الشهيد "ياسين" الرجل القضية.. بالشهادة تنتصر قضايانا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الشهيد "ياسين" الرجل القضية.. بالشهادة تنتصر قضايانا

بقلم الشيخ / أبو جرة سلطاني

أ. أبو جرة سلطاني.jpg

صبيحة يوم الإثنين، الفاتح من صفر 1425هـ الموافق 22 مارس 2004 م أطلقت طائرة حربية تابعة لسلاح الجو الصهيوني ثلاثة صواريخ فوق رأس الشيخ "أحمد ياسين" مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بفلسطين الشاهدة على الناس، بعد أدائه فريضة صلاة الفجر بأحد مساجد غزة.. الصواريخ الثلاثة أصابت أهدافها الظاهرة فأهدت للشيخ أعظم هدية يتمناها كل مسلم صادق وهي الشهادة في سبيل الله؛ ولكنها أخطات أهدافًا أخرى لم يحتسب لها "شارون" وهو يخطط لإخماد أنفاس رجل يقترب من السبعين!!


بطل وممثل ومعلم.jpg

رجل مُقعَد أرعب "شارون" بأطفال الحجارة.. رجل تقول إسرائيل (الكيان الصهيوني): إنه أقضَّ مضاجعها، وتقول الإدارة الأمريكية: إنه يخطط للعمليات الإرهابية من فوق كرسي متحرك، وتقول أطراف محسوبة على مسار (برشلونة): إنه يترأس أكبر تنظيم للمقاومة الإسلامية في الشرق الأوسط، وتذهب أوساط عليمة بخلفيات النزاع العربي الصهيوني إلى أطروحة جديدة تقول: إن القضية الفلسطينية صارت النقطة المفصلية في برنامج العولمة بعد سقوط بغداد، وإن الفشل الذي مُنِيت به قوات التحالف في مستنقع العراق قد دفعها إلى التفكير في عملية نوعية تصرف بها أنظار الرأي العام العالمي نحو بؤرة جديدة للتوتر الدولي لتغطي بها هزائمها الفاضحة، لاسيما بعد تفجيرات إسبانيا وسقوط حكومة "أزنار".

فالمسرحية باتت مكشوفة، والسيناريو كان جاهزًا بانتظار المخرج الذي كان- هذه المرة- سيء الحظ؛ لأنه وقع فريسة سهلة بين أنياب مقاومة عودت الناس على أنها إذا توعدت بزلزلة الأرض من تحت الأقدام فإنها ستفعل، خاصةً أن رياح (ما تسميه أمريكا) إرهابًا أصبحت أعاصير دولية عابرة للقارات يمكنها أن تضرب متى شاءت، وفي أية بقعة تريد، ولها من الحجج ما يكفي لتبرير أفعالها مهما كانت وحشية (كما يدعي الأمريكان)؛ لأنها لن تكون- مهما صورتها وسائل الإعلام المنحازة- أكثر وحشيةً من ضرب شيخ قعيد، مع تسعة من مرافقيه، بثلاثة صواريخ فما تركت منه إلا بقايا عجلات كرسيه المتحرك وجزءًا من نعله الذي كان يمسح عليه حتى صار جزءًا من قدميه، وغرته التي ظلت ناصعة البياض برغم ضراوة القصف الغادر تحت تغطية ثلاث طائرات من طراز (F16).

ما الفرق- في العرف العام- بين مَن يقصف قعيدًا بالراجمات المحرقة، ومن يقتل الأبرياء بـ(البلطات) المسنونة؟ ما الفرق بين مَن يقيم جدارًا عازلاً يغطي به على الناس شمس الله، ويلتف كالثعبان على العائلة الواحدة، فيشطرها شطرين وبين مَن يغتصب- باسم حق الفيتو- ليصادر حق الشعوب في تقرير مصيرها؟ ثم أخيرًا: ما الفرق بين مَن يحرض العصابات الصهيونية على تصفية رواد المساجد ومصابيح الهداية من شيوخ ركع وأطفال رضع بحجة أن رجلاً مشلولاً يخطط لضرب أمن إسرائيل (الكيان الصهيوني)، وبين مَن قام يدافع عن شرف الأمة المغصوب في (جنين) و(طولكرم) و(الضفة) و(القطاع) إذا كان هناك وجه للمقارنة؟

إننا في حركة مجتمع السلم (حمس) في الجزائر لا نخلط بين الإرهاب الإجرامي والمقاومة المشروعة، وإننا نميز بشكل دقيق، بين حق الشعوب في تقرير مصيرها وبين شهوة بعض الأنظمة في بسط نفوذها على الأخضر واليابس، تمامًا كما نفرق بين مَن يصلي الفجر في المسجد طالبًا الشهادة في سبيل الله، ومَن يسهر ليله في المراقص والحانات باحثًا عن سخط الله، وهذا الوضوح في الفهم والاستقامة في الطرح مازال يقودنا إلى وسطية واضحة في وضع الخط الفاصل بين سياسة "شارون" الدافعة باتجاه تفجير المنطقة كلها، وبين سياسة (حماس) المدافعة عن شرف الأمة بالحجارة، وهذه الفصيلة هي التي صنعت خطوطنا الحمراء القائمة على الشهادة الرسمية للدولة الجزائرية، التي سطرها الرئيس الجزائري الراحل "هواري بومدين" بقوله: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"؛ ولأنها هذه المرة مظلومة ظلم غرائب الإبل، فإننا نؤكد عزمنا على بذل كل مجهودات النصرة وواجبات الولاء للقضية المركزية في سياسة الأمة الإسلامية حتى يتم تحرير الأرض كلها من البحر إلى النهر، دون الاكتفاء بالتنديد والشجب، مستغربين في ذات الوقت المواقف المتخاذلة لبعض الأنظمة العربية أمام غطرسة الإدارة الصهيونية، واستخفاف الإدارة الأمريكية التي اكتفت بتذكيرنا- بعد حادثة الاغتيال الجبانة- بأمرين غريبين:

- أن (حماس) ومؤسسها مطروحان على قائمة الإرهاب.

- وإنها تدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس بعد سقوط القائد الرمز.

شباب الامة نموت علي ما مات علية الشيخ ياسين.jpg

وكأن تصنيف الناس على لائحة الإرهاب حق أمريكي خالص لها وحدها لا ينازعها فيه أحد، ولو كان بمستوى الاتحاد الأوروبي، وكأن إرهاب "شارون" حق مكفول بـ(فيتو) الكبار، وإرهاب "أحمد ياسين" باطل يجب أن تتم قنبلته بطائرات (F16)؛ بل وكأن كل رافض للاستسلام هو صورة طبق الأصل لـ(أسامة بن لادن)؛ إذ لا فرق في قاموس الصهيونية العالمية بين "أحمد ياسين" و"بن لادن" و"ياسر عرفات"، فكلهم أعداء الغطرسة الصهيونية المتسترة بجدارين:

- جدار شرعية (الفيتو) الذي يفرضه الكبار على الصغار.

- وجدار العار العازل بمباركة (فيتو) محور الشر.

وهل تنفع الجدر قومًا تحدث القرآن الكريم عن صفاتهم، فكشف جبنهم المتحصن وراء ﴿قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ (الحشر:14)، وليس لهم بقاء فوق هذه الأرض إلا إذا احتموا بأمة لها دين صحيح، أو بأمة لها قوة ضاربة "إلا بحبل من الله أو حبل من الناس.

ولأنهم أضاعوا حبل الله بانحرافهم عن دين موسى- عليه السلام- وبدأوا يقطعون حبل الناس بالتسبب في قلاقل كثيرة لمن ضمن لهم الحماية والرعاية من أنصارهم في الولايات المتحدة، فإنهم معرضون للإبادة على أيدي كل سكان الدنيا.

لقد تخلصت بريطانيا من أعباء الصهيونية المتعبة، بعد ثلاثين سنة من عمليات الابتزاز (1917 م- 1947 م) ووضعت سرج القضية على ظهر الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان (أفران الغاز وكراهية السامية وضحايا النازية) وكلها أكاذيب ودجل، وبعد زهاء ستين (60) عامًا من الابتزاز والاحتكار والدجل السياسي ها هي أمريكا تكتشف أنها كانت واقعة تحت سيطرة عصابات (الأرغون) التي تسببت في إذلال الشعب الأمريكي، وتوريطه في عدد من الحروب الخاسرة دفع فيها الشعب الأمريكي ضحايا أبرياء من أبنائه الأحرار، ذهبوا شبابًا يافعين وعادوا جثثًا في صناديق مختومة بأوسمة التآمر الصهيوني، شباب يدافع عن وهم الصهيونية في معارك خاسرة تصنعها تقارير كاذبة ومضللة.

ولعلكم تتعجبون إذا قلت لكم:

- إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م من تدبير صهيوني.

- إن الحرب على أفغانستان كذلك كانت من تدابير تطرف مسيحي يميني متصهين.

- وأن الحرب الجائرة على العراق تمَّ بتخطيط جناح الصقور في الإدارة الأمريكية المتعاطف مع إسرائيل (الكيان الصهيوني).

- والمتاعب التي تلاحق أمريكا ناجمة عن سياستها الخارجية الجانحة لإسرائيل (الكيان الصهيوني)، والتي كان من آخر ثمراتها المرة التفجيرات التي هزَّت إسبانيا، وأسقطت الحكومة المتحالفة مع الإدارة الأمريكية، لما اكتشفت المعارضة أن الشعب الإسباني دُفع إلى تسديد فاتورة الرعونة العالمية الباحثة عن أوهام أسلحة الدمار الشامل؟!

وعود على بدء نقرر:

الالاف شاركوا في تشييع جنازة الشهيد.jpg

إن الشهيد الشيخ "أحمد ياسين" كان سيعيش 70 عامًا أو 90 عامًا ويموت حتمًا، كما يموت كل الناس، ولكن الله أكرمه بأن جعل حياته أطول مما أرادها "شارون"، فإذا به يلد اليوم أمام حي (الصبرة) بمدينة (عزة) ميلادًا أبديًّا مع الذين عند ربهم يرزقون، إن الشلل الذي عاناه الشهيد في جسده سوف ينتقل إلى مفاصل الإدارة العبرية في الأرض المحتلة، وسوف يدب داؤه في مفاصل جماعات (الفيتو) حينما يتحول أكثر من مليار ونصف من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية يتحولون كلهم إلى "أحمد ياسين"، وإلى مشاريع شهادة، يومها فقط تدرك أمريكا أن الصواريخ لا تقتل القضايا، وإنما تحييها، وأن الإرهاب الحقيقي لا يتحرك فوق كرسي قعيد، إنما يرقد رعبه في مفاعل (ديمونة) النووي، وأن الذي أرسل شبابه ليموتوا في بغداد، والفلوجة، والبصرة..

كان أولى به أن يرسلهم إلى (كاليفورنيا) ليستمتعوا بشبابهم، وأن الـ 26 (فيتو) التي صدرت كلها، خلال 60 عامًا، ضد حق الفلسطينيين في أرضهم وفي العودة، سوف تتحول إلى 2.6 مليار مدافع عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.. وأبشر يا "بوش" بسقوط مؤكد ومريع بعد الفشل المتوالي لسياستك الخارجية، ويومها سوف تحتاج إلى من يفسر لك ولأمثالك قوله تعالى: ﴿فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ﴾ (الحشر:2).

أما أنت يا شهيد

لقد عشْتَ كبيرًا يا شيخنا، ومت كبيرًا يا رمزنا، فالموت يدركنا جميعًا ولو كنا في بروج مشيدة، أما الشهادة فلا يدركها إلا الفائزون.. فهنيئًا لنا ولكم الشهادة، فقد عشت للقضية، فلما اختارك الله واصطفاك إلى جواره شهيدًا صارت القضية التي عشت من أجلها، كالشمس وضحاها.. واليوم نحن أمام هذه القضية فريقان: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ (الشمس:9)" وذاك فريقًا ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (الشمس:10) وذاك فريقكم فأبشر يا "شارون".. إننا قادمون.