القدس والتحدي الحضاري

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
القدس والتحدي الحضاري


المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

)سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(

الإسراء- آية 1

الطبعة الأولى

مايو 2001م

إهداء

  • إلى كــل مجاهــــد مـن أجل فلسطين والقدس الشــــــريف...
  • إلى كل طفل يحمل حجرا يدافع عن أهله وبلده ومقدساته...
  • إلى كل الصامدين في بيت المقدس وأكناف بيت المقـدس...
  • نهدي هذا الكتاب.. خطوة نحو النصر، وشهادة للتاريخ.

اتحاد المنظمات الطلابية

القدس والصراع الحضاري

هذا هو الكتاب الأول في سلسلة توحيد المفاهيم السياسية. والمفاهيم الصحيحة هي التي تهدي العاملين إلى أوضح السبل.. وتوصلهم إلى غايتهم من أقصر الطرق.

أما كتاب القدس والصراع الحضاري فيمثل البداية. وإذا لم يفهم جيلنا أن قضية فلسطين والأرض المباركة المقدسة، ليست مجرد صراع على قطعة أرض.. أو غلبة سياسية لقوم على قوم.. وأنها صراع حضاري بين المسلمين الذين يؤمنون بأن الله خلق الخلق وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا، وبين الصليبية الغربية وطليعتها من اليهود الذين ما زالوا يتحفزون لاحتلال أرض المسلمين.. وقتلهم.. وإبادتهم.. وتخريب ديارهم.. وإبقائهم في دائرة التخلف.. هذا الصراع بدأ مع نزول وحي السماء على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. وما زال مستمرا حتى اليوم.. وهو معركتنا الحضارية.. فإما النصر وإعلاء راية الحق والعدل.. وإما الإنحدار إلى بؤرة الاحتلال والانهيار..

عنوان مجدنا وعز أمتنا، مرتبط بالحفاظ على هويتنا وصيانة مقدساتنا.. ويوم يفلح اليهود في محاولاتهم هدم المسجد الأقصى كما حاول المهووس الاسترالي عام 1969، أو الحاخام كهانا عام 1980، وإقامة الهيكل المزعوم مكانه كما حاولوا عام 1990، يوم يفلحوا في ذلك.. فأقرأ على هذه الأمة السلام.

فلسطين المباركة وقدسها الحرام.. أمانة في أعناقنا.. سنبقى ما بقي.. أمة هي خير أمة.. ومقدسات دونها المهج والأرواح.

ولقد تعاون في وضع هذا الكتاب ثلة من الكتّاب المحترمين أخص منهم بالذكر الأخ مجدي الأشقر والأخ علي البغدادي وغيرهم الذين راجعوا الكتاب وسددوا أفكاره.. فلكل أقدم الشكر الجزيل.

والذي أرجوه من الركب الطلابي الذي يسدّ الأفق بسعته.. ويطاول الأنجم بهمته.. ويتدفق في عروقه دم الثقة والتضحية.. أن يعمل على نشر هذا الكتاب بكل اللغات وأن يوصله إلى كل يد.. حتى يفهم الرهط الكريم حقيقة الصراع الذي يخوضون.. فيأخذوا الأهبة ويتسلحوا بالأسباب.

والحمد لله رب العالمين

مصطفى محمد الطحان
اتحاد المنظمات الطلابية
26/2/1422هـ
19/5/2001م

توحيد المفاهيم

العمل الطلابي عمل رائد، يمثل ذروة الوعي بقضايا الأمة، وطليعة كل تحرك إيجابي لمصلحتها.. ولذا وجب العناية به وتسديده وإرشاده.

وكما هو الحال دائما، فإن العمل الصحيح ينطلق من مفاهيم قويمة وأفكار ناضجة، تهدي العاملين إلى الطريق الصحيح وتقوم أي إعوجاج وتجبر كل تقصير..

غير أن الامتداد الكبير للعمل الطلابي عبر الزمان والمكان، وانتشار كوادره في أرجاء الدنيا وفي أجيال متتابعة، بالإضافة إلى صعوبة التواصل بين الكوادر العاملة في العمل الطلابي.. هذا الامتداد الواسع والصلات الصعبة أتاح الفرصة لتباين الآراء واختلاف المصطلحات وتنوع المفاهيم، بحيث أصبحت هذه الظاهرة خطرا حقيقيا يحيق بالعمل الطلابي على مستوى العالم.

وحتى لا يترك هذا العمل الهام لاجتهادات محلية قد تصيب وقد تخطئ، أو لتجارب مبتسرة قد تعبر عن كامل الصورة وقد تقصر.. وحتى لا تخضع المفاهيم الأساسية في العمل لتفسيرات متباينة، فينشأ الخلاف وتتسع رقعته.. حتى لا يحدث ذلك كله، كان لا بد من العمل على توحيد المفاهيم الأساسية بين العاملين.. والاتفاق على تعريفات واضحة لما يطلق من كلمات ومصطلحات وأقوال، قد يفهمها الجميع بشكل متباين، حسب الثقافات والمجتمعات والبيئات المختلفة.

خطوات توحيد المفاهيم

تمر عملية توحيد المفاهيم بخطوات عدة، مرتبة يعتمد بعضها على بعض، وينبغي أن يراعيها المتصدون للعمل في هذا المجال.. وقد حرصنا في عملنا لتوحيد المفاهيم بين العاملين في العمل الطلابي في مختلف أنحاء العالم على مراعاة هذه الخطوات واستكمال كل خطوة منها على نحو جيد.. ونحن نعرض هنا لهذه الخطوات بشيء من التفصيل لتعم الفائدة.

1- تحديد المفاهيم المراد توحيدها

يتم حصر شامل للمفاهيم التي تختلف فيها الأفهام، وتشكل محاور رئيسة لفكر العمل الطلابي وحركته.. وأفضل الطرق لإنجاز هذا الحصر هي عقد لقاء أو عدة لقاءات للمهتمين بالعمل الطلابي والكوادر الطلابية من الأجيال المختلفة وإدارة حوار مفتوح ونقاش للعصف الذهني وتجميع الأفكار ثم إعادة تقييمها وترتيبها للخروج بقائمة تشمل أهم المفاهيم التي يجب العمل على توحيدها بين العاملين.

2- دراسة المفاهيم حسب الأولوية

بعد إعداد قائمة بالمفاهيم المراد توحيدها يتم ترتيبها حسب الأولوية بناء على أهمية كل مفهوم ومدى تأثيره في فكر وحركة العاملين في المجال الطلابي.

ثم يتم بعد ذلك دراسة كل مفهوم حسب الأولوية.. ويمكن أن نتنوع في وسائل الدراسة حسب طبيعة كل مفهوم وأهميته، ونجمل هنا بعض أساليب دراسة المفاهيم ووسائلها:

• حلقات النقاش: حيث يتم إعداد ورقة عمل حول المفهوم المراد دراسته، وتوزع على عدد من المهتمين وأصحاب الرأي ويتم دعوة الجميع إلى حلقة أو أكثر للنقاش حول المفهوم ثم تعاد الصياغة بعد ذلك.

• اعتماد كتاب أو جزء منه: بحيث يتم دراسة عدة كتب واختيار أجزاء منها أو اعتماد أحدها أو جزء منه للدلالة على المفهوم المراد توحيده، على أن يشار إلى المؤلف أو المؤلفين الأصليين.

• الإحالة إلى مختص: بحيث يتم الاتفاق مع أحد المتخصصين في الموضوع المراد دراسته، ويحدد معه الخريطة العامة للبحث ومتابعته لإنجاز المهمة.

• رسائل الماجستير والدكتوراه: يتم الاتفاق مع بعض أعضاء هيئة التدريس لإدراج المواضيع المراد دراستها ضمن خططهم البحثية وإنتاجها من خلال طلاب الدراسات العليا في رسائل الماجستير والدكتوراه.

• المسابقات: حيث يتم الإعلان عن مسابقة في إنتاج الأبحاث المراد دراستها وتدرس الأبحاث المقدمة ويختار الصالح منها.

3- إنتاج إصدارات وتوزيعها

ويتم في هذه الخطوة ونتيجة الدراسة لكل مفهوم على حدة، أو لعدة مفاهيم متقاربة، إخراجها في إصدار يناسب البيئة والمجتمع، وينصح بالتنوع في أشكال الإصدارات لتصل إلى أكبر شريحة ممكنة من العاملين في المجال الطلابي والمهتمين به.. ومن الأشكال المتعددة للإصدارات ما يلي:

• الكتب والمنشورات: وقد بادر اتحاد المنظمات الطلابية إلى إصدار (سلسلة توحيد المفاهيم) وضمنها مجموعة من المفاهيم الهامة التي نرى ضرورة العمل على توحيدها بين العاملين في المجال الطلابي في العالم.

• أشرطة الكاسيت والفيديو: وهو إصدار سهل التوزيع والانتشار، يسهل على الجميع الاستماع إليه، ويوصل المفاهيم بشكل جيد وميسر.

• برامج كمبيوتر وأشرطة ليزر: يمكن تناقلها بسهولة وإرسالها عبر الانترنت وعلى المواقع الطلابية خاصة موقع الاتحاد Students-Online.

• المحاضرات والندوات والمناظرات: فيتم تضمين المفاهيم المراد العمل على توحيدها في برامج المحاضرات والندوات والمناظرات ومتابعة نتائجها.

• الدورات والبرامج التدريبية: فيتم إعداد الدورات وتضمينها ضمن البرنامج التدريبي للعاملين في المجال الطلابي.

وعلى العاملين في المجال الطلابي البدء فورا في وضع خطة لتوزيع هذه الإصدارات وترجمتها، وإقامة هذه الملتقيات في كافة أنحاء المنطقة المراد توحيد المفاهيم فيها، والتأكد من قيام العاملين فيها بالاستفادة من الدراسات وإيصالها إلى جموع الطلاب حسب طبيعة المفهوم وظروف المنطقة.

4- المتابعة والتقييم

وهي خطوة لازمة لا غنى عنها، فيجب متابعة تنفيذ البرنامج والخطة وتقييمها، وقياس مدى كفاءة الوسائل المستخدمة في إحداث الهدف المطلوب، وذلك بقياس نسبة ما تحقق من تصحيح للمفاهيم الخاطئة وتوحيد في المفاهيم المستهدفة.

سلسلة توحيد المفاهيم

وعليه فقد بادر اتحاد المنظمات الطلابية إلى إصدار سلسلة من الكتب تحت مسمى (سلسلة توحيد المفاهيم)، وتم تقسيم المفاهيم المراد توحيدها بين العاملين في المجال الطلابي إلى أربع مجموعات يتضمن كل منها عددا من المفاهيم:

أولا- المفاهيم الدعوية

• بين الحق والباطل: وهو بحث في سنة الله الكونية في التدافع بين الحق والباطل وكيفية تسخير هذه السنة لصالح العمل.

• دور الشباب في نهضة الأمة.

• الشورى: أهميتها ومجالاتها وتطبيقاتها الحديثة.

• الدعوة: مراحلها وأهدافها وفنونها والآفات على طريقها.

• المرأة ودورها في المجتمع.

ثانيا- المفاهيم التربوية

• آداب الحوار والاختلاف: كيف نتحاور ونختلف دون أن يفسد ذلك للحب قضية.

• التغيير: سنة كونية في الإنسان وبيئته، كيف نغير أنفسنا ومجتمعاتنا إلى الأفضل.

• الحب: العاطفة الكبرى التي تفجر الطاقات وتحرك الأفراد والمجتمعات.

• القدوة: وسيلة الدعوة والتغيير الأولى.

• تطوير الذات: استشعار المسؤولية ووجود الدافع والتعرف على الذات والتعايش معها والعمل على تطويرها.

ثالثا- المفاهيم الإدارية

• إدارة الوقت.

• العملية الإدارية.

• القيادة.

• إدارة الاجتماعات.

• العمل المؤسسي.

رابعا- المفاهيم السياسية

• القدس والتحدي الحضاري.

• الدولة الإسلامية.

• التعددية.

• العولمة.

• الأقليات.

• العمل النقابي.

فلسطين والمؤامرة الكبرى

كثيرا ما نستخدم كلمة مؤامرة للتهرب من أخطائنا وتعليق نتائج تقصيرنا على مؤامرات أعدائنا.. ولكننا عندما نتحدّث عن فلسطين.. فإننا نتحدّث عن مؤامرة كبرى.. عن مؤامرة امتدّت مئات السنين تحالفت فيها القوى الصليبيّة في العالم، واتخذت جميع الأسباب التي أسفرت في النهاية عن تحقيق حلم اليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين.

• عام 1799م عندما تحركت أطماع الفرنسيين لإخضاع الشرق، أعلن نابليون أهدافه فقال: (إنني لا أطالب ورثة فلسطين الشرعيين باحتلال وطنهم فحسب، بل أطالبهم بضمان ومؤازرة هذه الأمة لتحفظوها مصونة من جميع الطامعين بكم لكي تصبحوا أسياد بلادكم الحقيقيين).

• عام 1897م عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا بزعامة تيودور هرتزل.. وقرر إقامة دولة يهودية في فلسطين.. وعندما رفض السلطان عبد الحميد مؤامرتهم قرروا إزاحته عام 1909م.

• الحرب العالمية الأولى عام 1914م كانت بتحريض من اليهود لتحطيم الدولة العثمانية..

• الحرب العالمية الثانية كانت بتحريض من اليهود لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين.

• سايكس بيكو عام 1916م،

وعد بلفور عام 1917م،

• الجنرال اللنبي يدخل القدس أواخر عام 1917م معلنا انتهاء الحروب الصليبية.

فلسطين للفلسطينيين شعار رفعه اليهود للاستفراد بفلسطين وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي.

• القوميّة التركية والقوميّة العربيّة التي حاربت وحدة البلاد الإسلامية.. وجرّأت زعيما مثل فيصل بن الحسين ليعلن: (أننا نحن العرب، وخاصة المثقفين، ننظر برغبة شديدة إلى النهضة الصهيونية.. وسنعمل كل ما في وسعنا لمساعدة اليهود، ونتمنّى لهم وطنا ينزلون فيه على الرحب والسعة).

• الثورات الشعبيّة الفلسطينية التي بدأت منذ عام 1919م لم تتوقف إلا بقرار من زعماء الدول العربية الذين كانوا على علاقة وثيقة بحكومة الانتداب..

• الجيوش العربيّة التي دخلت عام 1948 إلى فلسطين وهي تعلن أنها ستعيد الحق المغتصب إلى الشعب الشقيق.. إنما كانت لتثبيت الخطّة المتفق عليها والتي تقضي بإقامة دولة إسرائيل..

• الحرب الرسمية، ومعاهدة رودوس عام 1948.

• حرب عام 1956م.

• حرب الأيام الستة عام 1967م.

• حرب عام 1973م واتفاقية كامب ديفيد الأولى.

• اجتياح لبنان عام 1982م.

• تصفية العمل الفدائي في لبنان، وتشريد المقاتلين الفلسطينيين في المنافي العربية البعيدة، ومذبحة صبرا وشاتيلا.

• اتفاقية غزة - أريحا أولا..

إن قيام إسرائيل في منطقتنا.. وتوسعها على حساب شعبنا.. هي المؤامرة الكبرى التي أصابت أمتنا.. وهي التحدي الحقيقي التي يواجهنا منذ إعلان الصليبيين واليهود حربهم علينا.. وحتى اليوم..

إن خلاص أمتنا.. وسؤددها.. وكرامتها.. ووجودها.. وحضارتها.. تعتمد أساسا على الخلاص من هذه المؤامرة وتحطيمها..

ولن يفعل ذلك.. ولن يقدر عليه.. إلا الشباب المسلم.. رهبان الليل وفرسان النهار. والمعركة تحتاج كل أدواتها.. الإصرار على الوعي والعلم.. وامتلاك وسائل العصر.. والإعداد والاستعداد.. وأخيرا انتزاع الحقوق.. وإعلاء راية الحق والعدل.

فلسطين الأرض المباركة

(1)
فلسطين الأرض المباركة

لا يختلف اثنان من المسلمين على المكانة الخاصة لفلسطين وللقدس، وقد أجمع المسلمون على أن لبيت المقدس وأكنافه مكانة مرموقة للأسباب التالية:

أرض البركات

ورد فعل (باركنا) في القرآن الكريم خمس مرات، وفي المرات الخمسة كلها يدور الكلام حول بيت المقدس، جاء ذلك في الآيات التالية:

• )الذي باركنا حوله( [1].

• )ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين( [2].

• )وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها( [3].

• )ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها( [4].

• )وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة( [5].

وبركة أرض بيت المقدس ترجع إلى كون هذه الأرض مبعث كثير من الأنبياء كداود وسليمان وعيسى عليهم السلام، وهي مهبط الملائكة لقوله صلى الله عليه وسلم: (يا طوبى للشام، يا طوبى للشام، قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطة أجنحتها على الشام)[6]، ويرقد في فلسطين كثير من الأنبياء منهم أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام، وقبره معروف في مدينة الخليل، وأن بعض الأنبياء أوصى أن يدفن فيها، وبعضهم طلب من الله أن يدفن في أرض قريبة منها[7]، قال النووي: (وأما سؤاله -أي موسى عليه السلام- الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم) [8] ، ولكونها أرض المحشر والمنشر، روى الإمام أحمد بسنده عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس، فقال: (أرض المحشر والمنشر)، وهي كذلك أرض الحساب ووضع الموازين للناس، قال أبو عبد الله المنهاجي: وتوضع الموازين يوم القيامة ببيت المقدس وينفخ إسرافيل في الصور ببيت المقدس.. ويتفرق الناس من بيت المقدس إلى الجنة والنار)[9] ، وقال ابن الجوزي: قال كعب (العرض والحساب ببيت المقدس)[10] .

أولى القبلتين

استمر المسلمون في التوجه إلى المسجد الأقصى منذ أن فرضت الصلاة (قبل الهجرة) إلى أن جاء الأمر بتحويل القبلة بعد الهجرة بستة عشر شهرا، عنـدمـا نـزل قوله تعالى: )وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ( [11].

ثالث المدن المعظمة

فالمعروف في الإسلام أن هناك ثلاث مدن معظمة وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس وفي الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى ومسجدي هذا) [12] ، وقد جعل الإسلام الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وفي المسجد النبوي بألف صلاة وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة.

أرض الإسراء والمعراج

وحادثة الإسراء والمعراج لها أهميتها العظيمة في الإسلام ففيها فرضت الصلاة، وفيها أم الرسول صلى الله عليه وسلم الأنبياء، وفي هذا من المعاني الكثير، ولعل من أهمها انتقال القيادة الدينية من بني إسرائيل إلى أمة جديدة، ورسالة جديدة للناس أجمعين )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين(.وقد نص القرآن الكريم على حادثة الإسراء والمعراج، قال تعالى: )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ(، وللإسراء والمعراج دلالات عظيمة في نفوس أتباع هذا الدين، فهي تدل على ارتباط المسجدين الأقصى والحرام ارتباطا روحيا، يقول د. مصطفى السباعي: (أما صلة المسجد الحرام بالمسجد الأقصى فهي صلة الشرف بالشرف.. والمسجد الأقصى هو مهبط الرسالات، وملتقى النبوات في فترات طويلة من التاريخ، فيجب أن تنطلق مواكب التحرير من هاتين البقعتين وتسير كتائب الإيمان من هذين المسجدين ليهتدي العالم الضال، والإنسانية التائهة بنور الإيمان ورسالة الإسلام) [13].

أرض الرباط والجهاد

جاءت الأحاديث النبوية الشريفة لتخبرنا بأن هذه الأرض ستكون ساحة للمعارك، وأن المقيم فيها يعتبر مجاهدا في سبيل الله ومرابطا، روى الطبري عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أهل الشام وأزواجهم وذرياتهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة من المدائن فهو في رباط، ومن احتل منها ثغرا من الثغور فهو في جهاد).

وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قيل يا رسول الله أين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) [14].

عقر دار الإسلام

تعتبر أرض فلسطين ملجأ الأنبياء والصالحين يهاجرون إليها ويحتمون بحماها عند اشتداد المحن والفتن، فقد هاجر إليها إبراهيم وابن أخيه لوط عليهما السلام، لعدم التمكن من إظهار الدين ونشره في العراق، وخرج موسى عليه السلام تجاه بيت المقدس عندما اشتد به أذى فرعون وجنوده، ويظل هذا الأثر ملازما لهذه الأرض، فعن سلمة بن نفيل قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (عقر دار الإسلام بالشام)[15] ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني رأيت عموم الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام)[16] .

أرض الشهداء

لم يتخضب تراب أي ثغر إسلامي بدم الشهداء مثل ما تخضبت به أرض الإسراء، فمنذ حملة الفتوح الأولى التي قادها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفلسطين تتروى بالدم الزكي الطهور، حيث نال الشهادة في معارك أجنادين وفحل وقيسارية التي جرت على أرضها جمع غفير من الصحابة، وفي معارك تطهير فلسطين من الصليبيين التي قادها نور الدين زنكي وأولاده وصلاح الدين وأفراد أسرته قدم الآلاف أرواحهم الطاهرة في سبيل الله. وفي عين جالوت التي رد فيها المسلمون التتار نزفت الـدمـاء الزكية مـن أبنـاء المسلمين. وخلال الأربعة عقود الماضية من هذا القرن ودماء المسلمين في فلسطين تسيل طاهرة زكية وما زالت قوافل الشهداء تترى.

لهـــذه الأسبـــاب وغيــــرهـــــــا فـــــــــــــإن فلسطين كــــــــــانــــــت ولا زالــــــــــت وستبقى أرضـــــــا مقدســـــة في اعتقــاد المسلميــــن، لهـــا أهميتهـــا ومكــــانتهـــا.. تهـفو إليهــــــا نفـــوس المؤمنيـــــن.. يدافعــــــون عنها ويروونهـــــــا بدمائهـــم.. هكذا كانـــــــــت.. وستظــل إلى قيــام الســاعــــــة.

[1] الإسراء- 1.

[2] الأنبياء- 71.

[3] الأعراف- 137

[4] الأنبياء-81.

[5] سبأ- 18.

[6] الترمذي وأحمد والحاكم.

[7] اختلف العلماء في ثبوت القبر المعروف في الخليل لسيدنا إبراهيم عليه السلام، ولكن الصحيح الذي عليه الجمهور كما قال ابن تيمية في الفتاوى (27/445) أنه قبره أما قبر يونس وإلياس وشعيب وإسحق فلا يعرف.

[8] شرح مسلم- النووي، 15: 18.

[9] إتحاف الأخصا- أبو عبد الله المنهاجي، 1: 107.

[10] فضائل بيت المقدس- ابن الجوزي، ص- 137.

[11] البقرة- 150.

[12] متفق عليه.

[13] الإسلام والقضية الفلسطينية- عبد الله علوان، ص- 15.

[14] أحمد.

[15] الطبراني ورجاله ثقات.

[16] حديث صحيح، أخرجه الحاكم وأبو نعيم في الحلية.

عمر بن الخطاب يتسلم بيت المقدس

(2)
عمر بن الخطاب يتسلم بيت المقدس

لما اشتدّ حصار جيوش المسلمين ببيت المقدس سنة 636م، أطلّ البطريرك صفرونيوس على المحاصرين من فوق أسوار المدينة، وقال لهم: إنا نريد أن نسلّم ولكن بشرط أن يكون التسليم لأميركم. فكتب أمير الجيش إلى عمر بن الخطاب يقول: إن القوم يريدون تسليم المدينة لكنهم يشترطون أن يكون ذلك ليدك شخصيا.

واستجاب عمر، فلما وصل إلى أسوار القدس وجد نصاراها في استقباله وعلى رأسهم صفرونيوس، وتحدث عمر فقال: يا أهل ايلياء، لكم ما لنا وعليكم ما علينا. ثم دعاه البطريرك صفرونيوس لتفقد كنيسة القبر المقدس (كنيسة القيامة) فلبى الدعوة، وأدركته الصلاة وهو فيها، فالتفت إلى البطريرك وقال له: أين أصلي؟ فقال له مكانك صلّ.. فقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدا.

العهد العمري

وقد أعطى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عهدا إلى أهل إيلياء، جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل ايلياء من الأمان، أعطاهم لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملّتها، انه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيّزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ،ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود وعلى أهل ايلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن أحب من أهل ايلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصُلُبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يُحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.

شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة للهجرة[1].

منــذ أن تسـلـــــم الفاروق عمر مفـــاتـــيـــــح بيــــت المقــدس بعهـــد رسمــــي.. وبيـــت المقـــــدس وقف للمسلمين يدافعون عنه ويروونه بدمائهم.

[1] تاريخ الطبري الجزء الثالث ص 609.

فلسطين في ظل الحروب الصليبية

(3)
فلسطين في ظل الحروب الصليبية

الحديث عن فلسطين وتاريخها يقتضي أن نعطي لمحة عن الحروب الصليبية. تلك الحروب التي غزت -بتحريض مباشر من البابا- الشرق الإسلامي، وقذفته بتسع حملات صليبية شرسة، قادها ملوك أوروبا وفرسانها، بهدف القضاء على المسلمين.. وجعلوا على رأس أهدافهم أن تكون فلسطين وبيت المقدس بالذات مركز دولتهم الصليبية.

الحملة الصليبية الأولى 1099م

ابتداء من عام 970م بدأ النصارى في أسبانيا حربا مسلحة نشطة ضد المسلمين.. انتهت بسقوط الدولة الأموية في الأندلس في السنين الأولى من القرن الحادي عشر الميلادي. ولقد شجع هذا السقوط الكنيسة والأمراء الأوروبيين بتحريض مباشر من البابا (بينيدكت الثامن) على غزو جزر صقلية وسردينيا.

أما الحملة الصليبية الأولى التي خرجت من أوروبا.. قاصدة بيت المقدس، فقد كانت بقيادة جودفري أوف بويلون. واستطاعت هذه الحملة التي بلغ عدد المشتركين فيها 600 ألف مقاتل أن تستولي على القدس في يوليو (تموز) 1099م، وأصبح بذلك جودفري أول حاكم صليبي لبيت المقدس.

الحملة الصليبية الثانية - 1147م

جاءت الحملة الصليبية الثانية عام 1147م بقيادة ملك فرنسا (لويس الرابع) وامبراطور ألمانيا (كونراد الثالث)، توجهت إلى دمشق.. وإذ استعصت دمشق على الفتح.. عاد الصليبيون أدراجهم مسجلين أول فشل ذريع في هذه الحروب العدوانية..

ولقد شجع فشل الحملة الصليبية الثانية القيادة الإسلامية الناشئة على متابعة طريق الوحدة والقوة.. فلقد نجح (نور الدين محمود) في إلحاق هزيمة بالفرنج في عسقلان سنة 1164م، ثم فتح مصر سنة 1169م وأقام نائبه (أسد الدين شيركوه) واليا هناك الذي خلفه بعد موته صلاح الدين الأيوبي عام 1171م. وعندما مات نور الدين سنة 1174م، وحدّ صلاح الدين الأيوبي جميع هذه البلدان تحت قيادته [1].

كان ملك القدس الصليبي آنذاك هو بالدوين الرابع، وقد هزمه صلاح الدين في معركة بانياس، واضطر الفرنجة عندها إلى عقد صلح مع المسلمين، إلا أن الفرنجة سرعان ما نقضوا العهد كعادتهم.. وفي هذه الأثناء تولى الحكم أخوه الملك بالدوين الخامس.. الذي دسّ الفرنجة له السم.. وتولى بعده الحكم الملك (غاي دي لوزيجنان)[2].

معركة حطين الخالدة

كان واضحا من سياسات البطل نور الدين محمود والبطل صلاح الدين الأيوبي من بعده أنهما كانا يتخذان الأسباب المناسبة لتحرير بيت المقدس الذي يرزح تحت وطأة الاحتلال الصليبي المهين..

وجاءت الفرصة.. (عندما اعتدى أمير الكرك الصليبي على قافلة حجاج تابعة للدولة الإسلامية عام 582هـ، وإمارة الكرك هذه واقعة بين البلاد الشامية، والبلاد المصرية، وكان بين صلاح الدين وبين هذه الإمارة هدنة ومسالمة، وكان من بنود الهدنة السماح للقوافل الإسلامية بالانتقال من مصر إلى الشام وبالعكس في سلامة وأمان)[3]..

وأعلن البطل الجهاد المقدس.. وخرج من دمشق بعد صلاة الجمعة يوم 17 ربيع الآخر سنة 583هـ بين تهليل المسلمين وتكبيرهم وابتهالهم ودعائهم بالنصر للإسلام وقيادة المسلمين.. وكانت المعركة الفاصلة بين الفريقين عند (طبرية) في مكان اسمه (حطين).. وهجم المسلمون يقتلون ويأسرون، فانهزم الصليبيون هزيمة منكرة. وأُسر ملك بيت المقدس وأمير الكرك الذي قتله صلاح الدين جزاء على شتمه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم واعتدائه على المسلمين. أما ملك القدس وبقية الأسرى فقد أرسلهم صلاح الدين إلى الشام.

ثم حرر صلاح الدين عكا ومدن صور وصيدا وجبيل وبيروت وبقية مدن الساحل ليحول دون وصول الامدادات الصليبية إلى القدس عن طريق البحر. ولم يكن يرغب بدخول بيت المقدس حربا.. فأرسل إلى أهلها يطلب منهم التسليم على شروط وصفها قائلا لهم: (اني على اعتقاد تام بأن القدس هي بيت الله المقدس كما تعتقدون، وليس في عزمي أن أتعرض لبيت الله بأذى الحصار أو ضرر الهجوم..) وأبى الفرنجة الصلح.. وركبوا رؤوسهم.. فحطم صلاح الدين تلك الرؤوس المتغطرسة المعتدية.. وبعد أسبوع من القتال المرير استسلم هؤلاء أذلاء.. وقبلوا بشروط القائد الفاتح.

الحملة الصليبية الثالثة

غضبت أوروبا أشد الغضب لعودة القدس إلى المسلمين، فأرسلوا حملة جديدة على رأسها: الإمبراطور فردريك الأول الألماني، وفيليب أغسطس الفرنسي، وريتشارد قلب الأسد الإنكليزي.

كان لكل من هؤلاء القادة أحلامه وأطماعه.. أما إمبراطور ألمانيا فقد غرق في الطريق وتشتتت حملته.. وأما الجيش الفرنسي والإنكليزي فقد وصلا عن طريق البحر إلى عكا التي كان يحاصرها منذ سنتين ملك بيت المقدس الذي كان أطلقه صلاح الدين من الأسر على أن لا يعود إلى قتال المسلمين.. وانتهت هذه الحملة بعقد صلح مع صلاح الدين سنة 588هـ (3 سبتمبر 1192هـ). ينص على أن يستقر الصليبيون في الشريط الساحلي الممتد من صور إلى يافا، وأن يسمح للنصارى بزيارة بيت المقدس الذي بقي تحت الحكم الإسلامي. وبعد هذه الهدنة بسنة واحدة توفي صلاح الدين فانزاح عن صدر أوروبا كابوس ثقيل طالما خيب آمالها وأودى بفرسانها.. واقتلع من أرض المسلمين طغيانها وعدوانها.

الحملة الصليبية الرابعة

وقد استمرت من عام 1202م وحتى عام 1204م.. وضمت أكثر من خمسين ألفا من الشبان المهووسين الراغبين في القضاء على المسلمين واحتلال ديارهم.. وقد غرق أكثر هؤلاء في البحر.. وقُتل قسم آخرمنهم.. وأقلهم تمكن من العودة.. دون أن يحققوا شيئا.

الحملة الصليبية الخامسة

تبناها البابا (إنوّسنت) سنة 1215م. وقد خرجت لاحتلال مصر، وبعد احتلال دمياط تخاذل الملك العادل (شقيق صلاح الدين الذي خلفه في رئاسة الدولة) وأحب أن يصالح الصليبيين بالتنازل عن جزء من مملكة القدس.. ولكن نشوة النصر أبطرت الصليبيين وجعلتهم يطالبون بالتعويضات أيضا.. فما كان من العادل إلا أن رفض ذلك وحاربهم وانتزع منهم دمياط.

الحملة الصليبية السادسة

كانت أوروبا تراقب أوضاع المسلمين بعد وفاة القائد العظيم صلاح الدين، الأمر الذي دفع فريدريك الثاني امبراطور ألمانيا لتبني حملة جديدة لاحتلال فلسطين عام 1229م.. واستطاع بمساعدة بعض الدويلات الإسلامية أن يجبر السلطان المصري على قبول شروطه التي تنص على أن يتنازل له عن القدس والناصرة وبيت لحم مع شريط ساحلي لمدة عشرة سنين هذا بالإضافة إلى المدن الساحلية الأخرى التي كانت بأيديهم أصلا.

الحملة الصليبية السابعة

عند نهاية السنوات العشر للهدنة بين فريدريك والمسلمين، تزعّم ثيوبالد الحملة الصليبية السابعة عام 1239م.. وقد فشلت هذه الحملة فشلا ذريعا وأسر المسلمون منهم أعدادا كبيرة.

الحملة الصليبية الثامنة

في هذه الأثناء غزا المغول بلدان العالم الإسلامي.. وعقدوا حلفا مع المصريين عام 1240م، وهاجموا سوريا والقدس عام 1244م فهدموا كنائسها وقتلوا سكانها وعندما انسحبوا بقيت القدس تحت حكم المماليك في مصر.

في أعقاب ذلك بدأ البابا ينادي بحملة صليبية جديدة للاستيلاء على فلسطين.. وقد تحمس ملك فرنسا لويس التاسع لهذه الحملة.. وهاجم مصر بدلا من فلسطين.. لكنه أسر فيها..

الحملة الصليبية التاسعة

وكانت هذه الحملة متعددة الأهداف.. فكان الملك الفرنسي سانت لويس يطمح إلى احتلال تونس وحمل (الباي) على قبول المسيحية.. ولكنه مات ولم يحقق هدفه. وقاد الملك أدوارد ملك بريطانيا حملة أخرى عام 1271م واستطاع احتلال عكا.. ولكنه لم يستطع بعد ذلك أن يتقدم خطوة نحو فلسطين. وكانت هذه الحملة نهاية الحملات الصليبية الرسمية .. التي حملت الحقد والتعصب والخراب ضد بلاد المسلمين.. وكانت فلسطين وبيت المقدس بالذات أحد أهم أسباب هذه الحروب.

[1] وحدّ القائد صلاح الدين تحت قيادته كلا من اليمن ومصر والشام وبرقة وطرابلس والجزء الشرقي من تونس والموصل وأربيل من شمال العراق وحتى سواحل أفريقيا الشمالية.

[2] تاريخ فلسطين القديم- ظفر الإسلام خان، ص- (174-175).

[3] صلاح الدين الأيوبي- عبد الله علوان ص (66-67).

الفاتح صلاح الدين الأيوبي

(4)
الفاتح صلاح الدين الأيوبي

قبل أن نغادر الحروب الصليبية الرسمية، نحب أن نلتقي مع بطل التحرير القائد صلاح الدين الأيوبي الذي ردّ كيد الأعداء، ووحّد كلمة المسلمين.. نسترشد بخطواته.. ونتعلم دروسا من قيادته.. فالتاريخ يعيد نفسه.. والصليبية مستمرة، بل وتعددت وجوهها.. ونحن أحوج ما نكون إلى صلاح الدين جديد..

لقد حدد صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه هدفه بكل دقة، وهو تحرير البلدان الإسلامية عامة، وفلسطين وبيت مقدسها خاصة، من رجس الغزاة المعتدين، واتخذ الأسباب السليمة التي توصله لهذه الأهداف.

فعلى الصعيد الشخصي.. يذكر مرافقه القاضي بهاء الدين: (أنه كان خاشع القلب، غزير الدمعة، إذا سمع القرآن خشع قلبه، ودمعت عيناه.. وكان كثير التعظيم لشعائر الدين، لا يؤخر صلاة ساعة إلى ساعة.. وعندما مرض أوصى ابنه الظاهر فقال: أوصيك بتقوى الله، فهي رأس كل خير، وآمرك بما أمر الله به، فإنه سبب نجاتك، واحذر من الدماء والدخول فيها والتقلد بها، فإن الدم لا ينام، وأوصيك بحفظ قلوب الرعية والنظر في أحوالها فأنت أميني وأمين الله عليهم).

وعلى صعيد الوعي السياسي.. فقد كان يدرك أن الأمة المتفرقة لا تملك أسباب النصر.

(انطلاقا من هذه الأفكار والمبادئ، جمع صلاح الدين الكردي جموع المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم تحت لواء الوحدة الإسلامية ليقفوا وقفة صامدة أمام الصليبية الحاقدة، والاستعمار اللئيم)[1] .

لقد كان عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال.. كان كالوالدة الثكلى، يجول بفرسه من طلب إلى طلب، يحث الناس على الجهاد، ويطوف بين الصفوف وينادي: يا للإسلام، وعيناه تذرفان بالدموع، وكلما نظر إلى عكا وما حلّ بها من البلاء، وما يجرى على ساكنيها من المصاب العظيم اشتد في الزحف والحث على القتال.. وكان يقول: وكيف أضحك وبيت المقدس مأسور في يد الصليبيين.

[1] صلاح الدين- عبد الله علوان، ص- 116.

الحلف الصليبي - اليهودي

(5)
الحلف الصليبي - اليهودي

أوضاع اليهود في أوروبا

ولليهود قصة ينبغي أن نعرفها. فقد أصدر السلطان العثماني (بايزيد الثاني) عام 1493م مرسوما يقضي بحسن معاملة اليهود في أنحاء المملكة العثمانية[1] . وهذا المرسوم هو نموذج للمعاملة الكريمة التي عامل بها المسلمون اليهود في كل العصور وفي جميع الأمصار..

أما في أوروبا فقد كانت تلاحقهم اللعنة..

ففي إنكلترا أصدر الملك (أدوارد الأول) مرسوما عام 1290م يقضي بطرد اليهود الكفار من الأراضي البريطانية[2].

وفي فرنسا قرر الملك (فليب له بل) عام 1306م طرد جميع اليهود من فرنسا. وفي عام 1498م خيّرهم (لويس الثاني عشر) بين النفي وبين التنصر[3].

وقد عومل اليهود بالطريقة المهينة الذليلة نفسها في ألمانيا وروسيا وبقية أقطار أوروبا، (وفُرضت عليهم قيود اجتماعية وسياسية واقتصادية حتى بلغ الأمر أنهم عُزلوا عزلا كاملا وحددت إقامتهم في أحياء خاصة، أقيمت حولها أسوار لا يخرجون منها، عرفت باسم [4](Ghetto).

في رسالة وجهها المجلس الحاخامي ليهود فرنسا جاء فيها: (ملك فرنسا يطلب بأن تعتنقوا المسيحية، فلبوا طلبه، ولكن احفظوا شريعة موسى في قلوبكم. وتقولون بأنهم يقصدون الاستيلاء على أموالكم، فاجعلوا أبناءكم تجارا، فبالتجارة تسترجعون مالكم وتضيفون عليه مالهم. تؤكدون لنا بأنهم يهدمون كنائسكم، فابذلوا الجهد لأن يصير أولادكم كهنة وأكليريكيين، وهكذا يتسنى لكم أن تهدموا كنائسهم)..

وبالفعل فقد اعتنقوا المسيحية، كما اعتنقوا في مناسبات أخرى الإسلام، واحتفظوا بيهوديتهم. واضعين نصب أعينهم الأهداف التي وضعها لهم الحاخام رايخون في براغ الذي يقول: (هذا وسنقوم في الوقت المناسب بانقلابات ستهدم الطبقات والأسر غير اليهودية. وعند ذلك يكون وعد (يهوا) للشعب اليهودي قد تحقق. وعلينا أن نختفي تحت شعار العدالة والمساواة)[5].

وقامت الثورة الفرنسية.. وكان لليهود دور بارز في قيامها.. وفُتحت أمام اليهود بعد قيامها.. جميع الأبواب، حتى أصبح لبعض أسرهم، كبيت روتشيلد، مراكز رفيعة ونفوذ كبير في دنيا المال والسياسة، ومنهم من توصل بعد ذلك إلى رئاسة الوزراء في فرنسا. وامتد أثر الثورة الفرنسية التحريرية[6] إلى بقية الأقطار الأوروبية، ففي عام 1874م نال اليهود كامل حقوقهم السياسية والدينية في كل من بلجيكا والدانمرك والنرويج وانكلترا وهولندا وألمانيا.

في هذه المرحلة عقدت الصليبية مع اليهودية حلفا غير مقدس لغزو العالم الإسلامي. مقتضاه أن تسعى الصليبية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، مقابل أن تصبح هذه الدولة قاعدة للصليبية العالمية في منطقة الشرق الأوسط.

[1] الإدارة العثمانية في ولاية سوريا- عبد العزيز عوض، ص- 307.

[2] بريطانيا في عهد الملكة فيكتوريا- اندره موروا، ص- 1029.

[3] صراخ البري في بوق الحرية- حبيب فارس، ص- 352.

[4] الموجز في تاريخ القضية الفلسطينية- قسطنطين خمّار، ص- 20.

[5] جذور الصهيونية- ضياء اويفور ترجمة إبراهيم الداقوقي، ص- 122.

[6] جذور الصهيونية- ضياء اويفور ترجمة إبراهيم الداقوقي، ص- 122.

نابليون يصدر الوعد الأول

(6)
نابليون يصدر الوعد الأول

لقد كان التأثير اليهودي عميقا في الثورة الفرنسية:

• ففي عام 1791م: أصدر قادة الثورة الفرنسية قوانينا تنص على مساواة اليهود بالفرنسيين[1].

وفي عام 1798م: أصدر اليهود خطابا، اقترحوا فيه إنشاء مجلس يهودي من كل يهود العالم، يسعى لدى الحكومة الفرنسية من أجل إعادة الدولة اليهودية إلى شعبها التقليدي. وتعتبر هذه الرسالة دستورا يهوديا سبق مقررات حكماء صهيون.

• وفي 4 إبريل 1799م: وجه نابليون نداءه المشهور لليهود جاء فيه: (إن العناية الإلهية التي أرسلتني على رأس هذا الجيش إلى هنا.. هي التي جعلت من القدس مقري العام.. إني لا أطالب ورثة فلسطين الشرعيين باحتلال وطنهم فحسـب.. بـل أطالبهـم كما ذكرت في كتاب موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية لحسّـان علي حلاق، ص- 42.

بضمان ومؤازرة هذه الأمة لتحفظوها مصونة من جميع الطامعين بكم لكي تصبحوا أسياد بلادكم الحقيقيين)[2].

زرعت أوروبـــــا.. (إســرائيــــــــل) في قلب العالم الإسلامي، قاعدة:

• تمثل الغرب وتؤمّن مصالحه..

• وتحول دون وحدة الأمة المسلمة..

• وتضرب الصحوة الإسلامية كلما قويت.

[1] B. Lazard, L'antisemitisme, P. P. 199, 202

[2] يقظة العالم اليهودي- ايلي ليفي أبو عسل، ص0 (101-102). كما ذكرت في كتاب موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية لحسان علــي حلاق،ص- 43. ويراجع هذا الخطاب كاملا في كتاب الصهيونية والنازية- معين أحمد محمود ص- 71.

بريطانيا تأخذ زمام المبادرة

(7)
بريطانيا تأخذ زمام المبادرة

ومن المنطلق نفسه، منطلق التحالف (اليهودي - الصليبي)، انطلق اليهود للتحالف مع بريطانيا، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس يومذاك.

• لقد بسطت بريطانيا حمايتها على اليهود في المشرق.. وكان الشغل الشاغل لقنصليتها في القدس تسهيل أمور اليهود وحماية هجرتهم والدفاع عنهم أمام الدول الخارجية وبخاصة الدولة العثمانية[1].

• كما وضعت عددا من قادتها لخدمة اليهود، وفي مقدمة هؤلاء الكولونيل روز والكولونيل تشارلز هنري تشرشل.. ولقد قدم الأخير مذكرة إلى المجلس اليهودي في بريطانيا ورئيسه مونتفيوري يطالبه بالسعي لإنشاء دولة يهودية، ويقترح فيها أن يتولى المجلس اليهودي القيام بمهمة الاتصال بيهود أوروبا بهدف تكتيلهم حول فكرة (قيام إسرائيل)[2].

• جميع المؤسسات التي أقامتها بريطانيا بعد عام 1840م في منطقة بلاد الشام مثل البعثات الطبية والثقافية والدينية، والمستشفيات والعيادات والمدارس والكنائس وغيرها كانت تخدم الهدف البريطاني بإقامة إسرائيل على أنقاض فلسطين[3].

• تدخلت بريطانيا عسكريا في سوريا عام 1804م للضغط على الحكم المصري[4].. بعد أن عجزت عن إقامة تفاهم يهودي معه، ولقد أكد ذلك مونتفيوري (رئيس المجلس اليهودي في بريطانيا) في مذكراته حيث يقول: عبثا حاولت أن أقنع إبراهيم باشا وأباه محمد علي أن يؤجراني أرضا مساحتها خمسون فدانا(!) ومائتي قرية من قرى فلسطين لخمسين عاما[5]، ولهذا السبب فقد اتفقت كل من بريطانيا وروسيا على إنهاء حكم محمد علي في سوريا.

• وزير الخارجية البريطاني (بالمستون) وعن طريق سفيره في الآستانه طلب تذكير الباب العالي بأنه سيكون مفيدا جدا للسلطان إذا ما أغرى اليهود المبعثرين بالذهاب والتوطن في فلسطين.. وأكثر من ذلك فقد طالبت بريطانية الدولة العثمانية في عام 1845 بطرد سكان فلسطين المسلمين وإسكان اليهود مكانهم[6].

لقــد كـــان الـــدور البــريطــانــي الخسيـــس والحــــاقــد.. هــــــو الــــــــدور الأســــاس فــــــي مـــأســــــاة شـعبـنـــــــا المســلـــــم في فلسطين[7]..

[1] إسرائيل الكبرى- أسعد رزوق، ص- 61.

[2] القضية الفلسطينية في الواقع العربي- عودة بطرس عودة، ص- 48.

[3] القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها- عزة دروزة، 1: 14.

[4] دراسات في تاريخ مصر الحديث- عمر عبد العزيز، ص- 164.

[5] يقظة العالم اليهودي- ليفي أبو عسل، ص- 150، وكتاب تاريخ القدس- عارف العارف، ص- 116.

[6] ملف وثائق فلسطين ص- 51.

[7] الصهيونية والمسيحية- محمد السماك، شؤون الشرق الأوسط العدد 72، ص- 18.

بين اليهودية والصهيونية

(8)
بين اليهودية والصهيونية

وقبل أن نستطرد في سرد الوقائع السياسية التي انتهت بقيام إسرائيل.. لا بد لنا من إلقاء نظرة على هؤلاء اليهود.. الذين تسللوا من مختلف بقاع الأرض يحدوهم الأمل بإقامة دولة إسرائيل وإعادة هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى.. ليحكموا من هناك العالم بأسره.. باعتبارهم شعب الله المختار الذي خلقهم لنفسه.. أما بقية الأجناس والأديان فرجس من عمل الشيطان خلقهم الله ليخدموا بني إسرائيل.

فالإله في تلمودهم، (قسم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة، يلعب في الساعات الثلاث الأخيرة مع اللافياتن ملك الأسماك. ولكنه بعد تدمير الهيكل لم يعد لله جلد على اللعب والرقص. وهو لم ينقطع عن البكاء والنحيب لأنه ارتكب هذه الخطيئة الثقيلة..

إن الله القدوس هو علة جميع الشرور التي تقترف على الأرض لأنه هو الذي خلق طبيعة الإنسان السافلة، وهو الذي يقود الإنسان إلى الخطيئة بقدره) [1].

واليهود جزء من الله، (فنفوس اليهود تنبثق من جوهر الله كما ينبثق الولد من جوهر أبيه. أما سائر الشعوب الأخرى فتشتق من الشيطان وهي مشابهة لنفوس الحيوانات والجماد)[2].

والجنة لليهود خالصة، (أما جهنم فلبقية المخلوقات وفي مقدمتهم اتباع المسيح، ويأتي بعد النصارى المسلمون.. كل هؤلاء يحشرون في جهنم حشرا ولا يغادرونها أبدا).

والمسيح هو إسرائيل، (وهم ينتظرونه بفارغ صبرهم. وقبل المكوث المسيحي ستنشب حرب طويلة تشيب لهولها الأطفال. في ذلك الوقت يعتنق الجميع الإيمان اليهودي إلا أن المسيحيين لا شركة لهم في هذه النعمة بل إنهم يُستأصلون من وجه الأرض لأنهم متحدرون من الشيطان. وعندئذ تشبع رغائب اليهود، لأن المسيح الذي ينتظرونه ويستعدون للقائه هو إسرائيل نفسه)[3].

والشعوب في نظرهم، (كلاب، فالأعياد المقدسة وضعت لإسرائيل وليس للأغراب والكلاب. أن بيوت غير اليهود زرائب للحيوانات، وهم لا يختلفون في شيء من الخنزير البري. والمرأة غير المنحدرة من أبناء إسرائيل هي بهيمة أيضا ولم يخلق الله غير اليهود بالصورة البشرية إلا إكراما لليهود وليقوموا بخدمتهم. فالله أعطى اليهود كل قوة على خيرات الأمم ودمائهم.

يمكنك أن تسرق أو تغش الغريب وتديّنه بالربا الفاحش ولكن لا يجوز لك فعل ذلك مع قرينك اليهودي. محرم عليك أن تأخذك الشفقة على وثني (غير اليهود) بل عندما تراه قد تدهور في نهر أو زلت قدمه فكاد يموت أجهز عليه ولا تخلصه)[4].

(إن من يحلم أنه ارتكب الفحشاء مع أمه يمكنه أن يصير حكيما. ومن يحلم أنه ارتكب الفحشاء مع خطيبته له أمل كبير في الحصول على صداقـة الشريعـة. ومن يحلم أنه ارتكب الفحشاء مع شقيقته له أمل كبير بإنارة نفسه. ومن يحلم أنه ارتكب الفحشاء مع امرأة قريبة يحصل على السعادة الخالدة. ان البنت التي لها من العمر ثلاث سنوات ويوم واحد تكون خطبتها بالمضاجعة. واليهودي إذا زنى بامرأة غير يهودية أو هتك عرض فتاة أجنبية فإنه ينال ثوابا عند الله)[5].

أما الصهيونية

فهي حركة تدعو إلى إقامة مجتمع يهودي مستقل في فلسطين، نسبة إلى جبل قرب أورشليم يسمى جبل صهيون. جاء في الموسوعة الميسرة: (أنها حركة سياسية عنصرية متطرفة ترمي إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين تحكم من خلالها العالم كله).

وعلى هذا فالصهيونية في أبسط تعاريفها هي إستقرار بني إسرائيل في فلسطين، فالصهيوني هو اليهودي الذي يوثر أن يعيش في فلسطين، وهو كذلك من يساعد اليهود ماديا وأدبيا ليستوطنوا فيها[6].

أهداف الصهيونية

• إثارة الحماس الديني بين أفراد اليهود في جميع أنحاء العالم، من أجل عودتهم إلى أرض الميعاد.

• وتنظيم اليهود، وربطهم عبر مؤسسات مناسبة على الصعيدين المحلي والعالمي.

• وإثارة الروح القتالية بين اليهود، للتصدي للأديان والأمم الأخرى.

بروتوكولات حكماء صهيون

لقد أعلن اليهود في بروتوكولاتهم آراءهم في إفساد عقائد الناس وعقولهم وأخلاقهم، كما تبنوا أفكار شخصيات يهودية وغير يهودية تدعو إلى هدم العقيدة الدينية وتحطيم مبادئ الأخلاق.

• تبنوا فرويد الذي فسّر السلوك الإنساني بالجنس.

• وكارل ماركس الذي ألغى الأديان.

• ونيتشه الذي ألغى الأخلاق.

• ودارون الذي أرجع الإنسان إلى سلالة القرود[7]. هذه هي الصهيونية أو اليهودية لا فرق.. التي خشيت على حاضرها ومستقبلها من شهادة ماضيها المثقل بالآثام. فتنكرت تحت اسم مستعار لتمضي في سيرها قدما على سنن أجيالها الحمراء[8].

[1] همجية التعاليم الصهيونية- بولس حنا مسعد، ص- 34.

[2] المرجع السابق ص- 54.

[3] المرجع السابق ص- 62.

[4] المرجع السابق، ص- 67.

[5] المرجع السابق، ص- 67.

[6] اليهودية- أحمد شلبي، ص- 126.

[7] الإسلام والقضية الفلسطينية- عبد الله ناصح علوان، ص- 42.

[8] مؤامرة اليهود على المسيحية- اميل الخوري، ص- 17.

هرتزل والسلطان عبد الحميد

(9)
هرتزل والسلطان عبد الحميد

لم يتوقف اليهود عن خططهم في الاستيلاء على فلسطين وإقامة دولتهم على أنقاض شعبها.

حدود إسرائيل

ودولة إسرائيل في نظرهم كبيرة وممتدة.. وما دولتهم الحالية إلا رأس جسر يثبتون فيه أنفسهم ليمتدوا بعد ذلك نحو أرضهم التي حددتها لهم التوراة من دجلة إلى النيل.

• (فقد وجدت في خزانة روتشيلد خارطة كتب عليها مملكة إسرائيل. وتضم هذه الخريطة فلسطين والأردن وسوريا ولبنان ووسط العراق وجنوبه وصحراء سيناء ودلتا النيل والمدينة المنورة والأراضي الواقعة في شمالها بين بني قريظة وبني النضير وخيبر)[1].

• وفي خطاب بن غوريون الذي ألقاه في 19 أيار (مايو) 1944م ذكر: أن خريطة فلسطين الحالية، إنما هي خريطة الانتداب.. وللشعب اليهودي خريطة أخرى، يجب على شباب اليهود أن يحققوها، هي خريطة التوراة التي جاء فيها (وهبتك يا إسرائيل ما بين دجلة والنيل)[2].

وللوصول إلى هدفهم تآمروا على الدولة القيصرية في روسيا.. وتحالفوا مع فرنسا ثم مع بريطانيا وأخيرا مع أمريكا.. كما شجعوا الحروب العالمية.. وتآمروا على الدولة العثمانية.. حتى أينعت ثمرتهم وحان قطافها بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد عام 1909م.

ويعتبر تيودور هرتزل (1860-1904م) صاحب كتاب الدولة اليهودية، أول من بدأ الحركة الصهيونية كحركة سياسية حين قام عام 1894م بنشر كتابه (الدولة اليهودية) وهو بالأصل رسالة موجهةإلى ادموند روتشيلد وعموم أفراد هذه الأسرة اليهودية الثرية ملتمسا منهم إنقاذ الشعب اليهودي. عمل هرتزل على عقد مؤتمر بال في سويسرا في أغسطس عام 1897م. ومما جاء في كلمته في افتتاح المؤتمر: (إننا هنا لنضع حجر الأساس في بناء البيت الذي سوف يؤوي الأمة اليهودية) واقترح برنامجا من ثلاث نقاط هي:

• تشجيع حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

• السعي للحصول على اعتراف دولي بشرعية التوطن في فلسطين.

• كسب جميع يهود العالم إلى صف الفكرة الصهيونية.

وفي ختام المؤتمر كتب هرتزل في مذكراته ما يلي:

(لو أردت أن أختصر بال في كلمة واحدة لقلت: في بال أسست الدولة الصهيونية، وبعد خمسين سنة على وجه التأكيد، سيرى هذه الدولة جميع الناس) [3].

هرتزل والسلطان عبد الحميد

كان من الطبيعي أن يتجه هرتزل بأنظاره نحو استانبول عاصمة الخلافة العثمانية.. فهناك يقبع السلطان عبد الحميد.. الذي يمرّ بأزمات متلاحقة.. وهناك سيضع أموال اليهود تحت قدميه، وسيعرض عليه أن تكون جميع إمكانات اليهود في العالم تحت تصرفه مقابل أن يسمح بهجرة اليهود إلى فلسطين.. ولكن الأمور سارت في استانبول على عكس ما يشتهي.. فلم يستطع مقابلة السلطان ونقل إليه صديقه نفلنسكي رد السلطان الذي جاء فيه:

(على الهر هرتزل أن لا يتقدم خطوة واحدة أخرى في هذا الشأن. لا أستطيع أن أبيع بوصة واحدة من البلد لأنه ليس ملكي بل ملك شعبي. لقد أوجد هذه الإمبراطورية وغذّاها بدمه، وسنغطيها مرة أخرى بدمنا قبل أن نسمح بتمزيقها. إن الشعب العثماني هو مالك هذه الإمبراطورية لا أنا. لا أستطيع التخلي عن أي جزء منها. يستطيع اليهود أن يوفروا ملايينهم حين تقسم الإمبراطورية قد يأخذون فلسطين مقابل لا شيء. لكن لن تقسم إلا على جثثنا لأنني لن أسمح أبدا بتشريحنا ونحن أحياء).

لا يسمح المقام هنا أن نعلق على هذه الرسالة التي ينبغي أن تكتب بماء الذهب، ويتعلمها الأبناء فيعرفون معنى الأوطان.. ويتعلمها الساسة فيعرفون كيف يحافظون على الأمانة والعهود..

وفهم هرتزل الرسالة.. فاتخذ قراره من فوره وهو: أن السيطرة على فلسطين لا تتم إلا عن طريق انهيار الإمبراطورية العثمانية وتقطيع أوصالها..

ولا يظن القارئ أن السلطان عبد الحميد الذي اشتهر بحنكته وذكائه كان يجهل عاقبة هذا الموقف.. بل لقد اطلع بدقة على المقررات الضمنية لمؤتمر بال الذي عقد في سويسرا عام 1897م والتي من أهمها القرار التالي:

(في حال استمرار رفض السلطان عبد الحميد للمطالب الصهيونية فإن تحطيم الإمبراطورية التركية شرط أساسي لإقامة حكومة صهيونية في فلسطين)[4].

وفي الرسالة التي بعث بها السلطان إلى الشيخ محمود أبو الشامات عام 1911م يذكر فيها أن سبب خلعه من السلطة هو إصرار اليهود عليه بأن يصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة.. فرفض وذكر لهم أنهم لو دفعوا له ملء الأرض ذهبا فلن يرضى بذلك[5]. لقد دفع السلطان المسلم ملكه ثمنا للدفاع عن القدس وفلسطين.. فكان أغلى ثمن لأغلى قضية.

[1] الموجز في تاريخ القضية الفلسطينية- قسطنطين خمار، ص- 27. وهي نفس الخريطة التي وضعوها مؤخرا على الشيكل (العملة الإسرائيلية) .

[2] المرجع السابق ص- 28.

[3] المصدر السابق ص- 32.

[4] الإسلام وبنو إسرائيل- جواد رفعت اتلخان، ص- 152.

[5] التيار الإسلامي في فلسطين- محسن محمد صالح، ص- 56،

المؤامرة الاستعمارية قيد التنفيذ

(10)
المؤامرة الاستعمارية قيد التنفيذ

بعد سقوط السلطان عبد الحميد عام 1909، فقدت فلسطين وغيرها من بلاد العرب الحماية الحقيقية.. وشعرت الدول الغربية وحلفاؤها اليهود أن الفرصة باتت مواتية والثمرة على وشك النضوج.

فعلى صعيد الدولة العثمانية

تولى زمام السلطة فيها نفر من الضباط قليلي الخبرة.. راحوا يلهبون ظهور الشعوب العثمانية بسياط القومية والعنصرية. كانت تفوح من أردان هؤلاء رائحة المكر والتآمر.. وكانت قمة جهلهم وتآمرهم عندما أدخلوا الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى عام 1914م.

وعلى صعيد الحركة الصهيونية

فقد اعتبرت سقوط السلطان عبد الحميد خطوة كبيرة في الطريق إلى تدمير الدولة العثمانية، وبالتالي الاستفراد بفلسطين لإقامة دولتهم على أنقاض شعبها.

• فبعد المؤتمر الصهيوني الأول، عقد المؤتمر الصهيوني الثاني في أغسطس 1898م في بال بسويسرا الذي اتخذ قرارا بإنشاء البنك اليهودي، وتشجيع تعليم اللغة العبرية، وإطلاق يد هرتزل في التفاوض مع الدول الأوروبية لخدمة المسألة اليهودية بصورة رسمية.

• وفي أغسطس 1900م عقد المؤتمر الصهيوني الرابع في لندن. وجاء في خطاب هرتزل الافتتاحي: (إن انكلترا العظمى التي تطل بأراضيها على جميع بحار العالم، هي الدولة التي تفهم حركتنا وجهودنا).

أما على صعيد الدول الغربية[1]

وهي الطامعة في اقتسام المنطقة، فقد عقد مؤتمر كامبل في لندن بصورة سرية منذ عام 1905 واستمرت جلساته حتى عام 1907 م. وكان هدف المؤتمر العمل على تشكيل جبهة استعمارية من الدول الأوروبية وهي: إنكلترا، فرنسا، إيطاليا، أسبانيا، البرتغال، بلجيكا، وهولندا، وذلك لمواجهة التوسع الألماني ولتحقيق الأهداف التوسعية في أفريقيا وآسيا.

وانتهى المؤتمر إلى ضرورة توطيد الاستعمار في المناطق التي تسيطر عليها دولهم.. والتوسع في مناطق أخرى أفريقية وآسيوية. واستعرض المؤتمر الأخطار التي يمكن أن تنطلق من تلك المستعمرات وقرر:

• أن مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية إنما يكمن في المناطق العربية، لكونها نقطة التقاء بين الشرق والغرب، ولتوفر عدة عوامل تملكها مثل: وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال فإذا توحدت هذه الشعوب فستحل الضربة القاضية على الدول الاستعمارية، وعليه فلا بد من بقاء المنطقة متأخرة ومفككة، والعمل على إنشاء دويلات مصطنعة.. كما أكد على ضرورة زرع دولة دخيلة تفصل أفريقيا عن آسيا العربية تكون حليفة للدول الاستعمارية، وهكذا اتخذت الدولة الاستعمارية قرارها بإنشاء إسرائيل.

اتفاقية سايكس - بيكو

في مايو 1916م كانت بريطانيا تجلس مع فرنسا للتفاوض على مستقبل البلاد العربية، وشارك في تلك المباحثات معتمد روسيا لتطبيق المبادئ المقررة بموجب المعاهدة الثلاثية بينهم.

وإذا أردنا تبسيط هذه المعاهدة لقلنا: إن الدول الحليفة قسمت البلاد العربية التابعة للدولة العثمانية كما يلي:

سورياولبنان تحت الانتداب الفرنسي،.

والعراق تحت الانتداب البريطاني، مع الاحتفاظ باتفاقات خاصة بين إمارات الخليج وبريطانيا.

فلسطين وطن قومي لليهود، وشرقي الأردن موطن للفلسطينيين الذين سوف يهاجرون إليها بعد هجرتهم من أرضهم.

وعد بلفور

وبلفور هو وزير خارجية بريطانيا الذي أصدر الوعد المشهور في 2 نوفمبر عام 1917م وقد صاغ وعده في العبارات التالية: إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وسوف تبذل مساعيها لتسهيل بلوغ هذه الغاية. وليكن معلوما أنه لا يسمح بإجراء شيء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين الآن، أو بالحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى وبمركزهم السياسي فيها[2].

وخير كلام يمكن أن يقال تعليقا على هذا الوعد.. هو أن بلفور أعطى ما لا يملكه لشعب لا يستحق على حساب أصحاب الأرض والشعب الفلسطيني.

• عام 1917 دخلت القوات الإنكليزية القدس.. وتحدث المارشال اللنبي لسكان المدينة فقال: اليوم انتهت الحروب الصليبية. قال ذلك والكنائس تعلن ابتهاجها وفرحتها بهذا اليوم، بل والبابا في روما يدعو أتباعه في العالم أن يقدموا الشكر لله بمناسبة احتلال القدس، وينهاهم عن إعادتها إلى المسلمين[3].

• وفي أواخر عام 1918م سيطر الإنكليز على فلسطين.. ولقد حدد وايزمن أهداف الصهيونية في هذه المرحلة فقال: (إن هدفنا لا يزال الدولة اليهودية في فلسطين، ولكن بلوغ هذا الهدف لا يأتي دفعة واحدة، بل يجري على مراحل، وأول هذه المراحل أن توضع فلسطين تحت حماية دولة صديقة، لتسهل لنا الهجرة والسكنى، وتمكننا من تحضير الجهاز الإداري اللازم لبلوغ هدفنا، وأن الحكومة البريطانية موافقة على هذه الخطة، ومستعدة لتسهيل تنفيذها) [4].

المؤتمر العربي الفلسطيني الأول[5]

وتحرك الفلسطينيون يدافعون عن أرضهم وبلدهم، فشكلوا مجلسا أطلقوا عليه اسم المؤتمر العربي الفلسطيني. عقد المؤتمر الأول في يناير 1919 والمؤتمر السابع والأخير في يونيو 1928. أهم قرارات المؤتمر كانت: رفض وعد بلفور، والهجرة اليهودية، والانتداب البريطاني، والمطامع الفرنسية في المنطقة، ورفض شعار فلسطين للفلسطينيين، الذي أراد به اليهود الانفراد بفلسطين وإبعادها عن بلاد العروبة والإسلام.

مؤتمر السلم في باريس

كان الممثل الوحيد الذي أتيح له حضور جلسات مؤتمر السلم في باريس هو الأمير فيصل بن الشريف حسين أمير مكة وقائد الثورة العربية.. وفي المرة الوحيدة التي تكلم فيها أمام المؤتمر ولمدة عشرين دقيقة في 6 فبراير 1919م قال: إن العرب إجمالا يشكلون وحدة في الدم والتاريخ والعقيدة واللغة ولكنه عندما طالب للبلدان العربية بالاستقلال استثنى فلسطين، بالنظر إلى طابعها العالمي[6]، وفي مارس 1919 بعث الأمير فيصل إلى فرنكفورتر الزعيم الصهيوني الأمريكي رسالة أكد فيها على التقارب العربي اليهودي جاء فيها: (ونحن العرب، وخاصة المثقفين، ننظر برغبة شديدة إلى النهضة الصهيونية.. ولسوف نعمل كل ما في وسعنا لمساعدة اليهود ونتمنى لهم وطنا ينزلون فيه على الرحب والسعة)[7].

لجنة كينغ - كرين

بعث الرئيس ولسون لجنة أمريكية لتقصي الحقائق، هي لجنة كينغ - كرين. وصلت اللجنة إلى يافا في 10 يونيو 1919م واتصلت بمختلف طبقات الشعب وتأكدت من رغبة الشعب الجامحة برفض وعد بلفور وتمسكه باستقلال سوريا دولة موحدة (بما فيها فلسطين).

ولقد ردت بريطانيا على تقرير اللجنة في رسالة بعث بها بلفور إلى كيرزون في 11 أغسطس 1919 جاء فيها: (في فلسطين نحن لا نعتزم حتى مجرد القيام بمراعاة السكان الحاليين. ان الدول الأربع الكبرى قد تعهدت للصهيونية، وهي ذات أهمية أبعد بكثير من أماني وأهواء سبعمائة ألف عربي يسكنون الآن تلك البلاد القديمة) [8].

هربرت صموئيل

هو الصهيوني المعروف الذي بعثت به بريطانيا في 6 يناير 1920 مندوبا ساميا إلى فلسطين.. ومهمته الأساسية.. إقامة دولة إسرائيل.

جاء صموئيل إلى فلسطين وهو رأس السلطة، والجيش البريطاني تحت إمرته، فعيّن ينتويتش اليهودي سكرتيرا قضائيا لتولي إصدار القوانين، فسن عددا كبيرا من القوانين التي حمت اليهود وسهلت هجرتهم، وسلم معظم الوظائف الهامة لليهود. ويكفي أن نذكر هذه المادة من الدستور الذي سنه للبلاد: (للمندوب السامي الحق أن يهب أو يؤجر أية أرض من الأراضي العمومية أو أي معدن أو منجم، وله أن يأذن بإشغال هذه الأراضي بصفة مؤقتة وبالشروط أو المدد التي يراها ملائمة)، لنعرف كيف سيطر اليهود على الأرض الفلسطينية.

إدماج وعد بلفور في صك الانتداب

يوم 20 فبراير 1920م دعا الجنرال بولز روساء الطوائف إلى اجتماع في بيته، وتلا عليهم التصريح التالي:

(قرر مجلس الحلفاء انتداب دولة فلسطين، وأن يدمج وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في معاهدة الصلح مع تركيا. وقد عرض هذا الانتداب على بريطانيا فقبلته وهي تحكم البلاد لخير سكانها، وأتلو عليكم وعد بلفور وأقول لكم إن إدماجه في صك الانتداب يعني عدم التعرض للعادات الدينية والأماكن المقدسة، ويسمح للمهاجرين بدخول البلاد على قدر حاجتها إلى النمو والارتقاء.... إلخ)[9].

كان وعد بلفور الخطوة الأولى لتنفيذ المؤامرة

[1] موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية- حسان علي حلاق، ص- 221.

[2] المشكلة الفلسطينية على ضوء أحكام القانون الدولي- د. محمد حافظ غانم، ص- 58.

[3] جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن- صالح أبو يصير 68.

[4] مذكرات وايزمن، ص- 86.

[5] جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن (المرجع السابق)، ص- 128.

[6] القيادات والمؤسسات في فلسطين (المرجع السابق)، ص- 102.

[7] القيادات والمؤسسات في فلسطين (المرجع السابق)، ص- 106.

[8] المرجع السابق، ص- 114.

[9] القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين، ص- 119.

ثورة القدس عام 1920م

(11)
ثورة القدس عام 1920م

احتشد الفلسطينيون من مختلف مدن فلسطين، في بيت المقدس.. يحتفلون كعادتهم كل عام بما يسمى موسم النبي موسى. ويوم 4 إبريل وفي غمرة الحماس والهتافات، بدأ الرصاص يلعلع، فقد هاجم اليهود الاحتفال.

هذه هي بداية ثورة القدس المسلحة التي كانت الشرارة لما بعدها من أحداث كبرى جرت على أرض فلسطين.

أما العدالة البريطانية التي يضرب بها المثل، فبعد هذا الاعتداء الذي أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى وأكثر من 250 جريحا، حكمت على عدد من الزعماء العرب بالسجن بين 10 و 15 سنة مع الأشغال الشاقة. وعندما شكلت الإدارة العسكرية لجنة للتحقيق عرفت بلجنة (بالف) فإن تقريرها لم ينشر لأنه أدان اليهود ، وعندما رفع الحاكم العسكري (بولز) تقريره حول الأحداث إلى قيادة الجيش البريطاني في القاهرة عزلوه بحجة تحيزه للعرب.

ثورة عام 1921م

(12)
ثورة عام 1921م

نشبت في يافا في أول مايو 1921م ثورة كبيرة ضد الوجود اليهودي والبريطاني فكانت ثورة فلسطين الثانية. وامتدت الاضطرابات إلى المناطق المجاورة ليافا، ثم إلى منطقة اللد والرملة والمجدل، واستمرت أسبوعا كاملا سقط فيها مئات الشهداء والجرحى العرب وقتل وجرح أكثر من 550 يهوديا وجنديا بريطانيا[1]. وبعد إخماد الاضطرابات على أيدي القوات البريطانية بمنتهى الوحشية، شكّل المندوب السامي لجنة برئاسة قاضي القضاة (سير ثوماس هيكرافت) للتحقيق بالأحداث وقد أدان التقرير الذي رفعته اللجنة السياسة البريطانية والحركة اليهودية، ودعا الحكومة إلى المبادرة لتوضيح سياستها في فلسطين واتخاذ الوسائل اللازمة لإزالة شكاوي العرب وإنشاء مؤسسات الحكم الذاتي في البلاد.

الكتاب الأبيض عام 1922م

على إثر ذلك وفي يونيو عام 1922م، أصدرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض، وقد اشتمل على دستور لفلسطين، وعلى سياسة عامة مبنية على أساس الانتداب ووعد بلفور، مؤكدا أنهما لا يقبلان التغيير، وتأسيس مجلس تشريعي، ليس له الحق في التعرض:

• لمبدأ الانتداب.

• أو الوطن القومي لليهود.

• أو الهجرة اليهودية.

• أو شؤون فلسطين المالية.

وقد رفضه عرب فلسطين رفضا باتا، كما رفضوا المجلس التشريعي الذي نصّ على أن يكون للسكان العرب 10 أعضاء من أصل 23 عضوا، بالرغم من أنهم يمثلون 91% من السكان. وقد رحّبت الجمعية الصهيونية بالكتاب، واعترف وايزمن في مذكراته أن الحكومة البريطانية عرضته على الجمعية الصهيونية قبل إصداره[2].

[1] فلسطين عبر ستين عاما- أميل الغوري، ص- 60.

[2] الموجز في تاريخ القضية الفلسطينية (المرجع السابق) ص60، وكتاب حقائق عن قضية فلسطين- محمد أمين الحسيني، ص- 39.

ثورة البراق عام 1929م

(13)
ثورة البراق عام 1929م

البراق هو مكان صغير من الحائط الغربي للحرم الشريف في بيت المقدس. سمي بهذا الاسم نسبة إلى البراق الذي امتطاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء. وهو مكان مقدس عند اليهود، فهم يعتقدون أنه الجدار الباقي من الهيكل الأخير الذي بناه (هيرودس)، كما يعتقدون أن هيكل سليمان (عليه السلام) كان قائما في نفس المكان.

كان المسلمون يسمحون لليهود بزيارة حائط البراق تسامحا، لكن اليهود اليوم وفي ظل الانتداب يريدون أن يحوّلوا هذه العادة إلى حق مكتسب، وأول محاولة لهم كانت سنة 1921م، فقد أرسلت اللجنة الصهيونية إلى ستيورز حاكم القدس رسالة احتجاج على إصلاحات المفتي في الحائط بدون إذن اليهود[1].

ابتدأ النزاع حول هذه القضية يتخذ طابع الحدة والمجابهة منذ أواخر سبتمبر 1928م، فقـد قـام اليهود بمظاهرة كبرى عدائية قرروا على أثرها مطالبة الحكومة رسميا أن تسلمهم حائط البراق وأن تعترف لهم بملكيته[2]. وتنادى المسلمون في سبتمبر 1928 إلى عقد اجتماع عام في المسجد الأقصى.. لدراسة الموضوع.

وفي أول نوفمبر 1928م عقد المؤتمر برئاسة المفتي الحسيني وحضره حوالي 700 شخصية إسلامية من داخل فلسطين وخارجها.

أهم قرارات المؤتمر:

1- استنكار كل محاولة ترمي إلى إحداث حق لليهود في مكان البراق.

2- اعتبار قضية البراق والقدس قضية إسلامية عامة.

3- تشكيل (جمعية حراسة الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة) التي تتعاون مع (لجنة الدفاع عن البراق الشريف)، مهمتها تنفيذ قرارات المؤتمر الإسلامي.

ثورة البراق

في 14 أغسطس 1929 قام اليهود بتظاهرة ضخمة في تل أبيب بمناسبة ذكرى تدمير الهيكل، وفي اليوم التالي انتقلت الأحداث إلى القدس.. وعندما تصدى لهم الفلسطينيون كانت بداية ثورة البراق التي انطلقت من ساحات المسجد الأقصى تحطم كل ما أحدثه اليهود من مظاهر إلى جانب حائط البراق.

وتوالت الاشتباكات حتى كان الانفجار الكبير يوم الجمعة في 23 أغسطس 1929م،، فقد هجم العرب بأعداد كبيرة على اليهود، مما أدى إلى تدخل البوليس البريطاني بعنف مستخدما الأسلحة المختلفة والطائرات الحربية. وانتقلت الاشتباكات من القدس إلى المدن الأخرى والقرى، وشهدت فلسطين لأول مرة أسبوعا دمويا بين العرب من جهة وكل من البريطانيين واليهود من جهة أخرى، وسقط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين.. ومما زاد الموقف التهابا المنشور الذي أصدره المندوب السامي الذي جاء فيه: (إن هذه الجرائم التي اقترفها العرب الأشرار سفاكو الدماء عديمو الرأفة أنزلت على فاعليها لعنات جميع الشعوب المتمدنة)[3]..

ولقد أصدرت المحكمة البريطانية أحكاما جائرة على الشبان العرب بالإعدام وأحكاما بالسجن المؤبد وأحكاما أخرى في منتهى القسوة.

ولقد تحول اليوم الذي تم فيه إعدام الأبطال محمود جمجوم وفؤاد جحازي وعطا الزير، في 17 يونيو 1930م إلى يوم خالد في تاريخ فلسطين.

لجنة البراق الدولية

وعلى أثر ذلك أوفدت لندن (لجنة البراق الدولية) التي أصدرت بعد تحقيقات مطولة قرارا صدر عن قصر بكنغهام في مايو 1931م ينص على ما يلي:

• للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف الإسلامي. وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا حسب أحكام الشريعة الإسلامية لجهات البر والخير.

سطـر الشهداء بدمائهم... أعظم ملحمة في تاريــــخ الشعـوب.. فــي ثــــورات متتابعـــة علـــــى الاستعــمـــــار والصهيونية.

[1] القيادات والمؤسسات (المرجع السابق)، ص- 218.

[2] المرجع السابق، ص- 219.

[3] جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن، ص- 138.

المؤتمر الإسلامي العام 1931

(14)
المؤتمر الإسلامي العام 1931

بدأ الساسة المسلمون في فلسطين يشعرون بالحصار.. فبريطانيا حليفة الثوار العرب واقعة تحت النفوذ الصهيوني.. تنحصر مهمة انتدابها في تثبيت وضع اليهود وتمكينهم من إقامة وطنهم القومي في فلسطين، ترعى هجرتهم، وتمكنهم من الأرض، وتعدّل لهم القوانين، على حساب أهل البلاد. في هذا الجو السياسي الخانق دعا الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين بعد التشاور مع القيادات الإسلامية داخل وخارج فلسطين إلى عقد مؤتمر إسلامي في القدس.

افتتاح المؤتمر

افتتح المؤتمر رسميا ليلة الإسراء في 27 رجب 1350هـ الموافق 7 ديسمبر 1931م، وفي عشية الافتتاح كان الحدث الكبير وقوف السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء كبير مجتهدي الشيعة في المسجد الأقصى ليؤم جموع المصلين، وأما كلمة المفتي فقد جاء فيها: إن أكثر الأقطار الإسلامية قد فقدت عزها وسلطانها وأصيبت جميعا بمحن وكوارث عديدة أثقلت كاهلها، ولكن فلسطين هذه البلاد المقدسة أصيبت زيادة على ذلك كله بمصيبة خطيرة تهدد كيانها بإنشاء وطن قومي صهيوني فيها. من أجل ذلك، فقد رأينا عملا بقوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} أن ندعو إلى هذا المؤتمر العظيم للبحث في هذا الأمر الجلل[1].

حضر المؤتمر 145 مندوبا يمثلون مختلف الأقطار الإسلامية، بعضهم من كبار شخصيات العالم الإسلامي مثل: العلامة محمد رشيد رضا، والإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء، ضياء الدين الطبطبائي رئيس وزراء إيران الأسبق، عبد العزيز الثعالبي الزعيم التونسي، محمد إقبال الهندي، الزعيم شوكت علي الهندي، محمد علي علوبه من مصر، الأمير سعيد الجزائري، سعيد ثابت، بشير السعداوي، شكري القوتلي، رياض الصلح، عمر الداعوق، مصطفى الغلاييني، وعبد الرحمن عزام.

مقررات المؤتمر

1- يطالب المؤتمر بتسليم خط السكة الحديدية الحجازية. وهو الخط الذي أنشئ بأموال المسلمين، واعترفت معاهدة لوزان بأن الخط وقفٌ إسلامي.

2- استنكار قرار لجنة البراق الدولية (الذي أقر ملكية المسلمين لحائط البراق، وسمح لليهود بزيارته والتعبد عنده).

3- استنكار المعاملة السيئة التي لقيها زعماء طرابلس وبرقة ومجاهدوهم من تقتيل وتشريد.

4- استنكار الظهير الفرنسي البربري، وهو القانون القاضي بتنصير البربر.

5- استنكار الاستعمار بكافة أشكاله، وفي أي قطر من الأقطار الإسلامية.

6- وأما القرارات الخاصة بفلسطين فكانت:

• عقد المؤتمر كل سنتين.

• إنشاء جامعة إسلامية باسم جامعة الأقصى.

• إسلامية البراق والتعاهد على الدفاع عنه.

• إيجاد دائرة معارف إسلامية.

• تأسيس شركة لإنقاذ الأراضي ومساعدة الفلاحين والقرويين وتأسيس شركات تعاونية للتسليف.

تأسيس فروع للمؤتمر في الخارج، وبالفعل فقد تأسس فرع المؤتمر بالهند كما تأسس فرع في برلين في ألمانيا.

[1] القيادات والمؤسسات (مرجع سابق)، ص- 245.

خطة تهويد فلسطين عام 1934م

(15)
خطة تهويد فلسطين عام 1934م

نشر د. حاييم وايزمن، زعيم الحركة الصهيونية، في مذكراته (الخطأ والتجربة)، حقيقة كان يجهلها العرب، وهي أن الانكليز واليهود قد توصلوا إلى شبه اتفاق بأن تتم مهمة تهويد فلسطين في سنة 1934م. ويقول وايزمن إن هذا الاتفاق لم ينفذ بسبب المعارضة التي قام بها العرب والثورات والاضرابات التي أشعل نيرانها المفتي الحاج أمين الحسيني[1].

وإذا صح القول بأن إسرائيل لم تقم رسميا عام 1934م، إلا أن اليهود حققوا الكثير من طموحاتهم، فقد غدا لهم كيان سياسي وقومي معترف به في فلسطين، وارتفع عددهم إلى خمسة أضعاف ما كانوا عليه عام 1918م، واتسعت رقعة الأراضي التي أصبحت بحوزتهم، ومع بداية عام 1934م لجأت بريطانيا إلى مزيد من الإجراءات:

• فقد سنت قوانين صارمة سميت بالقوانين الاستثنائية ووضعت أنظمة قاسية عرفت بأنظمة الطوارئ مستهدفة كل مقاومة وطنية.

• لجأت إلى سياسة ضرب الفلسطينيين اقتصاديا وإفقارهم لاضطرارهم للتنازل عن أرضهم لليهود، فعمدت إلى زيادة الضرائب إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه.

• ضاعفت الحكومة جهودها لتشجيع الهجرة اليهودية.

• قدمت الحكومة اليهودية 500 ألف دونم من الأراضي الأميرية (أراضي الدولة) لإقامة مساكن للمهاجرين.

• اتخذت الحكومة أقسى الإجراءات لمنع العرب من التسلح والإعداد.

كـان عـــام 1934 هـــو البـــدايـــة الحقيقــيـــة في طريــق (تهـــــويـــــد القــــدس) وكـــل فلسطين.

[1] فلسطين عبر ستين عاما (المرجع السابق) 2: 29.

حركة عز الدين القسام

(16)
حركة عز الدين القسام

في 13 يونيو 1921م كتب صموئيل المندوب السامي الصهيوني إلى وزير المستعمرات تشرشل يحذره بقوله: إن مشايخ وعلماء المسلمين ظلوا حتى الآن في موقف المتفرج، ولكنهم سيأخذون زمام المبادرة والحلول محل السياسيين في قيادة التحريض والثورة [1].

وبالفعل فقد ظهرت العديد من التنظيمات السرية والجهادية مثل جماعة الكف الأخضر في شمال فلسطين أوائل 1929م والجهاد المقدس برعاية المفتي ورئاسة عبد القادر الحسيني، وكانت أقواها وأدقها تنظيما وأعظمها تأثيرا حركة الإخوان المسلمين وجمعية الشبان المسلمين بقيادة الشيخ عز الدين القسام.

عز الدين القسام

عندما نتكلم عن النماذج المختلفة التي أغنت العمل الإسلامي بفكرها وتجربتها وجهادها، لا نستطيـع تجاهل شخصية عز الدين القسام، فهو عالم مجاهد، ورائد من رواح الكفاح ضد الاستعمار.

ولد في سوريا عام 1871م، ودرس في مصر، وقاتل الفرنسيين في سوريا، وعندما حكموا عليه بالإعدام فر إلى فلسطين وقاتل الانكليز واليهود هناك.

وفي فلسطين استقر في قرية الياجور قرب حيفا وكان ذلك في فبراير عام 1922م.

جاء القسام إلى فلسطين مجاهدا، فلقد كان واضحا له المخطط الذي رسمته اليهودية العالمية في بال في سويسرا، والذي قرر إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان يرى التآمر العالمي المدعوم بالقوة الاستعمارية عامة والبريطانية خاصة لتطبيق هذا المخطط الرهيب.

كان يرى الهجرة اليهودية.. والشبان اليهود المسلحين القادمين من أطراف العالم يستولون على الأرض بالإغراء أو الإرهاب.. وفي كل يوم كانت تزداد مساحة حي التنك الذي يقطنه.. وكانت بالنسبة إليه المؤشر على فداحة الخطب، وتزايد عدد المشردين من أبناء وطنه.

من أجل ذلك ولمدة سبع سنين بقي القسام يتصل بالناس ويتعرف على نوعياتهم، ويربيهم، وينظمهم ، ويدربهم، ويعدهم للساعة الحاسمة.. عمل مدرسا في مسجد النصر في حيفا[2]، ثم انضم إلى جمعية الشبان المسلمين عام 1926م وانتخب رئيسا لها عام 1928م، ثم عمل خطيبا في مسجد الاستقلال أكبر مساجد المدينة، وفي عام 1929م تقدم بطلب لتعيينه في وظيفة مأذون شرعي، وهكذا استطاع الشيخ خلال سبع سنوات أن يضمن لنفسه شرعية الاتصال بطبقات الأمة كافة[3].

حاكم لواء حيفا الإنكليزي قال له:

(يا شيخ إنك متحرك وذو نشاط مناوئ لنا، فرد عليه الشيخ -بعد أن أخرج المصحف الشريف من جيبه- قائلا: هذا الكتاب العظيم يأمرنا بالجهاد ولا نخالفه)[4].

ولقد انتشرت دعوته ليس في شمال فلسطين فحسب بل وشملت وسط فلسطين ووصلت حتى غزة في الجنوب.

الجهادية

في عام 1925م وبعد ثلاث سنوات من الإعداد المحكم الدقيق بدأ القسام بتكوين منظمته الجهادية[5].

• عام 1929م حاول اليهود احتلال حائط البراق والمسجد المجاور له بتشجيع ومساندة قوات الاحتلال البريطاني، فتصدى لهم سكان القدس وقراها بشجاعة نادرة سقط خلالها أكثر من 600 مواطن بين شهيد وجريح.

ومع تصاعد الهيجان الشعبي.. رأت مجموعة من منظمة القسام .. أن الوقت قد حان لإعلان الثورة [6]. ولكن القسام قال: لن تعلن الثورة حتى تكتمل.

• ولقد هيأت أحداث 1933 -1935 المناخ العام للثورة. المهاجرون اليهود يتدفقون، والمحتلون الإنكليز يزداد حقدهم على الوطنيين، والأسلحة تتدفق على اليهود تحت مختلف الأسباب.. وفي الجانب الآخر فقد نمت كوادر الحركة وأصبحت بالآلاف.. وفي أواخر شهر أكتوبر من عام 1935 دعا القائد القسام رجال قيادته وتدارسوا الموقف ثم كان قرار بدء الثورة [7].

وكانت الخطة كما يلي:

• يغادر جميع أفراد التنظيم أماكنهم فورا ويتجهون إلى أرض المعركة في جبال جنين القريبة من حيفا.

• وفي قرية كفروان الجبلية وزع القائد رفاقه على قرى: يعبد وفقوعه، وصندلة وقباطية للاتصال بأهاليها وليشرحوا لسكانها أهداف الثورة ، حتى يضموا إليهم أكبر عدد من المناضلين، فإذا اكتمل العدد الذي يريد، هاجم مدينة حيفا واحتل دوائر الحكومة ومراكز الشرطة والميناء، وبعد أن يستتب له الأمر يعلن قيام الحكومة الوطنية، ويكون أعوانه في المدن الأخرى قد قاموا بنفس العملية.

في الجبال اتخذ رجال (الجهادية) مراكز لهم، نهارهم اتصال بالآخرين في القرى المجاورة.. وليلهم عبادة وتهجد وتدريب على السلاح. وكان القائد محمود سالم المخزومي يقوم بالحراسة قرب قرية فقوعة فشاهد دورية بوليس من الفرسان يقودهم شاويش يهودي.. فـدب الحماس فـي المناضل الحارس فأطلق النار على الشاويش اليهودي فقتله إلا أن زميله استطاع الهرب..

وفي اليوم التالي صباح يوم 15 نوفمبر 1935 قامت قوات كبيرة إنكليزية بتطويق القرى المجاورة.. ثم تطورت الأمور فعقد اجتماع في مكتب المندوب السامي الإنكليزي وتقرر فيه ضرورة القضاء على هذه الثورة .. مهما كلف الأمر قبل استفحال خطرها..

وأرسلت نجدات من رجال البوليس الإنكليزي من كافة المدن الفلسطينية إلى حيفا، تساندهم الطائرات، وزحفت القوات إلى جبال جنين وطوقت منذ طلوع الفجر قرى يعبد واليامون ويرقين وكفروان وفقوعة. كان الشيخ القسام مع أحد عشر مناضلا في أحراش يعبد في خربة الطرم في الجهة الشمالية الشرقية من يعبد..

وحين طلب إليه أن يستسلم أجاب إننا لن نستسلم.. والتفت إلى زملائه قائلا: موتوا شهداء[8].

واستشهد القائد الكبير عز الدين القسام يوم 20 نوفمبر 1935 م.. ولطالما كان يتوق للشهادة.. ولكأنما أراد القدر أن يؤكد له ما كان يصر عليه أن التصرف الخاطئ المتسرع المخالف للخطة مهما بدا جميلا.. ففيه الضرر الكبير..

بداية أم نهاية

هل كان استشهاد قائد الثورة ورائد النضال والكفاح عز الدين القسام نهاية لمنظمته الجهادية.. أم بداية حقيقية للوعي الشعبي.. والتحرك الثوري في أرجاء فلسطين.

قال اليهود: لقد كانت أحلام درويش متعصب.. انتهى وانتهت معه أحلامه..

وقال الإنكليز في أحد بلاغاتهم: لقد قضينا على بعض الأشقياء، الشيخ القسام وبعض رفاقه.. ذلك بزعمهم، أما الحقيقة فلقد تحول الأمر من رجل إلى قضية، ومن بطل إلى أمة.. ومن شعلة ارتفعت لتعم أرض فلسطين كلها..

لقد أدرك رفاق القسام، حتى أولئك الذين كانوا يخالفونه في بعض التفاصيل، انه أبعد منهم نظرا وأكثر منهم حكمة، وأن العبء الثقيل قد حط على كاهلهم فاجتمعوا وتعاهدوا. ومنذ اليوم التالي لاستشهاد القائد كان رفيقه الشيخ فرحان السعدي يأخذ زمام المبادرة ويرابط في جبال صفد يكمل المسيرة.

لم تمض إلا شهور قليلة حتى كانت الشرارة الأولى لثورة عام 1936م. وفي يافا تكون الشرارة الثانية في 19 إبريل 1936، ومن يافا تنتقل شرارة الثورة المسلحة لتشمل كل فلسطين، فتكون الكوادر القسامية طلائع الثورة ، وقادة معاركها[9].

فلم تكن إذن النهاية.. بل البداية التي أيقظت الشعب المسلم في فلسطين وأقامت له معالم الطريق.. وقدمت النموذة الرائع في الشهادة والقيادة.

كــان دم القســـام ورفـــاقـــه وقـــودا جــديــدا للمعـــركـــــة، ومشــعـــــــــلا أضـــــــاء الطــــريق، وصـــــرخــــــة مـــدويـــــــــة أيقظـــــت الغــــافلــيـــــــــن.

[1] تاريخ فلسطين الحديث- عبد الوهاب الكيالي، ص- 151.

[2] عز الدين القسام- عبد العزيز السيد أحمد، ص- 13.

[3] ثورة الشهيد عز الدين القسام- عوني العبيدي، ص- 17.

[4] الإسلام بين العلماء والحكام- عبد العزيز البدري، ص- 235.

[5] شؤون فلسطين، ص- 182.

[6] ثورة الشهيد عز الديي القسام- عوني العبيدي، ص- 28.

[7] عز الدين القسام- عبد العزيز السيد أحمد، ص- 38.

[8] ثورة الشهيد عز الدين القسام- عوني العبيدي، ص- 44.

[9] الشيخ عز الدين القسام- عبد العزيز السيد أحمد

المفتي أمين الحسيني وثورة عام 1936

(17)
المفتي أمين الحسيني وثورة عام 1936

في إبريل 1936 تم تشكيل قيادة سياسية موحدة في فلسطين مثلت فيها كافة الأحزاب باسم اللجنة العربية العليا[1]. ولأول مرة ظهر الحاج أمين في المواجهة عندما وافق على رئاسة اللجنة، وقد اعتبر نزوله العلني كسبا كبيرا للحركة الوطنية.

في مساء 25 إبريل قررت اللجنة العليا في أول بيان لها الإضراب العام وحددت ثلاثة أهداف لإيقافه:

1- إيقاف ومنع الهجرة اليهودية منعا باتا.

2- منع انتقال الأراضي العربية لليهود.

3- إنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي منتخب[2].

الإضراب الشامل

كان التجاوب الشعبي مع الإضراب الشامل رائعا،، إذ شمل جميع مظاهر العمل والنشاط التجاري والصناعي والنقلي والمدرسي والزراعي في جميع المدن والقرى.

وفي الاجتماع الذي نظمته اللجنة العربية العليا في القدس يوم 7 مايو 1936م قررت اللجان القومية بالإجماع العصيان المدني أي الامتناع عن دفع الضرائب اعتبارا من 15 مايو حتى تغير الحكومة سياستها.

وفي الاجتماع وجه المفتي نداء إلى العرب والمسلمين ناشدهم فيه أن يدركوا فلسطين قبل أن تصبح أندلسا ثانية.

أما على الصعيد الحكومي الرسمي وموظفي الحكومة فقد اندمج في الإضراب أكثر من نصف البلدات وجميع دوائر الأوقاف والمحامون، وكان للبوليس دور محمود حيث فرّ بعضهم بسلاحه[3].

وظهر التكافل الاجتماعي وتعاون الجميع في سد حاجات بعضهم بعضا.

اشتعال الثورة

في منتصف مايو 1936م اتخذت الثورة شكلا جديدا، فظهرت المجموعات المسلحة في القرى والجبال وعلى الطرقات العامة تقوم بهجمات مسلحة عنيفة ومركزة، تدمر طرق المواصلات وتهدم الجسور وتنسف المراكز وتقطع أسلاك البرق والهاتف.. وبعد أن كان معدل العمليات الجهادية اليومية عشرا، صار المعدل بعد انتهاء الشهر الأول من الإضراب خمسين عملية يوميا.

وتحمّل أبناء الريف أكثر القوى الاجتماعية استجابة للثورة كل أنواع الاضطهاد والتفتيش المستمر ونسف المنازل وظلوا حتى النهاية أوفياء لثورتهم[4].

وإذا كان المفتي القائد الفعلي لهذه الثورة .. إلا أن عبد القادر الحسيني هو الذي كان يدير العمليات من مركز له اتخذه في بير زيت. وتجاوبت البلاد بشكل كبير مع الثورة المباركة.. وبدأ المجاهدون يسيطرون على الأوضاع فدمّروا مواصلات العدو، وضربوا مراكزه الاقتصادية، وبدأوا يهاجمون معسكرات الإنكليز ومراكز الهاجاناه..

في أغسطس 1936م انضمت للثورة كوكبة من مجاهدي الأردن وسوريا والعراق وتولى فوزي القاوقجي القيادة العامة للثورة بينما تسلم المجاهد سعيد العاص[5] قيادة منطقة الخليل - بيت لحم -القدس.

وقعت في هذه الأثناء معارك كبيرة أذهلت الأعداء، منها معركة عصيرة الشمالية (17 أغسطس 1936م) ومعركة وادي عرعرة (20 أغسطس 1936م)، ومعركة بلعا (3 سبتمبر 1936م) ومعركة نابلس (24 سبتمبر 1936م) ومعركة بيت أمرين (29 سبتمبر 1936م).

بلغ مجموع العمليات التي نفذها المجاهدون خلال ثورة عام 1936م حوالي 4000 عملية، وبلغ عدد الشهداء حوالي 1750 شهيدا[6] و1500 جريحا وأكثر من 3000 معتقل، أما قتلى وجرحى اليهود فقد زادوا عن 368 و48 من البريطانيين[7].

استخدمت بريطانية كل ما عرفت به من وحشية وهمجية في قمع الثورة [8].. وعندما أعياها الأمر لجأت إلى الحكام العرب للضغط على الفلسطينيين.. وبالفعل فقد أصدر حكام العرب نداء يوم 8 أكتوبر 1936م جاء فيه[9]: لقد تألمنا كثيرا للحالة السائدة في فلسطين، فنحن بالاتفاق مع إخواننا ملوك العرب والأمير عبد الله ندعوكم إلى الإخلاد إلى السكينة حقنا للدماء، معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل[10].

بيان صغير صدر عن حكام العرب استطاع أن ينهي ثورة دامت ستة أشهر عجزت بريطانيا بكل أسلحتها وبطشها وطغيانها أن تنهيها.

واستجابت الهيئة العليا لهذا النداء وطلبت من الشعب الثائر إنهاء الإضراب إعتبارا من 12 أكتوبر 1936م، ووقعت (الهيئة) للأسف فيما حذرت منه بأنها لن توقف الإضراب حتى تتحقق أهدافها.

[1] كانت هذه اللجنة تتألف من المفتي والفرد روك والدكتور حسين الخالدي، ويعقوب الغصين، وجمال الحسيني، وعوني عبد الهادي، وأحمد حلمي باشا، وراغب النشاشيبي، ويعقوب فراج، وعبد اللطيف صلاح، ومحمد عزة دروزه، وفؤاد سابا.

[2] الحركة الوطنية الفلسطينية- أكرم زعيتر، ص- 76.

[3] فلسطين وجهاد الفلسطينيين- محمد عزة دروزة، ص- 40 .

[4] التيار الإسلامي (المرجع السابق)، ص- 336.

[5] أحد قادة الثورة السورية قدم إلى فلسطين في يونيو 1936 واستشهد على أرضها في معركة الخضر التي جرح فيها القائد عبد القادر الحسيني.

[6] يذكر أميل الغوري أن عدد الشهداء كان 3015 شهيدا وأن ضعف هذا العدد أصيب بجراح. (فلسطين عبر ستين عاما 2: 93).

[7] التيار الإسلامي (المرجع السابق)، ص- 338.

[8] في هذه المرحلة عرفت فلسطين نسف المنازل وهدم الأحياء على يد السلطة البريطانية.

[9] مصر وحدها لم تشترك في هذا النداء بينما لعب نوري السعيد دورا رئيسا في إصداره.

[10] الحركة الوطنية الفلسطينية- أكرم زعيتر، ص- 458.

قرار التقسيم وثورة 1937

(18)
قرار التقسيم وثورة 1937

في أعقاب ثورة 1936 التي استمرت أكثر من ستة أشهر بعثت برطانيا لجنة لتقصي الحقائق.

وعندما رفض زعماء اللجنة العربية العليا مقابلة اللجنة لاعتقادهم أن مثل هذه اللجان مضيعة للوقت، ضغط الحكام العرب ثانية[1]: ورضخ قادة اللجنة العربية أيضا وقابلوا (لجنة بيل) في 6 يناير 1937م.

ومن المناسب هنا أن نثبت بعض ما جاء بالمذكرة التي تقدم بها مفتي فلسطين للجنة المذكورة، فقد يكون فيها عبرة لمن يدرسون التاريخ، قال المفتي:

لقد كان العرب يؤلفون جزءا مهما من كيان الدولة العثمانية، ومن الخطأ أن يقال إن العرب كانوا تحت نير عبودية الأتراك، وأن نهضتهم ومساعدة الحلفاء لهم في الحرب العامة إنما كانت ترمي إلى تحريرهم، فقد كانوا في الحقيقة يتمتعون بجميع أنواع الحقوق التي كان يتمتع بها الأتراك سياسية كانت أو غير سياسية، وذلك بحكم الدستور الذي وضع أساس حكم واحد لجميع البلاد والعناصر التي كان يتألف منها كيان الدولة العثمانية. وكان العرب يشاطرون الأتراك جميع المناصب المدنية والعسكرية فكان منهم وزراء ورؤساء وزارات وقواد فيالق وفرق وسفراء وولاة ومتصرفون، كما كان في مجلس النواب والأعيان العثماني عدد كبير من الأعضاء العرب وفقا للدستور. وعندما وضعت الحرب العامة أوزارها على مبادئ ولسون، ومنها مبدأ تقرير المصير لكل أمة حسب رغبتها أو اختيارها.. ومع ذلك فقد نفذت بريطانيا وعلى مدى الستة عشر سنة الماضية سياسات أضرت بالعرب والمسلمين أعظم الضرر، إذ هبطت نسبة العرب العددية من 93% في بدء الاحتلال إلى 70%، ومكّن لليهود من الاستيلاء على قسم وافر من أخصب الأراضي العربية، وتم تشريد مزارعيها، ومحو القرى العربية التي كانت آهلة فيها. وخيبت كل أمل للعرب بالاستقلال.

إن ما يؤلم العرب كثيرا أن يروا حكومة بريطانيا ممعنة في ظلمهم والإجحاف بحقوقهم وتعريض كيانهم القومي للاضمحلال، وهي تخضع للمطامع اليهودية في جميع الشؤون، وتمنح اليهود الامتيازات الخطيرة المتحكمة في شؤون البلاد[2].

وفي 7 يوليو 1937م نشرت الحكومة البريطانية توصيات لجنة بيل[3] التي نصت على ضرورة تقسيم فلسطين. وأشارت إلى موافقة فيصل الأول على مثل هذا التصور الذي يسمح بقيام كيان يهودي في فلسطين.

مشروع التقسيم

نص المشروع على تقسيم فلسطين إلى:

• دولة يهودية، تمتد من الحدود اللبنانية الفلسطينية إلى جنوبي يافا. ومن العجب أن هذه الدولة التي اقترحتها اللجنة، يفوق عدد العرب فيها عدد اليهود.

وفي القسم الشمالي منها يبلغ عدد العرب 3 أضعاف عدد اليهود. كما أنهم لا يملكون سوى 27% من مساحة الأرض. وهي تشمل مدنا عربية صرفة، مثل حيفا وعكا وصفد وطبريا، وجميع السهل الساحلي من أسدود إلى الشمال (بما فيه سهل شارون ومرج ابن عامر).

• ومنطقة تقع تحت الانتداب البريطاني:

وتشمل الأماكن المقدسة: القدس، وبيت لحم، وممرا يصلها بالبحر قرب يافا مرورا باللد والرملة، ثم الناصرة وشواطئ بحيرة طبريا.

• ومنطقة عربية: وتشمل ما تبقى من فلسطين، بما فيها مدينة يافا (على أن أراضيها وبساتينها واقعة ضمن الدولة اليهودية)، ومناطق غزة، وبئر السبع، والنقب، والخليل، ونابلس، والقسم الشرقي من مناطق طولكرم، وجنين، وبيسان. على أن تضم جميعا إلى شرق الأردن.

رد فعل الشعب الفلسطيني

وكأني بالشعب الفلسطيني يجد نفسه فجأة، أمام الحقيقة المؤلمة وجها لوجه.. فلطالما خدعه زعماؤه يوم ضمّوه إلى ما سمي بالثورة العربية الكبرى، ولطالما حلموا معا بدولة عربية كبرى من أقصى بلاد العرب إلى أقصاها، ولطالما تغنوا بصداقة بريطانيا وشرف كلمتها.. وها هو الشعب يدرك اليوم أمام قرار التقسيم أن الكل خدعوه.. ورفضت اللجنة العربية العليا قرارات اللجنة البريطانية جملة وتفصيلا، وهب الشعب الفلسطيني في كافة أنحاء فلسطين يستنكر المؤامرة، ولجأ الحاج أمين الحسيني إلى الحرم المقدسي الشريف في 17 سبتمبر 1937م بعد أن شعر بأصابع الإنكليز تمتد باتجاهه لتقبض عليه[4] فقد كانوا يحمّلونه المسؤولية عن كل ما حدث.

وصعّد الإنكليز إجراءاتهم القمعية فأصدروا بلاغا رسميا اعتبروا فيه اللجنة العربية العليا وجميع اللجان القومية الأخرى في أنحاء البلاد غير شرعية، وأقصوا المفتي من رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى ومن لجنة الأوقاف العامة التي يرأسها، واعتقلوا أعدادا كبيرة من القيادات الوطنية ونفتهم إلى جزيرة سيشل[5]، بينما استطاع المفتي أن يتسلل من مكمنه في الحرم المقدسي إلى لبنان وكان ذلك في 14 أكتوبر 1937م.

مؤتمر بلودان

كانت ردود الفعل الشعبية العربية عنيفة ضد قرار التقسيم مما دعا زعماء العرب إلى عقد مؤتمر لهم في بلودان في سوريا في الثامن من سبتمبر 1937م. وبالرغم من أن قرارات المؤتمر كانت جيدة، ولكن متى كانت قرارات مؤتمرات القادة العرب ضعيفة؟!

أهم المقررات هي:

1- فلسطين جزء لا يتجزأ من الوطن العربي.

2- رفض ومقاومة التقسيم.

3- الإصرار على إلغاء صك الانتداب وتصريح بلفور.

4- وقف الهجرة اليهودية.

5- إصدار تشريع يمنع انتقال الأراضي لليهود.

المرحلة الثانية من ثورة عام 1937م

توقعت بريطانيا أن قمعها الجنوني لمختلف طبقات الشعب والهيئات والشخصيات الوطنية سيجبر الشعب على القبول بالتقسيم ويسلّم بالأمر الواقع.. ولكن توقعاتها كانت خاطئة خاصة بعد ظهور تقرير بلّ وما فيه من غبن لقضيتهم ونكران لحقوقهم ونفي زعاماتهم إلى جزيرة سيشل، فقد انتفض القساميون رواد الكفاح الفلسطيني فاغتالوا أندروز[6] حاكم الجليل في 26 سبتمبر 1937م مشعلين بذلك المرحلة الثانية من الثورة كما أشعلوا مرحلتها الأولى من قبل، ومن المناسب أن نلقي بعض الضوء على القائد الشيخ فرحان السعدي الذي تولى القيادة بعد الشيخ عز الدين القسام، والذي لعب دورا حاسما في أحداث الثورة في هذه المرحلة.

الشيخ فرحان السعدي

شارك الشيخ فرحان في المؤتمرات الوطنية وفي المظاهرات ضد السلطة بصورة متواصلة، وفي ثورة 1929م ألّف عصابة من المجاهدين في قضاء جنين فقبضت عليه السلطة وسجنته ثلاثة أعوام، ولما خرج من السجن انتقل إلى حيفا وهناك انضم للشيخ عز الدين القسام.

وفي 17 إبريل 1936م هاجم الشيخ فرحان إحدى القوافل اليهودية، ثم انتقل بعد هذه الحادثة التي أشعلت ثورة 1936م مع رفاقه إلى الجبال ومنذ مقتل أندروز بثت السلطة عيونها تتعقب القساميين حتى تمكنت من القبض على الشيخ فرحان وثلاثة آخرين من رفاقه، ولما كانت السلطة تعلم أن الشيخ هو العقل المفكر للقساميين فقد حاكمته محاكمة صورية في ثلاث ساعات، وحكمت عليه بالإعدام، ونفذت الحكم في 22 نوفمبر 1937م.. ولم تبال مقدار ذرة بكون الشيخ ابن الثمانين عاما وأنه صائم في شهر رمضان.

لجنة الجهاد المركزية

تشكلت لجنة الجهاد المركزية من المفتي الحاج أمين والشيخ حسن أبو السعود ومنيف الحسيني وإسحق درويش في لبنان، ومن محمد عزة دروزة (الساعد الأيمن للمفتي) ومعين الماضي في دمشق. كانت مهمة اللجنة مساعدة وتوجيه الثورة المتصاعدة في فلسطين والتنسيق بين الثوار في المناطق المختلفة[7].

عبد القادر الحسيني يقود الثورة

في 2 نوفمبر 1937م بدأت الثورة بانقضاض قائدها العام، عبد القادر الحسيني، وفصائله على مراكز الجيش البريطاني وثكناته وتحشداته في لواء القدس، وبهجوم مركز على طرق المواصلات الرئيسة التي تربط القدس بالساحل.

وفي الوقت نفسه انقض المجاهدون على القوات البريطانية في سائر القطاعات في أرجاء البلاد. وهكذا انقلبت فلسطين من أقصاها إلى أقصاها إلى أتون حرب.

استمرت الثورة من خريف عام 1937م حتى نهاية عام 1938 م، كان عدد المجاهدين يقدر بعشرة آلاف مجاهد وكان تجاوب الشعب مع طليعته المقاتلة في غاية الروعة.. بلغ مجموع عمليات الثوار (506) عمليات عام 1937م بينما قفز الرقم إلى (5708) عمليات في عام 1938 م و(3315) عملية في عام 1939 م.

قدرت خسائر البريطانيين بالأرواح أكثر من 10 آلاف قتيل عدا الجرحى، وأقل من هذا الرقم بقليل من اليهود، كما قدر عدد الشهداء الفلسطينيين بـ 12 ألفا، قَتَل البريطانيون القسم الأكبر منهم[8].

يقدر صبحي الياسين[9] عدد القوات البريطانية التي شاركت في قمع الثورة بحوالي 42 ألفا بالإضافة إلى 20 ألف شرطي و18 ألفا من حراس المستعمرات يقودهم كبار القادة البريطانيين مثل (ديل) و(يفل) و(منتجمري). عدّلت الإدارة قانون الطوارئ وباتت تهمة حيازة أي قطعة من السلاح تكفي للحكم بالإعدام أو السجن المؤبد، وأصبحت كل بيارة أو عمارة عرضة للنسف لمجرد صدور النار منها.

بلغ عدد الذين أعدموا شنقا خلال هذه الفترة (146) شخصا وعدد المحكومين تجاوز ألفي شخص والمعتقلين أكثر من خمسين ألفا وعدد المنازل التي نسفت نحو خمسة آلاف منزل[10].

ليس ذلك فحسب.. بل لجأت بريطانيا إلى سلاحها التقليدي (فرق تسدّ) فأوحت إلى أنصارها وعملائها ممن كانوا ينفسون على الحاج أمين مكانته الرفيعة التي احتلها بمواقفه الجهادية ودعمه للثورة.. فأنشأوا ما سمي (فصائل السلام).. يقول المؤرخ عارف العارف: إن هؤلاء أسهموا في القضاء على الحركة الوطنية في البلاد وفي إخماد الثورة التي كانت ترمي إلى إنقاذ فلسطين من براثن اليهود والإنكليز[11].

الكتاب الأبيض أيار 1939

بدأت أجواء أوروبا تتلبد بالحرب، فقـد غـزت ألمانيا تشيكوسلوفاكيا وغزت إيطاليا ألبانيا في 17 مارس 1939 . وفي لندن، أجمعت الصحف على أن الحالة الدولية تقتضي من بريطانيا مراضاة العرب، خاصة وأن مصر هي إحدى المراكز الحربية الهامة في سياق السياسة العسكرية البريطانية، لهذه الأسباب فقد أصدرت بريطانيا كتابا أبيض في 17 مايو 1939 م.

تضمن الكتاب ثلاثة موضوعات رئيسة، حول الدستور والهجرة والأراضي.

(ففي باب الدستور جاء بأن الهدف الذي ترمي إليه الحكومة في النهاية هو تأليف حكومة فلسطينية مستقلة، ترتبط مع بريطانيا بمعاهدة صداقة، ويساهم العرب واليهود في حكومتها بشكل يضمن المصالح الأساسية للفريقين.

وفي باب الهجرة وانتقال الأراضي اعترف الكتاب بأن استمرارها مجحف بحقوق العرب ومهدد لكيانهم ولذلك فلن يسمح بالهجرة إلا لفترة خمسة سنوات، ولعدد لا يتجاوز خمسة وسبعين ألفا. وبالنسبة للأراضي فقد حدد الكتاب التدابير التي تحدد انتقال الأراضي العربية لليهود بحيث تضمن عدم إلحاق الضرر بالاقتصاد العربي)[12]..

ورفضت اللجنة العربية الكتاب الأبيض، وكذلك رفضته جميع الدول العربية باستثناء شرق الأردن. كانت وجهة نظر المفتي أن ما يحققه الكتاب الأبيض من الأماني ضئيل جدا، وأن بريطانيا لن تنفذ هذا القدر الضئيل.. وأن أمر التعايش مع الحركة الصهيونية أمر مستحيل.

أما اليهود فقد رفضوا الكتاب الأبيض أيضا ودعوا إلى مؤتمر صهيوني عقد في 26 يونيو 1939 في نيويورك ترأسه الحاخام شلومو غولدمن الذي صرح (أن فلسطين لم تكن يوما عربية وإن الكتاب الأبيض لا يمكن تفسيره إلا على قاعدة اللاسامية الدولية ضد اليهود. وقد أبرق وايزمن للمؤتمر قائلا: (إن شعب اليهود قرر الوصول إلى تطبيق الفكرة بتمامها. والحركة الصهيونية ويهود العالم يجب عليهم الآن أن يشتركوا اشتراكا كاملا في المسؤولية والتضحية من أجل استمرار الهجرة إلى فلسطين واستمرار الاستعمار اليهودي فيها ومقاومة الكتاب الأبيض)[13].

وقـــــف عبد القادر الحسيني وإخــــوانــــه جبــــلا شـــامخــــا فــــي وجه المـــؤامـــرة الاستــعــمـــاريـــة.. ولــقــنــــوا العدو درسا في الثبات والتضحية.

[1] بعث هؤلاء برسالة إلى رئيس اللجنة العليا بنص مشترك جاء فيها: وبالنظر لما لنا من الثقة بحسن نية الحكومة البريطانية في إنصاف العرب فقد رأينا أن المصلحة تقتضي بالاتصال باللجنة الملكية البريطانية (القيادات والمؤسسات- المرجع الســابـق، ص- 360).

[2] فلسطين بين الانتداب والصهيونية، 182.

[3] كان المعروف عن بيل هذا أنه رجل نزيه مرموق لم يعرف عنه أي انحياز للصهيونية -هذا ظاهر الأمر- أما الوثائق التي نشرت لأول مرة عام 1966 م فقد أظهرت أن بيل أمضى شهرين في لندن قبل قدومه إلى فلسطين في مقابلات سرية مع قادة الصهيونية من أمثال وايزمن ولويد جورج. وقد أقنعه هؤلاء أنه ليس للعرب ظلامة حقيقية فعندما يصبح اليهود أكثرية في فلسطين، يستطيع الأغنياء من العرب أن يبيعوا ممتلكاتهم ويرحلوا، وأبناء الطبقة الوسطى سيجدون العمل متوفرا ومن لا يستطيع البقاء في البلد المتحضر فبإمكانه أن يرحل إلى الدول المجاورة.

[4] كتبت جريدة التايمز في 16/7/1937م مقالا جاء فيه أن المفتي هو العقبة الكؤود الذي يحول دون التفاهم مع اليهود. فيجب على الحكومة البريطانية أن تصفيه وتعزله وتبطش به وبأنصاره. كما ذكر تقرير بيل ما يلي: لقد كانت اللجنة العربية العليا مسؤولة لدرجة كبيرة عن مواصلة الإضراب في السنة الماضية وتمدد أجله، ويتحمل مفتي القدس القسط الوافي من المسؤولية.

[5] كامل خلة (المرجع السابق)، ص- 697

[6] كان من أكثر القيادات البريطانية تجبرا وطغيانا، وأشدهم محاباة لليهود وتشجيعا لهم على تملك الأراضي وسلبها من العرب. وهو الذي انتزع وادي الحوارث وأجلى العرب عنه وسلمه لليهود.

[7] التيار الإسلامي (المرجع السابق)، ص- 343.

[8] التيار الإسلامي (المرجع السابق)، ص- 347.

[9] حرب العصابات في فلسطين، ص- 73.

[10] بيان نويهض- (مرجع سابق)، ص- 382.

[11] يوسف الرضيعي (مرجع سابق)، ص- 100.

[12] القيادات والمؤسسات (المرجع السابق)، ص- 395.

[13] القيادات والمؤسسات (المرجع السابق)، ص- 399.

الحرب العالمية الثانية

(19)
الحرب العالمية الثانية

كانت الحرب فرصة اليهود لتثبيت جميع طلباتهم وتحقيق كل أحلامهم وتنفيذ جميع خططهم.. ففي الحرب استطاعوا أن يفرضوا شروطهم، وهي:

1- تشكيل جيشهم (الهاغاناه) في فلسطين،

2- وإقامة مصانع سلاح خاصة بهم،

3- وطالبوا بإنشاء فيلق يهودي من أنحاء العالم تحت إمرة الأمم المتحدة.. وكان لهم ذلك.. فقد رفرف لأول مرة علم الفرقة اليهودية (هو علم إسرائيل اليوم) في 31 أكتوبر 1944م.. وكان ذلك من أهم مكتسباتهم.

مؤتمر بلتيمور

أدرك اليهود تغير الموازين الدولية.. فنقلوا مركز ثقلهم إلى أمريكا وعقدوا مؤتمرهم الصهيوني في نيويورك بتاريخ 9 مايو 1942 وهو المؤتمر الذي صار يعرف باسم مؤتمر بلتيمور. أهم قرارات هذا المؤتمر الذي لعب فيه بن غوريون دورا حاسما:

• تهجير اليهود إلى فلسطين لتحقيق الأكثرية.

• رفض الكتاب الأبيض والدعوة إلى تحقيق مقاصد وعد بلفور وصك الانتداب بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين.

• إنشاء جيش يهودي، تعترف به الدولة.

• الإسراع في إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين، وحددوا حدودها كما يلي:

(تمتد حدود الدولة اليهودية المزمع إنشاؤها من ميناء صيدا شمالا إلى العريش جنوبا على ساحل البحر الأبيض، إلى ميناء العقبة وخليجها على البحر الأحمر. وليس نهر الأردن حدا للدولة اليهودية بل هو عمودها الفقري، فهي تمتد إلى ما وراءه بحيث تضم المقاطعة المعروفة بشرق الأردن، وحتى الجبال المشرفة على باديتي الشام والحجاز.

إن المناطق المتاخمة لهذه الحدود، يجب أن تدخل في أي حال من الأحوال في دائرة نفوذ الدولة اليهودية بعد إنشائها وتثبيت دعائمها بحيث تبسط نفوذها اقتصاديا وسياسيا على بيداء الشام حتى نهر الفرات شمالا وشرقا، وحتى أطراف سيناء وجبل السويس جنوبا. فهذه المناطق هي المجال الحيوي الذي لابد منه للدولة اليهودية المقبلة)[1].

وإذا كان وعد بلفور يمثل قاعدة انطلاق اليهود في تحقيق أحلامهم مع بريطانيا، فإن مؤتمر بلتيمور مثل فرصة لتثبيت دعائم دولة اليهود في فلسطين. ولقد انتزعوا تصريحا رسميا (بهذه المطالب) من فرانلكين روزفلت رئيس الجمهورية الأمريكية بتاريخ 16 مارس 1944م.

الإرهاب اليهودي

بعد بلتيمور أصدرت الحركة الصهيونية منشورا باسم الجمعية العسكرية اليهودية تعلن فيه فتح أبواب فلسطين لليهود، كما تعلن أن غاية اليهود هي إنشاء مملكة اليهود الكبرى في وطنهم التاريخي وإجبار بريطانيا على التخلي والرحيل عن فلسطين[2]، وقرنت القول بالفعل:

• فقد نسفوا وفي وقت واحد دائرة الهجرة في كل من القدس وتل أبيب وحيفا في 12 فبراير 1944.

• ونسفوا دائرة الأراضي وهاجموا دوائر البوليس، واغتالوا عددا من الضباط البريطانيين.

• وفي 6 نوفمبر 1944 قتلوا اللورد موين وزير الدولة البريطاني في القاهرة .

ولم يوقف اليهود مقاومتهم للاحتلال البريطاني إلا بعد صدور قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947 .

موقف العرب أثناء الحرب

وبقدر ما كان موقف اليهود أثناء الحرب واضحا، مدركا لأبعاد الصراع الدولي، مستفيدا حتى الثمالة من المعطيات الجديدة.. كان موقف العرب سلبيا متخاذلا.

فالعرب بعد تجربتهم المريرة مع الحلفاء.. كانت مشاعرهم مع دول المحور على قاعدة عدو عدوي صديقي..

هذا بالنسبة لمشاعر العرب.. أما حكامهم فقد كانوا جميعا من تصميم وتنفيذ بريطانيا. ولهذا السبب فقد تمكنت بريطانيا من تأمين العديد من الفرق العسكرية من المتطوعين العرب، كما جند الكثيرون منهم في الطيران الملكي والبحرية الأمريكية وفرق الإشارة والخدمات، وفي الميدان الزراعي ضاعف العرب من انتاجهم لكفاية جيوش الحلفاء.

مشروع الجامعة العربية

عملت بريطانيا على إنشاء الجامعة العربية.. فقد يكون لوجودها دور في خدمة مشاريعهم.

فقد صرح وزير الخارجية البريطاني (أنطوني أيدن) في 24 فبراير 1943 : (إن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة تقوم بين العرب لتعزيز الوحدة الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية بينهم)[3].

وأخذت مصر زمام المبادرة فأعلن رئيس وزرائها مصطفى النحاس في 31 ديسمبر 1943 أنه على مصر أن تبدأ باستطلاع أراء الحكومات العربية.. وكان شكيب أرسلان السياسي الفذ قد رحب بفكرة الجامعة العربية ولكنه حذر من أن البريطانيين يرغبون في قيام الجامعة لتخدير الأمة لغرض إجراء عملية بتر أحد أعضائها وهو فلسطين، وتم الاتفاق على تأليف جامعة الدول العربية في أعقاب لقاء القاهرة في فبراير 1944، واتفقوا على أن تضم الدول المستقلة فقط(!).

في المفاوضات التمهيدية التي عقدتها الحكومات العربية في الإسكندرية يوم 25 سبتمبر 1944، لم توجه الدعوة إلى فلسطين باعتبارها دولة غير مستقلة، واكتفى مصطفى النحاس أن أبدى رغبته في أن ترسل الأحزاب الفلسطينية وفدا عنها.. وعندما سافر موسى العلمي إلى القاهرة لم يستطع حضور المؤتمر إلا بعد وساطة رئيس دوائر الاستخبارات البريطانية الجنرال كلايتون.

استطاع العلمي أن يشرح قضية فلسطين.. مما أذهل الحاضرين.. حتى إن رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر علق على الموضوع فقال: ما كنا نظن أن الحالة خطرة إلى هذا الحد[4].

وتحمس المجتمعون واعتبرت اللجنة التحضيرية أن فلسطين ركن من أركان البلاد العربية، وأن حقوق العرب لا يمكن المساس بها من غير الإضرار بالسلم والاستقرار بالعالم العربي. كما طالبت اللجنة بتنفيذ التعهدات البريطانية بشأن وقف الهجرة والمحافظة على الأراضي العربية والوصول إلى استقلال فلسطين.

واعتبرت بريطانيا ما قيل تحديا لسلطاتها وتدخلا في شؤون فلسطين الداخلية.. وعندما صدر ميثاق الجامعة في 22 مارس 1945 م كان خاليا من أي ذكر للقضية.

لجنة التحقيق الإنكلو-الأمريكية

في 10 ديسمبر 1945 أعلنت أمريكا عن تأليف لجنة مشتركة مع بريطانيا لدراسة أحوال اليهود من ضحايا النازية في أوروبا بهدف تقدير عدد أولئك الذين تضطرهم أحوالهم أن يهاجروا إلى فلسطين.. وتقديم التوصيات اللازمة لمعالجة هذه القضية.

وفي 30 إبريل 1946 م أصدرت اللجنة تقريرها كما يلي:

بالنسبة للهجرة: جاء في توصية اللجنة بأن تصدر في الحال إجازة تخول دخول فلسطين لليهود الذين كانوا ضحية النازية وعسف الفاشية.

بالنسبة للأراضي: فقد طالبت اللجنة بإلغاء القوانين المتعلقة بانتقال ملكية الأراضي الصادرة سنة 1940 م واستبدالها بقوانين تسمح بحرية البيع والتملك.

بالنسبة لقضية الحكم: فقد أوصت اللجنة بأن لا تكون فلسطين دولة يهودية ولا دولة عربية، وأن الشكل النهائي للحكم يجب أن يضمن بضمانات دولية.

ردود الفعل العربية

كانت ردود الفعل الشعبية والرسمية العربية عنيفة للغاية.. فأعلن الإضراب وقامت المظاهرات في مختلف المدن العربية.. وأعلن عبد الرحمن عزام: بأننا اليوم نرسل الاحتجاج وغدا نرسل الرصاص، كما أعلن محمد علي جناح مؤسس باكستان: (إن التقرير أبشع حنث، وإن المسلمين لن يسمحوا بتنفيذه).

تداعى حكام الدول العربية جميعا إلى لقاء في أنشاص في 28 مايو 1946 م وأصدروا بيانا رفضوا فيه قرارات لجنة التحقيق واعتبروها قرارات عدائية[5].

كما عقدت الجامعة العربية اجتماعا في بلودان بتاريخ 8 يونيو 1946 م اتخذت فيه مجموعة من القرارات اعتبرت في حينها نقطة تحول تجاه القضية الفلسطينية.

فلسطين في هيئة الأمم المتحدة

عرضت القضية على الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 إبريل 1947 م، وقررت إرسال لجنة الأونسكوب للتحقيق في أوضاع المنطقة[6].

لجنة الأونسكوب

اجتمعت اللجنة بوزراء الخارجية العرب في لبنان في 22 يوليو 1947 م وكتبت تقريرها الذي شمل النقاط التالية:

1- ضرورة إنهاء الانتداب في فلسطين.

2- مشروع الأكثرية:

ويقضي بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام:

دولة عربية، وأخرى يهودية، يربط بينهما اتحاد اقتصادي، ومنطقة دولية تديرها الأمم المتحدة.

3- مشروع الأقلية:

ويرمي إلى تأليف حكومتين مستقلتين استقلالا ذاتيا، وتتألف منهما دولة اتحادية، عاصمتها القدس، وتتولى الحكومة الاتحادية قضايا الشؤون الخارجية، والمصالح الاقتصادية المشتركة بين الدولتين، والدفاع الوطني.

وأما الهجرة اليهودية، فلا يسمح بها إلا للمنطقة اليهودية فقط، تحت إشراف لجنة مؤلفة من تسعة أعضاء، مقسمة بالتساوي، بين العرب واليهود، والأمم المتحدة[7].

[1] القيادات والمؤسسات (المرجع السابق)، ص- 418، وثائق محفوظة في مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير وثيقة رقم (42) القدس، أكتوبر 1938 .

[2] حول الحركة العربية الحديثة- عزة دروزة، 4: 12.

[3] رحبت الصحافة البريطانية والأمريكية وعدد من الصحف اليهودية بخطة المستر أيدن. فقالت صحيفة هاآرتز في عددها الصادر في 3/4/ 1941 أن حركة الوحدة العربية لا تتعارض مع الحركة الصهيونية.

[4] القيادات والمؤسسات (المرجع السابق)، ص- 538.

[5] حول الحركة العربية الحديثة- عزة دروزة، ص- 4: 52.

[6] المؤسسات والقيادات (المرجع السابق)، ص- 567.

[7] موجز تاريخ القضية الفلسطينية (المرجع السابق)، ص- 109.

قرار التقسيم رقم 181

(20)
قرار التقسيم رقم 181

حاولت الولايات المتحدة جهدها، وبذلت كل ما تستطيع من وعد ووعيد، للحصول على أصوات الأكثرية في الجمعية العامة بجانب مشروع تقسيم فلسطين الذي وضعته لجنة الاونسكوب، وفي يوم 29 نوفمبر 1947 م. نال مشروع التقسيم الذي يحمل رقم (181) ثلاثة وثلاثين صوتا. ولم يكن بين هذه الدول المؤيدة للتقسيم دولة واحدة مجاورة لفلسطين ولكن كان بينهما الدولتان الكبيرتان، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي.

كما صوتت (13) دولة ضد المشروع، هي الدول العربية الست، وأربع دول إسلامية (أفغانستان، وباكستان، وإيران وتركيا) وثلاث دول أخرى هي (الهند واليونان وكوبا) وامتنعت عشر دول عن التصويت.

اجتماعات الجامعة العربية

في أعقاب موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع التقسيم.. عقدت الجامعة العربية اجتماعا في 8 ديسمبر 1947 م واتخذت القرارات التالية:

• تزويد اللجنة العسكرية بالبنا دق والأسلحة الخفيفة.

• اعتماد مليون جنيه لصرفها على شؤون الدفاع،

• إرسال متطوعين عرب إلى سوريا لتدريبهم وإرسالهم إلى فلسطين،

• جمع التبرعات بواسطة الحكومات،

• القيام بالدعاية للقضية الفلسطينية في أمريكا وبريطانيا.

• تأليف لجنة سياسية جديدة باسم لجنة فلسطين برئاسة عبد الرحمن عزام..

انتقلت اللجنة العسكرية إلى دمشق، وحصرت عملها في تزويد المناطق الفلسطينية المعرضة للخطر بما يتجمع لديها من سلاح وعتاد كما أقامت لها معسكرا في قطنا بالقرب من دمشق لتدريب المتطوعين من الفلسطينيين وغيرهم. وما أن بدأ المعسكر يقوم بدوره، حتى تقدم الجنرال كلايتون باسم بريطانيا بمذكرة إلى الجامعة العربية تعترض على تسليح الفلسطينيين وتدريبهم، وتعتبر ذلك (عملا غير ودي) لأن بريطانيا لا زالت موجودة في فلسطين[1].

وما إن وصلت المذكرة البريطانية.. حتى امتثل الجميع لها.. وسرحوا الشباب وسحبوا الأسلحة وأغلقوا المعسكر..

وبدون الدخول في التفصيلات فإن مجموع ما تسلمته اللجنة العسكرية من الحكومات العربية حتى 8 فبراير 1948م كان 4110 بنادق و000،809،1 طلقة.. وبفحص هذه الأسلحة وجد أن البنا دق قديمة وأن معظم المسدسات معطل لا يصلح للاستعمال. ولمزيد من التوضيح نقول: إن كل ما قدمته البلاد العربية من الأسلحة والذخائر لحرب فلسطين لا يعادل الأسلحة المودعة في مستعمرة واحدة لليهود.. أما مجموع ما تبرعت به الدول العربية فلم يتجاوز 768 ألف جنيه[2]!!

مقترحات المفتي

وكان لمفتي فلسطين موقف مغاير لموقف الجامعة العربية يتلخص في:

• تأليف حكومة عربية في فلسطين على الفور.

• تسليح الفلسطينيين ومساعدتهم بالمال والسلاح، وعدم دخول الجيوش العربية النظامية إلى فلسطين.

ولكن مجلس الجامعة والملك عبد الله رفضا المشروع، وعندما تقابل الملك عبد الله مع ممثلة الوكالة اليهودية غولدامائير في منزل بنحاس روتنبرغ في نهرايم، أعلن عزمه على أن يضم إلى مملكته الجزء المخصص للعرب في مشروع التقسيم، وأن يقيم علاقات سلام وصداقة مع الدولة اليهودية. وختم كلامه مع مائير (بأن كلينا يواجه خصما مشتركا يقف عقبة إزاء خططنا، وهو المفتي)[3].

في أعقاب قرار التقسيم

ما أن صدر قرار التقسيم رقم (181) حتى هبّ الشعب الفلسطيني يدافع عن نفسه وأرضه وعن وطنه وحرماته.. وأعلنت بريطانيا من جانبها أنها عازمة على إنهاء انتدابها وسحب قواتها وجهازها الإداري في 15 مايو 1948م، وأنها ستترك فلسطين لمن يقيم فيها، نافضة يدها من مسؤولية الانتداب الذي نفذته لصالح الصهيونية على مدى ثلاثين عاما.

وما لبريطانيا والبقاء؟ فقد أنجزت مهمتها بنجاح فيوم دخلت القدس كان عدد اليهود في حدود الخمسين ألفا واليوم هم 600 ألف يهودي. وهم اليوم يسيطرون على أخصب أراضي فلسطين، ولهم جيش مدرب ومسلح ومستعد في اللحظة المناسبة أن يقبض على ناصية الأمور، وهم سادة الاقتصاد في البلاد بيدهم أهم المشاريع، وهم أصحاب البيوت المالية والتجارية والمحلات العامة.

تجديد الكفاح المسلح

هبّ الشعب الفلسطين في كافة أنحاء فلسطين، يدافع عن نفسه وأرضه في حيفا وفي القدس، في جنوب البلاد وفي شمالها، والعالم مشدوه بما يبديه شعب فلسطين من غضب وما يقوم به من كفاح وجهاد. المعارك متواصلة ليلا ونهارا.. كانت بريطانيا تراقب الأمور حتى إذا مالت الكفة لصالح العرب هرعت فأنجدت اليهود.

ولنستعرض بعض المعارك التي حدثت في هذه الفترة لإعطاء فكرة عن صلابة شعبنا وقدرته على تحرير وطنه لو أمدّه أشقاؤه بالإمكانات.

• معركة ظهر الحجة.. وفيها تغلبت البنا دق البدائية الفلسطينية على الأسلحة المتطورة اليهودية فأبادوا المهاجمين عن بكرة أبيهم.

• معركة كفركنا.. حاول اليهود الاستيلاء على القرية.. فصدهم المجاهدون ولحقوا بهم حتى وصلوا إلى كرم الزيتون التابع لمستعمرة الشجرة.

• معركة عين باهل.. في 23 يناير 1948م.

• معركة الماصيون..

• معركة شعفاط.. وقعت في 24 مارس 1948م.

• معركة الدهيشة.. في 27 مارس 1948م، وقد اصطدم مائتا مجاهد من فرق الجهاد المقدس مع قافلة يهودية قوامها 250 رجلا من جيش الهاجانا كانوا يركبون 54 سيارة محروسة بأربع مصفحات عسكرية، ودارت بين الفريقين معركة رهيبة اشتركت فيها الطائرات اليهودية، واستنجدوا بالقوات الانكليزية ولم تستطع كل هذه التجهيزات أن تفك الحصار.. فألقى اليهود سلاحهم بعد حصار دام 36 ساعة وتسلمت الحكومة 159 يهوديا بينهم 24 قتيلا.

مجلس الأمن مرة أخرى

تعالت صيحات اليهود، واستنجدوا بالولايات المتحدة، وحاول ترومان الرئيس الأمريكي.. التخلي عن قرار التقسيم، ووضع فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة ولكن اليهود وقفوا ضده، وأعلنوا (إن قوة العرب خرافة، وإن التراجع عن التقسيم سابقة خطيرة للهيئة، هيأوا لليهود نصف فرصة لينسفوا أسطورة العرب)[4].

وقال بن غوريون: (إن إقامة الدولة اليهودية لم تكن متوقفة عمليا على قرار الأمم المتحدة وإنما على إمكان رجحان كفتنا وقوتنا)[5].

تراجع ترومان وفتحت أبواب ميناء تل أبيب لتستقبل السفن الملأى بكل أنواع السلاح وتوافد على فلسطين عدد كبير من الضباط الأمريكان والبولونيين والتشيكيين والروس يدربون الشبان اليهود على الأسلحة الجديدة.

هذا على جبهة اليهود.. أما العرب الفلسطينيون فقد كان سلاحهم ما استولوا عليه من أعدائهم..

يقول محسن البرازي وزير الخارجية السوري في مذكراته: عندما تبرع الشعب العربي في المملكة العربية السعودية بنحو نصف مليون جنيه للمجاهدين الفلسطينيين عام 1947 م، تدخل المسؤولون العرب طالبين تحويل المبلغ إلى الجامعة لا إلى الهيئة العربية الفلسطينية، وحين تقرر في الرياض مد المجاهدين بكميات من السلاح والذخائر بواسطة المفتي.. حوّ ل السلاح تحت إلحاح المسؤولين العرب إلى اللجنة العسكرية بدمشق، ولما سلمت مصر جزءا من كميات السلاح التي تعهدت بها إلى الهيئة ونقلت إلى فلسطين بواسطة محافظ سيناء أسرع أعضاء اللجنة العسكرية فتسلموا بقية السلاح ونقلوه إلى دمشق[6].

وعندما اشتريت بعض الأسلحة البلجيكية بأموال تبرع بها اللبنانيون وتقرر تسليمها إلى القائدين عبد القادر الحسيني وحسن سلامة.. كـدّســت الأسلـحـة في عنابر اللجنة العسكرية.. وعندما حضر عبد القادر الحسيني لتسلمها رفضوا طلبه وكان ذلك قبيل معركة القسطل التي استشهد فيها القائد عبد القادر الحسيني [7].

هذه مجرد نماذج من تصرفات اللجنة العسكرية التي شكلتها الجامعة العربية لإنقاذ فلسطين!

المنظمات العسكرية اليهودية

كانت القوات اليهودية تقاتل وتنتظم في منظمات ثلاث:

1- الهاجانا وهي القوة الحربية الرئيسة وتضم 62 ألفا من الجنود المدربين والمزودين بأحدث الأسلحة.

2- عصابة شتيرن، وتضم حوالي 300 مسلح.

3- عصابة الأرغون زفاي ليومي وتضم حوالي 6000 مسلح.

4- قوة الشرطة اليهودية وعددها حوالي 1000 مسلح.

المنظمات العسكرية الفلسطينية

أما المناضلون الفلسطينيون فكانوا يقاتلون من خلال:

1- قوات الجهاد المقدس وهي القوات التي شكلها المفتي الحاج أمين وقادها عبد القادر الحسيني في أواخر ديسمبر 1947 م. بدأت هذه القوات (في الثلاثينات) بخمسة وعشرين رجلا، وكانت تفتقر للتدريب وللسلاح وللأموال..

2- جيش الإنقاذ

وهو الجيش الذي شكلته الجامعة العربية، تلبية لقرارها بضرورة التدخل العسكري لمنع التقسيم وإعلان فلسطين دولة عربية مستقلة. قائد هذا الجيش هو فوزي القاوقجي. عدد المتطوعين 7700 متطوع، 2500 منهم من داخل فلسطين والباقي من متطوعي البلاد العربية والإسلامية.

3- بالإضافة إلى هذه القوات فقد تشكلت مجموعة من المراكز، مثل لجنة إنقاذ فلسطين في العراق، مكاتب اللجنة العسكرية في دمشق، ومكتب فلسطين الدائم في بيروت، ومراكز الإخوان المسلمين في القاهرة ودمشق وعمان، تستقبل المتطوعين وتوجههم إلى فلسطين.

كان الخلاف قائما بين هذه المنظمات العسكرية العربية.. فجيش الإنقاذ الذي كانت توجهه الجامعة العربية والملك عبد الله فشل في كل معاركه وانسحب من فلسطين في 25 مايو 1948 فلم يكن هدفه تحرير فلسطين، وإنما تثبيت التقسيم. أما قوات الجهاد المقدس والمتطوعون فكانوا يعملون على إنقاذ فلسطين.

عبد القادر الحسيني

وقبل أن نغادر هذه المرحلة من تاريخ النضال الفلسطيني، يحسن بنا أن نقف قليلا مع شيخ المجاهدين قائد قوات الجهاد المقدس عبد القادر الحسيني.

ولد في القدس عام 1907 م وهو ابن زعيم فلسطين الكبير موسى كاظم الحسيني.. الذي كان يقود المعركة رغم كبر سنه ضد الإنكليز، والذي توفي متأثرا بجراحه التي أصيب بها في المظاهرة الكبرى التي قادها في يافا.

لم يكن عبد القادر شخصا عاديا، فهو منذ شبابه إنسان مجاهد. درس في الجامعة الأمريكية في القاهرة قسم الصحافة والتاريخ، وعندما تسلّم شهادة تخرجه قال أنه لا يسعده أن يفرح بشهادة جامعة هي وكر للاستعمار والتبشير، وقاعدة لأعداء العرب، ثم رفع الشهادة التي سلمت له فمزقها أمام الجميع[8].

عاد عبد القادر إلى القدس وبدأ يعيد كيان التنظيم العسكري الذي شكله مع إخوانه منذ عام 1931م[9] من خلال:

1- مضاعفة الجهود لتسليح الشبان وتدريبهم.

2- إعادة بناء التنظيم الجهادي السري.

3- تعيين لجنة عليا للتنظيم من: حسن سلامة ونافذ الحسيني وجميل الفارس وصالح الريماوي وأميل الغوري.

شارك عبد القادر الحسيني في ثورة 1936 وأسره الإنكليز، وشارك في ثورة عام 1937 وجرح في معركة بني النعيم، وعندما صدر قرار التقسيم عام 1947 ذهب إلى مصر لشراء السلاح والتعاون مع المتطوعين من الإخوان المسلمين.

في صيف عام 1935 م عمـل المفتي على توحيد جميع المنظمات المجاهدة تحت إشرافه وبقيادة عبد القادر وبذلك قامت منظمة الجهاد المقدس التي تولت الأعمال الجهادية حتى عام 1948م.

معركة القسطل

أهم المعارك التي خاضها الشهيد البطل كانت معركة القسطل، فقد استولى اليهود على هذه المدينة في إبريل 1948 بهدف فتح طريق القدس التي أحكم العرب حصار أحيائها،

ومنعوا وصول التموين إليها.

وبعد سقوط القسطل تجمع حوالي ثلاثمائة مناضل من القرى العربية المجاورة ومجموعة أخرى من الجهاد المقدس للعمل على تحريرها.

ابتدأت المعركة في 4 إبريل 1948م ولكنهم لم يستطيعوا استرجاع القسطل.. بدأت ذخيرة العرب في النفاذ.. بينما كانت الطائرات اليهودية تزود اليهود بالمؤن والمعدات[10]..

يذكر المؤرخ عارف العارف أنه ذهب شخصيا يستنهض همة الجيش الأردني المعسكر في رام الله بالقرب من ميدان المعركة ويرجوه التدخل.. ولكن صراخه ذهب مع الريح.. فقد رفض القائد العام جلوب باشا التدخل!

هذا الموقف الصعب دفع بقائد الجهاد المقدس عبد القادر الحسيني أن يسرع إلى دمشق التي اتخذتها اللجنة العسكرية مقرا لها، لطلب العون العسكري. كان عبد القادر ينفخ في رماد.. فاللجنة على دين ملوكها وأعضاؤها على شاكلة من شكلوها.

واستشهد البطل عبد القادر الحسيني في القسطل.. وسجل التاريخ بأن الزعامات التي تولت القضية متخاذلة وأنها باعت قضية فلسطين المقدسة بثمن بخس.

تساقط المدن العربية

وكما سقطت القسطل، ولنفس الأسباب، بدأت المدن الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى تسقط في أيدي اليهود.

في 13 مايو 1948م وقبل دخول الجيوش العربية بيومين سقطت يافا المدينة الجميلة ذات الميناء المزدهر على ساحل البحر الأبيض المتوسط. بعد أن سقط في الميدان أكثر من 7700 بين شهيد وجريح من الفلسطينيين والمتطوعين. وبنفس الطريقة سقطت حيفا في 22 إبريل 1948م، وصفد في 11 مايو 1948م، وعكا في 16 مايو 1948م.

مجزرة دير ياسين

ودير ياسين قرية قريبة من القدس، كانت أشبه بجزيرة صغيرة في منطقة يهودية، تفاهم سكانها مع اليهود أن تبقى قريتهم هادئة بدون قتال. وفي ذات ليلة هاجم اليهود القرية وذبحوا كل من كان فيها من شبان وأطفال ونساء وشيوخ.. ذبحوا أكثر من 250 شخصا ومثلوا بهم تمثيلا شنيعا، من قطع الآذان والأطراف إلى بقر بطون النساء.. ثم ألقوا بهم في بئر القرية.. جرى ذلك في 10 إبريل 1948م أمام سمع وبصر قوات الاحتلال البريطانية.

ولقد أرادت القوات اليهودية من هذه الحادثة وأمثالها كمجزرة قرية ناصرة الدين القريبة من طبريا والتي أحرق اليهود بيوتها وقتلوا جميع سكانها.. أرادوا أن يدب الرعب والفزع في قلوب الفلسطينيين فيتركوا بيوتهم ويهاجروا..

ذكر غلوب باشا[11]: (كان جنود الهاجانا يصرخون بمكبرات الصوت الموضوعة في السيارات التي كانوا يطوفون بها في القدس طريق أريحا ما تزال مفتوحة اهربوا من القدس قبل أن تقتلوا! وأضاف غلوب باشا في مذكراته: إن حوارا جرى بين ضابط بريطاني وآخر يهودي سأله الأول ألا تظن أن الدولة اليهودية الجديدة ستتعرض لمتاعب لكون عدد السكان العرب مساو لعدد السكان اليهود.. فأجاب أبدا فهذه مسألة بسيطة ما هي إلا مذابح معدودات.. ونتخلص منهم نهائيا.

هجرة الفلسطينيين

ما حدث في دير ياسين وقرية ناصر الدين واللد والرملة وغيرها من مناطق فلسطين.. كان سياسة مقصودة تتفق والسياسة البريطانية والصهيونية المعدة سلفا لتسليم فلسطين أرضا بدون سكان..

في أكتوبر 1930م نشرت المانشستر غارديان بيانا وقعه كبار الساسة البريطانيين منهم تشرشل وتشمبرلن ولويد جورج وغيرهم جاء فيه: (انه كان مفهوما لدى بريطانيا عند إصدارها تصريح بلفور أن يصبح اليهود أكثرية ساحقة في فلسطين.. أما زعيم الصهيونية الأكبر وايزمن فقد كتب في مذكراته يقول: لقد تعهدت لنا بريطانيا أن تسلمنا فلسطين خالية من سكانها العرب، وكنا على وعد بتنفيذ ذلك عام 1934م)[12].

اعتــرف زعمــــاء اليهود وكبـــار الصهيونية (أنه لولا المذابح المتتابعة التي نفذتها العصابات الصهيونية في المسلمين من سكان فلسطين.. لما قامت دولة إسرائيل.

[1] جهاد شعب فلسطين (المرجع السابق)، ص- 312.

[2] المصدر نفسه، ص- 314.

[3] القيادات والمؤسسات (المرجع السابق) ص 580. وكتاب حرب فلسطين (الرواية الرسمية الإسرائيلية)، ص- 224.

[4] مذكرات وايزمن، ص- 579.

[5] حرب فلسطين الرواية الإسرائيلية الرسمية، ص- 202.

[6] جهاد شعب فلسطين (المصدر السابق)، ص- 333.

[7] المؤامرة الكبرى واغتيال فلسطين من كتاب جهاد شعب فلسطين (المرجع السابق)، ص- 333.

[8] جهاد شعب فلسطين في نصف قرن (المرجع السابق)، ص- 354.

[9] فلسطين عبر 60 عاما- أميل الغوري، 1: 161.

[10] نكبة بيت المقدس 1: 163.

[11] مذكرات غلوب باشا.

[12] جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن (المرجع السابق)، ص- 433.

حرب عام 1948 وقيام إسرائيل

(21)
حرب عام 1948 وقيام إسرائيل

انسحبت بريطانيا من فلسطين في 15 مايو 1948م، وفور ذلك أعلن اليهود قيام دولتهم إسرائيل. واعترفت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بهذا الكيان وبدأت الدول الأخرى تتسابق للاعتراف.

بالنسبة للدول العربية فقد توالت اجتماعات زعمائهم منذ صدور قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947 م.. وقر أخيرا رأيهم على ضرورة تدخل الجيوش العربية.. والقضاء على اليهود.. وإعادة فلسطين إلى الحظيرة العربية. أقر زعماء العرب ذلك بالرغم من جميع النداءات التي وجهها لهم أهل فلسطين الذين كانت تمثلهم الهيئة العربية العليا والتي كانت تطالب بتدريب الفلسطينيين وتسليحهم وإمدادهم بالمال والعتاد.. وهم يتكفلون باليهود.. كان الاتفاق بين حكومات دول الجامعة العربية ورؤساء جيوشها، أن يبدأ الزحف مساء الخامس عشر من مايو 1948م، فتلتقي الجيوش السورية واللبنانية والعراقية والأردنية جميعها لدى العفولة في وسط فلسطين، ثم تواصل زحفها مجتمعة لتقسيم تجمعات اليهود، وتصل إلى الساحل الفلسطيني. وأن يزحف الجيش المصري نحو عسقلان والمجدل ثم يتقدم للإلتقاء بالجيوش الزاحفة الأخرى، على حين يتقدم قسم من الجيش الأردني نحو رام الله والقدس[1].

وأكثر الدول العربية التي اتخذ قادتها قرار الحرب كانت خاضعة لبريطانيا بصورة أو بأخرى.. أما الأردن الذي تولى ملكه عبد الله بن الحسين قيادة الجيوش العربية، كان على رأس جيشه الجنرال كلوب وأكثر ضباط قيادته كانوا من البريطانيين.. كما أن جميع القواعد العسكرية في الأردن كانت بيد بريطانيا. أما الحكومات التي تولت السلطة في هذه الظروف فكانت منسجمة غاية الانسجام مع المخطط البريطاني الذي يعمل على تقسيم فلسطين.

رئيس وزراء الأردن في هذه لمرحلة كان توفيق أبو الهدى.. شارك في جميع الاجتماعات التي اتخذت قرار الحرب في أكتوبر وديسمبر 1947 م. ومع ذلك فقد كان على اتصال مباشر مع وزير خارجية بريطانيا أرنست بيفن، يرتب معه شؤون ومستقبل فلسطين. جاء في كتاب (جندي مع العرب) الذي كتبه جلوب عن هذه المحادثات فقال:

(أجرى توفيق باشا أبو الهدى محادثة سرية مع وزير الخارجية البريطانية السير أرنست بيفن في فبراير 1948م، ولم يكن توفيق باشا يحسن الإنكليزية فرافقته كمترجم، ولقد ذكر توفيق باشا أن الانتداب البريطاني على فلسطين سينتهي قريبا، وأن اليهود أعدوا العدة لتأليف حكومة تشرف عليهم عقب انتهاء الانتداب، ولكن العرب لم يهيئوا شيئا من هذا، فاليهود لهم شرطتهم ومجلسهم النيابي، وقد أعدوا نواة لجيشهم من جماعات الهاجانا، بينما العرب في فلسطين لا يملكون السلاح، وليس لديهم الوسائل الكفيلة بإقامة جيش يحميهم، وأن النتائج حول نهاية هذا الموضوع ما زالت غامضة ولابد من أن يقع أحد أمرين اثنين:

1- إما أن اليهود سوف لا يعتبرون قرارات الأمم المتحدة، فيحتلون فلسطين كلها حتى حدود نهر الأردن بالقوة.

2- وإما ان مفتي فلسطين سيعلن نفسه حاكما عاما على البلاد، ونتائج هذين الأمرين ليست من صالح الأردن، ولا في مصلحة بريطانيا، وكثيرا ما نتلقى في الأردن عرائض من الفلسطينيين تطالب بتدخل جيشنا لحمايتهم، وليس لدينا مانع من تنفيذ ذلك بعد انسحاب البريطانيين. وكان المشروع أو الاقتراح الذي حمله توفيق أبو الهدى يتلخص في أن يدخل الجيش الأردني فلسطين غداة انتهاء الانتداب تحت ستار حماية فلسطين كلها ومحاربة اليهود، ويحتل القسم العربي ويضمه إلى شرق الأردن دون أن يشتبك مع اليهود إطلاقا، وتعهد أبو الهدى بثلاث أمور: ألا يحتل الجيش الأردني غزة والجليل[2]، وألا يعتدي الجيش المذكور على اليهود بأي شكل، وألا يحتل شبرا واحدا من القسم الذي صدر قرار الأمم المتحدة بإعطائه لليهود).

ويقول جلوب بعد أن أنهى هذه الفقرات من حديث رئيس وزراء الأردن إني لأذكر حتى اليوم، المستر بيفن وهو جالس في مكتبه بعد أن أنهيت ترجمة الحديث، يرد على رئيس الأردن قائلا:

( إن هذا هو الحل الوحيد المعقول، ولكن يجب ألا تذهبوا إلى أبعد من ذلك وتحتلوا المنطقة اليهودية فأجاب الرئيس أبو الهدى: أن الأردن حسب معاهدته مع بريطانيا لن يتخذ أي خطوة إيجابية إلا بعد مشاورة الحكومة البريطانية فشكر بيفن أبا الهدى لوضوح موقف الأردن، وأعلن موافقته على مشروع حكومته)[3].

إلغاء المنظمات العسكرية الفلسطينية

أول القرارات التي اتخذها الملك عبد الله قائد الجيوش العربية التي دخلت فلسطين أن أعلن حل جيش الإنقاذ وإلغاء منظمة الجهاد المقدس وجميع القوى والعصابات التابعة لها، وأعلن أن نشاطات الهيئة العربية العليا لم تعد تمثل عرب فلسطين، وأن ممثليها لا يحق لهم التكلم باسم الشعب! ووضعت خطة لإبعاد الفلسطينيين عن ميدان الجهاد والسياسة وعن كل ما يتعلق ببلادهم ومستقبلهم وحياتهم.

استطاع العرب بعد بضعة عشر يوما من القتال ورغم كل الظروف غير المواتية أن يسجلوا نتائج جيدة على مختلف الجهات:

1- على الجبهة المصرية: سيطرت الكتائب على غزة وبئر السبع وبعض المستعمرات اليهودية في النقب، واتجهت في خطين واحد في اتجاه الجليل والآخر في اتجاه يافا. كما ساهمت القوات المصرية تدعمها قوات المتطوعين من الإخوان المسلمين في حصار القدس الجديدة.

2- على الجبهة العراقية: استرد الجيش العراقي مدينة جنين الهامة، كما احتلت كتائبه مستعمرة الجسر على اليرموك وسارت باتجاهين الأول باتجاه نابلس فطولكرم فقلقيليه، والثاني في اتجاه مرج ابن عامر ومستعمرة العفولة.

3- على الجبهة السورية: سيطرت الكتائب السورية على سمخ وبدأت زحفها عبر اليرموك من جسر بنات يعقوب باتجاه طبريا.

4- على الجبهة اللبنانية: احتلت الناقورة وقرية المالكية، وأخذت تهيمن على معابر الجليل الغربي.

5- الكتائب الأردنية: احتلت أريحا والقدس، وأصبحت القدس الجديدة تحت سيطرة مدافعها. كما سيطرت على طريق القدس الرملة، وعسكرت إحدى هذه الكتائب حول اللد والرملة.

وقبيل نهاية شهر مايو 1948م كان الموقف العربي في أوجه، فالطائرات العربية تغير بشدة على المستعمرات، والفلسطينيون يبلون بلاء عظيما على كل الجبهات، والجيوش العربية تكاد تحدق بتل أبيب[4].

ولقد عبر قائد الجيوش العربية جلوب باشا عن هذا الموقف فقال: لو سمح العرب لقواتهم كلها بالعمل في 15 مايو وزحفوا زحفا جيدا لنجحوا على الأرجح في اجتياح الدولة اليهودية الجديدة[5].

الهدنة الأولى

أمام هذه الانتصارات الرائعة التي سجلتها الكتائب العربية والفلسطينية بدأت بريطانيا وأمريكا تضغط على مجلس الأمن لإصدار قرار بوقف القتال للبحث عن وسائل سلمية لحل النزاع. وبالرغم من معارضة الشعوب العربية فقد قررت اللجنة السياسية بجامعة الدول العربية قبول قرار مجلس الأمن بوقف القتال. وعلى ذلك أعلنت الهدنة الأولى اعتبارا من 11 يونيو سنة 1948م لمدة أربعة أسابيع.

يقول مؤرخ عربي كان يتولى منصبا قياديا في حرب فلسطين يصف تلك الهدنة: ليس لي إلا أن أصفها بالجريمة الكبرى وهي أخف وصف يمكن أن توصف به موافقة الجامعة العربية على شروط الهدنة التي قدمها برنادوت بدون قيد أو شرط، فقد وافق أعضاء اللجنة السياسية على أكبر خطيئة في تاريخ الحروب بالشرق العربي ألا وهو السماح بفك الحصار عن مدينة القدس وإنقاذ مائة ألف يهودي كانوا على وشك التسليم. وأنني أعتبر جميع الدول العربية مسؤولة عن ذلك القرار الأسود الذي اتخذ في عمان[6]..

فما الذي حققه العدو في هذه الأسابيع الأربعة؟

• جلبوا كل أنواع الأسلحة والطائرات.

• استأجروا عددا كبيرا من الضباط والطيارين المحترفين.

• استولوا على ميناء حيفا.. الذي أخلاه البريطانيون، وبذلك انفتحت عليهم أبواب البحر ليستقبلوا المهاجرين والمسلحين والأسلحة عبر الميناء الكبير.

ولقد صور هذه الحالة المأساوية القنصل الأمريكي في القدس الذي قال: (إن قرار مجلس الأمن الذي فرض الهدنة الأولى هو وحده الذي خلص اليهود وحال دون سحقهم)[7].

كانت القدس الجديدة التي تضم مائة ألف يهودي محاصرة من جميع الجهات، يشترك في حصارها المجاهدون الفلسطينيون، وقوات الإخوان المسلمين المصريين بقيادة القائد أحمد عبد العزيز والجيش الأردني وكانت على وشك السقوط لولا لعبة مجلس الأمن وفرض الهدنة.

أما العرب فقد فرض عليهم حصار محكم فلم يصلهم أي نوع من الأسلحة من أية جهة كانت.

أما هيئة الأمم، فقد انتدبت الكونت فولك برنادوت ليقوم بدور الوساطة لحل القضية الفلسطينية، فوضع في 27 يونيو 1948م مقترحات للتسوية السلمية أبرز ما جاء فيها:

1- أن يقوم اتحاد عربي- يهودي، بين الأجزاء المخصصة للعرب في فلسطين (بعد ضمها إلى شرق الأردن) وبين الأجزاء المخصصة لليهود.

2- أن يكون كل منهما مستقلا في شؤونه الإدارية والداخلية وسياسته الخارجية.

3- أن يضم النقب إلى الجزء العربي (وقد كان بموجب قرار التقسيم مخصصا لليهود).

4- أن تضم القدس إلى الجزء العربي (وقد كانت بموجب قرار التقسيم دولية).

5- أن يكون لليهود في القدس بلدية مستقلة استقلالا ذاتيا.

6- أن يضم الجليل الغربي أو بعضه إلى القسم اليهودي (وقد كان بموجب قرار التقسيم من الجزء العربي).

7- أن تعتبر ميناء حيفا وأماكن تكرير البترول القريبة منها وكذلك مطار اللد، مناطق حرة.

8- الاعتراف بحقوق من غادر البلاد من عرب فلسطين، في العودة إلى ديارهم دون قيد أو شرط، مع استعادة ممتلكاتهم.

استئناف القتال

ورفض اليهود مقترحات برنادوت لأنها تنص على ضم النقب والقدس للعرب.. أما العرب فقد رفضوها لأنها تقوم أساسا على فكرة التقسيم.. الأمر الذي دفعهم لاستئناف القتال في 9 يوليو 1948م.

فماذا وجدت الجيوش العربية؟

وجدت تبدل الأحوال.. فأوضاع اليهود تحسنت في كل القطاعات، السلاح توفر بكل الأنواع، المتطوعون المدربون يستقدمون بأسلحتهم عبر 75 مركزا للتدريب أقيم في أنحاء أوروبا، طائراتهم بدأت تغير على العواصم العربية كالقاهرة ودمشق وعمان.. زاد على كل ذلك:

• الأوامر التي صدرت للقوات العراقية للانسحاب من رأس العين وبعض مناطق مرج ابن عامر.

• وللقوات الأردنية للانسحاب من اللد والرملة بناء على أمر مفاجئ من جلوب باشا.

• وقوات جيش الإنقاذ للانسحاب من أنحاء الجليل الغربي. وبعبارة أخرى فقد وجدت هذه الجيوش النتائج التي كان بعض مسؤولي العرب قد طبخوها مع قادة بريطانيا وأمريكا.

الهدنة الثانية

وعلى الرغم من كل السلاح الذي تدفق على اليهود، ومن جميع المواقف المتخاذلة للحكام العرب الذين أمروا جيوشهم بالانسحاب من بعض مواقعهم.. بالرغم من كل ذلك فمازال اليهود بحاجة إلى هدنة أخرى يحسنون فيها مواقعهم. وكان ذلك فقد قرر مجلس الأمن الدولي في 15 يوليو 1948م وقف إطلاق النار في فلسطين وإيجاد حل سلمي لمشكلتها. وافق اليهود على القرار.. كمرحلة لتثبيت مكاسبهم. وكذلك وافق حكام الدول العربية على القرار فقد كانت أوضاعهم متردية.

مقتل برنادوت

وفي أعقاب هذه الهدنة قتل اليهود برنادوت الوسيط الدولي في القدس في 17 سبتمبر 1948م واعترفت عصابة شتيرن (بقيادة شامير) باغتياله.

مباحثات رودس والهدنة الدائمة

• أصدر مجلس الأمن بتاريخ 16 نوفمبر 1948م قرارا يطالب الفريقين أن يتفاوضا لإقرار الهدنة.

وافق العرب على القرار، وعقدت مباحثات بين إسرائيل وبين الدول العربية كل على انفراد بإشراف الدكتور رالف بانش ممثل الأمم المتحدة.. كانت محصلتها عقد هدنة سميت (بالهدنة الدائمة).

• في 24 فبراير 1949 م وقعت الهدنة بين مصر وإسرائيل وقد جرت المباحثات في رودس[8].

• في 23 مارس 1949 م وقعت مع لبنان وقد جرت في رأس الناقورة الحدوية.

• في 4 إبريل 1949 م وقعت مع الأردن وقد جرت في جزيرة رودس.

وأثناء المفاوضات قام اليهود باحتلال الشقة الساحلية من النقب على خليج العقبة. وقد أحدثوا هذا الأمر الواقع لتكون حدودهم في اتفاقية الهدنة شاملة جميع النقب بما فيها ميناء أم الرشراش (إيلات).

• أما سوريا وهي الدولة الوحيدة التي رفضت التوقيع على اتفاقات الهدنة.. فقام فيها انقلاب عسكري بقيادة حسني الزعيم في مارس 1949 م كان من أوائل أعماله التوقيع على اتفاقية رودس والتخلي عن الأرض المنزوعة السلاح في منطقة طبريا.

وبذلك اكتملت حلقات المؤامرة واعترفت معظم الدول بإسرائيل وقبلت عضوا في الأمم المتحدة.

قرار العودة أو التعويض رقم 194

دعت لجنة التوفيق الدولية التي تشكلت استنادا إلى توصية صدرت عن الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة في 11 ديسمبر 1948م، إلى إعادة النازحين الفلسطينيين الراغبين في العودة والتعويض على من لا يرغب منهم بالعودة.

عقدت اللجنة اجتماعها الأول في جنيف ما بين السابع عشر من يناير وحتى 27 إبريل 1949 م. واجتماعها الثاني في لوزان واستمر من إبريل وحتى يوليو 1949 م.

ومن يطلع على الرسائل (الاثني عشرة) التي بعث بها (الياهوساسون) رئيس الوفد الإسرائيلي إلى وزير خارجية إسرائيل (موشيه شاريت).. يصف له فيها صلاته بالوفود العربية ومباحثاته معهم، وكيف يتحدثون معه بالسر بطرق مغايرة لحديثهم بالعلن.. وكيف أن رجالهم الذين يسعون على حماية مصالح الدولة اليهودية مبثوثون في كل الدول العربية[9].. ومن يطلع على هذه الرسائل يدرك المستوى المنحدر الذي وصلت إليه القيادات التي كانت تدير القضية الفلسطينية وتشرف عليها.

كانــت (الخيــانـــة) المسمـــــــــــار الأخيـــــــر الذي دُقّ فـــــــي نعــــــش القـــــــدس وفلسطين.

[1] نكبة بيت المقدس 2: 342، جهاد شعب فلسطين (المرجع السابق)، ص- 392.

[2] الجليل الغربي كان من أراضي الدولة العربية حسب قرارات الأمم المتحدة.

[3] جندي مع العرب- كلوب باشا، ص- 63.

[4] الموجز في تاريخ القضية الفلسطينية- قسطنطين خمار، ص- 117.

[5] جريدة النهار اللبنانية- 30/5/1951 م.

[6] كارثة فلسطين، ص- 203.

[7] جهاد شعب فلسطين (المرجع السابق)، ص- 206.

[8] وصف شرتوك هذا الاتفاق بأنه أكبر حدث تاريخي في مستقبل إسرائيل.

[9] نصوص هذه الرسائل في كتاب (من رودس إلى جنيف)- عادل مالك.

حركة الإخوان المسلمين في فلسطين

(22)
حركة الإخوان المسلمين في فلسطين

الحديث عن فلسطين يقتضي بالضرورة الحديث عن دور الإخوان المسلمين فيها.

لقد اعتبر الإخوان المسلمون القضية الفلسطينية قضيتهم الأولى، وشهد المركز العام في القاهرة الإمام البنا وفضيلة المفتي الحسيني يشرحان لشباب الإخوان أهمية قضية فلسطين وضرورة العمل على إنقاذها.

وفي الوقت الذي كان عموم الشعب المصري يجهل موقع فلسطين.. كان الإمام حسن البنا يعد الشباب نفسيا وإيمانيا وجسميا ليأخذوا دورهم في عملية تحرير فلسطين من الإنكليز واليهود على السواء[1].

حاول الإخوان إيجاد نواة للدعوة في فلسطين.. وشارك شبابهم في حركة عز الدين القسام عام 1935 ، وكان لهم دور واضح في ثورة فلسطين الكبرى عام 1936.. وفي جميع الثورات التي حدثت بعد ذلك.

ومن أجل فلسطين خاض الإخوان صراعا على عدة جبهات:

• على جبهة الحكومة المصرية التي كانت تشكك في نوايا الإخوان..

• وعلى جبهة اليهود الذين كانوا يخشون اشتراك الإخوان في الكفاح المسلح في فلسطين، الأمر الذي جعلهم يشنون عليهم حملة دعائية هائلة في كل مكان.. كتبت صحيفة الصنداي ميرور البريطانية في مطلع عام 1948 مقالا بقلم الكاتبة الصهيونية (روث كاريف) قالت: (الآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة ضد تدخل الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط، وأصبحوا يطلبون من كل مسلم ألاّ يتعاون مع هيئة الأمم المتحدة، لقد حان للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه. وإذا لم تدرك أمريكا وأوروبا حقيقة هذه الحركة، فستشهد ما شهدته في العقد الماضي، إذ واجهتها حركة فاشية نازية، فقد تواجهها في العقد الحالي إمبراطورية إسلامية فاشية)[2].

• وعلى جبهة الإنكليز.. فقد بدأوا يحيكون الخطط بالتعاون مع أركان الحكومة المصرية للتخلص من الجماعة..

انتهاء الانتداب البريطاني[3]

مع انتهاء الانتداب البريطاني في 15 مايو 1948، طلب الإخوان من حكومة النقراشي السماح لهم بإدخال فوج من مجاهديهم ليرابطوا في الجزء الشمالي من النقب، فرفضت الحكومة.. مما اضطر بعض الإخوان إلى طلب السماح لهم بالقيام في رحلة علمية إلى سيناء ومن ثم تسللوا سرا إلى فلسطين، ولحقت بهم دفعات أخرى تسللت بطرق مختلفة. وبدخول هذا الفوج في فبراير 1948 بدأ القتال الفعلي في صحراء النقب. وتجمع حول المجاهدين.. إخوانهم من عرب فلسطين.. ولم تمض إلا أسابيع قليلة على بداية الصدام حتى حمل الإخوان لواء الجهاد ونجحوا في إدخال أعداد كبيرة من خيرة شبابهم من مصر وسوريا وشرق الأردن.

قوات الإخوان المسلمين

• القوة الأولى كانت ترابط في النقب.

• القوة الثانية بقيادة اليوزباشي محمود عبده أوكلت لها مهمة الدفاع عن مرتفعات صور باهر الحصينة بجوار القدس. وهناك لحقت بها قوة كبيرة من متطوعي الإخوان المسلمين في الأردن بقيادة المجاهد عبد اللطيف أبو قورة المراقب العام للإخوان المسلمين وشكلوا معا قوة مشتركة.

• وفرقة ثالثة جاءت من إخوان سوريا يقودهم المجاهد مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين ، عملت بهمة ونشاط في مناطق المثلث والقدس، وكانت هناك مجموعات أخرى شكلتها شعب الإخوان في فلسطين تعمل في المناطق الشمالية والوسطى تحت القيادة العربية المحلية.

أول عمل قامت به الجيوش العربية عندما دخلت إلى فلسطين هو حل المنظمات الشعبية الجهادية ومصادرة أسلحة الفلسطينيين واتهامهم بالتعاون مع السلطات الإسرائيلية.. أما الإخوان فقد حملوا لواء التعاون مع الشعب الفلسطيني المجاهد ومع منظماته الشعبية الصادقة.. كما وأثبتوا أن تعاون الفلسطينيين مع اليهود إنما هو فرية من صنع اليهود لإضعاف التأييد العربي والإسلامي للمجاهدين من جهة، وحتى تتمكن الجيوش العربية بقيادة الملك عبد الله من تنفيذ مخططات متفق عليها مع بريطانيا.

الإخوان في النقب

أولى المعارك التي خاضها الإخوان المسلمون في النقب كانت معركة كفار ديروم الأولى.. وكفار ديروم هي مستعمرة يهودية تقع على طريق المواصلات الرئيس الذي يربط فلسطين بمصر.

هاجم الإخوان المستعمرة في وقت مبكر من صباح 14 إبريل 1948. وأظهروا من ضروب البطولة والتضحية ما لا يمكن حصره وتصوره.. ومع ذلك فقد اضطروا للانسحاب يحملون شهداءهم وجرحاهم الذين يربو عددهم على العشرين[4].

واستوعب الإخوان الدرس.. فبدلوا خططهم وقرروا أن ينازلوا اليهود في أرض مكشوفة.

وهكذا نظم الإخوان أنفسهم ضمن مجموعات تشن حرب عصابات تشمل صحراء النقب بأكملها. ومضوا يخرجون في عصابات تدمر شبكات المياه وتنصب الكمائن على طرق المواصلات، وتضطر العدو إلى تعيين قوات كبيرة من المشاة لحماية منشآتهم.. وعندما تخرج هذه القوات من حصونها تجد قوات الإخوان لها بالمرصاد.

القائد أحمد عبد العزيز

لم تسمح الحكومة المصرية لمزيد من كتائب الإخوان بالانتقال إلى فلسطين، ولكن الضغط الشعبي اضطر الحكومة للموافقة على تشكيل فرق من المتطوعين يقودها ضباط من الجيش، تتولى الجامعة العربية تدريبها والإنفاق عليها.. ورحب الإخوان بالفكرة، وتدفق متطوعوهم.. وامتلأت بهم ساحات المركز العام وكان يشرف على تنظيم وتدريب هؤلاء المجاهد الصاغ محمود لبيب وكيل الإخوان المسلمين وقائد وحداتهم العسكرية.

وفي 25 إبريل 1948 تحركت أول كتيبة إلى الميدان بقيادة البكباشي أحمد عبد العزيز، وكانت من أنشط الكتائب في مواجهة العدو..

بدأ أحمد عبد العزيز البداية الخاطئة نفسها التي بدأتها كتيبة الإخوان الأولى من قبل، فهاجم كفار ديروم المستعمرة اليهودية الهامة واضطر أن يدفع ثمنا باهظا تمثل في أكثر من سبعين شهيدا من خيرة شباب الإخوان وحوالي خمسين جريحا كان من بينهم الضابط الإخواني معروف الحضري.

بعد هذه المعركة عاد أحمد عبد العزيز إلى حرب العصابات.. يضرب العدو في ساحات مكشوفة. ولقد أزعج اليهود إزعاجا شديدا وحرم عليهم التجول في صحراء النقب.

كان مقدرا لهذه القوات أن تقوم بدور أكثر فعالية.. لولا أنها التحقت بقوات الجيش المصري الذي دخل فلسطين.. وولاه قائد الجيش (أحمد محمد علي المواوي) قيادة منطقة بئر السبع بشرط أن لا يتجاوزها إلى الشمال.. ومع ذلك فعندما استنجد به أهل الخليل أرسل قواته إلى هناك. مما فاقم الخلاف بينه وبين الجيش، لأن هذه المنطقة كانت من المناطق التي يشرف عليها الجيش الأردني.

الإخوان في الخليل وبيت لحم

اتخذ أحمد عبد العزيز من مدينة بيت لحم مركزا له، بينما القوات الأردنية تتخذ من دير (مار الياس) القريبة مقرا لقيادتها، وكان الجيش الأردني مشتبكا مع مستعمرة (رامات راحيل) على طريق بيت لحم - القدس غير أنه فشل في اقتحامها.. فقرر أحمد عبد العزيز القيام بهذا الأمر. بدأ الهجوم يوم 24 مايو وانتهى يوم 26 مايو 1948، دمرت فيه المستعمرة ومني العدو بخسائر هائلة فقد زاد عدد قتلاه عن مائتي قتيل مقابل تسع شهداء من الإخوان.. وعندما هاجم اليهود مقر القيادة الأردنية في مار الياس واحتلوها.. لم يجد الإخوان بدا من معاودة احتلالها.. كما هدموا أبراج تل بيوت القريبة. وبينما كان المجاهدون يعدون أنفسهم للوثوب إلى القدس الجديدة إذا بالدول العربية تقبل بالهدنة الأولى لمدة أربعة أسابيع اعتبارا من 11 يونيو 1948.

في الهدنة الأولى التي فرضها مجلس الأمن وقبلتها الحكومات العربية.. لم يتزود اليهود بما يحتاجونه من الأسلحة والعتاد واستقدام المقاتلين والضباط من الخارج فقط.. بل واغتنموا فرصة وقف إطلاق النار ليحتلوا كثيرا من المواقع الهامة الاستراتيجية احتلوا العسلوج وهي بلدة هامة جدا بالنسبة لمواصلات الجيش المصري.. ولقد حاول الجيش إعادة احتلالها فأخفق.. ومع ذلك تمكنت قوة الإخوان بقيادة الضابط الملازم يحيى عبد الحليم من تحريرها وتكبيد العدو خسائر فادحة.

حاول اليهود يوم 18 أغسطس 1948 احتلال جبل المكبر في القدس والهجوم على مرتفعات صور باهر حيث ترابط قوات الإخوان لأخذهم على حين غرة. واستطاع الإخوان بقيادة محمود عبده أن يكبدوا اليهود خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات.. حاول اليهود في اليوم التالي القيام بهجوم مضاد ولكن قوات الإخوان حطمته وفرضت الأمر الواقع.

وفي ذروة الانتصارات التي حققها الإخوان بقيادة أحمد عبد العزيز، تصيب رصاصة تنطلق بطريق الخطأ القائد.. فيستشهد من فوره..

وبموته طويت صفحة من أمجد صفحاتنا العسكرية ودفن في غزة حيث احتل جميع قلوب الإخوان وأهل فلسطين معهم[5]..

كتيبة المتطوعين الثانية

تم تدريب هذه الكتيبة التي كان على رأسها الأخ صلاح البنا ، والتي كان مقررا لها أن تستقر في مدينة بئر السبع.. وعندما استشهد أحمد عبد العزيز تقرر دمجها مع كتيبته وضم المتطوعين الآخرين من السودانيين والليبيين إليها وتمركزت في مدينة الخليل وقد أطلق عليها (القوة الخفية). حافظت هذه القوة على منطقة الخليل وبيت لحم وقامت بتسليمها لقوات شرق الأردن بعد إعلان الهدنة.

الهجوم على صور باهر مركز قيادة الإخوان

في منتصف أكتوبر كانت الجبهة الجنوبية مسرحا لعمليات واسعة النطاق، هوجمت فيه الفالوجة بعنف شديد وتعرضت المجدل لقصف جوي مركز، وحاول اليهود السيطرة على صور باهر مركز قيادة الإخوان.. ولكن الإخوان نجحوا في صد هجمات العدو وألحقوا بهم خسائر كبيرة. وقد أمرت قيادة الجيش المصري بإطلاق اسم (تبة الإخوان المسلمين) على مرتفع مشرف كان يطلق عليه اسم (تبة اليمن) يشرف على كامل المنطقة، حاول العدو احتلالها وتمكن الإخوان من استخلاصها.

يئس العدو من اقتحام الخليل وبيت لحم لوجود الإخوان فيها.. ولكنه نجح في هجومه على مناطق أسدود والمجدل التي يتواجد فيها الجيش المصري.. كما تمكن من الإيقاع بقوة كبيرة من الجيش المصري حاصرها في الفالوجة وظل يحاصرها حتى نهاية الحرب[6].

كان القائد الإخواني معروف الحضري يقود مجموعة فدائية، استطاعت اختراق خطوط العدو، وإيصال المواد الغذائية للمحاصرين وفيهم جمال عبد الناصر .

قرار حل الإخوان المسلمين واغتيال الإمام الشهيد

ومكافأة للإخوان على هذه التضحيات العظيمة التي بذلوها في ميدان الجهاد في فلسطين.. فقد قامت حكومة النقراشي بحلّ جماعة الإخوان المسلمين في مصر.. وحتى لا يفت هذا القرار في عضد الإخوان، جاءهم أمر من فضيلة المرشد أن يتركوا مصر لمن فيها وأن ينصرفوا لجهادهم وأن لا يتأثروا بالأحداث فالجهاد أولى..

أقرت الهدنة.. وعادت قوات الإخوان.. ولكن ليس إلى مصر لتستقبلهم وتضمهم إلى صدرها بما قدّموا من تضحيات.. ولكن إلى معسكرات الاعتقال في رفح والعريش!

كان المرشد العام يعدّ العدة لدخول فلسطين بجيش إسلامي كبير، فقد أعلن أنه تصدق بدماء عشرة آلاف مجاهد لتحرير فلسطين، ولكنهم عاجلوه.. وكانوا أسبق منه للأسف الشديد.

كانت خطة القيادة السياسية في القاهرة بأن يجرد الجيش الإخوان من أسلحتهم.. ولكن قيادة الجيش.. لم تر ذلك وكيف يفعلون وهم رفاق دربهم في الجهاد والمجموعة التي كانت تحمي ظهورهم في أوقات الخطر؟

استمر الإخوان في فلسطين يمارس ون دورهم الجهادي المطلوب.. بالرغم من عمق المأساة وغور الجراح. وانتهت معركة الحق والباطل بأن قتلوا الإمام الشهيد وحوّلوا أبطال الإخوان المجاهدين إلى معسكرات الاعتقال.. ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه بأن يرتكب جريمة الجهاد في ظل الطغاة.

الحركة الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة

كتب الكثيرون حول المحن المتلاحقة التي حلت بالإخوان المسلمين منذ أربعينات هذا القرن وحتى اليوم.. وأرجعوها في معظم أسبابها إلى موقف الإخوان من قضية فلسطين، فقد كشفوا قوتهم وصلابتهم للأعداء..

وهذا المنطق صحيح ولا شك من وجهة نظر الانتهازيين.. ولكنه منطق مرفوض عند حركة الإخوان المسلمين التي جعلت الجهاد في سبيل الله لتحرير الأوطان من أولى واجباتها.

بعد احتلال فلسطين عام 1948 أصبح إخوان الضفة الغربية جزءا من تنظيم الإخوان في الأردن.. وأصبح إخوان غزة على ارتباط مع الإخوان في مصر.

رابطة الطلبة الفلسطينيين

• الطلاب الفلسطينيون (ومعظمهم من قطاع غزة ) الذين تلقوا دراستهم في الجامعات لمصرية، شكلوا رابطة الطلبة الفلسطينيين بالقاهرة والتي سيطر على مجلس إدارتها الإخوان أو أصدقاؤهم وكان من أبرز هؤلاء ياسر عرفات وسليم الزعنون وصلاح خلف وعبد الفتاح الحمود.. وقد أصبح هؤلاء المؤسسين لحركة فتح فيما بعد.

• في السنوات اللاحقة، ورغم ظروف العمل السري، شارك الإخوان في قطاع غزة بفعالية في إفشال مشروع سيناء للتوطين (وهو مشروع اتفقت عليه الحكومة المصرية ووكالة الغوث في يونيو 1953 يرمي إلى توطين اللاجئين من سكان غزة في سيناء). كما شارك الإخوان في إفشال مشروع التدويل (وهو مشروع ليستر بيرسون وزير خارجية كندا الذي تقدم به للأمم المتحدة عام 1956 يطالب بتدويل القطاع)[7].

معسكرات الشيوخ في الأردن

كانت فلسفة التحرير عند بعض الإخوان في غزة تقوم على نظرية قيام دولة إسلامية تتولى تحرير فلسطين. بعد حرب عام 1967.. وتصاعد العمل الفدائي في الأردن.. اتخذ المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين في البلاد العربية قرارا بإحداث معسكر في الأردن تحت مظلة فتح يقوم الإخوان فيه بتدريب عناصرهم والمشاركة في الجهاد على أرض فلسطين[8].

انضمت عناصر قليلة نسيا للمعسكر ،كان أكثرهم من إخوان سوريا وقليل منهم من إخوان الأردن والسودان واليمن والكويت .. .

كان قائد المعسكر الشهيد صلاح حسن.. وهو من خيرة شباب الإخوان من مصر. ولقد استطاع بنشاطه وحيويته وروحانيته، أن يحرك الخمول الذي ران على قلوب الإخوان من خلال سنين المحن والانغلاق، وإذا بمعسكر الشيوخ (كما كانوا يسمونه) يعيد الحيوية لشباب الإخوان.. وإذا بهؤلاء الشباب يسجلـون مـن جـديد علامات فارقة في عمليات مميزة أحس العدو لسعها وعمق تأثيرها.. ذكرته بعمليات إخوانهم من قبل في النقب والخليل وصور باهر عام 1948م.

يروي عبد الله عزام في كتابه حماس (الجذور التاريخية والميثاق) بعض خواطره عن هذه الفترة فيقول:

(عندما حدث الصدام بين الجيش الأردني والفدائيين، ودخل الجيش لضرب قواعدنا.. جاء الأهالي في المناطق التي كانت قواعدنا في أكنافهم وقالوا: نحورنا دون المس بهم وصدورنا دون إيذائهم، لقد عرفناهم معلمين لأبنائنا، وأئمة وخطباء لمساجدنا، وحراسا أوفياء لقرانا ومزارعنا)[9].

كان دايان وزير الدفاع اليهودي أرسل بعض المراسلين الأجانب في جولة على الحدود مع الأردن ليثبت لهم كيف قضوا على العمل الفدائي.. وإذا بالشيوخ يخرجون من باطن الأرض ليثبتوا لديان كذب ادعائه وليوقعوا بالعدو خسائر كبيرة..

كان القائد صلاح حسن يعد لعمليـة سيد قطب .. ورتـب الخطة وأشرف بنفسه على التجهيزات وزرع الصواريخ، ولكن قدره عاجله فسقط شهيدا.. وشيعت جنازة الشهيد بوداع مهيب في مطار عمان.. وفي مطار الكويت .. حيث دفن هناك.

وانتهت الحركة الجهادية عام 1970 .. فقد صفى الجيش الأردني قواعد الفدائيين.. وتعقبهم إلى جرش في آخر حصونهم.. بينما انسحب الإخوان ولم يروا مقاتلة الجيش الأردني..

الصحوة الإسلامية في فلسطين

إن حرب عام 1967 واحتلال كامل فلسطين ومعها القدس الشريف، ومحاولة تهويدها وإحراق مسجدها الأقصى، وحرب عام 1973، وانكشاف أمر حكام العرب الذين أمضوا أكثر من عشرين سنة يتاجرون بفلسطين وبتحريرها، وسقوط الأحزاب العلمانية والقومية والاشتراكية والليبيرالية التي ملأت الساحة ضجيجا فارغا، كل هذه الأسباب.. وغيرها كانت من العوامل التي أيقظت الشعور الديني وأشعلت الصحوة الإسلامية في المنطقة العربية والإسلامية وفلسطين بصورة خاصة.

وإذا كان للعوامل الخارجية والإقليمية وانتشار الصحوة الإسلامية في معظم الأقطار الإسلامية دور بارز في تنمية الوعي الإسلامي في فلسطين.. إلا أن هناك مجموعة من العوامل الداخلية التي أحدثت آثارا لا تقل أهمية عن العوامل الخارجية:

• فبروز التيارات الصهيونية المتعصبة في فلسطين المحتلة، وسياسات القمع والملاحقة والاعتقال الإداري ومصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات،

• ومحاولة تهويد البلد وإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى وتحدي المسلمين في مشاعرهم ومقدساتهم ومصالحهم،

• وفشل حركة المقاومة الفلسطينية، واعتمادها الحلول السلمية على حساب سياسة الكفاح المسلح،

كل ذلك ساهم في زيادة الوعي الإسلامي.. ولجوء الفلسطينيين إلى الإسلام كملاذ للخلاص. ولقد قامت خلال هذه الفترة عدة مؤسسات إسلامية مثل:

• الجمعيات الخيرية التي تشرف على المدارس الدينية ورياض الأطفال والمكتبات والنوادي الرياضية.

• لجان الزكاة التي بدأت تنتشر في أرجاء فلسطين يمولها أغنياء الفلسطينيين في الخارج والجمعيات الإسلامية في الكويت خاصة وبقية مناطق الخليج الأخرى.

• الجامعات في الخليل ونابلس وبير زيت والجامعة الإسلامية في غزة كانت من المنابر الهامة في إبراز رسالة الطالب المسلم الفلسطيني.

• زيادة عدد المساجد وتحويلها إلى قاعات للتربية والتعليم.

لهذه الأسباب الداخلية والخارجية قامت مجموعات من الحركات الجهادية في فلسطين.

روى (الإخوان المسلمـــون) تــراب فلسطين بدمائهـــــم، وكادوا - لولا المؤامــــــرة- أن يجهــضوا المخطــــط الصهيوني.. ودفعوا ثمن ذلك باهظا: قتل مرشـــــدهم (حسن البنا ) والزج بهم في السجون والمعتقلات.

[1] يراجع كتاب (النار والدمار في فلسطين ).

[2] الإخوان المسلمون في حرب فلسطين - كامل الشريف ، ص- 48.

[3] المرجع السابق (60-86).

[4] المرجع السابق، ص- 90.

[5] المرجع السابق، ص- 155.

[6] المرجع السابق، ص-163.

[7] الحركة الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة - د. زياد أبو عمرو، ص-26.

[8] الحركة الإسلامية في البلاد العربية- عبد الله أبو عزة.

[9] حماس- الجذور التاريخية والميثاق- عبد الله عزام، ص- 86.

حرب عام 1956

(23)
حرب عام 1956

خرجت الجيوش العربية تجرجر أثواب الخيبة من فلسطين وبعد أن كانت تعلن أنها ستدمر اليهود وتعيد فلسطين عربية حرة مستقلة.. إذا بها تدرك أنها كانت جزءا من اللعبة السياسية التي خططت لها بريطانيا من خلال بعض حكام المنطقة.

فالجيش العراقي ينسحب من المعركة بدون مقدمات، والجيش الأردني ينفذ تقسيم البلد باسم تحريرها، والجيش السوري أو المصري تعبث به قياداته، الأمر الذي أحدث ردات فعل شعبية عارمة تطالب بتصحيح الأوضاع والقضاء على الأسباب التي أدت إلى ضياع فلسطين.

جميع الانقلابات العسكرية التي حدثت في المنطقة العربية كانت تعلن في بيانها الأول، أنها إنما قامت للثأر ممن خانوا أو فرطوا في قضية فلسطين وما أن يستقر فرسانها في السلطة حتى يكملوا مسيرة أسلافهم سيئي الذكر.

البيان الثلاثي

وحتى تطمئن إسرائيل إلى مستقبلها فقد أصدرت الولايات المتحدة وإنكلترا وفرنسا البيان الثلاثي في 25 مايو 1950 الذي نص على حماية إسرائيل، والمحافظة عليها. وأعلنت هذه الدول أنها تعارض استخدام القوة أو التهديد من قبل أية دولة في المنطقة، كما أنها ستعمل ما في وسعها لمنع أية دولة من نقض الهدنة أو تعديل خطوطها. وكذلك عبرت عن معارضتها لأي سباق للتسلح من الدول العربية أو إسرائيل وأكدت أنه لن يسمح بتصدير أسلحة لهذه الدول إلا لأغراض الدفاع[1].

ولننظر إلى أي حد حافظت إسرائيل على الأمن والسلام في المنطقة.

• قامت بمذبحة بيت جالا في 6 يناير 1952 .

• في ديسمبر 1952 نسفت قرية أقرت القريبة من الحدود اللبنانية.

• في سبتمبر 1953 دمّرت قرية الريحانية وألقوا بأهلها على الحدود السورية.

• في سبتمبر 1953 دمّرت قرية كفر برعم قرب الحدود اللبنانية.

• مذبحة قبية في 14 أكتوبر 1953 ، حيث نسفوا المنازل وفتكوا بالسكان.

• مذبحة نحالين في مارس 1954.

• في فبراير 1955 تسلل الجنود اليهود إلى اللاجئين في قطاع غزة وسلطوا نيران رشاشاتهم على الآمنين العزل في خيامهم.

• في 5 إبريل 1956 سلط اليهود مدافعهم الثقيلة وقصفوا مدينة غزة.

• في 25 سبتمبر 1956 هجم اليهود على قرى حوسان داخل الحدود الأردنية وذبحوا أهلها.

• مذبحة قلقيلية.

• مذبحة كفر قاسم.

بهذا الأسلوب حافظت دول البيان الثلاثي على أمن المنطقة. والذي يعني بالطبع أمن إسرائيل وتفوقها.

وبهذا الأسلوب كذلك منعت الأسلحة عن الدول العربية بينما راحت تزود إسرائيل بأرقى ما لديها من أسلحة.

في السنوات الأولى من الخمسينات دمّرت إسرائيل 187 قرية تدميرا كاملا، هدمت بيوتها وقتلت من استطاعت من سكانها.

حرب السويس 1956

السبب المباشر لهذه الحرب كان إعلان جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس يوم 27 يوليو 1956. فأغتنمت بريطانيا وفرنسا الفرصة.. واتفقوا مع الإسرائيليين سرا، بأن تحتل إسرائيل كامل سيناء وقطاع غزة .. يتدخل بعدها الطيران البريطاني والفرنسي لاحتلال القناة والفصل بين المتحاربين.. وقامت فرنسا بتزويد إسرائيل بكميات هائلة من السلاح لتنفيذ المؤامرة[2].

خطة إسرائيل

يقول دايان وزير الدفاع واصفا خطته في الحرب:

(إنني أقوم بكل هذه الإجراءات لكي أحقق المفاجأة.. إذ بالحصول عليها سنحقق نصرا عسكريا كبيرا، إن لم ننجح في مفاجأة المصريين وضرب طائراتهم وهي رابضة على الأرض ستفشل خطتنا.. إنني أرى أن مفتاح النجاح بعد تحقيق المفاجأة هو السرعة. علينا أن ننهي المعركة في أقصر وقت ممكن حتى نتفادى التعقيدات السياسية مثل الضغط المنتظر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أو وصول متطوعين لمساعدة مصر علاوة على أننا من الناحية الواقعية لا نستطيع أن نواصل الحرب لأكثر من أسبوعين يجب خلالهما أن ننتهي من احتلال سيناء).

قامت إسرائيل بالهجوم على قطاع غزة وصفّت حساباتها مع الفدائيين الفلسطينيين الذين كانوا يقضّون مضاجعها قتلت من وجدته وقامت بمذبحة جماعية في كفر قاسم ثم تقدمت في سيناء. وأجهزت على كل القوة المصرية الموجودة هناك[3].

وبناء على الخطة المتفق عليها سلفا، وجهت كل من إنكلترا وفرنسا إنذارا إلى الإسرائيليين والمصريين بوقف القتال وانسحاب كل طرف مسافة 10 كيلو مترات عن ضفتي القناة.. ولما رفضت مصر الإنذار بدأوا بقصف بور سعيد واحتلالها.. ومن ثم احتلوا منطقة القناة بكاملها.

وهنا تدخلت أمريكا وطالبت الدول المحتلة الثلاث بالانسحاب.

وسجل عبد الناصر نصرا سياسيا.. وصار يحتفل كل عام

بعيد النصر! وكانت الحقيقة أمرا آخر.. فقد كان عبد الناصر يعرف ما تعرفه إسرائيل من أن قواتها دحرت قوات مصر في مدة قصيرة وأن الطيران المصري تحطم في المطارات.. وأن إسرائيل التي كانت الدولة المسخ أصبحت قوة حقيقية يخشاها الجميع.

ولكن هل الموضوع النفسي هو كل ما كسبته إسرائيل من الحرب؟

(لقد حصلت إسرائيل على قرار من مجلس الأمن يقضي بوضع مراقبين دوليين في شرم الشيخ تأمينا للملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة، وكذلك على طول خطوط الهدنة داخل الأراضي المصرية)[4].

وبواسطة هذا القرار الخطير انفتحت البحـار لإسـرائيـل واستطاعت أن تمتد إلى أفريقيا القارة البكر وإلى أنحاء العام. ويوم قرر عبد الناصر استرداد هذا الحق المسلوب نشبت بسببه حرب عام 1967.

[1] تاريخ العرب الحديث- د. أحمد عزت عبد الكريم، ص- 475.

[2] إسرائيل خنجر أمريكا- جيب مهتوجي، ص- 171.

[3] كيف يفكر زعماء الصهيونية- أمين هويدي، ص- 191.

[4] دراسات في تاريخ العرب الحديث- د. أحمد عزت عبد الكريم، ص- 479.

منظمة التحرير الفلسطينية

(24)
منظمة التحرير الفلسطينية

• في أعقاب إعلان بريطانيا في 15 مايو 1948م انتهاء انتدابها لفلسطين.. طالبت الهيئة العربية العليا بزعامة مفتي فلسطين الجامعة العربية بإعلان دولة فلسطينية عربية على الفور ولكن الجامعة رفضت هذا الاقتراح.

• وبعد انتهاء الهدنة الأولى في التاسع من يوليو 1948م قررت الجامعة العربية إقامة إدارة فلسطينية مؤقتة في المناطق التي تسيطر عليها الجيوش العربية، وبقي المشروع حبرا على ورق.

• وفي سبتمبر 1948م قررت الجامعةالعربية قيام حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي.. ولإقرار هذه الخطوة فقد انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في غزة، وقرر: استقلال فلسطين واعتبار القدس عاصمة الدولة. ولقد شارك المفتي في جلسات المجلس رغم الحصار الشديد الذي كان مفروضا على تحركاته.

• بقيت حكومة عموم فلسطين حبرا على ورق حتى عام 1962 م، عندما شكل الفلسطينيون في قطاع غزة اتحادا قوميا في 9 مارس1962 ، أعلن دستورا مؤقتا للشعب الفلسطيني الموجود في قطاع غزة . اشتمل على أربعة أبواب أهمها أن قطاع غزة جزء من فلسطين. وهدف الاتحاد القومي استرجاع الأرض المغتصبة.

المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول

• في منتصف مايو 1964 وبعد مرور ستة عشر عاما على احتلال فلسطين، اجتمع عدد كبير من الفلسطينيين في مدينة القدس وأقرّوا في مؤتمرهم الوطني الأول:

1- انتخاب أحمد الشقيري رئيسا للمؤتمر الوطني.

2- إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية.

3- المصادقة على الميثاق القومي والنظام الأساسي.

حركة فتح

بدأت الفكرة أوائل الخمسينات في غزة بين شباب الحركة الإسلامية من أمثال (سليم الزعنون وخليل الوزير وصلاح خلف) الذين كانوا يصرون على التحرك الجهادي من أجل تحرير فلسطين.

ومن القاهرة وغزة انتقل هؤلاء إلى قطر والكويت . فقد كان الجو السياسي في الكويت ملائما أكثر مما هو في مصر أو سوريا[1].

يقول صلاح خلف: لقد اكتشفنا أنه في ذلك الوقت، بين 1958 و1962 كانت هناك حركة فلسطينية حيثما وجد تجمع فلسطيني، فكان هاني الحسن على رأس مجموعة في ألمانيا وحمدان في النمسا وكوكبان في أسبانيا وعبد الفتاح في السعودية وأبو مازن وأبو يوسف في قطر وكنا نحن في الكويت ، وهناك آخرون كانوا يشكلون حركات في العراق وغزة ودمشق.

ولكننا نحن في مجموعة الكويت ، كنا الوحيدين اللذين استطعنا أن نصدر مجلة فلسطيننا عام 1959 من لبنان، فعرفنا الناس قبل غيرنا بفضل هذه المجلة. أما الرجل الأول الذي بدأ فتح فهو أبو جهاد خليل الوزير[2].

تبنى النظام السوري فتح كقوة فلسطينية توازن نفوذ منظمة التحرير في الساحة الفلسطينيـة بـاعتبار الأخيرة تابعة للنظام المصري.

• في 31 ديسمبر 1964 م وفي مكان ما في الكويت قررت قيادة فتح البدء بعملياتها العسكرية.. على أن تنسب العمليات في البداية لمنظمة العاصفة (وهي منظمة وهمية).

• في 17 يونيو 1965 م وجهت فتح مذكرة مفتوحة باسمها إلى يوثانت الأمين العام للأمم المتحدة جاء فيها: أن منظمة فتح بدأت عملياتها العسكرية داخل فلسطين المحتلة بصفتها القوات المسلحة للشعب الفلسطيني.

• وفي سبتمبر 1965 م أرسلت فتح مذكرة عنيفة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث احتجت فيه بشدة على الإجراءات العربية ضد الفدائيين وقالت: ترى الحركة ضرورة التوقف عن ملاحقة حركة التحرير في مختلف المدن العربية وإطلاق سراح جميع المعتقلين، ورفع الحظر الإعلامي المفروض على أخبار حركة التحرير، وعدم التعرض لرجال الحركة.

• كانت حرب حزيران 1967م بمثابة اختبار عملي أثبتت فيه الحركة مصداقيتها، فقد تداعت قياداتها إلى اجتماع طارئ في دمشق في 12 يونيو 1967م تدارست فيه إمكانية التسلل إلى الضفة الغربية وبدء مرحلة حرب التحرير الشعبية.

وبالرغم من الفشل الذي منيت به فتح في عملياتها داخل فلسطين.. إلا أنه كان ينظر لها في طول البلاد العربية وعرضها أنها الجبهة الوحيدة التي تتصدى لإسرائيل.

معركة الكرامة

بعد أن نجحت إسرائيل مع نهاية عام 1967م في طرد أو اعتقال معظم خلايا الفدائيين في الأرض المحتلة.. بدأت تشن هجمات خاطفة على تجمعات الفدائيين في الضفة الشرقية للأردن.

وفي 21 مارس 1968 م علمت فتح أن إسرائيل تحضر لهجوم شامل على قرية الكرامة حيث تتواجد قيادات فتح.. ونصحت المخابرات الأردنية بإخلاء المنطقة ولكن فتح أرادتها رسالة عملية لإسرائيل أولا وللأنظمة العربية ثانيا.

وقع الهجوم المنتظر وزحفت أرتال الدروع الإسرائيلية تدعمها طائرات الهيلوكبتر وقوات المشاة ويقدر عدد الجنود الذين اشتركوا في الحملة بحوالي 15 ألفا.. مقابل 300 فدائي .

وكانت معركة كرامة بالفعل.. جرجر فيها العدو قواته بعد أن خسر من 20 إلى 30 قتيلا وأعدادا كبيرة من الجرحى.

في يوليو 1968 م انعقد المجلس الوطني الفلسطيني الرابع في القاهرة وأقر الجميع مبدأ الصدارة للعمليات الفدائية، وتم تعديل الميثاق في هذا الاتجاه.

وفي المجلس الوطني الخامس الذي انعقد في القاهرة فرض الفدائيون سيطرتهم واختاروا ياسر عرفات رئيسا للمنظمة.

أما عبد الناصر الذي كان يتخوف من فرسان فتح بسبب ماضيهم الإخواني.. فقد ساعدهم ومكنهم من منظمة الشقيري، وعرّفهم على الاتحاد السوفياتي فقامت صلات وثيقة بين فتح ومعظم البلدان العربية.. كما استطاعوا إقناع الملك فيصل (رحمه الله) بفرض ضريبة التحرير على الفلسطينيين الذين يعملون في السعودية، ولقد درت عليهم هذه الضريبة مبالغ في حدود 50-60 مليون ريال سنويا.

اتفاقية القاهرة

في لبنان أكثر من 300 ألف فلسطيني، وهم تحت الهيمنة الشديدة للمكتب الثاني اللبناني. ومع تزايد التأييد الذي محضّه المسلمون اللبنانيون للفدائيين، حدثت اصطدامات عنيفة بين الفدائيين والسلطات اللبنانية خلال عامي 1968 -1969م. وبعد نسف إسرائيل ثلاث عشرة طائرة في مطار بيروت ردا على اختطاف طائرة إسرائيلية إلى الجزائر.. حدثت أزمة وزارية خطيرة اضطر معها اللبنانيون إلى توقيع ما عرف باتفاق القاهرة بين عرفات وقائد الجيش اللبناني أميل البستاني.. أصبح بموجبها الفلسطيني في لبنان يخضع إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني.. وأصبح للفلسطينيين منطقة تسمى (أرض فتح) لا سيطرة لأحد عليها غير المنظمة.

أيلول الأسود

الفصل الأكثر إيلاما الذي تعرض له العمل الفدائي كان في الأردن. في البلد الذي أكثر سكانه من الفلسطينيين. الفصل المأساة الذي اصطدم فيه الجيش الأردني بالعمل الفدائي.. لم يكن الفدائيون وحدهم ولا الأردن وحده المسؤول عنه.. بل كل الدول والقوى الموجودة في المنطقة كانت تعد المسرح لمثل هذا الفصل.

أما السبب المباشر لهذا الصدام فقد قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القوميين العرب) بتاريخ 6 سبتمبر 1970 م باختطاف عدد من الطائرات المدنية الغربية إلى الصحراء الأردنية أو مطار الثورة كما أطلقت عليه وأحرقت هذه الطائرات.

ولننقل من مذكرات كيسنجر[3] بعض ما جاء حول هذا الموضوع:

إن محاولة اغتيال الملك حسين أتاحت الفرصة للولايات المتحدة بأن تقوم بدور حاسم في التطورات المستقبلية في الأردن. ففي 9 يونيو 1970 م دعا كيسنجر مجموعة واشنطن للعمليات الخاصة المناط بها معالجة الأزمات إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة الأزمة الأردنية. وضعت الخطة على أن تتولى إسرائيل ردع أي تحرك سوري أو عراقي لمساعدة الفدائيين[4].

وفي نهاية الأسبوع الثاني من سبتمبر حزم الملك أمره على مواجهة كاملة مع الفدائيين. وقامت قوات البدو الموالية للملك بالهجوم على مواقع الفدائيين وعلى مخيمات اللاجئيين في أنحاء العاصمة عمان.

يوم 18 سبتمبر بدأت القوات السورية تعبر الأردن من الشمال.

يقول كيسنجر : أبلغت رابين المعلومات الواردة من الأردن. وأخبرته بأننا ننظر بعين الرضى إلى أي هجوم جوي إسرائيلي ونحن مستعدون لتعويض أي خسائر.

وفي اليوم التالي، فيما الجيش الإسرائيلي ووحدات القوات الجوية كانوا يواصلون استعداداتهم للتدخل في الأردن، دفع الملك حسين بدوروعه وقواته الجوية إلى المعركة ضد تجمعات الدبابات السورية قرب إربد، ولما لم يكن للدبابات السورية غطاء جوي اضطرت في نهاية النهار إلى التقهقر إلى الجانب السوري من الحدود الدولية. يوم 17 سبتمبر 1970 وجه الفدائيون على غير جدوى نداء إلى الوحدات العراقية (17 ألف جندي كانوا يرابطون بالأردن) لنجدتهم. وبعد هزيمتهم في عمان جمعوا قواتهم لعدة أشهر في التلال والغابات في شمال البلاد. وتمكنت القوات الأردنية في الصيف التالي من القضاء عليهم. كانت محصلة القتلى الفلسطينيين المدنيين والعسكريين 3000 شخص، بينما تحوّل عدد من مخيمات اللاجئين إلى أنقاض[5].

كانت منظمة أيلول الأسود.. من إفرازات هذه الحرب ولقد قامت هذه المنظمة بمجموعة من الاغتيالات ضد عناصر أردنية وإسرائيلية من أهمها قتل رئيس وزراء الأردن وصفي التل (الذي حملوه مسؤولية تصفية العمل الفدائي في جبال عجلون)[6] في القاهرة وقتل أفراد الفريق الرياضي الإسرائيلي في ميونيخ.

جريمة الفردان

وفي نيسان (إبريل) 1973م نجح الإسرائيليون فأنزلوا قواتهم على شاطئ بيروت وتسللت إلى داخل المدينة لتقتل عددا من قادة فتح: كمال عدوان ومحمد يوسف النجار (وزير خارجية المنظمة) وكمال ناصر (الناطق الرسمي باسم المنظمة).

السلطة الوطنية فوق الأرض المحررة

بعد التجارب المريرة التي خاضتها منظمة التحرير.. بدأت تتنازل عن ثوابتها.. فمن التحرير الكامل إلى شعار السلطة الوطنية وضرورة إقامتها على أية بقعة يمكن تحريرها من فلسطين. لم يكن سهلا القبول بهذه الفكرة.. ولكن منظمة فتح ألحت في طرحها وأقنعت عددا من المنظمات في تبنيها.. يقول خالد الحسن: إن هذه السلطة الوطنية سوف تتيح لجماهيرنا في سوريا ولبنان أن ترسخ وتنظم وتدعم الكفاح للعودة إلى وطنها وتشن حرب تحرير وطني طويلة مهما استغرق ذلك من وقت[7].

المنظمة في الرمال اللبنانية

في أعقاب خروج المنظمة القسري من الأردن، نقلت نشاطاتها إلى لبنان. ولم تمض سوى فترة بسيطة حتي أصبح جنوب لبنان القاعدة الرئيسة للعمل العسكري الفلسطيني. وقد شكل هذا التواجد حلا للمنظمات الفلسطينية، فهي:

1- تتحرك بسهولة في أرض أعطتها فيها (اتفاقية القاهرة ) حرية الحركة.

2- وهي تواجه من موقعها هذا الأرض المحتلة والعدو المحتل مباشرة.

3- وهي في تواجدها وتحركها تتمتع بتأييد المسلمين الذين يشكلون الأكثرية الساخطة في التركيبة اللبنانية.

الحرب الأهلية اللبنانية

بدأت الحرب الأهلية اللبنانية في 13 إبريل 1975 م، عندما فتح مسلحون من حزب الكتائب اللبناني النار على حافلة تقل طلبة فلسطينيين.

وفي 14 يناير 1976 م اقتحم الكتائبيون مخيما فلسطينيا في ضبيّة إلى الشمال من بيروت، كما أحكموا الحصار حول مخيمي جسر الباشا وتل الزعتر.

وعندما أوشكت القوات الفلسطينية بالتعاون مع القوات الوطنية بقيادة كمال جنبلاط أن تسيطر على الموقف.. تلقت سوريا الضوء الأخضر فدخلت قواتها إلى لبنان.

ضربت القوات السورية حصارا حول معقلين للفسطينيين والمعارضة اللبنانية أحدهما يمتد من بيروت جنوبا، وثانيهما حول طرابلس في الشمال. وفيما عطّل السوريون تحرك القوات الفلسطينية.

فقد بدأت قوات الكتائب تصفية الجيوب الإسلامية[8]:

1- في النبعة وهي حي شيعي كبير، سقطت يوم 6 أغسطس 1976 م.

2- وجسر الباشا وهو مخيم فلسطيني صغير، سقط يوم 6 أغسطس 1976 م.

3- وتل الزعتر وهو مخيم فلسطيني كبير سقط يوم 4 أغسطس 1976 م.

كان حصار تل الزعتر ثم سقوطه تجربة دائمة الأثر في الحركة الفدائية لأنها جسدت للأجيال الفلسطينية الجديدة ذلك النوع من الرعب الذي خبره أسلافهم على يد جماعات الأرغون التي قادها بيغن في الأربعينات. ولكن القتلة هذه المرة، كما في الأردن قبل سنوات، كانوا من إخوانهم أبناء جلدتهم[9].

اجتياح جنوب لبنان

يوم 11 مارس 1978 م قامت مجموعة من ثمانية فدائيين تابعين لفتح بركوب البحر بقيادة فتاة تدعى دلال المغربي ونزلوا على الساحل في إسرائيل حيث اختطفوا حافلة مليئة بالركاب واقتادوهم إلى تل أبيب، وبعد مطاردة عنيفة مع قوات الأمن قتل 37 شخصا بينهم 6 من الفدائيين.

بعد ثلاثة أيام من هذه الحادثة.. اجتاح 25 ألف جندي إسرائيلي جنوب لبنان، الأمر الذي أسفر عن تدمير عشرات القرى وعن مقتل 700 لبناني وفلسطيني.

القرار 425

في 19 مارس 1978 اتخذ مجلس الأمن القرار 425 الذي دعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية فورا، وتشكيل قوة دولية لإرسالها إلى جنوب لبنان. وبالفعل فقد سلّم الإسرائيليون 41 موقعا للقوات الدولية وأبقوا شريطا من الأرض بعرض يتراوح بين 5 و 10 كم على طول الحدود الدولية في يد مليشيات سعد حداد الضابط اللبناني الموالي لإسرائيل.

معاهدة كامب ديفيد

في 17 سبتمبر 1978 وقع السادات مع بيغن وكارتر معاهدة كامب ديفيد. تتألف الاتفاقية من:

• إطار مطول لخطة بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة .

• ومن قسم يلزم مصر وإسرائيل بالتفاوض لعقد معاهدة سلام خلال ثلاثة أشهر.

• ومن بيان مبادئ تحكم العلاقات بين إسرائيل وجيرانها.

وقد دعا الاتفاق حول الضفة وغزة إلى إقامة (سلطة حكم ذاتي) في تلك المناطق الفلسطينية المحتلة تسهر على الشؤون الإدارية هناك لمدة انتقالية لا تتعدى 5 سنوات. وحال إقامة سلطة الحكم الذاتي يتم انسحاب القوات الإسرائيلية ويعاد نشر القوات المتبقية في مواقع أمنية محددة.. ثم في مرحلة لا تتعدى 3 سنوات بعد الفترة الانتقالية تجري مفاوضات لتحديد الوضع النهائي للضفة وغزة وعلاقتهما بجيرانهما وعقد معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن في نهاية الفترة الانتقالية[10].

وعلى الرغم من قرار القمة العربي القاضي بطرد مصر من جامعة الدول العربية.. فقد وقّع الرئيس السادات معاهدة سلام مع إسرائيل بتاريخ 26 مارس 1979 م.

الغزو الإسرائيلي للبنان

تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد.. وانسحبت بموجبها مصر من حلقة الصراع العربي الإسرائيلي، فركزت إسرائيل على الجناح الآخر.. وخاصة قوة الفلسطينيين المتنامية في لبنان، الأمر الذي جعلهم يشنون غارات متكررة من البر والبحر والجو.. معظم أشهر عام 1981 م.

عملية سلام الجليل

في 6 يونيو 1982م قام الجيش الإسرائيلي باجتياح لبنان. وأطلق على خطته العسكرية (عملية سلام الجليل).

دفعت إسرائيل في هذا الاجتياح قواتها المتفوقة.. وهاجمت لبنان برا وبحرا وجوا.. زاحفة نحو الشمال عن طريق الساحل وعن طريق جبال الشوف الداخلية.

في 14 يونيو تمكنت القوات الإسرائيلية الزاحفة بمحاذاة المنحدرات الغربية لجبال الشوف من التلاقي مع المليشيات الكتائبية، وحوصر الفلسطينيون وحلفاؤهم داخل فكي كماشة.

حصار بيروت

استمر القصف الإسرائيلي لمدينة بيروت المحاصرة 67 يوما.. وافقت بعدها منظمة التحرير على مغادرة الفلسطينيين لبنان شرط أن تضمن أمريكا سلامة المدنيين الفلسطينيين بإشراف القوات الدولية؟

على هذا الأساس أبحرت أول دفعة من مقاتلي منظمة التحرير من بيروت إلى قبرص يوم 21 أغسطس1982م وفي 30 أغسطس 1982م نزل ياسر عرفات إلى ميناء بيروت واضعا خاتمة مرحلة طويلة استمرت إحدى عشرة سنة يسميها العاملون في منظمة التحرير أيام بيروت[11].

جريمة صبرا وشاتيلا

في يوم 15 سبتمبر 1982 طوقت الدبابات الإسرائيلية مخيمي صبرا وشاتيلا، وبعد ظهر اليوم نفسه التقى القادة الإسرائيليون مع قادة المليشيات الكتائبية (إيلي حبيقة) واتفقوا أن يدخلوا المخيمات لتنظيفها من الإرهابيين.

اتصلوا بشارون فرد عليهم: نوافق على عملية أصدقائنا. وحدثت المجزرة. ولنترك وصفها للكاتب الصحفي كبليوك، يقول:

(من البداية كانت المجزرة هائلة. ففي الساعات الأولى من يوم 16 سبتمبر 1982 قتل الكتائبيون مئات الناس. كانوا يطلقون النار على أي شيء يتحرك. قتلوا السكان في أسرتهم. قتلوا الأطفال. لم يكونوا يكتفون بالقتل فقط. في حالات كثيرة كانوا يقطعون الأطراف قبل القتل. كانوا يسحقون رؤوس الولدان والأطفال على الجدران. اغتصبوا النساء وحتى البنا ت قبل ذبحهن بالفؤوس.. أما الإسرائيليون فقد سدوا منافذ المخيم حتى لا يهرب أحد. تدل الأرقام أن مجموع من قتل أكثر من 3000 إنسان).

هذه المجزرة الرهيبة هزت الضمير الإنساني والفلسطيني بخاصة هزا عنيفا.. وأثبتت بما لا يدع مجالا للتأويل أن كل الضمانات التي تمنحها الدول بما فيها أمريكا.. إنما هي جزء من مؤامرة لاستئصال الشعب الفلسطيني المظلوم.. وأثبتت حقيقة أخرى هامة أن هؤلاء الوحوش من كتائبيين أو يهود أو أمريكان لا يرويهم إلا الدم المسلم المسفوح.. وأثبتت أمرا اخر هو أن كل ادعاءات هؤلاء بالمدنية أو التحضر إنما هي أكذوبة لتجميل وجه المجرم القبيح.

كان من آثار مجزرة بيروت وخروج المنظمة من لبنان.. انفجار الوضع بين المنظمة والسوريين، تحدث عن ذلك صلاح خلف في جلسة المجلس الوطني في دورته السادسة عشرة فقال: من قال إننا لا نريد الوحدة أو اللقاء الاستراتيجي مع سوريا؟

هل تقبلنا سوريا كما نحن؟

هل تقبلنا سوريا بقرارنا الوطني المستقل[12]؟

نتائج عملية سلام الجليل

كان هدف عملية (سلام الجليل) هو تدمير البنية الأساسية والعسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي اتخذت من بيروت مقرا لها منذ عام 1971 . وكان تقديرهم أن إزاحة مقاتلي منظمة التحرير من الطريق، تسهل عليهم الاستفراد بالفسطينيين الآخرين من أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة [13].

ولأسباب عسكرية وسياسية قررت المنظمة الانسحاب من بيروت، بعد صمود مشرّف دام أكثر من شهرين أمام أعنف قصف عرفته المنطقة. بدأ إخلاء القوات تحت إشراف قوة متعددة الجنسيات تضم كتيبة أمريكية. غادر المدينة حوالي ثمانية آلاف مقاتل فلسطيني.. ليتوزعوا على عدد من منافي الدول العربية البعيدة.

[1] المنظمة تحت المجهر- هيلينا كوبان، ص- 51.

[2] (المرجع السابق)، ص- 53.

[3] مذكرات كيسنجر 1979 م، ص- 596.

[4] مذكرة كيسنجر 1979 م، ص- 596.

[5] مذكرة كيسنجر 1979 م، ص- 596.

[6] إني أتهم - أحمد الشقيري.

[7] الوثائق الدولية 1974م، ص- 411.

[8] المنظمة تحت المجهر (المرجع السابق)، ص- 124.

[9] المرجع السابق، ص- 124.

[10] المرجع السابق، ص- 162.

[11] (المرجع السابق)، ص- 198.

[12] (المرجع السابق)، ص- 210.

[13] المنظمة تحت المجهر (المرجع السابق)، ص- 26.

حرب يونيو 1967

(25)
حرب يونيو 1967

تسلسل الأحداث

في العاشر من مايو 1967 هدد الجنرال رابين رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بأن قواته -إذا استمر نشاط الفدائيين- مستعدة لدخول دمشق، وهدم النظام القائم فيها[1].

وفي الرابع عشر من مايو قال (ليفي اشكول) رئيس وزراء إسرائيل: إن إسرائيل لن تستطيع أن تتسامح في حوادث التسلل، وإنها تدرس اتخاذ إجراءات رادعة.

وفي 22 مايو أقفلت مصر مضايق تيران. وأعلن عبد الناصر أنه إذا أرادت إسرائيل الحرب فلتتفضل.

وفي 26 مايو اجتمع أبا ايبان وزير خارجية إسرائيل مع الرئيس الأمريكي وأعلن بعد اللقاء أن انسحاب إسرائيل من شرم الشيخ بعد حرب السويس عام 1956 كان مشروطا بتأمين حرية الملاحة.

في 30 مايو.. وصل الملك حسين فجأة إلى القاهرة ووقع مع مصر معاهدة دفاع مشترك.

وفي 5 يونيو 1967 بدأ الهجوم الإسرائيلي على الجبهة المصرية.

الحرب على الجبهة المصرية

مع تصاعد التوتر والتعبئة العامة التي دعت لها كل من مصر وإسرائيل. وسحب قوات الطوارئ الدولية، والخبر الروسي المختلق الذي بعثت به الحكومة السوفياتية إلى القاهرة الذي يقول إن هناك حشودا إسرائيلية على الحدود مع سوريا وأعمال التسلل التي تقوم بها منظمة فتح ضد إسرائيل انطلاقا من الأردن وسوريا، بعد كل هذه المعطيات فقد بدأت إسرائيل الحرب.. وأخذت المصريين على حين غرة.

الطيران يُدمر على الأرض كانت مصر تملك 450 طائرة و 1200 دبابة و264 ألف جندي، مقابل إسرائيل التي تملك 300 طائرة و 800 دبابة و284 ألف جندي[2].

ومع ذلك فقد دمّرت إسرائيل في الساعات الأولى من صباح الاثنين يوم 5 يونيو 1967 ما مجموعه 416 طائرة من بينها 393 كانت على الأرض، منها 309 طائرة لمصر و60 طائرة أردنية و17 عراقية وطائرة لبنانية. كتب المعلقون السياسيون كثيرا عن هذه الضربة.. فقد كانت سؤالا حائرا.

تحدثت الكتب السياسية عن خيانات.. وقدم قادة سلاح الطيران للمحاكمة وتحدثوا عن الليلة الحمراء التي سهر فيها الطيّارون إلى الصباح بين النساء الساقطات وكؤوس الخمر التي تلعب بالجميع.

يقول قائد سلاح الطيران اليهودي الجنرال (مردخاي هود): (لقد قضينا ست عشرة سنة نستعد ونخطط لهذه الجولة وحققنا ثمرة جهدنا في ثمانين دقيقة! لقد عشنا خطتنا، نمنا معها أفقنا عليها، تمثلناها، هضمناها، وبالتدريج أدخلنا عليها الإصلاحات المتتالية حتى قاربت الكمال).

والخطة التي وضعها الجنرال رابين القائد العام للقوات الإسرائيلية كانت ذات ثلاثة جوانب:

أولا- اختراق خطوط الدفاع المصرية واثنين من مراكزهم القوية.

ثانيا- تقوم فرقة للمدرعات بالزحف إلى الأمام نحو سلسلة الجبال شرق السويس وتسد بذلك الطرق التي تنسحب منها القوات المصرية.

ثالثا- التدمير النهائي للجيش المصري[3].

وتم للإسرائيليين للأسف الشديد تنفيذ جميع أهدافهم.

الجبهة الأردنية

بعد أن قامت إسرائيل بعدوانها على مصر، ابتدأ الأردن بقصف القدس الجديدة التي تحتلها إسرائيل. كانت القذائف تطلق من جميع الحدود الأردنية، وتساقطت قذائف المدفعية الأخرى في أقصى الشمال تقصف قاعدة الطيران الرئيسة رامات داود)[4].

معركة القدس

والقدس المدينة المقدسة لدى المسلمين.. والتي حموها بصدورهم في كل عهود تاريخهم، ويوم احتلها الصليبيون، لم يستطيعوا دخولها إلا عندما بلغت دماء المسلمين إلى ركب خيولهم، سقط حول أسوارها 70 ألف شهيد. أما اليوم فقد سقطت القدس بعد مقاومة بسيطة.. استمرت بضع ساعات فقط. ولم تسقط القدس وحدها بل سقطت جميع الضفة العربية ومدنها الغالية.

احتلوا جميع أجزاء الضفة الغربية بعد يوم أو يومين من القتال.

صحيح أن سلاح الجو الإسرائيلي لعب دورا حاسما في المعارك. لكن الصحيح أيضا أن ابن الضفة الغربية كان أعزلا مجردا من السلاح الذي يدافع فيه عن أرضه وعرضه.

سقوط الجولان

كثر الحديث عن الجبهة السورية في الحرب، فهي لم تشترك إلا في اليوم التالي.. وبالرغم من أن القيادة السورية كانت أكثر المتحمسين لهذه الحرب.. بل إن عبد الناصر فعل ما فعل تحت تأثير الدعاية السورية التي تقول إن القوات الإسرائيلية محتشدة على الحدود مع سوريا.

سقوط الجولان، ومن ملفات الجولان.. وكتب كثيرة أخرى كتبها محللون سياسيون وعسكريون.. تحدثت عن (خط ماجينو السوري) الذي لا يمكن احتلاله إلا بصعوبات بالغة وإمكانات هائلة.. تساءلوا: كيف سقط بهذه السهولة؟.

اجتمع مجلس الأمن للمطالبة بوقف إطلاق النار.. وذكر المندوب السوري بأن إسرائيل احتلت الجولان ومدينة القنيطرة.. ونفى المندوب الإسرائيلي ذلك[5].. فهم لم يحتلوها بعد..

وهكذا ضاعت الجولان الحصينة والقنيطرة.. وقال بن غوريون.. أن إسرائيل لا تستطيع أن تتخلى عن الجولان والقدس.. لأنها عاصمة إسرائيل والجولان[6].. لأنها أخطر جبهة كانت تخيف إسرائيل!

ولم يعتبر النظام خسارة الجولان كارثة كبرى، فقد صرح وزير خارجية النظام السوري يومذاك (إبراهيم ماخوس)[7]:

لا تنسوا أن الهدف الأول من الهجوم الإسرائيلي هو إسقاط النظام التقدمي في سورية، وإذا كان النظام باقيا فإن إسرائيل لم تحقق ما كانت تريد!!.

نتائج حرب عام 1967

دامت الحرب مدة ستة أيام.. بين إسرائيل والعرب. احتلت إسرائيل خلالها كامل سيناء وقطاع غزة ووقفت بقواتها المسلحة على ضفاف قناة السويس ، كما احتلت كامل الضفة الغربية بما فيها القدس ووقفت بقواتها أمام نهر الأردن الذي اعتبرته ولو إلى حين حدودا معقولة، كما احتلت القنيطرة والمرتفعات السورية التي كانت تهيمن على إسرائيل فاصبحت بيد العدو يهدد من على قممها دمشق.

يوم 27 يونيو 1967 أصدرت إسرائيل قانونا يضم القدس القديمة ويوحدها مع القدس الجديدة ويجعلها العاصمة الأبدية لإسرائيل.. وأعلنت إسرائيل أن جميع المناطق التي احتلتها قابلة للتفاوض مع البلدان العربية باستثناء القدس.. كما أعلن بن غوريون، وهو من أهم الشخصيات الإسرائيلية أنه ليس مضايق تيران فقط يجب أن تمر بها الملاحة الإسرائيلية بحرية فحسب، بل أيضا قناة السويس حسب القانون الدولي، ويجب أن تبقى القدس مدينة يهودية موحدة. وأن الخليل يجب أن تضم لإسرائيل لأنها أكثر يهودية من القدس نفسها.

وأصر بن غوريون على تحقيق شرطين مسبقين لتخلي إسرائيل عن أي من الأراضي التي استولت عليها وهي:

1- أن يعترف العرب بدولة إسرائيل،

2- وأن يوقعوا معاهدة صلح معها.

قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242

بعد أشهر من الأخذ والعطاء والتعنت والشروط التعسفية من قبل إسرائيل، توصل مجلس الأمن في الثاني والعشرين من نوفمبر 1967 إلى القرار الرقم 242 الذي هو مجموعة من العموميات اختلفوا سلفا في تفسيرها قبل أن يختلفوا حول طريقة تنفيذها. واضع القرار هو اللورد كارادون مندوب بريطانيا في المنظمة الدولية.

أما نص القرار فهو:

إن مجلس الأمن:

أ- يعبر عن قلقه المستمر للموقف الخطير في الشرق الأوسط.
ب- ويؤكد عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب. والحاجة إلى سلام عادل ودائم تستطيع أن تعيش فيه كل دول المنطقة.
ج- ويؤكد أيضا أن جميع الدول الأعضاء عندما قبلت ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالتصرف وفقا للمادة الثانية من الميثاق:

أولا- يعلن أن تطبيق الميثاق يتطلب إقامة سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط، وهذا يقتضي تطبيق المبدأين التاليين:

أ- انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير.
ب- أن تنهي كل دولة حالة الحرب، وأن تحترم وتقر الاستقلال والسيادة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، وحقها أن تعيش في سلام في نطاق (حدود آمنة) ومعترف بها، متحررة من أعمال القوة والتهديد بها.

ثانيا- يؤكد المجلس الحاجة إلى:

أ- ضمان حرية الملاحة في الممرات الدولية في المنطقة.
ب- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
ج- ضمان حدود كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي عن طريق إجراءات دولية، ومن بينها إنشاء منطقة منزوعة السلاح.

ثالثا- يطلب من السكرتير العام أن يعين ممثلا خاصا إلى الشرق الأوسط لإقامة اتصالات مع الدول المعنية، بهدف المساعدة في الجهود، للوصول إلى تسوية سلمية ومقبول في هذا القرار.

رابعا- يطلب من السكرتير العام للأمم المتحدة أن يبلغ المجلس بمدى تقدم جهود المبعوث الخاص في أقرب وقت ممكن.

كانت (نكسة 67) أكبر نكبة للعرب والمسلمين:

ضاعت فيها القدس.

واحتلت الجولان.

وسيناء.

وسقطت أسطورة (الزعيم الأوحد).

[1] على اعتبار أن معظم هجمات الفدائيين كانت تنطلق من دمشق في ذلك الوقت.

[2] حرب الأيام الستة- ونسون تشرشل، ص-29.

[3] حرب الأيام الستة- (تشرشل)، ص59.

[4] حرب الأيام الستة- (المصدر السابق)، ص81.

[5] (المصدر السابق)، ص 106، تحدث عن البلاغ السوري رقم 66 الذي أعلن سقوط القنيطرة قبل احتلالها.

[6] يراجع في هذا الكتاب سقوط الجولان- خليل مصطفى، (ضابط استخبارات الجولان قبل الحرب).

[7] المرجع السابق، ص- 262.

حرب عام 1973

(26)
حرب عام 1973

أسباب الحرب

يقول الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المصرية في كتابه القيم (حرب أكتوبر ): (لم نكف عن التفكير في الهجوم على العدو الذي يحتل أراضينا حتى في أحلك ساعات الهزيمة في يونيو 1967. لقد كان الموضوع ينحصر فقط في متى يتم الهجوم، وربط هذا التوقيت بإمكانات القوات المسلحة لتنفيذه)[1].

كانت أمام القيادة المصرية خطتان:

الخطة الأولى: تقوم على أساس تدمير جميع قوات العدو في سيناء والتقدم السريع لتحريرها، هي وقطاع غزة في عملية واحدة ومستمرة.

والخطة الثانية: وكان يتبناها رئيس أركان الجيش الشاذلي هدفها عبور قناة السويس ، وتدمير خط بارليف واحتلاله، ثم اتخاذ أوضاع دفاعية على مسافة تتراوح بين (10-12 كم) شرق القناة، على أن تبقى القوات في هذه الأوضاع الجديدة إلى أن يتم تجهيزها وتدريبها للقيام بالمرحلة التالية من تحرير الأراضي[2].

اعتمدت القيادة المصرية الخطة الثانية التي أطلقوا عليها اسم (بدر-1). وهي بالطبع خطة متواضعة إذا ما قيست بالأولى.. ولكنها الممكنة. لقد تحطمت الطائرات المصرية على الأرض مرتين الأولى عام 1956 والثانية 1967 فلا يريدون لها أن تتحطم مرة أخرى، أما الدفاعات الجوية التي كانت تعتمد أساسا على صواريخ سام الثابتة فهي دفاعية، تستطيع التصدي للطائرات المهاجمة على مسافة (10-12) كم شرق القناة، ولكنها لا تستطيع التصدي للطائرات في مدى أبعد. (وكذلك كنا نرغب في أن نحارب إسرائيل في ظروف ليست مواتية لها وأن نطيل أمد الحرب قدر الإمكان).

خط بارليف

استطاع الجيش المصري وهو يردد هتــاف المجـد (الله الأكبر) أن يجتاز قناة السويس ، وهي مانع مائي صناعي عرضه ما بين 180-200م، أنشأ اليهود على ضفته الشرقية سدا ترابيا بارتفاع يصل إلى 20 مترا، وعلى طول السد الترابي بنى الإسرائيليون خطا دفاعيا قويا أطلقوا عليه خط بارليف، يتكون من 35 حصنا. كانت هذه الحصون مدفونة في الأرض وذات أسقف قوية تجعلها قادرة على أن تتحمل قصف المدفعية الثقيلة دون أن تتأثر بذلك. وكان يحيط بها حقول ألغام وأسلاك كثيفة. وما بين هذه الحصون كان هناك مرابض نيران للدبابات بمعدل مربض كل 100 متر.

وزيادة على كل هذه الموانع، أدخل الإسرائيليون سلاحا جديدا رهيبا هو النيران المشتعلة فوق الماء لكي تحرق كل من يحاول عبور القناة[3].

هذا هو خط بارليف الذي كانت تفاخر إسرائيل بقوته.. وتتحدى به القوات المصرية وتعلن أن اختراقه يحتاج إلى تعاون سلاح المهندسين الروسي والأمريكي إلى جانب سلاح الهندسة المصري!.

ومع ذلك فقد حطمه الجندي المصري الشجاع، فبحلول الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد 8 أكتوبر 1973 كانت القوات المصرية قد حققت نجاحا حاسما في معركة القنال. عبرت فيه أصعب مانع مائي في العالم وحطمت خط باراليف في 18 ساعة. وهو رقم قياسي لم تحققه أية عملية عبور في تاريخ البشرية. وقد تم ذلك بأقل خسائر ممكنة. وأصبحت أسطورة خط بارليف الذي كان يتغنى به الإسرائيليون في خبر كان[4].

ثغرة الدفرسوار

بعد أن حطمت القوات المصرية الهجمات المضادة للعدو.. أصرّت القيادة السياسة المصرية على تقدم الجيش نحو المضائق. وعلى الرغم من اعتراض رئيس أركان الجيش (الفريق الشاذلي) الذي قاد المعركة منذ بدايتها.. إلا أن الأمر نفذ وكانت نكسة خطيرة لعب فيها الطيران المعادي دورا خطيرا حطّم في ساعات أكثر من 250 دبابة.. فقد خلاله الجو.. وبدأ يدمر مدرعات لا يحميها شيء.

هذا الخطأ أدى إلى خطأ آخر.. وهو الاضطرار إلى دفع قوة الاحتياط الاستراتيجي إلى شرق القناة لتعويض الخسائر.. فأدى ذلك إلى خلخلة القوة وأصبح الموقف مثاليا لكي يقوم العدو بمحاولة لاختراق مواقعنا.

وبالفعل فقد تسللت قوات العدو إلى غرب القناة من منطقة (الدفرسوار) واستطاعت أن تقصف الصواريخ المضادة في غرب القناة مما جعل الطيران المعادي حرا في اختراق أجوائنا، وأن تطوق الجيش الثالث مما جعله أسيرا في يد العدو..

وتقدمت قوات العدو في الاتجاهين نحو السويس فحاصرتها وميناء الأدبية فحطمتها ونحو الإسماعيلية.

اتفاقية فض الاشتباك

في 18 يناير 1974 تم التوقيع على الاتفاقية الأولى لفض الاشتباك بين مصر وإسرائيل على أن:

1- تقوم إسرائيل بسحب قواتها إلى مسافة 30 كم شرق القناة.
2- تسحب مصر قواتها شرق القناة باستثناء قوة رمزية (7000 جندي).
3- تفصل قوات الأمم المتحدة بين الفريقين.

الجبهة السورية

أما على الجبهة السورية.. فقد حققت القوات السورية نصرا مؤزرا في الأيام الأولى للحرب استطاعت فيها السيطرة على كامل منطقة الجولان وجبل الشيخ التي كانت إسرائيل احتلتها عام 1967.. وصلت هذه القوات إلى بحيرة طبريا. شعرت إسرائيل بالخطر.. ولهذا قررت تركيز الحرب على الجبهة السورية.. واستطاعت أن تستعيد المواقع التي خسرتها.. وأن تتقدم ليصبح الطريق إلى دمشق سالكا أمامها..

حرب أكتوبر 1973 في الميزان

ركز الكتّاب الإسرائيليون كثيرا على هذه الحرب.. واعتبروها من أخطر الحروب التي خاضتها إسرائيل.. فقد كانت أقرب إلى الهزيمة..

أهم الأمور التي مكنّت العرب من تسجيل النصر النسبي على إسرائيل.. هي:

1- انتشت إسرائيل بنصرها عام 1967.. إلى درجة أنها لم تعد تصدق أن العرب بإمكانهم محاربتها..
2- هذه الحرب هي الوحيدة التي اعترفت إسرائيل بأن العرب خططوا لها وأنهم لم يتركوا أمرا للصدفة[5]..
3- في هذه الحرب عبر المصريون وحطّموا خط بارليف وهم يهتفون الله الأكبر وفي جيب كل واحد منهم كراس عقيدتنا الدينية طريقنا للنصر من تأليف رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي.
4- في هذه الحرب.. ظهر معدن المقاتل المصري من أبناء الشعب.. فحين حاول الإسرائيليون احتلال مدينة السويس دفعوا ثمنا باهظا لهذه المحاولة وانسحبوا بعد ذلك مذمومين مدحورين.

قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338

بعد التفاهم الأمريكي السوفياتي، اتخذ مجلس الأمن الدولي في 22 أكتوبر 1973 قراره رقم 338 التالي نصه:

أولا- يدعو جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار وأي نشاط عسكري فورا.
ثانيا- يدعو الأطراف المعنية إلى البدء مباشرة، بعد وقف إطلاق النار، بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بجميع فقراته.
ثالثا- يقرر وجوب بدء مفاوضات فورية، بغية تحقيق سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط.

مؤتمر جينيف

في 21 ديسمبر 1973 في المقر الأوروبي للأمم المتحدة، تم افتتاح المؤتمر الذي ضم وفود: الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا وإسرائيل ومصر والأردن.. بينما امتنعت سوريا عن الحضور.

لعب كيسنجر وزير خارجية أمريكا اليهودي المتعصب دورا رئيسا في هذا المؤتمر.. من أهم نتائج مؤتمر جنيف كان: اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل على أن تنسحب القوات الإسرائيلية (30 كم) إلى داخل سيناء وأن يبقى المصريون على الضفة الشرقية للقناة على مسافة (8-9 كم) وأن تفصل قوات الأمم المتحدة بين الفريقين.

كـــــــان هتـــاف (الـــلــه أكـــبـر) فــــي حـــرب 1973 مــفـــتــــاح النصــــر.. زلـــزل العـدو.. وثبـت قلــوب المسلمـــين.. واستجــلــب النصـــر مـــن السماء.. فسقطــــــت أسطـــورة (الجيـــــش الـــــذي لا يقهــــــر).

[1] حرب أكتوبر - سعد الدين الشاذلي ص- 13.

[2] المرجع السابق، ص- 18.

[3] المصدر السابق، (ص 41).

[4] المصدر السابق، (ص 235).

[5] زلزال في أكتوبر - زنيف شيف.

حركة حماس

(27)
حركة حماس

الحركات الجهادية

الأسباب التي ذكرناها في الفصل السابق، الداخلية والخارجية، أوصلت قطاعات من الشعب الفلسطيني وخاصة أبناء الحركة الإسلامية إلى نتيجة واحدة، وهي أنه لابد من الكفاح المسلح فالحقوق تسترد ولا تعطى.

1- أسرة الجهاد

عام 1979 برز تيار جديد داخل الأرض المحتلة منذ عام 1948، يقوده الشيخ عبد الله نمر درويش باسم (أسرة الجهاد)[1]، وكان على صلة بالإخوان المسلمين في الأردن. قام هذا التيار بعمليات جهادية هامة.. ولكن إسرائيل وضعت يدها على العديد من رموز هذا التيار وأودعتهم السجون.

2- حركة الجهاد الإسلامي

يعتبر عام 1980 التاريخ الرسمي لتأسيس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ويعتبر فتحي الشقاقي وعبد العزيز عودة المؤسسان الحقيقيان لهذه الحركة. يقول الشقاقي عن نفسه أنه كان ناصريا ثم أصبح في الإخوان المسلمين ثم اختلف معهم عام 1975 وفي عام 1979 أصدر الشقاقي وهو (بالمناسبة منظر الحركة)، كتابا بعنوان الخميني: الحل الإسلامي والبديل.

أما عبد العزيز عودة فدراسته شرعية، عمل محاضرا في الجامعة الإسلامية في غزة اعتبارا من عام 1981 . كان على صلة بالإخوان ثم تركهم.

وإذا كان الشقاقي هو المسؤول الفكري والعسكري للحركة فإن عودة هو الزعيم الروحي ويتمتع بشخصية جذابة ولديه قدرة فائقة على الخطابة.

أفكار حركة الجهاد الإسلامي

تأثر فكر الجهاد بسيد قطب وكتابه معالم في الطريق الذي دعا (في رأيهم) إلى الثورة ، وبفكر الثورة الإسلامية في إيران .

لقد كانت الثورة مصدر إلهام لهم على صعيد الفكر والممارسة. فقد سعى مؤسسو حركة الجهاد منذ البداية إلى استيعاب واستلهام تعاليم الإمام الخميني، الذي رأوا فيه رمزا وملهما وقائدا للثورة الإسلامية، ليس في إيران فحسب بل في كل مكان.

وأخيرا فإن فكر الحركة تأثر بكتاب (الفريضة الغائبة) لمؤلفه محمد عبد السلام فرج أحد مؤسسي حركة الجهاد في مصر والمسؤول عن إصدار أمر اغتيال السادات [2].

ويعتقد كثيرون أن علاقات وطيدة تربط الحركة بمنظمة فتح.. وأن المنظمة تعتمد عليهم وتثق بهم أكثر بكثير مما تعتمد أو تثق بمنظمة حماس. بل ولقد صرّح ياسر عرفات أكثر من مرة بأن منظمة الجهاد الإسلامي ليست أكثر من تنظيم ديني تابع لحركة فتح.

الانتفاضة المباركة في ديسمبر 1987 م

والانتفاضة هي تحرك جماهري فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، شارك فيه العجوز الشيخ والطفل الصغير، والمرأة العجوز إلى جانب الفتاة الشابة، وباختصار شارك فيه الشعب الفلسطيني بأكمله، سلاحه الحجر يرمي به العدو الإسرائيلي المدجج بكل أنواع الأسلحة.

ولقد أدعت كل الفئات العاملة على الساحة الفلسطينية أنها صاحبة الانتفاضة، المنظمات المختلفة، ومنظمة التحرير، ومنظمة الجهاد الإسلامي ومنظمة حماس الإسلامية.

والانتفاضة هي أهم تحرك فلسطيني معاد لإسرائيل بعد عام 1948 ولهذا فهي تستحق مزيدا من الدرس والتحليل.

منظمة حماس

ولدت منظمة حماس.. مع مولد الانتفاضة في كانون الأول ديسمبر 1987 تقريبا. ولقد ذكر ميثاق حماس بأنها الجناح العسكري للإخوان المسلمين . ولا بأس أن نستعرض أهم النقاط في هذا الميثاق.

مقتطفات من ميثاق حماس

المادة الثانية: حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث.

المادة الثالثة: تتكون البنية الأساسية لحماس من مسلمين أعطوا ولاءهم لله.

المادة الرابعة: ترحب حماس بكل مسلم رغب أن ينخرط في صفوفها لأداء الواجب وأجره على الله.

المادة السادسة: حركة حماس فلسطينية متميزة تعطي ولاءها لله، وتتخذ من الإسلام منهج حياة.

المادة السابعة: وحركة المقاومة حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية تتصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسام، وترتبط بجهاد الفلسطينيين وجهاد الإخوان المسلمين عام 1948، والعمليات الجهادية للإخوان المسلمين عام 1968 .

المادة الثامنة: شعار الحركة: الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

المادة التاسعة: أما الأهداف: فهي منازلة الباطل وقهره ودحره، ليسود الحق.. وتقوم دولة الإسلام.

المادة الحادية عشرة: تعتقد حماس أن الوطنية جزء من العقيدة الدينية.. وإذا كانت الوطنيات المختلفة ترتبط بأسباب مادية وبشرية وإقليمية، فوطنية حماس لها كل ذلك ولها فوق ذلك أسباب ربانية تعطيها روحا وحياة.

المادة الثالثة عشرة: تتعارض المبادرات وما يسمى بالحلول السلمية والمؤثرات الدولية لحّل القضية الفلسطينية مع عقيدة حماس. لا حلّ لقضية فلسطين إلاّ بالجهاد.

المادة الثالثة والعشرون: تنظر حركة حماس إلى الحركات الإسلامية الأخرى نظرة احترام وتقدير، فهي إن اختلفت معها في جانب، اتفقت معها في جوانب.

المادة الرابعة والعشرون: لا تجيز حركة حماس الطعن أو التشهير بالأفراد أو الجماعات.

المادة الخامسة والعشرون: تبادل حماس الحركات الوطنية العاملة على الساحة الفلسطينية الاحترام وتقدر ظروفها والعوامل المحيطة بها وتشد على يدها ما دامت لا تعطي ولاءها للشرق الشيوعي أو للغرب الصليبي.

وتطمئن حماس كل الاتجاهات الوطنية بأنها لها سند وعون ولن تكون إلاّ كذلك قولا وعملا، حاضرا ومستقبلا، تجمع ولا تفرق، تصون ولا تبدد، توحد ولا تجزئ.

المادة السابعة والعشرون: منظمة التحرير من أقرب المقربين إلى حركة حماس. فوطننا واحد ومصابنا واحد ومصيرنا واحد وعدونا مشترك. وتأثرا بالظروف فقد تبنت المنظمة فكرة الدولة العلمانية وهي مناقضة للفكرة الدينية وعلى الأفكار تبنى المواقف. ومن هنا ومع تقديرنا لمنظمة التحرير وعدم التقليل من دورها، لا يمكننا أن نستبدل إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لنتبنى الفكرة العلمانية.

ويوم تتبنى منظمة التحرير الإسلام كمنهج حياة فنحن جنودها، وإلى أن يتم ذلك، فموقف حماس من منظمة التحرير هو موقف الابن من أبيه والأخ من أخيه والقريب من قريبه.

المادة الثامن والعشرون: تطالب حماس الدول العربية المحيطة بإسرائيل بأن تفتح حدودها أمام المجاهدين. أما الدول العربية والإسلامية فمطالبة بتسهيل حركات المجاهدين.

حماس النبتة المباركة

إن نشوء حماس، وقيامها بدور أساس في توجيه الانتفاضة في فلسطين منذ ديسمبر 1987 ، يعتبر عملا مباركا يستحق كل التقدير والعرفان.. ومما لا شك فيه أن قيادة حماس الممثلة في الشيخ المجاهد أحمد ياسين في غزة وغيرهم من الجنود والقادة المجهولين، تستحق وسام الاستحقاق الإسلامي.. فقد أقاموا هذه المنظمة رغم قسوة الظروف وشراسة العدو وتهديد الصديق!

شيخ المجاهدين أحمد ياسين

ولنقرآ معا هذه المقابلة مع الشيخ أحمد ياسين لنتعرف عن قرب على أفكار حماس [3]، وعلى صمود مؤسسها.

ســؤال: أتريد دولة فلسطينية من النهر إلى البحر؟

الشيخ: أنا أريد دولة فلسطينية.

ســـؤال: ما هي حدودها؟

الشيخ: فلسطين لها حدود معروفة، هذه هي حدود الدولة الفلسطينية.

ســـؤال: أين إسرائيل إذن؟

الشيخ: إسرائيل في فلسطين.

ســؤال: هل لك أن توضح مفهوم الدولة الفلسطينية في نظرك؟

الشيخ: الدولة الفلسطينية يجب أن تقوم على كل شبر من فلسطين نحرره ولكن دون أن نتنازل عن باقي حقوقنا..

سؤال: هل تعترف بإسرائيل؟

الشيخ: لو اعترفت بإسرائيل لانتهت المشكلة، ولن يبقى لي حق في فلسطين.

سؤال: ولكن إذا انسحبت إسرائيل من الضفة الغربية والقطاع، هل ستعترف بها؟

الشيخ: لكل حادث حديث.

سؤال: ولكن عندئذ هل يجب الاعتراف بها؟

الشيخ: أترك هذا للشعب الفلسطيني.

سؤال: من هم؟

الشيخ: الذين سينتخبهم الشعب الفلسطيني.

مواقف حماس

واليوم.. وبعد 14 سنة من انطلاقة حماس.. مازالت على عهدها.. لم تتنازل قيد شعرة عن مبادئها.. رغم الظلم الذي تواجه به من السلطة الوطنية، ومن العديد من الدول العربية.. وهذا هو سمت المجاهدين.. رعت الانتفاضة الأولى عام 1987 .. ورعت الانتفاضة الثانية عام 2000 .. وما زالت مستعدة لدفع الثمن غاليا في سبيل الله والأرض المباركة.

(حماس)... الـنـبـتـــة المبـــــــــــاركــــــــــــــة... في الأرض المباركة... وبقايا عزة المسلمين وكرامتهم.

[1] الحركة لإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة - د. زياد أبو عمرو، ص- 111.

[2] الاتجاهات الدينية ودورها في العمل الوطني- سلامة أمين العدد 199، ص- 27.

[3] النهار الفلسطينية 30/4/1989 م.

السلام في الشرق الأوسط!

(28)
السلام في الشرق الأوسط!

على الرغم من انشغال المنطقة بالقضية الفلسطينية وبالعدوان الإسرائيلي المستمر، الذي لم يعد مقتصرا على أجزاء من فلسطين حددتها الأمم المتحدة عام 1947 لتقيم عليها إسرائيل دولتها.. بل امتد ليشمل كامل فلسطين وجزءا من الأردن وأجزاء من لبنان وسوريا.. وبالرغم من الحروب اليومية التي تشنها إسرائيل على هذا الجانب أو ذاك.. والقتل وسفك الدماء والدمار الذي تخلفه في أوساط الشعب الفلسطيني واللبناني.. ونتيجة للسياسات الارتجالية التي يمارس ها العالم العربي منذ حوالي نصف قرن من الزمان.. فإن فكرة الصراع اليهودي - الإسلامي تمر كل يوم بمنعطف أخطر من سابقه.

مؤتمر مدريد للسلام

بعد الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990م، والمعركة الكبيرة التي قادها التحالف الدولي لإخراج العراق في فبراير 1991 م، أعلن الرئيس الأمريكي بوش في مارس 1991 م أن الوقت قد حان لحل النزاع العربي - الإسرائيلي.

وعليه فقد عقد مؤتمر مدريد للسلام في 30 أكتوبر 1991 م. وأكدت الأوساط الأمريكية أن هدف المؤتمر سيكون سلاما حقيقيا ومصالحة بين إسرائيل من جهة والدول العربية من جهة أخرى.

وذكرت هذه الأوساط أن ترتيبات الحكم الذاتي المؤقتة ستجري بهدف إنجازها خلال عام واحد، وإن مرحلة الحكم الذاتي الانتقالية ستستغرق خمس سنوات، وستبدأ في مطلع السنة الثالثة المفاوضات على الوضع النهائي للأراضي المحتلة.

افتتح المؤتمر الرئيسان الأمريكي بوش والسوفياتي غورباتشوف وحضرته تسعة أطراف هي أمريكا والاتحاد السوفياتي وإسرائيل ومصر والوفد الأردني - الفلسطيني المشترك وسورية ولبنان والمجموعة الأوروبية ومجلس التعاون الخليجي وتمثلت الأمم المتحدة بمراقب صامت.

مفهوم إسرائيل للسلام

لخص إسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل وزعيم حركة الليكود مفهومه للسلام فقال: (إن إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر، هي عقيدتي وحلمي شخصيا. وإنه بدون هذا الكيان لن تكتمل الهجرة ولا الصعود إلى أرض الميعاد ولا أمن الإسرائيليين وسلامتهم).

ولخص بيريز زعيم حزب العمل مفهوم حزبه للسلام بمقالة نشرتها له الجيروزاليم بوست بتاريخ 14 إبريل 1991 فقال: إن أمن إسرائيل يتعرض لأخطار وتهديدات كثيرة، فالقوة العسكرية العربية ستفوق في زمن قريب قوات حلف الأطلسي مجتمعة. ومن أجل ذلك فإن إسرائيل تحتاج أن تجدد سلاحها مرة كل سبع سنوات. وهذا يحتاج إلى المال.

إن الاقتصاد الإسرائيلي في انحدار، ولن يستطيع الإسرائيليون تعزيز طاقاتهم الاقتصادية إلا باجتذاب رؤوس الأموال وتوظيفها في مشاريع جديدة ومفيدة.. غير أن رأس المال يحتاج إلى استقرار سياسي.

ولن يتوفر ذلك إلا بإقامة سوق شرق أوسطية تلعب فيها إسرائيل دورا رئيسا.. هذه السوق تقوم على تكامل الطاقات: النفط الخليجي، المياه التركية، السوق المصرية، والخبرة والمهارة الإسرائيلية. ويخلص بيريز إلى القول بأن الشرط الرئيسي لقيام السوق هو إيجاد حل للقضية الفلسطينية. فعلى إسرائيل أن تقبل التنازل عن غزة وعن بعض أراضي الضفة الغربية المكتظة بالسكان لكي تدمج في اتحاد فيديرالي أردني - فلسطيني، وعندما تقدم إسرائيل هذه التنازلات، تكون قد تخلت عن حق تاريخي لها لكنها في الوقت نفسه تكون قد أدت واجبا تاريخيا تجاه نفسها. إن أمام إسرائيل خياران إما أن تكون إسرائيل الكبرى التي تضم أعدادا كبيرة من الفلسطينيين أو تكون إسرائىل الكبرى اعتمادا على حجم واتساع السوق الواقعة تحت تصرفها.

الحدود الآمنة

القانون الدولي لا يعترف إلا بالحدود الدولية.. ومنذ عدوان عام 1967 خرجت إسرائيل على العالم بفكرة الحدود الآمنة التي يمكن الدفاع عنها..

وعندما تُطالب إسرائيل بخريطة هذه الحدود الآمنة.. ترفض إعطاءها بالطبع.. فخرائطها مرتبطة بمدى توسعها..

على خطى كامب ديفيد

أصبحت مصر أول دولة عربية تعترف رسميا بالكيان اليهودي على أرض فلسطين، وكان ذلك من خلال معاهدة كامب ديفيد التي وقعها الرئيس السادات عام 1979 م مع زعيم الليكود بيغن وكارتر الرئيس الأمريكي.

وقد بدأ جيران إسرائيل واحدا بعد الآخر السير على درب السادات .

ففي مؤتمر القمة العربي الذي عقد عام 1982 في المغرب أعلن عن استعداد الدول العربية لمناقشة خيار السلام مع كل دول المنطقة، والقرار وإن لم يذكر إسرائيل بالاسم.. إلا أنه كان يعنيها.

وعلى الطريق نفسه سارت منظمة التحرير، التي اتخذ مجلسها الوطني قراراعام 1988 م بالاعتراف بإسرائيل وفقا لقرارات الأمم المتحدة وخاصة قرار التقسيم الذي انشئت على أساسه دولة الكيان اليهودي.

وفي 23 يناير 1991 م اتخذت منظمة التحرير قرارها بالانضمام إلى المبادرة الأمريكية - السوفياتية المشتركة التي دعت إلى مؤتمر السلام..

القضايا الرئيسة التي طرحها مؤتمر السلام

ضمن هذه المعادلات والمواقف المبدئية انعقد مؤتمر مدريد للسلام في 30 أكتوبر 1991 م، ومن أهم القضايا المطروحة في هذا المؤتمر:

1- القرار 242

القرار الذي أقرته الأمم المتحدة في أعقاب حرب عام 1967. والذي ينص على عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة.

2- الحكم الذاتي

اتفاقات كامب ديفيد التي وقعتها مصر مع الكيان اليهودي بمشاركة الولايات المتحدة نصت على إعطاء الفلسطينيين حكما ذاتيا.. وكانت هذه النقطة بالذات هي المنطلق في حل القضية الفلسطينية من وجهة النظر الأمريكية.. أما مراحل هذا الحكم فهي:

المرحلة الانتقالية

وتمتد خمس سنوات. وخلال هذه الفترة المحددة، تتم الخطوات التالية:

• يقيم الفلسطينيون (إدارة محلية) مع مكاتب حكومية تتناول الشؤون الداخلية، والإسكان والزراعة والبريد والمالية والصحة، والسلطات المحلية وغيرها من الشؤون الداخلية.

• خلال الفترة الانتقالية تبقى شوون (الخارجية) والأمن و(شؤون المستوطنات) في يد إسرائيل.

• إقامة تعاون اقتصادي بين (الكيان الفلسطيني) وإسرائيل والأردن في مجالات عديدة مثل الكهرباء والمياه والنقود والعمال.

• اتخاذ ترتيبات اقتصادية تضمن مصلحة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

مرحلة الحل الدائم

• بعد مرور ثلاث سنوات من المرحلة الانتقالية تبدأ المفاوضات للوصول إلى الحل الدائم.

• خلال السنوات الثلاث الأولى يكون هناك تفاهم وثقة بين الطرفين وتخف حدة التوتر في المنطقة.

• التفاوض يستند إلى أساسين هما:

1- قرارات الأمم المتحدة (242،338)، ومبدأ الأرض مقابل السلام.

2- التمثيل الفلسطيني في المفاوضات هم من سكان المناطق ومن فلسطين في الخارج يتفق بشأنهم.

الحكم الذاتي بين التصور الصهيوني والفلسطيني

الحكم الذاتي في التصور الإسرائيلي هو انتخاب مجلس إداري.. يشرف على القضايا المحلية، ولا علاقة له بالقضايا الخارجية أو الأمن أو المستوطنات. أما الاقتراح الفلسطيني فيطالب بانتخاب هيئة تشريعية مكونة من 180 شخصا يتم انتخابهم بشكل حر من الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، والواضح من اسم (هيئة تشريعية) أن مرجعية القوانين والتشريعات ستكون من أحقية الهيئة المنتخبة، على عكس التصور الصهيوني الذي يدعو أن تكون مرجعية الهيئة المنتخبة هي سلطات الاحتلال نفسها والقوانين القائمة حاليا دون تغيير.. ولهذا فإن الاقتراح الفلسطيني يدعو إلى انتخاب هيئة إدارية لإدارة شؤون الحكم الذاتي بعد انتخاب الهيئة التشريعية التي ستكون بمثابة مجلس وطني فلسطيني للضفة والقطاع وستتسلم هذه الهيئة حسب التصور الفلسطيني جميع صلاحيات السلطة العسكرية الصهيونية بما فيها التشريعات ورسم السياسات وترتكز معارضة الكيان الصهيوني للاقتراح الفلسطيني على أساس أن هذا الاقتراح يشكل مقدمة لإقامة دولة فلسطينية بعد انتهاء فترة الحكم الذاتي الانتقالية والتي ستستمر لمدة خمس سنوات[1].

الانتفاضة وأثرها

إن خمس سنوات الانتفاضة فعلت ما لم تتمكن عشرون سنة من النضال أن تفعله في عقلية الإسرائيليين.

ففي العام الأول للانتفاضة أمر رابين جنوده بأن يكسروا عظام الفلسطينيين حتى لا يتمكنوا من حمل الحجارة.. وفي العام الثاني أقر رابين بأن هناك حدودا لفرض سياسات القمع بحق الشعوب.. وفي العام الثالث اعترف رابين بعدم جدوى الحل العسكري للانتفاضة.. وفي العام الرابع نادى رابين بضرورة التفاوض مع الفلسطينيين.. وفي العام الخامس لم يجد رابين بدا من التسليم بالحقائق ومنها حق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم.

توصل رابين إلى قناعته هذه بعد أن تبين أن شهادة وفاة الانتفاضة التي أصدرها أكثر من سياسي أو جنرال لا تزيد أن تكون وهما.

معسكر مرج الزهور

شهدت الأرض المحتلة تصعيدا خطيرا حوّلها إلى ما يشبه ساحة حرب كان أبرز معالمها إعلان (حركة المقاومة الإسلامية) خطف ضابط من حرس الحدود الإسرائيليين يدعى نسيم توليدانو والتهديد بقتله ما لم تطلق إسرائيل مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين [2].

ونفذت حماس تهديدها.. وقتلت الضابط المخطوف. وعلى أثر ذلك قررت الحكومة الإسرائيلية إبعاد 418 فلسطينيا من عناصر وزعماء حركة (حماس) إلى خارج الحدود.

وجاء في بيان الحكومة الإسرائيلية أنه (أمام الإرهاب الأعمى الذي يهدف إلى تهديد المواطنين الإسرائيليين وإلى تخريب عملية السلام تقرر الإبعاد الفوري لأعضاء من المنظمتين الإسلاميتين الأصوليتين حماس والجهاد الإسلامي).

وبدأ الجيش الإسرائيلي نقل المعتقلين إلى منطقة مرج الزهور على الحدود اللبنانية[3].

ذكرت صحيف هآرتس الإسرائيلية: أن الجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات قدما اقتراحا يهدف إلى القضاء على حركة حماس مرة وإلى الأبد.

وقالت الصحيفة إن الاقتراح يهدف إلى إغلاق الجامعات والمدارس ورياض الأطفال والنوادي والجمعيات التي ترعاها حركة (حماس) إضافة إلى الحد من نشاطات جميع المؤسسات الأخرى التي ترعاها خصوصا الجمعيات الخيرية[4].

قرار مجلس الأمن رقم 799

في 18 ديسمبر 1992 اتخذ مجلس الأمن القرار 799 والذي ينص على مطالبة إسرائيل بأن تكفـل عودة جميع المبعدين بأمان وعلى الفور إلى الأراضي المحتلة.

ومع ذلك فقد اكتفت إسرائيل بالموافقة على عودة 100 شخص من المبعدين، وأقنعت أمريكا مجلس الأمن أن ذلك يعتبر خطوة في طريق الحل!

اتفاق غزة - أريحا أولا

في الوقت الذي خاض الإسرائيليون مع الوفود العربية عشر جولات من المفاوضات المباشرة في واشنطن دون التوصل إلى نتيجة.. تفاجأ العالم باتفاق المبادئ الفلسطينية - الإسرائيلية الذي توصل إلىه الطرفان في مفاوضات سرية عقدت في أوسلو عاصمة النرويج في أغسطس 1993 .

نص إعلان المبادئ الفلسطيني - الإسرائيلي

تتفق حكومة إسرائيل وممثل الشعب الفلسطيني، أنه آن الأوان لوضع حد لعقود من المواجهات والصراع، والاعتراف المتبادل لحقوقهما السياسية والشرعية، ولتحقيق تعايش سلمي وكرامة وأمن متبادلين، والوصول إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة، ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية المتفق عليها. وعليه يتفق الطرفان على المبادئ الآتية:

البند الأول- هدف المفاوضات

إن هدف المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية ضمن إطار عملية السلام الشرق أوسطية هو، إلى جانب أمور أخرى، تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية، المجلس المنتخب للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لمرحلة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات وتؤدي إلى تسوية نهائية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و 338.

البند الثاني- إطار عمل للمرحلة الانتقالية

إن إطار العمل المتفق عليه للمرحلة الانتقالية منصوص عليه في إعلان المبادئ هذا.

البند الثالث- الانتخابات

1- كي يتمكن الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة من حكم أنفسهم وفق المبادئ الديمقراطية، ستجري انتخابات سياسية عامة مباشرة وحرّة لانتخاب المجلس في الوقت الذي ستحافظ فيه الشرطة الفلسطينية على النظام العام.

2- سيصار إلى اتفاق على روح الانتخابات وشروطها حسب البروتوكول المرفق، بهدف إجراء انتخابات ضمن فترة لا تتعدى تسعة أشهر بعد دخول إعلان المبادئ حيّز التنفيذ.

3- ستشكل هذه الانتخابات خطوة أولية انتقالية مهمة باتجاه الاعتراف بالحقوق الشرعية والمطالب العادلة للشعب الفلسطيني.

البند الرابع- الولاية

ستشمل ولاية المجلس منطقة الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء قضايا سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي. ينظر الطرفان إلى الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة جغرافية واحدة سيحافظ على وحدتها خلال الفترة الانتقالية.

البند الخامس- الفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع النهائي

1- ستبدأ مرحلة خمس السنوات الانتقالية فور الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا.

2- ستنطلق مفاوضات الوضع النهائي في أقرب وقت ممكن، على ألا يتعدى ذلك بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية، بين حكومة إسرائيل وممثلي الشعب الفلسطيني.

3- من المفهوم أن هذه المفاوضات ستغطي قضايا متبقية تشمل: القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين وقضايا أخرى ذات أهمية مشتركة.

4- يتفق الطرفان على أن نتيجة مفاوضات الوضع النهائي لن تكون محكومة ومتأثرة باتفاقات تم التوصل إليها للمرحلة الانتقالية.

البند السادس- نقل الصلاحيات والمسؤوليات التمهيدية

1- مع دخول إعلان المبادئ هذا حيّز التنفيذ والانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا سيبدأ نقل السلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية، للفلسطينيين المخولين هذه المهمة، وستكون طبيعة هذا النقل أولية حتى إنشاء المجلس.

2- فورا بعد دخول إعلان المبادئ هذا حيّز التنفيذ والانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا، آخذين بالاعتبار ترويج التطوير الاقتصادي لقطاع غزة ومنطقة أريحا، ستنقل السلطة إلى الفلسطينيين في المجالات الآتية: التعليم والثقافة، الصحة، الشؤون الاجتماعية، الضرائب المباشرة والسياحة. وسيشرع الجانب الفلسطيني في بناء قوة الشرطة الفلسطينية حسبما هو متفق عليه، وبانتظار إنشاء المجلس يمكن للجانبين التفاوض على نقل صلاحيات ومسؤوليات إضافية حسبما هو متفق عليه.

البند السابع

1- سيتفاوض الوفدان الفلسطيني والإسرائيلي على اتفاق للمرحلة الانتقالية (الاتفاقية الانتقالية).

2- سيحدد الاتفاق الانتقالي، تركيبة المجلس وعدد أعضائه ونقل الصلاحيات والمسؤوليات من الحكومة الإسرائيلية العسكرية وإدارتها المدنية إلى المجلس. وسيحدد الاتفاق الانتقالي أيضا سلطة المجلس التنفيذية والسلطات التشريعية، وفقا للبند التاسع المبين أدناه، والأجهزة القضائية الفلسطينية المستقلة.

3- سيشمل الاتفاق الانتقالي ترتيبات تطبق فور تشكيل المجلس لتولية الصلاحيات والمسؤوليات المنقولة مسبقا حسب البند السادس.

4- من أجل مساعدة المجلس على تشجيع النمو الاقتصادي فور إنشائه سيشكل المجلس، ضمن أمور أخرى، سلطة إدارة كهرباء فلسطينية، سلطة ميناء بحري في غزة، بنك تنمية فلسطيني، هيئة تشجيع صادرات فلسطينية، وسلطة إدارة مياه فلسطينية، وأي سلطات يتفق عليها وفقا للاتفاق الانتقالي الذي سيحدد صلاحيتها ومسؤوليتها.

5- بعد إنشاء المجلس ستحل الإدارة المدنية وتنسحب الحكومة العسكرية الإسرائيلية.

البند الثامن- النظام العام والأمن

من أجل النظام العام والأمن الداخلي لفلسطينيي الضفةالغربية وقطاع غزة ، سيشكل المجلس قوة شرطة فلسطينية قوية، بينما تواصل إسرائيل تحمل مسؤولية الدفاع ضد الأخطار الخارجية وكذلك مسؤولية الأمن العام للإسرائيليين من أجل حماية أمنهم الداخلي والنظام العام.

البند التاسع- القوانين والأوامر العسكرية

1- سيخول إلى المجلس التشريعي، وفقا للاتفاق الانتقالي، كل الصلاحيات المنقولة إليه.

2- سينظر الطرفان معا في القوانين والأوامر العسكرية المتداولة في المجالات المتبقية.

البند العاشر- لجنة الارتباط المشتركة

من أجل تأمين تطبيق سهل لإعلان المبادئ هذا وأي اتفاق لاحق متعلق بالفترة الانتقالية، وفور دخول إعلان المبادئ حيّز التنفيذ، سيتم تشكيل لجنة ارتباط فلسيطية-إسرائيلية مشتركة لمعالجة قضايا تتطلب التعاون، وقضايا أخرى ذات اهتمام مشترك.

البند الحادي عشر- التعاون في المجالات الاقتصادية

اعترافا بالمنفعة المتبادلة للتعاون بتشجيع تطوير الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، وفور دخول إعلان المبادئ هذا حيّز التنفيذ، سيتم تشكيل لجنة تعاون اقتصادية فلسطينية-إسرائيلية من أجل تطوير وتطبيق- ضمن روح تعاونية- البرامج المشار إليها في البروتوكولات المرفقة كالملحقين الثالث والرابع.

البند الثاني عشر- الارتباط والتعاون مع مصر والأردن

سيقوم الطرفان بدعوة كل من الأردن ومصر للمشاركة في تشكيل مزيد من ترتيبات التعاون والارتباط بين حكومة إسرائيل والممثلين الفلسطينيين من جهة، وحكومتي الأردن ومصر من جهة أخرى، لتشجيع التعاون بينهم، وستشتمل هذه الترتيبات تكوين لجنة متابعة ستقرر، من خلال اتفاق، ماهية صيغة دخول، لأشخاص شردوا من الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967.

البند الثالث عشر- إعادة انتشار القوات الإسرائيلية

1- بعد دخول إعلان المبادئ حيّز التنفيذ، وليس أبعد من عشية انتخابات المجلس، ستتم إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، إضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية المنصوص عليه وفقا للبند الرابع عشر.

2- وبإعادة انتشار قواتها العسكرية ستتبع إسرائيل المبادئ التي تفيد أنه يجب إعادة نشر قواتها العسكرية خارج المناطق السكانية.

3- سيتم تطبيق تدريجي لعمليات إعادة انتشار أخرى إلى مواقع محددة وفقا لتولي مسؤوليات تجاه النظام العام والأمن الداخلي من قبل قوة الشرطة الفلسطينية، المنصوص عليها في البند الثامن.

البند الرابع عشر- الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ومنطقة أريحا

ستنسحب إسرائيل من قطاع غزة ومنطقة أريحا حسبما هو مفصل في البروتوكول المرفق بالملحق رقم2.

البند الخامس عشر- حل النزاعات

1- سيتم حل النزاعات الناجمة عن تطبيق أو تفسير إعلان المبادئ هذا، أو أية اتفاقات متعلقة بالفترة الانتقالية بواسطة التفاوض من خلال لجنة الارتباط المشتركة التي ستشكل وفقا للبند العاشر.

2- يمكن حل النزاعات التي لا يمكن للمفاوضات تسويتها من خلال آلية توفيق يتفق الأطراف عليها.

3- يمكن للأطراف اللجوء إلى التحكيم في نزاعات متعلقة بالفترة الانتقالية، والتي لا يمكن حلها بواسطة التوفيق. وإلى هذا الحد، وفور موافقة الطرفين، يشكلان لجنة تحكيم.

البند السادس عشر- التعاون المتعلق بالبرامج الإقليمية

ينظر الطرفان إلى مجموعات عمل المحادثات المتعددة الأطراف كأداة ملائمة لترويج (خطة مارشال): برامج إقليمية وأخرى تشتمل على برامج خاصة للضفة الغربية وقطاع غزة ، كما هو مشار إليه في البروتوكول المرفق بالملحق رقم4.

البند السابع عشر- فقرات مختلفة

1- يدخل إعلان المبادئ حيّز التنفيذ بعد شهر على توقيعه.

2- كل البروتوكولات الملحقة بإعلان المبادئ هذا والتفاصيل المتفق عليها المتعلقة به يجب أن تعتبر كجزء واحد منه.

حرر في واشنطن، وشهد عليه الولايات المتحدة والاتحاد الروسي.

التصديق على الاتفاقية

وبعد ثلاثة أيام من النقاشات الحادة في شأن الاتفاق الذي وقّع في واشنطن يوم (20 سبتمبر 1993 م) وافق الكنيست الإسرائيلي بأغلبية 61 صوتا مقابل خمسين صوتا على الاتفاق . بينما اعتبر اليمين الإسرائيلي الاتفاق بداية تخلي إسرائيل عن كامل المناطق المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

كما استطاع ياسر عرفات أن يحصل على موافقة المجلس المركزي لمنظمة التحرير بإقرار الاتفاق. وعلى الرغم من حصول عرفات على هذه الموافقة فإن المعارضة الفلسطينية التي تمثلها حماس الإسلامية والمنظمات الوطنية الأخرى رفضت الاتفاق جملة وتفصيلا.

رسائل الاعتراف المتبادل

  • الرسالة الأولى من عرفات إلى رابين

في 9 سبتمبر 1993 م

السيد رئيس الوزراء

إن توقيع إعلان المبادئ ينبئ بعهد جديد في تاريخ الشرق الأوسط. وإنني بدافع الاقتناع الجازم بذلك أود أن أؤكد التعهدات التالية لمنظمة التحرير الفلسطينية:

إن منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق دولة إسرائيل بالعيش في سلام وأمن. وتوافق منظمة التحرير الفلسطينية على القرار رقم 242 والقرار رقم 338 لمجلس الأمن الدولي.

إن منظمة التحرير الفلسطينية تلتزم بمسيرة السلام في الشرق الأوسط وبالمشاركة في إيجاد حلّ سلمي ينهي النزاع بين الطرفين وتعلن ان جميع المسائل المعلقة التي ترتبط بالوضع الدائم سيتم تسويتها عن طريق التفاوض.

وتعتقد منظمة التحرير الفلسطينية أن توقيع إعلان المبادئ يعد حدثا تاريخيا ينبئ ببدء عهد جديد من التعايش السلمي يكون خاليا من العنف وأي عمل آخر يمكن أن يعرض للخطر السلام والاستقرار. ومن ثم فإن منظمة التحرير تتخلى عن الإرهاب وعن أي عمل من أعمال العنف وستتحمل المسؤولية بالنسبة إلى كل عناصر وموظفي منظمة التحرير الفلسطينية. وتتعهد بتدارك أي انتهاك لهذه التعهدات وباتخاذ إجراءات تأديبية ضد أي مخالف لها.

ومنظمة التحرير الفلسطينية إذ تستقبل عهدا جديدا وتوشك أن توقع إعلان المبادئ في إطار الموافقة الفلسطينية على القرار 242 والقرار 338 لمجلس الأمن تؤكد أن مواد ونقاط الميثاق الفلسطيني التي تنكر حق إسرائيل في الوجود وأيضا نقاط الميثاق التي تتعارض مع التعهدات الواردة في هذه الرسالة أصبحت عديمة الأثر وغير سارية المفعول. وبالتالي ستعرض منظمة التحرير الفلسطينية على المجلس الوطني الفلسطيني التغييرات الضرورية في الميثاق الفلسطيني للموافقة عليها.

المخلص ياسر عرفات

رئيس منظمة التحرير الفلسطينية

  • الرسالة الثانية من عرفات إلى وزير الخارجية النرويجي جوهان هولست في 9 سبتمبر 1993 م

سعادة وزير خارجية النرويج

أود أن أؤكد لكم أن تصريحاتي العلنية ستتضمن المواقف التالية عن توقيع إعلان المبادئ:

على ضوء العهد الجديد الذي ينبئ به توقيع إعلان المبادئ فإن منظمة التحرير الفلسطينية تشجع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وتدعوه إلى المشاركة في التدابير التي تؤدي إلى التطبيع ورفض العنف والإرهاب والإسهام في تحقيق السلام والاستقرار والمشاركة الإيجابية في التعمير والتنمية الاقتصادية والتعاون.

المخلص ياسر عرفات

رئيس منظمة التحرير الفلسطينية

السيد ياسر عرفات

رئيس منظمة التحرير الفلسطينية

ردا على رسالتكم المؤرخة 9 سبتمبر 1993 م أود أن أعلن لكم أنه على ضوء تعهدات منظمة التحرير الفلسطينية الواردة في هذه الرسالة فقد قررت الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل للشعب الفلسطيني وبدء مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية في إطار مسيرة السلام في الشرق الأوسط.

إسحق رابين

رئيس وزراء إسرائيل

دوافع اتفاق السلام

يتساءل المراقبون السياسيون عن دوافع هذا الاتفاق، وما الذي سيحققه الطرفان من مكاسب؟

تجيب النيويورك تايمز على هذا التساءل، فتنقل تصريحا لوزير خارجية إسرائيل السابق أبا ايبان يوضح فيه دوافع هذا الاتفاق فيقول:

• التنظيم الفلسطيني يبدو في أخفض درجاته، فلا تواجه منظمة التحرير الفلسطينية متاعب مالية وحسب، بل إن الفلسطينيين يزداد تململهم كل يوم.

• كما وأن الانتفاضة تحقق كل يوم المزيد من النجاح.. ويصب ذلك كله في مصلحة المتشددين الأصوليين.

ونحن نعتقد أن العامل الأخير الذي ذكره أبان إيبان بتواضع شديد.. هو السبب في حرص إسرائيل على توقيع هذا الاتفاق مع منظمة التحرير.

بل إن أحد الشروط الإسرائيلية من أجل الاعتراف بمنظمة التحرير كان تعهد الأخيرة بتصفية الانتفاضة ومحاربة المنظمات الأصولية[5].

ردود الفعل المختلفة على إعلان المبادئ

1- في إسرائيل كانت ردود الفعل عنيفة ضد الإعلان وخاصة من قبل حزب الليكود بزعامة شامير الذي وصف الاتفاق بأنه بداية تخلي إسرائيل عن أهدافها.

2- في الأردن صرّح مسؤولوه بأن بلادهم مستاءة من عدم إحاطتها علما وبشكل مسبق بالاتفاق الذي توصلت إليه إسرائيل ومنظمة التحرير.

3- أما دمشق فقد شعرت بالمرارة حيال المنظمة التي فضلت العمل السري للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل دون أن تعير التنسيق بين دول الطوق العربي أي اهتمام.

4- حركة الإخوان المسلمين أصدرت بيانا استنكرت فيه الاتفاق، وأكدت الثوابت العقائدية التي تنطلق منها بالنسبة للقضية الفلسطينية وهي:

إن قضية فلسطين لا تخص الشعب الفلسطيني وحده إنما هي قضية كل العرب والمسلمين، والعمل على تحرير فلسطين فريضة على كل مسلم ومسلمة.

5- أما حركة حماس فقد أصدرت بيانا مفصلا جاء فيه:

إن مشروع غزة-أريحا لا يمثل إلا حفنة من القيادات المنتفعة والمستسلمة لإرادة العدو، وهي مؤامرة كبرى تستهدف شعبنا وقضيتنا وأمتنا.

6- أما في الغرب فقد حذرت الصنداي تلغراف[6] الدول الغربية من أن تنسى أن وجود الدولة العبرية كان بقرار من الغرب، باعتبارها ضرورة في هذه المنطقة الحساسة والحيوية، للتصدي للأصولية الإسلامية المقلقة.. وعلى دول الغرب أن تتأكد من أن هذه الاتفاقية أو غيرها يجب أن توفر الأمن للـدولة اليهودية فإسرائيل تتألف من أرض وفكرة وما زال كلاهما بحاجة إلى من يدافع عنهما.

7- ولقد أكد تقرير سري أعده مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة تــل أبيب ونشــرت صحيفـــة ها آرتز مقتطفات منه أنه على إسرائيل مهما تكن الاتفاقات لتي تعقدها مع جيرانها أن تحتفظ بسيطرتها على مصادر المياه في الأراضي المحتلة في حال انسحاب جيشها بما فيها الآبار الجوفية في شمال السامرة(!) عند تقاطع الحدود الإسرائيلية السورية الأردنية وبين إسرائيل ولبنان[7].

هل نحتاج إلى خلاصة؟

وإذا كان من كلمة نختتم بها هذا الفصل فهي.. أن إسرائيل أدركت قبل غيرها.. خاصة بعد الانتفاضة المباركة وميلاد حركة حماس الإسلامية.. أنها إن لم تحقق سلاما هزيلا مع منظمة التحرير اليوم.. فلن تكون قادرة عليه في مستقبل قريب.. فالأصولية الإسلامية لا تعترف بمثل هذه الاتفاقات!!.

[1] فلسطين المسلمة- ديسمبر 1992 .

[2] 15/12/1992 م.

[3] 18/12/1992 .

[4] 18/12/1992 .

[5] ميد، 22 سبتمبر 1993 .

[6] 3 أكتوبر 1993 .

[7] 19 أكتوبر 1993 .

انتفاضة الأقصى

(29)
انتفاضة الأقصى

كامب ديفيد الثانية

خمس سنوات مضت على اتفاقيات أوسلو.. وهي المدة التي اعتمدوها لإنجاز السلام وقيام الدولة الفلسطينية.. الدولة التي هي في نظر الإسرائيليين مجرد حكم ذاتي على مُزع من فلسطين.. وفي نظر منظمة التحرير هي دولة مستقلة ذات سيادة تقوم على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة . وسارع الوكيل الأمريكي المتمثل بكلنتون وفريقه اليهودي، إلى عقد سلسلة من اللقاءات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في شبردز تاون، ثم في كامب ديفيد، ثم في شرم الشيخ. لقاءات تهدف إلى إنهاء القضية لصالح إسرائيل.. تباينت اللقاءات والصياغات وتوحد الهدف.

وعندما رفض الفلسطينيون التنازل عن القدس، وعن حق عودة اللاجئين، هاج الوكيل الأمريكي - اليهودي وماج، وهدّد وتوعدّ .. وكانت انتفاضة الأقصى الرد الشعبي الحاسم والجازم على افتراءات الاحتلال والتهديد الأمريكي. لقد كانت زيارة زعيم حزب الليكود الإرهابي أرئيل شارون إلى المسجد الأقصى صباح الخميس 28 سبتمبر 2000 م هي الشرارة التي انطلقت منها انتفاضة الأقصى والتي حولت فلسطين كلها إلى ساحة حرب حقيقية بين أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل إلا من إيمانه، وجنود الاحتلال الصهيوني المدججين بكل أنواع الأسلحة.

انتفاضة الأقصى المبارك يوم 28 سبتمبر 2000 م

لقد سجلت الانتفاضة، منذ أيامها الأولى، جملة من الحقائق لا يمكن التغاضي عنها:

1- فقد أعادت الصراع إلى طبيعته الأولى.. بين فلسطيني أعزل يدافع عن أرضه وشعبه ومقدساته، وبين محتل جاء من مختلف البلدان ليحتل أرضا ليست أرضه وليهجّر شعبا ليحلّ محله.

2- وأظهرت الانتفاضة أن الصراع بين الفلسطينيين واليهود هو صراع حضاري عقائدي ديني عنوانه المسجد الأقصى والأرض التي باركها الله وبارك حولها.

3- وأظهرت أن جميع المؤتمرات التي عقدها الفرقاء وأسموها مؤتمرات للسلام.. لم تكن أكثر من إخراج لمسرحية إحتلال اليهود لفلسطين.. والقفز منها عبر الشرق أوسطية التي ابتكرها شمعون بيريز إلى بقية بلدان الشرق الأوسط للسيطرة عليها سياسيا واقتصاديا، وتسخير إمكانات المنطقة لصالحهم.

4- وأظهرت أن زيارة الإرهابي شارون إلى المسجد الأقصى بحماية أكثر من ألفي جندي صهيوني، لم تكن ارتجالية، بل مخططا لها ومتفقا عليها بين شارون وباراك (قطبي الإرهاب).. كما بدت جزءا من الأجندة الصهيونية لفرض سياسة الأمر الواقع في القدس.. وهذا ما عبر عنه رئيس وزراء إسرائيل باراك صراحة حين قال: إن استراتيجيته هي تفجير الموقف واستغلال التفجير لمصلحة إسرائيل.

5- وأظهرت الانتفاضة أن الشعب العربي والشعوب الإسلامية في كل أنحاء العالم.. على الرغم من كل الضغوط التي يتعرضون لها.. ومن كل غسيل المخ الذي يمارس ه الإعلام الموجه لقلب الحقائق، وإقناع الأمة بأن اليهود أصبحوا صناع السلام.. على الرغم من كل ذلك.. فقد انتفض الشعب المسلم يطالب بالحقوق وينادي بالجهاد ويدعو للمقاطعة.. لقد كان تعليق باراك رئيس وزراء إسرائيل مريرا عندما علم أن مليون إنسان خرجوا في الرباط يتظاهرون من أجل القدس.. الرباط التي كانت عرّاب الاتصالات بين اليهود والعرب.

6- وأظهرت الانتفاضة أن أمريكا التي صوروها كالقدر الذي لابد من الاستسلام له، أصيبت في هيبتها وسمعتها ومصالحها بضرر أشد من أي ضرر كان يمكن أن يسببه قطع النفط، لأنه ضرر أصاب الجذور والأصول.. وتبناه الشاب والفتاة في وجه الاستعلاء الأمريكي - اليهودي.

7- وأظهرت الانتفاضة بجلاء أن الفلسطينيين لم يتعبوا من النضال وهم مستعدون للشهادة في سبيل مقدساتهم.. كما أظهرت فشل استراتيجية الردع الإسرائيلية، وهو استخدام القوة المفرطة لإرغام الفلسطينيين على الاستسلام. ولقد اعترف رئيس وزراء إسرائيل باراك بهذه الحقيقة عندما قال: إن السنوات الأخيرة حملت ثلاثة مؤشرات تعمل معا على تهديد وجود دولة إسرائيل وهي: تعاظم التطرف الإسلامي، الذي لا يقبل أي كيان يهودي مستقل حتى لو كان أسميا، وتصاعد الكراهية لإسرائل، كما عليه الحال في وسائل الإعلام العربية وفي كتب التعليم وفي الوعظ في المساجد وفي التوجيهات، وأخيرا تحضيرات مكشوفة للحرب من جانب مصر..

مفاوضات المرحلة النهائية

عندما سقط نتنياهو زعيم الليكود وجاء بعده يهودا باراك زعيم حزب العمل إلى رئاسة الوزارة في إسرائيل.. أعلن الأخير أنه حمامة السلام وأنه صانعه مع الفلسطينيين.. أما حقيقة موقفه فهو مزيج من المراوغة والعداء.. وبدلا من تطبيق الحلول الجزئية التي تتطلب بعض الانسحابات من الأرض المحتلة.. طالب بالدخول مباشرة في مفاوضات الحل النهائي.. بقضاياه الأساسية وهي: القدس، المستوطنات، اللاجئون، الحدود... إلخ، وهي قضايا تمثل حقيقة الصراع الحضاري بين المسلمين من جهة والغرب وطليعته إسرائيل من جهة أخرى.

أما القدس

فهدف التحالف اليهودي - الأمريكي هو اغتصاب القدس الشريف، وفرض سيادة الكيان الصهيوني عليه.

لقد دأب منظرو الحركة الصهيونية منذ منتصف القرن التاسع عشر على التأكيد بأن هدف الحركة الصهيونية هو احتلال القدس وجعلها عاصمة إسرائيل. لقد لحق القدس من أذى اليهود الكثير، كما وأن حركة التهويد بلغت حداشوه شكل المدينة الديموغرافي والحضاري، ووصل إلى كل المستويات السياسية والقانونية والعمرانية والسكانية والتعليمية والثقافية.

لقد ركز الاستيطان اليهودي على منطقة القدس ففي الوقت الذي كان اليهود يشكلون أقلية في جميع المدن الفلسطينية في العام 1947 م، كانت المفاجأة أن نجحوا في جعل غالبية سكان القدس من اليهود، فنسبة اليهود إلى العرب أخذت ترتفع من 29% عام 1921م، إلى 34% عام 1931م، إلى 40% عام 1944م، حتى وصلت إلى 60% عام 1947 م عشية التقسيم، حين أصبح عدد اليهود 99400 مقابل 65100 عربي[1].

وعندما عرضت المشكلة الفلسطينية على هيئة الأمم المتحدة في العام 1947 م، شغلت القدس منها حيزا بارزا، ففي قرار التقسيم رقم 181 الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 1947 م، نص القرار على أن التدويل هو أفضل وسيلة لحماية جميع المصالح الدينية في المدينة المقدسة، وجعل القرار منطقة القدس (منطقة منفصلة تخضع لنظام دولي خاص وتدار من قبل الأمم المتحدة. وقد حدد القرار المذكور حدود القدس الخاضعة للتدويل، بحيث شملت بلدية القدس والقرى والمدن المحيطة بها، فتكون قرية أبوديس أقصاها شرقا، وبيت لحم أقصاها جنوبا، وعين كارم غربا، وشعفاط شمالا)[2].

ومع نشوب حرب 1948م، ضغطت القوات الإسرائيلية باتجاه القدس، واستطاعت تحقيق نصف الحلم الصهيوني، إذ احتلت 2،66% من المساحة الكلية لمدينة القدس، وأعلنت القسم الذي احتلته (القدس الغربية) عاصمة لها، أما البلدة القديمة فقد ظلت في يد العرب وضُمت للأردن غير أن المجتمع الدولي لم يعترف لا بإعلان القدس الغربية عاصمة لإسرائيل، ولا بإعلان الأردن، واستمرت الأمم المتحدة على تأكيدها للقرار 181 القاضي بتدويل المدينة.

في السابع من يونيو 1967م، أتم الجيش الإسرائلي احتلال مدينة القدس، وبدأت إسرائيل حملة واسعة ومكثفة لتهويد المدينة، (فبعد أيام قلائل من حرب الأيام الستة، أجرت الصحفية اليابانية أساهي شيمبون مقابلة مع ديفيد بن جوريون، تحدث فيها عن مستقبل المناطق التي احتلتها إسرائيل في هذه الحرب، فقال: أن إسرائيل ستنسحب من شبه جزيرة سيناء بعد توقيع اتفاق سلام مع مصر، والأمر ذاته سيحدث مع سوريا، أما في الضفة الغربية فإنه ستقام دولة تتمتع بحكم ذاتي، برعاية الأمم المتحدة، لكننا سنحتفظ بالقدس إلى الأبد، على الرغم من جميع القرارات التي ستتخذها الأمم المتحدة، فالقدس كانت عاصمة إسرائيل على امتداد ثلاثة آلاف سنة، وستبقى كذلك في المستقبل)[3]. وفي اليوم الأول لاحتلال القدس الشرقية، في 7 يونيو 1967، وقف موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي أمام حائط البراق، وقال: (لقد أعدنا توحيد المدينة المقدسة، وعدنا إلى أكثر أماكننا قدسية، ولن نبارحها أبدا) [4].

إجراءات تهويد القدس

أولا- قوانين الضم

أصدر الكنيست الإسرائيلي في 27 يونيو 1967م قانونا بإضافة فقرة جديدة إلى قانون الإدارة والنظام لسنة 1948م، تخول حكومة إسرائيل تطبيق ذلك القانون على أية مساحة من الأرض ترى الحكومة ضمها إلى أرض إسرائيل.

وفي اليوم التالي قامت الحكومة بإصدار مرسوم بضم القدس الشرقية.

وفي 28 يونيو 1967م، نشر وزير الداخلية إعلانا في الجريدة الرسمية بشأن (توسيع حدود بلدية القدس) ضمت بموجبه كامل المنطقة التي حددتها الحكومة سابقا بمرسوم، إلى منطقة بلدية القدس)[5].

ثانيا- إجراءات المصادرة

بعد إكتمال عملية ضم القدس قانونيا، سارعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى تطبيق (قانون أملاك الغائبين) على جميع العرب في القسم الجديد المحتل، وفتحت مكاتب حكومية في القدس للمباشرة في تسجيل جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة التي تخص أولئك الغائبين، ونتيجة لهذه الإجراءات وضعت سلطات الاحتلال أيديها على مساحة واسعة مما تبقى لعرب القدس من أرض وعقارات، وتشمل المساحة المصادرة أربعة أحياء عربية تقع خلف الحرم الشريف وهي: حي المغاربة، وحي باب السلسلة، وحي الشرف، وحي الباسورة.

وهكذا تقلصت الملكية العربية للأراضي في القدس إلى حوالي 14%، بينما كانت في أوائل 1948، تعادل 84%[6].

ثالثا- الاستيطان

تزامنت عمليات الاستيطان داخل البلدة القديمة مع إجراءات التهويد الأخرى، وبدأت عام 1968 م، بالشروع في إقامة حزام من الأحياء السكنية اليهودية من الناحيتين الشمالية والجنوبية. واستطاعت سلطات الاحتلال، أن توجد ضمن القدس وحولها ما يقارب من خمسة وعشرين مستوطنة تخنق المدينة المقدسة وتشوه طابعها التاريخي والديموغرافي.

رابعا- التغيير

شرعت إسرائيل عقب استيلائها على القدس الشرقية في تغيير الطابع العمراني للمدينة، وتشويه معالمها الأثرية والحضارية، وطمس هويتها الإسلامية، وشملت الإجراءات التي اتخذتها لتحقيق هذا الهدف:

• هدم الأحياء والعقارات الإسلامية في المدينة بما تشتمل عليه من مساجد وأسواق ومكتبات ومعالم حضارية أخرى.

• إجراء الحفريات الواسعة في المنطقة الملاصقة للحرم الشريف، ثم أعقبتها بالحفريات الجوفية تحت أساسات العقارات والأسواق الإسلامية المحيطة بالحرم الشريف، وقد أدت هذه الحفريات إلى إحداث تشويهات عديدة عند سور الحرم الجنوبي، وفي الجهة الشمالية.

خامسا- الطرد والترحيل

منذ وقعت القدس الشرقية تحت وطأة الاحتلال الصهيوني والسلطات الإسرائيلية تمارس كل سبل الاضطهاد والتعسف والإيذاء، ضد سكانها العرب، عبر حملة تطهير عرقي، وتركزت هذه الحملة في الأمور التالية:

• تفريغ القدس من سكانها الأصليين، فقد اعتبرتهم طارئين عليها، وليسوا مواطنين، وسعت إلى طردهم منها وسحب هويتهم، فأزمة السكن الخانقة المترتبة على سياسة هدم البيوت وعدم السماح بالبناء، أدت إلى حرمان 82 ألفا من حق الإقامة في المدينة المقدسة بعد أن اضطروا للسكن خارجها. وقد نجح هذا المخطط إلى حد كبير فنسبة العرب اليوم في القدس بشطريها لا تتعدى 26% من عدد السكان، وما زالت إسرائيل تصر على طرد جميع العرب والمسلمين من القدس[7].

• الاعتداء على حقوق الإنسان الفلسطيني، فقد أثبت تقرير أعده المركز الإعلامي الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن 21 ألف فلسطيني من المقيمين في القدس، لا يسكنون في مسكن ملائم، بل يقيمون في أقبية وخيام، حيث تؤدي إقامتهم في مسكن صحي خارج المدينة إلى فقدانهم لوضع (مقيم في المدينة المقدسة).

• فرض الضرائب الباهظة حيث ثبت أن أعلى نسبة ضرائب في العالم هي المفروضة على سكان القدس.

سادسا- التشويه الثقافي والتعليمي

يعتبر الجانب التعليمي والثقافي في القدس من المجالات التي تعرضت للتهويد المتعمد على أيدي سلطات الاحتلال الصهيوني، فعندما وقعت القدس تحت الاحتلال عام 1967م. عمدت سلطات الاحتلال إلى إلغاء مناهج التعليم العربية، وفرضت المناهج الإسرائيلية المحتوية على الكثير من التحريف خاصة في مواد التاريخ والجغرافيا.

السيادة على القدس

تعتبر قضية القدس المشكلة الأكثر تعقيدا في مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فمواقف الأطراف بشأنها متناقضة وغير قابلة للحلول الوسط. فالمسلمون واليهود لا ينظرون إلى قضية القدس بوصفها قضية سياسية فقط، بل كقضية تتعلق بأماكن مقدسة، فالقدس هي العصب الحساس والمكهرب في السياسة الإسرائيلية، ولا يوجد حزب في الكيان الصهيوني يقبل فكرة اقتسام السيادة على القدس مع الفلسطينيين، وعلى الجانب الآخر فالفلسطينيون يرفضون المزاعم الإسرائيلية التي تنوي احتكار السيادة على القدس، ولا يترددون في الإعلان عن أنهم سوف يتخلون عن القيادة الفلسطينية إذا تخلت القيادة عن القدس[8]، ومن ثم، فإن أي تنازل من الطرفين، حتى ولو كان جزئيا، سيهز شرعية الطرف الذي يقدم على هذا التنازل.

وقبل الخوض في تفاصيل السيادة لابد من إلقاء نظرة على الواقع الحالي للمدينة، حيث الحديث عن أكثر من قدس له الكثير من المبررات لفهم ما جرى وما يجري في المدينة، فالباحث المتخصص في القضية الفلسطينية وليد الخالدي[9] يقسم القدس الحالية إلى خمسة أقداس:

• القدس الأولى: البلدة القديمة داخل الأسوار في الطرف الشرقي من حدود الهدنة عام 1967م، وتضم كنيسة القيامة، وحائط البراق، والحرم الشريف بمسجديه الأقصى وقبة الصخرة.

• القدس الثانية: هي الحدود البلدية القديمة إلى جانب الأحياء الواقعة شمالها وجنوبها، وهذه القدس العربية عند بداية حرب 1967م.

• القدس الثالثة: وهي القدس الغربية التي كانت عاصمة إسرائيل حتى عام 1967م، وتقع غرب حدود الهدنة عام 1967م.

• القدس الرابعة: وتضم القدسين الأولى والثانية، وهي الحدود الموسعة شرق حدود الهدنة، وأراضيها ضمت قسرا من أراضي الضفة الغربية.

• القدس الخامسة: هي حدود التخطيط الحضري حول القدس الرابعة وتضم أراضي مساحتها خمسة أمثال مساحة القدس الرابعة، انتزعت من أصحابها وحولت إلى مستعمرات وضواح للقدس ومساحتها 15% من مساحة الضفة الغربية.

مواقف الأطراف من قضية القدس

أولا- الموقف الدولي

منذ طرحت القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة، كانت القدس -وما زالت- من أهم القضايا التي ناقشتها أجهزة الأمم المتحدة. وتمت معالجتها معالجة خاصة في قرار التقسيم 181 الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 1947 ، فقد نص القرار على تدويل القدس كأفضل وسيلة لحماية جميع المصالح الدينية في المدينة.

ومع احتلال الضفة الغربية والقطاع، اعتبرت إسرائيل القدس عاصمة لها وضمتها رسميا وعمدت إلى توسيع رقعة الاستيطان داخل القدس وحولها، ولم تعر أي وزنا لكل القرارات الدولية، ومن جانبها أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات تالية، دعت فيها إسرائيل إلى إلغاء الضم، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه تغيير وضع القدس وهو ما نص عليه القرار 2253، وأكدت قرارها السابق بالقرار 2254 في 14 يوليو 1967م[10].

ثانيا- موقف العدو الإسرائيلي

الموقف الإسرائيلي من مسألة السيادة على القدس واضح، عبر عنه مؤسس الصهيونية هرتزل بقوله: (إذا حصلنا يوما على القدس، وكنت ما أزال حيا وقادرا على القيام بشيء، فسوف أزيل كل شيء مقدسا عند غير اليهود فيها، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون)[11].

ثالثا- موقف السلطة الفلسطينية

كان الحديث عن القدس وإلى أن بدأت المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، يعني القدس بشقيها، لكن وبعد توقيع إعلان المبادئ في 13 سبتمبر 1993 م، والاتفاق على أن يكون إطار الحل قراري 242 و338، اللذين يتناولان الأراضي الفلسطينية التي احتلت سنة 1967م فقط، فقد أصبح الحديث عن القدس يعني (القدس الشرقية)، ولم يعامل الموقف الفلسطيني القدس معاملة خاصة، إنما تعامل معها على أساس أنها جزء من الأراضي المحتلة،، ومع ذلك، ثمة شبه إجماع بين القيـادة الفلسطينيـة على أن نهايـة الاحتلال قد لا تنتهي بالضرورة إلى إعادة تقسيم المدينة، ففيصل الحسيني، المكلف بملف القدس في السلطة الفلسطينية، يقترح منذ زمن (قدسا مفتوحة)، فيها عاصمتان وبلديتان[12]، وبعبارة أخرى فإن منظمة التحرير الفلسطينية لديها مطلبان لا يمكن التنازل عنهما، وهما: استعادة السيادة على أراضي القدس الشرقية، وإنشاء عاصمة وطنية على الأراضي التي تستعيدها.

رابعا- الموقف العربي

لا يختلف الموقف العربي عن موقف السلطة الفلسطينية، فالدول العربية تطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة ومنها مدينة القدس، وعودة السيادة العربية على القسم الشرقي من المدينة، فقد ورد نص خاص يتحدث عن القدس العربية، كعاصمة للدولة الفلسطينية المقترحة في مشروع السلام العربي الذي أقر في مؤتمر فاس بالمغرب عام 1982م. وقد تم تشكيل لجنة باسم (لجنة القدس)، يرأسها العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، وبقيت المواقف العربية بشأن القدس تقف عند حدود الدعم الرسمي دون أن تترجم إلى إجراءات عملية وفعلية.

خامسا-الموقف الأمريكي

من النظرة السريعة على الموقف الأمريكي، نجده ينطلق من الوضوح في تأييد الشرعية الدولية، وينتقل إلى الغموض، ثم إلى الوضوح مرة أخرى، ولكن هذه المرة، يأتي متلائما مع الموقف الإسرائيلي.

الموقف الإسلامي الشعبي

ينطلق هذا الموقف من أن فلسطين (أرض وقف إسلامي)، وبالتالي فهي موقوفة (على المسلمين إلى يوم القيامة، لا يجوز التفريط فيها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها)[13].

الحلول المقترحة

على الرغم من وضوح مصطلح (السيادة على مدينة القدس)، إلا أن هذا المصطلح تعرض خلال سنين الاحتلال الطويلة، وكذلك في مفاوضات الحل النهائي في كامب ديفيد(2)، إلى العديد من التفسيرات.. مثل:

سيادة إلهية

وقد طرحها رئيس الكنيست الإسرائيلي إبراهام بورغ حين قال: إنها مدينة الله ويجب أن تبقى تحت السيادة الإلهية، غير أن عددا من الساسة الإسرائيليين سخروا من هذا الاقتراح واعتبروه ضربا من الوهم.

سيادة دولية

قضية تدويل القدس ليست طارئة فقد طرحت منذ بداية المشكلة، وتجددت هذه الطروحات في الأونة الأخيرة بعد تمسك كل طرف بموقفه. الجانب الإسرائيلي من جهته يرفض تدويل القدس. بينما طالب السيد عمرو موسى وزير خارجية مصر الطرفان الموافقة على (جعل القدس بشطريها الغربي والشرقي مدينة مفتوحة)[14].

ويذكر أن أحمد قريع المسؤول في السلطة الفلسطينية صرح بأنه يقبل بتدويل السيادة على القدس غير أن أطرافا أخرى في السلطة ردت عليه بقولها: أنه يمثل موقفه الشخصي.

سيادة مشتركة

وقد كان هذا الاقتراح خليطا من اقتراحات شتى حاولت الإدارة الأمريكية تجميعها في صيغة واحدة، إذ طرحت اقتراحا يتم فيه تقسيم الحرم إلى أربعة أجزاء: جزء يضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وجزء يضم باحة الحرم، وثالث يضم السور الخارجي للحرم، ورابع يشمل الفراغات الأرضية تحت أساسيات الحرم.

سيادة ما تحت الأرض وما فوقها

وكانت هذه آخر صرعة تقدمت بها الحكومة الإسرائيلية، إذ نقلت صحيفة (هآرتس) عن دوائر قريبة من مكتب باراك أن إسرائيل تكتفي الآن (ببسط سيادتها على الفراغ الواقع تحت أرضية الحرم الشريف)، كما نقلت عن مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية قوله (أن إسرائيل لا تطالب بسيادة الأقصى ومسجد قبة الصخرة وساحات الحرم التي تعد مواقع مقدسة للمسلمين في الحرم، بل تطالب ببسط سيادتها على الفراغات الأرضية الواقعة تحت الحرم).

تحويل الحرم إلى سفارة

وهذا الاقتراح قدم من قبل وزير العدل الإسرائيلي يوسي بيلين والذي قال: إنه يمكن منح الحرم المقدسي وضعا شبيها بسفارة مع إمكان رفع العلم الفلسطيني عليه.

صيغة اللاسيادة

وهي صيغة طرحت بعدما تعقدت قضية السيادة من حيث تعريفها ومن حيث حدودها، ولهذا كانت بعض الاقتراحات الإسرائيلية والأمريكية قد طرحت مفهوم الوصاية والذي لا يحمل أي صفة من صفات السيادة، وقد رفض هذا الطرح من قبل السلطة الفلسطينية.

سيادة المؤتمر الإسلامي

وهو الطرح الذي تقدمت به السلطة الفلسطينية وذلك عبر تفويض لجنة القدس بالسيادة على الحرم، غير أن باراك رد ردا قاطعا بالقول: (لن نسمح بسيادة إسلامية ولا دولية على الحرم).

وهكذا نجد أن الصراع على القدس هو الصراع الإسلامي اليهودي، بكل معانيه وأبعاده التاريخية والحضارية والسياسية والدينية. وهكذا أعيدت الأزمة إلى نقطة المركز، إلى المسجد الأقصى والسيادة عليه، هل هي للمسلمين، أم لليهود، أم للنصارى؟

مشكلة اللاجئين الفلسطينيين

لقد كانت ثمة خطة منذ البداية لطرد الفلسطينيين والاستيلاء على منازلهم، ففي مارس عام 1948 أصدر قادة العدو أوامر صريحة بالاستيلاء على المدن والقرى الفلسطينية وطرد سكانها وتدمير المعادية منها، وقد قام القادة العسكريون بتنفيذ الخطة عن طريق ترويع السكان وإرغامهم على الفرار من منازلهم إلى خارج البلاد وتلمس النجاة من نيران المدافع والمتفجرات، بل إن وسائل النقل كانت جاهزة لنقلهم إلى خارج الحدود واللجوء إلى الدول العربية المجاورة، لقد كانت مذبحة دير ياسين في إبريل عام 1948 حدثا بالغ الأثر في تفريغ فلسطين من سكانها العرب، بل لقد ذكر مناحيم بيجن أنه (لولا دير ياسين ما قامت إسرائيل).

وقد ظل موقف الأمم المتحدة تجاه مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قائما على أساس قرار الجمعية العامة رقم 194 الصادر بتاريخ 11 من ديسمبر عام 1948، وقد دأبت سنويا على تأكيد هذا القرار الذي ينص على عودة اللاجئين وتعويض من لا يرغب منهم في العودة مع تعويض الجميع عن الأضرار التي لحقت بهم.

لقد تسببت حرب عام 1967 أيضا في نزوح عدد كبير من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة ، وكان فرارهم بسبب القتال أو الخوف من انتقام القوات الإسرائيلية التي اتبعت نفس ممارسات عام 1947 و 1948، وأصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 237 لتسهيل عودة السكان الذين فروا.

ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل تفرق بين لاجئي عام 1948 وترى أن يكون حل مشكلتهم في إطار دولي جماعي على أساس توطينهم بالدول العربية وتمويل دولي تسهم فيه، وبين لاجئي عام 1967 (النازحين) الذين تنص اتفاقات أوسلو على أن تتولى لجنة رباعية مشكلة من ممثلين لإسرائيل والأردن ومصر والسلطة الفلسطنية وضع قواعد عودتهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة دون إخلال بالنظام.

الترتيبات الأمنية

منذ إنشاء إسرائيل أصبح الأمن في مقدمة أولوياتها حيث وجدت نفسها قد زرعت في محيط من العداء العربي، فقامت بتدريب قواتها وتسليحها بأحدث الأسلحة وتعهدت لها جميع الإدارات الأمريكية بضمان تفوقها الحربي على جميع الدول العربية مجتمعة.

ولم تخفف معاهدتا السلام مع مصر والأردن من حدة هواجس قادة إسرائيل الأمنية، وأن هذه الهواجس بدت واضحة في الاتفاقات التي عقدها رابين مع الفلسطينيين، ويؤكد ذلك ملاحق الأمن في اتفاقات أوسلو، كما أكد أيهود باراك أن على إسرائيل أن تكون مستعدة للحرب على جميع الجهات بما في ذلك تجدد المواجهة العسكرية مع مصر.

وتقوم نظرية الأمن الإسرائيلية على أساس الاعتماد على النفس بصفة أساسية بالرغم مما قدمته الولايات المتحدة لها من مساعدات حيوية في حروبها، كما لا تثق في قيام قوات أجنبية كقوات طوارئ الأمم المتحدة إلا بدور ثانوي في حفظ السلام، كما ترى الدولة العبرية أن الردع هو الوسيلة الوحيدة التي تحقق لها السلام مع العرب.

المستوطنات

من أكثر القضايا التي يدور حولها الجدل هي قضية الاستيطان. فبينما يعلن تكتل الليكود أن لليهود الحق في أن يقيموا مستوطناتهم على أي جزء من أرض إسرائيل(!)، فإن حزب العمل يعلن أنه لا ضرورة لإقامة المستوطنات السياسية.. ولكن المستوطنات الأمنية هي من الضرورات لأمن إسرائيل.. والخلاف أكثره في الألفاظ. ويمكن تقسيم المراحل الزمنية والمكانية المتعلقة بإنشاء المستوطنات إلى ثلاثة أطوار.

• الطور الأول: يمتد زمنيا نحو عشر سنوات (1967-1977 م)، وفيه وضعت حكومات حزب العمل خطتين للاستيطان. تضمنت الخطة الأولى: استيطان شريط وادي الأردن، الذي ترتب عليه ربط الجليل بالنقب، وفصل الضفة الغربية عن شرق الأردن. حيث يتحول الإستيطان في هذه المنطقة إلى حزام أمني يتحكم بمحاور العبور في جميع الاتجاهات.

وتضمنت الخطة الثانية : توسيع ممر (القدس) الذي كان قائما منذ العام 1948، والقيام بحركة استيطانية في ضواحي المدينة. وقد رسم للمستوطنات في هذه المنطقة أن تشكل جزءا من طوق يتصل بمستوطنات غوش عنسيون (بين بيت لحم والخليل) لقطع الاتصال العربي في القسم الجنوبي من الضفة.

• الطور الثاني: بدأ منذ أواسط السبعينات، ويسمى (طور غوش ايمونيم)[15]. اعتبارا من العام 1976 وحتى العام 1988 ، كان عدد المستوطنات التي تسيطر عليها (غوش ايمونيم) نحو 60 مستوطنة من أصل 125 هو العدد الكلي للمستوطنات التي كانت قائمة آنذاك. وتعد مستوطنة كريات أربع (المتاخمة للخليل) المصدر الرئيس لتزويد مستعمرات هذه الحركة بالمستوطنين بعد استقبالهم وتأهيلهم جزئيا لنمط الاستيطان الذي تقوم به.

• الطور الثالث: بدأ منذ أوائل الثمانينات، ويسمى (طور الضواحي) نظرا لتزامنه مع شدة الطلب على مناطق جديدة بعيدة عن المدن (وخصوصا تل أبيب والقدس) سميت عملية الاستيطان هذه بعملية (الطرد المركزي) وتذكر معلومات إسرائيلية أن نحو 80% من المستوطنين في هذه المناطق جاؤوا بعد صعود الليكود إلى السلطة (عام 1977 م).

في مطلع العام 1992 م أعلن ما يسمى (مجلس مستوطنات يهودا والسامرة) أن عدد المستوطنات الواقعة في الضفة الغربية بلغ 142 مستوطنة يقيم فيها نحو 112 ألف مستوطن و29 مستوطنة تحيط بالمدن يقيم فيها نحو 65 ألف مستوطن.

خطة رابين

أما خطة رابين الجديدة.. فتقوم على خطة ألون أساسا وتضيف إليها أجزاء من خطة الليكود.. فقد قسم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق هي:

1- مناطق استيطان أمني ستضمها إسرائيل وفقا لمشروع ألون.

2- مناطق استيطان أمني خارج مشروع ألون أقر رابين ضمها إلى إسرائيل وهي من مخلفات الليكود.

3- مناطق استيطان سياسي ستسلم إلى الفلسطينيين وفقا لمشروع ألون ورابين..

ولقد أكدت الأمم المتحدة منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية عام 1967 أن هذه الأراضي محتلة وتنطبق بشأنها اتفاقية جنيف الرابعة، كما أصدر كل من مجلس الأمن والجمعية العامة قرارات متعددة تؤكد ذلك وتدين كافة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير الطابع المادي والتركيبة السكانية ووضع تلك الأراضي بما فيها القدس، وأنها تشكل عقبة خطيرة تعرقل تحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، إلا أن إسرائيل وقد امتنعت عن تنفيذ كافة هذه القرارات ادعت لنفسها الحق في إقامة المستوطنات في تلك الأراضي.

وتصر منظمة التحرير على تصفية كافة المستوطنات في أي حلّ نهائي للقضية الفلسطينية، معتبرة بقاءها بمثابة قنبلة قابلة للانفجار في كل لحظة.

مشكلة المياه

تمثل المياه ركنا أساسيا في المشروع الصهيوني للأرض، وبالرغم من التوسع الإقليمي الذي حققته إسرائيل في حرب 1948، إلا أنها ظلت تشعر بأنها لم تستكمل تحقيق أهدافها من السيطرة على مصادر المياه، وفي مؤتمر عقدته بالقدس عام 1953 أقرت مشروعا استغلال مياه نهر الأردن والحصول على المياه من نهر الليطاني، وبعد احتلال إسرائيل للأراضي العربية عام 1967 أصبحت تسيطر على كافة الموارد المائية لنهر الأردن وحالت دون استخدام سوريا ولبنان لمياه الحصباني وبانياس، كما سيطرت على المياه الجوفية في الضفة الغربية، وأتاح غزو لبنان عام 1982 واحتلالها لجنوب لبنان ضخ كميات من مياه نهر الليطاني من خلال نفق شقته تحت الأرض إلى داخل الأراضي الإسرائيلية.

وتدل الاحصاءات على مدى تجاوز إسرائيل لحصتها التي حددتها خطة جونسون عام 1955 ، حيث حددت خطة جونسون لجميع الأطراف المشاطئة في حوض نهر الأردن مقدار 1287 مليون 3م سنويا لاستغلالها في أغراض الري، لكن إسرائيل تجاوزت هذه الحصة بمراحل بعد حرب 1967، ولقد عقد اجتماع غير رسمي في أسلو في مايو عام 1988 بحثت فيه مشروعات المحافظة على المياه، وإنشاء بنك معلومات إقليمية يهدف إلى تزويد مؤسسات المياه في الأردن وإسرائيل وفلسطين بالوسائل الفنية الموحدة لجمع وتخزين البيانات الخاصة بها.

اتفاقات أوسلو تعكس مدى حرص إسرائيل على المحافظة على الوضع الراهن في إدارة واستغلال الموارد المائية في الضفة وغزة، ومن الواضح أن إسرائيل تعلق أهمية كبيرة على تنمية الموارد المائية في المنطقة في إطار التعاون الإقليمي بين دولها، مما يتيح لها الاستفادة من التمويل الدولي لمشروعات تحلية المياه ومن الموارد المائية الكبيرة في تركيا.

مشكلات الحدود

قرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر عام 1947 بشأن تقسيم فلسطين هو القرار الدولي الذي أنشأ إسرائيل وعين حدودها. وقد نصت معاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية على أن تكون الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب هي الحدود الدائمة بين البلدين دون المساس بالوضع النهائي لقطاع غزة ، أما معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية فقد نصت على تحديد الحدود الدائمة بين البلدين على أساس تعريف الحدود وقت الانتداب وبهذا أصبح على منظمة التحرير وإسرائيل الاتفاق على الحدود بينهما.

الدولة في الفكر السياسي الفلسطيني

تراوح الفكر السياسي الفلسطيني بين موقف منظمة فتح التي قامت أساسا لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر.. ثم تطور هذا الموقف على لسان منظمة التحرير.. بعد موافقتها ومشاركتها في مؤتمر مدريد الذي اعترف بإسرائيل قبل عام 1967.. ثم عقدها لاتفاقات أوسلو مع إسرائيل والتي ما زالت منظمة التحرير تخوض في أوحالها حتى اليوم.

وما زالت منظمة (حماس) الإسلامية تنظر إلى أرض فلسطين كوقف إسلامي لا يصح التفريط فيها أو التنازل عن أي جزء منها، كما ترى حماس أن ما يسمى بالحلول السلمية لحل القضية الفلسطينية تتعارض مع عقيدة الحركة ولا حل لهذه القضية إلا بالجهاد، وتتفق حركة الجهاد الإسلامي وجميع الحركات الإسلامية في العالم مع حماس في ذلك.

الكيان الفلسطيني في المنظور الإسرائيلي

تهدف العقيدة الصهيونية إلى إقامة دولة اليهود على كافة الأراضي الفلسطينية باعتبار أن لليهود حقا تاريخيا في كل هذه الأراضي، وأن الأصوليين منهم يعتبرون التفريط في أي جزء من أرض إسرائيل التوراتية يعد معصية كبرى تعرض الشعب اليهودي لنقمة الرب ويرفضون أي سيادة غير يهودية على الأرض.

كما أن هناك توافقا عاما في المواقف الإسرائيلية على عدة مبادئ من أهمها: لا عودة لإسرائيل إلى حدود ما قبل الخامس من يونيو عام 1967، وأن نهر الأردن يمثل حدود إسرائيل الشرقية الأمنية والسياسية، وأنه يجب أن يكون الكيان الفلسطيني منزوع السلاح ولا ينشئ جيشا ولا تدخله قوات أجنبية، وتسيطر إسرائيل على المجال الجوي الفلسطيني، وأن يكون هذا الكيان ناقص السيادة محدود السلطات، ولا يحق له عقد اتفاقات عسكرية، وضرورة بقاء المستوطنات الإسرائيلية، وتظل القدس الموحدة والموسعة عاصمة لإسرائيل وخاضعة لسيادتها.

كما توضع ضمانات كافية لسيطرة إسرائيل على كافة المياه في الأراضي الفلسطينية، مع رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل وتنظيم عودة النازحين إلى الكيان الفلسطيني حتى لا تشكل كثرتهم وتوطينهم خطرا على إسرائيل، وقد قدمت مشروعات ومقترحات عديدة من جانب رجال السياسة والأكاديميين الإسرائيليين بشأن حدود وطبيعة الكيان الفلسطيني من مشروع إيجال الون، وتصور إيهود باراك الذي يؤيد الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين وإنشاء كيان فلسطيني، لكنه لا يقبل قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ويحبذ إقامة اتحاد كونفيدرالي بينها وبين الأردن.

[1] بيان الحوت، القدس بين الأولويات العربية والصهيونية، (الحياة، 18/6/1995 ).

[2] الوضع القانوني لمدينة القدس- أسامة حلبي، ص- 46.

[3] القدس تنتظر قرار الحكم- ميخال بيلغ. مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 19-1994 ، ص- 127.

[4] الموسوعة الفلسطينية- سالم الكسواني، 6: 938.

[5] القوانين الإسرائيلية لضم القدس، مجلة شؤون فلسطينية- صبري جريس، العدد 106، سبتمبر 1980،م ص-15.

[6] مرجع سابق- روحي الخطيب، ص- (877-878).

[7] القدس خمسون عاما من التهويد- أحمد أبو زيد، ص- 63 بتصرف.

[8] التفاوض حول القدس، السياسة الدولية العدد 142، ص- 221.

[9] لقاء مع صحيفة النهار اللبنانية، 20/2/1995 .

[10] المرجع السابق.

[11] روحي الخطيب، الإجراءات الإسرائيلية لتهويد القدس، شؤون فلسطينية، العدد 41، ص 96.

[12] صحيفة الحياة، 23/5/1996م.

[13] ميثاق حماس.

[14] محمد السعيد إدريس، مرجع سابق، ص- 212.

[15] حركة عنصرية متطرفة

خاتمة

(30)
خاتمة

هذا عرض سريع لفصول المؤامرة الكبرى التي تعرض لها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من مائة عام..

مؤامرة وضع بذرتها الغرب في مؤتمر كامبل الذي عقد في لندن عام 1905 م بهدف تمزيق المنطقة وإشغالها بحروب لا تنتهي حتى تبقى في وهدة التخلف الاقتصادي والسياسي، ورعت هذه البذرة الحركة الصهيونية التي أنشأها تيودور هرتزل في أواخر القرن التاسع عشر.. والتي تراوحت مطالبها:

• إنشاء بضع مستوطنات تحت سيادة الدولة العثمانية،

• ومن ثم إقامة إسرائيل على جزء من فلسطين..

• ثم السيطرة على كامل فلسطين،

• وأخيرا إقامة إسرائيل الكبرى التي تتحكم بكامل منطقة الشرق الأوسط..

هذه الدولة هي الوحيدة التي تملك سلاحا لا يملكه غيرها.. وترسانة نووية تستطيع إفناء المنطقة بكاملها..

هذه الدولة التي يحذر مفكرو الغرب ويقولون: إن اسرائيل نشأت بقرار غربي لأهداف غربية.. فحذار من نسيان هذه الحقيقة وترك إسرائيل لوحدها.. هذا على جبهة إسرائيل..

أما على لجبهة العربية.. فقد تخاذل حكام العرب والمسلمين في الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم.. قايضوا عروشهم وبقاء سلطانهم، بعزة بلادهم وتحرير أرضهم وصيانة مقدساتهم.. بل وأجهضوا الحركات الإسلامية التي أعلنت الجهاد لتحرير فلسطين..

وماذا اليوم؟

ما زالت الأنظمة في واد والشعوب في واد آخر.. وما زالت إسرائيل رغم كل سلاحها وقوتها العسكرية خائفة على نفسها.. فهي تعرف، ربما أكثر من غيرها، أن قضيتها محسومة.. وأن منطق التاريخ والجغرافيا والدين والعقيدة والحياة، يرفض وجود جسم غريب زرعته القوى الطامعة الغاصبة في جسد لا يقبله..

هل المعركة قائمة؟

هي قائمة بكل تأكيد.. وسينهزم فيها الباطل.. وسينتصر الحق وهذه هي معركتنا الحضارية مع القوى الطاغية.

إن المعركة بيـــن الصهيونية والمسلمين ليســـت وليـــدة اليـــوم أو قصيـــرة الأمد... فالعداء امتد عبـــر السنين منذ بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وهــي معركـــة مصيـــر قــائمـــة حتـــى قيــــام الســـاعة... والنصر المؤكد فيها للمؤمنين.