الصحوة الإسلامية بالسنغال: نجاحات تعرقلها الصراعات الصوفية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الصحوة الإسلامية بالسنغال: نجاحات تعرقلها الصراعات الصوفية

لعل الكثير من المهتمين بالشأن الإسلامي والمشتغلين بالسياسة يغيب عن أذهانهم تفاعلات الحياة السياسية ودور القوى الاجتماعية داخل المجتمعات الأفريقية، ولعل الحديث عن أوضاع التيار الإسلامي في السنغال يأتي من قبيل مناقشة إمكانيات تعميق التقارب مع الدول الأفريقية التي لا تتجاوز معارف الكثير منها عن قشور المعرفة، بل إن الكثير من المسلمين العرب، بل والأفارقة يعلمون تفاصيل الواقع الأمريكي أكثر من معرفة أحوال جيرانهم بفعل التقارب الثقافي والفكري بواسطة المنظمات المدنية والعلمية التي تلعب دور فاعل في صياغة ثقافة الشعوب العربية والأفريقية تمهيداً لتنفيذ الأطروحات العالمية والمخططات التي إذا تمَّ تنفيذها انقلبت ثقافة المنطقة رأساً على عقب، ومن ذلك مشروع القرن الإفريقي الكبير الذي يعمل على محاصرة التوجه العربي والإسلامي المرتبط بالإقليم منذ قديم الأزل، وإحلال ثقافة إفريقية مسيحية بدلاً منه، ومما يزيد خطورة الأمر أن مشروعي الشرق الأوسط الكبير وتوسيع جامعة الدول العربية يهدف كلاهما إلى أن يكون التقارب والتكامل على أسس جغرافية فقط وتجاهل لبنة الدين والثقافة، وهذا يعنى بوضوح قبول الكيان الصهيوني كعضو "شرعي"وإذابته بيننا بسهولة.

مما يلزمنا التعرف على أحوال المسلمين في السنغال البالغ تعدادهم نحو 12 مليون نسمة أغلبيتهم مسلمون، حيث يشكلون نحو 95% من عدد السكان أغلبهم يتبعون المذهب المالكي كعادة غرب أفريقيا، مركزين على التيار الإسلامي نبض هذه الأمة وحامل هويتها في زمن صراعات الحضارات..

صراع فرنسي أمريكي

وتبدأ فصول المشهد السنغالي من الصراع الفرنسي الأمريكي على أفريقيا حيث تعد فرنسا من أكبر الشركاء الاقتصاديين للسنغال التي تتلقي معونات اقتصادية فرنسية تشكل العمود الاقتصادي للسوق السنغالي، إلا أن تلك العلاقات شهدت تراجعاً حاداً منذ أحداث سبتمبر 2001م، حيث شكلت زيارة بوش للسنغال وعدة دول أفريقية في 2003م انقلاباً في علاقات السنغال مع فرنسا ليطفو على السطح شعار مكافحة الإرهاب أساساً جديداً للعلاقات مع واشنطن.

صراع الحركات الصوفية

إذ يبلغ تعداد المنتمين للحركات الصوفية في السنغال نحو 5 مليون مريد ، ينتمي أغلبهم للطريقة التيجانية التي تعد السنغال أكبر مركز للطريقة في غرب أفريقية ، حيث يمتلكون أكبر المزارع بالإضافة إلى الأموال التي يهديها لهم التلاميذ والمريدين المنتشرين في جميع أنحاء العالم وبالأخص في أوروبا وأمريكا حيث يطوف هؤلاء الخلفاء على مناطق تجمعاتهم في المناسبات الإسلامية المختلفة وبالأخص في المولد النبوي ويلقون عليهم بعض المحاضرات ثم يفتح باب الهدايا التي تنهال بملايين الدولارات ، حيث تقوم بعض الجاليات السنغالية في أوروبا بالاتفاق مع أشهر مصانع الساعات لطباعة اسم وصورة الخليفة على كمية معينة من الساعات ثم يقومون ببيعها في حضرة الخليفة مما يدر عليه وعلى طريقته أموالاً طائلة، وعلى سبيل المثال فالخليفة صالح إمباكي شيخ جماعة المريدين –مليون مريد-يمتلك واحدة من أكبر مزارع البساتين في غرب أفريقيا في محافظة جوربل والمعروفة باسم "طوبى".

وقد شهدت المدة الأخيرة تبادل الاتهامات بين جيل الشباب من الطريقة التيجانية - أكبر طريقة صوفية في السنغال - وجيل الشيوخ، خاصة بعد أن انشق "الخليفة" مصطفي شيخ تيجان سي الذي يبلغ من العمر 35 عاماً بمجموعة كبيرة من الشباب ،وأطلق على مجموعته اسم "المسترشدين والمسترشدات" وتبادل الاتهامات والشتائم مع بقية أفراد الطريقة التيجانية، وبالأخص مع عمه عبد العزيز سي (المتحدث الرسمي باسم الطريقة) بسبب خلاف قديم بين أبناء العائلة الواحدة على وراثة خلافة الطريقة، ووصل الأمر إلى إخراج أسرار العائلة، حيث يتهم مصطفى عمه "الخليفة" عبد العزيز بالسقوط في انحرافات أخلاقية.

ولعل أخطر ما في تلك الصراعات استخدامها من قبل الحكومات السنغالية المتتالية في تصفية الحسابات السياسية مع الخصوم خاصة مع التيار الإسلامي (عباد الرحمن) والعناصر السلفية الأخرى ، مثلما قام (وزير الداخلية الأسبق) جيوليتي كه بإغلاق مقر هيئة الإغاثة الإسلامية في العاصمة دكار واتهام القائمين عليها بالإرهاب، مما تسبب في اندلاع أعمال عنف لم تشهدها السنغال من قبل وأسفرت عن حرق محطات البنزين والسيارات والعديد من المباني الحكومية في عام 1997م ، وخرجت المظاهرات التي قادتها جماعة المسترشدين والمسترشدات مع عباد الرحمن متوجهة إلى القصر الجمهوري، واضطر الرئيس وقتها إلى عزله لامتصاص الغضب الجماهيري .

الصحوة الإسلامية والرهان على الشعب

حيث تأسست الجماعة الإسلامية السنغالية "عباد الرحمن" في جنوب البلاد في يناير سنة 1978م بعد اتصالات عدة، قادتها مجموعة من الإسلاميين المقتنعين بضرورة الحل الإسلامي والمتأثرين بطرح جماعة الإخوان المسلمين خصوصاً؛ حيث اتفقت مجموعة تجاوزت 200 شخص على إنشاء حركة إسلامية منظمة واضحة الأهداف محددة المعالم تعيد للشعب السنغالي هويته التي شابها الكثير من الانحراف بفعل الاستعمار الغربي (فرنسا) وتحكم مشايخ الطرق الصوفية في البلاد، وحسب الوثائق التأسيسية للحركة الإسلامية في السنغال فإن أهم الأهداف المرسومة والتي قامت عليها الجماعة، هي: تنقية التوحيد لله _عز وجل_، و الالتزام بكلمة التوحيد عقيدة، والتزام توحيد المسلمين سلوكاً وممارسة، واحترام الأخوة الإسلامية، مع احترام غير المسلمين ودعوتهم للإسلام.

كما تعتمد الحركة على العمل الخيري لتجسيد الأخوة الإسلامية، وتهتم بشؤون المسلمين من خلال التربية والتعليم والعمل الاجتماعي كبناء المساجد والمدارس والمرافق العامة وتوثيق العلاقات مع كل القطاعات الاجتماعية السنغالية من جمعيات إسلامية وطرق صوفية وتجمعات نقابية وأحزاب سياسية.

ولعل أهم ما يلفت النظر في التجربة الإسلامية في السنغال تركيز الحركة على التعليم بوصفه أحد أهم الأولويات بالنسبة لحركة دعوية في طور النشأة والتكوين، وذلك لمواجهة الانقسامات والازدواجية التي يعيشها المسلمون بين التعليم الديني والتعليم الحكومي كما يقول الشيخ مالك انجاي (مرشد الحركة الحالي)، ومن ثم أنشأت الحركة العديد من المدارس النموذجية التي تجمع العلوم الدينية والعلوم المدنية.

وتنطلق جماعة عباد الرحمن في السنغال من المدرسة الإخوانية عموما بنظرتها الشمولية للدين وتعاملها مع كل أمور الحياة بهدف إيجاد مجتمع إسلامي حقيقي مع ما يتطلبه ذلك من تأنٍ، ومرحلية وتدرج تتلاءم مع الوضع العام للبلد وتأخذ بعين الاعتبار تطور الجماعة داخل المجتمع دون أن تنسى بالطبع الأهداف التي من أجلها وجدت، وترى الحركة أن أكبر وسيلة لتحقيق أهداف الجماعة هي: "الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وحل الخلاف بالتي هي أحسن، مع التنبيه بما استطاعت إليه سبيلاً".

وللحركة لجنة اجتماعية تقوم بدور اجتماعي بين قادة ورموز المجتمع السنغالي من أحزاب سياسية وطرق صوفية، لكن ذلك لم يمنع من وجود خلاف بينها وبين النظام الاشتراكي الحاكم آنذاك بزعامة عبده ضيوف.. ذلك أن الجماعة ركزت في خطابها الدعوى منذ نشأتها على نقد العلمانية من خلال المحاضرات والملتقيات العامة والنخبوية وهو أمر ما كان ليروق لنظام متطرف في إعجابه بالعلمانية، مستغلاً في تسلطه الدعم الغربي ومساندة الطرق الصوفية.

وهكذا ظلت العلاقة بين جماعة "عباد الرحمن" والسلطة السياسية القائمة يطبعها شيء من التوتر وإن ظل محكوماً بالأطر القانونية، دون أن يتطور الأمر إلى الصدام إلى نهاية التسعينيات حيث قررت الحركة في مؤتمرها السابع الانفتاح على السلطة السياسية القائمة.

الانفتاح والمشاركة في الحياة السياسية

حين بدأت العملية السياسية في السنغال تتجه نحو التغيير إثر الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد وارتفاع أعداد الشباب العاطلين عن العمل والمطالبين بتغيير سياسي إلى الأفضل، عقدت الحركة عزمها على المشاركة في اللعبة السياسية، ودعمت رئيس الوزراء السابق مصطفى أنياس في الجولة الأولى مع مجموعة من القوى السياسية المختلفة، وفى الجولة الثانية بدلت الحركة تحالفها وقررت دعم المرشح عبد الله واد (رئيس الحزب الديمقراطي الليبرالي المعارض)، وتم ما أرادوا وأعلن (رئيس الجمهورية الممسك بزمام الحكم) عبده ضيوف هزيمته في الانتخابات وسقط نظامه، ودخلت البلاد في عهد جديد

إدماج التربية الإسلامية في مناهج التعليم

وتحولت العلاقة بين الحركة الإسلامية والسلطة من سلبية في السابق إلى علاقة تشاور وتبادل مع النظام الجديد، بل شهدت تحسناً ملحوظاً بعد دعم الحركة للدستور الجديد الذي قدمته الحكومة رغم علمانيتها بعدما ارتأت الجماعة أنه أفضل للشعب السنغالي من سابقه خصوصاً في مجال الحريات السياسية.

إلا أن العلاقة بين الاثنين شهدت تطوراً سريعاً عام 2002م وخصوصاً في مؤتمر الحركة الثامن الذي انعقد في داكار في المدة ما بين 5 إلى 10 مارس، والذي مثل الحكومة فيه (وزير الثقافة السنغالي) أحمد تيجان وان، والذي عبر عن ارتياح حكومته تجاه الحركة وقد فاجأ "وان" الحضور بإعلان الحكومة السنغالية الموافقة على إدخال مادة التربية الإسلامية في المدارس النظامية والذي كان من أهم مطالب الجماعة خلال السنوات الماضية مشيداً بالدور الكبير الذي لعبته الجماعة في تربية وتكوين الشباب

التنمية والفقر تحديات للجميع

وتواجه الحركة الإسلامية بعض التحديات في ضوء الأزمة الاقتصادية السنغالية التي تعاني من نقص الموارد وضعف الإمكانيات؛ في ظل ابتعاد غالبية الشعب عن مبادئ الدين وقيمه الحضارية، وهو أمر يثقل بدون شك كاهل الحركة الإسلامية.

لذا فإن الصحوة الإسلامية في السنغال التي قطعت أشواطاً بعيدة في الإصلاح التربوي والاجتماعي لم يبق أمامها سوى خطوات لاستيعاب خبرة العصر وتوظيفها لتعجيل حركة التغيير الاجتماعي والسعي لحضور رسمي في مؤسسات الدولة يوازي الحضور الشعبي ويكمله ويحصن الجهود المبذولة من خطر الاندثار، كما يلاحظ كذلك أن الحكومة السنغالية من خلال تعاطيها مع جماعة "عباد الرحمن" تبدو جادة في منهج التغيير الديمقراطي والتدافع السلمي وحريصة على مد الجسور مع أبناء الحركة الإسلامية، فهي متقدمة في هذا المضمار بدون شك على العديد من حكومات الدول الإسلامية داخل المنطقة وخارجها.

ولعل التحدي الأبرز للصحوة الإسلامية هو نجاحها في تفعيل لجنة للزكاة لمواجهة العراقيل التنموية في ظل الإسراف غير المبرر من أتباع الحركات الصوفية للمسؤولين الحكوميين الذين يستهويهم الفساد المالي واستغلال أموال وهبات أتباع التيجانية في مشروعات خاصة تؤثر سلباً في تنمية المجتمع السنغالي الذي يتهدده الفقر ومشروعات التنصير التي ترفعها المنظمات التنصيرية الدولية التي تغزو غرب افريقية التي تتمتع بغالبية كبيرة من المسلمين لا تروق للمنظمات الكنسية التي تترعرع مشروعاتها وسط جهل المسلمين وفاقتهم الاقتصادية.

ولعل جهود الصحوة الإسلامية بمختلف منظماتها الخيرية بدت أكثر اهتماماً بالموارد الذاتية والداخلية بعد حملات الإغلاق بحق المنظمات الإسلامية الخيرية ومنظمات الإغاثة الإنسانية ذات الطابع الإسلامي بعد تبني غالبية دول العالم لشعارات مكافحة الإرهاب وقطع سبل تمويل مشروعات الكفالة لجوعى وفقراء أفريقيا والمسلمين .

وفي هذا الإطار تبدو شبكة "الدراسات والبحوث الإسلامية للتنمية" في السنغال أكثر نجاحاً في تنظيم عدد من الدورات المفتوحة لكل السنغاليين تتضمن ندوات وبحوثاً متعمقة في مسائل زكاة الأموال والثمار، كما تتطرق إلى الاجتهادات والمتغيرات المستجدة على الساحة السنغالية والأفريقية التي ترتبط بمصارف الزكاة، فضلاً عن مناقشة سبل إنشاء لجنة وطنية للزكاة".

في ظل افتقار الخطاب الدعوي والوعظ والمحاضرات التي يلقيها العلماء للمعالجة الحقيقية لقضايا الزكاة، إضافة إلى ضعف المعلومات الشرعية التفصيلية عن الزكاة.

يُذكر أنه لا يوجد مصارف رسمية للزكاة في السنغال، ويتم تحصيلها بشكل فردي وعلى أساس انتماءات ولائية للعلماء والدعاة، وتعثرت محاولة جرت عام 2000م في السنغال لإقامة مؤسسة زكاة إسلامية أفريقية تغطي عدة دول في غرب أفريقيا؛ بسبب ضعف المساهمات من الدول والخلافات الإجرائية.

للمزيد عن الإخوان في السنغال

كتب متعلقة

ملفات وأبحاث متعلقة

.

مقالات وأخبار متعلقة