الربانية زادنا وسبيلنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الربانية زادنا وسبيلنا


الحمد لله رب العالمين؛ رب كل شيء وهداه، والصلاة والسلام على سيد الدعاة وإمام الأنبياء وسيد المرسلين؛ سيدنا محمد بن عبد الله.. وبعد..


في ظل ما يواجه الإسلام من تحديات في شتى المجالات وعلى جميع المستويات، وما يعتري العالم من تحولات كبرى ستؤثر- بلا شك- على الدعوة والدعاة؛ يظهر سؤال منطقي: ما الحل وما الملجأ لنحافظ على ثوابتنا ونحقق مستهدفاتنا بدون وقوع تأثير سلبي على الدعوة أو الداعية ؟ في الحقيقة أنه عندما تشتد الخطوب تتجلَّى في الأفق طاقةٌ من نور الإسلام تدعو وتذكر الناس بأنه { لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ } ولا نجاة إلا باتباع هداه { فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى } وإننا لنجد في هذه الأحداث والتحديات فرصة عظيمة للتحلي بالربانية بكل معانيها ووسائلها وصورها.. خلقًا وسلوكًا وواقعًا ملموسًا.


لقد كان الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله في غاية الوضوح عندما بيَّن حقيقة دعوة الإخوان المسلمين وسمو هدفها وغايتها ووسائلها، وأنها دعوة ربانية، وهذا ما نريد أن نؤكد عليه ونرسِّخه في نفوسنا؛ بحيث لا تنسينا الدنيا بهمومها وأوهامها حقيقة دعوتنا وطبيعة رسالتنا: " أخص خصائص دعوتنا أنها ربانية عالمية :

أما أنها ربانية فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعا ، أن يتعرف الناس إلى ربهم ، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسموا بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها. نحن الإخوان المسلمين لنهتف من كل قلوبنا: "الله غايتنا" فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى والتي نسوها فأنساهم الله أنفسهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21) . وهذا في الحقيقة هو المفتاح الأول لمغاليق المشكلات الإنسانية التي أوصدها الجمود والمادية في وجوه البشر جميعاً فلم يستطيعوا إلى حلها سبيلاً ، وبغير هذا المفتاح فلا إصلاح" (رسالة دعوتنا في طور جديد).


من هنا كان عليكم أيها الإخوان المسلمون- وأنتم طليعة هذه الأمة وحاملو لواء دعوتها- التحلي بالربانية والتخلُّق بها وبتحقيقها في أنفسكم لتحققوا صفات العبد الرباني؛ الذي يتعلم أمر الله ونهيَه ويعرف شرع الله ووحيَه، فيطبقَه في ذات نفسه، ويدعو غيرَه إليه، ويقوم بعملية الإصلاح في حياة الناس، لما فيه خير الناس في عاجلهم وآجلهم، وهكذا يجب أن يكون الفرد من الإخوان المسلمين.. { وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ }


إذا أردنا أن نصل إلى الربانية التي نطمح إليها فلنحققها في ذواتنا أولاً.. مستشعرين قول الله تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وقوله { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } وفي بيوتنا (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } وفي مجتمعنا بتحقيق الخلق الفاضل الذي ينهض بالأمة إلى الخيرية التي رسمها لها ربها { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }


فالربانية هي الانتساب للرب، وهذا الانتساب لا يتحقق إلا بأن نكون لله رب العالمين في كل أحوالنا؛ فالربانية لا تتأتى مكتملة إلا بهذا، بعبادة الله عز وجل بالمفهوم الشامل للعبادة، وهو جعل الحياة والممات، والحركات والسكنات له سبحانه، فلا ننطق إلا بما يرضي الله، ولا نعمل إلا ما يرضاه الله، ولا تتوجه نياتنا في تلك الأقوال والأفعال إلا لله.


الربانية أولاً

أيها الإخوان المسلمون

ينبغي أن تكون الربانية في قمة أولوياتكم وأن تعملوا جاهدين على تحقيقها بكل ما أوتيتم من قوة وجهد، فحققوا صفات أولياء الله يكلأكم بكنفه ويشملكم بحفظه (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ولا يجعل للشيطان عليكم سبيلاً { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [ الإسراء : 65] هذا ما نريده وما نسعى إليه وهذا واجب كل فرد على حدته في إطار مسؤوليته الفردية ليبذل أقصى جهده في تحقيق موجبات الربانية و العبودية.


واجبات

أيها الإخوان المسلمون

عليكم بإحياء الإيمان داخل نفوسكم، فالإيمان هو المؤدي لكل ما ينشده الفرد في الدنيا والآخرة، ووسائل تجديد الإيمان وتمكينه في النفس كثيرةٌ ومتعدِّدة، وأهمها إحسان الصلة بالله بإقامة الفرائض والإكثار من الطاعات والأعمال الصالحات.


فعليكم أن تقبلوا على الله إقبالاً صادقًا كما جاء في الأثر: "إذا أقبل عليَّ عبدي بقلبه وقالبه أقبلت عليه بقلوب عبادي مودَّةً ورحمة".


واجعلوا الله عزَّ وجلَّ الغاية الأسمى والهدف الأعلى لكم واجعلوه حاضرًا في قلوبكم وأمامكم في كل أعمالكم وأخلصوا التوجه له وأدركوا حقيقة ما خلقكم الله من أجله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}. وحققوا في أنفسكم معنى شعارنا الدائم "الله غايتنا" وحوِّلوه إلى واقع ملموس.


وعليكم التطلَّع الدائم إلى الدرجات العلا، وأن تجعلوا هدفكم في الحياة هو إرضاء الله عزَّ وجلّ، والعمل من أجل الفوز بالفردوس الأعلى، وأن تعملوا جاهدين على تحقيق هذه الأهداف السامية لتنالوا رضا الله. واغتنموا كلَّ دقيقةٍ وكلَّ لحظةٍ وكلَّ خلجة قلبٍ واجعلوها زيادة في رصيدكم الإيماني (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)(الحشر:8)


وحققوا الأخوة بينكم وطبقوها عمليًّا، بدءًا من سلامة الصدر وحتى الإيثار (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر:9) فنحن نريد الأخوة الحقيقية التي تعين على الطاعة والقرب من الله ، وتثري العمل وتدفعه للأمام.


إن الربانية هي مدد الحياة الإيمانية ؛ فحافظوا على صلاة الجماعة والصف الأول وبخاصة الفجر واقرءوا القرآن واستمعوا إليه وتدبروه وقوموا بمعانيه، واعلموا أنه لا سير إلى الله بدون قيام الليل فإنه شرف المؤمن وزاده الحقيقي على تحمل تبعات الدعوة ومشقاتها فهو وقود الدعوة، واجتهدوا في الدعاء وقت السحر واغتنام هذه الأوقات الفاضلة ، واعلموا أن قيام الليل هو أفضل معين لتحمل أعباء النهار { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } واشغلوا أوقاتكم بالذكر والتفكر والصيام ونوافل الخير والطاعات واعملوا جاهدين على التخلص من كل جواذب الأرض التي تعطلكم عن أداء رسالتكم.


وصلوا أرحامكم وكونوا بارين بأهلكم وذويكم وأطيعوا الله فيهم وأعطوا من أنفسكم القدوة الصالحة لدعوتكم ولدينكم وكونوا لهم بمثابة الواحة التي بها يأنسون.


أيها الإخوان المسلمون أيها الناس أجمعون

إن الربانية هي إصلاحٌ للنفس والمجتمع، فالربانيون استحفظوا كتاب الله، فهم المسئولون أمام الله عن حفظ الشريعة وعن نقلها وتعليمها لعباد الله ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾.. فالرباني يشعر أن الله سيسأله عن الشريعة كلها، وعن هذه البشرية جمعاء؛ لأنه طلب منه أن يحفظ وَحْيَهُ، وحِفْظُ الوحي لا يكون بمجرد حفظه في الأذهان والقلوب، لكنَّ الحفظَ الحقيقي يكون بحملِه رسالةً وحفظِه أمانةً والعملِ بما فيه. ومن هنا كان علينا جميعا التحلي بالربانية للنجاة بأنفسنا ونصرة ديننا وعودة مجد أمتنا التليد.


وعلينا الحذر من التصورات الخاطئة والهدامة التي تتسلل لنفوس البعض بأن كثرة المشاغل والأعباء الدعوية والدنيوية تتعارض مع الربانية والروحية وتؤثر فيهما سلبًا، والعكس هو الصحيح تمامًا؛ فهذه الأعمال تزكي الروح وترفع الجانب الإيماني وتعين على حسن العبادة لله وإنجاز ما يوكل إلينا من أعمال ونحقق ما نستهدف من خطط وبرامج.


وعلينا أن ندرك أنه لن يتحقق أو ينجز أي هدف أو خطة أو عمل بدون إخلاص التوجه لله وجعل العمل كله له سبحانه.


إن أولى خطوات خلاص العالم كله مما يداهمه يكمن في عودتنا للربانية الجادة والحقيقية و العمل الجاد لنصرة الإسلام ورفعة شأنه ومن هنا وجب على كل الغيورين والمخلصين للإسلام العجلة والفرار إلى الله {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} وليكن شعارنا {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} و"لن يسبقني إلى الله أحد".


وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والله أكبر ولله الحمد