الحلقة الاولى الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحلقة الاولى الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية


  • الحلقة الأولى

مقدمة

55شعار-الاخوان.jpg

نشأت جماعة الإخوان المسلمين فوجدت أن المحتل جاسم على صدر الأمة ومتحكم في كل جوانب الحياة، يستغل ويسيطر على كل مقدرات الحياة ويستعبد السكان الأصليين ولا يضع في اعتباره إلا مصالحه فقط، بل تكالب في كل صوب لضرب الوحدة الإسلامية خاصة فوجه سهامه إلى جسد الأمة فمزقها وفرق شملها وأسقط خليفتها وأصبحت كالأيتام على موائد الليئام، واستعملوا من بنى جلدتنا من أذاق الأمة سواء العذاب خدمة للمحتل وطمعا في كرمه فتخلفت الأمة وتخلف أبنائها ولم يعد لها القدرة على التصدي أو الذود عن عرينها وأصبح هم معظمهم أن يتحصل على قوت يومه.

نشأت الجماعة ووضعت في أهدافها والتي ذكرها حسن البنا بقوله (هدف الإخوان المسلمون منذ نشأتهم أن يجددوا لهذه الأمة شبابها، ويبعثوا إليها مجدها، ويخلقوا روحا جديدا فى الجيل الجديد على أسس الإسلام) (1)، كما نظروا لما يحدث لأوطانهم فأعلنوها صراحة في وقت انحنت فيه الرؤوس للمستعمر فيقول البنا:

(إن الإخوان المسلمين فى أنحاء الوادى ليعلنون فى قوة ووضوح أنهم لن يرتضوا بعد اليوم ذلا ولا هوانا، ولا يقبلون ترددا فى نيل حقوقهم ومطالبهم ويدعون الشعب كله، أفرادا وجماعات، أحزابا وهيئات أن يقفوا معهم صفا واحدا فى المطالبة بهذه الحقوق والعمل على تحقيقها أو الفناء فى سبيلها) (2) ولذا حرص الإخوان على سلوك النهج القويم في تربية النفوس وبث روح العزة في قلوب المجتمع ليتحمل على عاتقه حمل التصدي لكل من يهينه أو يستعبده.

نشأت الجماعة وانتشرت وسط جموع الشعب الذي تقبلها بروح جديدة روحا سرت في جسد الأمة الإسلامية فتمكنت منه لوسطية المنهج التي جاءت به، وللفهم السليم للإسلام ومعاني القرآن وشموله، حيث قال البنا: (الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا؛ فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء) (3).

وبهذا الفهم الشامل انطلق كل فرد في الجماعة يعمل لنهضة المجتمع بل نهضة الـأمة وقد انجذب لها عدد كبير، كما أنها لم تكن في خصومة يوما ما مع أحد يقول حسن البنا:

ونحن لا نعتبر أنفسنا حزبًا سياسيًّا، بل نحن حركة إسلامية شاملة مهمتنا توجيه الشعب توجيهًا سليمًا، وتهيئته تهيئة صالحة.

والأحزاب جزء من الشعب، بل هى أبرز أجزائه، فمهمتنا فى الحقيقة معها هى أولاً، ولهذا نحن لا نعتبر أنفسنا خصومًا لها، أو منافسين، ولكن ناصحين موجهين، لو وجد هذا المعنى الكريم سبيله إلى النفوس والقلوب وهى بيد الله (4).

ويؤكد على هذه المعاني بقوله:

منذ عشر سنوات خلت أو تزيد قام الإخوان المسلمون بدعوتهم، وعماد هذه الدعوة وسداها وأصلها وفرعها أن تركز النهضة الإسلامية الحديثة على قواعد ثابتة من تعاليم الإسلام الحنيف، وأن تهيمن روح الإسلام وكلمة القرآن على كل ناحية من نواحى الحياة ومظهر من مظاهرها فى كل هذه الأمم. فنظام الحكم يجب أن يكون إسلاميا قرآنيا، وقوانين البلاد المسلمة يجب أن تكون إسلامية قرآنية، وبيوت المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم يجب أن تكون مستمدة من روح الإسلام لا تتنافى بحال مع ما شرعه وحدده وأمر به وحض عليه. والعقائد والعبادات والأخلاق وكل شىء مما يتعلق بالفرد أو بالأسرة أو بالأمة يجب أن يكون مأخوذا عن الإسلام تابعا لما جاء به رسول الله  عن ربه، وبذلك تعود إلى المسلمين قوتهم الروحية وقوتهم المادية، واستقلالهم المفقود، وعزهم الضائع، ومجدهم المغصوب.

رفع الإخوان المسلمون أصواتهم بهذه التعاليم والمبادئ منذ عشر سنوات أو تزيد، وكتبوا فى ذلك مئات المقالات، ومن يطالع جريدة الإخوان المسلمين منذ ست سنوات يجد ذلك جليا تكاد تلمسه فى كل مقال من مقالاتها، وسيظل الإخوان ينادون بهذه المبادئ ويعملون لها، وسيجاهدون فى سبيل تحقيقها؛ حتى يصلوا. وسيضحون بكل شىء فى سبيل الوصول إلى هذه الغاية لا يثنيهم عن ذلك شىء حتى؛ يأتى أمر الله. وهما خطتان لا ثالث معهما إما أن تكون هذه الأمم إسلامية تحب الإسلام وتجله وتريد أن تعمل به فلا مناص لها من أن تنزل على حكمه، وتعمل بكل تعاليمه، وتؤمن بكتابه جميعه فلا تأخذ بعضه وتترك بعضا آخر، وإما أن تظل على ما هى عليه من خروج على تعاليمه فى نظمه العملية من حكم، وقانون، وعادات، ومعاملات، وعبادات، وعقائد فهى غير مسلمة، وإن ادعت ذلك حتى ينشق حلقها، وصرخت به حتى تملأ صرختها أجواز الفضاء فليس الإيمان بالتمنى، ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل (5).

وحينما دخل الإخوان المجالس النيابية كان هدفهم الإصلاح، إصلاح القانون حتى يتفق مع التشريع الإسلامى فى كل فروعه.

السلطة التشريعية في الإسلام

لا ريب أن السيادة في الدولة الإسلامية لشرع الله، عز وجلَّ. وأن هذه السيادة إنما تتحقق بإقرار منهج الله وتحكيم شريعته، وأنه لا يسع الدولة الإسلامية ولا الأمة المسلمة أن تتخذ لنفسها دستوراً مستمَداً من غير دين الله الذي ارتضاه لعباده. قال - تعالى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

وإذا كان الحديث عن تقرير هذه السيادة والاستدلال عليها مهمّاً فإن الحديث عن الجهة التي يناط بها – قبل غيرها - تحقيـق هـذه السيادة وحَمْـل الأمة (حكاماً ومحكومين) على الخضوع لها لا يقل عنه أهمية.

لم يُعرَف هذا المصطلح (السلطة التشريعية) في الفقه السياسي الإسلامي، ولم يُستخدَم في تاريخ الدولة الإسلامية، ولكن الكيان الذي يمكن أن يطلَق عليه هـذا المصطلح كان موجوداً، وكان يمارِس عمله كما يدل عليه المصطلح؛ لذلك لا غضاضة من استخدامه والتعبير به عن وضع كان موجوداً ويمكن أن يوجد وعن نظام كان قائماً ويمكن أن يقوم.

أن عمل السلطة التشريعية لا يقف عند حد التشريع وإنما يتعداه إلى الإشراف والمباشرة لضمان الالتزام بهذا التشريع من قِبَل السلطتين (التنفيذية والقضائية)، وبخاصة السلطة التنفيذية، كما أنها تشترك مع سائر أهل الشورى وأهل الحل والعقد (6) في القيام بدور الرقابة على باقي السلطات والمحاسبة للحكومة، وإبداء المشورة للحاكم ومعاونيه في كل مُشكِل يعرض للأمة من الأمور العامة.

والكلمة المقابلة للقانون في الإسلام هي كلمة الشرع، ولكن شتان بين اللفظين وما يشتمل عليه كلٌّ منهما؛ فإذا كان القانون هو القواعد والأنظمة والأحكام والمبادئ التي وضعها الإنسان لينظم بها حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فإن الشــرع قانون بهـــــذا المعنى ولكنـه يمتاز عـن القـانون بأنه من صـنع اللـه لا من صـنع البشر؛ ومـن ثَمَّ فإن الشـرع لا يعتـريه ما قد يعتري القوانين من الخلل والاضطراب والنقص. والقوانين لا يتسنى لها أن تبلغ من الإحكام والكمال ما قد بلغه الشرع، قال - تعالى -: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، وقال: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].

والسلطة التشريعية في المفهوم الإسلامي فهي: «السلطة المؤلَّفـة من صفـوة علمـاء الشريعة المجتهـدين، وهي المكلفـة باستخلاص الأحكام الشرعية من مصادرها، والتعريف بها ووَضْعها لدى الدولة موضِع التنفيذ، وهي المنوط بها الإشراف على السلطات الأخرى فيما يتعلق بتنفيذ الشريعة وتطبيق أحكامها، والمعهود إليها مع بقية أهل الشورى ومع سائر أهل الحل والعقد، بالرقابة على الحكومة ومحاسبتها».

والسلطة التشريعية عندما تقوم بالتشريع فإنها لا تنشئ الأحكام إنشاءً، ولاتبتدؤها ابتداءً، وإنما تستمدها وتستخلصها وتستخرجها من كتاب الله وسُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لا من غيرهما، وبذلك وضع النظام الإسلامي حداً فاصلاً بين أمرين لا يصح أن يلتبسا، وهما: السيادة والسلطان؛ فالسيادة لله والسلطان للأمة، والسيادة لشرع الله، والسلطان للمجتهدين من الأمة الذين يقومون باستنباط الأحكام والإعلام بها والإلزام بتطبيقها، وهذا هو سلطانهم الذي لا يتعدى على سيادة الشريعة (7).

خاصة أن التشريع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان بيده عليه الصلاة والسلام لنزول القرآن وتطابق أفعاله مع نزول الوحي، ومع ذلك كانت هناك أمور يستشير فيها أصحابه وينزل على رأيهم كما فعل في غزوة بدر والأحزاب، وهناك أمور قال عنها لأصحابه "أنتم أعلم بشئون دنياكم" لكن كان هذا التصريح والأذن في الأمور الحياتية والتي لم يكن فيها نص أو تمس الشأن العام وتنظيم أموره.

وسار الخلفاء الراشدين على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يحيدوا عن كتابه وسنة نبيه والاجتهاد، حتى توسعت ودخلت أمم لها عادات وتقاليد وشئون حياتيه فظهر القياس والاستنباط، فكان الخلفاء والعلماء يستشيرون بعضهم بعضاً ما يجعل من جماعتهم المحدودة شبه مجلس نيابي صغير يدرسون كل ما يهم الشعوب في إطار ما أنزله الله على رسوله وما سنه الرسول الأمين.

وقد اتفقت الأمة - على الرغم من اختلافها في بعض الفروع المتعلقة بالدلالات - على أن الكتاب والسُّنة هما مصدرا التشريع، واتفق أهل السنة والجماعة على أن الإجماع هو المصدر الثالث بعد الكتاب والسُّنة، ثم ظهرت المدارس الفقهية، وظل باب الاجتهاد مفتوحاً، وظلت هذه المذاهب هي المرجعية التشريعية للأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين في جميع المجالات؛ حتى جاء في عصور متأخرة علماء أغلقوا باب الاجتهاد، فنتج عن ذلك أن استجدت مسائل ونوازل في حياة الأمة لم يفِ تراث هذه المذاهب بمعالجتها: «فكان من ذلك الحرج قصور التشريع الإسلامي عن مسايرة الزمن وتحقيق مصالح الناس، والتجاء بعض الحكومات الإسلامية إلى العمل بقوانين أمم غير إسلامية».

وهو ما أدى بعد ذلك إلى وقوع الدول الإسلامية فريسة العَلمانية، ودخلتها نظرية السيادة الغربية، وغزتها قوانين غير شرعية، وصارت السلطة التشريعية فيها أبعد ما تكون عن الشريعة الإسلامية.

وهذا هو الذي دفع المصلحين من أمثال الأستاذ محمد عبده وغيره إلى الدعوة إلى الاجتهاد، ولقد تجاوب مع هذه الصيحة الصادقة علماء وأساتذة جامعات وشيوخ كبار، نهضوا لهذا الواجب الكبير؛ فبدأت من جديد حركة الاجتهاد والتجديد، وصارت الأمة بفضل هذه الجهود مؤهَّلة للعودة إلى سيادة الشريعة عن طريق جعل السلطة التشريعية في يد المجتهدين من الأمة خاصة.

فالمشكلة ليس في الآلية لكن في وجود ضوابط تحكم القائمين على التشريع وفق ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وضوابط التنفيذ (8).

والأصل في الشريعة الإسلامية أنها جاءت للناس لتحكمهم في كل حالاتهم، وليحكموها في شؤون دنياهم وآخرتهم، ولكن الشريعة مع هذا لم تأت بنصوص تفصيلية تبين حكم كل الحالات الجزئية والفرعية، وإنما اكتفت الشريعة في أغلب الأحوال بإيراد الأحكام الكلية والمبادئ العامة، فإذا تعرضت لحكم فرعي فنصت عليه فإنما تنص عليه لأنه يعتبر حُكْمًا كُلِّيًّا أو مبدأ عامًا بالنسبة لما يدخل تحته من فروع أخرى.

والأحكام الكلية والمبادئ العامة التي نصت عليها الشريعة تعتبر بحق القواعد العامة للتشريع الإسلامي، والهيكل الذي يمثل معالم التشريع الإسلامي، والضوابط التي تحكم التشريع الإسلامي.

وقد تركت الشريعة لأولي الأمر والرأي في الأمة أن يتموا بناء التشريع على هذه القواعد، وأن يستكملوا هذا الهيكل فيبينوا دقائقه وتفاصيله في حدود المبادئ والضوابط التي جاءت بها الشريعة.

وإذا كانت الشريعة قد أعطت أولي الأمر والرأي في الأمة حق التشريع فإنها لم تعطهم هذا الحق مطلقًا من كل قيد، فحق هؤلاء التشريع مقيد بأن يكون ما يصنعونه من التشريعات متفقًا مع نصوص الشريعة ومبادئها العامة وروحها التشريعية. وتقييد حقهم في التشريع على هذا الوجه يجعل حقهم مقصورًا على نوعين من التشريع:

1- تشريعات تنفيذية: يقصد بها ضمان تنفيذ نصوص الشريعة الإسلامية.
2- تشريعات تنظيمية: يقصد بها تنظيم الجماعة وحمايتها وسد حاجتها على أساس مبادئ الشريعة العامة، وهذه التشريعات لا تكون إلا فيما سكتت عنه الشريعة فلم تأت فيه بنصوص خاصة:

ويشترط في هذا النوع من التشريعات أن يكون قبل كل شيء متفقًا مع مبادئ الشريعة العامة وروحها التشريعية، وإلا كان باطلاً بطلانا مطلقًا، فليس لأحد أن ينفذه وليس لأحد أن يطيعه (9).

ومن المعروف أن الشورى تعد دعامة من دعائم الإيمان، وصفة من الصفات المميزة للمسلمين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38].

وإذا كانت الشورى من الإيمان فإنه لا يكمل إيمان قوم يتركون الشورى، ولا يحسن إسلامهم إذا لم يقيموا الشورى إقامة صحيحة، وعلى الحاكم أن يستشير في كل أمور الحكم والإدارة والسياسة والتشريع، وكل ما يتعلق بمصلحة الأفراد أو المصلحة العامة.

السلطة التشريعية في الوقت الراهن

تطورت الحياة النيابية في العالم الإسلامي فبعد أن كانت الأحكام تستمد من الشريعة السمحاء عمد الغرب بعد احتلال البلاد على تغريب الهوية لدى المسلمين وشجعوا على إقامة أنظمة تشريعية تستمد قوانينها من الدساتير الغربية التي وضعوها وغيبوا كل ما يمت لشرع الله سبحانه وتعالى، فأنشأوا ما يسمى بالبرلمانات – وهذا لا حرج فيه طالما هذه الأنظمة ما اتفق عليه الجميع وما دامت تستمد قوانينها من الكتاب الله وسنة نبيه لكن للأسف حادت هذه البرلمانات وأصبح يسيطر عليها أصحاب النفوذ والمقربين من المحتل أو الملك وأحيانا أرباب الفساد والذين سنوا قوانين تحمي فسادهم وثرواتهم. ومن المعروف أن السلطة التشريعية (النيابية) هيئة مستقلة، ينتخب أعضاؤها من الشعب، وتختص بسن القوانين، إلى جانب مجموعة أخرى من الاختصاصات، التي تختلف حسب دساتير الدول.

وتتولى المجالس النيابية في مختلف دول العالم، بصورة أساسية الوظيفة التشريعية التي تُعني بسن القوانين اللازمة للدولة، فالسلطة التشريعية تقترح القوانين وتقرها، وقد تشاركها في عملية اقتراح القوانين السلطة التنفيذية (الحكومة)، ولكن عملية التصويت على مشروع القانون لإقراره، تدخل ضمن اختصاص السلطة التشريعية وحدها، لا تشاطرها فيها سلطة أخرى من حيث المبدأ، ولكن بعد سن القانون تتولى السلطة التنفيذية مهمة التصديق عليه، وإصداره ونشره. ويزاول المجلس النيابي كذلك وظيفة مالية، حتى يلاحظ أن هذه الوظيفة قد سبقت في نشأتها التاريخية الوظيفة التشريعية، ذلك لأن المجلس النيابي تكونت في البداية للنظر في الضرائب التي يفرضها الحكام.

ومن أهم المسائل المالية التي تقوم بها المجالس النيابية هي الموافقة على ميزانية الدولة، بعد بحثها ومناقشتها تفصيلاً. وللمجلس النيابي، إضافة إلى وظيفتيه السابقتين، وظيفة ثالثة على جانب كبير من الأهمية، هي مراقبة الحكومة في جميع تصرفاتها وأعمالها، ويناقشها في سياستها العامة الداخلية والخارجية التي رسمتها لنفسها، وتسمى هذه الوظيفة بالوظيفة السياسية، ولكن يلاحظ في بعض الأحيان أن الوظيفة التشريعية، وهي الوظيفة الجوهرية التي تنهض بها السلطة التشريعية، تسحب من مجال اختصاص هذه الأخيرة، وتمنح إلى سلطات أخرى.

فكثير من الدساتير، تعطي لرئيس الجمهورية إمكانية الحلول مكان السلطة التشريعية في حالة الظروف الاستثنائية التي تهدد الدولة في بقائها، ووحدتها، وسلامة أراضيها، وذلك وفقاً لإجراءات معينة، كما أن القوانين يمكن أن تطرح مباشرة على الشعب للتصويت عليها عن طريق آليات الاستفتاء الشعبي ومن دون أن يناقشها المجلس النيابي أو يقرها، وذلك على الرغم من ندرة استخدام مثل هذه الآليات في سن القوانين .كما تنص دساتير بعض الدول على إمكانية أن تطلب السلطة التنفيذية من السلطة التشريعية تفويضها في ممارسة حق التشريع، فيما يعرف اصطلاحاً بالتفويض التشريعي ، على أن يكون هذا التفويض مقيداً بفترة معينة، وإذا وافقت السلطة التشريعية، فيجب عرض التشريعات التي أصدرتها السلطة التنفيذية على المجلس النيابي بعد انتهاء مدة التفويض، فإن أقرها كان لها قوة التشريع، أما إذا لم يقرها، فيزول كل أثر قانوني لها، كما أنها لا تعدل، إن أقرت، إلا من جانب المجلس النيابي، بوصفها السلطة المختصة أصلاً بالتشريع.

إذا كان سن القوانين من صميم اختصاص السلطة التشريعية، فإن هذه السلطة الأخيرة يجب أن تراعي مطابقة هذه القوانين التي تصدرها للدستور، باعتباره القانون الأسمى للدولة، وتنهج دساتير الدول مناهج مختلفة في سبيل التحقق من مطابقة تصرفات السلطة التشريعية للدستور، ولا سيما من حيث سن القوانين (10).

البرلمان في مصر

تمثل المؤسسات النيابية المصرية ركنًا هامًا من أركان "مكانة مصر"، والبرلمان المصري يعد أقدم مؤسسة تشريعية في الوطن العربي، والتي بدأت مع النظم التمثيلية الشورية منذ تولي محمد علي للحكم ووضعه للائحة الأساسية للمجلس العالي، فقد كانت تجربة من ضمن المحاولات الأولية التي ظهرت فيها أولى التجارب النيابية، لتنظيم العلاقة بين الحاكم والشعب إلى أن جاء الخديوي إسماعيل في ٢٢ أكتوبر ١٨٦٦ ليقوم بإنشاء أول برلمان نيابي تمثيلي بالمعنى الحقيقي وهو "مجلس شورى النواب" وفق النمط الغربي الحديث في إقامة المؤسسات التشريعية المنتخبة والتي تقوم بتمثيل جمهور الناخبين والتعبير عن مصالحهم في مواجهة السلطة التنفيذية، وذلك تنفيذًا للفكر التحديثي للخديوي إسماعيل، من أجل إقامة الحياة النيابية السليمة التي تعبر تعبيرًا حقيقيًّا عن مصالح وتطلعات الشعب المصري بمختلف فئاته وطوائفه.

ثم تحوّل مجلس شورى النواب في عهد الخديوي توفيق إلى مجلس النواب المصري عام ١٨٨١، والذي صدرت في ظلِّه لائحة ٧ فبراير عام ١٨٨٢ والتي كانت تعد تعبيرًا حقيقيًّا عن ما تمناه أعضاء مجلس النواب للنظام السياسي المصري. ولكن جاء قرار الإنجليز بهدم النظام النيابي بدعوى تهدئة الأحوال في مصر، واستبدال نظام آخر به تمثّل في "مجالس قانونيْ أول مايو" سنة ١٨٨٣، والذي نص على إنشاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية. ومع مجيء عام ١٩١٣، صدر القانون النظامي الجديد والذي نص على إنشاء الجمعية التشريعية لتحل محل الجمعية العمومية ومجلس شورى القوانين. ثم جاءت مرحلة جديدة بإعلان دستور سنة 1923 في ١٩ إبريل عام 1923، ذلك الدستور الذي مثل نقلة كبيرة على طريق إقامة الحياة النيابية السليمة في مصر؛ حيث إنه صدر بعد الاعتراف الرسمي من قبل بريطانيا بأن مصر دولة مستقلة ذات سيادة، وهو الأمر الذي لم يكن متوفراً من قبل وقد تكوّن البرلمان في ظل هذا الدستور من مجلس النواب ومجلس الشيوخ.

ثم أُلغِيَ دستور ١٩٢٣ بصدور دستور سنة 1930 في ٢٢ أكتوبر 1930، إلا أن دستور سنة 1930 لم يعمر طويلاً، بسبب تزايد الضغط على الملك لرفض مصر كلها له وللنظام السياسي الذي قام على أساسه، وفي ١٩ ديسمبر سنة ١٩٣٥ صدر الأمر الملكي رقم ١٤٢ لسنة 1935 والذي قضى بإعادة العمل بدستور سنة 1923.

وبعد قيام ثورة ٢٣ يوليو، شُكّل أول مجلس نيابي في ظل الثورة، وبدأ جلساته في ٢٢ يوليو 1957، وقد أطلق عليه اسم مجلس الأمة، واستمر هذا المجلس حتى العاشر من فبراير 1958، حيث أعقبه مجلس الأمة المشترك في ظل صدور دستور مارس 1958، وذلك عقب الوحدة مع سوريا. وقد استمر مجلس الأمة المشترك، حتى ٢٢ يونيو 1961.

وبمجرد سقوط الوحدة بين مصر وسوريا، وفي شهر مارس 1964 صدر دستور مؤقت، وفى ظله قام مجلس الأمة المنتخب.

ومع تولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات الحكم دعا مجلس الأمة في ٢٠ مايو 1971 لإعداد دستور جمهورية مصر العربية الدائم وعرضه على الشعب في الاستفتاء. وفي يوم ١١ سبتمبر ١٩٧١ صدر دستور جمهورية مصر العربية الدائم بعد الاستفتاء الذي أجري على الدستور، والذي بدأت معه مرحلة جديدة من تاريخ مصر الحديث والمعاصر؛ وفى ظله جرت انتخابات مجلس الشعب الذي عقد أولى جلساته في ١١ نوفمبر 1971 وهو أول مجلس يستكمل مدته الدستورية وهي خمس سنوات كاملة.ثم جاء الاستفتاء الذي جَرى يوم ١٩ إبريل 1979، والذي وافق فيه الشعب المصري على إنشاء "مجلس الشورى"، وعقد مجلس الشورى أولى جلساته في أول نوفمبر 1980، ومعه عادت فكرة وجود مجلسين تشريعيين في الحياة النيابية المصرية (11).

يتبع ...

الهامش

(1) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (89)، السنة الرابعة، 7 ربيع أول 1365/ 9 فبراير 1946، ص(3- 5).

(2) المرجع السابق

(3) رسائل حسن البنا، رسالة التعاليم

(4) الإخوان المسلمون اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ه- 5سبتمبر 1948م، ص(1، 4).

(5) جريدة النذير، العدد (31)، السنة الأولى، 11ذو القعدة 1357 /3 يناير 1939، ص(3-5).

(6) أهل الحل والعقد في الأمة ليسوا منحصرين في علماء الشريعة المجتهدين، وإنما تتسع دائرتهم لتشمل غيرهم من العلماء والقضاة، والأمراء والخبراء، والصلحاء، والوجهاء العدول الذين يحملون همَّ هذا الدين ويتحملون مسؤولية هذه الأمة ويُعَدُّون هم كبار الأمة وقادتها وأولو الأمر فيها.

(7) "السلطة التشريعية في الدولة الإسلامية" د/ عطية عدلان، مجلة البيان، العدد : 280، 11/27/2010.

(8) "السلطة التشريعية في الدولة الإسلامية" المرجع السابق

(9) "الإسلام وأوضاعنا السياسية" عبدالقادر عودة، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، : 1401 هـ - 1981 م ص 153.

(10) مهند نوح، الموسوعة العربية نقلا عن صوفي أبو طالب، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية (دار النهضة العربية، القاهرة 1984).

(11) موقع ذاكرة مصر المعاصر وأيضا احتفال البرلمان المصري بمرور 150 عاما على النشأة.