلامي

حركات الإصلاح الديني

مع تزايد الشعور بالخطر الاستعماري الذي شمل معظم البلاد الإسلامية وبتفاعل ذاتي مع حقيقة الإسلام وفهمه فقد نشأت في العالم الإسلامي حركات إصلاحية رمت إلى تلمس مظاهر الخلل في الكيان الإسلامي وتدارك أسبابه وتشخيص دائه وكان من أبرز هذه الحركات الإصلاحية الوهابية في الحجاز والسنوسية في ليبيا والمغرب العربي والمهدية في السودان وظهور فكرة الجامعة الإسلامية .

أما الحركة الوهابية فقد قامت هذه الحركة نتيجة للتفاعل الذاتي على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1026-1115هـ 1703 -1792م) بمنطقة نجد في الجزيرة العربية وكان الدافع لها إحساس مؤسسها بأن انحطاط شأن المسلمين وتأخرهم مردهما تشوه عقائدهم وانتشار البدع والخرافات في عباداتهم ومعاملاتهم؛

ولذا فقد ركز في دعوته على ضرورة العودة بالعقائد إلى صفاتها وتطهيرها من البدع ومظاهر الشرك وبهذا تصلح أحوال المسلمين الاجتماعية والسياسية وقد جهر بها سنة 1143هـ 1735م فجاءت دعوته بمثابة الشعلة الأولي لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله تأثر بها رجال الإصلاح في الهند ومصر والعراق والشام وماليزيا وغيرها .

واستند الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بيان التوحيد الخالص الكامل على كتابات ابن تيمية رحمه الله ولم يقف الشيخ عند هذا القدر وإنما سار على طريقة ابن تيمية وابن القيم وإضرابهما في الدعوة إلى ترك التعصب للرأي والمذاهب والعود إلى التمسك بدليل الكتاب والسنة والبحث المستقل وطلب الدليل؛

ومن بعدها قامت الحركة السنوسية في شمال أفريقيا على يد مؤسسها محمد بن على بن السنوسي (1787 – 1859م) وكان هدفها ابتداء إعادة الخلافة العثمانية إلى سابق هيبتها وقوتها ثم مواجهة العدوان الغربي على تلك البلاد وقد حرص على تحقيق هذا الهدف بكل ما أوتي من حكمة وحسن تدبير أما الحركة الثالثة فهي الحركة المهدية نسبة إلى مؤسسها محمد أحمد المهدي (1844 -1885م) التي ظهرت في السودان

وهدفت إلى إقامة حكومة إسلامية ونشر سلطانها على بقية أجزاء العالم الإسلامي بعد أن أعلن نفسه خليفة وادعي المهدية ويعود نجاح الحركة إلى استغلال الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي أثقلت كامل الشعب السوداني واستفاد مما لدي السودانيين من شعور ديني عندما ربط كل خطواته بالمفاهيم الإسلامية وأضفي عليها طابعا دينيا مما سهل سرعة تغلغل الثورة في صفوف المجتمع السوداني .

أما حركة الجامعة الإسلامية فهي مدرسة فكرية تبناها العديد من المفكرين والسياسيين أبرزهم جمال الدين الأفغاني (1254 -1315 هـ 1838 -1897م) ومحمد عبده (1266 -1323 هـ 1849 -1905م) ورشيد ومحمد عبده (1266-1323 هـ 1849 -1905م) ورشيد رضا (1282 -1354هـ 1865 -1935 م)

الذين فضحوا الاستعمار ومؤامراته واحتلاله لبلاد الإسلام وقضوا حياتهم في الدعوة إلى توحيد صفوف الأمة الإسلامية الممزقة ودفعوها إلى التماس طريق التجديد والتغيير وإعادة البناء ومما لا شك فيه أن هؤلاء المفكرين الثلاثة قد التقوا في الاتجاه الذي شكل أساسا قويا لحياة المسلمين مكنهم من التصدي للاتجاهات العلمانية التي نادت بها الحركات القومية الحديثة .

وفي خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي ظهرت اتجاهات إصلاحية لدي بعض المفكرين في كثير من البلدان العربية والإسلامية ويمكن القول بأن أفكار هذه الحركات الإصلاحية خاصة الوهابية والجامعة الإسلامية لم تكن لتلقي النجاح الكبير الذي لقيته لولا تجاوب هذه الاتجاهات الإصلاحية التي عبرت عن تلك الأفكار

كما حدث في تونس والعراق وسوريا وكذلك الشأن في البلاد الإسلامية غير العربية مثل باكستان والهند وإندونيسيا وماليزيا وسأتحدث عن آثار تلك الحركات الإصلاحية في ماليزيا بالتفصيل فيما يأتي إن شاء الله تعالي .

آثار حركة الإصلاح والتجديد الديني في ماليزيا

لقد امتدت تأثيرات فكرة الإصلاح والتجديد الديني التي بدأ ظهورها في العالم العربي إلى بلدان إسلامية أخرى في إفريقيا وآسيا وفي بلاد جنوب شرقي آسيا حيث كانت العلاقة بينها وبين البلدان العربية خاصة القاهرة ومكة قوية ومتينة نمت وتطورات من خلال الطلاب الملايويين من اندونيسيا وماليزيا وجنوبي تايلاند الذين سافروا إلى تلك البلاد للدراسة والتفقه في الدين

وكانت هذه العلاقة منذ آخر القرن التاسع عشر الميلادي علاقة ثقافية وفكرية وأخوية أثرت على الطلبة المليزيين في السلوك والاتجاه فعزم هؤلاء الطلبة على حمل هذه الفكرة ونشرها في العالم الملايوي لتحسين أوضاع المسلمين عقيدة وفهما وسلوكا .

وهذا ما قد حدث فعلا بعد ما رجع هؤلاء الطلبة إلى بلادهم وأصبحوا دعاة مصلحين فيها فقاموا باتخاذ خطوات عديدة أثرت على حياة المسلمين الدينية والفكرية في ماليزيا تأثيرا عميقا وفي مجالات مختلفة أهمها ما يلي:

أولا : التأثير من ناحية العقيدة

كانت المهمة الأولي التي قام بها المجددون المحليون في ماليزيا محاربة البدع والخرافات التي وقعت في المجتمع الملايوي وقد استقي دعاة الإصلاح والتجديد في الملايو التي كانت ترزح تحت وطأة النفوذ البريطاني وفي اندونيسيا الخاضعة آنذاك للسيطرة الهولندية أفكارهم ومبادئهم من زعماء المدرسة الإصلاحية
أهمهم دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب وجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده ورشيد رضا وكذلك من تراث الإمام ابن تيمية الحرابي المتوفي عام 728هـ وتوجهوا ينقدهم إلى العادات والتقاليد المنحرفة التي كان يبشر بها أتباع الطرق الصوفية في رسائلهم ومدوناتهم .
انتشرت في المجتمع الملايوي في ذلك الوقت عقائد منحرفة عن الإسلام نتيجة لامتزاج مفاهيم صوفية متوارثة بثقافات محلية غربية عن حقائق الإسلام وقوقعت بعض الطرق الصوفية في صور من الاختلال والشذوذ أدت بأتباعها إلى الغلو في تقديس الأولياء
وانتشار الأساطير وألوان الشعوذة والخرافات الوثنية بين أتباعها والممارسات الخارجة عن قواعد السلوك الإسلامي الصحيح؛ كما أن هناك بعض التقاليد الملايوية المنحرفة كانت منتشرة في البلاد منها تعظيم قبور الأولياء وتصديق السحرة وغيرها .
فقام الدعاة المجددون بالدعوة إلى تصحيح هذه الاعتقادات الضالة وتوجيه المسلمين إلى التمسك بتعاليم الإسلام الصحيحة والعود إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لكن هذه الانحرافات والعادات الجاهلية والممارسات الخارجة عن الإسلام عند أتباع الطرق الصوفية كانت على درجة من القوة والنفوذ بحيث قرر بعض مشاهير دعاة حركة الإصلاح والتجديد في بدايات نشأة الحركة
من أمثال أحمد الخطيب (1860 – 1916 م) عدم العودة إلى مناطق سكنهم وقضي الحاج أكسوس سليم (1884 -1916 م) غالب عمره في الخارج أما الشيخ طاهر جلال الدين (1869 – 1956م) تلميذ أحمد الخطيب وابن عمه فقد جعل من الملايو رغم أنها كانت خاضعة للنفوذ البريطاني ساحة لدعوته وحلية لصراعه ضد خصومه .

ثانيا : التأثير من الناحية الفكرية

دعا الإصلاحيون إلى النظر والاجتهاد على ضوء معارف العصر وفهم مقاصد التشريع وذلك لمحاربة الجمود الفكري والتقليد والتعصب المذهبي الذي كان شائعا بين العلماء القدماء التقليديين في ماليزيا
ورأي الإصلاحيون أن هذه الظواهر السلبية هي العوامل الرئيسية التي أدت إلى تخلف المسلمين الماليزيين في الحياة والثقافة وهذه الأوضاع لن تتغير إلا بفتح باب الاجتهاد وعدم الخضوع للآراء التقليدية دون تفكير ونقاش علمي دقيق .
فبذل رجال الإصلاح جهودهم في نشر فهم الإسلام الصحيح وترسيخه في المجتمع الملايوي وبذلك استطاع الإصلاحيون تنظيم حركة الدعوة وتطويرها بوسائل استفادوها من معلوماتهم وخبراتهم وعلاقاتهم بالحركات الإصلاحية في خارج البلاد
ومن هنا دخلت حركة الدعوة الإسلامية في ماليزيا عصرها الجديد وبدأت تتحرك في مجالات مختلفة جديدة لم تكن مألوفة للعلماء السابقين خاصة في مجال الإعلام والتعليم الحديث .

ثالثا: التأثير من ناحية الإعلام

ومن آثار الإصلاحيين الكبيرة نشاطهم في مجال الإعلام خاصة في نشر الصحف والمجلات الإسلامية الحديثة . حيث كانت أولي الصحف الملايوية التي نشرت أخبار حركة الإصلاح في العالم العربي وتركيا هي جريدة "شهيا فولو ببينان"
(أى نور جزيرة بينان) في سنة 1900 -1906م) فبذلك لم يكن المسلمون في ماليزيا بمعزل عن مجريات الحوادث في العالم الإسلامي وشعروا أنهم جزء من الأمة الإسلامية الكبرى .
ومن أشهر الدعاة الذين قاموا بنشر دعوة الإصلاح عبر النشاط الإعلامي الشيخ طاهر جلال الدين الذي درس في الأزهر بمصر والسيد الشيخ بن أحمد الهادي (1862 -1934م) الذي زار مصر مرارا.
كما ساهم عدد كبير من الإصلاحيين في دعم هذا النشاط منهم الحاج عباس بن محمد طه والشيخ محمد بن سليم الكلالي أحد أثرياء العرب في سنغافورة وصدرت نتيجة لجهود هؤلاء الدعاة مجلة شهرية سموها " الإمام " التي اعتبرت من أعظم المجلات تأثيرا على فكر المسلمين الماليزيين
وقد صدر عددها الأول في شهر يوليو سنة 1906م وترأس تحريرها الشيخ طاهر جلال الدين وتولي إدارتها الشيخ محمد بن سليم الكلالي وأما السيد الشيخ أحمد الهادي فساهم في كتابة المقالات العلمية الهامة فيها .
وقد أعلن الشيخ محمد سليم الكلالي هدف هذه المجلة في كلمة الافتتاح فقال:
" إن هذه المجلة تهدف إلى تنبيه الملايويين الغافلين وإيقاظ الملايويين النائمين وإرشاد الطريق للملايويين التائهين والشد من أزر أصوات الملايويين المتنورين فبدأ صوت مجلة " الإمام " منذ هذا التاريخ يجلجل في سماء ماليزيا بالآراء الإصلاحية الجريئة ويهاجم الجمود الفكري والتقليد الأعمى ويدعو المسلمين جميعا إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم .
وقد تأثرت "الإمام" إلى حد كبير بالأفكار التي طرحت في جريدة "العروة الوثقي" (أصدرها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في باريس) ومجلة المنار "أصدرها محمد رشيد رضا في القاهرة" .
ولذلك نجد عدة مقالات نشرت في "الإمام" كانت مترجمة عن مؤلفات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده منها قسم تفسير القرآن والمقالات عن الربا التي ترجمت من كتابات محمد عبده في " المنار "
وفي محاولتها لإصلاح المجتمع طلبت " الإمام " من الملوك والعظماء في ماليزيا تكوين الجمعيات والمؤسسات للحفاظ على الاقتصاد الملايوي كما طالبت بتنظيم طرق التربية الحديث وفق مبادئ الإسلام وتعاليمه
وابتعاث الطلبة الملايويين إلى خارج البلاد لمواصلة دراستهم وذكر ويليام ر . روف "أن مجلة الإمام" مثلت ظاهرة حاسمة وجذرية في دائرة النشريات الملايوية وتميزت عن سابقاتها في مضامينها الفكرية ووضوح أهدافها ومحاولتها الجادة الرامية إلى تكوين فلسفة محددة المقاصد والمنهج تحدد للمجتمع الإطار العملي للإحياء وتهيئ له أسباب النهوض السريع في المجالات الاجتماعية والسياسية .
وقد وقفت بجانب الإمام وأيدت آراءها الإصلاحية جريدة تامن فغاتهوان أى حديقة المعرفة (1904 -1907) ونراشا أى الميزان (1911 -1912م) ولمباجا ملايو أى الهيئة الملابوية (1914 -1931م ) وغيرها من الجرائد والمجلات التي امتلأت صفحاتها بالآراء الدينية الإصلاحية والمتطورة في أوائل القرن العشرين .

رابعا: التأثير في التعليم الحديث

والأثر الآخر الذي تركه الدعاة المصلحون في تطور الدعوة الإسلامية المنظمة هو إنشاء المدارس العربية الدينية الحديثة وتنظيمها تنظيما عصريا على غرار المدارس الانجليزية وقد رأي الإصلاحيون أن هذه الوسيلة هي أفضل الوسائل لكسر الجمود الفكري لدي المسلمين الملايويين في المستقبل
وذلك لإخراج جيل مسلم جديد يستطيع فهم الإسلام فهما سليما ويستطيع أن يتحدي هجمات الثقافة الغربية ويمنح حركة الدعوة طاقة عصرية للتقدم إلى الأمام .
فقام الإصلاحيون بإنشاء عدد من المدارس العربية الدينية في أنحاء متفرقة في أوائل القرن العشرين الميلادي وكان من أشعر هذه المدارس مدرسة الهادي (1917م) والمعهد المحمدي (أنشأه مجلس الشئون الإسلامية في ولاية كلنتن في عام 1917م) ومدرسة المشهور الإسلامية (1919م)

ومعهد المحمود (أنشأه مجلس الشئون الإسلامية في ولاية قدح عام 1926م) ومدرسة السلطان زين العابدين العربية (أنشأتها حكومة ولاية ترتجانو عام 1933 م) وقد نجحت هذه المدارس في تخريج عدد كبير من المسلمين المتعلمين ذوي الفهم الصحيح للدين والذين قاموا بنشر الوعي الإسلامي بمختلف الوسائل القولية والعملية .

ويضاف إلى ذلك أن بعض شهادات هذه المدارس كان معترفا بها من بعض الجامعات الإسلامية مثل جامعة الأزهر الشريف وبعض المعاهد الإسلامية في الهند وباكستان ومكة المكرمة آنذاك الأمر الذي شجع أولئك الطلبة على السفر إلى هذه المراكز التعليمية لمواصلة دراساتهم الإسلامية العالية
ويوجد في ماليزيا اليوم علماء كبار وسياسيون بارزون ومحاضرون في الجامعة ومؤلفون وغيرهم كانوا قد تخرجوا من هذه المدارس قبل أن يتموا دراستهم في المعاهد العليا والجامعات الخارجية وقد قدموا فعلا خدمات جليلة في مجالات إسلامية مختلفة ومنها مجال الدعوة الإسلامية فكان لخدماتهم أثر ملموس في النهضة الإسلامية وتقدم الدعوة الإسلامية المنظمة في ماليزيا.
وخلاصة القول أن انتشار فكرة الإصلاح في العالم الإسلامي قد أثر على الحياة الفكرية الإسلامية في ماليزيا تأثيرا عميقا فقد أخذ الدعاة المسلمون الملايويون بهذه الفكرة في الدعوة وعملوا بمقتضاها في أوائل القرن العشرين الميلادي
فأصبحت الدعوة الإسلامية الماليزية أكثر تنظيما وتقدما خاصة في اختيار مناهجها ووسائلها الدعوية وأيضا في قدرتها على التخطيط الدعوي للتأثير في المجتمع الملايوي وذلك بإنشاء بعض منظمات وجماعات وأحزاب إسلامية هدفها نشر الدعوة , وإرشاد المسلمين إلى إتباع التعاليم الإسلامية الصحيحة كما سيأتي الكلام عنه إن شاء الله .

ثانيا الحركة الاستقلالية ضد الاستعمار

الملايوية بصورة منظمة في ماليزيا في عقد الأربعينيات كما سيأتي وعلى الرغم من أن زمام هذه الحركة بيد العناصر العلمانية التي تجاهد باسم القومية إلا أنه لا يمكن إنكار مساهمة الإسلاميين العظيمة في هذا الصدد وكان الدعاة بما لديهم من الوعي الإسلامي والحماسة الدينية هم الطليعة ولم يتخلفوا عن الجهاد والمقاومة لطرد الاستعمار الصليبي من أرض المسلمين .

ولذلك نجد أن الحركات الاستقلالية في ذلك الوقت قد حاولت جذب انتباه الإسلاميين للانضمام إلى صفوفها وتأييد كفاحها فأسست هذه الحركات جناحها الديني أو شعبتها الإسلامية للقيام بهذه المهمة كما فعل " اتحاد الشباب الملايوي " من طلبة المدارس الدينية الذين كان لهم دور كبير في قواعد الاتحاد و تأييده ولكن هذا الحزب انحل بعد اعتقال زعمائه من قبل السلطات الانجليزية ثم اليابانية عندما بعد انسحاب البريطانيين من البلاد .

وكذلك ما حدث في الحزب الوطني الملايوي بالملايا الذي أنشئ بعد هزيمة اليابان سنة 1945م في ولاية بيراق بقيادة مختار الدين لاسو . وانتقلت القيادة إلى إسحاق الحاج محمد ثم إلى الدكتور برهان الدين الحلمي وهو من الشخصيات العلمية البارزة الذي يملك العلم الديني والعصري

وقد حاول الدكتور برهان الدين توحيد العلماء والمثقفين بثقافة غربية لتأييد الحزب ونيل الاستقلال ودخل في قيادة الحزب العنصر الإسلامي , والعلماني اليساري واليميني ولكن العنصر الإسلامي كان سيطر بعد ذلك على زمام الحركة .

ومن مساهمة الحزب الوطني الملايوي في ظهور العمل الإسلامي المنظم انعقاد المؤتمر الإسلامي والاقتصادي في 22 مارس سنة 1947 م في جبل سمنجول بولاية بيراق ويعتبر هذا المؤتمر من أهم الأحداث التي وقعت في تاريخ الدعوة المنظمة في ماليزيا حيث شارك فيه عدد كبير من العلماء الملايويين ..

والمثقفين والإصلاحيون المتخرجين من المؤسسات التعليمية في مصر والحجاز والهند وإندونيسيا واتخذوا قرارا تاريخيا بتأسيس أول منظمة إسلامية شعبية تعرف باسم " المجلس الإسلامي العالي الماليزي " بقيادة الشيخ حسين بكر الرفيق .

وكانت أهم أهداف هذا المجلس الإسلامي العالي هي توحيد صفوف المسلمين الماليزيين بانضمام جميع الجمعيات والمنظمات والمدارس الإسلامية إلى أعضاء المجلس مع فتح عضويته لجميع أفراد الشعب من المسلمين كما أنه طالب بفصل إدارة الشؤون الإسلامية عن تحكم سلطة الولايات وتسليمها إلى المجلس الإسلامي العالي

باعتبار أنه أحق في تدبير شؤون الشعب الإسلامي لأنه مثل مندوبين الجمعيات الإسلامية في أنحاء ماليزيا عن طريق انتخابات الشعب ولأن معظم مجالس الشؤون الإسلامية في الولايات الماليزية بقيادة السلاطين غير قادرة على معالجة المشاكل التي واجهها المسلمون .

ومع أن الحزب الوطني الملايوي قد منعته الحكومة البريطانية من مزاولة نشاطه عام 1950 م في أعقاب الثورة المسلحة التي قامت بها الحركة الشيوعية عام 1948م إلا أنه قد كان له دور مؤثر في تنظيم الدعوة الإسلامية في ماليزيا من خلال انعقاد المؤتمر الإسلامي والاقتصادي وتأسيس المجلس الإسلامي العالي الماليزي وهما دليلان واضحان على اهتمامه الجدي بالقضايا الدينية وشؤون الدعوة الإسلامية .

الفصل الثاني: ظهور تنظيمات الحركة الإسلامية في ماليزيا وتطورها

الدعوة الإسلامية المنظمة غير الحكومية قبل الاستقلال

الدعوة الإسلامية المنظمة غير الحكومية بعد الاستقلال

الدعوة الإسلامية المنظمة الحكومية .

ظهور تنظيمات الحركة الإسلامية في ماليزيا وتطورها

التنظيمات الإسلامية غير الحكومية قبل الاستقلال

تختلف الدعوة الإسلامية المنظمة الشعبية في ماليزيا قبل الاستقلال عما بعد الاستقلال من ناحيتين: أولاهما أنها مالت في الفترة التي قبل الاستقلال إلى كونها حركة نضالية سياسية استقلالية جاهدت ضد الاستعمار للحصول على الاستقلال ثم إقامة الدين الإسلامية في ماليزيا وبعد الاستقلال أصبحت المنظمات الإسلامية الماليزية حركة دعوية إصلاحية هدفت إلى دعوة الناس وإرشادهم إلى التعاليم الإسلامية ؛

وإقامة المجتمع الإسلامي في البلاد والناحية الثانية أنها كانت في فترة ما قبل الاستقلال لا تزال في عهدها التكويني ولهذا كانت أنشطتها الدعوية والتربوية محدودة ومحصورة في مجالات معينة وهذا بخلاف حالها بعد الاستقلال حيث حدث تطور وتوسع للدعوة الإسلامية وحركتها في مجالات مختلفة منها التعليم الحديث والاقتصاد والتقنية .

أولا :تأسيس حزب المسلمين وتأثيره في الدعوة الإسلامية المنظمة

نشأة حزب المسلمين وتطوره:

ذكرنا في الفصل الأول كيف كانت نشأة المجلس الإسلامي العالي الماليزي " MATA " الذي هدف إلى توحيد صفوف المسلمين وتنسيق شؤونهم الإسلامية ولكنه في سبيل تحقيق أهدافه السامية واجه معارضة قوية من قبل السلاطين ومجالس الشؤون الدينية والعلماء التقليديين خاصة عند محاولته تحويل السلطة الدينية من مجالس الشؤون الدينية برئاسة السلاطين إلى المجلس الإسلامي العالي ,فرأي المجلس ضرورة تكوين الحزب الإسلامي في هذه الحالة لتغيير أوضاع المسلمين وتحقيق الهدف المنشود .
بناء على هذا شكل المجلس الإسلامي العالي لجنة خاصة لإمعان النظر في هذه القضية وكانت نتيجة الدراسة العميقة التي قامت بها اللجنة أن وافق مؤتمر المجلس الإسلامي العالي الرابع بحضور خمسة آلاف شخص على إقامة الحزب باسم "حزب المسلمين" في 14 مارس سنة 1948م. وكلف المؤتمر الأستاذ أبو بكر الباقر بزعامة الحزب كما عين الحاج عارفين بن الحاج الباس وداود جميل نائبين للرئيس .

وكان الهدف من تأسيس حزب المسلمين كما اتفق عليه المؤتمر هو إنجاز ثلاثة أمور أساسية:

الأول: الحصول على الاستقلال
والثاني: تكوين المجتمع الإسلامي
والثالث: إقامة الدولة الإسلامية في ماليزيا وبالإضافة إلى ذلك قرر المؤتمر إمكانية تعاون الحزب مع أحزاب سياسية ومنظمات إسلامية أخري تشاركه في الأهداف والمبادئ في ماليزيا وخارجها .
واتفق أعضاء المؤتمر على تشكيل بعض اللجان الخاصة بالحزب لتقوم بالعمل في مجالات مختلفة مهمة ولتقوية تنظيم الحزب ومن تلك اللجان التي خطط الحزب لتشكيلها: اللجنة الدينية والتعليمية والإعلامية والسياسية والشبابية والنسوية ومن القرارات المهمة التي اتخذها المؤتمر إعلانه إلغاء المجلس الإسلامي العالي نظرا لفشله في تحقيق أهدافه الأساسية وأن تحل محله اللجنة الدينية في حزب المسلمين كما أن المؤتمر قد اتخذ قرارا جعل المركز الرئيسي لحزب المسلمين في جوهر بهارو عاصمة ولاية جوهر .
وبعد انتهاء المؤتمر قام حزب المسلمين بإعلان تأسيسه ومهمته عن طريق الصحف والمجلات وفي الوقت نفسه بدأ الحزب يتحرك في أنحاء ماليزيا وقام بجولات مكثفة ترأسها الأستاذ أبو بكر الباقر نفسه وتهدف هذه الجولة إلى توضيح أهداف الحزب ومبادله الإسلامية للمجتمع وإقامة فروع له في كل الولايات وفي شهر أغسطس 1948م استطاع حزب المسلمين إنشاء فروع له في كل الولايات الماليزية ما عدا سنغافورة .
ومع ذلك فإن مسيرة حزب المسلمين ليست بالأمر اليسير إذ أنها كانت تواجه محنا وصعوبات كثيرة طوال مسيرتها فحينما أعلنت الحكومة البريطانية حالة الطوارئ والأحكام العرفية في يونيو 1948م لمكافحة الحركة الشيوعية العسكرية وضعت الحكومة معظم الأحزاب والمنظمات المعارضة لها تحت مراقبتها ومن ضمنها حزب المسلمين ولذلك اضطر حزب المسلمين إلى تقليل حركته الدعوية والسياسية.
ورغم أن حزب المسلمين قد أكد للجمهور والحكومة البريطانية عدم ارتباطه بالحركة الشيوعية ومعارضته للفكر الشيوعي إلا أن كل هذه التأكيدات لم تمنع الحكومة من وضع الحزب تحت مراقبتها وذلك لأن الحكومة قد قررت وضع جميع الأحزاب السياسية المعارضة لها في حالة الطوارئ واعتبرتها صفا واحدا معارضا لها .
وقد أصدر الداتوء عون جعفر رئيس المنظمة الوطنية الملايوية المتحدة في ذلك الحين تقريرا يتهم حزب المسلمين بالتعاون مع الحركة الشيوعية في قوله الحقيقة أن هذا الحزب " أحمر " (تشبيها له بالشيوعية) وقال في مناسبة أخري " هذا خطر من الجبل " (أى جبل سمنجول الذي أسس فيه الحزب) فهذه الاتهامات الخطيرة التي ألصقتها " UMNO " حزب المسلمين أدت إلى قيام بعض السلاطين وسلطات الولايات بمنع تحركات الحزب في محافظتها مثل ما حدث في ولاية كلنتن وباهنج وبعض المناطق في ترنجانو .
كما كان من الأسباب التي أدت لممارسة الحكومة الضغط على حزب المسلمين إنشاء الحزب جناحه الشبابي المعروف باسم شباب حزب المسلمين والذي أسس في 6 يونيو 1948 بجبل سمنجول في المؤتمر الخاص الذي حضر فيه 200 شخص وكان الهدف من إنشاء شباب حزب المسلمين مواصلة الجهاد الإسلامي والحصول على الاستقلال الملايوي .
ومع أن الحزب قد لاحظ أن الوقت غير مناسب لتأسيس جناحه الشبابي إلا أنه استمر في تنفيذ مخططه بهذا الشأن حتى يتنافس مع الأحزاب السياسية الأخرى الملايوية منها والصينية والتي قامت بإنشاء أجنحة شبابية في داخل أحزابها فكان غرض تأسيس الجناح الشبابي في حزب المسلمين التنافس مع الأحزاب الأخرى والتفوق عليها بدعم شباب حزب المسلمين ومساهمتهم النشطة في الحركة السياسية فشكل شباب حزب المسلمين عدة لجان تابعة لتنظيمه منها اللجنة المالية واللجنة التعليمية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والصحية .
فلما قامت الحكومة بالقبض على القادة الكبار للحزب الوطني الملايوي " PKMM " في 23 يوليو 1948 أحس حزب المسلمين بالخطر من تصرفات الحكومة السياسية واعتبر نفسه ممثلا لمنظمة إسلامية عادية تدافع عن الأمة الإسلامية وفي الوقت نفسه أعلن الحزب اعتراضه على الحركة الشيوعية ودعا الشعب الملايوي إلى الاتحاد خصوصا حزبي " PKMM, UMNO " ومقاومة الثورة الشيوعية العسكرية المفسدة التي تعد خطرا على الدين والشعب والوطن .
ومع ذلك لم يدم حزب المسلمين أكثر من خمسة أشهر فانتهت حركته بالقبض على أهم زعمائه في حملة الاعتقالات التي قامت بها الحكومة في 29 يوليو 1948. وبصورة عامة فإن حركة حزب المسلمين في تلك الفترة القصيرة لم تستطع أن تغرس جذورها بصورة متمكنة وأما التأييد الذي حصل عليه من خلال جهود الشباب وحركة اللجان والفروع لم يعط الحزب القوة الكافية لاستمرار مسيرته ؛
وذلك لعدة أسباب أهمها: إن ظهوره كان في ظروف صعبة حيث كانت السياسة الماليزية غير مستقرة وغير ثابتة كما أن معظم أعضاء قيادة الحزب كانوا مشغولين بوظائف أخري في المدارس والمنظمات الأخرى فلم يستطيعوا التركيز على إدارة الحزب ولا التمكين له في المجتمع الملايوي على أحسن وجه ممكن .

تأثير حزب المسلمين في تنظيم الدعوة الإسلامية:

وعلى الرغم من أن عمر حزب المسلمين ومسيرته كانت قصيرة إلا أنه قد أثر على وعي الملايويين الإسلامي تأثيرا عميقا خاصة في ضرورة التنظيم في ميدان الجهاد الإسلامي والدعوة الإسلامية ولهذا يعتبره أكثر مؤرخي الملايويين من أبرز المنظمات الإسلامية التي ظهرت في فترة ما قبل الاستقلال .

ومن أهم الآثار التي تركها حزب المسلمين:

أولا: استطاع حزب المسلمين من خلال فترة وجيزة استقطاب المسلمين داخل الحزب الوطني الملايوي " PKMM " وخارجه إليه فبعد أن كان أعضاؤه 2,500 شخص أصبحوا ما بين 10,000 – 20,000 شخص مما أدي إلى إضعاف الحزب الوطني وذلك وفق تخطيط مدروس من قبل أعضاء حزب المسلمين .
ثانيا: كان حزب المسلمين نواة الحزب الإسلامي " PAS " التي تم إنشاؤه فيما بعد على يد بعض القياديين من حزب المسلمين بعد حله ومنعه وذلك أن حزب المنظمة الوطنية الملايوية المتحدة " UMNO " كان يوجد فيها اتحاد العلماء فانضم أعضاء حزب المسلمين بعد انحلاله إلى هذا الاتحاد وبعد فترة استطاع أعضاء حزب المسلمين التأثير على اتحاد العلماء وقاموا معا بإنشاء الحزب الإسلامي وسيأتي الكلام عنه بالتفصيل إن شاء الله تعالي .
والخلاصة أن جهود حزب المسلمين كانت امتدادا للأعمال التي بدأها المجلس الإسلامي العالي من أجل إقامة شريعة الله تعالي في أرض الملايو وعلى الرغم من أن عمر حزب المسلمين لم يتجاوز خمسة شهور إلا أنه قد نجح في تكوين تجمع إسلامي قوى ومؤثر بدأ يقلق الحكومة بحركاته وأنشطته المكثفة كما كان لتحركات حزب المسلمين دور رئيسي في تطوير منظمات الدعوة الإسلامية في فترة ما قبل الاستقلال .

ثانيا: الحزب الإسلامي بماليزيا (PAS)

نشأة الحزب الإسلامي وتطوره قبل الاستقلال

لقد كان حزب المنظمة الوطنية الملايوية المتحدة " UMNO " هو الحزب الوحيد في ماليزيا في آخر عقد الأربعينيات وذلك بعد أن قامت الحكومة البريطانية بحل جميع الحركات السياسية اليسارية والإسلامية ما عدا حزب " UMNO " ونتيجة لهذا انضم بعض اليساريين والإسلاميين لحزب " UMNO " للعمل من خلاله ومواصلة كفاحهم الاستقلالي وأما الآخرون بما فيهم أعضاء حزب المسلمين السابق فقد بقوا غير نشطاء في الحركة السياسية وفي نفس الوقت كانوا يرصدون التطور السياسي الملايوي في صمت وهدوء .

وبطبيعة الحال وبسبب تأثيرات من عناصر إسلامية قوية داخل " UMNO " كانت المنظمة ملزمة بأن يكون لها اهتمام ومشاركة في الأمور الدينية إلا أن UMNO لم ترغب في أن تكون مماثلة للمجلس الإسلامي العالي أو حزب المسلمين في كفاحهما الإسلامي ومع ذلك وضعت ضمن اهتماماتها تطوير أوضاع المسلمين وذلك بإنشاء قسم إسلامي في تنظيمها وتكوين مجالس إسلامية في كل الولايات.

لتشرف علي المشكلات التي تتعلق بالأمور الدينية ولكن وعد " UMNO " بتطبيق التعاليم الإسلامية كان جزئيا وضعيفا ويؤكد ذلك اعتراضها القوي على اقتراح قدمه اتحاد الملايو من سنغافورة يطلب من "UMNO " السعي في إقامة الدولة الإسلامية وقد كان اهتمام " UMNO " بالأمور الإسلامية في وجهة نظر قياداتها عملية سياسية تسعي لكسب دعم الموظفين والمدرسين المسلمين الذين كان لهم نفوذ عظيم لدي الجمهور .

ولهذا الغرض عقدت المنظمة الوطنية الملايوية المتحدة " UMNO " مؤتمر العلماء في 21 -22 فبراير سنة 1950م في مدينة موار بولاية جوهر وحضر في هذا المؤتمر ستة وأربعون مندوبا رسميا من الجمعيات الإسلامية المتعددة من جميع الولايات سوي ولاية باهنج

وقد ناقش أعضاء المؤتمر بعض الاقتراحات المهمة واتفقوا على اتخاذ عدة قرارات أهمها: إقامة مجلس التنسيق الذي يتألف من رؤساء الجمعيات الإسلامية والمجالس الدينية في جميع الولايات ويعمل كمجلس استشاري في الشؤون الدينية؛

كما أنهم وافقوا على إنشاء معهد إسلامي في الملايا وتقديم الطلب إلى الحكومة لتوفر منحة دراسية لطلبة العلوم الإسلامية في خارج القطر وبذلك أصبح المؤثر جزءا من حركة " UMNO " وعرف باسم " اتحاد العلماء بالملايا " ولكن هذا الاتحاد فشل في مزاولة أعماله بنشاط .

وعقد اتحاد العلماء بالملايا مؤتمره الثاني في 23 أغسطس 1951م في نادي سلطان سليمان بكوالا لمبور وركز هذا المؤتمر على مناقشة قضيتين مهمتين

أولاهما: إعادة النظر في قرار المؤتمر السابق في إنشاء مجلس التنسيق لانسجام الإدارة الإسلامية في ماليزيا
وثانيتهما: فصل اتحاد العلماء من " UMNO " وجعله اتحادا مستقلا ولهذا الغرض شكل المؤتمر لجنة خاصة يترأسها الحاج أحمد فؤاد بن حسن وهو رئيس القسم الإسلامي لـ" UMNO " لتنفيذ القرار ورسم دستور الاتحاد الجديد لعرضه في المؤتمر القادم .

ومن العوامل التي أدت إلى اتخاذ اتحاد العلماء هذا القرار توقعه بأنه لم يستطع ولن يستطيع تحقيق أهدافه الإسلامية السامية إلا إذا استقل عن تنظيم " UMNO" ذلك لأن دستور " UMNO " لا يقوم على المبادئ الإسلامية التي أشار إليها القرآن الكريم والسنة النبوية .

وبالإضافة إلى ذلك كانت سياسية " UMNO " المتغيرة نحو الصينيين والهنود ورعايتها لمشروع "يانصيب " وقد أدي كل ذلك إلى عدم اعتراف المسلمين وعلمائهم بالكفاح الإسلامي الذي صرح به رؤساء " UMNO" .

ويبدو أن الإصلاحيين هم الذين بدأوا بالخطوة الأولي في هذا الأمر وكان الأستاذ عثمان حمزة وهو أحد المدرسين في مدرسة الإحياء الشريف الإصلاحية حينئذ في مقدمة المخططين لانفصال اتحاد العلماء عن " UMNO" وكان عضو اللجنة التنفيذية ورئيس القسم الشبابي السابق لحزب المسلمين المنحل وشخص آخر لعب دورا مهما في هذا الأمر هو السيد عبد الله حميد العدروس المؤلف والناشر في سنغافورة الذي يقال إنه تشبه تأليفاته بالسيد الشيخ الهادي المصلح الإسلامي الماليزي الكبير.

وفي 24 نوفمبر سنة 1951م, أقام الاتحاد مؤتمره الخاص في سبرانج فراي بولاية فولو بينانج, بدون ارتباط من " UMNO " وحضر في هذا المؤتمر 200 مندوب ومراقب من العلماء والجمعيات والمنظمات الإسلامية المختلفة ومن ضمنها اتحاد الإحياء الشريف الذي يتألف من الأعضاء الأكثر نشاطا من حزب المسلمين المنحل .

وكان الأمر الوحيد المهم الذي بحث فيه المؤتمر هو تأسيس منظمة إسلامية جديدة لتحل محل الاتحاد القديم عرفت بـ "الاتحاد الإسلامي بملايا " والذي يعرف في الوقت الحاضر باسم "الحزب الإسلامي بماليزيا" وكان الرئيس الأول للحزب الإسلامي هو الحاج أحمد فؤاد بن حسن .

وكان الدستور الأول للحزب الإسلامي يرمي إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية:

الأول: إقامة الاتحاد على أساس الإخوة الإسلامية لتجميع قوة المسلمين في تحقيق التعاليم الإسلامية مع مراعاة السياسة الديمقراطية
والثاني: تركيز جهده وقوته على توحيد القوانين والإدارة الإسلامية في ملايا
والثالث: الحماية والدفاع عن حقوق المسلمين والمصالح الإسلامية
والرابع: التعاون مع منظمات سياسية أخرى لا تتعارض مبادئها وأهدافها مع التعاليم الإسلامية .

وفي بداية تأسيسه لم تكن تحركات الحزب الإسلامي " PAS " نشطة حتى أنها لم تتجاوز عضوية الحزب بعد سنة من تأسيسه 5,000 شخص ومعظمهم كانوا من سكان جبل سمنجول (الذي كان مركزا لحزب المسلمين) والمناطق المجاورة كما عجز الحزب الإسلامي عن منع أعضائه من الانضمام إلى أحزاب أخرى فلما أحس الحزب بضعفه بدأ باتخاذ خطوات جادة لإعادة تنظيمه في سنة 1953 التي أدت بالتالي إلى تعديلات هامة في دستور الحزب وافق عليها المؤتمر الثالث المنعقد في أغسطس 1954م.

ووفق دستور الحزب الإسلامي الجديد أصبح الهدف الأول للحزب الإسلامي " PAS " هو الحصول على الاستقلال من قيود الاستعمار البريطاني والهدف الثاني الكفاح من أجل تحقيق الأهداف الإسلامية في تكوين المجتمع الإسلامي بصورة عامة وفي إقامة الدولة الإسلامية بصورة خاصة؛

ومن هنا بدأ يظهر الحزب هويته السياسية ويعمل كمنظمة دعوية وسياسية إسلامية ومن أهم القرارات التي أصدرها هذا المؤتمر هو تشديد انضباط الحزب ومنع أعضاءه التنفيذيين من الاشتغال أو الانضمام إلى وظائف إدارية أو تنفيذية في أحزاب أخرى.

ونتيجة للتعديلات والتغييرات التي حدثت في دستور الحزب الإسلامي نجح الحزب في جذب انتباه المجتمع وتمكين أقدامه في بعض الولايات الماليزية وهكذا كانت بداية ظهور الحزب الإسلامي في فترة ما قبل الاستقلال

ومع ذلك فإن مناهج الدعوة الإسلامية وأساليبها وتحركاتها قد تغيرت بتغير الأوضاع والظروف المحيطة بها وهذا ما حدث في مسيرة الحزب الإسلامي منذ مطالبته باستقلال ماليزيا إلى الوقت الحاضر خاصة من ناحية الدعوة والسياسة اللتين سنتحدث عنهما بالتفصيل في الفصل القادم بإذن الله تعالي .

تنظيمات الدعوة الإسلامية غير الحكومية بعد الاستقلال

تمهيد

قبل الحديث عن المنظمات الدعوية الإسلامية بعد الاستقلال يحسن بنا أن نتطرق إلى الكلام عن استقلال ماليزيا ومكانة الإسلام في دستور الدولة فقد نالت ماليزيا استقلالها في 31 أغسطس 1957م, وصار رئيس حزب " UMNO " تأكير عبد الرحمن فترا أول رئيس وزراء

وغطي هذا الاستقلال جغرافيا شبه جزيرة الملايو فقط وفي 16 سبتمبر 1963 م أنشئ اتحاد يشمل شبه الجزيرة وسنغافورة وصباح "Sabah" وسراواك " Aarawak " تحت اسم " اتحاد ماليزيا" . وكان الغرض من إنشاء الاتحاد هو التوازن العرقي بين سكان ماليزيا الذي يتكون من الملايويين والصينيين والهنود .

وقد ورد في دستور هذه الدولة الجديدة في الباب الثالث الفقرة رقم (16) بأن " الإسلام هو دين اتحاد ماليزيا .. " وفي نفس الوقت يعترف الدستور بحرية الأديان الأخرى ولها أن تتحرك بطرق سلمية فيقول في الباب الثالث الفقرة رقم (1) كما يأتي " إن الإسلام دين الاتحاد (اتحاد ماليزيا) ولكن الأديان الأخرى يمكن أن يعمل بها بأمان في أى مكان في دولة الاتحاد "

وبالإضافة إلى هذا فقد سمح للحكومة المركزية أن تمد المساعدة إلى الإسلام والمسلمين كما نص الدستور على ذلك في الباب (13) الفقرة ويمكن القانون الفيدرالي تقديم المساعدات المالية لإنشاء والإشراف على الأماكن الإسلامية

ونشر التعاليم الإسلامية للمسلمين وهنا يظهر جليا أن الدستور الماليزي قد فتح أمام حركة الدعوة الإسلامية على جميع مستوياتها حكومة وغير حكومية أوسع الأبواب للانطلاق إلى الأمام فهي حالة ربما لم يوجد مثلها في أى بلد من البلدان الأخرى بجنوب شرقي آسيا .

ولذلك نشطت حركة الدعوة الإسلامية في ماليزيا بعد الاستقلال نشاطا ملحوظا فإلى جانب الأنشطة التي تقوم بها الجهات الرسمية مثل مجالس الشؤون الإسلامية في الولايات الماليزية فقد ظهرت بعض الجمعيات والمنظمات الشعبية الإسلامية التي تقوم بالدعوة الإسلامية والخدمات الاجتماعية؛

ومن أهم هذه المنظمات جماعة التبليغ والرحمنية ودار الأرقم وحركة الشباب الإسلامي وجماعة الإصلاح وهذه المنظمات كلها في غرب ماليزيا ثم جمعية صباح الإسلامية بولاية صباح والحركة الإسلامية بولاية سراوك وسأقوم بعرض موجز لبعض هذه المنظمات على الترتيب الزمني في هذا المبحث بإذن الله .

أولا: جماعة التبليغ

نشأتها:

نشأت جماعة التبليغ في الهند وقد أسسها محمد الياس (1885 -1944م) في الثلاثينات في ميوات في شمال نيو دلهي. وكان المسلمون في الهند في ذلك الحين عموما يعانون من الانحلال الخلقي والضعف الديني والإيماني ورأي محمد إلياس أن الضعف الذي أصاب المسلمين منشؤه ضمور القيم الإسلامية والروحية؛
ولهذا فقد قام محمد إلياس بواجبات الدعوة الإسلامية وتبليغها إلى المجتمع لتجديد الروح الإسلامية وإصلاحها ومن ميوات بدأت حركة جماعة التبليغ تتوسع إلى خارج نطاق الهند , بإرسال وفد من جماعتها لمهمة التبليغ في البلدان المختلفة .
أما نشأتها في ماليزيا فقد وصلت دعوة جماعة التبليغ إليها عن طريق المبلغين الذين بعثوا من جهة المركز الرئيسي لجماعة التبليغ في الهند وكان أشهرهم نشاطا عبد الملك مدني الذي أتي ماليزيا في حوالي سنة 1957م وقام بالدعوة والتبليغ في ولايتي سنغافورة وسلانجور
وفي البداية كان انتشار جماعة التبليغ قد اقتصر على المجتمع الهندي المسلم فقط في ولايات فولو بينانج وكوالا لمبور وسنغافورة ولكن في مستعل السبعينيات دخلت جماعة التبليغ إلى عهدها الجديد حينما بدأت الجماعة باستمالة وجذب الملايويين ونجحت في لفت نظر الشباب الملايويين لتربطهم بأنشطتها التبليغية وقد اتخذت الجماعة الجامع الهندي في وسط مدينة كوالا لمبور ليكون مركزا لدعوتها .

أهداف جماعة التبليغ وطبيعتها:

ومن ناحية الأهداف تسعي جماعة التبليغ إلى ترسيخ كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وتقريرها في عقيدة المسلمين وتقوم الجماعة بدعوة المسلمين إلى تنفيذ جميع أوامر الله وتعويدهم على احترام المسلمين الآخرين وتكريمهم . كما أنها تحث المسلمين على تخصيص أوقات معينة من حياتهم للخروج إلى الجولات الدعوية التبليغية وذلك بترك كل ارتباطهم الدنيوية .
وإن جماعة التبليغ تدعو المسلمين للعودة إلى طريق الله والدعوة إلى سبيله بتجميعهم في المساجد وإلقاء محاضرات عن الإيمان والإسلام عادة بعد صلاة المغرب ثم تلزم الجماعة أتباعها ببذل أوقات معينة للقيام بهذا الواجب
وتتوسع تحركات جماعة التبليغ بقيامهم بالجولة في سبيل الدعوة إلى الله تعالي من مسجد إلى مسجد آخر كمد أنها تحث أفرادها على توثيق الإخوة الإسلامية فيما بينهم من خلال مشاطرتهم في الطعام وتسهيلات المساجد ومناقشتهم في المشاكل والخيرات الدينية الفردية .
ولا تتخذ هذه الجماعة اتجاها معينا في السياسة والاقتصاد بل إنها في الحقيقة لا تهتم بالأمور السياسية والاقتصادية وتركز أعمالها على إصلاح الروح وتهذيبها لتشجيع أتباع الجماعة على القيام بأمر الله تعالي
وبالإضافة إلى ذلك لا تقبل الجماعة مشاركة النساء في تحركاتها باعتبار أن مكانها في البيت فقط وكل الأنشطة التي تقوم بها الجماعة تركز على المساجد حتى يكاد عملهم يقتصر على جماعة المسجد ولا تستخدم الجماعة أى وسائل إعلامية في الدعوة ومن حيث إنها تعتقد أن الأسلوب الحقيقي للدعوة هو الدعوة الفردية بين الدعاة والمدعوين .

أثرها:

أثرت جماعة التبليغ تأثيرا إيجابيا وكونت لدي الشباب المسلمين انطباعا جيدا خاصة لغير المتزوجين من حيث إنها حثت الشباب المسلم على الأخلاق الحميدة بديلا عن السلوك الغربي اللاأخلاقي
واقتصر انتشار جماعة التبليغ في فترة الستينيات والسبعينيات عند الملايويين على مناطق الأرياف في ولايات قدح وبيراق وترتجلو ثم بدأت الدعوة تتوسع بسرعة في المدن بمشاركة الشباب وعدد كبير من طلاب الجامعة ومدرسيها الذين التزموا بدعوة التبليغ التزاما شديدا ؛
حتى أنهم يقضون جزءا من عطلتهم الجامعية في الانضمام إلى الجولة التبليغية ونشر الدعوة الإسلامية في أنحاء ماليزيا وحتى الآن فإن جماعة التبليغ لا تزال تتحرك وتنشر دعوتها في ماليزيا وتكسب قبولا حسنا من المسلمين الماليزيين الذين يتكونون من أجناس مختلفة .

ثانيا: الرحمنية

نشأتها:

هي إحدي الجمعيات الدعوية والخيرية الإسلامية وقد كانت قبل تأسيسها عبارة عن أنشطة دعوية إسلامية قام بها طلاب جامعة ملايا في السكن الداخلي وفي سنة 1963م قامت جماعة من طلبة جامعة ملايا والمعهد الإسلامي وبعض المؤسسات الأكاديمية العالية الأخرى حول كوالا لمبور بتأسيس هذه الجمعية رسميا .
ونتيجة لذلك توسعت أعمالها الدعوية والتربوية خارج نطاق الطلبة . شرعت تنشر دعوة الإسلام إلى غير المسلمين والمسلمين الجدد.

أهدافها:

ومن أهم أهداف الرحمنية:

  1. نشر التعاليم الإسلامية المتكاملة كما جاء بها القرآن والسنة النبوية وإرشاد المجتمع إلى الحياة الإسلامية الشاملة بالحكمة والموعظة الحسنة .
  2. تعليم المجتمع وتمكينهم من زيادة فهمهم للإسلام وتعاليمه وتثقيفهم بالثقافة بالإسلامية .
  3. تقديم المساعدات للمسلمين وتعويدهم على الحياة الإسلامية وفقا للقرآن والسنة .
  4. رفع الروح الإسلامية والتعاونية بين المسلمين .
  5. نشر الكتب والمجلات والرسائل التي تخدم أهداف الجمعية .
  6. حماية الحقوق الأساسية للمرأة في الإسلام والارتفاع بمستوي المرأة المسلمة .
  7. توثيق الإخوة الإسلامية العالمية والسعي لإقامة دول الكومونويلث الإسلامي التي تشد بعض أفرادها إلى بعض مصلحة إسلامية مشتركة .

تنظيمها:

ومن ناحية التنظيم انقسمت الرحمنية إلى ثلاثة أقسام وهي قسم مكتبة الرحمنية وقسم جمعية الرحمنية التعاونية وقسم الدعوة تعمل مكتبة الرحمنية على نشر المجلات والكتب الدينية التي ألفها أعضاء الجمعية وغيرهم
أما جمعية الرحمنية والمكتبات التي تباع فيها كتب مكتبة الرحمنية وفي مجال الدعوة قام قسم الدعوة بالرحمنية بالأنشطة المختلفة منها الندوات والمحاضرات , والدروس الدينية وروضات الأطفال ودعوة غير المسلمين وغيرها .

أنشطة الرحمنية وأثرها:

الأنشطة التي قامت بها الرحمنية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع أنشطة في مجال الدعوة الإسلامية وأنشطة اقتصادية اللتين سبق ذكرهما في أعمال قسم الدعوة وجمعية الرحمنية التعاونية وأنشطة خيرية
ومن الأعمال الخيرية التي قامت بها الرحمنية جمع التبرعات للمجاهدين المسلمين في أفغانستان وتقدم المساعدات اللازمة للمسلمين الجدد وفتح العبادات الإسلامية التي تخدم الناس أسبوعيا
وإعداد الدروس الإضافية لطلبة الثانوية العامة مجانا خاصة لغير المسلمين منهم وقد كانت استجابة الجمهور لأنشطة الرحمنية جيدة فلم يكن إقبال الناس على هذه الأنشطة من المسلمين فحسب بل شارك البدائيون وغير المسلمين في بعض الأنشطة التي تخصهم مثل الدروس الدينية للبدائيين وروضات الأطفال لغير المسلمين
وبالإضافة إلى ذلك تعاونت الرحمنية مع الجمعيات الأخرى مثل حركة الشباب الإسلامي بماليزيا واتحاد العلماء والجمعية الخيرية الإسلامية والمجالس للشؤون الدينية في تنفيذ بعض أنشطتها الدعوية والخيرية .
ومع ذلك لم يستمر الدور البارز الذي لعبته الرحمنية في عقد الستينات والسبعينيات إلى الوقت الحاضر وفي العقد الرابع من عمرها واجهت الرحمنية مشكلات داخلية خاصة في الإدارة المالية والاقتصادية مما جعلها تعجز عن مواصلة أنشطتها المؤثرة في مجال الدعوة؛
والآن تحول المركز الرئيسي للرحمنية من فتالينج جايا القريب من العاصمة كوالا لمبور إلى مدينة بانفي الجديدة بولاية سلانجور ويقوم بإصدار عدد قليل من الكتب الدينية وإقامة الأنشطة الدعوية المحدودة .

ثالثا: دار الأرقم

نشأتها وتطورها:

دار الأرقم جماعة دعوية غير حكومية أسسها سنة 1968 م الشيخ أشعري محمد بهدف إحياء العقيدة والقيم الإسلامية وتطبيقها بشكل شامل في الحياة اليومية بعيدا عن السياسة بدأت الجماعة بعشرة أشخاص تحت قيادة الشيخ أشعري الذي دعي إلى التمسك بالشريعة الإسلامية؛
والمحافظة على الشخصية الإسلامية من خلال النقد الذاتي ومراجعة النفس . وانتهجت الجماعة خط التصوف وتبنت الطريقة المحمدية وكان شعاره " لنغير أنفسنا ثم نعظ الآخرين " " لنربح قلوب الناس بدلا من مقاعد البرلمان ".

وخلال العامين الأولين من تأسيس دار الأرقم مارست الجماعة نشاطها في أحد منازل أعضائها في كوالا لمبور حيث اتخذت اسم دار الأرقم نسبة إلى الصحابي الأرقم بن أبي الأرقم ثم ازداد نشاط دار الأرقم في عامها الثالث (أى عام 1970م)

وبدأ الشيخ أشعري يبث أفكاره من خلال الخطب الدينية التي كان يلقيها في المنازل والمساجد والمكاتب والمدارس والجامعات ورافق هذه الخطب نشر مجموعة كبيرة من الكتب والدوريات وأفلام الفيديو وشرائط الكاسيت
بالإضافة إلى إقامة المعارض التي تظهر الحياة الإسلامية وفي عام 1973 م نقلت دار الأرقم مركزها إلى قرية إسلامية نموذجية تدعي سوغاى بنجالا تبعد 20 كيلو مترا عن العاصمة .
وما أن أطلت سنة 1979 م حتى امتد نشاط الجماعة إلى ما وراء حدود ماليزيا وبعد زيارات قام بها الشيخ أشعري عام 1988 إلى الخارج تم افتتاح فروع لدار الأرقم في سنغافورة وتايلاند وأندونيسيا والفلبين وبروناى وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة واستراليا ونيوزلندا وباكستان والصين ومصر والأردن وأوزبكستان .

تنظيمها:

أما من ناحية التنظيم يحتل رأس التنظيم الهيكلي للجماعة مؤسسها الشيخ أشعري الذي يدعي شيخ الأرقم أو أمير أو أب (أبويا) تقديرا ندوره الأبوي, ويساعده مجموعة من الوزراء مؤلفة من نواب الأمير ومندوبيهم بالإضافة إلى ممثلي الجماعة في الولايات الماليزية؛
وهناك 13 أمير شعبة منبثقين عن مجموعة الوزراء الآنفة الذكر مهمتهم تنظيم مسائل الجماعة المتعلقة بالدعوة والاقتصاد وبيت المال والتعليم والصحة والقانون والخدمات الاجتماعية والثقافة والسياحة والإعلام أما قرارات الجماعة فيتخذها مجلس شيوخ يديره أمين سر يشغل منصب أمين سر نائب رئيس الجماعة أيضا .
وقد ارتفع عدد أعضائها من 70 سنة 1979 م إلى 6000 سنة 1987م وإلى 10000 سنة 1993م أما في الخارج فيتراوح عدد أتباعها بين 2000 ، 3000 شخص معظمهم من النخبة المثقفة والمتحمسة للإسلام أثرها:
لقد كان لجماعة دار الأرقم أثر كبير على حياة المسلمين في ماليزيا في مجالات مختلفة منها إنشاء الجماعة 48 قرية إسلامية تعتمد على الاكتفاء الذاتي من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والتوزيع العادل للمعاش كما فتحت الجماعة 257 مدرسة في ماليزيا و11 خارجها (وصل عدد أساتذتها عام 1994 م إلى 696 شخص)
بالإضافة إلى أماكن ترفيه وتسلية إسلامية خاصة بها وفي المجال الصحي أسست الجماعة مركز طبيا إسلاميا في كوالا لمبور وعدة عيادات موزعة على المناطق بما فيها قرى الجماعة .
وعلى الصعيد الإعلامي أصدرت دار الأرقم أربع صحف و15 مجلة شهرية بلغ معدل انتشارها نحو 928000 نسخة بالشهر . بالإضافة إلى ذلك أسست الجماعة وكالة إعلانات ومركز كومبيوتر خاصة بها واستوديو لتحضير أفلام الفيديو وشرائط الكاسيت المتعلقة بالدعوة الإسلامية؛
كما قامت بإعطاء دروس في الإدارة والتكنولوجيا العالية وأما في الحقل الاقتصادي فقد أسست الجماعة 417 مشروعا تجاريا وشركة وأقامت مجمعا زراعيا ومركزا للتدريب الزراعي في ولاية في ولاية بيراق ؛
وعمدت إلى زراعة كل أراضي قراها التي أنتجت المحاصيل الغذائية بالإضافة إلى إنشاء مزارع السمك والدجاج ومشاتل الزهور وفي الصناعة أنتجت الجماعة 45 صنفا من المواد الغذائية ومساحيق الزينة ومياه الشرب ولم تكتف الجماعة بمشاريعها الاقتصادية داخل ماليزيا فأسست شركات ومزارع في سنغافورة واندونيسيا والصين وأوزبكستان .

منع الحركة من قبل الحكومة

كانت السلطات الدينية الإسلامية الماليزية تشك في توجهات جماعة دار الأرقم واعتبرتها جماعة إسلامية متطرفة ومنحرفة تروج لأفكار بعيدة عن الإسلام وقد ظهر هذا الاتهام في سنة 1979م حينما عزلت دار الأرقم أحد أمرائها أكبر أنانج عن منصب أمير شعبة الاقتصاد للجماعة لأنه لم يقتنع بالطريقة المحمدية وادعي أن الطريقة تعتقد بأن مؤسسها محمد بن عبد الله السحيمي هو الإمام المهدي المنتظر
وأنه لم يمت وإنما غاب واختفي وسيعود إلى الأرض ولكن الجماعة نفت الاتهام في أثناء مقابلتها مع وكلاء شعبة الشؤون الإسلامية الماليزية والتي عقد في المركز الإسلامي بكوالا لمبور في نفس السنة ولكن في سنة 1986 م أظهر أشعري محمد معتقداته ؛
وأصدر كتابا سماه " الأوراد المحمدية " يذكر فيه أن الأوراد المحمدية قد أخذها الشيخ محمد السحيمي من الرسول صلي الله عليه وسلم في الكعبة يقظة كما أنه يذكر أن الشيخ السحيمي هو الإمام المهدي الذي سيعود إلى الأرض قبل القيامة
وبعد الدراسة والمناقشة الدقيقة التي قامت بها الشعبة عن الموضوع أصدرت فتوى بتحريم الكتاب سنة 1988م بناء على أن الكتاب يحتوى اعتقادا بعيدا عن التعاليم والاعتقادات الإسلامية الصحيحة .
بالإضافة إلى ذلك فقد وجه اتهام للجماعة بالتخطيط لإسقاط الحكومة . وفي عام 1988م ترك أشعري البلاد ليبث آراءه من المنفي بعد أن هدد بالاعتقال . وفي عام 1994م صدرت فتوى بمنع كل أنشطة دار الأرقم في ماليزيا
واعتبارها جماعة محظورة فأغلقت جميع مدارسها وقراها وشنت الحكومة حملة اعتقالات ضد أعضائها ورئيسها الذي وصل البلاد قادما من تايلاند وفي نفس العام صدر عفو عن أتباع هذه الجماعة وعن الشيخ أشعري الذي تعهد بعدم نشر أفكاره .

رابعا: الحركة الإسلامية لولاية سراواك نشأتها وتطورها

كانت سياسة بريطانيا الاستعمارية في ولاية سراواك قد وضعت على أساس مدروس تهدف إلى تشكيك السكان في عقيدتهم وتحويلها من إسلامية صميمة إلى علمانية غربية لا دينية

مما أفرز مظاهر سيئة وكانت هذه السياسة قد أدت إلى انتباه العلماء والمثقفين الإسلاميين لمسئوليتهم العظيمة لإنقاذ المسلمين في سراواك من هذه المحنة العظيمة ومن سوء الفهم لتعاليم الإسلام الصحيحة ولهذا أقيمت دورة إسلامية للطلبة المسلمين في سراواك تلاها مؤتمر إسلامي عظيم في كوجينج عاصمة سراواك عام 1968م.

ونجح هذان البرنامجان في نشر الوعي الإسلامي بين المسلمين السراواكيين وقرر المؤتمر تأسيس جمعية إسلامية في ولاية سراواك سماها جمعية النهضة الإسلامية المتحدة وتعرف باسمها المختصر " بينا" وقد تم إنشاؤها في 3 أبريل 1969م

وكان هدفها دعوة أفراد القبائل المحلي المنعزلة في أعماق الولاية إلى الإسلام وتم حق الآن إسلام الآلاف من هؤلاء المواطنين وتقوم الجمعية بتربيتهم تربية إسلامية وتعويدهم على الحياة الإسلامية المألوفة في المجتمع الإسلامي .

وفي سنة 1994م قامت " بينا " ببعض التعديلات في التنظيم وإعادة التشكيل لتوافق تطورات العصر الحديث وتبعا لهذه التعديلات أصبحت "بينا" تعرف باسمها الجديد وهو "الحركة الإسلامية " واشتهرت باسمها المختصر " الحكمة " وعلى الرغم من هذه التعديلات بقيت "الحكمة" على ما هي عليه سابقا .

أهدافها وأنشطتها:

إن مهمة "الحكمة" الأولي هي إقامة المجتمع الذي يمارس التعاليم الإسلامية في حياته اليومية وبناء على هذا الأساس فقد حددت "الحكمة" أهدافها كالآتي :

  1. تكوين الإنسان المتقي لله .
  2. نشر الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة .
  3. تنبيه المسلمين بمهمة الدعوة إلى الله .
  4. تكوين الأعضاء وتربيتهم ليكونوا دعاة مصلحين .
  5. إعطاء الجمهور الانطباع الجيد والمعتدل عن "الحكمة"
  6. نشر المفاهيم الإسلامية وأنشطة "الحكمة" عن طريق المجلة والإعلام الحديث لأعضاء "الحكمة" خاصة وللمجتمع عامة .
  7. تقديم المساعدات الخيرية للمجتمع لتخفيف مشكلاتهم .
  8. توثيق الإخوة الإسلامية بين الأعضاء والمجتمع من خلال الأعمال الخيرية المشتركة .

وتقوم " الحكمة" بأنشطة مختلفة تناسب مستويات المدعوين كالمحاضرة والأسرة والرياضة وقيام الليل والرحلة الإسلامية وغيرها وبالإضافة إلى ذلك أقامت "الحكمة" نادي الشباب لإعداد الأنشطة النافعة للشباب المسلمين وللحكمة الآن مركز رئيسي مقره كوجين ويتفرع عن هذا المركز الرئيسي عشرة مراكز وتحت كل مركز فروع في مناطق السكان في الأرياف ويبلغ عدد هذه الفروع ثلاثة وثلاثين فرعا .

خامسا: جمعية صباح الإسلامية نشأتها وتطورها

من الجمعيات التي تعمل في حقل الدعوة الإسلامية بماليزيا جمعية صباح الإسلامية المعروفة باسم "أوسيا " وقد أنشئت الجمعية في أغسطس عام 1969 م في تركيا كينابالو عاصمة ولاية صباح بماليزيا الشرقية

وقد اهتمت الجمعية بنشر الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين في ولاية صباح خاصة بين البدائيين وكان أول رئيس للجمعية الداتؤ تون مصطفي وهو رئيس الوزراء لولاية صباح في ذلك الحين.

ازدهرت الجمعية ازدهارا باهرا في فترة قصيرة منذ تأسيسها وهذا التطور كان واضحا من خلال ازدياد عدد فروع الجمعية وأعضائها في سنة 1971 م أقلعت الجمعية 204 فروع في أنحاء ولاية صباح وفي سنة 1972م ازدادت فروع الجمعية إلى 294 وبلغ عدد أعضائها 49,449 شخصا ثم استمر ازدياد عدد فروعها وأعضائها من سنة لأخرى . وفي سنة 1976 م بلغ عدد فروع الجمعية 384 فرعا وأعضائها أكثر من 60,000 عضوا .

تنظيمها ومنهجها الدعوي :

أما من ناحية التنظيم فيتولي الهيكل التنظيمي للجمعية مجلس مركزي يتكون من رئيس الجمعية وأعضاء مجلس الإدارة وللجمعية تنظيم هرمي يشمل نائب الرئيس وسكرتيرا عاما ورؤساء لمراكز الدعوة ورؤساء لفروع مراكز الدعوة ورؤساء للجان إلى آخرها
ويعمل في الجمعية مجموعة من الشباب الذين تخرجوا من الأزهر وجامعات المملكة العربية السعودية وبغداد ." وإن أسلوب العمل الذي استخدمته الجمعية في نشر الدعوة الإسلامية يقوم على أساس خطة مدروسة على النحو الآتي "
أولا: قسمت المناطق إلى قسمين قسم فيه أكثرية مسلمة تزيد على 50% وقسم فيه أقلية مسلمة وأكثرية غير مسلمة وفي المناطق التي يكثر فيها المسلمون يركز الداعية على الدفاع وحماية المجتمع الإسلامي من دخول المنصرين أما المناطق التي يكثر فيها غير المسلمين تتخذ الدعوة أسلوب الترغيب بكل جوانبه المعنوية والمادية .
ثانيا: تعمل الجمعية على إقامة المساجد الحديث وتستخدم الأفلام الدينية في الدعوة الإسلامية وخاصة فيما يتعلق بالعقيدة وتعليم أركان الإسلام كالصلاة والحج وبالإضافة إلى ذلك تصدر الجمعية كتيبات عن الإسلام كما تصدر مجلة أسبوعية اسمها " سينار أوسيا "
ولتنفيذ العمل المطلوب شكلت الجمعية عدة لجان منها الدعوة ,ولجنة الإعلام ولجنة الاتصال الخارجي والداخلي ولجنة التوريدات ولجنة الميزانية وبالإضافة إلى ذلك تملك الجمعية 33 سيارة و11 زورقا نهريا لنقل الدعاة إلى الأرياف 4 عربات سينمائية لعرض الأفلام الإسلامية وتحصل جمعية الدعوة معظم ميزانيتها من حكومة صباح ومن الزكاة والتبرعات التي جاءت من جهة الحكومة المركزية لماليزيا والسعودية والأغنياء المسلمين .

أثرها :

وقد كان لنشاط جمعية صباح الإسلامية منذ قيامها أثر كبير ملموس في إقبال السكان غير المسلمين على اعتناق الإسلام في ولاية صباح بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ هذه الولاية وكان عدد المسلمين في ولاية صباح قبل تأسيس هذه الجمعية يساوى في نسبته المئوية 32 % سنة 1962م وبعد قيام هذه الجمعية المباركة زادت النسبة إلى 52% سنة 1972مP
ولا شك أن هذه الجمعية تعد النموذج الحي لمستوى العمل الإسلامي وكأنها تعيد صورة انتشار الدعوة الإسلامية العظيم في القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين في أرخبيل الملايو .
وعلى الرغم من ذلك فقد فقدت الجمعية تأثيرها وفعاليتها في سنة 1976م وذلك حين فشل حزب "united Sabah Nationl Organization USNO " أى حزب منظمة صباح القومي المتحد وهو الحزب الحاكم لولاية صباح برئاسة تون مصطفي في الانتخاب المحلي سنة 1976م
وأهملت الحكومة الجديدة من حزب برجايا الجمعية واعتبرتها وسيلة وخطة سياسية قدمتها الحكومة السابقة لغرض سياسي ولذلك يري بعض الباحثين أن أهم عوامل نجاح دعوة أوسيا الإسلامية هو أن أوسيا كانت تدعمها الحكومة الصباحية مباشرة بعد أن صار تون مصطفي رئيسا للحكومة والجمعية في آن واحد فجعل أعضاء البرلمان المسلمين والمفتي ورئيس المجلس الإسلامي أعضاء لمجلس إدارة الجمعية .
ولذلك اضطرت الجمعية إلى خفض تحركاتها وتحويل هدفها الأساسي من نشر الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين إلى إقامة الأنشطة الدعوية بين السكان المسلمين فقط , وعلاوة على ذلك فإن انتقال الحكومة الصباحية من قيادة " USNO " إلى " برجايا " قد أفسح الطريق أمام الحركات المسيحية لتنفيذ مشروعاتها التنصيرية في هذه الولاية خاصة بين البدائيين الوثنيين سكان الغابات .

سادسا: جماعة الإصلاح بماليزيا

نشأتها:

أسست هذه الجماعة في يوليو 1990 لتساهم في تقدم المجتمع الإسلامي الماليزي وإصلاحه في الشؤون الدينية والدعوية والاجتماعية وكلمة الإصلاح المذكورة في اسم الجماعة تعني التحسين وإزالة العداوة والشقاق كما وردت في قوله تعالي (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) وقوله تعالي (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)
تقوم فكرة تأسيس الجماعة على أساس أن جميع الأفراد والمنظمات والجماعات التي تعمل لأجل الإسلام أعضاء في أسرة واحدة كما أن لكل منظمة مميزات ومساهمة خاصة لا تجدها في المنظمات الأخرى ؛
ولذلك يجب على المسلمين العمل على الإصلاح بين هذه المنظمات فتكمل هذه المميزات بعضها بعضا لتصبح الدعوة الإسلامية في ماليزيا دعوة فاعلة ومؤثرة ولهذا تحث الجماعة جميع المنظمات الإسلامية على الاتحاد والتعاون بينهم في العمل الإسلامي ليتمكنوا من مواجهة الصعوبات والتحديات
أهدافها:
وأما أهداف الجماعة فهي كالتالي:
  1. السعي لتحقيق الآمال الإسلامية ومطامحها الغالية.
  2. تنفيذ الأنشطة الدعوة الإسلامية التي تناسب كل مستويات المجتمع .
  3. تجميع قوة المجتمع وتجنيدها لتكوين مجتمع فعال ومتقدم في جميع نواحي الحياة .
  4. العمل بفكرة الاتحاد التي تبني على أساس الإخوة الإسلامية والقيم الإنسانية .
  5. تحقيق أهداف أخري شرعها الله تعالي في القرآن وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم بدون مخالفة القوانين المشروعة من قبل مجالس الشؤون الدينية .
  6. وليست الجماعة حزبا سياسيا كما أنها بعيدة عن التيارات الحزبية وتجاهد الجماعة لتنفيذ التعاليم الإسلامية بكاملها في ماليزيا مع مراعاة واقع المجتمع وإمكانيات الجماعة .

تنظيمها وأنشطتها:

ومن ناحية التنظيم تنقسم الجماعة إلى ثلاثة مستويات: المستوى المركزي ثم مستوى الولاية ومستوى المنطقة وتقود كل واحد منها لجنة قيادية وأنشأت الجماعة القسم النسوى في كل مستوياتها وللجماعة في الوقت الحاضر ثلاثة عشر فرعا لمستوى الولاية وستة وأربعون فرعا لمستوى المنطقة كما وصل عدد أعضائها في أكتوبر 1997 إلى 5,664 شخصا .
أما الأنشطة التي تقوم بها الجماعة فهي تهتم بالأعمال الخيرية كحل المشاكل الأسرية والعمل على تكوين الأسرة المسلمة السعيدة ولجنة المساعدات , ونادي الشباب وخدمة الإرشاد والتوجيه النفسي عن طريق التلفون وغيرها ؛
كما تساهم الجماعة في مجال التعليم بإنشاء روضات الأطفال والمدارس الإعدادية والثانوية الخاصة وتسميها مدرسة الأمين وأنشأت الجماعة كذلك معهد التعليم العالي باسم أكاديمية الإصلاح التي تقدم برامج الدبلوم في الدراسات الإسلامية القرآن والسنة والإدارة الإسلامية ؛
بالإضافة إلى ذلك تقوم الجماعة بأنشطتها الداخلية التي تساهم في تكوين أعضاء الجماعة ثقافة وإيمانا وتوثق الإخوة الإسلامية فيما بينهم عن طريق الأسرة وقيام الليل والمخيم والمحاضرة العلمية وغيرها .
والظاهر أن جماعة الإصلاح لا تزال جديدة في ساحة العمل الإسلامي في ماليزيا لهذا فإن تأثيرها في المجتمع الماليزي لم يكن ظاهرا على الساحة كما أنها لم تستطع تحقيق هدفها في إصلاح الجماعات الإسلامية الماليزية وتوحيدها من ناحية الدعوة والفكرة والحركة إلا أن جهدها في هذا الإطار قد لاقي قبولا خلال الفترة الأخيرة وظهور الائتلاف الإسلامي إبان الأزمة الأخيرة .

تنظيمات حركة الدعوة الإسلامية الحكومية

تمهيد

يمكن تقسيم المنظمات الدعوية الإسلامية الحكومية في ماليزيا إلى ثلاثة أقسام على حسب مصادرها

الأول: العمل الدعوى الذي تقوم به حكومات الولايات عبر مجالس الشؤون الإسلامية
والثاني: العمل الدعوة الذي تقوم به الحكومة المركزية عبر قسم التنمية الإسلامية الماليزية
والثالث: العمل الدعوي الذي تقوم به المؤسسات الدعوية تحت رعاية الدولة وإشرافها مثل الجمعية الخيرية الإسلامية ومؤسسة الدعوة الإسلامية وهذا سأتناوله في هذا المبحث باختصار إن شاء الله .

أولا: مجالس الشؤون الإسلامية في ماليزيا وأنشطتها الدعوية

نشأتها وتطورها

نشأت مجالس الشؤون الإسلامية في ماليزيا على مراحل حسب تطور تلك المجالس ولم تنشأ من فراغ بل سبق تلك النشأة وجود بعض الترتيبات الدينية التي اتبعت في بعض الولايات إلا أنه لم ينقل لنا الكثير عن تلك الترتيبات الدينية؛
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنه في عام 1874 م وضعت كل حكومة محلية في الملايو دستورا خاصا بها يحدد سلطة الولايات السياسية والدينية وينظم ما يتعلق بالعادات والتقاليد الملايوية وتعطي هذه الدساتير السلطة العليا في كل ولاية إلى سلطان تلك الولاية الذي كان يقوم على شؤون الولاية السياسية والدينية وفي تلك الفترة لم يكن هناك مجلس ديني أو هيئة .
دينية محددة ولكن سلطان الولاية كان يباشر الأمور الدينية مستعينا بنصائح وإرشادات أهل الخبرة والعلم وفي عهد الاستعمار البريطاني لم تتغير الأمور كثيرا حيث أبقيت الشؤون الإسلامية تحت رعاية السلاطين الذين كانوا كذلك يعتمدون في إصدار توجيهاتهم الدينية على نصائح وإرشادات أهل العلم والخبرة المقربين إليهم خاصة مفتي الولاية وما كان يعرف بـ "قاضي القضاة " إلا أن ذلك الاعتماد كان في نطاق ضيق لا يغطي كل الشؤون الدينية في الولاية .
وفي أوائل القرن العشرين بدأت السلطات الدينية بإلحاح من الدعاة المصلحين والزعماء المسلمين الغيورين بتنظيم تدريجيا حيث أطلق عليها اسم " مجلس الشؤون الإسلامية والعادات والتقاليد الملايوية" .
وأنشأت مثل هذه الإدارة في عدة ولايات ماليزية منها كلنتن (1915 م) وترنجانو (1919م) وغيرها وبعد الاستقلال أعطي الدستور الماليزي السلطة الدينية لسلاطين الولايات فسلطان كل ولاية هو الرئيس الأعلي للشؤون الإسلامية فيها .

أنشطتها الدعوية

" كان إنشاء مجالس الشؤون الإسلامية يعتبر تقدما جديدا للدعوة الإسلامية في ماليزيا إذ إنها قد أصبحت سندا قويا للدعوة وقامت بتنظيم التعليم الإسلامي المسائي لأبناء المسلمين الذين يتعلمون في المدارس الانجليزية في الصباح وتنظيم الدراسات الدينية للكبار في المساجد؛
وإعداد الخطب المنبرية في أيام الجمع ومراقبة التعاليم الدينية الحرة التي يعطيها الأفراد لكي لا تخرج عن التعاليم الإسلامية والحفاظ على نقائها .
كما كان من نشاطات مجالس الشؤون الإسلامية إدارة ومتابعة الإشراف على معظم المشاريع الإسلامية والدعوية التي تقوم حكومات الولايات بإنشائها أو تمويلها ومن هذه المشاريع إنشاء المساجد والمدارس الدينية والمؤسسات التعليمية الإسلامية العالية؛
وإصدار المجلات والنشرات الدينية كما ساهمت المجالس الإسلامية بشكل فعال في الإشراف على البعثات العلمية إلى الخارج إما بالدعم المباشر أو بتنظيم تلك البعثات . وبالإضافة إلى ذلك فقد أنشأت بعض المجالس قسما خاصا ومستقلا للدعوة الإسلامية مثلما قام به مجلس الشؤون الإسلامية في ولاية كلنتن منذ سنة 1962م.
ونجح "قسم الدعوة الإسلامية" في هذا المجلس في إعداد عدد كبير من الدعاة المثقفين الذين يعملون في ميدان الدعوة وكان عدد الدعاة في بداية تأسيس القسم النين وسبعين داعية ووصل هذا العدد عام 1970م إلى مائة وتسع وثلاثين داعية رسميا
كما تقوم بعض مجالس الشؤون الإسلامية بنشاط دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ومن ثمرات هذه الجهود على سبيل المثال أن استطاع مجلس الشؤون الإسلامية في العاصمة كوالا لمبور إدخال 1178 صينيا في الإسلام من عام 1981م إلى 1990م.
ومن الجدير بالذكر أن كل مجلس من هذه المجالس مستقل بذاته وليس له أية علاقة بالمجالس الأخري ولأن ماليزيا دولة مكونة من أربع عشرة ولاية ولكل ولاية إدارة حكومية خاصة للشؤون الإسلامية فإنه يوجد في ماليزيا الآن أربعة عشر مجلد للشؤون الإسلامية
وأربعة عشر مفتيا ولكل منها طريقته في العمل الدعوي ورغم اختلاف الأفكار والأساليب بين هذه المجالس فإن هناك خطوات إيجابية وجهود مستمرة لتوحيد مجالس الشؤون الإسلامية وتقاربها .

ثانيا: قسم التنمية الإسلامية الماليزية وأنشطته الدعوية

نشأته:

في عام 1968م أنشأت الحكومة المركزية المجلس الوطني للشؤون الإسلامية بهدف التنسيق بين مجالس الشؤون الإسلامية في الولايات الماليزية وفي عام 1974م قامت الحكومة المركزية بإعادة تنظيم الشؤون الإسلامية فأنشأت هيئة إسلامية جديدة تحت اسم " شعبة الدين الإسلامية "
فأصبح حسب التنظيم الجديد المجلس الوطني للشؤون الإسلامية قسما في شعبة الدين الإسلامي التي ضمت بالإضافة إلى ذلك مركزا للبحوث الإسلامية ومعهدا تدريبيا للدعوة الإسلامية ؛
وفي سبيل تطوير عمل شعبة الدين الإسلامي شكلت الحكومة المركزية لجنة متخصصة للبحث عن السبل الكفيلة بتحقيق ذلك وفي عام 1984 م وافقت الحكومة المركزية بناء على توصيات اللجنة المتخصصة على توسيع وظائف الشعبة لتضم أقساما ووحدات جديدة تحت إداراتها وصارت تعرف بعد ذلك باسم " شعبة الشؤون الإسلامية"
ونظرا للدور البارز الذي أصبحت تقوم به الشعبة فقد قررت الحكومة المركزية في عام 1996م رفع مستوى الشعبة لتصبح قسما من أقسام مجلس الوزراء تحت اسم " قسم التنمية الإسلامية الماليزية ".
وتتمثل مهمة هذا القسم في تكوين الأمة الإسلامية المتطورة ودعم تطورها بالأخلاق الإسلامية الحميدة وفقا للإستراتيجية أو الرؤية المستقبلية للدولة من خلال طرق منظمة فعالة تؤثر في الشؤون الإسلامية وفي نفس الوقت يعمل القسم على حفظ العقيدة الإسلامية السليمة في ماليزيا ويدافع عن الدين الإسلامي برد الشبهات وتصحيح الانحرافات .

أنشطته الدعوية:

أما أنشطته في مجال الدعوة فقد قام المجلس الوطني للشؤون الإسلامية الذي أصبح يعرف بعد ذلك باسم قسم التنمية الإسلامية الماليزية وبتكوين شعبة للدعوة الإسلامية في عام 1970م وحدد لها واجبات تقوم بها

هي كالتالي :

  1. إنشاء الفصول الدينية وإعطاء المحاضرات الدينية للمجتمع .
  2. إعطاء المحاضرات والتدريبات العملية لحجاج بيت الله .
  3. إعطاء المحاضرات الدينية للمراكز التدريبية وموظفي الحكومة .
  4. نشر الإعلام الواسع المؤثر عن الدين الإسلامي بالطرق الحديثة في أنحاء ماليزيا.
  5. التعاون مع جمعيات الدعوة للوصول إلى أهداف الدعوة الإسلامية .
  6. عرض الأفلام التسجيلية والعلمية لتنمية الروح الدينية والمدنية حفاظا على أخلاق المسلمين من المواطنين .
  7. تشجيع الفن المستمد من العناصر الإسلامية بين الشباب والفتيات لمواجهة نفوذ الفن الغربي .
  8. إعطاء المحاضرات في تبليغ الدعوة الإسلامية .

كما قام المجلس الوطني للشؤون الإسلامية قسم التنمية الإسلامية الماليزية حاليا بتنسيق العمل في نشر الدعوة الإسلامية مع منظمات إسلامية أخري فكون لجنة من المندوبين عن المنظمات وجمعيات الدعوة وذلك لتنسيق وتحديد نواحي النشاط لكل منظمة وجمعية بقصد توظيف الطاقة الموجودة ليصبح النشاط أكثر تنظيما؛

وقد عقدت هذه اللجنة أول اجتماع لها في 17 أبريل عام 1971 م وقررت بالإجماع أن تطلب اللجنة من جميع مجالس الشؤون الدينية في الولايات كلها أن ترسل مندوبيها ليكونوا أعضاء في اللجنة لكي تتم عملية نشر الدعوة الإسلامية في أنحاء البلاد بصورة منظمة ونشطة؛

ولا تزال هذه الجهود موجودة حتى الآن تحت إشراف شعبة الدعوة في قسم التنمية الإسلامية التي تعمل على تخطيط برامج الدعوة الإسلامية الإصلاحية وتنسيقها مع السلطات الدينية للولايات والمنظمات الإسلامية في ماليزيا .

وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك بعض الهيئات الدعوية التي تتحرك تحت رعاية الحكومة الماليزية وإشرافها أبرزها الجمعية الخيرية الإسلامية وقد تتولي الحكومة الإشراف عليها عن طريق قسم التنمية الإسلامية الذي يمد هذه المنظمات بتمويل ميزانيتها سنويا لمواصلة أنشطتها الدعوية .

ثالثا مؤسسة الدعوة الإسلامية بماليزيا

نشأتها:

من الهيئات الدعوية التي تشرف عليها الحكومة المركزية مؤسسة الدعوة الإسلامية بماليزيا التي أنشئت في أول محرم 1394هـ الموافق 25 يناير 1974م باعتبارها هيئة وصاية إسلامية وفقا لأحكام قانون هيئات الوصاية لسنة 1952م وتعرف هذه المؤسسة في اللغة الماليزية باسمها المختصر "يديم" (YADIM) والغرض من إنشائها هو بأنشطة الدعوة الإسلامية في جميع أنحاء ماليزيا
ولا سيما في مجال التربية والأعمال الخيرية والشئون الاجتماعية للمسلمين وقد أخذت "يديم" على عاتقها مسئولية تنسيق جميع أنشطة الدعوة الإسلامية في ماليزيا ودعمها إلى جانب التعاون مع المنظمات الإسلامية الأخرى في خدمة الإسلام .

أهدافها:

وأما أهداف يديم فيمكن تلخيصها كالآتي:

  1. تنظيم وعقد مؤتمرات ونداوات ومحاضرات عامة وقاعات بحث حول مختلف شؤون الدعوة الإسلامية وذلك من أجل تحقيق أغراض المؤسسة ولتقديم المساعدات المالية اللازمة لذلك .
  2. القيام بنشر المجلات والكتب والرسائل الإسلامية والمطبوعات الأخرى التي تصدر في مختلف المناسبات حول مختلف الموضوعات الإسلامية وتخصيص بعضها للبيع وبعضها الآخر للتوزيع مجانا .
  3. تقديم الدعم المالي والفني للجمعيات والمنظمات الإسلامية الأخرى في ماليزيا والتي تتمشي أهدافها مع أهداف "يديم" وذلك لمعاونتها في تحقيق أقصي درجة من النجاح في مهمتها . جمع تبرعات ومساعدات مالية لتوفير الإمكانيات اللازمة لتمويل أنشطة الدعوة الإسلامية .

تنظيمها وأنشطتها:

أما تنظيم "يديم" فإنها تتألف من خمس وحدات وحدة الشؤون الإدارية والمالية والاستثمار ووحدة التدريب ووحدة الخدمة الاجتماعية ووحدة الدعوة ووحدة النشر وتقوم وحدة الشؤون الإدارية والمالية والاستثمار بإدارة المركز العام وشؤون العاملين والممتلكات والاستثمار وتعمل وحدة التدريب على إقامة مخيمات الدعوة للشباب ومخيمات تنمية الإدارة للشباب ودورات للتوعية الإسلامية بماليزيا .
أما الأنشطة التي تقوم بها وحدة الخدمة الاجتماعية فهي عقد مؤتمرات للقيادات النسائية واختيار الأم المثالية وعقد ندوات حول المشاكل النفسية للأسرة وعقد حلقات دراسية لتوعية الآباء والأمهات والأسرة وتقديم خدمات التوجيه والإرشاد والقيام بمختلف الأعمال الخيرية وأما وحدة الدعوة فأنشطتها عقد محاضرات عامة ومؤتمرات لقيادة الدعوة وملتقي الفكر الإسلامي وندوات إنشاء كوادر الطلبة وعقد دورات تدريبية لتنمية الشخصية على مستوى المناطق وعلى المستوى الوطني .
ومن ناحية النشر تعمل وحدة النشر على نشر مجلة الدعوة الإسلامية الشهرية باللغة الملايوية وصحيفة الأخبار الإسلامية الماليزية بالملايوية والانجليزية والعربية وكتب إسلامية مترجمة من اللغة العربية إلى الملايوية وكتب إسلامية مؤلفة باللغة الملايوية ورسائل وكتيبات إسلامية في مختلف الجوانب .

الفصل الثالث: نماذج من تنظيمات الدعوة الإسلامية المعاصرة في ماليزيا

أولا : الحزب الإسلامي بماليزيا (PAS) ثانيا : الجمعية الخيرية الإسلامية الماليزية (PERKIM) ثالثا : حركة الشباب الإسلامي بماليزيا ( ABIM) نماذج من تنظيمات الدعوة الإسلامية المعاصرة في ماليزيا

تمهيد

من المنظمات الدعوية الإسلامية المعاصرة التي لها أثر ملموس في حياة المسلمين الماليزيين:

الحزب الإسلامي ،والجمعية الخيرية الإسلامية ،وحركة الشباب الإسلامي ،وقد اخترت هذه المنظمات الثلاث لأنها من أكثر المنظمات عددا وأحسنها تنظيما وأكبرها أثرا ،كما أنها تمثل ثلاثة أنواع من الدعوة الإسلامية في ماليزيا

الأول: الدعوة الإسلامية المنظمة الشعبية (الحزب الإسلامي)

الثاني: الدعوة الإسلامية المنظمة تحت رعاية الحكومة (الجمعية الخيرية الإسلامية)

والثالث: الدعوة الإسلامية المنظمة شبه الحكومية (حركة الشباب الإسلامي)

أولا: الحزب الإسلامي بماليزيا (PAS)

تطور الحزب الإسلامي بعد الاستقلال

تكلمنا في الفصل السابق كيف كانت نشأة الحزب الإسلامي وتطوره في فترة ما قبل الاستقلال وكان الحزب الإسلامي في تلك المراحل الباكرة من التطور السياسي والعمل الوطني رافدا من أهم روافد القوة الوطنية التي جمع بينها هدف مشترك هو طرد المستعمر الانجليزي

ورغم الاتفاق القومي من أجل تحرير البلاد الذي حصل بعد تكوين جبهة عريضة من الأحزاب المختلفة فإن هناك بعض الخلافات بين هذه الأحزاب من حيث المبدأ والفكر فقد بدأ الصراع بين الحزب الوطني والحزب الإسلامي نتيجة لاتفاق وقع بين الحزب الوطني الذي كان يقود البلاد آنذاك وسلطات الاستعمار البريطاني وهو قرار استقلال البلاد الذي يشترط أن تحكم البلاد الحرة بدستور علماني .

وعلى الرغم من أن الحزب الإسلامي لم يفز بمقعد برلماني واحد في الانتخابات الأولي سنة 1955 إلا أنه استطاع تحقيق مكاسب عظيمة خلال انتخابات 1959 م حيث تمكن من السيطرة على ولايتي كلنتن وترنجانو

ولكن سيطرة الحزب على ولاية ترنجانو كانت ضعيفة لأسباب داخل الحزب وضغط خارجي وقد شنت الحكومة المركزية حربا إعلامية وضغطا سياسيا واقتصاديا فسقطت الحكومة عام 1962م أما حكومة ولاية كلنتن فقد استطاعت أن تؤدي وظائفها على قدر السلطة الدستورية لحكومة الولاية .

وتابع الحزب الإسلامية تقدمه بشكل جيد في الانتخابات التي جرت في عامي 1963- 1969م إلا أن سنة 1969 م شكلت نقطة انعطاف خطيرة في السياسة الماليزية بسبب الانتصارات الكاسحة التي حققتها الأحزاب التي تعتمد على أصوات الناخبين من أصل صيني و التي هددت ميزان القوى التقليدي الذي كان فيما مضي مضمونا لصالح المسلمين في ماليزيا ؛

وقد تسببت نتائج انتخابات سنة 1969 ومحاولة العناصر غير الإسلامية قلب الميزان السياسي لصالحهم في نشوب اضطرابات عنيفة ومؤلمة أسفرت عن تعطيل البرلمان حتى سنة 1972 م وكانت هذه الحادثة ومؤلمة أسفرت عن تعطيل البرلمان حتى سنة 1972 م وكانت هذه الحادثة هي الدافع لأول تجربة يخوضها الحزب الإسلامي لتقاسم السلطة مع حزب آخر وكمان الشريك الآخر في هذه الحالة هو حزب الاتحاد .

كان أهم أهداف العناصر الملايوية سواء من الحزب الإسلامي أو " UMNO " من هذه التجربة هو الحفاظ على النفوذ السياسي الملايوي الذي بات مهددا بالخطر نظرا لخسارة حزب الاتحاد الجسيمة أمام المعارضة وخصوصا عندما خسر العنصر الصيني في الاتحاد الذي يمثله حزب جمعية الصينيين الملايويين أمام الحزب الصيني الصاعد المنافس له والمعروف باسم (DAP حزب العمل الديمقراطي)

كما خسر الحزب القومي " UMNO " بدوره أمام منافسة الحزب الإسلامي في كثير من المناطق ولذلك عرض الاتحاد الائتلاف مع الحزب الإسلامي للتغلب على المشكلة السياسية التي واجهها الشعب الملايوى ورأي الحزب الإسلامي أن الحفاظ على القاعدة السياسية على المدى القريب في أيدي المسلمين في ماليزيا هو أولي الأولويات الملحة ولذلك قبل الحزب الإسلامي العرض للائتلاف مع حزب الاتحاد؛

بالرغم من اعتراض كثير من أعضائه إلا أنه تم التصويت بأغلبية ضئيلة لصالح القرار الذي سمح للحزب الاشتراك مع الحزب الحاكم في ائتلاف وطني .

ولم يكن هذا الائتلاف ثمرة إستراتيجية تم التخطيط لها مسبقا ولكن ضرورة أملتها الأوضاع السياسية نظرا للظروف التي أشرت إليها آنفا كما أن الحزب الإسلامي كان هو الجهة الوحيدة التي تناضل من أجل الإسلام قبل سنة 1969 م

فإنه باشتراكه في حكومة الجبهة الوطنية ساهم في إضفاء مظهر إسلامي على الائتلاف الحاكم أملا في أن يتم التحرك بخطوات ثابتة في اتجاه تغييرات جذرية في سياسة الحكومة بما يمهد الطريق نحو تحكيم الشريعة الإسلامية .

إلا أنه تبين أخيرا أن هدف " UMNO " من إقناع الحزب الإسلامي بالانضمام إلى الائتلاف هو التمكن من احتواء نفوذه ولكن على الرغم من تفرد " UMNO " بالسيطرة على الحكم إلا أن الحزب الإسلامي استطاع إلى حد ما التأثير في بعض الجوانب السياسية الحكومية خلال الفترة من 1973م إلى 1977 م

حيث لعب الحزب الإسلامي دورا واضحا في إحداث سلسلة من التغييرات داخل النظام الاجتماعي بهدف ترسيخ ملامح البيئة الإسلامية ونشر الدعوة الإسلامية ففي المجال الاجتماعي رفعت كافة إعلانات الخمور والقمار من شاشة التلفاز ومنع عرضها

كما سحبت كافة الإعلانات المتعلقة باليانصيب بأنواعه المختلفة على الرغم من أنه لم يتسن منع هذه الشرور منعا باتا وبالإضافة إلى ذلك منع تقديم الخمور في كافة المحافل الحكومية والمناسبات الرسمية التي تقيمها الحكومة أو الدولة .

كما تلقت الدعوة الإسلامية والأنشطة الملحقة بها دعما خاصا إثر تنفيذ فكرة شهر الدعوة الذي شهدت كافة مناطق الدولة خلاله أنشطة دعوية مكثفة ووعد وزير العدل في ذلك الوقت عبد القادر يوسف بتعديل الدستور ليتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية ؛

وشهدت تلك الفترة أيضا إدخال الأذان إلى وسائل الإعلام الحكومية المسموعة منها والمرئية وبضغط من الحزب الإسلامي أنشأت الحكومة العديد من المعاهد التعليمية المتخصصة في مجالات الثقافة الإسلامية مثل الكلية الإسلامية لتدريب المعلمين كما عين الأستاذ حسن شكري وهو من كبار مسئولي الحزب رئيسا لمؤسسة الدعوة .

وما من شك في أن العديد من التغييرات حصلت بفضل الضغوط التي كان يمارسها الحزب الإسلامي خاصة من خلال قسم الشباب في الحزب كما انضم عدد كبير من موظفي الحكومة وأساتذة الجامعة إلى الحزب الإسلامي لأنهم وجدوا فيه بديلا إسلاميا أفضل واتسعت القاعدة الشعبية للحزب الإسلامي في معاقل " UMNO " مما أزعج زعماء "UMNO " الذين مارسوا الضغط على الحكومة حتى اتخذت قرارا جريئا بطرد الحزب الإسلامي من الائتلاف والسعي لإضعاف نفوذه في معاقله المهمة ؛

فسببت اضطرابات كبيرة في ولاية كلنتن أعلن بسببها عن حالة الطوارئ واستعملت وسائل الإعلام في تشويه الحزب الإسلامي ثم نصحت سلطان كلنتن بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة كانت نتيجتها هزيمة الحزب حيث فاز في كلنتن بمقعدين بعد أن كان له 19 مقعدا وفي ترنجانو خسر كل المقاعد التسعة التي كان قد فاز بها سابقا وفي قدح فاز بمقعدين فقط .

وتبين فيما بعد أن التدني العام في نفوذ الحزب الإسلامي بعد هزيمة انتخابات سنة 1978م وكان في الحقيقة نعمة لا نقمة إذ تحولت الفترة التي تلت 1978م مباشرة إلى فترة إعادة بناء حصلت خلالها تطورات هامة

منها إدخال تعديلات هيكلية على الحزب الإسلامي وخصوصا على مستوى القيادة العليا حيث استلم العلماء زمام الأمور وتمكنوا من إحكام قبضتهم على القيادة بشكل حازم خلال الفترة 1981 م – 1983م.

وأدي تغير القيادة إلى بروز توجيهات جديدة أعطت الحزب الإسلامي جرعة مقوية مكنتة فيما بعد من استعادة مركزه السابق واستئناف دوره بوصفه الجهة الرئيسة التي تناضل لإقامة حكم الإسلام في ماليزيا .

الائتلاف الثاني:

أصدرت المحكمة قرارا بحل حزب " UMNO " 1987 م بتهمة التلاعب في انتخابات 1987م فحدثت فيه صراعات وانشقاقات كبيرة فتكون بسبب ذلك حزبان جديدان بزعامة محاضر محمد وظهر حزب سمانغات 46.
في ظل هذه الأوضاع خاض الحزب الإسلامي تجربته الثانية في المشاركة في السلطة حينما تحالف مع سمانغات 46 في الانتخابات العامة التي جرت عام 1990 وتمكن بفضل هذا التحالف من استرجاع ولاية كلنتن بمساعدة سمانغات 46 وحزبين مسلمين آخرين صغيرين هما " برجاسا " حاميم لقد تمكن هذا الائتلاف الذي كان يسمي حركة تضامن الأمة من الفور بمقاعد الولاية التسعة والثلاثين جميعها
كما تمكن في ولاية ترتجانو من الفور بعشرة مقاعد مسددا ضربة مؤلمة للجبهة الوطنية وترجع أهمية هذا الانتصار إلى طبيعة الولايتين المذكورتين لأنهما تشكلان أكبر تجمع سكاني للمسلمين في شبه جزيرة الملايو .
ولدي تقويم هذه التجربة نجد أنها كانت مرضية إلى درجة كبيرة لأن طبيعة هذه التجربة تختلف بصورة جذرية عن التجربة الأولي فالحزب الإسلامي في هذه الحالة هو الذي يقرر السياسة العامة وهو العنصر الأقوى والأكبر في التحالف ويستطيع المضي بمفرده إذ قرر سمانغات 46 الانسحاب من الائتلاف في أى وقت من الأوقات
لأن السلطة ستبقي على أية حال في أيدي الحزب الإسلامي بسبب سيطرته على أغلبية مقاعد مجلس الولاية وهذا ما حدث فعلا حينما أعلنت قيادات سمانغات 46 انضمامها إلى حزب " UMNO" في سنة 1996م ومنذ ذلك الوقت تفرد الحزب الإسلامي بالسيطرة على الحكم حتى الآن وتمكنت الحكومة في كلنتن من إنجاز عدة مشاريع في مجال أسلمة الحياة كإلغاء رخص القمار؛
ومنع بيع الخمور والقضاء على مظاهر الترف والبذخ في الحكومة ومنع الاختلاف والعمل الليلي للمرأة مع إعطاء غير المسلمين من الصينيين والهندوس والتايلائديين حقوقهم كاملة في التدين والعادات التي لا تمس مشاعر المسلمين وأمنهم .
ورغم كل هذه المصاعب الاقتصادية التي تواجهها الولاية بسبب العقبات والقيود التي تفرضها عليها الحكومة الفيدرالية إلا أن كلنتن استطاعت أن تحقق نموا اقتصاديا مضطردا وإن كان بطيئا وذلك بفضل قوة حكومة كلنتن النابعة من قاعدة وقيادة تلتزمان الإسلام
ولم يكن الترحيب ببعض الإجراءات التي اتخذتها حكومة كلنتن قاصرا على سكان الولاية فحسب بل كان لها أثر بالغ وصدي واسع في جميع أنحاء البلاد وامتد أثر ذلك ليشمل بعض قرارات الحكومة الفيدرالية التي قلدت بعض هذه الإجراءات نزولا عند رغبة الناس وكذلك اتخذت ولاية سراواك قرارا بإلغاء تراخيص القمار إقتداء بولاية كلنتن .

الائتلاف الثالث:

يعتبر أهم حدث مرّت به ماليزيا في تاريخها الحديث تلك الأزمة التي عصفت بالبلاد عام 1997 م وأسفرت عن نتائج لم تكن متوقعة ولا في الحسبان ولعل في مقدمتها حادثة نائب رئيس الوزراء أنور إبراهيم وما تعرّض له من اضطهاد ومصادرة لكافة الحقوق بصورة مثيرة مما ترتب عنه نمو كبير في حركة المعارضة من مختلف الاتجاهات التي رأت في هذه الحادثة انتكاسة كبيرة لحقوق الإنسان وشككت بشكل كبير في ديمقراطية النظام الحاكم وفضحته على الملأ
كما أدي ذلك إلى حدوث تقارب كبير بين أقطاب المعارضة ومختلف فصائلها أسفر عن طهور توجه جديد يدعو لإعادة الديمقراطية للبلاد والتأكيد على حقوق الإنسان واستقلالية الجهاز القضائي عن الحكومة وإلغاء قانون الاعتقال بدون محاكمة الذي كان مطبقا في البلاد كما حدث لأنور إبراهيم وبعض المنادين بعودته .
أما على مستوى الحركة الإسلامية بمختلف فصائلها فمن الجدير بالذكر هنا أنه قد كان لهذه الأزمة السياسية مردود إيجابي على الحركة عموما ويتمثل ذلك في اجتماع جميع فصائل الحركة من مختلف التنظيمات والمؤسسات غير الحكومية كافة ولأول مرة وتشكيل جبهة موحدة بقيادة رئيس الحزب الإسلامي الأستاذ فاضل نور ؛
ومع تطور الأوضاع وتأزمها وقرب موعد الانتخابات العامة اتسعت دائرة هذا الائتلاف الإسلامي ليشمل أحزابا سياسية أخرى معارضة من مختلف الاتجاهات وتكون بذلك الائتلاف الثالث بقيادة الحزب الإسلامي إلى جانب كل من:
  1. حزب العدالة الوطنية وهو حزب جديد ظهر كتطور لحركة المعارضة وبخاصة قضية أنور إبراهيم وهو بقيادة الدكتورة وان عزيزة وان إسماعيل زوجة نائب رئيس الوزراء السابق أنور إبراهيم .
  2. حزب الشعب الماليزي .
  3. حزب العمل الديمقراطي ذو الأغلبية الصينية .
وسنتناول أهم عناصر هذا الائتلاف لأهميته وتأثيره الكبير في مسيرة وتطور الحزب الإسلامي بخاصة وفي الحياة السياسية في ماليزيا بعامة . إن شعار هذا الائتلاف جاء معبرا على تردي الأوضاع التي وصلت إليها ماليزيا بعد الأزمة الحادة التي ألمت بها وهذا الشعار هو أى : نحو ماليزيا عادلة .

ويمكن تلخيص أهم فقرات البرنامج الإصلاحي الذي أعلن عنه هذا الائتلاف والذي نال موافقة وتأييدا واسعا كالتالي :

تضمن المشروع في مقدمته الدافع والمبرر لقيام هذا الائتلاف وهو سوء الأوضاع التي تمر بها البلاد في ظل التطورات الأخيرة تحت قيادة الجبهة الوطنية وعلى رأسها الحزب الوطني الحاكم إضافة لغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان وتفشي الظلم والفساد والمحسوبية والرشاوى ومختلف صور التدهور والاضطراب؛
وأوضح البيان الصادر عن الائتلاف أن تحقيق الشعار الموضوع له يأتي أولا استجابة لرغبة وقناعة شريحة واسعة من أبناء المجتمع الماليزي وعزمه على إحداث تغيير في كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها والرغبة الأكيدة في إقامة نظام عادل شامل يؤدي مسؤولياته تجاه الشعب ويحفظ حقوقه ومصالحه ؛
وأن هذا المجتمع وهذه الدولة العادلة لابد أن تقوم على أساس من القيم والأخلاق ذلك الأساس الذي لم يكن له وجود في ظل النظام العلماني القائم رغم أنها هي روح الدين الإسلامي الحنيف وأبرز تعاليمه السمحة
ولذلك اعتبرت كافة أطراف الائتلاف أن الدين الإسلامي إلى جانب الأديان السماوية الأخرى ينبغي أن تكون هي المصدر لنظام الحكم وكافة أجهزة الدولة لتكون سدا منيعا ضد الانحرافات والأطماع والأهواء .

تحت عنوان "وعودنا" تعهدت أطراف الائتلاف على احترام مبادئ الدولة وأنظمتها وذلك من خلال النقاط التالية :

  1. احترام دولة الدستور
  2. احترام حقوق الملك
  3. ديمقراطية البرلمان
  4. الحقوق والحريات الأساسية
  5. استقلالية جهاز القضاء
  6. احترام حق المواطن ومسؤوليته
  7. الإسلام هو الدين الرسمي للدولة مع ضمان حرية التدين واحترام المنتسبين للأديان الأخرى .
  8. اللغة المالايوية هي اللغة الرسمية للدولة
  9. حفظ حقوق السكان الأصليين للبلاد قبل دخول الاستعمار الغربي ومجئ الصينيين والهنود .

برنامج الائتلاف وخطته:

بناء على ما تقدم فقد تم وضع خطة عمل أقرت من كافة أطراف الائتلاف تتضمن على المدى الطويل تحقيق الأهداف التالية:

  1. إعداد المواطن الصالح جسميا وفكريا وروحيا.
  2. الوصول إلى قمة الوعي السياسي لدي أفراد المجتمع .
  3. إشاعة روح الترابط والألفة بين كافة أفراد المجتمع (الوحدة الوطنية)
  4. تشجيع الإبداع والابتكار .
  5. الإسهام في نهضة آسيا نهضة حقيقية وفي مختلف الجوانب وليس في جانب دون جانب .

وأما الخطوات الإصلاحية والبرامج العملية لتحقيق هذه الأهداف فهي باختصار كالتالي:

أولا: تقوية وتمتين الاقتصاد من هذا يتضمن ما يلي:

(أ‌) تخفيف الأعباء على أفراد المجتمع
  1. تخفيض الرسوم والضرائب.
  2. مكافحة الفقر والبطالة .
  3. مساعدة صغار التجار.
  4. إصلاح البنية الأساسية وتطوير المواصلات .
(ب‌) تحقيق التنمية الديناميكية الشاملة والعادلة
  1. تقوية قطاع الصناعة .
  2. تقوية المشاريع الزراعية وقطاع صيد الأسماك .
  3. دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وإعطائها الأولوية
  4. تنظيم وضبط مسألة الخصخصة .
  5. تقوية النظام المالي .

ثانيا: رفع مستوى وتطوير أداء الجهاز الإداري:

  1. نحو نظام سياسي ديمقراطي عادل
  2. إعادة شخصية القانون والقضاء واحترامهما
  3. إعادة هيكلة جهاز الخدمات العامة .

ثالثا: رعاية المصالح العامة والخدمات الاجتماعية مع استشراف الألفية الثالثة

ويشمل ذلك العناية والتطوير والمتابعة لكل من: التربية والتعليم ،الصحة الإسكان ،مؤسسة الخدمة الاجتماعية ،والمحافظة على البيئة ،تنظيم الاستهلاك وهيكل الأسعار ،حقوق العمال ،حقوق المرأة،رعاية الشباب حقوق كبار السن والمتقاعدين (الضمان الاجتماعي)

رابعا: الوحدة الوطنية والتضامن القومي

حيث تم التركيز على موضوع الدين والثقافة والتقاليد وذلك من خلال النقاط الأساسية التالية:
  1. تشكيل هيئة المحاكم الشرعية العليا على المستوى المركزي الفيدرالي .
  2. الحدّ من سيطرة السياسة الحزبية على مجالس الشؤون الإسلامية والمساجد والمؤسسات الإسلامية في الولايات .
  3. تمكين غير المسلمين من إقامة دور العبادة ومنحهم الأراضي اللازمة لذلك في ضوء حرية التدين .
  4. تكثيف الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة لتحقيق التقارب الممكن في هذا الشأن .

خامسا: وضع وتمكين الأسس لنظام الديمقراطية الحقيقية وذلك من خلال:

  1. ضمان الحقوق الديمقراطية لكل الأفراد وليس مجرد حق الاقتراع بل ممارسة كافة الحريات في إبداء الرأي ومحاسبة الدولة وغيره .
  2. السماح لكل الأحزاب والاتجاهات بحرية التعبير ما لم يتعارض ذلك مع أمن المجتمع ووجدته الوطنية وحرية الآخرين .
  3. يحق لك أفراد المجتمع معرفة أسرار الدولة ما عدا الأسرار التي لا يمكن إفشاؤها كالأسرار الحربية والعسكرية مثلا .
  4. إلغاء أو تخفيف الضغوط والتهديدات لأفراد المجتمع وضمان حرية الرأي والتعبير ضمن الحدود الممكنة وفقا للقانون الخاص بذلك بحيث لا يؤدي ذلك للفوضى وعد الاستقرار.

سادسا: تحسين وإصلاح صورة ماليزيا على الصعيد الخارجي

وذلك على خلاف السياسة التي عليها الحزب الوطني الحاكم حاليا والتي تعتمد أولا على إظهار ما يخالف الواقع تماما إضافة لتغيير طريقة التعامل مع الدول والمؤسسات والهيئات الدولية خلافا لما تنتهجه الحكومة الحالية من مداراة ومداهنة للسياسات التدخلية لبعض القوى
وفي هذا السبيل ينبغي التركيز على ضرورة التزامن والتلازم بين إصلاح الأوضاع الداخلية والخارجية معا وكذلك إعادة النظر في التعامل مع الدول المؤسسات والهيئات الدولية على أساس المطالبة بالعدالة والمساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية مع السعي لإصلاح جذري وشامل للمؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بما يحفظ المصالح الحقيقية للدول النامية وفي مقدمتها الدول الإسلامية ورفع الظلم عنها .
هذه هي أبرز ملامح الائتلاف الثالث الذي عقده الحزب الإسلامي مع بقية الأحزاب المعارضة وهو أقرب ما يكون لمشروع إسلامي صميم من مراعاة حقوق بقية الديانات الأخرى في جو من التسامح والحرية والعدالة الذي أصبح عدد كبير من غير المسلمين يأمل في وجوده في ظل حكم إسلامي حقيقي للبلاد وبخاصة بعد معاناة طويلة ومريرة جراء الإجراءات التي تتخذها الحكومة الحالية .
بالمقارنة بين التحالفات الثلاثة التي تعتبر أهم التجارب السياسية التي خاضها الحزب الإسلامي خلال مسيرته السياسية نجد أن أنجح تلك التجارب وأكثر إيجابية هي التجربة الأخيرة في الائتلاف الثالث الذي قاده الحزب وخرج منه الحزب الإسلامي بأفضل نتائج انتخابية له حتى الآن إضافة إلى أن هذا الائتلاف
كما تشير ردود الفعل حتى الآن سيستمر إلى ما بعد الانتخابات مما يكسبه نوعا من التماسك ويزيد من أنصاره ومؤيديه في أوساط المجتمع الماليزي من مختلف الأعراق والديانات وهذا نابع من التعددية التي اتسم بها هذا الائتلاف حيث ضم أغلبية من المسلمين إضافة إلى حضور لا بأس به من الأعراق الأخرى من الصينيين والهنود غير المسلمين .

أهداف الحزب الإسلامي

إن الهدف الأساسي للحزب الإسلامي قبل الاستقلال هو إقامة الدولة الإسلامية أما بعد الاستقلال ووضع دستور الدولة الجديد الذي حرص على إبقاء الدولة ضمن دائرة العلمانية حيث نصت المادة الرابعة منه فقرة (1) على أنه في حال تعارضت سلطات المحاكم الدينية مع المدينة فإن الحكم يصدر عن المحاكم المدنية

رأي الحزب الإسلامي أن الدستور لم يكفل المسلمين في الولايات ولم يضع أى اعتبار للحكم الشرعي في بنوده على المستوى الفيدرالي ولهذا جعل الحزب الإسلامي الهدف الاستراتيجي في هذه المرحلة هو تغيير هذا الدستور وأعلن الحزب في دستوره أن الحكم الأعلي لكتاب الله وسنة ورسوله ولتحقيق هذا فقد حدد الحزب الأهداف التالية التي وردت في الفصل السادس من دستوره .

  1. الجهاد في سبيل الله والدعوة إلى دينه حتى ينشأ في هذه البلاد المجتمع المسلم والدولة الإسلامية التي تطبق شرع الله والقيم الإسلامية .
  2. الدفاع عن الإسلام والمسلمين وحقوقهم وحرية البلاد تحت سيطرة الإسلام ويقوم الحزب الإسلامي في هذا الصدد بالآتي:
  3. دعوة الناس إلى كتاب الله وسنة ورسوله صلي الله عليه وسلم باللسان والقلم والعمل .
  4. إعلاء راية الإسلام عقيدة وشريعة ونظاما في جميع نواحي الحياة والتعريف بالقيم الإسلامية وتحقيق العدالة والتقدم والازدهار في المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية .
  5. توثيق الإخوة الإسلامية والتضامن بين المواطنين لحماية الحياة السياسية والاجتماعية على أساس البر والإحسان .
  6. دعوة الجماعات والمنظمات والأشخاص إلى معرفة الإسلام وفهمه والنضال من أجل مبادئه وأهدافه وأعماله .
  7. إعداد المشروعات والبرامج لإصلاح المرافق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وفقا لمبدأ العدالة الإسلامية والتي تدافع عن وجود الأمة الإسلامية .
  8. التعاون والمشاركة مع الجمعيات والمنظمات في الأمور التي لا تخالف مبادئ الحزب وأهدافه (في المستوى الداخلي)
  9. حماية اللغة الملايوية بوصفها لغة رسمية للدولة والعمل على نشر لغة القرآن .
  10. إصلاح الوضع الثقافي المنحرف وتصحيحه ليكون على نهج الإسلام ومطابقا لتعاليمه الصافية .
  11. النضال في سبيل حقوق المسلمين والدفاع عنها في هذه البلاد وعدم إهمال العدالة الإسلامية لغير المسلمين في حقوقهم التي لا تخالف الشريعة الإسلامية .
  12. الاشتراك والتعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية لتحقيق الأمن والعدالة وحماية حقوق الإنسان ومعارضة الظلم والعدوان واستبعاد الشعوب .
  13. العمل وبذل كل الجهود في سبيل تنفيذ أغراض الحزب وفق دستوره .

تنظيم الحزب

في عام 1983م تم تطوير دستور الحزب الإسلامي ليستوعب الاستراتيجية المرسومة لبناء الأمة الإسلامية في ماليزيا وتشتمل الاستراتيجية على إحدى عشرة نقطة تشمل البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها؛

وهيأ الحزب هيكله وفقا لمقتضيات نشاطاته التي تنقسم إلى نوعين: العمل الحركي الدعوي الذي يتضمن البرامج التربوية الإسلامية لأعضاء الحزب وعامة الناس والعمل السياسي الذي ينظم علاقة الحزب بمؤسسات الدولة والمشاركة في الانتخابات .

يهتم الحزب الإسلامي بالجانب التنظيمي على كل مستوياته المركزية والمحلية والفرعية ,يعمل هيكله الذي يشمل المجالس والقطاعات في جميع المستويات وذلك لأنه يري أن قوة الحزب تعتمد على طاقة قطاعاته ومجالسه في كل المستويات وهم الذين يقومون بتنفيذ توجيهات الحزب وبرامجه؛

وبالإضافة إلى ذلك لم يهمل هيكل الحزب هدف بناء الشخصية الإسلامية القوية وتربية أعضائه تربية إسلامية وتعد المهمة التربوية من أكبر وأهم وظائف أجهزة الحزب الإسلامي .

وقد ورد في دستور الحزب أن الحكم الأعلي الذي يتمسك به الحزب هو كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم إجماع علماء الأمة والقياس الجلي ولتحقيق تطبيقاته الصحيحة شكل الحزب مجلس الشورى للعلماء ووضعه في قمة الهيكل التنظيمي

ويجب أن يتميز العلماء الذين ينتخبون لعضوية المجلس بالعدالة والمكانة العلمية والدعوية الرفيعة وأن تكون عندهم القدرة على الرجوع إلى المصادر الشرعية المعتبرة واستنباط الأحكام منها .

وقد نص الدستور المعدل عام 1983 م على المسميات الجديدة في حقائب ودوائر القيادة ووظائفها على النحو التالي :

  1. مجلس الشورى للعلماء: وهو الهيئة العليا في الحزب وأهم واجباته إصدار التوجيهات والتشريعات الحزبية وفقا لأحكام الشرع .
  2. مجلس الإدارة المركزية (اللجنة المركزية): ويتصدي لمسئولية إعداد وتنفيذ كل أغراض الحزب وتوصيات المؤتمر السنوى وقرارات مجلس الشورى للعلماء .
  3. مجلس العلماء: مجلس يجمع أهل العلم والفقه من رموز الإسلام ويهيئ لهم المناخ المناسب لتحريكهم ليكونوا طاقة فاعلة في البناء الإسلامي .
  4. مجلس الشباب: هو الجناح الشبابي والطلابي الذي يجمع الشباب والطلاب للعمل في الحزب وأنشطته والالتحاق به ولذلك الغرض يضع المجلس برامج وأنشطة متنوعة ويشكل لجانا متعددة .
  5. مجلس المسلمات: يهدف لتجميع وتنسيق الجهود النسائية وتربية المرأة المسلمة تربية إسلامية صحيحة ويوجه طاقاتها في البناء الإسلامي .
  6. لجنة قيادة الولاية: هي الإدارة التي تربط بين الحزب في المستوى المركزي والدائرة وتقوم بتنسيق وترتيب نشاط الحزب على مستوى الولايات .
  7. لجنة الدائرة: تكون على مستوى الدائرة الانتخابية وتقوم بتنفيذ جهود الحزب في المستوى المعين مطابقا للواقع المحلي وتشرف على اللجان الأصغر .
  8. لجنة الفروع التحتية: هي القاعدة وجذور الحزب على المستوى المحلي وتهتم بتنفيذ تعاليم وتوجيهات الحزب في المجتمع الإسلامي في كل الفروع .

وتوجد للحزب قيادة مركزية تضم ستة وثلاثين عضوا يدخل فيها رئيس الحزب في كل الولايات البالغ عددها اثني عشر رئيسا ومن أبرز أعضاء القيادة المركزية الرئيس نفسه ونائبيه ورؤساء المجالس والأمين العام وأمين الصندوق وتعمل مجالس العلماء والشباب والمسلمات على تمكين الدين وزيادة العضوية وأسلمة المجتمع .

ولكل مجلس نشاطه الخاص في مجاله المحدد بالإضافة إلى ذلك شكل الحزب تحت مجالسه الأساسية لجانا تشمل لجان السياسة والتربية والإعلام والشؤون المالية والاقتصاد والقانون والمحاماة وشؤون الانتخابات العامة , والعلاقات الدولية والعمال والفلاحين وشؤون الطلبة والعلاقات مع غير المسلمين وغيرها .

أسلوب الحزب الإسلامي السياسي ومنهجه الدعوى

أولا: أسلوب الحزب السياسي

بعد الاستقلال اختلفت طبيعة العمل الإسلامي في ماليزيا وذلك تجاوبا مع الأجواء السياسية الجديدة فقد تصدر قائمة الأولويات قضايا مستجدة منها ضرورة بحث بعض العوامل التي كانت ولا تزال تؤثر على مسيرة الحزب الإسلامي
وكذلك إعادة النظر في الأساليب التي كان يتبعها الحزب فيما مضي وكان في مقدمة هذه العوامل ظهور كيان سياسي جديد يقوم على أسس ديمقراطية علمانية على النمط الغربي تتيح لجميع الأطراف التنافس على السلطة من خلال انتخابات تجري كل خمس سنوات ؛
وبناء على هذا فقد رأي الحزب الإسلامي ضرورة المشاركة في الانتخابات كآلية يمكن من خلالها تحقيق الهدف النهائي وفي نفس الوقت يمكن أن تكون هذه العملية السياسية وسيلة لنشر الإسلام والترويج لقيمه ومبادئه بالإضافة إلى أنها تتيح للحركة الإسلامية الوصول إلى مركز معين توسع من خلاله قاعدة نفوذها على المستوى الشعبي .
وكان ثاني تلك العوامل أهمية الدستور الفيدرالي لماليزيا والذي إنما وضع أساسا لخدمة المصالح البريطانية على المدى القريب والبعيد لكنه أخذ كذلك بعين الاعتبار تراث وتقاليد وتاريخ شعب الملايو وهذا يعني أن المبادئ التي احتواها الدستور أخذت في اعتبارها مجتمع الملايو التقليدي والحفاظ على عادات وحقوق شعب وحكام الملايو واحترام الدين الإسلامي باعتباره الدين الرسمي للملايو ؛
ولهذا رأي الحزب الإسلامي في إستراتيجيته الجديدة أنه يجب استغلال هذه الفقرات في الدستور التي تعتبر الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للبلاد والتي تحترم العادات والتقاليد الإسلامية للشعب الملايوي وتوظيف كل هذا لخدمة الدعوة الإسلامية في كل مجالاتها
وأولها الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود التي نص عليها الدين الإسلامي وبهذا ضمن الحزب أن تكون دعوته هذه قانونية من الناحية الدستورية ومقبولة في أوساط الشعب الماليزي المسلم .
كما كان من العوامل المؤثرة في مسيرة العمل الإسلامي وإعادة تشكيل أسلوبه في العمل السياسي الإدارة الفيدرالية في البلاد حيث تم بموجب النظام الفيدرالي الجديد تشكيل إدارتين متميزتين واحدة على المستوى الفيدرالي (المركزي) والأخرى على مستوى الولاية (المحلي)
وقسمت السلطة بين الإدارتين بحيث سمح للولايات أن يكون لها دساتيرها الخاصة بها ولكن شريطة بقائها خاضعة للدستور الفيدرالي ولهذا ركز الحزب الإسلامي نشاطه السياسي والدعوي على المستوى المحلي للولايات ؛
خاصة الولايات ذات الأغلبية المسلمة كما هو الحال في ولايات كلنتن وترنجانو وقدح وذلك كمرحلة ضرورة ومقدمة للعمل على المستوى الفيدرالي وقد أثمر هذا النمط من العمل الذي سار عليه وصول الحزب إلى أماكن مؤثرة وحساسة في تلك الولايات
كما نجح إلى حد كبير في توسيع القاعدة الشعبية والأهم من كل ذلك ظهور تأييد واسع من الرأي العام في تلك الولايات يؤيد دعوة الحزب الإسلامي إلى إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الحدود الشرعية على مستوى الولايات الماليزية .
وهكذا يتضح لنا ما كان لهذه العوامل من أثر على الاستراتيجية السياسية التي تبناها الحزب الإسلامي بعد ذلك لتحقيق المكاسب للقضية الإسلامية فقد أتاح النظام الانتخابي العام أمام الحزب الإسلامي العمل كحزب رسمي على المستوى السياسي
مع المحافظة على الاستراتيجيات الأساسية للحركة الإسلامية وخاصة ان النظام كان يسمح باللجوء إلى الأساليب السلمية في الإصلاح وهذا بعينه أمر مستحسن يجدر الالتزام به طالما توفرت مثل هذه الإمكانية ؛
كما استطاع الحزب من ناحية آخري أن يتحرك بطريقة شرعية في نطاق ما يسمح به دستور البلاد وأصبح للعمل الشعبي في الولايات الماليزية مكانة بارزة في سياسات الحزب وأسلوبه الدعوى يناسب النظام الإداري السائد في البلاد
ونتيجة لكل ما سبق فقد رأي الحزب أن الأسلوب السلمي الظروف كأن يصار إلي إلغاء الانتخابات الحرة على سبيل المثال وإقامة حكم استبدادي بدلا من الديمقراطية وعليه فقد اعتبر الحزب الإسلامي أسلوب المواجهة السلمية هو المبدأ الذي يعتمده في كافة قراراته المتعلقة بالاتصال مع المجموعات الأخرى وخاصة مع الحكومة المركزية .

ثانيا: منهجه الدعوي

وفي مجال الدعوة تضمن دستور الحزب الإسلامي طرق إدارة العمل الإسلامي ووسائلها وفق برامج محددة تقودها اللجان المختلفة أهمها لجنتي التربية والإعلام وقد وضع الحزب لتنفيذ أهدافه الدعوية مناهج محددة منها المنهج التربوي والتعليمي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها ؛
فأما المنهج التربوي للحزب فقد تضمن إستراتيجية مباشرة وغير مباشرة ويقوم الحزب بإستراتيجيته المباشرة عبر ممارسة التربية الإسلامية الحركية وتأهيل الكوادر والعاملين خاصة من بين الشباب والطلاب
ومن البرامج الدعوية التي يقوم بها الحزب نظام الأسر والتمرينات والندوات والمحاضرات العامة والمعسكرات وغيرها وتنفذ هذه البرامج عبر المساجد والمراكز المخصصة للتربية كما يستعين الحزب بالعلماء الذين لديهم مدارس ومعاهد في تنفيذ برامجه .
وبالإضافة إلى ذلك يقوم نقباء الحزب بالعمل على إعداد البرامج التربوية وتنفيذها وسط الأعضاء والطلاب في داخل الجامعات والمعاهد العليا وكما هو معروف فإن الحزب الإسلامي يسعي لتربية أعضائه على الالتزام بالفضائل الخلقية ومكونات الشخصية الإسلامية المتينة حتى يكونوا نماذج حية للمجتمع
ويستطيعوا القيام بالدعوة الفردية الناجحة وبصورة عامة فإن معظم برامج الحزب التربوية لا تقتصر على أعضائه فحسب بل إنه مفتوح للجميع كأسلوب من أساليب الدعوة إلى الله وإلى العمل الإسلامي .
وأما على صعيد الاستراتيجية غير المباشرة فيعمل الحزب على استخدام العناصر والأشخاص الآخرين لتنفيذ خطط الحزب الإسلامي وبرامجه وتشمل هذه العناصر مثلا الأئمة في المساجد الحكومية والمحاضرين في الجامعات وكذلك الإعلاميين الذين يقومون بالعمل الإسلامي في نشر الدعوة الإسلامية وإصلاح الأمة وهذه الاستراتيجية تساعد على تمكين البرامج من الوصول إلى القطاعات التي لا يمكن العمل فيها باسم الحزب الإسلامي .
وأما منهج الحزب التعليمي فقد أنشأ الحزب مدارسه التمهيدية (رياض الأطفال) والابتدائية والثانوية وشهد هذا الجانب تطورا ملحوظا في الولايات التي توجد فيها كثافة سكانية عالية من المسلمين وفي الوقت الحالي هناك حوالي ألف روضة للأطفال تحت إشراف الحزب الإسلامي في ماليزيا وتقوم بالعملية التربوية فيها خمسة آلاف معلمة يشرفن على تدريس وتربية أبناء المسلمين أما المدارس الابتدائية والثانوية؛
فهي تنتشر في بعض الولايات الماليزية تعمل باسم الحزب الإسلامي مثل مدرسة "دار القرآن " في ترنجانو ومدرسة " دار العلوم " في ولاية قدح والمدارس الابتدائية في ولايات برليس وكلنتن وباهانج
ويجري الترتيب الآن لجعل مدرستي دار القرآن ودار العلوم معهدين للدراسات الإسلامية في المستوى العالي وفي العاصمة كوالا لمبور يوجد معهد خاص في مركز التربية (مقر الحزب الإسلامي الماليزي) اسمه معهد " إلهام " وهو يختص بتأهيل العاملين في مجال الدعوة ويشترط لدخول هذا المعهد الحصول على درجة جامعية معترف بها .
وفي مجال الاقتصاد فقد اعتمد الحزب على توعية الجماهير لإدراك المبادئ الاقتصادية الإسلامية الصحيحة حيث أن أغلب الأنشطة الاقتصادية في البلاد يقودها نظام المعاملات الربوية ولذلك تم إنشاء مؤسسة تعاونية تجارية لخدمة المسلمين على الأسس الصحيحة ولهذه المؤسسة رئاسة قومية على المستوى الفيدرالي وتتفرع هذه الرئاسة إلى فروع عديدة في مدن مختلفة من مدن الولايات الماليزية؛
وأما المنهج الإعلامي فيستخدم الحزب مكتبات يديرها أشخاص منتمون إلى الحزب في إصدار ونشر الكتب الدينية والدعوية التي يؤلفها أعضاء الحزب وأسس الحزب المركز الإسلامي للإعلام الذي يعمل على الارتقاء بالوعي الإسلامي من خلال نشر الصحف والمجلات الإسلامية ومن تلك الصحف والمجلات التي تصدر تحت إشراف الحزب صحيفة " الحركة " ومجلتا " المسلمة " والتمدن " وكلها باللغة الملايوية .
وفي مجال الاجتماع تهدف إستراتيجية الحزب الحالية إلى أن يكون الحزب الإسلامي حزبا جماهيريا يقود تيارا شعبيا عريضا وذلك بالحث على أعمال البر والخير في المجتمع وتوظيفها التوظيف الأمثل بما يخدم أهداف الدعوة الإسلامية
وبدأ الحزب منذ بداية الثمانينات بإنشاء منظمة للأعمال الخيرية في أرجاء البلاد وتتفرع خدماتها حتى تصل إلى مستوى القرى البعيدة ونظرا لحاجة سكان الريف الماسة إلى هذه الخدمات شرع الحزب بتعميم هذه الأعمال الخيرية إلى المستوى المحلي الريفي وبهذا يستطيع الحزب الإسلامي حل مشكلات المزارعين والفلاحين العاملين في قطاع الإنتاج باعتبارهم يمثلون شريحة غالبة من السكان الماليزيين
ومن النماذج الأخرى للعمل الخيري إنشاء لجان معينة وسط العاملين والفلاحين تؤدي مهام رقابية وتوفيقية تشبه عمل المحتسبين حيث تراقب عناصر اللجان وتتابع أسعار السلع وتعمل على تطوير التفاهم بين التجار والعاملين من أجل حمايتهم حتى لا يكونوا ضحية للسوق .
ويشارك جناح الحزب الشبابي في العمل التطوعي عبر برامج محددة منها إقامة معسكرات لتجميل الحدائق العامة والمتئرهات والإغاثة في مواسم الفيضانات والكوارث الأخرى بتقديم الدواء والكساء والطعام والمأوي للمصابين كما يقوم الحزب بإنشاء الأندية الشبابية مثل نادي الدراجات البخارية وروابط رياضية تهتم بالأنشطة الرياضية نحو كرة القدم والسباحة وغيرها وذلك لضمان توجيه الشباب التوجيه الصحيح وحمايتهم من الانحراف والتشبه بالسلوك الغربي
وبجانب ذلك ينظم الحزب المعسكرات والرحلات والمعارض للعمل الخيري المجاني والمهرجانات والمسابقات وغيرها وتهدف كل هذه الوسائل إلى استمالة واستقطاب الشباب ليلتف حول العمل الإسلامي .
وبالإضافة إلى ذلك يهتم الحزب بإيصال دعوة الإسلام لغير المسلمين خاصة للصينيين منهم عن طريق إنشاء المجلس الاستشاري الصيني في عام 1986 وأقام المجلس ندوات عدة لشرح حقيقة الإسلام وتعاليمه الشاملة والعادلة لغير المسلمين كما يقوم الحزب بإنشاء علاقات طيبة مع المنظمات الصينية الشعبية سواء عن طريق لجنة الحزب للعلاقات مع غير المسلمين أو الحكومة الكلنتية التي يسيطر عليها الحزب ؛
وأدت هذه العلاقة إلى عقد بعض الاتفاقيات السياسية والاجتماعية بين الحزب الإسلامي والمنظمات الصينية في بعض الولايات التي لا تتعارض مع مصالح الأمة الإسلامية والعمل الإسلامي .
كما أن هناك بعض الأنشطة الدعوية العامة التي يديرها الحزب الإسلامي كالمحاضرات العامة والندوات والمخيمات والرحلات وغيرها وفضلا عن ذلك كثيرا ما يعقد الحزب اجتماعات عامة على المستوى المحلي والدولي لإفهام الناس الإسلام الصحيح وتوضيح القضايا الإسلامية المعاصرة؛
ومن الاجتماعات المهمة التي يقيمها الحزب باستمرار اجتماعات العلماء والشباب والمسلمات والطلاب على المستوى الماليزي وأما المستوى الدولي فقد أقام الحزب الإسلامي الاجتماعي العالمي لوحدة الأمة في عام 1988- 1993 م.

التقويم

ولنقوم بعملية تقويم منهجية يجدر بنا أن نتحدث أولا عن الآثار الإيجابية لسياسات ومناهج الحزب الإسلامي ثم نعرض لبعض السلبيات الناتجة عن تلك السياسات والمناهج كل ذلك بصورة عامة مع محاولة مناقشة تلك الإيجابيات والسلبيات للوصول إلى حكم منصف لأداء الحزب الإسلامي في مختلف المجالات .
ففي جانب الإيجابيات يري المتأمل في مسيرة الحزب الإسلامي وإستراتيجيته الدعوية أن الكفاح الإسلامي الذي يقوم به الحزب مطابق للشريعة الإسلامية وللواقع وهو يعمل على تطوير برامج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ويدافع عن قيم الدين الإسلامي وفي نفس الوقت يحاول الحزب الإسلامي إعادة الحكم الإسلامي إلى أرض الملايو الذي هو هدف للحركة الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي وبهذا يلتقي الحزب الإسلامي مع باقي الحركات الإسلامية العاملة في ساحة الدعوة الإسلامية في العمل لهذا الهدف المشترك .
وبسبب سلامة اختيار الحزب الإسلامي للهدف الصحيح وهو إقامة الحكم الإسلامي نجد أنه سار على منهج شامل لمختلف جوانب الحياة فكان له أهداف دعوية وتربوية يسعي لتحقيقها بأساليب ووسائل مختلفة تحقق تلك الأهداف في أرض الواقع
كما كان له دور وأثر كبير في مجال التعليم من خلال المدارس والمعاهد التي أنشأها الحزب أو التي شارك في توجيه التعليم فيها من خلال كوادره العلمية المتمثلة من أساتذة الجامعات والمعاهد الثانوية وغيرها في مختلفة التخصصات.
كما أصبح لعمل الحزب الاقتصادي دور بارز في المرحلة الأخيرة بتأسيس الجمعية التعاونية التجارية وعلى الصعيد الاجتماعي حافظ الحزب كثيرا على قيم وأخلاق المجتمع الملايوي في وجه التحديات الصعبة التي قام بها الأعداء سواء من داخل ماليزيا أو من خارجها أو التي نتجت من طبيعة تكوين المجتمع الماليزي المختلف الأجناس والأديان .
أما في جانب السلبيات فكما هو الحال في أكثر الحركات الإسلامية العاملة في ساحة الدعوة الإسلامية التي يصيبها الضعف في بعض جوانبها أو في بعض مراحل عملها المختلفة فقد كان الحزب الإسلامي كغيره من المنظمات الإسلامية له سلبيات يتركز أكثرها في طغيان الجانب السياسي على غيره من الجوانب الأخرى إلى حد ما ..
وهذا من الممكن أن يكون انعكاسا وأثرا للبيئة السياسية التي نعيشها ماليزيا والتي تتمتع بنوع من الانفتاح والحرية السياسية فوجد أتباع الحزب أمامهم المجال واسعا للمشاركة في الحياة السياسية مما شغل الكثير من الطاقات العاملة في الحزب
فكان ذلك على حساب جوانب أخرى خاصة التربوية التعليمية وكما أن قلة الخبرات في الاقتصاد والقانون قد قلل من حركة الحزب الإسلامي في هذه المجالات وساهم في ضعف ميزانية الحزب الإسلامي الذي يعتبر كذلك من نقاط الضعف في عمل الحزب وحركته في تحقيق كثير من أهدافه المرحلية وقيد حركة أعضاء الحزب ونشاطاتهم في كثير من الأحيان كالعمليات الانتخابية والأعمال التطوعية والخيرية .
وعلى الرغم من ضعف الحزب الإسلامي في بعض الجوانب فإن الواقع يدل على أنه أقدم المنظمات الدعوية الإسلامية التي لا تزال موجودة حتى الآن وهو الحزب السياسي الوحيد الذي يقوم على المبادئ الإسلامية ويجاهد في سبيل إقامة الدولة الإسلامية في ماليزيا
فكان لهذا أثر بارز على نمو الحركة الإسلامية في ماليزيا كما أن ثمرة الصحوة الإسلامية التي ظهرت في البلدان الإسلامية كلها قد أثرت على المسلمين الماليزيين وجعلتهم قادرين على القيام بتحمل واجب الدعوة إلى الله وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويمكن أن نقول إن الحزب الإسلامي في ماليزيا جزء من هذا العمل الإسلامي العظيم وله دوره في هذا الجزء من العالم الإسلامي الكبير.

ثانيا: الجمعية الخيرية الإسلامية الماليزية نشآتها وتطورها

في 19 أغسطس 1960م أسس الحاج تنكو عبد الرحمن فترا رئيس وزراء ملايا في ذلك الحين الجمعية الخيرية الإسلامية بماليزيا (المعروفة باسمها المختصر بركيم) وقد عقد الاجتماع التأسيسي للجمعية في مقر إقامة تنكو عبد الرحمن حيث قبل سيادته أن يكون راعيا رئيسا فخريا للجمعية .

ومن بين الأعضاء المؤسسين لجمعية " بركيم" ثان سري عبيد الله أول رئيس للجمعية والأستاذ محي الدين موسي والحاج إبراهيم ما ثان سري الحاج يوسف إبراهيم وتان سري الحاج عبد المبين شبيرد الذي كان أول أمين عام للجمعية وكان تنكو عبد الرحمن رحمه الله رئيسا فعليا للجمعية منذ سنة 1974م حتى سنة 1989م.

وبعد وفاة تنكو تولي هذه الوظيفة الشرفية اليوم ثان سري دتوا فاتينغي الحاج عبد الطيب محمود رئيس الوزراء لولاية سراواك.

وقد نمت جمعية " بركيم " نموا سريعا واتسع عملها فأصبح لها قسم في كل ولاية من ولايات غرب ماليزيا وتفرع كل قسم إلى فروع عديدة بمختلف المدن والقرى في بعض الولايات الماليزية وفي عام 1977م تم التوقيع على اتفاقية لإقامة اتحاد بين " بركيم" وبين جمعية صباح الإسلامية المعروفة باسمها المختصر "أوسيا "USIA" ؛

ومن ناحية أخرى تم كذلك الاتفاق على إقامة اتحاد مماثل بين "بركيم " وبين جمعية النهضة الإسلامية المتحدة بولاية سراوك المعروفة باسم " بينا " BINA" والآن " حكمة" وقد أنشأت " بركيم " مراكز إسلامية في كثير من المدن في غرب ماليزيا تنظم فيها محاضرات إسلامية أسبوعية وتلقي دروس دينية وتقدم التسهيلات لتشجيع المسلمين الجدد والجهود التي قامت بها " بركيم " ليست صغيرة إذ أسلم منذ إنشائها أكثر من 120 ألف شخص من سكان ماليزيا .

أهداف بركيم وتنظيمها

أولا: أهدافها

وقد كان الهدف الرئيسي لجمعية " بركيم" منذ إنشائها هو نشر الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين لا سيما أولئك الذين ليس لهم دين معين وإلى جانب ذلك فقد كان هناك هدف آخر له أهمية كبري وهو تقديم المساعدات اللازمة للمسلمين الجدد لتمكينهم من زيادة فهمهم للإسلام وتعاليمه
وتعميق الروح الإسلامية في نفوسهم وممارستهم الشعائر الدينية في حياتهم اليومية هذا بالإضافة إلى رعاية هؤلاء المسلمين الجدد ومعاونتهم في التغلب على ما قد يواجههم من مشاكل الحياة العملية بسبب المرض أو بسبب اعتناقهم الإسلام .

وقد جاء في دستور الجمعية أن الأهداف التي تسعي إليها الجمعية هي:

  1. نشر الدعوة الإسلامية بين المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة .
  2. تنظيم برامج التعليم والتربية الإسلامية وتنفيذها عن طريق المنشورات والمؤسسات التعليمية الإسلامية المطابقة للقانون .
  3. القيام بالأعمال الخيرية وتشمل الرعاية المالية والمنح الدراسية والتبرعات والتسهيلات اللازمة للضعفاء والفقراء من المسلمين والمسلمين الجدد .
  4. الاتصال والتعاون الصادق مع المنظمات والجمعيات الإسلامية الأخرى من أجل تنمية الأمة الإسلامية في ماليزيا .
  5. القيام بالأنشطة المختلفة من أجل الإسلام والدعوة إليه .
وعلاوة على ذلك فإن جمعية "بركيم " تهدف إلى إعداد دعاة مسلمين قادرين على مواجهة الأديان الوضعية والآراء المنحرفة في البلاد ولذلك أنشأت "بركيم" مركزا لتدريب الدعاة في ولاية كلنتن
وللحصول على الأموال الكافية للعمل على تحقيق أهداف الجمعية والقيام بجميع أنشطتها تعتمد جمعية بركيم على ما تقدمه الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية للولايات الماليزية من منح مالية وكذلك ما يقدمه المسلمون والقطاع الخاص والشركات التجارية من تبرعات سخية
وبالإضافة إلى ذلك تملك الجمعية مجمعا ضخما يتكون من عشرين طابقا في مدينة كوالا لمبور الذي تم بناؤه بقرض حسن قدمته جمعية الدعوة الإسلامية في ليبيا عام 1980 وينفق إنتاج هذا المجمع لتنفيذ أنشطة بركيم الدعوية .

ثانيا: تنظيم الجمعية

من ناحية التنظيم فإن القيادة العليا للجمعية يطلق عليها المجلس الوطني وتتكون من رئيس المجلس وأعضاء المجلس الأعلي ومندوبية من كل الولايات الماليزية التي بها فروع للجمعية ويصدر المجلس الوطني جميع التوجيهات العامة للجمعية كما أنه يحدد مبادئ الجمعية وأهدافها ومناهجها في الدعوة
وتحت المجلس الوطني أعضاء اللجنة التنفيذية الذين يقومون بإنجاز مخططات الجمعية عبر سكرتارياتها في المركز الرئيسي بكوالا لمبور ومراكزها الفرعية في كل الولايات إلا ولاية صباح التي لا يوجد فيها فرغ للجمعية وشكلت تحت هذه السكرتيرات أقسام مختلفة مثل قسم الدعوة وقسم الأعمال الخيرية وقسم المالية وقسم الإدارة .

أنشطتها

بشكل عام فإن أنشطة الجمعية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع: وهي الأنشطة الدعوية والخيرية والتعليمية وهذا ما سأتناوله فيما يلي:

أولا: النشاط الدعوي

ذكرنا سابقا أن أهم الأهداف من تأسيس جمعية بركيم هو نشر الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين والاهتمام بأحوال المسلمين الجدد من ناحية الالتزام و المعيشة حتى لا يرتدوا عن الإسلام بعد اعتناقهم له بسبب قلة فهمهم للإسلام أو بسبب مشكلاتهم في الحياة ؛
وعلى هذا الأساس قامت بركيم ببرامج مختلفة لتقترب من المجتمع غير الإسلامي وتعرفهم تعاليم الإسلام الحنيف وقد كان من ثمرات جهود بركيم- منذ إنشائها عام 1960 أن اعتنق الدين الإسلامي حوالي 120,000 شخص معظمهم من الصينيين والسكان الأصليين في ولايتي سراواك وصباح.
تعمل جمعية بركيم على توضيح التعاليم الإسلامية الصحيحة إلى المجتمع غير الإسلامي لإزالة سوء الفهم وتصحيح الفكرة الخاطئة لديهم عن الإسلام وينفذ هذا العمل من خلال مناقشات ومحاضرات عامة يديرها دعاة بركيم والعلماء من أهل الخبرة وتشارك بركيم مع الهيئات الإسلامية الحكومية والمنظمات الإسلامية الأخرى في البرامج الدعوية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
تختلف أساليب الدعوة التي تتخذها جمعية بركيم في نشر الدعوة الإسلامية باختلاف جنس المدعوين ولهذا شكل قسم للجمعية ثلاث وحدات للقيام بمهمة الدعوة وهي: وحدة الدعوة للسكان الأصليين ووحدة الدعوة للصينيين والأخرى للهنود ولاستمالة السكان الأصليين إلى الإسلام تستخدم بركيم أسلوب الدعوة بالحال التي تعكس صورة الإسلام الجميلة لهم؛
وأقامت بركيم لهذا الغرض وحدة الدعوة المتحركة التي تجهز بخدمات المستوصف لعلاج المرضي والتوجيه النفسي والإرشادات الاجتماعية وغيرها من الخدمات الخيرية وتتجول هذه الوحدة لمدة أسبوع أو أكثر في قري السكان الأصليين وتركز اهتمامها الخاص على رؤسائهم
ويطلق عليهم " تؤ باطن " لأن إسلامهم يؤدي إلى اعتناق جميع أتباعهم الإسلام كما تقوم الوحدة بتحليل نتيجة الجولات لتحديد طريقة الدعوة في الوقت اللاحق .
أما طريقة الدعوة للصينيين والهنود المقيمين في المدن فنحاول وحدة الدعوة أن تلفت انتباههم للإسلام وتتقرب إليهم بطريقة غير مباشرة مثل تقديم المساعدات والتسهيلات اللازمة بالتعاون مع الهيئات الحكومية وتوزيع الرسائل عن الإسلام كمد تستخدم بركيم دعاتها الصينيين والهنود ليقوموا بالدعوة الفردية بين أسرهم وأصدقائهم هذا بالإضافة إلى المناقشة والمحاورة الدينية التي تقيمها بركيم مع المسائلين إلى الدين الإسلامي .
وبعد أن تنجح بركيم في إسلام المدعوين تعد لهم إرشادات دينية تقدم في جميع مكاتب الجمعية ومراكز بركيم للخدمات الخيرية تتناول هذه الإرشادات الدينية البرامج التالية .
  1. خدمة الإرشاد والتوجيه النفسي .
  2. الدروس الدينية التي يلقيها دعاة بركيم يوميا بعد انتهاء الدوام .
  3. الدروس الدينية الأسبوعية من الساعة التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء في كل نهاية أسبوع .
  4. عقد التجمع بين أسر المسلمين الجدد مرة في كل شهر لتوثيق الإخوة الإسلامية المتينة فيما بينهم .
وقد كان المسلمون الجدد وكذلك المهتمون بالتعرف على الدين الإسلامي وإن لم يقرروا اعتناقه يواجهون مشكلة الحصول على كتيبات ورسائل مبسطة عن الإسلام باللغة الانجليزية والصينية ومن ثم اهتمت بركين بالعمل على سد جانب من الفراغ في هذا المجال
فقامت بنشر عدد كبير من الرسائل الإسلامية بهاتين اللغتين ولا تزال تواصل هذه المهمة وإلى جانب ذلك فهي تقوم بنشر مجلة شهرية باللغة الإنجليزية إسمها " اسلاميك هيرالد" سمتها صوت الإسلام وتصدر أيضا صحيفة إسلامية شهرية باللغة الصينية اسمها "نور الإسلام "

ثانيا: النشاط الخيري

وتعطي جمعية بركيم دائما الأعمال الخيرية والخدمات الاجتماعية أولوية خاصة فمثلا في سنة 1975 قامت بركيم بتنظيم وإدارة شؤون المسلمين اللاجئين من كمبوديا بناء على طلب حكومة ماليزيا وعددهم أكثر من 1300 مسلم ومسلمة
وكانوا قد لجئوا إلى المناطق الشمالية في غرب ماليزيا فقامت بركيم بالتعاون مع ممثلة وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ببناء مركز لتوطين هؤىلاء الخيرية للاجئين من البوسنة وتوطينهم مؤقتا في ماليزيا بالتعاون مع وكالة غوث اللاجئين ؛
وفي ولاية فولو بينانج حصل تنكو عبد الرحمن على منزل وقطعة أرض قدمتها له حكومة الولاية منحة منها فأقام فيها مركزا للخدمة الاجتماعية لتوطين وعلاج مدمني المخدرات السابقين وكذلك لتشغيل العاطلين من الشبان الجدد في الإسلام كما ساعد أيضا في تطوير مركز قديم لعلاج مدمني المخدرات في ولاية بيراق وتزويد المركز بالدعاة والمدرسين لتوعية النزلاء توعية دينية .
وفي مارس 1977 افتتحت بركيم أول مستوصف لعلاج المرضي الفقراء مجانا بصرف النظر عن دينهم الذي يتبعونه أو جنسهم الذي ينتمون إليه , ويقدم 20 من الأطباء المسلمين خدماتهم الطبية في هذا المستوصف
وقد تردد على العلاج بمستوصف بركيم أكثر من ثلاثة آلاف من المرضي خلال السنة الأولي من إنشائه وهذا العدد في ازدياد مضطرد كما تعمل الجمعية حاليا على تزويد السكان الأصليين بالمستوصفات المتحركة التي تقوم بتقديم الخدمات الطبية في الأرياف والمناطق البعيدة .
وتهتم بركيم بأحوال السكان الأصليين وتعد لهم برامج خيرية مختلفة وذلك لأنهم يمثلون عددا كبيرا من المسلمين الجدد ويقيمون في مناطق بعيدة من المجتمع المدني
ومن هذه البرامج إقامة مشاريع التنمية لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية ولرفع مستوى التعليم بين أبنائهم كما تعد بركيم سكن الطلبة لأبنائهم الذين نجحوا في مواصلة دراستهم في المدن .
كما تقدم الجمعية التسهيلات والمعونات اللازمة لغير المحظوظين من أبناء الأيتام والمعوقين وقد أقامت جمعية بركيم دارين للأيتام والمساكين إحداهما في ولاية قدح والأخرى في ولاية سلانجور ترعيان الأيتام المسلمين وتزودانهم بالتعاليم والثقافة الإسلامية كما هيأت بركيم مركزا للأبناء المعوقين سمته تسفوترا الذي يقع في العاصمة كوالا لمبور ؛
وبالإضافة إلى ذلك أسست بركيم مركز الإصلاح الصحي الذي يقدم خدمات العلاج البدني والمداواة بالانشغال لمصابي خفقان القلب وغيره من الأمراض التي تحتاج إلى المعالجة البدنية .

ثالثا: النشاط التعليمي

أما في مجال التعليم فقد أنشأت بركيم معهد بركيم للدعوة الإسلامية في سنة 1962 الذي يهدف إلى تدريب الشباب من المسلمين الجدد والمسلمين غير الملايويين ليكونوا الدعاة الذين يضطلعون بمهمة نشر الدعوة الإسلامية و يقدم هذا المعهد الذي يقع في ولاية كلنتن برنامج تدريب يستغرق مدة أربع سنوات ويحتوى على دورة تدريبية عملية وكذلك أنشأت بركيم " معهد بركيم جون " في ولاية فولو بينانج الذي يقدم برنامج الدبلوم في التجارة والقانون والهندسة والحاسوب .
وعلاوة على ذلك أقامت بركيم روضات الأطفال التي تقبل تلاميذها بغض النظر عن ديانتهم وأجناسهم كما قامت بركيم بتأسيس صندوق للمنح الدراسية الذي يقدم المساعدة المالية للطلبة الأيتام والمساكين في المرحلة الإعدادية والثانوية وتمنح هذه المساعدة أيضا للطلاب المحتاجين في المدارس الدينية الشعبية وفي المؤسسة التعليمية تحت رعاية بركيم .

التقويم

إن جمعية بركيم من أكبر المنظمات الدعوية الإسلامية التي ترعاها الدولة المركزية ولذلك لا تعاني هذه الجمعية مشكلة كبيرة بالنسبة إلى التمويل المالي بالمقارنة مع المنظمات الإسلامية الأخرى الشعبية وفي هذا نجد أن بركيم كما هو الشأن في المنظمات الأخرى التي ترعاها الحكومة لها إيجابيات وعليها سلبيات في أعمالها الدعوية التي سنتحدث عنها باختصار في هذا المطلب بعون الله .
من إيجابيات بركيم البارزة في مجال الدعوة إنجازها العظيم بإدخال غير المسلمين إلى الإسلام فكان العدد الكبير (حوالي 120,000شخص) الذين أسلموا من خلال هذه المؤسسة دليلا واضحا على تأثير الحركة الدعوية التي قامت بها بركيم في المجتمع غير الإسلامي؛
ولذلك تعد بركيم من أهم منظمات الدعوة الإسلامية في هذا المجال ومن إيجابياتها أيضا محافظتها على مصالح المسلمين الجدد في مجالات مختلفة منها التنمية والإرشاد الديني والاجتماعي بهدف متابعتهم حتى لا يرتدون عن الدين الإسلامي الحنيف .
ومع ذلك هناك بعض السلبيات في حركة بركيم الدعوية أبرزها اقتصار دعوتها على المجتمع غير الإسلامي والمسلمين الجدد من غير اهتمام بالغ بالنواحي الأخرى في الحياة خاصة في إرشاد الحكومة وإصلاح المجتمع في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية ولعل هذه السلبية ترجع إلى كونها تحت إشراف الحكومة ولذلك عليها أن تعمل وفق سياسات الحكومة ولا تخالف ذلك
كما تعاني بركيم في الوقت الحالي مشكلة قلة الدعاة ذوي الكفاءة والخبرة في ساحة الدعوة وقلة الدعاة من الأجناس المختلفة الذين لهم القدرة على القيام بنشر الدعوة الإسلامية بين أقوامهم .
وفي الخلاصة نستطيع القول بأن جمعية بركيم هي أفضل المنظمات الإسلامية في مجال دعوة غير المسلمين إلى الإسلام وهي تسعي إلى نشر الدعوة الإسلامية والروح التعاونية والتوافقية في المجتمع الماليزي بهدف المشاركة في إنشاء مجتمع إسلامي متعدد الأعراق كما أنها الجمعية الوحيدة التي تواجه تحديات الحركة التنصيرية ضد الدعوة الإسلامية بصورة مباشرة خاصة بين السكان الأصليين في الأرياف .

ثالثا:حركة الشباب الإسلامي بماليزيا نشأتها وتطورها

أولا: نشأتها

نمت حركة الدعوة الإسلامية في ماليزيا نموا سريعا وملحوظا في عقد السبعينات بعد أحداث أيار 1969 بين الملايويين والصينيين وكانت العناصر المهمة التي تؤيد وتدعم هذه الحركة هم الطلاب الجامعيين الذين أفزعهم ما كانت تعانيه أمتهم من وضع مأساوى وما تعيش فيه من فقر وحرمان وتخلف ؛

كما أقض مضاجعهم ما تعرض له الإسلام من إبعاد وتهميش عن خضم الحياة من ناحية والذين كانوا قد أصيبوا من ناحية ثانية بخيبة أمل كبيرة في النخبة القيادية التي أدي انعدام الرؤية لديها إلى وضع البلاد في مهب العواصف والأنواء مثل سفينة فقدت ربانها وغابت عنها وجهتها وهكذا برز هؤلاء الشباب روادا يدعون إلى الإسلام منهجا متكاملا للحياة في شمولها واتساعها وحربا على الميراث الاستعماري في ثقافته ومؤسساته وتوجهاته .

ولعل الظروف السيئة المحيطة بالمجتمع الملايوى في ذلك الحين من أعظم العوامل التي أدت إلى تأسيس الحركات الإسلامية في ماليزيا وكان الشعب الملايوى المسلم في السبعينات قد أصابه التخلف الاقتصادي والديني والاجتماعي والسياسي وفشلت الحكومة في تحسين أوضاع المجتمع الملايوي بسبب إهمالها للقضية الدينية والأخلاقية والاجتماعية وتفشي الفساد والرشوة في الإدارة الحكومية

ولذلك تحرك أبناء الشعب الملايوي خاصة من الشباب والطلاب لإيجاد حل إسلامي لإصلاح المجتمع والحكومة معا والعمل على إرجاعهم إلى الالتزام بتعاليم القرآن والسنة .

ولهذا الغرض قام هؤلاء الطلاب بإنشاء الاتحاد الوطني للطلاب المسلمين الماليزيين ليكون اتحادا رئيسيا يمثل جميع الجمعيات الطلابية الإسلامية في المعاهد والجامعات الماليزية وكان تأسيس " PKPM " في سنة 1961 يمثل نقطة بداية لانتشار الوعي الإسلامي والحركة الإسلامية بين الطلاب الماليزيين وحثهم على تحمل مسئولية الدعوة وإصلاح المجتمع والحكومة خاصة في أواخر الستينات وأوائل السبعينات .

وقد تأثر اتحاد " PKPM " في مرحلته التكوينية بفكر العلماء والدعاة المصلحين المشهورين في العالم الإسلامي مثل حسن البنا والمودودي وسيد قطب رحمهم الله وغيرهم مما كان له دور كبير في تنشيط حركة الاتحاد واهتماماته الإسلامية ومن ذلك الاهتمام الكبير الذي وضعه الاتحاد بقضايا الجهاد الإسلامي في فلسطين وجنوب تايلاند؛

ونظم الاتحاد مظاهرة ضخمة ضد رئيس وزراء تايلاند لسياسته الظالمة ضد المسلمين أسفرت هذه المظاهرة عن اعتقال رواد الاتحاد وكان من أبرزهم أنور إبراهيم وحاول الاتحاد أن يكون لسان الشعب المعبر عن رأيه في القضايا الهامة

إضافة إلى العمل على نشر الوعي والدعوة الإسلامية في المناطق الريفية البعيدة وكان من القرارات المهمة التي اتخذها الاتحاد قرار تأسيس حركة الشباب الإسلامي بماليزيا أو " أييم" وكان الاقتراح لتأسيس الحركة قد ظهر في اجتماع الاتحاد عام 1967 لتوحيد قوة الشباب المسلمين وتحريكهم ببرامج نافعة لمصلحة الأمة الإسلامية

وتم تأسيس الحركة في 6 أغسطس 1971 بكلية الدراسات الإسلامية بالجامعة الوطنية الماليزية في قتالينج جايا بولاية سلانجور ولكنها لم تسجل بصورة رسمية حتى 17 أغسطس 1972 وكان الغرض من تأسيس أييم مواصلة الجهاد الإسلامي خريجي الجامعات الماليزية بعد انضمامهم إلى الاتحاد في فترة دراستهم .

ثانيا: تطورها

مثلت أييم في بداية تأسيسها مرحلة جديدة من الفكر الإسلامي والعمل الدعوى حيث حافظت على النظرة الشمولية للإسلام التي تبناها مفكرون من الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية.

فظهرت في تلك الفترة دعوات لتطبيق الإسلام في ماليزيا على نطاق أوسع ليشمل كل جوانب الحياة , وكان لهذه الظاهرة وقع سلبي على الحكومة الماليزية التي خشيت من النتائج السياسية لهذه الحركة الإسلامية في دولة متعددة الأعراق والأديان .

عموما فإن تطور أييم يمكن تقسيمه إلي ثلاثة أطوار تتمثل في كل عقد من عقود مسيرتها فالعقد الأول من تأسيس منظمة أييم الذي امتد من 1971 م إلى 1981م توترت علاقتها مع الحكومة

ففي عام 1974 م تم اعتقال أنور إبراهيم من دون محاكمة طبقا لقانون الأمن الداخلي بتهمة إثارة المزارعين الملايويين ضد السلطة فردت أييم بانتقاد الحكومة علنا في عدة مسائل منها تفشي الفساد والفوضى وسوء معاملة الموظفين واعتبرت المنظمة أن الإسلام وحده يحل مشكلة التعددية في ماليزيا وليس الاتجاه العلماني القومي الذي تنتهجه الحكومة .

وبدأت المرحلة الثانية عندما لبي أنور إبراهيم عام 1982 م دعوة محاضر محمد رئيس حزب أمنو للانضمام إليه في الحكومة وكان قصد أنور إبراهيم من ذلك تحقيق أهداف منظمته من داخل الدولة أما محاضر فكان يريد امتصاص نقمة أييم من خلال إيصالها إلى السلطة وأحدث هذا الانضمام استغرابا شديدا لدي أتباع أييم بسبب العداوة المستفحلة بين هذه المنظمة وحزب " UMNO"

إن انضمام أنور إبراهيم إلى " UMNO " والحكومة المركزية كان نتيجة لسياسة الحكومة الجديدة برئاسة محاضر محمد التي تبنت موقفا استرضائيا ومجاملا نحو الدعوة الإسلامية وأيدت إدخال المزيد من المبادئ الإسلامية على الإدارة الحكومية والحياة الماليزية عامة

ولهذا رأي أنور إبراهيم أن باستطاعته أن يلعب دورا إيجابيا في حمل رسالة الإسلام خلال مشاركته النشطة في " UMNO " تحت قيادة محاضر وقد حولت قيادات أييم المركزية أن تقنعه بالعدول عن قراره ولكنها فشلت وأصبح لا مناص لها من تركه ينفذ قراره .

وبعد موافقة قيادة أييم على قرار أنور إبراهيم أصبحت الحركة غير محبوبة من قبل أتباعها المتمردين الذين شكوا في مصداقية الحركة فضلا عن ذلك ولأول مرة في تاريخها واجهت حركة أبيم أزمة داخلية عظيمة بما فيها انتقاد عدائي من بعض أقسام الحركة حتى ظن البعض زوال الحركة وانتهاءها؛

ولكن قدر الله غير ذلك وقد تمكن صديق فاضل الذي خلف أنور إبراهيم في رئاسة أبيم سنة 1982م من مواجهة الاعتراض المستمر من داخل الحركة وإعادة ثقة أعضاء أييم وأتباعها في أنحاء ماليزيا .

وأكد صديق فاضل بصراحة ووضوح في خطابيه اللذين ألقاهما في مؤتمري أييم عام 1982م و1983 م بأن مبادئ أبيم وفكرتها كانت ثابتة ولم تتغير بانضمام أنور إبراهيم إلى " UMNO " فكان خطاباه "التوجيهات العامة نحو الجهاد " و" استجابة لتحديات عصر النهضة " قد تضمنا أهداف الحركة ومطامحها العالية كمنظمة للدعوة الإسلامية الشاملة والتي تعتبر نفسها "الناطق بلسان الأمة ".

ومن أهم التوجيهات التي وردت في الخطاب الأول:

  1. إن أييم تهدف إلى إقامة الإسلام كمنهج رباني يطبق في جميع نواحي الحياة البشرية .
  2. إن العمل لإقامة الدين الإسلامي الشامل يتضمن عدة مراحل تبدأ بتكوين الشخصية الإسلامية والأسرة المسلمة والأمة الإسلامية والدولة الإسلامية وتنتهي بإقامة العالم الإسلامي والخلافة الإسلامية .
  3. إن العمل الإسلامي يشمل جوانب الحياة المختلفة بما فيها السياسة ولأن أييم ليست حزبا سياسيا لم تسلك في دورها السياسي مسلك حزب سياسي يركز في تنازع القوة والسلطة عن طريق الانتخابات وتري أبيم أن الأحزاب الإسلامية السياسية ومشاركتها في الانتخابات العامة ليست أسلوبا أساسيا في الدعوة وإنما هي من الأمور الجانبية التي لا ينبغي تقديمها على جوهر العمل الإسلامي .
  4. إن تعدد أجناس الشعب الماليزي واختلاف الأديان فيه لم يكن مسوغا لعدم إقامة التعاليم الإسلامية الشاملة .
  5. ضرورة تبديل التنمية العلمانية بالتنمية الإسلامية التي تبني على أساس التوحيد وتسعي إلى مرضاة الله تعالي .
  6. ضرورة العودة إلى الإسلام والرجوع إلى القرآن والسنة من غير النظر إلي الغرب أو الشرق . ومع ذلك فإن عقد الثمانينيات لم يكن كله محنا وصعوبات ذلك أنه كما أن لكل طور لحظاته الحزينة المظلمة فإن له أيضا لحظاته المشرقة المضيئة فقد حدثت الأزمة فعلا بنقص ثقة أعضاء الحركة في قيادتها وذلك بعد انضمام أنور إبراهيم إلى " UMNO " ولكن وقفت الحركة في امتصاص تلك الأزمة وتحويلها إلى عامل قوة وتماسك حيث إنه عبر ذلك التنازع والنقاش الحاد والمتوتر أيضا تبلورت المعالم الرئيسية والوجهة المستقبلية التي ميزت حركة الشباب الإسلامي في المراحل التالية من مسيرتها كما ترسخت لديها القواعد والأطر الكفيلة بتوطيد روح التفاهم وتحقيق الإجماع حتى في أكثر القضايا الحساسة الداعية للتفرق والخلاف .
  7. ويمكن اعتبار عقد الثمانينات بحق مرحلة النضج التي شهدت تغييرا في التوجه من طور المواجهة والاحتجاج إلى طور المحاورة والحجاج من مقعد المتفرج المنتقد إلى موقع المقوم المساهم في تقديم الحلول والبدائل من طور المناكفة السياسية إلى طور المحاورة الدبلوماسية وبفضل ذلك كله أصبحت الحركة أكثر فاعلية وقدرة على الابتكار مقدمة غير مدبرة ومتوكلة غير وجلة ولا مترددة ولعل روح المبادرة والإقدام هذه هي التي ساعدت أييم على الاندماج بفعالية في الكثير من مجالات الدعوة والعمل الإسلامي والمشاركة الإيجابية في بلورة الحلول لكثير من القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية .
  8. وفي مرحلة الثمانينيات بلغت حركة الشباب الإسلامي من الرشد الفكري والجرأة العقلية مستوى أهلها بعين التقويم والنقد إلى عمل عدد من العلماء والمفكرين والقادة الإسلاميين الذين بلغوا مبلغا بعيدا من الشهرة والتأثير في الساحة الإسلامية على اتساعها فقد أصبحت لدي الحركة الشجاعة الأدبية الكافية لتعتبر أن أفكارهم واجتهاداتهم ليست دائما ولا بالضرورة ملائمة لأوضاع ماليزيا وظروفها حيث إن ماليزيا ليست مصر ولا باكستان ولا إيران أو أى بلد آخر وأن ماليزيا إنما هي ماليزيا بخصائصها ومشاكلها ينبغي أن تحل من خلال تجربة ماليزية بما يقتضيه ذلك من معاناة وجهد .

وبدخول أبيم المرحلة الثالثة من عمرها شهدت ماليزيا نهضة متسارعة خاصة في المجال الاقتصادي والصناعي وفي إطار هذه التحولات لم تكن حركة الشباب الإسلامي منعزلة عن الأحداث ترقب تدافعها وتحولها مثل المتفرج العاجز

بل إنها قد نهضت معها بدور إيجابي وفعال تحت قيادة رئيسها الجديد الدكتور محمد نور منوطي وأصبحت أييم في هذه العقد شريكا في بناء الدولة وتستطيع أن تسهم في توجيه وبلورة وتحديد السياسات الوطنية في مجالات التنمية والنهضة والبناء .

إن نضال حركة الشباب الإسلامي من أجل إقامة الإسلام كمنهج متكامل وشامل للحياة جعلها بالضرورة تعمل على تكريس مبادئه وقيمه الإسلامية في المجتمع بتنظيم دقيق واستراتيجية متطورة قادرة على رفد الصحوة الإسلامية الراهنة معني وجوهرا وأبعادا

وكان من المسلم لدي الحركة أن عملية الأسلمة في هذه البلاد العزيز لابد من أن تتحقق من خلال استراتيجية سبيلها المشاركة وقوامها الإصلاح والبناء وذلك بالمشاركة في كل البرامج والأطر الحكومية التي تتوسم فيها خيرا وتقعد للمسلمين في هذه البلاد فضلا عن البرامج والأطر الخاصة بالحركة .

أهداف أبيم وتنظيمها

ذكرنا سابقا أن أبيم منذ تأسيسها لم تعتبر نفسها حزبا سياسيا وإنما حاولت أن تبرز دورها كمنظمة إسلامية تهتم بالمصلحة العامة خاصة فيما يتعلق بالمجتمع الملايوي الإسلامي ولذلك تبني جهود أبيم على مبادئ الإسلام وتعاليمه ولم تتخذهما وسيلة لنيل أغراض معينة دنيوية بل تعد الإسلام الأسلوب الأمثل لحل مشكلات الحياة فردية كانت أو اجتماعية .

أولا : أهدافها

أهم الأهداف من تأسيس أبيم1:

  1. العمل والجهاد من أجل الآمال الإسلامية ونشر التعاليم الإسلامية الأساسية التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة .
  2. نشر الدعوة الإسلامية بالأساليب المتطورة في كل مستويات المجتمع الماليزي .
  3. تجميع قوة الشباب المسلمين وتوظيفها لدعم المجتمع الملايوي في رفع مستوى حياته الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية .
  4. المشاركة في المؤتمرات الإسلامية المحلية والعالمية بوصفها ممثلة للشباب المسلمين الماليزيين .
  5. القيام بالأنشطة والبرامج النافعة المطابقة للشريعة الإسلامية .
بالإضافة إلى ذلك تهدف أبيم إلى توعية الجمهور بأن الإسلام ليس مجرد دين في دائرة ضيقة مثل الأديان الأخرى كما ذهب إليه العلمانيون وإنما هو الدين الذي يشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية مادية وروحية فردية واجتماعية وتسعي أبيم إلى إعادة الأمة الإسلامية إلى مكانتها بين الأمم من خلال عملية الإصلاح المتوازنة بين القيم الروحية والحضارة المادية .
كما تحاول أبيم تحرير المجتمع الإسلامي وتخليصه من الاقتداء بالإيديولوجيات الاستعمارية وفكرتها العلمانية باعتبارها بؤرة الفساد والانحطاط الخلقي فالاستقلال الحقيقي في نظر أبيم لابد أن يمتد بجذوره إلى روح الأمة ومشاعرها بحيث لا ترضي أبدا بالاستضعاف والاستذلال
كما حصل في الفترة التي عاشتها جماهير شعب الملايو في هذه المنطقة من العالم حينما انتشلها الإسلام بعقائده التوحيدية من العبودية للنظام الإقطاعي الهندوسي الذي كان سائدا لعهود مديدة وإن الإسلام بمنهجه الحركي وبعقائده التوحيدية لقادر اليوم على إخراج المسلمين في هذه البلاد من واقع الاستضعاف والتبعية إلى واقع العزة والاستقلالية .

ثانيا: تنظيمها

تعد أبيم من أشهر المنظمات الإسلامية التي أسهمت في انتعاش الحركة الإسلامية في ماليزيا خلال السبعينيات ومن أكثرها تنظيما فقد انضم إليها 40 شخصا عند تأسيسها عام 1972 معظمهم أساتذة مدارس وطلاب جامعات
وارتفع هذا العدد حتى بلغ في الوقت الحاضر أكثر من 60,000 عضوا شكل الإداريون في القطاعين العام والخاص نسبة عالية منهم وبالرغم من أن رئيس المنظمة يلعب دورا هاما في التعبير عن مواقفها فإن كل القرارات تؤخذ بطريقة الشورى.
أما من ناحية التنظيم فإن الهيكل التنظيمي للحركة تتولاه لجنتان لهما النفوذ والتحكم المطلق في تدبير الحركة وهما مؤتمر الشباب الإسلامي واللجنة التنفيذية المركزية ويعمل مؤتمر الشباب الإسلامي على مراقبة اللجنة التنفيذية المركزية وله سلطة تعيين أعضاء اللجنة وتعديل دستور الحركة .
وتقع مكانة المؤتمر في قمة الهيكل التنظيمي باعتبارها السلطة الأعلي للحركة وينتخب أعضاء المؤتمر من ممثلي لجنة الولاية والدائرة الذين ليسوا أعضاء للجنة التنفيذية المركزية ولذلك فإن مؤتمر الشباب الإسلامي يشمل جميع مستويات أبيم المحلية والدائرية وكل قرارات المؤتمر وتجيهاته في الحقيقة تمثل الفكرة الأغلبية للحركة من جميع مستوياتها .
أما اللجنة التنفيذية المركزية فهي تضم لجانا فرعية أو أقساما تنفذ عبرها توجيهات الحركة ومخططاتها وتشرف اللجنة المركزية على لجان الولاية والدائرة والفروع وتراقب أنشطتها الدعوية والاجتماعية وغيرها
وقد ازداد عدد أعضاء اللجنة التنفيذية المركزية من عشرة أشخاص في بداية تأسيسها إلى سبعة وعشرين شخصا حاليا ويتألف هؤلاء الأعضاء من ستة أعضاء من القيادة المركزية ومن رؤساء لجان متعددة منها لجنة الدعوة والاقتصاد وشؤون المرأة و التنمية والتعليم والإعلام وغيرها ؛
ولتسهيل إدارة الحركة وتنفيذ برامجها أقامت أبيم سكرتيراتها ووكالاتها المختلفة مثل سكرتارية أبيم المركزية ومكتب أبيم المالي والسكرتارية التربوية والسكرتارية الدولية وسكرتارية أبيم لشؤون المرأة وجمعية الشباب الإسلامي التعاوني ووكالة النشر وغيرها وفي الوقت الحاضر هناك أكثر من 300 شخص يعملون في تنظيم أبيم في مراكزها العديدة بالعاصمة كوالا لمبور .

حركتها الدعوية والتربوية

تركز حركة أبيم في إستراتيجيتها الدعوية والتربوية على بناء المجتمع الإسلامي وهذه الاستراتيجية كما يقول صديق فاضل ليست مجرد شعار يرفع أو شكل يوضع وإنما هي أولا وقبل كل شئ جوهر وحقيقة لابد من أن يتجسدا عبر برامج عملية متكاملة ذات نوعية عالية حتى تصل إلى مراقي الكمال والإحسان ؛
وفي ظل التطور الإعلامي الكبير المتمثل في المادة الثقافية والسياسية والإخبارية الكثيفة المتدفقة والأساليب الفنية المعقدة لابد لبرامج الدعوة أن تقوم خططها على معطيات ومعلومات واقعية دقيقة وأن تنفذ وفق أساليب وتقنيات عمل متطورة متجددة كما أن الأمر يتطلب تحديد أهداف الدعوة وأولوياتها وأن تختار مداخلها الأوفق والأكثر نجاعة في إصلاح المجتمع .
إن الدعوة في نظر أبيم هي نشر الرسالة الإسلامية بصورتها الكاملة وبصفتها المبشرة والمنذرة ويشمل لواء الدعوة الإسلامية الذي تحمله أبيم جميع نواحي الحياة الإنسانية بما فيها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية والتكنولوجية والسياسية ومع ذلك تقوم حركة أبيم على نهج الاعتدال والتوسط بناء على وسطية الإسلام وسماحته
ونظرا إلى سبب التنوع والحساسية الثقافية السائدين في ماليزيا ومن الناحية الاجتماعية قامت أبيم بإنشاء برنامج المشاركة التنموية الاجتماعية " PPPK-ABIM " في سنة 1989 استجابة لطلب قادة الحركة في توسيع أنشطتها الدعوية للضعفاء والمساكين من المسلمين ؛
خاصة من سكان الأرياف وتعتبر المساعدة الخيرية والاجتماعية اللتان يقدمهما " PPPK " نوعا من الدعوة العملية لاستمالة سكان القرى إلى الحياة الإسلامية الصحيحة ومع ذلك يقدم " PPPK " للمحتاجين في المدن الكبيرة والصغيرة لرفع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي .
ولم تقتصر خدمات أبيم الخيرية على داخل ماليزيا فحسب بل اتخذت أبيم عدة خطوات لتخفيف مصاعب المسلمين في بلدان مختلفة مثل البوسنة وأفغانستان وكشمير وفلسطين الذين يواجهون طغيان الأنظمة الديكتاتورية الظالمة
ولهذا أقامت أبيم صندوق الإعانة الإنسانية لتجميع التبرعات المالية والأدوية والملابس الشتوية وغيرها وتوزيعها على المحتاجين من المسلمين في خارج البلاد كما قامت أبيم برعاية استقبال ما يزيد على 200 مسلم من البوسنة رسميا في سنة 1993 وتكفلت بمصاريف إقامتهم ودراستهم في ماليزيا كما جمعت تبرعات لمساعدة مسلمي ميمار الذين اضطهدتهم الحكومة البوذية هناك .
وفي مجال الاقتصاد أسست أبيم جمعية الشباب الإسلامي التعاوني لتقوية الأنشطة الاقتصادية بين أعضاء أبيم وقد طرأت فكرة تأسيس " KBI " بعد أن أدركت أبيم ضرورة إنشاء مؤسسة اقتصادية إسلامية تمارس نظام المعاملة الإسلامية الصافية كبديل إسلامي عن المؤسسات الرأسمالية الموجودة في ماليزيا وأقامت وكالاتها التجارية المتعددة مثل كاى . بي . أى للصناعة وكاي . بي . أي . للمتجر التنويعي وكاى . بي . أى للسفر والسياحة .
أما من ناحية النشر فقد أنشأت أبيم مجمع المكتبة الإسلامية لإصدار عدد من المنشورات والدوريات الإسلامية بالإضافة إلى وكالتين تعملان على توزيع المنشورات الإسلامية التي تصدرها أبيم أو أى منشورات أخرى داخل ماليزيا أو خارجها
كما تهتم أبيم بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام وإقامة برامج الرعاية للمسلمين الجدد ولهذا الغرض أنشأت "أبيم " امتداد أبيم الإسلامية لاستمالة غير المسلمين إلى الدين الإسلامي وتزويد المسلمين الجدد بالمفاهيم الإسلامية السليمة وتعريفهم بالإسلام كأسلوب للحياة المتقدمة وبالإضافة إلى ذلك كثيرا ما تقيم أبيم محاضرات عامة واجتماعات ومؤتمرات وغيرها من الأنشطة الدعوية لتحقيق الأهداف والآمال الإسلامية .

التربية:

من المعلوم أن أمة الإسلام يجب أن تكون قوية منيعة حتى تنجح في تجاوز كل الابتلاءات والمحن وفي هذا الإطار كان لزاما على الحركة أن تضع ضمن أهدافها أن يكون من أبناءها علماء ومفكرون مؤهلون مقتدرون حتى تستطيع أن تسهم عن جدارة في توجيه وبلورة وتحديد السياسات الوطنية في مجالات التنمية والنهضة والبناء
فالمفكر والعالم المسلم ليس ذلك الشخص المنطوى على نفسه المنعزل على هامش الأحداث بل هو ذلك الإنسان الذي يقتحم الخضم ويسهم بجرأة في معارك الفكر والمعرفة مواجهة للتحديات وتأثيرا في الأحداث وتوجيها لتيارها ولم يعد دور التربية هو مجرد إيجاد الإنسان الطيب وإنما هو إيجاد الجماعة المؤمنة الحية المتحركة إلى الأمام في مدارج التقدم.
لذلك قامت أبيم بتربية أعضائها تربية حركية لإبراز قوتهم الفكرية والعملية الكامنة وتطويرها وفقا لشمولية الإسلام ووسطيته . كما تهدف تربية أبيم إلى تكوين الجيل الإسلامي الرباني وصفوة القيادة الممتازة حتى تستطيع معها أن تصبح أبيم جماعة قوية مؤثرة ينتفع بها المجتمع والوطن والعالم الإسلامي كله
وتنفذ أبيم خططها التربوية عبر برامج متعددة منها الأسرة والدورة المكثفة والتمرين والمذاكرة العلمية وقيام الليل والرحلة الدعوية والتربوية والإنفاق في سبيل الله والتذكرة والرياضة النفسية والبدنية وغيرها وقررت أبيم ذلك في مناهجها التربوية لكل برامجها وأنشطتها والتي تتضمن ثلاثة مراحل تناسب جميع مستويات أعضائها المختلفة .
ومن أهم البرامج التربوية التي قامت بها أبيم بشكل واسع ومستمر بين أعضائها هو برنامج الأسرة وقد اهتمت أبيم بنظام الأسرة منذ تأسيسها عام 1972 واعتبرتها الوسيلة الناجعة في بناء الشخصية الإسلامية وتطويرها
كما حددت أبيم منهجا شاملا لنظام الأسرة يشتمل على آداب الأسرة وإعدادها وأهدافها وأسلوبها ومقرراتها الأساسية والعلمية والحركية هذا بالإضافة إلى الاهتمام الخاص الذي وضعته الحركة بنقباء الأسر حيث إنهم يلعبون دورا رئيسيا في تحقيق أهداف البرنامج .
وفي إطار تبسيط إدارة البرامج التربوية أقامت أبيم سكرتاريتها التربوية تحت إشراف نائب الرئيس وتنسيقه وتعمل السكرتارية على تنفيذ برامج أبيم التربوية وتخطيطها بصورة منسقة حتى يصل أعضاءها إلى المستوى المطلوب وكذلك أقامت أبيم سكرتاريتها الخاصة التي تؤكد على مواصلة جهود أعضاء أبيم وارتفاعهم كما وكيفا.
وفي مجال التعليم أسست أبيم مؤسسة الدراسات العالية للعلوم الإسلامية ومكتب أبيم التعليمي اللذين يخدمان مصالحها التربوية أسست " IPI " في سنة 1989 وفي البداية قدمت " IPI " خمسة برامج في مرحلة الدبلوم والبكالوريوس وفي الوقت الحالي قامت " IPI " بتقديم ثمانية عشر برنامجا في مجالات مختلفة منها الدبلوم في المصرف الإسلامي وفلسفة العلوم الإسلامية بالتعاون مع الجامعة التكنولوجية الماليزية .
أما مكتب أبيم التعليم " PPA " فكان تأسيسه مطابقا لإزدياد واجبات أبيم ومسئوليتها التعليمية وكانت أبيم بوصفها حركة تربوية قد اهتمت بالأنشطة التعليمية اهتماما بالغا خاصة في المستويات الأساسية من المستويات التمهيدية والابتدائية والثانوية؛
وفي الوقت الحالي تدير أبيم أكثر من 400 روضة إسلامية للأطفال وست مدارس ابتدائية إسلامية ومدرستين ثانويتين إسلاميتين كما يقدم المكتب " PPA" خدمات أخري تتعلق بالأنشطة التعليمية للمجتمع الماليزي .

التقويم

ذكرنا سابقا أن أييم كان لها دور بارز في عقد السبعينيات في إحياء الصحوة الإسلامية في ماليزيا وكانت أبيم في تلك الفترة عملت بالتنسيق والتعاون مع الحزب الإسلامية فكانت أفكارها متقاربة مع أفكار الحزب الإسلامي من حيث المبدأ والمنهج إلا أن أبيم لا تتدخل في الأمور السياسية بصورة مباشرة باعتبارها منظمة إسلامية غير سياسية؛
وبعد انضمام أنور إبراهيم إلى الحزب الحاكم أصبحت أبيم تغير مناهجها في الدعوة وسياساتها مع الحكومة فبدأت فعملية الدعوة والإصلاح من داخل الحكومة فكان لهذا المنهج إيجابياته وسلبياته كما هو الشأن في المنظمات الإسلامية الأخرى التي مارست هذه التجربة في الدعوة .
ومن إيجابيات أبيم في هذه المرحلة أنها استطاعت القيام بالدعوة والإصلاح في أجهزة الحكومة إلى حد ما عبر رجالها الذين تولوا مناصب مهمة في الدوائر الحكومية أو في الحزب الحاكم فكان أسلوب الدعوة الذي تركز فيه أبيم يتعلق كثيرا بقضايا الأخلاق الإسلامية وتطبيق القيم الإسلامية على مستوى الحكومة والمجتمع ؛
وبالإضافة إلى ذلك فإن مشاركتها مع الحكومة تمهد الطريق إلى إيجاد البدائل الإسلامية وتطويرها في مجالات مختلفة ففي مجال التعليم مثلا استطاعت أبيم الحصول على تمويل كاف لتأسيس مؤسسة الدراسات العالية للعلوم الإسلامية ومكتب أبيم التعليمي للاهتمام بالتعليم الإسلامي بأسلوب حديث .
وعلى الرغم من ذلك فإن هناك بعض السلبيات في تجربة أبيم ومحاولتها الإصلاحية من داخل النظام الحاكم حيث أنها أرغمت على دعم النظام العلماني المخالف للإسلام من خلال مشاركتها غير المباشرة مع الحكومة
فليس لرجال أبيم العاملين في السلطة التنفيذية مثلا خيار في تنفيذ أوامر الحكومة ولو كان بعضها مخالفا للشريعة الإسلامية بل أصبحت أبيم بعد ذلك أكثر حيادا وتركز على تطوير حركتها فكريا وماديا على حساب كثير من مبادئ وقيم الدين الإسلامي كما وقد عجزت أبيم عن القيام بمبدأ " النهي عن المنكر " تجاه بعض تصرفات الحكومة التي تعارض التعاليم الإسلامية وتجاه الأخلاقيات غير الإسلامية التي يمارسها بعض رجال الدولة .
ولذلك نري أن أبيم على الرغم من نجاحها إلى حد ما في القيام بالعمل الدعوى في بعض دوائر الحكومة إلا أنها ما استطاعت القيام بالعمل الإصلاحي إلا في الأمور الجانبية والشكلية أما الأمور المبدئية والجوهرية فلم تستطع التأثير فيها ولهذا نري أن ارتباط أبيم بالحكومة قد تضمن التأييد لمواقف الحكومة في كثير من الأحيان مما أدي بالتالي إلى ظهور الخلاف بينها وبين المنظمات الإسلامية الأخرى كما هو الحال بالنسبة للحزب الإسلامي وغيرها من المنظمات .
ومع ذلك هناك احتمال كبير أن تغير أبيم أسلوبها في الدعوة للمرة الرابعة بعد أن وقعت حديثا أحداث هامة في تاريخ ماليزيا السياسي حيث أقال رئيس وزراء ماليزيا محاضر محمد نائبه أنور إبراهيم عن جميع مناصبه الحكومة والحزبية في سبتمبر 1998 بتهمة الفساد الأخلاقي
وعقب إقالته احتشد أنور إبراهيم وأنصاره من حوله مطالبين بإصلاح الأحوال في البلاد مما أدي إلى اعتقاله وفق قانون الأمن الداخلي الذي يتيح للشرطة اعتقال أى شخص دون توجيه تهمة محددة إليه أو تقديمه للمحكمة وحين خرجت المظاهرات الحاشدة إلى الشوارع تندد باعتقال أنور إبراهيم وترفع شعارات الإصلاح تصدت لها الشرطة واعتقلت أنصار أنور إبراهيم وعلى وجه الخصوص قيادات أبيم وفق نفس القانون ؛
ونتيجة لذلك اشتركت الأحزاب المعارضة في مقدمتها الحزب الإسلامي مع المنظمات غير الحكومية ومنها أبيم في تكوين "حركة مطالبة العدالة" بهدف تحقيق العدالة في جميع نظم الحكومة خاصة فيما يتعلق بالأمن الداخلي ونظام المحاكم والشؤون الاقتصادية والإعلام وغيرها .
وفي الوقت الحالي ما زالت التطورات والأحداث متتالية سراعا مما يصعب عملية تحديد موقف أبيم بالضبط ولكن الأمر الذي يمكن إثباته هو عجز التجربة الإسلامية المعتدلة ومحاولة الإصلاح من داخل النظام التي مارستها أبيم عن القيام بواجبها الإصلاحي والدعوي في مثل وضع ماليزيا بصورة متكاملة وعلى أبيم أن تسلك طريقة جديدة لأداء مهمتها وتواصل مسيرتها في ساحة الدعوة والإصلاح.

الفصل الرابع مقارنة تنظيمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا علي المستويين الداخلي والخارجي

أولا : المقارنة على المستوى الداخلي ثانيا : المقارنة على المستوى الخارجي

مقارنة تنظيمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا على المستويين الداخلي والخارجي

أولا:المقارنة على المستوى الداخلي

لما كان من سنة الله سبحانه وتعالي في خلقه تفاوت الناس في مداركهم وتفكيرهم واهتماماتهم فقد جاء نتيجة لذلك تعدد الجماعات والمنظمات الإسلامية في العمل الإسلامي وإن كان لهم جميعا اهتمام بحماية الدين وحفظه والدفاع عنه إلا ان القناعات المتفاوتة في أنجح السبل لحماية الدين جعلت كل فريق منهم ينحو منحي يختلف عن الآخر للوصول إلى الغاية .

وكذلك الحال بالنسبة إلى منظمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا التي لقيت في الساحة الإسلامية نجاحا بارعا من حيث استجابة الكثير من أبناء المسلمين لدعوتها وبالأخص الشباب المتوقد حماسا للإسلام حيث انخرطت الأعداد الهائلة منهم في هذه الجماعات والمنظمات وقد تختلف هذه المنظمات في التصور في أولويات العمل الإسلامي ومنهج الدعوة الإسلامية وأسلوبها؛

وقد تري بعض المنظمات وجوب الاقتصار على تصحيح العقيدة وخدمة السنة بينما تذهب الأخري إلى ضرورة استمرار الدعوة إلى شمول الإسلام ونصح الحكام وتصحيح مفهوم الولاء والبراء ومواجهة المؤامرات ضد الإسلام وفي هذا المبحث سأقوم بدراسة مقارنة وبيان مواقع الاختلاف والاتفاق بين المنظمات الإسلامية في ماليزيا باختصار في أربعة مطالب على النحو التالي:

أولا:من ناحية الأصول والمبادئ

مهما كان اختلاف الجماعات الإسلامية في ماليزيا من حيث المنهج والأسلوب والوسيلة لكنها جميعا تتفق في أصول الدين الحنيف وفي عقيدة الإسلام التي تقوم على أساس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ولهذا فهم جميعا يقصدون خدمة الإسلام وأمة الإسلام والدفاع عنها؛
ويظهر لنا أثر هذا الاتفاق بين هذه المنظمات الإسلامية من خلال التعاون القوى الذي تقوم به هذه المنظمات فيما بينها في الأمور المتفق عليها من أصول الإسلام ولذلك فقد نصت دساتير معظم هذه المنظمات كما سبق على إمكانية التعاون مع الآخرين فيما يحقق الصالح العام للمسلمين ويحافظ على أصول عقيدة الإسلام .
بناء على ذلك نجد أن الجماعات الإسلامية في ماليزيا كثيرا ما تعقد اجتماعات ولقاءات فيما بينها لمناقشة أحوال المسلمين ومشكلاتهم المعاصرة هذا بالإضافة إلى التعاون والأعمال المشتركة المنسقة التي قامت بها هذه المنظمات في أمر الدعوة إلى الله تعالي والمصلحة الإسلامية المشتركة التي لم ترتبط بالأمور القومية الحساسة أو السياسية .
ومن تلك الأعمال التعاونية المشتركة التي تقيمها هذه المنظمات في مجال الدعوة تنسيق برامج الدعوة بين غير المسلمين وقد عقدت اتفاقية بين منظمات متعددة منها بركيم أوسيا الحكمة أبين وغيرها لتنفيذ برامج دعوية منسقة تهتم بشئون المجتمع غير الإسلامي
كما شكلت هذه المنظمات لجنة للتنسيق تقوم بإنجاز هذا العمل برئاسة جمعية " بركيم " وتعقد هذه اللجنة اجتماعها الخاص مرة في كل سنة لمناقشة الخطوات اللازمة والمطلوبة في الدعوة وتنسيقها حتى تستطيع الوصول إلي الهدف المنشود .
كما توحد هذه الجماعات صفوفها في الأمور المبدئية في الإسلام منها الجهود لحفظ اعتقاد الأمة الإسلامية في ماليزيا فقد ظهرت حديثا في ماليزيا قضية الردة التي أقلقت حياة المسلمين الماليزيين وهددت إيمانهم ولقد قام أعداء الله تعالي بتشكيك شباب المسلمين في عقيدتهم وتحويلها من الإسلام إلى الكفر ومن الإيمان بالله تعالي إلى عقيدة الشرك واللادينية؛
ومع الأسف يقع بعض أفراد المسلمين في ذلك نتيجة المكائد التي يقوم بها أعداء الله مثل التسهيلات المالية ومحاولة ربط الشابات والشباب المسلمين مع غير المسلمين بعلاقات عاطفية وبأعمال السحر التي تؤدي إلى الردة .
وقد أثارت مشكلة الردة انتباه الجماعات الإسلامية في هذه البلاد لإنقاذ عقيدة المسلمين ولهذا بذلت هذه التنظيمات جهودها في حل هذه المشكلة عبر الاجتماعات والمفاوضات والمحاضرات وغيرها
ومن الجماعات التي لعبت دورا مهما في هذه القضية حركة الشباب الإسلامي أبيم والحزب الإسلامي وقد أقامت أبيم مثلا اجتماعا هاما شاركت فيه جميع المنظمات الإسلامية الرئيسية في ماليزيا سوي المنظمات الحكومية؛
وفي هذا الاجتماع طالبت المنظمات الإسلامية بتشريع قانون خاص بظاهرة الردة على حسب الشريعة الإسلامية لمنع انتشار هذه الظاهرة القبيحة وصد مخططات أعداء الإسلام وخدعهم ومع ذلك للأسف تجاهلت الحكومة هذه المطالب حتى الآن باعتبارها قضية قومية حساسة ولم تهتم بحرمة الإسلام والمسلمين .
ونموذج آخر من التعاون بين الجماعات الإسلامية في القضية الأصولية والإعتقادية هو ما حدث في آخر عقد الثمانينات حيث ظهرت في ذلك الوقت جماعة شككت في الاستدلال بالسنة النبوية المطهرة ورفضتها كإحدى المصادر الشرعية الإسلامية ومرة أخرى تعاونت المنظمات الإسلامية في مواجهة هذه الجماعة الضالة
وعقدت عدة مؤتمرات ومناظرات عامة تهدف إلى هدم هذه النظرية الباطلة وإبراز العقيدة الإسلامية السليمة كما طلبت المنظمات من الحكومة منع هذه الجماعة والقبض على زعمائها ولكن الحكومة لم ترفع أى دعوى عليهم بل سمحت لهم بتسجيل جماعتهم رسميا باسم " جماعة القرآن " التي لا تزال موجودة حتى الآن .
ولعل آخر تلك النماذج العملية لاتحاد الجماعات الإسلامية وبخاصة في القضايا المبدئية والعقدية ما حدث في الأزمة الأخيرة التي ألمت بالحياة السياسية والاقتصادية بماليزيا وقضية أنور إبراهيم التي تعد نموذجا وتطبيقا واقعيا لمبدأ التناصر الإسلامية؛
إذ على الرغم من المخالفة والمعارضة الشديدة حول تجربة دخوله للحكومة في ظل الحزب الوطني من قبل التنظيمات الإسلامية الأخرى في ماليزيا وفي مقدمتها الحزب الإسلامي إلا أن هذا لم يمنع من توحيد الموقف والدفاع عن حقوق أنور إبراهيم والمطالبة بالإفراج عنه واعتبار هذه نقطة انطلاق جديدة لإحداث التغيير الإسلامي المنشود ... ولا شك أن هذه النماذج لها دلالات بالغة الأهمية نسأل الله تعالي أن تتم الاستفادة منها أكثر في المستقبل القريب .

ثانيا: من ناحية المناهج

الأمر المهم في أى تنظيم إسلامي هو أن يكون على منهج صحيح وواقعي وذلك بأن يضع منهجه بعد دراسة الواقع والظروف المحيطة به ثم يحدد أهدافه ووسائله بناء عليه وفي ماليزيا اتخذت المنظمات الدعوية مناهج مختلفة في الدعوة الإسلامية ومن خلال النظر في هذه المناهج نجد أنه يمكن تقسيمها على النحو التالي .
القسم الأول: تنظيمات دعوية تتخذ منهجا يركز على مجال معين من مجالات الدعوة الإسلامية مثل الجمعية الخيرية الإسلامية أو "بركيم" وجماعة التبليغ حيث تهدف جمعية بركيم إلى نشر الدعوة الإسلامية في المجتمع غير الإسلامي ولهذا فإن المنهج الذي تتبعه الجمعية يركز على أسلوب الحكمة واستعمال المجادلة بالتي هي أحسن تجنبا لإحداث فتن واضطرابات في المجتمع لوجود نسبة عالية من الشعب غير مسلمة في المجتمع الماليزي التعددي؛
كما تتعامل مع قضايا الدين والثقافة بصورة منهجية علمية ناضجة من شأنها أن تشيع روح التسامح والتعايش بين مختلف الملل الدينية والهويات الثقافية أما جماعة التبليغ فهي تعتمد على منهج الوعظ ولهذا فهي تطبق وسائل معينة لا تخرجها من دائرة الوعظ والتذكير مثل الخروج في فترة محددة إلى المدن والقرى التبليغ الدعوة الإسلامية من مسجد إلى مسجد آخر وأخذت هذه الجماعة منهجها وأفكارها من جماعة التبليغ في الهند .
أما القسم الثاني: فهو التنظيمات التي اتخذت منهجا شاملا لمختلف مجالات الدعوة الإسلامية وهذه يمكن تصنيفها إلى نوعين الأول: منظمات لها منهج لإصلاح المجتمع في مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وغيرها دون تدخل في العمل السياسي منها جماعة دار الأرقم المحظورة وجماعة الإصلاح
وقد انتهجت جماعة دار الأرقم خط التصوف في حركتها وذلك باهتمامها بالتربية الروحية وبممارسة الأوراد الخاصة بها وإحياء بعض مظاهر السنة النبوية الشريفة إلا أنها لم تهمل جوانب أخري في اختيار منهجها الدعوي؛
وقد سبق أن ذكرنا عن نشاطاتها الدعوية المكثفة في المجالات المتعددة بما فيها التعليم والاقتصاد والإعلام وغيرها كما تتخذ جماعة الإصلاح في عملها الدعوي منهجا متعدد المجالات تركز فيه على الجانب التعليمي والاجتماعي والتربوي كما سبق ذكرها ووضعت الجماعة لكل مجال من هذه المجالات وسائل معينة
ففي المجال التعليمي مثلا أنشأت الجماعة مدارس متعددة من المستوى الثانوي إلى مستوى الدبلوم كما تهتم الجماعة بالجانب التربوي في أنشطتها عن طريق الأسرة وقيام الليل والمخيم وغيرها .
أما النوع الثاني فهو تنظيمات تعمل على إصلاح المجتمع والحكومة معا وتتدخل في العمل السياسي مثل الحزب الإسلامي وحركة الشباب الإسلامي أو "أبيم" ولقد تحدقنا سابقا عن منهج الحزب الإسلامي الدعوي في مجالات التربية والتعليم والإعلام والاقتصاد والاجتماع وغيرها ؛
فإن المنهج الصحيح المتكامل للدعوة في نظر الحزب يقتضي أن تتبني نظرة شمولية للحياة البشرية ولم يكن لدعاة المنظمات الإسلامية خيار في تبني هذه النظرة لمعنى الإسلام لأن الإسلام الذي شرعه الله منهج متكامل الجوانب فهو شامل لكل نواحي الحياة في المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وغيرها .
وفي مجال السياسة يتخذ الحزب الإسلامي كل ما يستطيع من أسباب مقبولة في الشرع لإقامة دولة مسلمة وإن النظام الديمقراطي الذي ترفع شعاره الدولة يتيح للحزب الإسلامي الوصول إلى الأهداف العظيمة مع المحافظة على إستراتيجية الأساسية كإحدى الحركات الإسلامية في ماليزيا ؛
وفي حالة ماليزيا فإن مفهوم الفيدرالية كما هي ممارسة الآن لا يمكنه تجاهل ظاهرة تحول الرأي العام في عدد من الولايات لصالح الحركة الإسلامية كما هو الواقع حاليا في ولايتي كلناتي وترجانو . وتحدث مثل هذه الأمور عند توفر قدر من " الديمقراطية " ويلتزم الحزب الإسلامي حينها بانتهاج أسلوب المواجهة السلمية .
أما حركة الشباب الإسلامي فيشمل منهجها الدعوى مجالات مختلفة كما سبق ذكرها حيث إن إطار الدعوة الإسلامية عند الحركة لا ينبغي أن ينتهي بتوعية الجمهور وإرشادهم إلى التعاليم الإسلامية وتربيتهم تربية إسلامية فحسب
بل يجب على المنظمات الإسلامية أن تكمل منهاجها ببدائل إسلامية في مجالات متعددة كالتعليم والاقتصاد والتنمية وغيرها كما ترى الحركة أن المنهج الصحيح للدعوة الإسلامية ينبغي كذلك أن يشمل الناحية السياسية لأنها لا يمكن فصلها عن الدين الإسلامي .
ويختلف المنهج السياسي الذي تتخذه أبيم عن منهج الحزب الإسلامي وكما هو معروف فإن حركة أبيم ليست حزبا سياسيا بالمعني التقليدي إلا أنها قوة سياسية مسيرتها إلا أن الكثيرين لا تسرهم المواقف السياسية للحركة إلى درجة أن البعض حاول أن يستفزها لتعلن عن نفسها كحزب سياسي ؛
وفي نفس الوقت فإن آخرين يتهمونها بأنها لا تأخذ الإسلام في شموليته لأنها لا تتعامل مع القضايا السياسية وفق المنطق الحزبي وهؤلاء يغفلون في الحقيقة عن أن مبدأ " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " في الإسلام يتسع جدا بحيث يشمل النضال من أجل تكريس الأخلاق والمبادئ في الممارسة السياسية والوقوف ضد كل انحراف بالطرق السلمية الأخلاقية هذا بغض النظر عن التطورات الأخيرة التي لحقت بالحركة كما تقدم بيانه .

ثالثا: من ناحية الأهداف

حددت كل التنظيمات الإسلامية في ماليزيا أهدافا لها سبق ذكرها في الفصلين الثاني والثالث والمتأمل في هذه الأهداف يجد أن فيها أهدافا مشتركة ومتفقا عليها كثيرا بين هذه المنظمات كما أن هناك أيضا نقاط اختلاف بين المنظمات الإسلامية الماليزية في تعيين أهداف خاصة لها نظرا إلى الفكرة التي تتبناها المنظمة أو الجماعة والأسلوب الذي تراه الأمثل إضافة لسبب تأسيسها وظروف نشأتها ؛

إلا أن الصورة المجملة للأهداف المشتركة بين التنظيمات الإسلامية في ماليزيا هي:

  1. ترسيخ معني العبودية لله وإفراده بالربوبية وتوحيده دون شرك وهذه هي القاعدة العظيمة في هذا الدين وهي أساسه وجوهره عليها يقوم كل عمل وبها ينهض كل تشريع وهدف التربية والبناء في الدعوة الإسلامية هو ترسيخ هذه القاعدة في ضمير الإنسان لتصبح حقيقة ويقينا في القلب وعقيدة وتصورا في الفكر ونشاطا وحركة في الحياة لتشمل الحياة كلها فتصدر عنها العبادات والأحكام والتشريع .
  2. نشر الدعوة والتعاليم الإسلامية المتكاملة كما جاء بها القرآن والسنة النبوية وذلك لتوعية المجتمع وإرشاده إلى الحياة الإسلامية الشاملة بالحكمة والحقيقة أن العمل لإرشاد المجتمع ليس فقط حديثا يدور في المجالس والندوات وآيات وأحاديث تردد مع المناسبات ولكنه يحتاج كذلك إلى التزام وعمل وجهد وبذل وطاعة وعبودية حتى تبارك الجهود وتتسع القدرة والطاقة وتتنوع المحاولات والأساليب في مدرسة الدعوة وميدان العمل الإسلامي .
  3. تربية الفرد المسلم تربية إسلامية صحيحة تتناول كل الجوانب الشخصية الروحية والعقلية والبدنية والسلوكية ويجب أن تبدأ التربية من البيت المسلم بتربية أفراده جميعا وفق منهج الإسلام ونظامه فينتج البيت للمدرسة وللمجتمع أفراده صالحين قادرين على أداء ما يجب عليهم نحو المجتمع المسلم الذي تسوده قيم الإسلام ومبادؤه وأخلاقه .
  4. توثيق الإخوة الإسلامية والتضامن بين المواطنين المسلمين في المستوى الفردي والعمل على الاتصال والتفاهم والتعاون الصادق بين المنظمات والجماعات الإسلامية في أمور متفق عليها على المستوى الجماعي أما الأمور المنهجية والجانبية التي تختلف فيها هذه المنظمات فهي لا تؤدي إلى الترفق والانشقاق العدائي فيما بينهم .
  5. تقديم المساعدات الخيرية للمجتمع لتخفيف مشكلاتهم في أمور دينية ودنيوية وقد اعتبر هذا الهدف نوعا من أسلوب الدعوة بالحكمة خاصة في المجتمع غير الإسلامي .

أما الأهداف التي اختصت بها بعض التنظيمات الإسلامية دون البعض فهي كالتالي:

  1. نشر الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة ويعتبر هذا النوع من الدعوة مهمة عظيمة بالنسبة إلى بعض المنظمات الإسلامية مثل الجمعية الخيرية الماليزية " بركيم " وجمعية " أوسيا " في ولاية صباح و " الحكمة " في سراواك وذلك لأن هذه الجمعيات تعمل في أواسط المجتمع التعددي في الديانة والأجناس .
  2. تنفرد جماعة التبليغ بأنها تطلب من أتباعها الخروج إلى الجولات الدعوية التبليغية وذلك بتخصيص أوقات معينة من حياتهم وترك كل ارتباطهم الدنيوية وقد استوردت هذا الأسلوب بكامله من منهج جماعة التبليغ في الهند وسبق الكلام عن هذا المنهج في المطلب السابق .
  3. العمل على إيجاد الدولة الإسلامية والتي تطبق شرع الله والقيم الإسلامية على الإنسان الدولة بصفاتها الإسلامية التي أبرزها إحقاق الحق وتطبيق العدل والإحسان والأمانة وغيرها والمنظمة الوحيدة التي نصت على هذا الهدف العظيم في دستورها هو الحزب الإسلامي ويعمل الحزب الإسلامي على تحرير الدولة من التبعية لأي تيار من التيارات السائدة في العالم الإسلامي واتخاذ كافة الوسائل المشروعة في سبيل تحقيق هذا الهدف الكبير.
  4. تجميع قوة المسلمين وتجنيدها لدعم المجتمع الملايوي الإسلامي ورفع مستوى حياته الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتكنولوجية ولهذا الغرض قامت المنظمات الإسلامية بإيجاد البدائل الإسلامية في مجالات مختلفة ومن الجماعات المتقدمة في هذا المجال هي حركة الشباب الإسلامي "أبيم" والحزب الإسلامي وجماعة الإصلاح وإن هذه العملية بالنسبة إلى أبيم وجماعة الإصلاح هي من أهم الأساليب في أسلمة المجتمع والدولة .

ومهما كان الاختلاف بين التنظيمات الإسلامية الماليزية في تحديد أهدافها . والذي قد يبدو فيه نوع من القصور في جوانب معينة من العمل الإسلامي كما سيأتي التي لم تركز عليها التنظيمات الأخرى إلا أن هذه الأهداف يكمل بعضها بعضا وتصل في مجموعها إلى الهدف المنشود ولتحقيق هذه الأهداف الكبيرة لابد أن تكون للمنظمات الإسلامية وسائل كافية ومناسبة تؤدي إلى تحقيقها .

رابعا: من ناحية الوسائل

الوسيلة هي التوصل إلى الشئ برغبة وهي العمل الصالح الذي يتقرب به الإنسان إلى ربه والوسيلة في مجال الدعوة إلى الله هي العمل الذي يقوم به الداعي إلى الله فيحقق به أهداف الدعوة إلى الله أو يستعين به للوصول إلى الهدف والوسائل العامة للدعوة الإسلامية وتبليغها للناس يمكن أن تجملها في ثلاث وسائل الوسيلة
الأولي: التبليغ بالقول
والثانية: التبليغ بالعمل
والثالثة: التبليغ بالقدوة ولكل وسيلة من هذه الوسائل فروع ومفردات متعددة .
أما وسيلة التبليغ بالقول فهي الجهاد بالكلمة واللسان وهي تتنوع إلى أنواع عديدة لا يغني بعضها عن بعض ويمكن تقسيم هذه الوسيلة إلى خطبة ومحاضرة ودرس ،ومناظرة ،ورسالة ،ومقالة ،وكتاب .
أما وسيلة التبليغ بالعمل فهي تتناول ثلاثة مناشط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالبدء والعمل الميداني لتغيير الواقع وإقامة المنشآت والمؤسسات الخدمية وأما النوع الثالث من وسائل الدعوة إلى الله فهو التبليغ بالقدوة وهي وسيلة عملية ناجحة تضع أمام الداعي صورة حية لما يدعو إليه حيث يقتدي المدعوة بسيرة الداعي وير فيه الأنموذج الجيد لما يدعو إليه ؛
وبذلك ينجذب المدعوون إلى دعوة الله ويقبلون بشغف عليها شأن النفس البشرية حينما تجد الرفيق والشريك والمعين وقد استخدمت كل منظمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا هذه الوسائل الثلاث في عملها الدعوي مع تفاوتها في التركيز على وسيلة من هذه الوسائل كما سنوجز في هذا المطلب من خلال نماذج مختارة للمنظمات الدعوية الإسلامية في ماليزيا وهي جماعة التبليغ وجمعية "بركيم" وحركة الشباب الإسلامي والحزب الإسلامي .
أما جماعة التبليغ في ماليزيا فهي تسير وفق منهج جماعة التبليغ في كل أنحاء العالم الإسلامي ولهذا فهي تطبق نفس الوسائل التي تطبقها الجماعة في كل بقاع العالم وأول هذه الوسائل وسيلة الخروج إلى الأقطار والأمصار لتبليغ رسالة الإسلام وللوعظ والإرشاد
ولذلك فهم يجمعون الأنصار ويسافرون من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية يخرجون أياما أو أسبوعا أو شهرا يبلغون دعوتهم ثم يعودون وهذه هي وسائل جماعة التبليغ في ماليزيا فنجد أنها طبقت الوسائل الثلاث ولكن بحسب منهج التبليغ الذي رسمته الجماعة لأتباعها في العالم
ففي مجال الوسائل القولية اعتمدت الجماعة على وعظ الناس وإرشادهم عند الخروج إلى القرى والمدن كما ينشرون بعض المؤلفات لعلماء التبليغ التي تحث على فضائل الأعمال والتزام السنن أما في الجانب العملي من وسائل الدعوة فهم يركزون على الخروج في سبيل الله ويعتبرونه جهادا
ويعتبرون النفر في سبيل الله أى الخروج للدعوة هو من المبادئ الستة التي جعلها مؤسس الجماعة أساس دعوة التبليغ وفي جانب القدوة كما هو معروف فجماعة التبليغ تهتم بهذا الجانب ويمثل أفرادها قدوة عملية خاصة في مجال العبادة والبذل في سبيل الدعوة .
وأما جمعية " بركيم" فقد كان هدفها الأساسي دعوة غير المسلمين ولهذا استعملت وسائل الدعوة الثلاث ففي جانب القول والكلمة اهتمت الجمعية بتوزيع المنشورات التي توضح مبادئ وتعاليم الإسلام لغير المسلمين وبلغات مختلفة مثل الصينية والهندية والانجليزية ؛
ومع تنظيم بعض الاجتماعات والمحاضرات للمسلمين الجدد من هذه الأجناس والبدائيين وفي جانب الوسيلة العملية فقد اهتمت بها الجمعية اهتماما أكبر وذلك لاهتمام الجمعية بدعوة البدائيين الذين يستجيبون للوسائل العملية أكثر من استجابتهم للقول والكلمة ؛
فقدمت لهم الجمعية المساعدة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصحية ودعوتهم للإسلام من خلال البرامج التعليمية والتربوية ومن خلال الأعمال الخيرية والتبرعات المالية والمنح الدراسية لأبنائهم وفي مجال القدوة فقد أسست الجمعية معهد الدعوة بهدف تدريب الدعاة وإعدادهم كقدوات ومربين في مجال دعوة غير المسلمين أو تربية المسلمين الجدد منهم .
وحركة الشباب الإسلامي كذلك نجد أنها قد طبقت الوسائل الثلاث ففي جانب الوسيلة القولية اهتمت الحركة بنشر مؤلفات فكرية ودعوية ركزت فيها على توضيح فكر الحركة وعملها لفئات المجتمع خاصة من المثقفين ولكن الملاحظ أن الحركة تركز تركيزا أساسيا على الجانب العملي في الدعوة الإسلامية ؛
وذلك من خلال البدائل الإسلامية التي تطرحها الحركة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومحاولتها فرض هذه البدائل على أجهزة الحكومة من خلال التجربة التي خاضتها الحركة لأسلمة الاقتصاد والاجتماع وفي جانب القدوة نلاحظ اهتمام الحركة بتربية أعضائها تربية أخلاقية فكرية سلوكية وفي هذا المجال أنشأت الحركة مؤسسة الدراسات الإسلامية ومكتب أبيم التعليم اللذين يخدمان مصالحها التربوية .
واهتم الحزب الإسلامي بوسائل الدعوة الإسلامية في المجالات المختلفة القولية والعملية والقدوة وفي هذا نجد أن الحزب الإسلامي بحكم اتساع قاعدته الشعبية وتعدد جوانب عمل الحزب قد اهتم بهذه الوسائل الثلاث اهتماما كبيرا ففي مجال الدعوة بالقول والكلمة قام الحزب الإسلامي بإعداد الدعاة وبإلقاء الخطب في المساجد وفي الندوات والاجتماعات التي يقيمها الحزب في مختلف المدن والقرى الماليزية
وكذلك اهتم الحزب بالإصدارات الإسلامية التي تشرح وتبين أحوال الدعوة والمسلمين في ماليزيا وتوجه الناس إلى الحل الإسلامي الصحيح لواقع ماليزيا فبالإضافة إلى مؤلفات علماء الحزب وقياداته يصدر الحزب صحيفة " الحركة" ومجلتي " المسلمة" و" التمدن " وأسس الحزب المركز الإسلامي للإعلام .
وفي الجانب العملي تعددت مناشط الحزب الإسلامي في مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتربوية إذ إن هدف الحزب الأساسي هو العمل على إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الحكم الإسلامي لماليزيا فقام الحزب بالمشاركة في الحياة السياسية من خلال الانتخابات والعمل الشعبي بتوعية الجماهير سياسيا بأسلوب سلمي قانوني ؛
كما اهتم الحزب بالتعليم من مرحلة الروضة إلى المعاهد العليا التي تقوم بالمهام التعليمية والتربوية وفي مجال الاقتصاد أنشأ الحزب المؤسسة التعاونية التجارية بفروعها المختلفة واهتم كذلك بالعمل الخيري والتطوعي والإغاثة خاصة من خلال الجناح الشبابي ؛
أما في مجال القدوة والتربية فكما تقدم قد اهتم الحزب بالجانب التعليمي والتربوي حيث يوجد تحت إشراف الحزب حوالي ألف روضة للأطفال بالإضافة لإنشاء معهد " إلهام " في العاصمة والذي يختص بتأهيل العاملين في مجال الدعوة وإعداد الكوادر والقدوات في هذا المجال .
وأخيرا فإن من المعلوم أن وسائل نشر الدعوة الإسلامية ليست ثابتة لا تقبل الزيادة أو النقص وليست توقيفية كذلك بل هي قابلة للتطوير والتحديث بما يناسب العصر في إطار المشروعية الإسلامية ولهذا تستخدم بعض التنظيمات الإسلامية في ماليزيا كالحزب الإسلامي وحركة الشباب الإسلامي ..
وجماعة الإصلاح والحكمة وقسم التنمية الإسلامية الماليزية برئاسة مجلس الوزراء وسائل الإعلام الحديث كالـ" الانترنت" لنشر الدعوة الإسلامية والاتصال بدعاتها والمدعوين في داخل ماليزيا وخارجها عن طريق هذه الشبكة إن التغيير في الوسائل أمر واجب بسبب تغير الظروف وتبدلها سواء كانت هذه الظروف زمانية أم مكانية .

خامسا: التقويم العام لهذه المنظمات

إن الدعوة الإسلامية كأى عمل بشري يصيبه ما يصيب البشر من نقص واختلال في بعض مواطنه وهذه سنة الله في خلقه والكمال لله ولدينه والدعوة الإسلامية المنظمة في ماليزيا كغيرها من المنظمات الإسلامية في بلاد العالم الإسلامي تتصف بصفات إيجابية وسلبية وسأحاول بعون الله أن أتناول هذه الايجابيات والسلبيات بإيجاز من خلال هذا المطلب على النحو التالي:

أولا: الإيجابيات

إن تنظيمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا قد ساهمت مساهمة كبيرة في مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولعل من أبرز الآثار الإيجابية لهذه المنظمات ما نلخصه في النقاط التالية:
  1. رفع مستوى العمل الدعوى وإعطاؤه الحجم اللائق به فلم يعد العمل الإسلامي هامشيا أو ضيقا محصورا في المساجد والزوايا والمدارس الدينية وليس حكرا على فئة معينة من الناس بل شارك الإسلامية في كل نواحي الحياة في التربية والتعليم والسياسة والاقتصاد والاجتماع وأثبتوا وجودهم في معترك الحياة .
  2. تحقيق قدر لا بأس به من التعاون بين تلك المنظمات الدعوية الإسلامية خاصة في مجالات معينة كما هو الشأن في دعوة غير المسلمين أو في الوقوف في وجه التيارات والأفكار المنحرفة المعادية للإسلام كما في قضيتي الردة وجماعة القرآن كما تقدم .
  3. الوقوف في وجه التحديات المتمثلة في المد الصيني والتنصيري الذي سعي بكل قوة إلى السيطرة على مقومات البلد خاصة في الاقتصاد بل يسعي الآن إلى السيطرة السياسية فكان للمنظمات الدعوية الإسلامية في ماليزيا دور كبير في مواجهة هذه الأطماع في التوسع من خلال المنافسة الحقيقية في ميادين السياسة والاقتصاد وإعداد الخبرات الإسلامية في هذه المجالات كما هو منهج الحزب الإسلامي وحركة الشباب الإسلامي ودار الأرقم ومن ناحية أخرى اهتمت بدعوة غير المسلمين ومنهم الصينيين كما تقوم به الجمعية الخيرية الإسلامية (بركيم) مما يزيد من إقبالهم على الإسلام فتزيد قوة المجتمع الإسلامي في ماليزيا في مواجهة المد الصيني والتنصيري .
  4. استجابة الحكومة لمطالبة المنظمات الإسلامية بتطبيق القيم الإسلامية في بعض أجهزة الدولة وأصبحت الحكومة لا تستطيع تجاهل هذه المطالب لأن إهمالها في هذه القضية قد يؤدي إلى ميول الناخبين إلى الحزب الإسلامي في الانتخابات العامة ولذلك كلما زادت المنظمات الإسلامية ضغطها على الحكومة المركزية نجدها تحاول إقناع المسلمين ببعض المشاريع الإسلامية منها إنشاء مؤسسات دعوية خاضعة للحكومة بالتعاون مع جمعية بركيم ورفع مستوى اهتمام وزارة التربية بتحسين وتطوير التعليم الديني الإسلامي في المدارس وإنشاء كلية الدراسات الإسلامية في جامعة ملايا عام 1970 وغيرها .
  5. إعادة ثقة المسلمين في ماليزيا بدينهم وعقيدتهم وصلاحية الإسلام كنظام متكامل يشمل كل جوانب الحياة من سياسة واقتصاد واجتماع بعد أن غاب تطبيق شرع الله وأبعد عن الحكم في فترة الاستعمار البرتغال والهولندي والبريطاني ثم الحكم العلماني في فترة ما بعد الاستقلال وذلك من خلال إيجاد البدائل الإسلامية في السياسة والاقتصاد والاجتماع كما فعلت حركة الشباب الإسلامي "أبيم" والتي كان لها دور بارز في مجال أسلمة العلوم في مختلف الجوانب كما كان لها أنشطتها العملية في هذه المجالات بالمشاركة مع الحزب الإسلامي الذي ما فتئ يلح وينادي بضرورة تطبيق الإسلام في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
فهذه هي أبرز الآثار الإيجابيات التي يمكن استنتاجها من خلال النظر والتتبع لأعمال وجهود المنظمات الدعوية الإسلامية في ماليزيا على اختلافها وتنوعها وهذا لا يعني أن هذه المنظمات قد خلت من السلبيات وهذا ما نذكره في النوع الثاني

ثانيا: السلبيات

إن طبيعة العمل البشري هي القصور والنقص ولقد كان للتنظيمات الإسلامية في ماليزيا نصيب من هذا القصور والنقص كما هو الشأن في سائر تنظيمات الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي وسأحاول أن أبين أهم تلك السلبيات نصيحة أوجهها إلى كل العاملين في ساحة العمل الإسلامي في ماليزيا على اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم ليأخذوها في الحسبان ويسعوا إلى تفاديها حفاظا على مبادئ هذا الدين ونشر تعاليمه وأخلاقه ومنهجه في كل حياة المسلمين

ومن هذه السلبيات:

  1. الاختلاف والتفرق بين هذه التنظيمات رغم اتفاقها في الأصول والمبادئ والأهداف الكبيرة ويظهر هذا خاصة في نقاط الخلاف التي يمكن اعتبارها من المسائل الجزئية كالاختلاف في بعض وسائل الدعوة أو في تقديم العمل السياسي أو التربوي أو الاجتماعي على غيره في مراحل معينة من مراحل الدعوة وهذه وأمثالها في الفروع التي ليس لها أثر بالغ في مجمل سير الدعوة الإسلامية ما دام الاتفاق قائما على أهمية كل هذه الفروع لكن التعصب لفكر جماعة معينة أو سوء الفهم لمنهج وأسلوب الآخرين قد يجعل أتباع هذه المنظمات يقومون بسلوكيات غير لائقة في حقل الدعوة الإسلامية فللآسف رغم أن هذه المسألة قد تكون واضحة وفي حجمها الطبيعي لدي القيادات الموثوق بها لكنها ليست واضحة عند الأتباع وعامة الأفراد في هذه التنظيمات وهذا أيضا يعتبر نقطة ضعف أخرى حيث لا يوجد وضوح في الرؤية متفق عليه بين القيادات والأتباع وهذا ربما يؤدي إلى اضطراب العمل والاختلال في سير الدعوة الإسلامية .
  2. النظرة الجزئية التي تنظر بها بعض التنظيمات إلى العمل الإسلامي فتحصر العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية في الجزئية التي رأت أنها هي الأهم أو أنها التي ينبغي أن توجه إليها الجهود ورغم أن العمل الإسلامي في جانب من جوانب الدعوة الإسلامية لا يعتبر سلبية في حد ذاته إلا أن السلبية هنا تأتي من ناحية أن تلك التنظيمات التي تتبني المنهج الشمولي في عملها تنظر إلى غيرها ممكن يركز في غير تلك الجزئية على أنه على الخطأ أو أنه يسير على منهج غير صحيح أو يستعمل وسائل غير مشروعة فتبادر بإعلان المقاطعة والمخالفة بل أحيانا المعاداة بصورة مختلفة وبهذا يقع التنازع وهو من المخاطر الجسيمة التي تفسد الأعمال وتؤدي إلى ضعف الأمة كلها فقد قال تعالي: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)
  3. تبنت بعض التنظيمات مناهج معينة في الجوانب السياسية أو الاجتماعية أدت بها إلى استخدام وسائل أو الخضوع لوسائل غير شرعية في بعض الأحيان ومن ذلك مثلا توسع حركة الشباب الإسلامي في العمل السياسي وانخراطها في الأنظمة الحكومية بناء على رأيها إمكانية الإصلاح من داخل الحكومة بل من داخل الحزب الحاكم نفسه أدي بها هذا إلى أن تخضع لسياسات علمانية مخالفة للإسلام وتعاليمه فرضتها عليها سياسة الحكومة التي اختارت الحركة التعامل معها مباشرة بل وتأييدها أحيانا في مواقف تعتبر مخالفة لأحكام الإسلام ولحدوده الشرعية وكل هذا بناء على رأيها ومنهجها الذي اختارته كوسيلة للإصلاح لكن هذا لا يسمح لها ولغيرها من المنظمات الإسلامية في كل زمان ومكان أن تستعمل للأهداف المشروعة رسائل غير مشروعة مهما كانت الظروف والأسباب وهذا موضوع يطول الخوض فيه إلا أن ما يمكن الإشارة إليه في هذه العجالة هو أن هذه التجربة لم تأخذ في الاعتبار كما يلاحظ من تتبع سلوك معتنقيها مآلات الأحداث إذ لم يكن بالخفي على أحد من المطلعين على شؤون الحكم في ماليزيا منذ مرحلة مبكرة ما تنتهجه الحكومة العلمانية من نهج استدراجي ذكي سعت من خلال لاحتواء الاتجاهات المناهضة لفكرتها تحت شعار القواسم المشتركة والتعاون على المصلحة الوطنية ونحوه من الشعارات التي هي في أمس الحاجة للتمحيص من قبل الحركات الإسلامية كافة ... فالعبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني التي تجيد معظم الحكومات في العالم الإسلامي إتقان لعبتها ... فلا ينبغي للحركات الإسلامية أن تستدرج لمثل هذا إذ أنها تمثل قمة الوعي والنضج واليقظة في هذه الأمة التي أعيتها التجارب وأنهكتها المؤامرات ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
  4. ضعف قدرة المنظمات الدعوية الإسلامية على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بسبب اختلافها وتفرقها ومن أهم هذه المشكلات والتحديات : قلة الموظفين ذوي الكفاءة الإدارية وقلة الميزانية وحركة الصهيونية التي تعادي الإسلام والتي تتحرك بأشكال مختلفة وتسعي لإفساد أخلاق المسلمين وخصوصا الشباب وكذلك مشكلات القيم الأخلاقية لأن شعب ماليزيا مكون من أجناس مختلفة وأديان متعددة ونسبة المسلمين منهم ليست عالية فالمحافظة على أخلاقيات المجتمع الملايوي المسلم تحتاج لاتحاد واجتماع الجهود الإسلامية وتعاونها في هذا السبيل .
  5. لذلك فإن التعاون بين التنظيمات الإسلامية واتحادها أمر واجب ومهم جدا بالنسبة إلى العمل الإسلامي في ماليزيا التي تتميز بتعدد أجناس مجتمعها وبخاصة أن المسلمين في ماليزيا لا تكاد نسبتهم تتجاوز خمسة وخمسين بالمائة من جملة السكان والتنظيمات الإسلامية في هذه الحالة في حاجة ماسة إلى الائتلاف ولو لم يكن من خلال تنظيم واحد فيمكن أن يكون لكل جماعة تنظيمها الخاص فليست هذه دعوة لتوحيد التنظيم بقدر ما هي دعوة لتوحيد الكلمة والموقف تجاه قضايا الأمة فشرط هذا التعدد أن تتحد تلك الجماعات في الأهداف وتتعاون في المتفق عليه دون تنازع وتباغض لأن التنازع وفساد ذات البين من العوائق الخطيرة في العمل الإسلامي بل من المهلكات الموبقات والعياذ بالله .

ثانيا: المقارنة بين تنظيمات الدعوة الإسلاميةعلي المستوى الخارجي

أولا: نقاط الالتقاء

تحدثنا سابقا عن كيفية دخول الإسلام إلى أرض الملايو عن طريق التجار العرب وكيف كان تأثير حركة التجديد والإصلاح الديني في البلدان العربية في ظهور الدعوة الإسلامية المنظمة في ماليزيا في العشرينات فكان الإسلام في ماليزيا إذا نظرنا من ناحية التاريخ عبارة عن أحداث امتدادية لما وقع من تطورات إسلامية في البلدان العربية والإسلامية .

ذلك لأن ماليزيا ما كانت منعزلة عن تلك الأحداث والتطورات خاصة في مكة ومصر اللتين زارهما كثير من أبناء المسلمين الماليزيين لطلب العلم وهؤلاء الطلاب بعد أن رجعوا إلى بلادهم قاموا بعملية التعليم والدعوة والتربية فيها وقاموا بنشر التعاليم الإسلامية في صورتها الحديثة متأثرة بالتجديد الديني .

وقد تغير وضع المسلمين الماليزيين عقب تحولهم في التعليم من المنهج الغربي إلى التعليم الإسلامي المتكامل خاصة مع ازدياد عدد المدارس الإسلامية الشعبية التي أنشأها العلماء الملايويون المصلحون في آخر السبعينيات والثمانينات ونتيجة لهذا التطور بدأ المسلمون في ماليزيا يستجيبون بحماسة لآراء مفكري الإسلام المشهورين مثل حسن البنا وسيد قطب ,وأبو الأعلي المودودي وغيرهم رحمهم الله تعالي من خلال مؤلفاتهم التي أثرت على العلماء المحليين والحياة الفكرية الإسلامية الماليزية تأثيرا جليلا عميقا .

وكانت الأفكار الإسلامية التي اقترحها هؤلاء المفكرون خاصة الثلاثة المشهورون كفكرة أن "الإسلام هو منهج الحياة " التي وضحها حسن البنا رحمه الله والعدالة الاجتماعية الإسلامية و" الجيل القرآني " أو " الجيل الصحابي " التي شرحها سيد قطب رحمة الله

والنظرية العالمية الإسلامية التي تبني على أساس التوحيد والسلطة الإلهية التي بينها أبوالأعلي المودودي تنال إعجاب كثير من الدعاة المسلمين المحليين وتكمل فهمهم لدينهم لدينهم الإسلامي .

لذلك كانت الأفكار الإسلامية التي تبنتها التنظيمات الإسلامية الماليزية تشبه فكر ة الحركات الإسلامية في البلاد العربية والهند في المبدأ والاتجاه العام فيها واكتسب المسلمون الملايويون هذه الأفكار والعلوم الإسلامية المتطورة عبر المحاضرات الدينية الرسمية وغير الرسمية والبرامج التربوية نحو الأسرة والكتيبة والتمرين والدورة وغيرها؛

ومن الكتب التي تستخدم كثيرا لنشر هذه الأفكار " مجموع الرسائل " للأمام حسن البنا معالم في الطريق " و" المستقبل لهذا الدين " و" في ظلال القرآن " لسيد قطب و " مبادئ الإسلام " و " الجهاد في سبيل الله " لأبي الأعلي المودودي ؛

هذا بالإضافة إلى تأليفات الإسلاميين الآخرين المشهورين مثل عبد القادر عودة وحسن الهضيبي وأبو الحسن الندوي وغيرهم وبهذه الكتابات الفكرية المعاصرة استطاع الإسلاميون الماليزيون إدراك حقيقة التعاليم الإسلامية وصلاحيتها لتدبير العالم وحل جميع مشكلات الحياة الإنسانية فردية أو اجتماعية كما أنهم حاولوا تطبيق هذه الأفكار الإسلامية حسب إمكانياتهم المحدودة وفي أطر معينة.

والظاهر من خلال المتابعة لتطور الدعوة الإسلامية في ماليزيا وتأثرها بالحركات الإسلامية في العالم الإسلامي أن واقع الدعوة الإسلامية المنظمة الماليزية وتطورها في الوقت الحاضر على يد العلماء المصلحين الماليزيين الذين نشروا الوعي الإسلامي وفكرة التجديد الإسلامي منذ منتصف القرن السابق هو ثمار وآثار الاتصال مع الدعوة الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي ؛

ولذلك فإن المشابهة بين الدعوة الإسلامية الماليزية والدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي (خاصة في الشرق الأوساط وجنوب الهند) لم تقتصر على الفكر والمبدأ فحسب بل هناك مشابهة بينهما في الأهداف والمناهج والوسيلة وسأحاول هنا عرض أوجه الشبه والالتقاء بين المنظمات الدعوية الإسلامية في ماليزيا وبين أبرز المنظمات الإسلامية في العالم الإسلامي .

فبالنسبة لمنهج جماعة التبليغ التي نشأت في الهند أصلا وانتشرت بعد ذلك في كل أنحاء العالم تقريبا قد وجد في ماليزيا أرضا خصبة حيث هناك نوع من الانسجام والتوافق بين أسلوب التبليغ وطبيعة البيئة التي يعيشها المسلمون الملايويون لهذا نلاحظ أنها حظيت بقبول لدي كثير من المسلمين الماليزيين خاصة في السبعينيات مع بداية ظهور الصحوة في ماليزيا ؛

إلا أن درجة الإقبال قد نقصت مع تطور الدعوة الإسلامية وتغير الظروف التي أصبحت تقتضي تغيير وتعديل كثير من أساليب ووسائل الدعوة بما يتوافق مع الظروف الجديدة ولكن يمكن القول إن التشابه تشابه تام بين منهج التبليغ في ماليزيا وبين منهجها في الهند وفي أكثر العالم الإسلامي وهذا هو المعروف عن جماعة التبليغ في كل مكان تقريبا .

أما بالنسبة للجماعة الإسلامية التي تأسست أصلا في باكستان على يد أبي الأعلي المودودي والذي كان له تأثير فكري كبير على العالم الإسلامي كله ومن ذلك التأثير على الدعوة الإسلامية في ماليزيا حيث انتشر فكر الجماعة الذي ينبني أساسا على أن الإسلام ليس نظاما فلسفيا محضا للحياة بل هو نظام كامل تام للحياة ومد لم نر نموذجا له ممثلا أمامنا فلن نتمكن أبدأ من تقديم أى خدمة للإسلام عن طريق الكلام ؛

ولهذا فقد شمل برنامج الجماعة الإصلاحي في أربع نقاط أساسية هي: تزكية الأفكار وتطهيرها وإصلاح ذات الفرد وإصلاح المجتمع ثم إصلاح نظام الحكم وتلقي هذه الأفكار دعاة وعلماء ماليزيا بالقبول وذلك من خلال الطلبة الماليزيين الذين اتجهوا إلى الهند وباكستان لتلقي العلوم الشرعية فتأثروا بعلماء باكستان والهند الذين يحملون هذا الفكر وبعد رجوعهم دعوا إلى هذه الأفكار؛

وكذلك انتشرت هذه الأفكار من خلال التواصل العلمي وانتشار مؤلفات المودودي وعلماء الجماعة الإسلامية في ماليزيا بل إن كثيرا من هذه المؤلفات قد ترجمت إلى اللغة الملايوية مثل كتاب الأستاذ المودودي " مبادئ الإسلام " وكتاب " الجهاد في الإسلام " ويظهر لنا الاتفاق جليا في أهداف معظم المنظمات الإسلامية الماليزية التي ترفع شعار شمولية الإسلام وتنادي بتطبيقه في أرض الواقع كما تقدم ذكره في نماذج هذه المنظمات الدعوية .

والتنظيمات الإسلامية الماليزية تلتقي مع جماعة "الإخوان المسلمون " التي ظهرت أولا في مصر ثم انتشرت في أنحاء العالم الإسلامي وامتد تأثيرها لأكثر بلاد العالم الإسلامي ومنها ماليزي وتلقي علماء ودعاة ماليزيا أفكار هذه الجماعة بكثير من القبول خاصة فكرة شمولية الإسلام التي نادي بها حسن البنا أولا ردعا إليها من بعده تلاميذه وأتباعه وزادها توضيحا وشرحا كما فعل سيد قطب والهضيبي وعبد القادر عودة ومن بعدهم؛

وقد أخذ الدعاة الماليزيون من هؤلاء المفكرين فهم الإخوان للإسلام بالشمولية وعدم اقتصاره على جانب دون جانب كما تأثرت المنظمات الماليزية بالمنهج الشمولي للإخوان في الدعوة للإسلام ابتداء من أركان الدعوة التي أسسها الإمام حسن البنا في رسالة التعاليم وكذلك مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق كما رتبها رحمه الله بداية بإصلاح النفس ثم تكوين البيت المسلم وإرشاد المجتمع وتحرير الوطن من كل سلطان أجنبي وإصلاح وإعادة كيان الأمة الإسلامية والخلافة الإسلامية .

كما يتضح لنا الالتقاء بين التنظيمات الإسلامية الماليزية وبين جماعة "الإخوان المسلمون" في المنهاج التربوي ففي مراحل الدعوة تسير المنظمات الإسلامية في ماليزيا وفق المراحل الثلاث للدعوة التي وضعها حسن البنا وهي: التعريف ،التكوين ،والتنفيذ

كما أن وسائل التربية التي اعتمدت عليها معظم المنظمات الماليزية خاصة الحزب الإسلامي وحركة الشباب الإسلامي وجماعة الإصلاح مأخوذة من المنهج التربوي للإخوان مثل: الأسرة والكتيبة ولا رحلة والمخيم وقيام الليل وغيرها من وسائل التربية وهذا الالتقاء الكبير مع "الإخوان المسلمون "

لعل أبرز أسبابه مزايا تلك الحركة المباركة التي ملاءت أرجاء العالم الإسلامي في وقت كانت الأمة أحوج ما تكون لهذا البعث الحقيقي الحي الذي أنعش جسم الأمة المثخن بالجراح والمؤامرات وتداعي عليه الأكلة كما تداعي الأكلة على قصعتها.

إضافة للتواصل العلمي بين ماليزيا ومصر باعتبارها مركزا من المراكز العلمية التي اتجه إليها كثير من طلبة العلم الماليزيين منذ فترة ما قبل الاستقلال والذين تأثروا بهذه الدعوة ونقلوها إلى ماليزيا كما كان لانتشار مؤلفات مفكري الجماعة وترجمتها إلى اللغة الملايوية أثر كبير كذلك على التنظيمات الإسلامية الماليزية .

أما عن حزب التحرير الذي أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني (19099 -1979م) في أوائل الخمسينيات والذي ركز في عمله على الجانب الثقافي والسياسي حيث يري أن الأمم لا تنهض بالأخلاق بل بالأفكار كما ذكر الشيخ النبهابي في كتاب التكتل الحزبي فيمكن أن نقول إن تأثيره على منظمات الدعوة التكتل الحزبي فيمكن أن نقول إن تأثيره علي منظمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا كان محدودا وذلك ربما يرجع لسببين رئيسيين أولهما أن ظهور الحزب كان في فترة متأخرة قليلا ؛

حيث أن بدايته كانت في 1952 ولم ينتشر إلا بعد هذه الفترة والسبب الثاني أن انتشار الحزب كان مكثفا في الأردن وسوريا ولبنان ولم يكن لماليزيا اتصال وثيق مع هذه البلاد كما هو الحال بالنسبة لمصر والهند وباكستان فهذا سبب قلة معرفة هذا الحزب على الساحة الماليزية؛

ورغم هذا فهناك التقاء واضح بين حزب التحرير وبعض منظمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا خاصة الحزب الإسلامي وحركة الشباب الإسلامي في الهدف الأساسي ألا وهو استئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة الدولة الإسلامية واستخدام الوسيلة السياسية في تحقيق هذا الهدف.

ثانيا: نقاط الافتراق

ذكرنا في المطلب السابق كيف تأثير الدعوة الإسلامية في الشرق الأوسط على تنظيمات الدعوة الإسلامية في ماليزيا وكيف تأثرت الدعوة الإسلامية في ماليزيا بالدعوة في البلاد العربية والهند وعلى الرغم من ذلك هناك بعض نقاط الاختلاف بينها لأن مناهج الدعوة ومخططاتها دائما تقوم على دراسة الواقع وفهمه

وواقع ماليزيا وظروفها يختلف اختلافا كبيرا عن واقع مصر والأردن وأغلب البلاد العربية من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها وهذا هو السبب الرئيسي للافتراق بين المنظمات الماليزية وبين غيرها من المنظمات الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية فليست المنظمات الدعوية الماليزية نسخة مكررة عن هذه الدعوات الإسلامية .

وإن نقاط لافتراق بين الدعوة الإسلامية في ماليزيا وغيرها من المنظمات الإسلامية في العالم الإسلامي بخاصة في البلاد العربية تتركز في النواحي الاجتماعية والسياسية التي تسود ماليزيا مما جعل أكثر المنظمات الإسلامية الماليزية رغم اتفاقها مع أكثر التنظيمات الإسلامية الأخرى في الأهداف؛

وفي كثير من الوسائل تستعمل وسائل مناسبة لظروف ماليزيا وأحوالها السياسية والاجتماعية ولهذا سوف أوضح أهم تلك الظروف من الجانبين الاجتماعي والسياسي واللذين كان لهما الأثر البالغ على أداء تنظيمات الدعوة الإسلامية الماليزية .

أولا: من الناحية الاجتماعية

إن ماليزيا بلد ذو تركيبة اجتماعية ثقافية دينية معقدة لأن شعبها يتألف من عدة أجناس مختلفة منهم الملايويون والصينيون والهنود وجنسيات أخري قليلة والمسلمون فيها لا تكاد نسبتهم تتجاوز خمسة وخمسين بالمائة من جملة السكان ومع ذلك يملك المسلمون السلطة السياسية الفيدرالية والإسلام هو الدين الرسمي للدولة وهذه الظروف الاجتماعية التي تحيط بماليزيا قد لا تجد لها مثيلا مقارنا في غيرها من بلاد المسلمين.
وفي مثل هذه الحالة لابد للجماعات الإسلامية أن تكون لها خطة مناسبة لتحقيق التفوق الإسلامي والمحافظة عليه بإدخال غير المسلمين إلى الإسلام وتكثير سواد المسلمين ذلك لأن كثافة غير المسلمين قد تعرض السكان المسلمين للخطر وتؤدي إلى اضطرابات قومية في المستقبل
ولا سيما أن الصينيين هم الذين يمثلون نسبة عالية من السكان غير المسلمين وهم المسيطرون على زمام الاقتصاد في البلاد ولهم فكرة سياسية تعرف بفكرة الصين الكبرى وهي حلم تحلم به الدولة الشيوعية الصينية ولها سعي حثيث في تحقيق هذا الحلم .
لذلك تهتم التنظيمات الدعوية الإسلامية في ماليزيا بنشر الدعوة بين المجتمع غير الإسلامي اهتماما بالغا وتساهم في ذلك منظمات إسلامية مختلفة تركز على هذا العمل الدعوي نحو جمعية " بركيم " و" أوسيا"
كما شكلت معظم الجماعات الإسلامية على المستوى القومي نحو حركة الشباب الإسلامي والحزب الإسلامي لجانها الخاصة التي تعمل في هذا المجال وهذه الأنشطة الدعوية وربما لا تجدها في المنظمات الإسلامية الأخرى في العالم الإسلامي إلا بقدر محدود .

ثانيا: من الناحية السياسية

تمارس ماليزيا العملية الديمقراطية والتداول على السلطة عبر الانتخاب والاحتكام إلى صناديق الاقتراع منذ أن حصلت البلاد على استقلالها عام 1957.
وهذا النظام الديمقراطي يمنح الجماعات الإسلامية قدرا من الحرية في حركتها ما دامت هذه المنظمات لم تتورط في إحداث اضطراب ولم تمس الأمن القومي الماليزي كما أن هذا النظام يفتح المجال لمشاركة التنظيمات الإسلامية في الانتخاب والسيطرة على أى ولاية فازت فيها هذه التنظيمات ولعل هذا من أبرز أشكال الاختلاف بين التنظيمات الإسلامية الماليزية وبين غيرها من التنظيمات الإسلامية في العالم الإسلامي ؛
إذ أن وسائل الدعوة كما تقدم تخضع لتغير الظروف والبيئات فهنا نلاحظ أن تغير الظروف السياسية بين ماليزيا وغيرها من البلاد الإسلامية أثر تأثيرا مباشرا على الوسائل التي تستعملها التنظيمات الماليزية في المجال السياسي .
وعلى عكس بعض تجارب الانفتاح والتعددية السياسية في المنطقة العربية لم يستبعد الإسلاميون في ماليزيا من العملية الديمقراطية والتنافس مع الأحزاب الوطنية الأخرى عبر صناديق الاقتراع بشكل مباشر؛
كما هو الحال مع الحزب الإسلامي الذي استمر منافسا قويا للحزب الحاكم منذ الخمسينيات ولم يكن موقع الحزب الإسلامي في العملية الديمقراطية عبر دوراتها الانتخابية المتتالية مجرد هامش لإضفاء " ديكور " ديمقراطي على النظام السياسي بل شارك هذا الحزب في الائتلاف الحاكم كما حكم منفردا بعض الولايات مثلما هو الحال الآن في ولاية كلنتن وتعتبر كلنتن الآن من أنجح الولايات الماليزية في محاولات تطبيق الشريعة الإسلامية ونشر الدعوة الإسلامية .
كما قبلت الحكومة بإدخال المزيد من المبادئ الإسلامية على الحياة الماليزية نتيجة لمطالبة الحركات الإسلامية نحو الحزب الإسلامية وحركة الشباب الإسلامي أما حركة الشباب الإسلامي فعلي الرغم من أنها لم تطرح نفسها كحزب سياسي بالمعني التقليدي فإنها ذات أثر واضح على مجمل الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية في البلاد؛
وقد تعزز نفوذها خلال عقد الثمانينات ومطالع التسعينيات في ظل أجزاء المشاركة التي توافرت لها مع الحزب الوطني هذا وليس أثر مشاركة الإسلاميين في ماليزيا بأشكالها ومستوياتها المختلفة أثرا سطحيا أو عابرا على بنية الحكم وتوجهاته وسياساته بل إنه العكس في عملية متأنية ومتدرجة لأسلمة الحياة العامة في جوانبها الثقافية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية .
أما ما حدث لحركة الشباب الإسلامي " أبيم" أخيرا من اعتقال رئيسها السابق أنور إبراهيم وكثير من أنصاره فليس دليلا على تأثر الحياة السياسية في ماليزيا أو تغير الظروف لأن تجربة أنور إبراهيم في العمل السياسي تختلف عن تجربة الحزب الإسلامي السياسية التي لا زالت تحقق نجاحا كبيرا حتى الآن أما تجربة أنور إبراهيم فقد كانت من داخل الحكومة نفسها؛
ثم إن ما حدث كان لأسباب خارجية مثل المنافسة بين أنور إبراهيم ومحاضر محمد على القيادة وجمع التأييد من الجماهير واختلافه مع محاضير في أسلوب معالجة الأزمة الأخيرة وهذه الظروف قد تختلف عن أوضاع بعض البلاد العربية في السياسة بما فيها من تضيق وتهميش للديمقراطية أثر على عمل دعاتها في العمل الإسلامي .
كما أن النهج المسلح الذي نهجته بعض الجماعات الإسلامية في البلدان العربية وغيرها لم يكن يتوفر له من المبررات في ماليزيا ما توفر لغيرها بصرف النظر عن شرعيته التي تختلف باختلاف الظروف والإمكانات ولم يحظ باهتمام التنظيمات الإسلامية في ماليزيا حيث إن المجال للعمل السلمي السياسي القانوني مفتوح
وقد نجح الإسلاميون هناك في تحقيق كثير من المكاسب في هذا المجال بالإضافة إلى أن التعدد الذي هو طابع المجتمع الماليزي يجعل من الصعب جدا الإقدام على مثل هذه الحركات المسلحة حيث ستؤثر على باقي الأديان والأجناس الأخرى التي يتكون منها المجتمع الماليزي وهذا ليس في صالح الجميع .
الفصل الخامس:قراءة في نتائج الانتخابات العامة للعام 1999 ومع الحركة الإسلامية فيها

لقد جاءت الانتخابات العامة في ماليزيا للعام 1999م في مجملها مؤثرا للواقع الذي وصلت إليه الأوضاع السياسية وتداعياتها الأخيرة التي وضعت الحياة العامة في موقع لم تشهده من قبل كما سبقت الإشارة إلى ذلك وهذا من ناحية

ومن ناحية أخري جاءت هذه الانتخابات معبرة عن التغير الواضح والصريح في مفاهيم الإسلام والدعوة الإسلامية لدي الغالبية العظمي من مسلمي ماليزيا وظهر ذلك من خلال الإقبال الكبير الذي لاقاه المشروع الإسلامي الذي قدمته الحركة الإسلامية في ماليزيا من خلال برنامجها في الحملة الانتخابية الأخيرة مستغلة آثار ونتائج الظروف التي مرت وتمر بها البلاد
والتي هيئت لها مناخا مناسبا جدا لعرض ذلك البرنامج بوصفه المخرج والسبيل الوحيد إسلاميا للخروج من هذه الأزمة التي هي في حقيقتها ليست نتيجة لأحداث الأزمة الاقتصادية وما رافقها من مشاكل وتغييرات جوهرية بقدر ما هي نتيجة طبيعية للنهج العلماني الذي تسير عليه الحكومة المركزية رغم تسترها ببعض الشعارات البراقة والخدع السياسية التي انطلت على الجماهير فترة طويلة من الزمن ؛
مع كون الأحداث والتطورات الأخيرة هي كما يقال القشة التي قسمت ظهر البعير حيث كان لها دور كبير في كشف وتعرية سياسات وبرامج الحكومة التي كانت تنتهجها سابقا وبخاصة تلك التي واجهت بها الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي عصفت بماليزيا منذ عام 1997م
والتي كان من تداعياتها الخلاف الكبير الذي نشب بين رئيس وزراء ماليزيا الدكتور محاضير محمد ونائبه أنور إبراهيم والتي أسفرت عن اعتقال الأخير وتلفيق التهم إليه بصورة لم تكن متوقعة وفي وقت حرج أثار ذهول المراقبين والمحللين السياسيين المحليين منهم والأجانب.
ولنحسن قراءة نتائج هذه الانتخابات الأخيرة قراءة منهجية صحيحة للوصول بعد ذلك لتحديد الموقع الذي وصلت إليه الحركة الإسلامية بعامة في ماليزيا ممثلة في الحزب الإسلامي الماليزي فإنه لتحقيق ذلك لابد لنا من البدء أولا بعرض تلك النتائج مع إيجاز لأهم التحليلات السياسية التي صدرت عن مختلف الأطراف المعنية حول تلك النتائج ؛
وتتبع ذلك بمحاولة تحديد موقع الحركة الإسلامية في ماليزيا سياسيا ودعويا وما مدى نجاحها في تحقيق الأهداف المنشودة ثم تقييم عام نبدي فيه أهم الملاحظات والاستنباطات حول كل ذلك مما ينبغي التركيز عليه والاهتمام به والاستفادة منه في هذه التجربة الحركية التي تعيشها ماليزيا بوصفها إحدي الحركات الإسلامية العاملة في الساحة ؛
مما يمهد بدوره للقارئ والمتتبع لسير الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي بعامة وفي ماليزيا بخاصة الطريق لفهم هذه التجربة ومواطن الاستفادة منها في العمل الإسلامي وبخاصة في الميدان السياسي مع الأخذ بالاعتبار اختلاف الظروف والملابسات من بلد لآخر ؛
وتحقيقا لهذا الغرض جاءت إضافة هذا الفصل أخيرا بعد أن تم الفراغ من إعداد هذه الأطروحة وبعد مناقشتها بهدف تتميم الصورة وربط الأحداث والأسباب بمسبباتها والنتائج بمقدماتها فكان هذا الفصل الخامس على النحو التالي:
  1. عرض نتائج الانتخابات وتحديد موقع الأحزاب والتكتلات السياسية المشاركة فيها .
  2. ردود الفعل حول نتائج هذه الانتخابات وتقييمها وموقف وسائل الإعلام من ذلك .
  3. تحديد موقع الحركة الإسلامية سياسيا ودعويا بعد هذه الانتخابات مع تقييم موجز لذلك .

نتائج الانتخابات العامة في ماليزيا للعام 1999م ومواقع الأحزاب والتكتلات السياسية المشاركة فيها نظام الانتخابات العامة في ماليزيا:

تعقد الانتخابات العامة في ماليزيا بصفة دورية في مدة أقصاها خمس سنوات يحق لكل الأحزاب السياسية المسجلة بصورة رسمية لدي " سجل المؤسسات " تحت إدارة الحكومة المركزية
وتعقد هذه الانتخابات على مستويين على مستوى الولايات حيث يتم الاقتراع على مجالس الولايات التي تعرف بـ " المجالس التشريعية الولائية " والتي تتوزع على مناطق انتخابية يتم تحديدها من قبل الهيئة الانتخابية التي تدير شؤون الانتخابات؛
وعلى المستوى المركزي (الاتحادي) يتم أيضا الانتخاب للبرلمان المركزي الذي يعتبر السلطة التشريعية الأولي في ماليزيا ويضم مجلس الأعيان والنواب وتتداخل المناطق الانتخابية للمستويين إلا أن مناطق انتخاب البرلمان المركزي أوسع بحيث قد تضم تحتها ثلاث أو أربع مناطق من مناطق الانتخابات على المستوى الولائي .
ويتم تشكيل الحكومات على مستوى الولايات بحسب الأغلبية التي تحصل عليها الأحزاب المتنافسة على مستوى مجالس التشريعية للولايات وأما على المستوى المركزي فإن الأغلبية تعتبر بحسب الأغلبية التي تحصل عليها الأحزاب في انتخابات البرلمان المركزي؛
وبناء عليه فإنه يحق لأي حزب أن يتفرد بحكم الولاية التي حقق فيها الأغلبية ولو لم يكن له وجود في البرلمان المركزي كما أن الحزب الذي يحقق أغلبية بثلثي مقاعد البرلمان فإنه يشكل الحكومة المركزية (الاتحادية)

نتائج انتخابات 1999

كما سبقت الإشارة أن هذه الانتخابات قد جاءت دليلا واضحا لما وصلت إليه الأوضاع في ماليزيا وسنعرض هنا النتائج التي أسفرت عنها لنقوم بعد ذلك بقراءتها بإذن الله تعالي وستكتفي هنا بذكر نتائج الأحزاب التي كان لها وجود وحققت نتائج إيجابية ونحيل في الباقي على الملحق الخاص بذلك في نهاية البحث؛

وذلك على النحو التالي:

(أ) نتائج انتخابات المجالس التشريعية على مستوى الولايات:
  1. حصلت الجبهة الوطنية بقيادة الحزب الحاكم " UMNO " على 280 مقعد في جميع الولايات الماليزية وذلك من أصل 394 أى ما نسبته 71,06% تقريبا .
  2. حصل الحزب الإسلامي " PAS " على 98 مقعد في تسع ولايات من أصل 11 ولاية أجريت فيها انتخابات المجالس التشريعية على مستوى الولايات وهذا العدد يعادل ما نسبته 24,87%
  3. حصل حزب " DAP " على 11 مقعدا وذلك في خمس ولايات أى ما نسبته 2,79 %.
  4. حصل حزب العدالة على 4 مقاعد وذلك في أربع ولايات أى ما نسبته 1,01%.
(ب) نتائج انتخابات البرلمان على المستوى المركزي:
  1. حصلت الجبهة الوطية "BN " على 147 مقعدا من أصل 193 مقعدا أى ما نسبته 76,16% وذلك في جميع ولايات ماليزيا ما عدا ولاية ترنجانو حيث لم تحصل الجبهة الوطنية فيها على أى مقعد بينما حصلت في ولاية كلنتن على مقعد واحد فقط .
  2. حصل الحزب الإسلامي على 27 مقعدا وذلك في أربع ولايات: كلنتن وترنجاتو وقدح وبيراق أى ما نسبته 13, 98%
  3. حصل حزب " DAP " على 10 مقاعد وذلك في أربع ولايات أيضا أى ما نسبته 5,18%
  4. حصل حزب العدالة على 5 مقاعد وذلك في ثلاث ولايات أى ما نسبته 2,59%.
(ج) ملاحظات عامة على نتائج الأحزاب وتوزيع مناطق النفوذ بعدها
أولا: بالنسبة للجبهة الوطنية بقيادة الحزب الحاكم نلاحظ أنها قد فازت بالنصيب الأكبر من المقاعد على المستويين الولائي والمركزي ولكنها في الوقت نفسه حققت تراجعا واضحا في هذه الانتخابات عما حققته في الانتخابات السابقة حيث تراجعت حصف تحالف الجبهة الوطنية الحاكم الذي يضم 13 حزبا على مستوى البرلمان المركزي من 162 مقعدا في انتخابات عام 1995 م إلى 148 مقعدا عام 1999م وانخفضت نسبة من صوت لها من الناخبين من 65% عام 1995 إلى 56 % عام 1999م .
أما التحالف المعارض فقد أحرز تقدما وإن كان أقل من المتوقع فقد كسب 42 مقعدا برلمانيا موزعة بين الحزب الإسلامي الماليزي مقعدا وحزب العمل الديمقراطي مقاعد وحزب العدالة الوطني مقاعد كما أن الحزب الوطني قد خسر إضافة لذلك عددا كبيرا من كبار المسئولين وفي مقدمتهم خمسة من الوزراء (في درجة وزير):
  1. مصطفي محمد وكان يشغل منصب وزير المالية الثاني وهو في الوقت نفسه وزير تنمية التجارة .
  2. أنور موسي وزير تنمية الريف .
  3. وإن مختار أحمد كبير وزراء ولاية ترنجانو (حاكم الولاية لمدة خمسة وعشرين عاما)
  4. عبد الحميد عثمان بمنصب وزير في رئاسة الوزراء وهو القائم بأعمال وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية .
  5. ميجت جنيد ميجت أيوب وغيرهم من المسئولين السابقين في القائمة الانتخابية للحزب الوطني الحاكم .

وأيضا نلاحظ أن تركز مناطق النفوذ للجبهة الوطنية كان في مناطق وسط وجنوب وشرق ماليزيا وبخاصة في ولايات: جوهر وسلنجور وسرواك وصباح ونجري سمبيلان وملاكا وبينانج حيث كانت سيطرة الجبهة قوية جدا في هذه الولايات وهي ولايات ذات أغلبية غير مسلمة من المالايو العرق المسلم في البلاد لكن نسبة تلك السيطرة تتناقص وتتراجع بشكل كبير وواضح في الولايات ذات الأغلبية من المسلمين مثل كلنتن وترجانو وبهنج وقدح كما يظهر ذلك من خلال الملحق الخاص بذلك .

وقد يظن القارئ لأول وهلة أن هذا الفوز يعطي مؤشرا صريحا لقوة ونفوذ الجبهة الوطنية في ماليزيا وأنها تتمتع بقبول واسع على مستوى الشعب الماليزي إلا أن هذا الحكم قد يبدو متسرعا إذا ما أخذنا بالاعتبار عدة أمور هامة هي:

  1. قوة التمكن والسيطرة من قبل الجبهة الوطنية بعامة ومن قبل الحزب الوطني الحاكم بخاصة في الفترة السابقة وذلك منذ استقلال وبداية تأسيس دولة ماليزيا على يد الاستعمار الانجليزي كبديل له في البلاد ولا يخفي ما يدل عليه هذا الانفراد بالسلطة ولفترة طويلة من الزمن من ترسيخ وتثبيت للجذور في جميع نواحي الدولة ومجالات الحكم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بحيث انصبغت الحياة برمتها أو كادت بصبغة علمانية متجذرة ليس من السهل اقتلاعها مهما كانت القوة المقابلة وبخاصة إذا كانت قوة مضطهدة ومضيق عليها ومحاربة بشتي الوسائل والطرق كما هو الحال مع الحركة الإسلامية في ماليزيا أو غيرها من البلاد .
  2. السيطرة التامة على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقرؤة والتي كانت السلاح الأقوى ويكاد يكون الوحيد والأخير بيد السلطة الحاكمة للتأثير على أفراد المجتمع الذي يعاني من الأصل من ضعف فهم لكثير من أمور الدين والدولة وكيف تدير دقتها حكومة البلاد وهذا الدور الخطير الذي لعبته وسائل الإعلام لم يكن نزيها على الإطلاق وهذا مما لا يخالف فيه منصف إذ كانت الحملات المغرضة وتلفيق الاتهامات جزافا والتأويلات الباطلة لقادة الحركة الإسلامية وأساليب الاستهزاء والتهكم والسخرية برموز الحركة في وسائل الإعلام وبصفة يومية تقريبا إضافة لخطط أخرى مدروسة بعناية تهدف لتشويه برنامج الائتلاف المعارض بقيادة الحزب الإسلامي واستغلال أدني الثغرات وتصيد الهفوات ولعل من ذلك ما تعرض له البرفسور هارون دين من قادة الحزب الإسلامي في ولاية برليس عندما كان يخطب الناس مبينا أن سياسات الحكومة ومنهجها في التعامل مع حكومات الولايات التي تظهر التأييد والدعم للحركة الإسلامية فإنها تحاصر ويضيق عليها من قبل الحكومة المركزية حتى ترجع عن هذا التأييد وأضاف مازحا أن هذه السياسة قد تدفع بمواطني الولاية إلى المطالبة بالخروج عن كيان الدولة إذ لم يعد لذلك معني في ظل القهر والظلم والتعسف الذي تعاني منه المجالس الحاكمة في بعض الولايات فلتقفت هذه الكلمة وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وأولتها وحملتها أكثر مما تحتمل واعتبرت أن هذا بمثابة الدعوة للخروج عن الحاكم وغير ذلك من التأويلات والتهم والمؤامرات.
  3. الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد كان مردود سلبي على تفكير فئة من المجتمع الماليزي حيث كانت سببا لأن يصوت هؤلاء لصالح الحزب الحاكم ظنا منهم أن ذلك هو الذي يحقق نعمة الاستقرار في البلاد ويجنبها تقلبات وقلاقل هي في غني عنها في مثل هذه المرحلة وبخاصة أن الحكومة ممثلة في رئيس وزرائها أولا كانت تؤكد في كل مناسبة أن سبب ما نحن فيه هو الإسلاميون من أمثال أنور إبراهيم وغيره الذين يتسترون بالدين للوصول إلى أطماعهم وأغراضهم الشخصية وهذا ما هو مبثوث في وسائل الإعلام الرسمية إلى وقت قريب من بدء الحملة الانتخابية ولا يخفي أن هذا تحذير ضمني للشعب ألا ينتخب أمثال هؤلاء وفي مقدمتهم مرشحو الحزب الإسلامي بخاصة والائتلاف المعارض بعامة وقد قامت وسائل الإعلام بدورها في تغذية هذا التوجه ولو بشكل غير مباشر .
  4. سبب آخر مهم وهو ما قامت به الحكومة من استبعاد عدد كبير من الناخبين قد يصل إلى مليون ناخب وذلك بتعجيلها لموعد الانتخابات بحيث أدي ذلك إلى منع كل من بلغ السن القانوني من أبناء الشعب الماليزي خلال هذا العام 1999م من الإدلاء بأصواتهم في هذه الدورة وفق ما ينص عليه نظام الانتخابات العامة في ماليزيا وتزداد أهمية هذا السبب إذا علمنا أن هذه الفئة من المجتمع هي فئة الشباب وطلاب الجامعات والمثقفين من أبناء ماليزيا والذين كان من المؤكد أن أصواتهم ستنصب في كفة الائتلاف المعارض وبخاصة الحزب الإسلامي كما هو الظاهر للمتتبع لأوضاع البلاد بعد تلك الأزمة السياسية والتي خرج فيها هؤلاء الشباب والطلاب في مظاهرات ومجابهات واسعة مع الحكومة لم تشهد لها ماليزيا مثيلا من قبل .... فهذه الأسباب مجتمعة وغيرها مما قد يخفي على الكثيرين هو من أهم أسباب تحقيق الجبهة الوطنية لفوز كبير نسبيا إذ أنه يعتبر كما سبق تراجع في نفوذ الجبهة والحزب الحاكم مقارنة بالمرات الماضية .
  5. ثانيا: بمقابل هذه النتائج للجبهة الوطنية التي أظهرت تراجعا واضحا عما كانت عليه في الانتخابات السابقة حقق الحزب الإسلامي تقدما كبيرا عما كان عليه في الانتخابات الماضية وأبرز المناطق الجديدة التي ظهر فيها ذلك هي ولاية ترنجانو التي أحكم الحزب الإسلامي قبضته عليها بشكل شبه تام حيث حصل على المستوى الولائي على 28 مقعدا من أصل 32 وعلى المستوى المركزي حصل على 7 مقاعد من أصل 8 وبذلك حق له تشكيل الحكومة في الولاية باستقلال تام وقد عين الشيخ حاج عبد الهادي أوانج كبيرا لوزراء الولاية إلى جانب مكانه في البرلمان المركزي كما أن الحزب الإسلامي حقق تقدما كبيرا في ولاية قدح وبخاصة على المستوى المركزي حيث حصل علي أغلبية المقاعد بحصوله على 8 مقاعد من أصل 15 مقعدا كل هذا بالطبع إضافة للنتائج المتقدمة التي حققها الحزب الإسلامي في ولاية كلنتن معقل الحزب حيث حصل على الأغلبية العظمي في المستويين فعلي المستوى الولائي حصل على 41 مقعدا من أصل 43 وعلى المستوى المركزي حصل على 10 مقاعد من أصل 14 إضافة أيضا إلى نتائج الحزب في ولايات سلنجور وبرليس وبيراك وبهانج والتي إن لم تشكل أغلبية ولكنها تعتبر تقدما واضحا عما كان في الانتخابات السابقة حيث كانت السيطرة فيها تامة تقريبا للجبهة الوطنية وبهذا يظهر بوضوح أن مناطق نفوذ الحزب الإسلامي هي الولايات ذات الأغلبية المسلمة وبخاصة من العرق الملايو الذي يتركز وجوده في هذه الولايات في شمال وغرب البلاد إضافة إلى وجود أقل في باقي الولايات .
  6. لكن هذا لا يعني أن لا وجود للحزب الإسلامي في باقي الولايات ذات التكافؤ والتساوي بين جانب المسلمين وغيرهم من الديانات والأعراق الأخرى بلي إن هذه الانتخابات دلت على حدوث تغير كبير في توجهات تلك الفئات من مختلف الأعراق والأجناس وبخاصة الذين سلموا من إغراءات وخدع الحملة الانتخابية التي قامت بها الجبهة الوطنية في ظل ما تستحوذ عليه من إمكانات وما تنفرد به من وسائل وأجهزة مختلفة استطاعت من خلالها أن تزرع في أذهان وأفكار عدد كبير من هؤلاء الناس الذين لم يكن لهم أساس من دين أو حتى انتماء للوطن بل كانوا يغلبون المصالح الظاهرة والأغراض القريبة فلم يكن يعنيهم من الأمر أكثر من أن تستمر الأمور في المساء الذي يحقق لهم مصالحهم الشخصية والتي نالوا وعودا بها من قبل قيادات أحزاب الجبهة الوطنية وهذا مما لا يخفي علي أحد في الساحة الماليزية .

ردود الفعل حول نتائج هذه الانتخابات وتقييمها وموقف وسائل الإعلام من ذلك

لا يخفي على أحد هذه النتائج تعتبر صعة كبيرة وانتكاسة واضحة للجبهة الوطنية وما ينطوى تحتها من أحزاب وتنظيمات قومية علمانية وليس أظهر من ذلك ما سبقت الإشارة إليه من انتصارات عريضة حققتها الحركة الإسلامية؛
وبخاصة الحزب الإسلامي من خلال الائتلاف الذي خاص الانتخابات في مواجهة السلطة الحاكمة حيث انفرد الحزب الإسلامي بحكم ولايتي كلنتن وترنجانو انفرادا تاما إضافة إلى تحقيق نتائج أكثر إيجابية في ولايات أخري كانت تحت السيطرة الكاملة للحزب الوطني الحاكم منذ آماد بعيدة؛
ولهذا فإن ردود الفعل تجاه هذه النتائج وما تضمنته من تغييرات كبيرة على الخارطة السياسية للبلاد كانت بطبيعة الحال متفاوتة متباينة فجاءت بين مقر معترف أو جاحد منكر من جهة وبين تذمر وتشاؤم أو تفاؤل واستبشار من جهة أخري .
فأما التفاؤل والاستبشار فقد كان هو رد فعل الكم الأكبر من أبناء ماليزيا المسلمين وفي مقدمتهم قيادات الحزب الإسلامي والحركة الإسلامية في ماليزيا بعامة وأما الإنكار والتذمر والجحود فقد كانت بطبيعة الحال من جهة الكتلة الوطنية العلمانية ممثلة أولا في الحزب الوطني الحاكم وبخاصة أولئك الذين سقطوا أمام مرشحي الحركة الإسلامية في عقر دارهم من وزراء ومسئولين كبار في الحكومة السابقة .
وقد تفاوتت ردود أفعال هؤلاء المنكرين فمنهم من اكتفي بمجرد الاستهزاء بما حققه الحزب الإسلامي والائتلاف المعارض وهذا هو الغالب والأكثر في التصريحات التي صدرت عن بعض قيادات الجبهة الوطنية والبعض الآخر صب الشتائم وكال الاتهامات لأعضاء الحزب الإسلامي والحركة الإسلامية وهؤلاء قد أضروا بأنفسهم من حيث لا يشعرون إذ أن الشعب الماليزي بمختلف انتماءاته واتجاهاته وأعرافه يعلم مدي نزاهة هؤلاء الذين تكال لهم التهم والدسائس ؛
ولهذا فمن طعن في أمثال فضيلة الشيخ نئ عبد العزيز كبير وزراء ولاية كلنتن أو في فضيلة الشيخ حاج عبد الهادي بن أوانج كبير وزراء ولاية ترنجانو أو الأستاذ فاضل نور رئيس الحزب الإسلامي ورئيس كتلة المعارضة في البرلمان المركزي وأمثال هؤلاء المعروفون بالنزاهة والأمانة والبعد عن الفساد بأنواعه وأما البعض فقد حاول أن يشتت وحدة صف الائتلاف المعارض الذي يتزعمه الحزب الإسلامي ؛
وذلك من خلال التصريحات أو التلميحات التي أبداها مسئولون في الحكومة الحالية ومنهم نائب رئيس الوزراء عبد الله بدوى حيث ذكر لوسائل الإعلام المختلفة أن الائتلاف المعارض الذي يتزعمه الحزب الإسلامي إنما كان مجرد خدعة أو مجرد غطاء استغله الحزب الإسلامي ليحقق لنفسه المكاسب الكبيرة التي توصل إليها كما تدل على ذلك نتائج الانتخابات التي كانت لصالح الحزب الإسلامي في أغلب المناطق التي انتصر فيها الائتلاف المعارض .
هذه التصريحات وغيرها من قبل المسئولين في الجبهة الوطنية ليس لها أثر تقريبا على الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم كما لم يكن لها أثر كبير من قبل أعضاء وقيادات الحزب الإسلامي ويؤكد هذا الموقف ما صرحت به الدكتورة وان عزيزة رئيسة حزب العدالة المعارض أن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الأخيرة لن تغير من موقفها وموقف حزبها من الائتلاف مع الحزب الإسلامي وأنها وأنصارها في الحزب لا يلتفتون لمثل هذه الدعاوى التي تطلقها جهات مسئولة في الجبهة الوطنية بهدف تفتيت وحدة الائتلاف المعارض خاصة بعد ما أظهره هذا الائتلاف من أداء متميز في حملته الانتخابية ؛
وذكرت الدكتورة وان عزيزة في حديثها ضرورة التفريق بين هذه التجربة التي يخوضها حزبها مع الحزب الإسلامي وبين التجربة السابقة التي خاضها الحزب الإسلامي عندما شكل ائتلافا مع حزب " الروح 46" بأن هذا الأخير هو في حقيقته ذو توجه علماني وهو في أصله منشق من الحزب الوطني ولذلك فهناك فرق بين بيننا وبينه في المنطلقات والأهداف وخلافنا معه جذري ولهذا فلا مجال للمقارنة بين التجربتين لأن بينهما اختلاف جذري ؛
وهذا الموقف الذي أعلنته الدكتورة وان عزيزة هو نفس الموقف الذي أعلن عنه قادة باقي أحزاب المعارضة المؤتلفة مع الحزب الإسلامي عقب الانتخابات إذ اجتمع هؤلاء مع قادة الحزب الإسلامي وقرروا استمرار الائتلاف وبقاء هذا التجمع رغم النتائج التي تحصل عليها مرشحوا تلك الأحزاب والتي لم تكن مرضية لتلك الأحزاب .
ومن جهة أخري كان لحملة الوسائل الإعلامية المختلفة ضد البرنامج الإنتخابي للائتلاف المعارض وضد الحزب الإسلامي بخاصة مردود إيجابي على النتائج التي حققها الحزب الإسلامي كما سبق الإشارة لذلك فقد نالت تلك التهم والادعاءات سخط أعداد كبيرة من أبناء الشعب الماليزي
وبخاصة من الطبقات المثقفة والواعية لأوضاع البلاد وأحوالها السياسية والمطلعة على حقائق وخفايا ما كان يحاك ويدبر للحملة المغرضة ضد الاتجاه الإسلامي منذ مرحلة مبكرة من بدء الحملة الانتخابية للأطراف المتنافسة وهذا ما أكده قادة الحزب الإسلامي عقب ظهور نتائج الانتخابات كما صرح بذلك المرشد العام للحزب الشيخ نئ عبد العزيز في أكثر من مناسبة .
ومن جهة أخري وفيما يتعلق بردود فعل الحزب الإسلامي نفسه عن نتائج الانتخابات صرّح الحزب باعتقاده أن هذه النتائج وإن كانت قد جاءت ضمن أهداف الحزب وسياساته الإصلاحية وأنها جاءت على نحو من المتوقع والمستهدف
إلا أنه في الوقت ذاته أكد أنها ليست نهاية المطاف بل إنها بداية الطريق الفعلي للوصول إلى أهدافه الإسلامية المنشودة واعتبرها بداية مبشرة لمرحلة قادمة أكثر استقرارا للبلاد وأكثر ملاءمة لإقامة أحكام الشريعة في إدارة دفة البلاد وتسير أمورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ؛
وفي هذا الإطار وجه نائب رئيس الحزب الإسلامي الشيخ حاج عبد الهادي أوانج دعوة عامة لأعضاء الحركة الإسلامية عامة بين في أولها أن ما تحقق من انتصارات جديدة للحزب الإسلامي إنما هو في حقيقة الأمر وأولا وقبل كل شئ هو من نصرة الله تعالي
ثم لامتثال أمره عزوجل باتخاذ الأسباب المتاحة والعمل بكل ما أوتينا من قوة وإمكانات لتحقيق الأهداف الإسلامية المرحلية وصولا لإقامة أحكام الشريعة على المستوى المركزي (الفيدرالي) لماليزيا كافة بإذن الله تعالي
وأضاف إن هذه الأسباب التي أخذنا بها وعملنا في إطارها لم تكن أسباب مادية وحسب بل هناك أسباب معنوية مهمة وذات أثر كبير وفي مقدمتها الدعاء والتوكل على الله تعالي في أعمالنا إلى جانب البذل والتضحية بالنفس والمال والوقت والجهد , وصرح الشيخ في كلمته أن الفوز لم يكن بتلك الصعوبة وبخاصة أن إقبال الناس على الإسلام
وعلى تأييد الحركة الإسلامية والانتماء إليها كان له دور كبير في تحقيق هذا الفوز ولكن الأصعب من تحقيق الفوز هو المحافظة عليه وهي تعني أكثر من أن نحافظ علي المقاعد التي حصلنا عليها في الانتخابات بل تعني المحافظة على إقبال الناس على دين الله تعالي والتزامهم به واستعدادهم للتضحية في سبيله وفي سبيل إقامة أحكامه في المجتمع ليس في ولايتي كلنتن وترنجانو فقط بل في كل ماليزيا
كما أفاد أمرا مهما آخر جدير بالبيان وهو رد على ما يثار ضد برنامج الحزب الإسلامي في الحكم والسياسة حيث بين أن تبني الحزب الإسلامي لمشروع تطبيق الشريعة على مستوى ماليزيا لا يعني أنه بمجرد وصول الحزب إلى مركز السلطة سواء على المستوى الولائي أم على المستوى المركزي سوف يباشر القتل وقطع اليد والجلد والعقوبات بأنواعها ويسجن النساء في البيوت و.... الخ من التهم التي تلفق من قبل المغرضين
بل على العكس تماما فإن تطبيق السريعة هو " سفينة النجاة " لكل أفراد المجتمع بما في ذلك غير المسلمين لأن تطبيق الشريعة إنما يعني تهيئت كافة الظروف أولا وإعادة الحقوق والحريات لكافة أفراد المجتمع وتمكينهم من إبداء أرائهم والعمل وفق قناعاتهم بعد تعريفهم بالإسلام وأحكامه وحدوده وأخلاقه ونظامه الشامل لكل نواحي الحياة ؛
ثم بعد ذلك سيكون إعطاء كل ذي حق حقه ويكون ردع الظالم المعتدي أيا كان بالوسائل التي أقرتها الشريعة الإسلامية على الجميع بالتساوي وذلك عند توفر الشروط اللازمة لذلك وانتفاء الموانع وهكذا فإن الأمر ليس بالفوضي المزعومة ولا بالكبت والاضطهاد والمصادرة للحريات التي هي مظاهر وأسس للنظام العلماني القائم حاليا كما لا يخفي على أحد في الوقت الراهن .
فنلاحظ في هذا التصريح ونحوه من رجال الحركة الإسلامية في ماليزيا المدى الذي وصل إليه الوعي الحركي والدعوى ومدي الفهم والاعتدال الذي يسير عليه العمل الإسلامي وبخاصة بعد الظروف الأخيرة التي مرت بها البلاد والتي شهدت نموا ملحوظا في التيار المعتدل المنصف الذي هو الأصل والغالب في جسم الحركة الإسلامية في ماليزيا كما شهدت تقاربا كبيرا بين مختلف الاتجاهات الإسلامية وتلاحما واضحا كان له دور بارز في النتائج التي تحققت على أرض الواقع
وهذا كما لا يخفي من تاريخ الحركة الإسلامية منذ مراحل متقدمة أن الضيق والشدة والمحن ما كانت تزيد الدعوة الإسلامية والعاملين فيها إلا صلابة وشدة في الحق وكذلك تزيد من ترابط الصف ووحدة الكلمة إذ أنه في مثل هذه الظروف يتميز الخبيث من الطيب ويظهر العدو الحقيقي مكشرا عن أنيابه ومصرحا بأهدافه ومراميه التي تفضحه أمام الجميع فلا يبقي مجال لمخلص إلا أن ينحاز إلى صف إخوانه المسلمين مؤيدا ومسددا وناصحا ومعينا .

تحديد موقع الحركة الإسلامية سياسيا ودعويا بعد هذه الانتخابات مع تقييم موجز لذلك

لقد سبقت الإشارة في ثنايا هذا الكتاب إلى أن الشعب الماليزي بطبيعيته يميل إلى التدين واحترام الدين والانقياد لأحكامه رغم ما قد يتصف به عدد كبير من أفراده كما هو الحال في معظم بلاد المسلمين من قلة معرفة بأحكامه أو خلل في الفهم بسبب مؤثرات خارجية ومؤامرات تحاك ضد الأمة الإسلامية برمتها؛
فهذا الجانب المميز لدي غالبية هذا الشعب كان ويتأمل أن يكون لها دور إيجابي وكبير في تمكين دعوة الإسلام في ماليزيا حتى بين غير المسلمين فهناك جهود بذلت وتبذل لا يمكن إنكارها أو التنقص منها أو التقليل من شأنها لأجل إعادة الحكم الإسلامي لماليزيا وإقامة أحكام الله تعالي
وإن كان هذا ليس بالأمر السهل في الواقع ولكن بالعمل الجاد والمتواصل والمنظم والمحكم سيكون بعد ذلك التمكين كما وعد الله عزوجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا .." (النور 55)
لقد أخذ موقع الحركة الإسلامية في ماليزيا في الاتساع منذ مراحل مبكرة من النمو الذي شهدته أكثر بلاد العالم الإسلامي وقد اتخذ هذا النمو في الوعي الديني والحركة أشكالا متعددة وأنماطا مختلفة كما قد سبقت الإشارة في مباحث الكتاب إلا أن الوضع الذي وصلت إليه الحركة في هذه الفترة وبخاصة بعد الانتخابات الأخيرة يعتبر أفضل الأوضاع التي وصلت إليها على الإطلاق؛
وهذا ما تشير إليه بشكل مباشر نتائج الانتخابات حيث سجلت تقدما ملحوظا لنفوذ الحزب الإسلامي أوسع التنظيمات الإسلامية العاملة في ماليزيا كما يشير إلى ذلك بشكل غير مباشر الأداء المتميز الذي أظهرته الحركة مع المتغيرات والظروف التي واكبت هذه الانتخابات والتي تنم في الواقع على سعة في الفهم وحنكة في استغلال الفرص والتعامل مع الآخرين وهناك أمور هامة يمكن الخروج بها من خلال استقراء الواقع تدل على ذلك وتؤكده ومنها:
  1. الائتلاف الإسلامي لكافة الجماعات والحركات الإسلامية العاملة على اختلاف مناهجها وتباين وسائلها وتفاوت نفوذها واتجاهاتها بشكل لم يسبق له مثيل والذي يعد من حيث الأصل ضرورة من ضرورات النصر والتمكين كما قال تعالي " وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين " (الأنفال 46) فكل الجماعات العاملة للإسلام مدعوة لهذا الأمر في كل أقطار العالم الإسلامي إذ أنه كما لم يعد يخفي على أحد فريضة شرعية وضرورة حركية لابد منها كمقدمة للتمكين لدين الله في الأرض وبفضل الله تعالي وتوفيقه أولا وأخرا وبما قدره الله تعالي من ظروف صعبة ومحن مرت بها البلاد كان لها دور كبير في تأييد الاتجاه إلى تقارب الصفوف وتوحيد الكلمة في مواجهة الأخطار الداهمة التي هددت وما زالت تهدد الوجود الإسلامي في ماليزيا كما نلاحظ أن هذا التقارب والائتلاف كان في مرحلة مبكرة من ظهور الأزمة الأخيرة حيث كما سبقت الإشارة كان بداية الائتلاف المعارض الذي خاص الانتخابات هو ذلك الاجتماع الناجح الذي ضم كافة الجماعات والتنظيمات الإسلامية في ماليزيا مما كان له دور كبير في إبراز القوة الإسلامية وإثبات الوجود الفعلي لها على الساحة السياسية وبالتالي كان له دور مؤثر في دفع بقية الاتجاهات المعارضة حتى من غير المسلمين إلى خطب رد الحركة الإسلامية والتقارب معها لإدراكها إنها هي الملاذ والملجأ الذي تحتمي به في مطالبتها بحقوقها وتحقيقها للعدالة والمساواة ورفع الظلم .
  2. ولقد كان من ثمار هذا الائتلاف والاجتماع أن أصبح للحركة الإسلامية كيان واضح ووجود قوى لا يستهان به مما يضطر كل الأطراف الأخرى بما في ذلك الجبهة الوطنية لأن تتعامل مع هذا الكيان بصورة فيها نوع من الندية ووفقا للأمر الواقع وهذا بالنتيجة يعني فرض الوجود الإسلامي ومراعاة أحكام الشريعة ولو على مستوى القضايا الكبيرة فقط كقضية التطبيع مع الكيان الصهيوني وقضية التبعية للغرب ونحوها من القضايا الكبيرة التي لم تفتأ الحركة الإسلامية تجاهر بموقفها الحازم وتصر على بيانه أمام الجماهير كي لا تخدع وقد حققت في ذلك نتائج طيبة كان لها دور كبير في تنوير الرأي العام للمسلمين وتعبئته في اتجاه الرفض المطلق لكل أنواع الانخلاع من الأصول الإسلامية ونبذ الارتماء في أحضان الغرب والدوران في فلك القوى العظمي وصراع الأقطاب بلا ثوابت من دين ولا أسس من الحفاظ على الحقوق الوطنية والإسلامية والذي أضاعته الحكومات العلمانية المتعاقبة أو كانت مستعدة لذلك لو لا خشيتها من معارضة الحركة الإسلامية ومعارضة الرأي العام الذي تعبئه ضد هذا التوجه طيلة مراحل مختلفة إلا أن الحكومة بدأت تسفر عن وجهتها أخيرا بشكل أكبر مما سبق مع تنامي شعورها بالخطر من المد الإسلامي مما دفعها إلى الضرب وبيد من حديد على يد القوى الإسلامية والمؤيدين لها مهما كانت مستوياتهم وشعبيتهم حفاظا على وجودها أولا ووضع حد في تصورها لتنامي هذه الأفكار بين أفراد المجتمع .
  3. وضوح الصورة لدي السواد الأعظم من أبناء المجتمع الماليزي بخاصة ولدي المجتمع الإسلامي والعالم بأسره بعامة عن حقيقة النظام العلماني وممارسته القمعية التي كان يخفيها متسترا بشعارات براقة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب حيث كانت تروج بأن لها توجه إسلامي في مختلف المجالات والميادين وأيدت بعض المشاريع الإسلامية التي لا تعدو أن تكون مجرد ذر للرماد في العيون وإن كانت من باب الإنصاف تعتبر نسبيا أفضل بكثير من غيرها من بلاد المسلمين الأخرى التي تعاني من ويلات القمع والكبت وأنواع الظلم والاضطهاد ولكن الفرق الحقيقي بين هذه الأنظمة وتلك هو طريقة التمثيل ومدى إتقان الدور , والدليل على ذلك في حالة ماليزيا واضح للعيان وبخاصة منذ أن بدأت تداعيات الأزمة السياسية واعتقال المؤيدين للمشروع الإسلامي بداية من نائب رئيس الوزراء السابق أنور إبراهيم مرورا بأتباعه وغيرهم من المعارضين لسياسات الحكومة التي تسعي لتأصيل العلمانية نهجا للحكم في ماليزيا .
إن هذا الأمر غاية في الأهمية إذ أنه يكشف عن المدى الذي وصلت إليه الحركة الإسلامية من النجاح وتحقيق الأهداف من عدة وجوه لعل أولها النجاح الكبير الذي حققته الحركة في وضع الناس أمام الواقع الذي كان ملبسا عليهم في السابق وتجليه الغبش الذي كان يحيط بحقيقة الموقف العلماني من قضايا الدين الإسلامي الكبرى كما أنه يظهر مدى النضج الذي عليه تلك الحركة
حيث أنها رغم التصعيد المتعمد والمدروس من قبل أجهزة الدولة المختلفة إلا أنها لم تستثار بذلك ولم تدخل في مواجهات وأعمال عنف كما حدث في بلاد أخري كما أنها لم تحافظ على مواقعها فحسب بل إنها استطاعت بتوفيق الله لها أن تحقق تقدما ملحوظا على ما كانت عليه سابقا وغني عن القول أن ذلك ما كان ليتحقق لولا فضل الله أولا ثم الجهود الكبيرة والمتواصلة التي بذلتها الحركة وعملها الدؤوب الذي كان علي مستوى من التنظيم والتخطيط أكسب الحركة مرونة واعتدالا
في نفس الوقت مكنها من تحصين موقعها بحيث لن يكون من السهل على أى جهة كانت اقتلاعها من هذا الموقع أو الانتقاص منه سواء في قبول الشعب الماليزي أم على مستوى نضج الصحوة الإسلامية التي تشهد كل يوم تطورا وتقدما جديدا .
بذلك تظهر لنا الملامح العامة للحركة الإسلامية والنمو الإيجابي لها على كافة المستويات وفي شتى المجالات تقريبا وهو كما في كل أنحاء العالم الإسلامي من المبشرات بقرب التمكين لدين الله عزوجل رغم تكالب الأمم والحكومات ورغم الدسائس والمؤامرات ورغم كل أشكال الابتلاء والمحن فإنه بشارة بقرب النصر بإذن الله تعالي لأن كل ذلك في حقيقته ؛
وفي الوقت نفسه علامة بينة ودليل ظاهر على النمو الإسلامي إلا أن كل ذلك لا يعفينا من أن تنظر في هذه النتائج وما أسفرت عنه وفي ما تحتاجه الحركة الإسلامية من جهد متواصل وعمل دوؤب وما تقتضيه ظروف المرحلة الحالية وتستلزمه لكي تكون الحركة في المكانة المرجوة منها نظرة تفحص وتدقيق وفق الواقع المشاهد والملموس لهذه الحركة..
التي شأنها في ذلك شأن كل الحركات الإسلامية في بلاد المسلمين تحتاج للتصويب والنصح والتوجيه وهذا ما سنحاول التعرض له في الفقرة القادمة في محاولة لتقييم الأوضاع الحالية ومستلزماته وما تفرضه من تكاليف وواجبات جديدة وما تؤكده من ثوابت ومبادئ ينبغي على الحركة ألا تهملها .
إن الحركة الإسلامية في كل أنحاء العالم الإسلامي هي معقد الآمال وهي صفوة الأمة وحصنها الحصين ودواء أدوائها وبلسم أمراضها وفيها برغم كل ما ينتقد عليها من صفات النبل والفضل والنزاهة وما يجعلها فعلا مؤهلة ومرشحة لإنقاذ الأمة بل والبشرية جمعاء وإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله وهي في هذا العصر بخاصة صفحة المجد الناصعة في زمن الإنتكاسات والانهيارات والهزائم التي منيت بها أمتنا على يد ثلة من أهل الفساد أبعدوها عن دينها وحالوا بينها وبين منهج ربها ؛
فأبناء الحركة الإسلامية هم أخلص الناس للأمة وهم الذين يحملون همومها ويسعون لمجدها ويتفانون من أجل إعزازها ويتنافسون لتحصيل قوتها وسؤددها ومكانتها بين الأمم كما أنهم هم أهل الوعي النقي في عصر التلوث العقدي وهم أهل الأصالة في زمن البغاء الفكري ؛
وهم منارات الثبات والنصاعة بين المتفاخرين بأنوثة التلقي من أفكار الشرق والغرب فهم قد تميزوا بالاعتصام بالوحي في الوقت الذي ذابت فيها أفئدة كثيرة من حكومات وأبناء المسلمين على فتات موائد الشرق والغرب تتلمس خلاصها في وحول الماديات وتبحث عن مقوماتها ودعائمها في مستنقعات الإفرازات البشرية؛
والدعاة الذين يقودون مسيرة الحركة الإسلامية المظفرة بإذن الله تعالي هم الذين يميزون بين الأصيل والدخيل فيثبتون على أصولهم ومبادئهم وينظرون بأبصارهم اليقظة وبصائرهم الواعية للاستفادة المستبصرة من كل جديد نافع فسيري المنصف المتجرد من خلال كل ذلك فضائلهم الكثيرة وكمالاتهم العديدة التي يطول المقام بحصرها.
ولسنا نعني بكل هذا مجرد الثناء والمبالغة في المدح فكل هذا ليس إلا حقيقة واضحة يلمسها الأعداء قبل الأصدقاء وتشهد بها حقائق الواقع وشواهد التلويح إلا أن ما نرمي إليه أبعد من ذلك
إذ أن هذه الصفات وتلك الكمالات التي تتصف بها الحركة الإسلامية ينبغي توفرها في أفراد هذه الحركة بقدر أكبر أو مكافئ على الأقل لتلك الواجبات العريضة الملقاة على كاهل أبناء الحركة وهم يواصلون تقدمهم من مرحلة إلى آخري وتزداد مسؤولياتهم مع استمرار تقدمهم؛
ومن هذا الباب نعرض لأهم ما تتطلبه المرحلة القادمة في ضوء نتائج هذه الانتخابات وفي ضوء التطورات الأخيرة للأزمة في ماليزيا وأهم الأولويات التي يحتم الواقع الحركي الدعوي والسياسي على الحركة الإسلامية في ماليزيا الإلتزام بها

ولعل من أهم تلك الأمور مد يلي:

  1. ضرورة التأكيد على وحدة الصف ولم الشمل لكافة أجزاء الحركة من مختلف التحديات الكبيرة والمتعددة من تمتين لبنيان الدعوة الإسلامية وإعداد الكوادر المؤهلة لهذه المهمة العظيمة إلى العمل على تبصير الناس والمجتمع بحقيقة الإسلام وسماحته ونزاهته إلى الإدارة الفاعلة والحكيمة من قبل الحكومات الإسلامية للولايات التي انفرد بحكمها الحزب الإسلامي إضافة للحفاظ على الوحدة الوطنية ومراعاة حقوق غير المسلمين وتطوير لكل مناحي الحياة ومجالاتها من سياسة واقتصاد وجوانب اجتماعية وثقافية وأخلاقية وغيرها مما يعد ضرورة من ضرورات بناء الدولة وتكوين المجتمع المتماسك . فهذه وغيرها من المهام العظيمة لن تقوم لها قائمة لو لم تتحد صفوف الحركة الإسلامية وتتجاوز مرحلة التنازع والمواجهات والخصومات التي لا يستفيد منها أحد وبصورة مباشرة إلا الأعداء الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر ويمكرون بالليل والنهار ويغتنمون الفرص ويصطادون الهفوات ويتلفقون المتساقطين ويؤون الشامتين فيجب على جميع فصائل الحركة أن تغرس هذا المبدأ الذي عانت الحركة من فقدانه فترة لا بأس بها كلفتها الكثير دون مقابل ويجب عليها إن أرادت الاستمرار والمحافظة على المكاسب وقبل ذلك المحافظة على مشروعية قيامها أن تبث هذا الوعي بين الصفوف وتغرسه في القلوب وتربي عليه الناشئة الجدد وترعاه في النفوس وتوجه إليه لب اهتمامها لأنه هو الهدف الأول والخيار الاستراتيجي الذي منه تنطلق لأداء دورها وتبليغ رسالة ربها والقيام بتكاليف دينها وإلا فإنها ستفقد مبرر وجودها إذا ما غدت مجرد أحزاب سياسية وتنظيمات عصبية لها إلا لتحقيق المكاسب الدنيوية وزيادة النفوذ والسيطرة ولو على حساب غيرها من المسلمين .
  2. الأخذ بالأسباب المتاحة وحسن الإعداد والتأهيل للكوادر الملتزمة بالإسلام المتربية على منهجه المتشبعة بأخلاقه الخبيرة بأمور دينها ودنياها كي تكون صفحة ناصعة وقدوة تقتدي ونموذجا يحتذي لباقي فئات المجتمع وليتحملوا العبء الأكبر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العمل الإسلامي في ماليزيا التي يمكن اعتبارها أكثر المراحل تقدما وأكثرها تكاليفا ينبغي على كل عضو في الحركة الإسلامية أن يقدم فيها كل ما يستطيع وأنه يضرب فيها بسهمه ليكون من الغانمين عند رب العالمين وحتى لا يقول "يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما "!!. نعم إنها غنيمة ولكنها غنيمة أخروية لا يرجو منها الأخ المسلم العامل لدينه وأمته جزاء ولا شكورا إلا مرضاة الله أولا وقبل كل شئ لا يسعي لإرضاء أحد على حساب ذلك أيا كان ومهما كان لا يحركه إلا الحرص على دينه ومصلحة أمته والحفاظ على مقدراتها ومكتساباتها يشارك إخوانه المسلمين يستفيد ممن سبقوه ويبني على ما بنوه ويستدرك ما فاتهم ويكمل الآخرين ويعمل معهم في التحام وتماسك لا يري عنه بديلا ولا إلى غيره سبيلا.
  3. التركيز على الجوانب التربوية وبخاصة داخل صف الحركة الإسلامية وبين القيادات التي تعد لتسلم الراية ومواصلة المسيرة وتزويدهم بجرعة إيمانية كافية وزاد من العلم الشرعي الذي ينير لهم الطريق ويبصرهم بالحلال والحرام ليعرفوا أين يضعوا أقدامهم فإن الغاية لا تبرر الوسيلة وإن الاضطرار لا يبطل حق الغير ... كما أن استمطار رحمة الله وتوفيقه واستجلاب عنايته ورعايته لمسيرة الحركة وأبنائها لا يكون بالجهل وبالغفلة والركون إلى الدنيا وحب المناصب والجاه واعتلاء الكراسي وتولي المسؤوليات من غير أهلها بل ينبغي إنزال الناس منازلهم وتقديم من حقه التقديم وتأخير من حقه التأخير بميزان الله تعالي " إن أكرمكم عند الله أتقاكم ..." (الحجرات 13) وبميزان الإحسان والقوة والأمانة .. "إن خير من استأجرت القوي الأمين " (القصص 26) ... وإنه بغير هذه المعايير الإيمانية والتربية المتينة والإعداد المتكامل لن تقوم للحركة قائمة ولن تستكمل بناءها ولن تتحمل الأعباء الملقاة على كاهلها وسيسهل اختراقها وانقيادها للمتآمرين والماكرين المتربصين .إن هذا الواجب الإعداد المتكامل المتوازن تربويا ودعويا وحركيا وفنيا لكوادر الحركة ليس من النوافل أو المندوبات بل هو من الضرورات التي لا ينبغي للحركة إغفالها أبدا ولا التهاون فيها وعليها أن تحاول في ذلك بكل ما أوتيت من قدرة وإمكانيات مستفيدة من الآخرين ومعتبرة بما تراه حولها من التجارب والمحلولات كي تكتسب خبرة إلى خبرتها وتزداد قوة وبصيرة في قراءتها للأحداث ومواجهتها بالطرق المثلي وهذا كله يحتاج لأهل العلم والخبرة من الكفايات الذين يشكلون أعمدة البنيان يقوم عليهم ويحملونه بثبات وتجرد لا يرجون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا .
  4. تمتين الصلة بباقي أجزاء الحركة الإسلامية في كل أرجاء العالم والتواصل المستمر والمثمر معها وتبادل الآراء والتشاور وبذل النصيحة وقبولها وأداء كل حقوق الإخوة الإسلامية والولاية الإيمانية تحقيقا لوجود الأمة الإسلامية في المستقبل القريب إن شاء الله تعالي وهذا انطلاقا من طبيعة هذا الدين الذي ما جاء ليكون أنماطا وأشكالا مختلفة ودويلات منفصلة وإنما ليكون ساحة واسعة تجمع شتات المسلمين ويؤلف بين قلوبهم ويصلح ذات بينهم في تكاتف وتكامل وتحاب لا يترك مجالا معه للطامعين ولأصحاب الأهواء الحاقدين .
  5. الاهتمام بدعوة غير المسلمين وبيان الصورة الصحيحة الناصعة لسماحة الإسلام التي كانت منذ القدم مضرب المثل وجعل ذلك واقعا معاشا وبخاصة في المناطق التي أصبح للحزب الإسلامي سيطرة عليها وحفظ حقوق هذه الأقليات ما داموا لا يناصبون الإسلام والمسلمين العداء ومحاولة كسبهم في صف الإسلام ولو لم يدخلوا فيه وذلك امتثالا لأوامر الشرع الحنيف الذي أمر بالإحسان لهؤلاء تأليفا لهم وتحبيبا في الإسلام ولعل الحركة قد حققت تقدما ملحوظا في هذا المجال فيبقي عليها المحافظة عليه واستثماره الاستثمار الأمثل وتفويت الفرصة على المؤامرات التي تحاك لتأليبهم على الإسلام والمسلمين .
  6. الصبر والتأني وعدم استعجال الثمرة قبل بدو صلاحها وعدم الاستجابة للاستفزاز والاستثارة من قبل الأعداء والسير وفق الخطط المرسومة والوسائل المشروعة لا بردود الأفعال وحسب تقلب الأهواء والأمزجة أو بتغير الأحوال والظروف بل ينبغي أن تسير الحركة وفق غاياتها المحددة وأهدافها المعينة لا تستعجل مغنما ولا ترهب موقفا ولا تستفزها حماسة المتحمسين ولا يقعدها تقاعس المثبطين ولا يؤثر فيها مدح المادحين ولا ذم الذامين بحيث تكون ذاتية الحركة لا تابعة لأهواء ولا أغراض دنيوية بل لا يحركها إلا مرضاة الله وفق منهج الله لإقامة شرع الله عزوجل .
وبعد .. فإن هذا أهم ما يمكن ملاحظته من الثوابت والمبادئ العامة التي ينبغي على الحركة التأكيد عليها والتمسك بها واتخاذها ديدنا وسبيلا أوحد لأهدافها لأنه لا قيام للحركة ما لم تأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار وبكامل الجدية والحذر والوعي والتربص؛
لأن المرحلة حرجة والظروف صعبة لا تحتمل التقصير والتهاون في واجب من الواجبات أو إهمال حق من الحقوق أو جانب من الجوانب بل على الحركة أن تواصل تقدمها مستمسكة بثوابتها عازمة على تحقيق أهدافها وإقامة مشروعها الحضاري الإسلامي الضخم ... وكما قال المصطفي عليه الصلاة والسلام: " لقد مضي زمن النوم " !!..

وقال عزوجل:

"لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون . بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم . وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (الروم 4- 6) صدق الله العظيم