الفلتان الأمني ... أسباب ودوافع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الفلتان الأمني ... أسباب ودوافع

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

إن أهم ما يحتاج إليه المواطن ..

أي بلد مواطن هو الأمن، وعناصر الأمن كما حددها الإسلام خمسة : حفظ النفس، والنسل، والمال، والعقل، والدين، ولقد أصيب الأمن الفلسطيني في عناصره الخمسة بسبب جرائم الاحتلال، ولقد تصدت المقاومة الفلسطينية ببسالة للعدوان الصهيوني حماية للأمن الفلسطيني، وأصبحت بما أحدثته من توازن الردع قادرة بعون الله على تحقيق الحماية المطلوبة، ولكن ذلك يحتاج إلى وقت وهذا أمر يتفهمه شعبنا الفلسطيني، بينما الأمر الذي لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يتفهمه هو ضياع أمنه بأيد فلسطينية.

ومما يلفت الانتباه أن السلطة بين حين وآخر تدعو إلى وقف الفلتان الأمني، ولكنها لم تخط يوما خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح لتحقيق ذلك، ثم لا تلبث أن تغض الطرف عن الأمر، فإذا كان الفلتان الأمني يعني ما يقوم به أفراد أو جماعات من داخل الصف الفلسطيني من وممارسات تؤدي إلى الإخلال بأمن المواطن الفلسطيني فدعونا إذن نحدد أسباب الفلتان، حتى نتمكن من علاج هذه الظاهرة الخطيرة، وأرى أن أسباب الفلتان تتجلى في النقاط التالية:

أولا:

عدم قيام الأمن الوطني بدوره في حماية المواطن من العدوان الصهيوني، فماذا يمكن أن يكون دور الأمن الوطني إن لم يكن توفير الأمن للمواطن وحمايته؟! وهناك مواقع للأمن الوطني تؤهله أن يكون على علم مسبق بأي تحرك صهيوني عدواني، بل من الواضح أن العدو يقوم بإخطار الأمن الوطني قبل اجتياح المدن والمخيمات منعا للاحتكاك بينهما، فما هو دور الأمن الوطني إن لم يكن إنذار المواطن الفلسطيني كي يأخذ حذره ؟ وإلا لماذا سمي بالأمن الوطني؟!.

ثانيا:

عدم قيام الأجهزة الأمنية بملاحقة العملاء، وأوكار الفساد، وتجار المخدرات، مع أن هذه الفئات المتساقطة تشكل الخطر الأكبر على الأمن الفلسطيني في عناصره الخمسة سالفة الذكر.

ثالثا:

ما تقوم به عناصر محسوبة على الأجهزة الأمنية من اعتداءات مباشرة على أمن المواطن الفلسطيني، ولقد كان للإعلاميين النصيب الأكبر في هذه الاعتداءات.
ففي يوم الأحد 23/12/2001 تم الاعتداء بالضرب المبرح على مراسل "العربية" سيف الدين شاهين ثم تكرر الاعتداء عليه يوم الخميس 8/1/ 2004، وفي صباح الخميس 5/12/2002م أقدم ملثمون تمكن المواطنون الفلسطينيون من التعرف على هويتهم على حرق مكتب الجيل للصحافة في مدينة غزة، وفي مساء السبت 13/9/2003اقتحم عدد من الملثمين المسلحين ببنادق آلية وعصي وسيوف، مكتب قناة العربية الفضائية في مدينة رام الله، وتحت تهديد السلاح، وتوجيه سيل من الشتائم والإهانات، أرغم الملثمون ثلاثة من العاملين في المكتب على التجمع داخل إحدى الغرف، ثم باشروا في تحطيم الأجهزة والأثاث، وفي صبيحة الأحد 14/9/2003 اعترض عدد من المسلحين سيارة موزعي صحيفة الأيام في مدينة غزة،
وقاموا بمصادرة قرابة 1400 عدد من الصحيفة، وفي يوم الاثنين 2/2/ 2004 اقتحم ثلاثة مسلحين ملثمين مقر تلفزيون القدس التربوي في مدينة البيرة واعتدوا على موظفيه وأطلقوا نيران أسلحتهم الرشاشة على أجهزة غرفة البث وحطموها، وفي يوم الخميس 5/2/ 2004 تم الاعتداء على مكاتب مجلة "الدار" في غزة، وفجر الجمعة 13/2/ 2004 تم إضرام النار في سيارة الصحفي منير أبو رزق، مدير مكاتب "الحياة الجديدة" في غزة، وفي مساء الخميس 19/2/2004 اقتحم مسلحون مكتب وكالة الأنباء التركية "إخلاص" في مدينة غزة، وطالبوا العاملين فيه بإغلاقه ومغادرة قطاع غزة، وآخرها اغتيال الصحافي خليل الزبن وذلك صبيحة الثلاثاء 2/3/2004، وهنا لا بد أن نتساءل إن لم تكن عناصر من الأجهزة الأمنية هي التي تقف وراء تلك الاعتداءات فمن إذن؟ ولماذا لم تتخذ إجراءات قانونية ضد الفاعلين؟
وأما عن إطلاق الرصاص على المواطنين الفلسطينيين فحدث ولا حرج، فكم من مذبحة ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني ثم طويت صفحتها، فمن يقف وراء مذبحة مسجد فلسطين، ومذبحة الجامعة الإسلامية، ومذبحة جباليا، ومذبحة ميدان فلسطين، ومذبحة رفح، وغيرها؟! ومن الذي قتل عصام غبن وولده علام بين يدي عيد الفطر يوم الأربعاء 4/12/2002؟ ومن الذي أطلق الرصاص بعد ذلك على منزل القائد الشهيد إسماعيل أبو شنب؟ وغير ذلك مما لا يمكن حصره في مقال، إن لم تكن عناصر من الأجهزة الأمنية إذن فمن؟

رابعا:

عدم قيام السلطة بتطبيق العدالة والقانون في معالجة العديد من قضايا الفلتان الأمني، فعندما تتلكأ في تنفيذ حكم الإعدام بحق أربعة من المجرمين الذين قاموا بالاعتداء على فتاة فلسطينية، ومن ثم قتلها بطريقة بشعة وإلقائها في إحدى المزابل، وعندما تغلق ملفات التحقيق مع حفظ القضايا ضد مجهول في كل ما ذكرنا من اعتداءات سواء على الصحفيين أم على الجمهور وكأن شيئا لم يكن، لا يمكننا إلا أن نقول بأن السلطة ترعى الفلتان الأمني ولا تقاومه.

خامسا :

قيام السلطة بتجميد أرصدة المؤسسات الخيرية الإسلامية، أي حرمان الفقراء والأرامل والأيتام من الأمن الغذائي في تزامن عجيب مع قيام الصهاينة بسرقة أموال المؤسسات الخيرية عن طريق السطو المسلح على البنوك في رام الله، مما يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني، ويؤدي إلى مزيد من الفلتان الأمني لأن السلطة لا تحترم القانون، فأي قانون هذا الذي يجيز للسلطة أن تجمد أرصدة مؤسسات لم تخالف القانون؟ وأي قانون هذا الذي نطالب الناس إذن باحترامه؟!!!
ومن العجيب أن السلطة بدلا من قطع دابر الفلتان الأمني نراها أحيانا تقوم بالتخطيط لوقف الانضباط الأمني الذي تمثله الفصائل الفلسطينية المقاومة، وهذا مما يزيد الشكوك في حقيقة نوايا السلطة، ولقد أثبتت الأيام أن فصائل المقاومة كانت ولازالت أبعد ما يكون عن الفلتان الأمني.

ولكن لماذا لم تضع السلطة حدا للفلتان الأمني؟

قد تكون السلطة عاجزة عن ذلك لأن الذين يخلون بالأمن في غالب الأمر هم عناصر الأجهزة الأمنية، وهؤلاء يحظون بحماية تامة من أجهزتهم، وأما العملاء فقد بات واضحا أن اتفاقية أوسلو توفر لهم الحماية، وأما تطبيق القانون فسيؤدي إلى ملاحقة القائمين عليه، كما أن السلطة على ما يبدو تستثمر حالة الفلتان الأمني في خلط الأوراق، أملا في وضع المقاومة في قفص الاتهام، مع أن الفرق واضح بين من يشكل تهديدا للأمن الداخلي الفلسطيني ومن يشكل تهديدا لأمن الاحتلال.

المصدر