الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الظلم الإجتماعي والسكوت عليه سر إنهيار المجتمعات»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
(أنشأ الصفحة ب''''الظلم الاجتماعي والسكوت عليه سر انهيار المجتمعات بقلم أ.د. عبد الرحمن البر''' الحمد لله، وا…')
 
ط (حمى "الظلم الإجتماعي والسكوت عليه سر إنهيار المجتمعات" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(لا فرق)

مراجعة ٠٦:١٤، ١٧ فبراير ٢٠١٠

الظلم الاجتماعي والسكوت عليه سر انهيار المجتمعات بقلم أ.د. عبد الرحمن البر


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه، وبعد؛

فقد تناولتُ فيما سبق أثرَ الاستبدادِ والرِّضا به في انهيار الأمة، وفي هذا المقال أسلطُ الضوءَ على عاملٍ آخرَ من أهمِّ عوامل الهدم لمجتمعاتنا، وربما تتلوه بإذن الله مقالاتٌ أخرى لكَشْفِ أسبابِ الانهيارِ التي تسلطتْ على مجتمعِنا الإسلاميِّ من داخلِه، والتي أرى أن الاستبدادَ السياسيَّ وقمعَ الحريات كان له أكبرُ الأثر فيها، ثم بإذن الله أستعرض مع حضراتكم عواملَ البناءِ وأسبابَ النهوض، ودورَ كل منا في ذلك، داعياً اللهَ العظيمَ أن تكون المناقشاتُ التي نتناولها معا سبباً في وضوح الفكرة، ومقدمةً لعملٍ جادٍّ نافعٍ لخدمةِ دينِنا وأمتِنا ووطنِنا بإذن الله تعالى.


العدل أساس الملك:

هذه حقيقة اجتماعية معروفة، إذْ أن غياب العدل يُلْغِي مبرِّرَ وجودِ المجتمعات، حتى المجتمعاتِ الموصوفةِ بكونها إسلامية، ولذلك يقول أبو الحسن الخزرجي: «الملكُ مع العدلِ والكفرِ يدوم، ولكنَّ الملكَ مع الإسلام والظلم لا يدوم»([1]). وهذا صحيح فإن الإسلامَ والظلمَ لا يمكن أن يلتقيا. ولا ريب أنَّ أوضحَ مظاهرِ الظلمِ: الاستبدادُ السياسيُّ الذي يُفْسِد النفوس والأرواح، ويؤدِّي إلى تزاوج السلطة والثروة، فيفسد البلادُ والعباد.


الظالم والساكت سواء:

لذلك فإن الإسلام قد حرص على إدانة الظلم والظالمين، وسوّي بين المظلومين الساكتين على الظلم وبين الظالمين الذين يمارسونه، فقال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً[ (النساء:97).

ويُشيرُ النبيُّ r إلى هلاك الأمةِ حين ترضي بالظلمِ وتسكتُ عليه فيقول: «إِذَا رَأَيْتُ أُمَّتِي تَهَابُ الْظَالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ إِنَّكَ أَنْتَ ظَالِمٌ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ»([2]). وقال أيضا: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلاَ يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ»([3]).

ويشير إلى ذلك الخليفةُ العادلُ عمرُ بنُ عبد العزيز، فيقول: «إن الله لا يؤاخذُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ، فإذا ظهرت المعاصي فلم ينكروها استحقوا العقوبةَ جميعا»([4]).

وصدق الله العظيم: ]وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً[ (الأنفال:25).

وفي المقابل يُشِيدُ القرآن بالذين يرفضون الظلم، ويتناصرون لمقاومته، ويستنهضُ هِمَمَهم لمنازلته، فيقول تعالي: ]وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ* وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ (الشوري:39-42).


الظالم يهلك نفسه والأمة الظالمة تهلك نفسها:

كثيراً ما يعلن القرآنُ أن إهلاكَ الأفراد والأمم كان بظلمهم لأنفسهم، ولم يكن ظلماً من الله لهم: ]وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[ (النحل:33) ]وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ[ (هود:101) ]وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ[ (الزخرف:) ]إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[ (يونس:44) ]وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[ (العنكبوت:40) ]فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[ (الروم:9) ]وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً[ (الكهف:59) ]وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا[ (يونس:13).

ويدعو القرآنُ المسلمين إلى عدم المَيْلِ أو الرضى أو الركونِ إلى الظالمين؛ لما في ذلك من العواقب السيئة: ]وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ[ (هود:113). وإذا كان هذا التحذيرُ الشديدُ من مجرد الركون والميل إليهم فكيف بمشاركتهم في ظلمهم؟.


الظلمُ تهديدٌ لأمن الأمة القومي:

الظلمُ المقصود: هو اندحارُ الأفكار والمُثُل والقِيَم الفاضلة، وأعظمُه: الظلمُ الحاصل من طبقةِ الحكام ومَنْ تابَعَهم من ذوي السلطان، الذي يُنتج التعاونَ بين أصحاب السلطة وأصحاب الثروة، إذْ يظنُّ أولئكَ أنَّهم بمنأَى من أنْ تنالَهم يدُ العدالة لاستنادِهم إلى ركنٍ متين، ويظنُّون أن الشدَّةَ والعقوباتِ الصارمةَ والبطشَ القويَّ بالرعية هي التي تحمي هيبةَ الدولة، وتحفظ المجتمعَ، وتحمي الكراسيَّ المغصوبةَ والثرواتِ المنهوبة. وهذا إن صحَّ وأدَّتْ العقوباتُ غرضَها في إخافة الناس؛ فإنها تؤدي كذلك غرضاً آخرَ أكثرَ خطورةً وأهميةً، وهو إشاعةُ اليأسِ والإحباط، وقَتْلُ الروح المعنوية، وقبرُ الإيجابية المحرِّكة لعامة الشعب، وإضعافُ أو إزالةُ قيمة الانتماء للوطن.

بمعني آخر، فإنه لكي يؤمِّنَ الحاكمُ الظالمُ نفسَه وبطانتَه ضد تحرُّكِ الناسِ ليتحرَّروا من ظلمه وظلمهم؛ فإنه قتل فيهم النخوةَ والحمِيَّة.

والنتيجةُ الطبيعيةُ لهذا الظلم الحاصل: أن تقعدَ الكثرةُ المظلومةُ عن مقاومةِ أي عدوٍّ خارجيٍّ يقصدُ البلادَ بسوءٍ؛ ذلك أنه لن يكونَ عدواً مشتركاً للجميع، بل هو –في نظر الشعب المسحوق المظلوم- عدوٌّ للفئةِ الظالمة وحدها.

إنَّ المظلومَ المهانَ يرى أنه لا صالحَ للمحكومين والمظلومين في أن يبذلوا دماءَهم ليمنعوا تغييرَ السلطة الحاكمة وإسقاطَ البطانة الظالمة، إذا كان هذا التغييرُ في أسوإ الظروفِ يؤدِّي إلى استبدال ظالمٍ بظالم، على حين أنه في أحسنها قد يؤدِّي إلى حلول عادلٍ محلَّه.


لماذا يكره الناس الاستعمار ويقاومونه؟:

لأن المستعمِرَ لا يسعى إلا وراءَ مصالحه المادية وحدَها، وفي سبيل ذلك يستذِلُّ الناسَ ويبطشُ بهم. من أجل ذلك يسعى الناسُ إلى التحرُّرِ والتخلُّصِ من الاستعمارِ الأجنبيِّ في كل مكان؛ ليقيموا مكانَه حكماً وطنياً، يشعرُ بشعور المواطنين، ويعملُ جاهدًا على قضاء حوائجهم؛ لأنه منهم، فإذا استقضي منهم ضرائبَ فلِصَالِحِهم، وإن حشدهم إلى حربٍ فلصالحهم، ولصالح أبنائهم وذويهم.

أما إذا تحوَّل هذا الحاكمُ المواطنُ إلى بطشٍ وجبروتٍ أشدَّ من بطشِ المستعمر وجبروتِه؛ فإنَّ الشعوب تترحَّم على أيام الاستعمار.

وظُلمُ ذَوي القُرْبَى أَشَدُّ مَضاضَةً على المَرءِ مِنْ وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

لأنَّ هذا الظلمَ أكثرُ سوءًا وأبعدُ أثرًا في قتلِ معنوياتِ الأمةِ وإيجابيتِها، وتمييعِ شخصيتِها؛ لأنها لم تَعُدْ تري صالحًا عامًّا، بل إن استطاع الفردُ أن يكسب شيئا لنفسه فبِها، وإن لم يجد ما يكسبُه لذاته فلا حافزَ له، فتشيع الأنانيةُ القاتلةُ، وتتحول الأمةُ إلى سلسلة من الظَّلَمة، يظلم بعضُها بعضاً، ويجأرُ بعضُها بالشكوى من بعضٍ، حتى إن الحليمَ ليحتار: مَن الظالمُ ومَن المظلومُ؟ وتفقدُ الأمةُ الأملَ في حياةٍ عادلةٍ كريمة.

أَفَيُمْكِنُ لمجتمعٍ بهذه الصورة أن يحفظَ نفسَه من السقوطِ والانهيار، وعناصرُه متنافرةٌ لا يلتئم لها شملٌ، ولا يجمع بينها هدفٌ، ولا تحملُ في قلوبِها إلا التباغضَ والتحاسُدَ، ولا تنطوي نفوسُ الظالمين فيه إلا على الظلم، ولا يبيت المحرومون فيه إلا بضمائر الحقد والكراهية؟ أليس هذا الظلمُ الحاصلُ هو أحدَ أهمِّ أسبابِ شيوع الجريمة، وانتشار ما يسمونه (الإرهاب) الذي يكلف الأمة دماءً وأموالاً هي في أمسِّ الحاجة إليها لتطوير نفسها وتحقيق استقرارها؟

لقد صدق ابن خلدون حين قال في مقدمته: «الظلمُ مُؤْذِنٌ بخراب العمران».

ولكل عاقلٍ أن يسأل عن التكلفة المادية لحراسة الظلم والظالمين، وعلى سبيل المثال: كم يُنْفَقُ على مئات الألوف من الجنود المدججين بالسلاح لمكافحة ما يسمى (الشغب)؟ ومع ذلك فالظلم مؤذن بسرعة السقوط مهما كثرت التحصينات والجنود.

لكن انظر فيما يُرْوَي عن يَزْدجرد، آخرِ ملوك فارس، أنه بعث رسولاً إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأمره أن ينظرَ في شمائله. فلما دخل المدينةَ، قال: أين مَلِكُكُم؟ قالوا: ليس لنا مَلِكٌ، وإنما أميرٌ خرج. فخرج الرجلُ في أَثَرِه، فوجده نائماً في الشمس، ودِرَّتُه تحت رأسِه، قد عرق جبينُه حتى ابتلَّتْ منه الأرضُ، فلما رآه على حالته، قال: عَدَلْتَ فَأَمِنْتَ، فَنِمْتَ، وصاحبُنا، جَارَ فَخَافَ، فَسَهِرَ، أشهدُ أنَّ الدينَ دينُكم، ولولا أني رسولٌ لأسلمت. سأعود إن شاء الله.

وقد لا تدرك الأمةُ من الأمم عواقبَ الظلم الفاشي في أرجائها إلا بعد فوات الأوان، كما قال تعالى: ]وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ* فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ* لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ* قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ* فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ[ (الأنبياء:11-15).

إنه أَخْذُ الفجأة التي لا يلتفتُ إليها الظالمون؛ لكثرة ما أمهلهم الله عز وجل، فقد قال r: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ». قَالَ ثُمَّ قَرَأَ ]وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ[([5]) (هود:102).


عمر يشجع الأمة على الانتصاف من الظالم:

كان فاروقُ الأمة t يحذِّر من الظلم، حتى إنه لَيُشَجِّعُ المظلومين من أبناءِ الأمة على رفع مظالمهم إليه، ولا يتواني في أَخْذِ الحق لهم، حتى من وُلَاتِهم وذوي الوجاهة فيهم.

فعن عمرو بن ميمون قال: خطب عمرُ بنُ الخطاب t الناسَ، فقال: «أَلَا إِنِّي وَالله مَا أُرْسِلُ عُمَّالِي إِلَيْكُمْ لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ، وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، وَلَكِنْ أُرْسِلُهُمْ إِلَيْكُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ وَسُنَّتَكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ شَيْءٌ سِوَى ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِذَنْ لَأُقِصَّنَّهُ مِنْهُ» فَوَثَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَعِيَّةٍ فَأَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ أَئِنَّكَ لَمُقْتَصُّهُ مِنْهُ؟ قَالَ: « إِي وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ إِذَنْ لَأُقِصَّنَّهُ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله r يُقِصُّ مِنْ نَفْسِهِ، أَلَا لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلَا تُجَمِّرُوهُمْ(أي لا تحبسوهم في الرباط والثغور عن العودة لأهليهم) فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلَا تَمْنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلَا تُنْزِلُوهُمْ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ» ([6]).

وقال ذلك مرةً، فقام إليه رجلٌ، فقال: «يا أميرَ المؤمنين، عامِلُك ضربني مائةَ سوط. فقال عمر: «أتضربه مائةَ سوط؟ قُم فاسْتَقِدَّ منه» فقام إليه عمرو بنُ العاص، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنك إنْ تفتحْ هذا على عُمَّالك كَبُر عليهم، وكانت سنةً يأخذُ بها مَنْ بعدَك. فقال عمر: «أَلَا أُقِيدُه منه وقد رأيتُ النبي r يُقِيدُ من نفسه؟ قُم فاسْتَقِدَّ منه» فقال عمرو: دَعْنا إذاً فَلْنُرِضِه فقال: «دونكم» فأرضَوْه بأن اشتُرِيَتْ منه (يعني اشتروا منه مظلمتَه) بمائتي دينار، كل سوط بدينارين»([7]).

ويوصي عمرُ عاملَه أبا موسي الأشعريَّ t فيكتب إليه: «أنْ سوِّ بين الناس في مجلسِك وجاهك؛ حتى لا ييأسَ ضعيفٌ من عدلك، ولا يطمعَ شريفٌ في حَيْفِك»([8]) يعني في ظلمك.

أَفَيَصِحُّ في عقل العقلاء أن تتركَ أمةٌ أو جماعةٌ هذه الأصولَ العادلةَ والمبادئَ الصالحة، ثم يتماسكَ لها بينانٌ، أو يثبتَ لها صفٌّ في ميدان؟!

أَوَ يُمْكِنُ أن تكونَ الأمةُ شِيَعاً وطبقاتٍ، وأنْ يملأَ الظلمُ جَنَبَاتِها؛ ثم ترسخَ لها في مراقي العزِّ والفلاحِ قدم، أو تعلوَ لها رايةٌ بين الأمم؟!

كلا والله، إن الظلمَ لظلماتٌ بعضُها فوق بعض، إذا فَشَا في أمةٍ لم تَكَدْ تراها إلا صريعةً ضائعةً تتقلَّع جذورُها من تحتها، مثلما يخِرُّ عليها السقفُ من فوقها.

وأختم بالتأكيد على أن ظلمَ الحاكم وبطانتِه ربما كان بسببٍ من انتشار الظلم في نفوس الرعية وسكوتها على المظالم، وقد قيل:

نَسَبتُم الجَوْر لعُمَّالكم ونِمْتُم عن سوءِ أفعالكم

لا تنسبوا الجَوْرَ إليهم فما عُمَّالُكم إلا بأعمالِكم

فهل تفيق الأمة أفرادا وجماعات وهيئات ومؤسسات وحكومات وتراجع نفسها قبل فوات الأوان؟

([1]) إخراج الأمة المسلمة وعوامل صحتها- صـ 89.

([2]) الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه أحمد 2/163، 190والبزار 4/105 (2302-2303 كشف الأستار) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/262: رواه أحمد والبزار بإسنادين ورجال أحمد إسناد ي البزار رجال الصحيح وكذا رجال أحمد.

([3]) الحديث عن عدي بن عميرة الكندي أخرجه أحمد 4/192 بطرق مختلفة قال الهيثمي في المجمع 7/267: «رواه الطبراني وفيه رجل لم يسم وبقية رجال أحد الإسنادين ثقات».

([4]) الخراج لأبي يوسف القاضي صـ11.

([5]) الحديث عن أبي موسي الأشعري رواه البخاري في تفسير سورة هود 6/94 ط. الشعب ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب 4/1997-1998 رقم 61- «2583» وابن ماجه في كتاب الفتن باب: العقوبات 2/1332 «4018»

([6]) أخرجه أحمد (286) ورجاله ثقات.

المصدر:نافذة الفيوم