المحك الدستوري المصري: نحو تلافي الزحف المتسارع للأصولية الإسلامية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٠:٢٠، ٧ يوليو ٢٠١٢ بواسطة Sherifmounir (نقاش | مساهمات) (←‏5) الجدل حول التوريث)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المحك الدستوري المصري: نحو تلافي الزحف المتسارع للأصولية الإسلامية

بقلم:هاني بسادة

الملخص

بعد أن حقق الرئيس مبارك دعما قوياً في مارس 2007 في استفتاء قومي تم إجراءه، حاول الرئيس مبارك إحكام القبض علي زمام الأمور وزيادة الضغط علي قوات الأمن ليس فقط من أجل توريث ابنه زمام البلاد ولكن أيضاً من أجل القضاء علي طموح أكبر قوي المعارضة المصرية ألا وهي الإخوان المسلمين، وكان ذلك من خلال خطة مرسومة لتعديلات دستورية تهدف أيضا إلي تمهيد الطريق أكثر وأكثر للحزب الوطني الحاكم الذي يمثله.

هذا وقد نال الرئيس مبارك ونظامه وبالاً ونبالاً من النقد من قبل المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان والحكومات الغربية خلال فترة ولايته السادسة علي التوالي التي شهدت تجاوزات غير مسبوقة في ملف الديمقراطية.

إلا أنه بات من الواضح أن ملف الديمقراطية لا يزال يمثل شوكة صعبة المراس في ظهر مبارك ونظامه بل وكل الأنظمة العربية التي تقوم لتبرهن علي أنه إن تم فتح الباب للمزيد من الدمقرطة سيدخل الإسلاميون ومن حذا حذوهم من الأحزاب غير العلمانية ويكون ذلك هو آخر مسمار في نعش الأنظمة العلمانية بأسرها.

1) تقدمة

حينما ذهب المصريون للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية التي تم انعقادها في السابع من سبتمبر 2005، ظنت الدول الغربية أن هذه هي الخطوة الأكثر قبولاً من الناحية الديمقراطية ومن هنا اعتبروا قبول مصر المبدئي للتعددية ومبادئ إرساء الديمقراطية.

وجدير بالذكر أن الرئيس مبارك قد فاز في هذه الانتخابات بنسبة بلغت 88.6% لتكون هذه هي الفترة السادسة له في المنصب؛ في حين حصل أيمن نور عن حزب الغد ونعمان جمعة عن حزب الوفد الجديد علي 7.6 في حين حصد الباقون كافة علي 2.9%.

هذا وقد حازت عملية الانتخابات قبل بدايتها بنصيبها من النقد الموضوعي لقانون الترشيح ذاته الذي بات متعسفا بالإضافة إلي عملية الانتخابات التي باتت هي الأخرى عقيمة إذا كانت نسبة حضورها الشعبي لا تتجاوز 15% من جمهور الناخبين. (شارب 2006)

هذا ورغم كل هذه المساوئ التي حازت عليها الانتخابات، فقد كانت خطوة الرئيس في تعديل الدستور للسماح بانتخابات رئاسية تعددية خطوة تاريخية لم يسبق لها مثل في تاريخ الانتخاب علي هذا المنصب. لقد كان هذا المنصب يتم شغله عن طريق تعيين البرلمان لشخص ما ويتم الاستفتاء عليه شعبياً بالقبول أو الرفض وهي الخطوة التي اعتمدها النظام لفترة طويلة.

وقد جاء الرئيس مبارك للسلطة وظل فيها لمدة أربعة فترات رئاسية متلاطمة عبر هذه الآلية منذ عام 1981.

لذا كان موقف المجتمع الدولي غير مستغرب في عدم اعتماد أية تجاوزات في انتخابات 2005. وعليه فقد تم اعتبار الخطوة التي اتخذها النظام في الاستفتاء علي تعديل الدستور في مارس 2007 بمثابة انتكاسة في وعود الرئيس مبارك منذ عامين في الإصلاح التدريجي علي جميع الأصعدة من أجل المحافظة علي السيطرة الكاملة علي الحياة السياسية في البلاد.

2) تعديلات 2007 الدستورية

علي الرغم من زيادة نسبة المشاركين في هذا الاستفتاء عن لاحقه لتصل إلي 27.1% أي ما تعني أنه قد خرج ما يقدر بـ 9.6 مليون مواطن مصري من أصل 35.4 مليون هم جمهور الناخبين ليؤكدوا نجاح وأهمية هذه التعديلات لدستور عام 1971، إلا أن منظمات حقوق الإنسان أكدت أن العدد الصحيح كان أقل من 10% (بي بي سي 2007).

وقد وصفت جماعات المعارضة هذه الخطوة بأنها تستهدف أساساً وأد حرية التعبير وزيادة سلطة الحزب الوطني ومن ثم قوات الأمن في السيطرة المفرطة علي البلاد.

وقد رفضت المعارضة أحد التعديلات الذي يقضي بضرورة عمل لجنة للإشراف علي الانتخابات مفسرة ذلك بمحاولة واضحة لإقصاء المعارضة من الانتخابات ومن ثم ضعف تمثيل الإشراف القضائي علي العملية الانتخابية برمتها.

وأكدوا علي أن عملية من هذا النوع ستسمح بالمزيد من التجاوزات وخاصة عملية تزوير الأصوات التي تكرر حدوثها في الانتخابات التشريعية السابقة.

وقد زادت إنذارات حقوق الإنسان تباعاً في تلك الفترة التي تؤكد علي زيادة التجاوزات الممثلة في زيادة سلطة الرئيس والأمن في العديد من الاختصاصات منها:

حقه في حل البرلمان وتعيين لجنة للإشراف علي الانتخابات، فرضه لقانون الإرهاب ليحل محل قانون الطوارئ المفروض في أعقاب اغتيال الرئيس السادات علي يد جماعات مسلحة في 1981، حق قوات الأمن في استجواب الأفراد وتفتيش منازلهم ومداهمتها بدون إذن أو سابق إنذار الأمر الذي اعتبرته حقوق الإنسان نذيراً بالمزيد من التجاوزات في شأن قمع المعارضة وأفرادها بلا هوادة، تحديد المتطلبات الواجب توافرها في من يتم ترشيحه للرئاسة وعلي رأسها أن يكون تابعاً لحزب سياسي معترف به وأخيرا تفويض الرئيس بإحالة أي نوع من الجرائم الإرهابية للسلطات القضائية المنصوص عليها في الدستور أو القانون وهو ما يعني تفويض الرئيس المباشر لإحالة المعارضين إلي محاكم عسكرية حيث انتفاء الاستئناف هناك في أي من الأحكام الصادرة.

وقد كان التعديل الأكثر جدلا هذا الذي يقضي بتجريم استخدام الشعارات الدينية في أية منطلقات للمنافسة من جانب الأحزاب السياسية وهو ما يعني القضاء علي أية آمال معلقة لتسوية سياسية مستقبلية بين النظام وجماعة المعارضة الأكثر شعبية علي مستوي البلاد، الإخوان المسلمين ومن ثم وأد أحلامهم في تشكيل حزب سياسي في المستقبل.

ويقضي هذا التعديل تماماً علي أية محاولات لتأسيس حزب سياسي علي أساس ديني وعليه يتم قمع مشاركة الإخوان في الأجواء والفاعليات السياسية ومن ثم إقصاء نوابهم المستقلين من البرلمان.

كما يحدد التعديل أيضاً النظام الانتخابي الجديد الذي يقضي بأن يكون المرشح ضمن قائمة حزبية لأي من الأحزاب السياسية الشرعية وكذلك تخصيص هامش محدد للأعضاء المستقلين.

وهذا ما يعني في مجمله أن يتم إقصاء الإخوان شرعياً ودستورياً عن المشاركة المستقلة التي يعتمدون عليها كطريق أوحد للتمثيل الحكومي عبر المشاركة والتنافس الانتخابي. وفي الماضي شارك الإخوان في الانتخابات البرلمانية من خلال نوابهم المستقلين معتمدين علي النظام القديم في ترشيح المستقلين غير المشروط بالانتماء لأي حزب سياسي.

وفي محاولة أخري لإقصاء الإخوان عن الحياة السياسية، يؤكد الدستور علي إمكانية تفعيل دور الأحزاب السياسية الشرعية والدخول في اللعبة بشكل دستوري بدلاً من شكلها الصوري.

كما يهدف أيضا إلي خلق بديل معارض شرعي بدلا من الإخوان غير الشرعيين ليخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة ويدعم الأداء السيئ لها علي حد وصفه في انتخابات 2005 حيث فشلت أحزاب المعارضة الشرعية (حزب الغد والوفد الجديد والتجمع والعرب الناصري) في تحقق أكثر من 5% علي المستوي الفردي لكل حزب في الانتخابات البرلمانية المنصرمة.

وقد أكد المحللون السياسيون علي أن هذه التعديلات ستثمر إثماراً غير مشهود بعد هذه الانتهاكات التي حدثت في انتخابات 2005 حسبما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية عن العام ذاته من أحداث عنف وتعذيب وإساءات وغيرها.

وقد أدرك النظام المصري بدرجة كبيرة فشله في إدارة العملية الانتخابية مع وجود المستقلين، فعمد إلي تشريع النظام الجديد هذا ليحل محله ومن ثم يخول النظام في إحكام السيطرة علي الانتخابات وحرمان المعارضين الإخوان من التمثيل السياسي حيث حققوا نسبة بلغت الخمس من مقاعد السلطة التشريعية الكبرى في البلاد.

3) نشأة الإخوان المسلمين

الامام البنا

ينص القانون المصري علي منع تأسيس أية أحزاب سياسية علي أساس ديني. إلا أنه في عام 1928 قام الأستاذ حسن البنا بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين لتمثل تدفق أفكاره التي غزت الجماعة في مهدها والتي تلقي المزيد من النقد كجماعة دينية سياسية تتمثل قيادتها هنا في مصر.

بينما تحتوي الجماعة علي المزيد من الفروع علي مستوي الوطن العربي والإسلامي، يأتي فرعها في فلسطين الممثل في حركة المقاومة الإسلامية حماس ليكون هو الجناح الأقوى معارضة في فلسطين حيث نال شرف تشكيل الحكومة هناك من جراء انتخابات حرة ونزيهة أجريت في يناير 2006 هزمت فيها حماس ذات التوجه الإسلامي منافسها الأعلى فتح ذات التوجه العلماني لتشكل أول حكومة رسمية في تاريخ الإخوان المسلمين.

هذا وتحظى الجماعة بتمثيل مشرف علي مستوي الدول أمثال أفغانستان والسعودية والأردن وإيران والبحرين والسودان وأيضاً سوريا حيث كانت ضمن أحزاب المعارضة سابقاً.

ويمثلها في العراق الحزب الإسلامي العراقي ولها في أمريكا عدة مؤسسات تمثلها من خلال الجالية المتواجدة هناك مثل الأمانة الإسلامية الأمريكية واتحاد الطلاب المسلمين والمعهد العالمي للفكر الإسلامي بالإضافة إلي تمثيلها في العديد من دول أوربا عبر نشاطات الجاليات المسلمة هناك.

وأثناء الثلاثينيات من القرن الماضي كانت الجماعة تتحرك بتنظيم سري غير معروف أو معلن ثم تابعت تحركاتها داخل المجتمع المصري ،من خلال الدعوة للرجوع للإسلام من جديد، بسبب ضعف شعبية الملكية وكذلك الوجود البريطاني الذي كان من مستهدفات الجماعة آنذاك القضاء عليه من خلال جهازها السري الذي كان مسؤولاً عن العمليات النوعية لإخراج المحتل من الأراضي المصرية لتحقيق هذا المطلب الشعبي.

والجدير بالذكر هنا أن الجماعة بدأت تتنامي بشكل مذهل ومخيف حيث بدأت دعوتها بستة أشخاص ليتخطوا نصف المليون بحلول العام 1940.

من هنا أصبحت الجماعة بمثابة تهديد حقيقي للحكومة المصرية التي يمثلها محمود فهمي النقراشي آنذاك الذي قام بإجراء تعسفي بحظر الجماعة وتنظيمها قانوناً الأمر الذي أدي إلي اغتياله من قبل أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

في المقابل كان الأخذ بالثأر من الجماعة في شخص قائدها المحنك الأستاذ حسن البنا لتبدأ مسلسلات من العنف والإعتقالات ضد أعضاء الجماعة. وبعد سيطرة جمال عبد الناصر علي الحكم في 1954،انقسمت الجماعة إلي فرقتين: الأولي وهي الأكثر تطرفاً وراديكالية بزعامة الأستاذ السيد قطب الذي كان يري هو وأتباعه المجتمع علي أنه عاد إلي الجاهلية مرة أخري حينما رفض تطبيق الإسلام كمنهج حياة ومن ثم وجوب منازلة كل الرافضين للإسلام وتعاليمه بالسلاح في الداخل والمسيحيين واليهود وأتباعهم من الدول العربية العميلة في الخارج.

الشهيد سيد قطب

وقد زعم قطب أن الحكومة التي قادها جمال عبد الناصر تمشي في طريق مناوئ تماما لما جاء في تعاليم الإسلام ومن ثم يجب مناهضتها بكل أسلوب ممكن. لقد حمل الأستاذ السيد قطب الأفكار التي تتسم بالصرامة والشدة علي مستوي تاريخ التنظير للفكرة الإسلامية بعيداً تماما عن التسامح والسلام اللذان ينشدهما الإسلام.

وكانت تلك الأفكار الموصوفة بعد ذلك بالقطبية قد لقيت رواجاً غير عادي علي مستوي العديد من الجماعات المنبثقة المتطرفة من ضمنها القاعدة.

وعلي الرغم من اغتياله من قبل الحكومة المصرية بدعوى محاولة جادة منه لإسقاطها، إلا أن أفكاره لاقت رواجاُ دولياً من قبل المسلمين المتطرفين الذين يدعمون فكرته ويطورونها خلال أعمال العنف التي تمارس باسم الإسلام.

وتلخيصاً لذلك، فقد بدت أفكار الحركة الإسلامية في مصر تتمحور حول عدة محاور أساسية مفادها أن الإسلام قد وضع منهجاً لابد من تتبعه فيما يخص المعاملات السياسية لدولة الإسلام وأن الإسلام سيلاحق من قبل أعدائه من الخارج أو الحكومات التي تعرقل تقدمه من الداخل (الاقتصادي 2005).

ويعمل الإخوان في مصر علي جعل الإسلام بأحكامه واعتقاداته هو المسيطر علي كل مناحي المجتمع بالتوافق مع القانون المصري الذي يقضي بذلك.وهم أيضاً يحاولون جعل مصر ولاية إسلامية تكون نواة للخلافة الإسلامية التي تمثل أمة الإسلام.

ويري الإخوان المسلمون الأمة الإسلامية علي أنها تحول مرحلي في كيان الأمة الإسلامية، فتفوه قائدهم الملهم الأستاذ حسن البنا مؤكداً علي أنه قد تمت تسوية التكامل بين أعضاء الأمة الإسلامية لكن عجز قادتها في إقامة الخلافة الإسلامية التي من خلالها تتحرك الأمة تحت راية واحدة مرده في البداية إلي هذا الطغيان الذي مارسه الغرب في الشرق الأوسط علي مستوي المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية علي مدي الخمس قرون السابقة.

لقد باتت جماعة الإخوان المسلمين وحلمها في تشييد بناء أمة الإسلام وخلافة راشدة تكون مصر مركزها حلما يراودها كل يوم حتي بات هذا النوع من تعهد الجماعة لتحقيقه أمراً محل نقد العلمانيين وغيرهم في التشكيك في ولاء إخوان مصر للأمة علي حساب الوطن.

وبهذه النزعة الإسلامية فقط يجابه الإخوان كل النزعات القديمة والجديدة من قومية عربية ووطنية مزعومة.فعلي سبيل المثال، في مقابلة مع المرشد العام للإخوان المسلمين من قبل صحيفة قومية قال "طز في مصر" "قوميتنا هي الإسلام" "لم تكن أبداً الخلافة العثمانية علي مصر احتلالاً إنما كانت خلافة راشدة" وأضاف "أقبل تماما أن يكون رئيس مصر ماليزياً ما دام مسلماً".(جويندي 2006)

وتتبنى جماعة الإخوان علي خلاف كل الجماعات الإسلامية من الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية وغيرهما، حيث اعتمدت التعامل مع الحكومة والنظام ومنازلته بأشكال الديمقراطية لا العنف علي حد قولهم.

من هنا كانت هذه النقطة الأيدلوجية في التعامل مع المجتمع من لفظ للعنف واعتماد الديمقراطية وأساليبها لتكون منهج التغيير، أثارت هذه الأيدلوجية حساسية مصادر من السلطة في العزوف عن الأيدلوجيات المسلحة التي كانت منهجهم في الماضي.

أضافت هذه المصادر أن ذلك المنهج كان نتاجا لصراع فكري داخل الجماعة أفرزه وحققه علي أرض الواقع الأمر الذي يسلمهم إلي منهاج العنف الفردي علي غرار ما حدث في أوائل التسعينيات في مصر.

بل ربما قام الكثيرون ليقولوا بأن الإخوان هم الحركة الإسلامية المعتدلة الموجودة علي الساحة ويسعون إلي نشر مبدأ العودة الإسلام كطريق للحياة كما هو منصوص عليه في الشريعة، لكن يبدوا ذلك تشويشاً وتضليلاً إلي حد كبير كما قالت الدكتورة هالة مصطفي من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الإخوان ،علي حد قولها، لم تتغير حركتهم في القرن العشرين منذ نشأتها وتأسيسها علي يد الأستاذ حسن البنا.

ويري الكثير من المفكرين العلمانيين أن حركة الإخوان تهدف أساساً إلي إقامة دولة إسلامية علي أرض مصر، في حين أن فرج فودة الذي كان يحسب من أهم المفكرين العلمانيين المصريين وقتها والذي تم اغتياله تبعا لجهده وبحوثه الأكاديمية في الجماعات الإسلامية كان يري أن الإخوان المسلمين هم جزء لا يتجزأ من الجماعات الأخرى بمنهاجها العنفواني وإن أبدوا غير ذلك فهم لا يتجاوزون جناحاً سياسي لتلك الحركات الإسلامية المسلحة وليس غير ذلك (الدين، 2004).

ويؤكد المفكرون العلمانيون أن مناهضة الإخوان من عدم شرعيتها كجماعة معارضة ورفض فكرة إقامة دولة إسلامية والتعامل بالشريعة الإسلامية يفضي إلي نشوء آراء واتجاهات داخل صف الجماعة تدعو إلي نهج العنف كطريق للتعامل مع هذا التسلط والعجرفة التي يمارسها النظام.

أكد علي وجود مثل هذه الأفكار والاتجاهات الكثير من المحللين الأمنيين المصريين بالإضافة إلي بعض المفكرين الغربيين المهتمين (الدين 2003).

وفي جريدة دار الحياة كتب جمال ثيابي في عموده محللاً ما قام به طلبة الإخوان في جامعة الأزهر من عرض عسكري بما تضمنه من فقرات عسكرية يؤكد علي أنه ردة في حق استراتيجيات الجماعة للارتداد للعنف بعد أن أنكروا تلك الاستراتيجيات طويلاً كما أنكروا وجود جهاز سري كما كان في السابق (ثيابي 2006).

وأضاف أن هذا النوع من التعامل الذي يتعامل مع الواقع وفق مقتضياته لا وفق مقتضيات حتمية واستراتيجيات محددة نهجتها الجماعة سالفاً هو من أخطر الأمور علي الصعيد الفكري الأيدلوجي.

أحداث الأزهر

فأحداث مثل ميليشيات الأزهر هذه يؤثر علي المستوي الإرهابي العام إذ يدعوا كل من له ميول للانضمام كما يدعوا كافة الفصائل الإرهابية الخاملة أن تنهض من رقدتها وتصحوا من ثباتها للقضاء علي نظام مبارك ومن ثم إقامة دولة الإسلام.

وقد أكد بعض المحللين الذين عاشوا بفكر الإخوان طويلاً علي أن هذه الخطوة المتمثلة في أحداث الأزهر هذه تعتبر الخطوة التدريجية الأولي نحو العودة إلي تجييش وتجنيد الصف للقيام بأعماله العسكرية ضد المخالفين كما يحكي ماضيهم المليء بنهج الاغتيالات والعمليات العسكرية الممنهجة.

من هنا باتت فكرة الاغتيالات والأعمال الإرهابية مسيطرة علي عقول مفكري السلطة خاصة في مخاطبتهم وتحدثهم مع نظرائهم الغربيين، كان من أهمها اغتيال رئيس وزراء مصر النقراشي ومحاولات اغتيال جمال عبد الناصر.

نتيجة لذلك الطرح، برر هؤلاء المفكرون السلطويون لأنفسهم هذه الاستراتيجية في إقصاء الإخوان من أجل الحفاظ علي البلاد من الفكر المتطرف هذا حتي بلغ الأمر أن يلحقوا عملية الحادي عشر من سبتمبر إلي بعض المعتقلين في معتقلات مصر في حوارهم مع مسؤولين أمريكان.

لقد بدا منهج السيد قطب مادة دسمة لا محالة للترويج للفكر العسكري الذي تبنته القاعدة علي مستواها العام فقد تربي عليه أيمن الظواهري وأسامة بن لادن وأتباعهم في الحركة.

ويلقي الكثير من المفكرين بالملامة علي الإخوان في إفرازهم مثل هذه الشخصيات أمثال أيمن الظواهري الذي يدين بالفضل لهم وكذلك إفراز هذا النوع من الأصوليين الذين يهددون ويمثلون أخطاراً لا مثيل لها.

لقد قاموا بقتل السادات عام 1981 كما قاموا بتخريج دفعة من الأصوليين المتطرفين أمثال محمد عاطف و خالد شيخ محمد الذي اعتبر مهندساً لأحداث سبتمبر وقد اكتملت تربيته في معسكر أقامته الحركة في الكويت.

فلطالما نادت القاعدة بالمزيد من العمليات الإرهابية التي تستهدف فنادق ومطاعم وأماكن تجمع للسياح في مصر في البحر الأحمر ومنتجعاته وصعيد مصر الأمر الذي أدي بالمخابرات إلي الخوف الذي يسفر عن العديد من القرارات فيما يخص مشاركة الإخوان في الانتخابات كحزب سياسي معارض وحملة الحزب الوطني التي شنها ضدهم للمحافظة علي السلطة في قبضته، لكن بات الأمر في هذا الصدد في حيز الشك والتخمين.

وأكدت مصادر إخوانية أن تاريخ الإخوان يؤكد علي أن ظهور تلك الحركات المسلحة من داخل الإخوان كان ذا طبع انشقاقي لرؤية الإصلاح والتمكين علي خلاف ما تراه الجماعة. ولطالما لفظت الجماعة مثل هذه الأيدلوجيات الفكرية المسلحة متجهة إلي الإصلاح الديمقراطي السلمي ليكون هو الأسلوب الجماعي المتبع وما سواه باطل يعبر عن رؤى فردية ذات طابع انفصالي.

لكن أيضاً لم تمنع هذه الاستراتيجية الجديدة التي سلكها الإخوان النظام من سلك مسلكه المناهض للجماعة بالاعتقالات والضغوط العنفوانية لمنع فاعليتهم السياسية ومشاركاتهم علي كل الأصعدة من أجل التأكيد علي احتفاظهم بسدة السلطة رغم تبادل الأيدلوجيات والأفكار.

ففي الأعوام الأخيرة المنصرمة، حاول الإخوان أن يثبتوا أنهم لا يشكلون أي خطر للأمن القومي بل علي العكس تماما فهم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني والموروث الحضاري للبلاد، في هذا الصدد صرح أحد الإخوان قائلاً "إنه ليس من الطبيعي أن يتم توصيفنا بأننا تهديد صريح وواضح للأمن القومي، فنحن نشأنا وتربينا علي الإسلام الذي هو الدين الذي تدين به البلاد كما تنص عليه المادة الثانية من الدستور فمصر في أعماقنا وأمنها أغلي علينا من أعناقنا.

ونحن نهدف أساسا إلي تحقيق عزة مصر وبسط سلطانها، لذا فنحن ندعوا النظام والمعارضة إلي طاولتنا للوصول إلي ما فيه الصالح لمصر بأثرها.

فعلي الرغم من أن الجماعة مكبلة وتتم إعاقتها بصورة متلاحقة‘ إلا أنها تمضي قدماً في إصلاح الواقع السياسي والاجتماعي بأقدام ثابتة رغم حرمانها من التمثيل السياسي الذي يليق ومكانتها الشعبية. فمنذ صعود الرئيس مبارك للسلطة في عام 1981، نهج الإخوان استراتيجية ذات ثلاث أبعاد من أجل الوصول لمستهدفاتهم:

أولها محاولتها للحصول علي قدم راسخة في البرلمان عن طريق التحالفات السياسية مع الأحزاب المعارضة وربما كانت علمانية مؤكدين علي أن يكون أعضائهم مستقلين.

ومن جانبه قام الرئيس مبارك بوضع الحزب الوطني الحاكم بينه والإخوان ليكون هو المنهج الوسيط في التعامل ليثبت من جديد أنه هو الفرعون المصري الجديد. فالرئيس يحاول أن يستجيب لبعض الاستراتيجيات الضاغطة لكن بشكل متوازن وربما كان رد فعل غير معقول.

في هذا الإطار، قام الرئيس مبارك بتلطيف الجو الاحتقاني هذا بإجراء بعض العمليات مثل إصدار العفو الحكومي العام عن عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين في بداية الثمانينيات حينما قام السادات باعتقالهم والزج بهم في السجن وقتها وكذلك انتخابات عام 2005 المشهودة.

فبهذه السياسة التي اتبعها الفريقان قام جو من السياسة النظيفة حيث استجاب الإخوان من خلال هذه الاستراتيجية لمطلب الرئيس بالتخلي عن أعمال العنف التي يمارسها الإسلاميون وقتها لضمان نظافة الشارع من الدماء من ناحية ومن ناحية أخري إحكام السيطرة علي طموحاتهم السياسية علي حد تفكيره.

ومن ناحية الاستراتيجية الإخوانية فيما يخص الاعتراف الشرعي بها الذي لم تستطع أن تقتنصه من الدولة، قام مبارك بمنعهم والضغط عليهم في هذا السبيل وعلي أساس قانوني، إلا أنهم حينما دخلوا انتخابات 2005 وحققوا فيها ما حققوا من نجاح، تحدوا الرئيس مبارك بهذه الاستراتيجية نفسها.

وكان عزوف الإخوان عن الحياة السياسية في الثمانينيات والتسعينيات من ناحية المنازلة السياسية للنظام قد أكسبها قوة لا يستهان بها في التعامل مع المجتمع ومن ثم إنشاء قاعدة شعبية قادرة علي المواجهة بعد ذلك كما حدث في 2005 إلي جانب فهمها للواقع السياسي في ضوء المنظمات الإدارية التابعة للدولة.

وفي الثمانينيات استفاد الإخوان من علاقتهم مع النظام كثيرا حيث أخذوا جرعة تأمين لازمة ضد أخطاره المحتملة.

فإبان هذه الفترة أيضاً قام الإخوان بالعديد من التحالفات بينهم وبين أحزاب ربما بدت علمانية وشيوعية كما كان الحال مع حزب الوفد وحزب العمل أملين في ذلك أن يكون خطوة في طريق أسلمة المجتمع لتحقيق الأهداف المرجوة تدريجياً للوصول لتحكيم الشريعة نهايةً.

فقام الإخوان بداية بالتحالف مع عدوها الإستراتيجي اللدود حزب الوفد حيث فازوا بسبعة مرشحين في البرلمان، ثم قاموا بعد ذلك بتأسيس التحالف الإسلامي حيث فازوا بخمسة وثلاثين مرشحا للبرلمان من أصل 60 مقعداً.

وفي 2000 حازوا بـ 17 مقعداً لكنهم كانوا مستقلين كما قلصوا نسبة الحزب الوطني وتمثيله البرلماني ليصل 317 في انتخابات فاز فيها الإخوان بـ 87 عضواً مستقلاً لتحقق أحلام المعارضة كلها لكن بالوكالة، حيث فازت بقيت أحزاب المعارضة مجتمعة بتسعة مقاعد إجمالية، جدير بالذكر أن شعار الإخوان وقتئذٍ كان "الإسلام هو الحل".

وكان النجاح الثاني التي حققته الجماعة وهو علي درجة كبيرة من الأهمية هو اختراق المؤسسات المهنية والطلابية والنفوذ لها عن طريق الانتخابات في مصر.

ففي أواخر عام 1987، سيطر الإخوان علي نقابة المهندسين البالغ عدد أعضائها أكثر من 200 ألف عضو يبلغ صندوق نقدها حوالي خمسة ملايين دولاراً.

وقد قرر الإخوان مع بداية التسعينيات دخول الانتخابات المهنية علي كل المستويات وتعزيز قوتهم فيها علي حساب التواجد العلماني الحكومي (عبد الكتب، 1995).

استغل الإخوان ارتفاع مستوي البطالة لتصل إلي 800 ألف طالب قد تخرجوا بالفعل من جامعات ومعاهد حكومية (هاني بسادة 2006) فقاموا بعمل مشاريع تنموية صغيرة وفتح مدارس فنية خاصة لاحتواء هذا العدد الضخم من العمالة العاطلة.

وكانت الاستراتيجية الثالثة التي نهجتها الجماعة لاستقطاب الشعبية والرفع من أسهمها تتمثل في العمل الاجتماعي.

قام الإخوان بعمل مؤسسات رعاية ومشاركة اجتماعية للدخول للحياة الاجتماعية من أوسع أبوابها وقد ساعدهم في ذلك جذورهم الممتدة شعبيا والمتجذرة العمق بين الناس في كل أنحاء البلاد.

أكدت علي ذلك منظمات اجتماعية ومحللون مستقلون كما أضافوا أن ذلك التحرك وتلك الاستراتيجية كانت من أهم عوامل نجاحهم في الانتخابات العامة الأخيرة.

هذا وتؤسس هذه الاستراتيجية أيما تأسيس لفكرتهم الإسلامية وتعمق جذور حركتهم في محاولة إرساء قيم الإسلام الاجتماعية بين الناس.

كما كان من أهم عوامل نجاح تلك التحركات أنها تتحرك في نطاق لا تستطيع الحكومة الوصول إليه بأي شكل من الأشكال وهم يتحركون لكنهم لا يطلبون بحركتهم هذه سلطة أو جاه.

ولا تنسي أبدا المنظمات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية ما فعله الإخوان في زلزال 92 الذي ضرب مصر وهزها هزة عنيفة فقاموا هم بدورهم في تشكيل لجنة مساعدات طبية وهندسية بالإضافة إلي المخيمات العلاجية التي تم إعدادها بشكل موفق ومن ثم توفير الدعم المالي واللوجيستي لضحايا الزلزال (بيليتيري، 1994).

ربما عجزت الحكومة بمؤسساتها عن توفير الدعم الذي دعمته الجماعة للبلاد خلال هذه الفترة وخاصة تلك المدن التي هزها الزلزال هزة عنيفة علي طول ساحل النيل في صعيد مصر.

ولا هناك شيء أوضح أو أكثر تأثيراً في خلال حركة الإخوان المجتمعية من هذا الاتجاه في تأسيس البنوك الإسلامية.

لقد أحدث تأسيس هذه البنوك ضجة لا مثيل لها في الوسط المصرفي، فقد خدمت هذه الخدمة بالفعل الطبقة العاملة والطبقة الوسطي وارتفعت شعبيتها إلي أعلي حد في وقت وجيز بل زادت لتتجاوز البنوك الربوية التجارية تبعاً لنظام الربح الذي كان يمثل ضعف الربح في البنوك التجارية الربوية.

اعتمدت البنوك الإسلامية علي النظام الإسلامي الذي يقرر عدم تحديد الفائدة ومن ثم مبدأ المشاركة في مثل هذه المضاربة فيكون العميل شريكا بالفعل في هذا البنك إلى يتبنى فقط إدارة أمواله بالشراكة بينهما.

كما ساعدت هذه البنوك بمستواها الذي أبهر الناس علي سحب الكثير من الودائع غير الرسمية من الخليج ليتم ضخها في البنوك الإسلامية ومن ثم ترتفع معدلات الفائدة عليها ويدخل البنك في مشاريع موسعة أكثر من سابقها.

لا شك أن البنوك هذه أفادت البلاد كثيراً حيث جذبت للبلاد حجما لا يستهان به من العملات الأجنبية الصعبة كما شدت من أزر مناخ الاستثمار والحياة الاستثمارية بشكل ملحوظ.

وجدير بالذكر، فقد كان للبنك أيضا نشاط أنساني ومعونات إسلامية لذوي الحاجة ممن لا يجدون من القوت غير راتبهم الحكومي الضعيف جدا، من أجلهم كانت تلك المبادرات لتحسين أوضاعهم وجعلها كما يجب. وفي الوقت الحاضر، تتلقى هذه البنوك تحويلات مالية للعاملين بالغرب والخليج في مؤسساته البترولية هناك حوالي 2.4$ بليون دولاراً سنويا (هاني بساده 2006).

وعلي الرغم من أنه كانت هناك العديد من الممارسات الإدارية الخاطئة، إلا أنه تم القضاء عليها وعلاجها بشتى الطرق حتي وصل مستوي إسهامها في الدخل القومي للبلاد إلي 35% من أسهمهم التابعة لملف الجهات غير الحكومية في الاقتصاد الوطني (موسى 2006).

من هنا يتضح لنا أن هذه الاتجاه قد خدم الحكومة وملئ فراغاً كبيرا وحقق خدمات فشلت الحكومة في تحقيقها أي فشل، كما خدمت الإخوان في اتساع قاعدتهم المجتمعية وتفعيل نشاطهم في القواعد الاجتماعية كما يجب.

إلا أن الكثير من المفكرين العلمانيين لا يرضي بالمصادقة علي هذه الإسهامات وتلك الإنجازات متحججاً بأنه قد نبع من جماعة محظورة غير قانونية ومن هنا ينسحب الحكم بعدم الشرعية علي باقي إسهاماتها مدركا أنه سيعترف من خلال ذلك باتجاهها السني الإسلامي الذي يمثل منطلقها الرئيس في كل هذه التحركات.

فمن خلال هذه المشاركات أثبتت الجماعة عن طريق خطاباتها وتحركاتها وإسهاماتها الاجتماعية أنها قادرة بالفعل علي التغيير السلمي الذي ينبذ العنف بأي حال.

لا شك أن سيطرة الإخوان علي النقابات المهنية قد أكسبها فاعلية سياسية ونجاحاً باهراً يمكن الاعتماد عليه وتنميته لاحقاً.

لقد تبني الإخوان التعددية السياسية واعتمدوها كمبدأ ومنطلق لتطبيق المبادئ الإسلامية وإرسائها بغض النظر عن الوسائل التي تتعمد علي العنف المطلق في هذا الصدد،إلا أن هذه المبادئ ما زالت في حيز الشك واقعياً ونظرياً.

من والواضح أن الجماعة قد اتخذت هذا المنهج السلمي في التغيير، لكن لا أظن أن يتم اعتماد نجاحا هذه الطريق طويلا وخاصة أنه في حين أنهم يعتمدون طريق الدين والسياسة فالنظام المصري بعامة والأنظمة في الشرق الأوسط بخاصة يعتمدون المزاوجة بين العنف والسياسة كحل للسيطرة علي سدة الحكم، لذا لا أعتقد في ظل هذه الأجواء العنفوانية أن يحافظ الإخوان علي الدين والسياسة لكن ربما انتهجوا طريق العنف بعض الشيء مع السياسة ليكونوا أكثر استجابة للقوي المنافسة لهم.

ربما سيكون مفروضا علي الجماعة من قبل النظام في هذا الأثناء أن تفصل شيئا ما بين العقائد الدينية والعقائد السياسة، بل ربما يجدر بنا أن نقول أن مثالية الإخوان في التعامل كانت في صالحهم العام في الانتخابات العامة السابقة ومن ثم تم اجتذاب الأصوات والمنظمات الحقوقية والرأي العام العالمي لما حدث من انتهاكات.

ففي الثمانينيات والتسعينيات نجح مبارك في التوصل الأيدلوجي للتسوية مع الإخوان في حقهم في بعض الممارسات في مقابل ألا تستهدف الأمن القومي أو أن تشكل خطراً محدقاً علي النظام القائم.

فعلي الرغم من ذلك لم يطبق أعضاء الحزب الوطني الحاكم هذه السياسة بحذافيرها كما لم يمتثل بعض الإسلاميين لها كما يجب فذهبوا يلعبون علي الحدود السياسية غير المسموح بها مما أدي إلي ممارسة القوة والعنف ضدهم.

قام محللون مستقلون في هذا الصدد بالربط بين ذلك مصرحين بأن هذا الجو الذي نجح الإخوان في إرسائه في الثمانينيات والتسعينيات قد خدمهم بالفعل في أول محك لهم في انتخابات 2005 الأمر الذي دعي الكثير من الأعضاء في الحزب الوطني الحاكم بإعادة النظر في سياساتهم تجاه الإخوان وإحكام السيطرة والنفوذ عليهم للسيطرة علي المستقبل السياسي المأمول بشكل تدريجي.

لقد أدت النجاحات التي أحرزتها جماعة الإخوان المسلمين جراء الانتخابات المنعقدة لاحقا إلي تخويل الجماعة بفاعلية لم يسبق لها مثيل تبرر للحكومة هذا النوع من الممارسات لكبت هذا النجاح وتفويت فرصة التفوق عليهم بكل وسيلة ممكنة وغير ممكنة، لذا أجمع العديد من المحللين بضرورة ملاحقة نشاطاتهم وكبتها ووأدها في مهدها بل ومن ثم عدم تخويلهم الحق في إنشاء حزب سياسي يمَكنهم بعد ذلك من مضاهاة الحزب الوطني والحكومة تحت مظلة حزبهم الشرعي فتضعف شوكة الحكومة وتضمحل أمام الجماعة بهذه الاستراتيجية.

من هنا قامت الحكومة باعتقال آلاف القيادات في الجماعة بهدف حرمانهم من التخطيط للانتخابات القادمة وكذلك أيضاً أن يبتعدوا عن مناصبهم الهامة التي يشغلونها، كان علي رأسهم: عضو سابق في البرلمان المصري وأمين صندوق اتحاد القضاة مصر،أعضاء في نقابة المهندسين الإقليمية، الأمين العام لنقابة المهندسين، الأمين العام لنقابة الصيادلة بالإضافة إلي الأمين العام للنقابة الإقليمية لأطباء القاهرة والأمين العام للنقابة الإقليمية لأطباء الجيزة.

لكن علي الرغم من أن سياسة الحكومة في الحد من نشاطات الإخوان بالقبض والاعتقال لقادتها لم تكن يوما ما بسياسة ناجحة رغم تكرارها، إلا أن الحكومة سلكت نهجا ما في الحد من النشاطات حينما قامت باعتقال ممولي الجماعة ومن لهم مصالح تجارية معهم ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم للحد من نشاطهم التجاري ومن ثم إغراقهم في أزمة مالية وتوريطهم في ديون دائمة.

قامت الحكومة في ديسمبر 2006 بمداهمة منزل المهندس خيرت الشاطر الواقع في شمال شرق القاهرة وأخذت ما كان بالمنزل من أموال سائلة وجمدّت أرصدته البنكية كذلك في خطوة لتجفيف المنابع الاقتصادية للجماعة كما يعتقدون.

من الواضح أن الحكومة المصرية فشلت في التعرف علي أسباب نمو الجماعة حتي تقضي عليها كما يجب، لكنها لم تتعرف بعد علي جذور نموها الاقتصادي والسياسي وغيرهما من المجالات الأمر الذي ستفصح عنه الأيام المقبلة من نجاح هذه الخطط من فشلها.

4) الأوضاع الاقتصادية ونمو الأصولية الإسلامية

لقد أجمع الحرس القديم في الحزب الوطني الديمقراطي بوجود ظروف ضاغطة تكبل الحزب الوطني وعلي النقيض تماما تمنح الإخوان حركة ونشاطا لا مثيل له.

لقد مُنح الشعب المصري لأول مرة بهذه الانتفاضة الروحية الدينية بعد أن تكبد الويلات من اتباع الأنظمة اللاحقة مع تغاير اتجاهها من شيوعي واشتراكي وعلماني بالإضافة إلي فشل هذه الأنظمة مجتمعة في تلبية حاجات الشعب وحل مشاكلهم علي كل الأصعدة.

لذا كان لابد لسهم الإخوان أن يعلو وأن يبدأ سهم الحزب الوطني في الهبوط أمام هذه الإرادة الشعبية الجارفة.

فمنذ عام 1950 نهجت مصر العديد من المناهج الاقتصادية تبعا للظروف والأحوال التي تتبناها الدولة: فمن عام 1957 حتي عام 1960 كان إضفاء الطابع الاشتراكي علي المؤسسات والهيئات، ومن 61 حتي 64 كان مشروع القومية العربية، ومن 65 حتي 71 كان إحكام السيطرة علي الاقتصاد من قبل الدولة وأخيراً كانت سياسة الانفتاح الاقتصادي التي مارسها الرئيس أنور السادات وصبغ بها الدولة آنذاك في 1974.

وتهدف هذه السياسة إلي فتح القطاع الخاص بآلية معينة تسمح له بمزاولة نشاطاته ومن ثم تنمية الاستثمار وجلبه من الخارج وتوجيهه داخل البلاد لتحقيق العديد من النجاحات أهمها القضاء علي معدل البطالة المتزايد وغيره من الخطط المرجوة والمستهدفة من وراء سياسة الانفتاح.

وبالفعل بدأت هذه السياسة في الإثمار مقارنة بواقع الاقتصاد في الخمسينيات والستينيات تحت قيادة جمال عبد الناصر.

ففي حين بدأت الدول في التنقيب عن البترول وكانت مصر من الدول البترولية بالفعل، قلت قيمة صناعة القطن ومدي الاعتماد عليه لتلبية النفقات التي تبذلها الدولة.

لكن رغم محاولة الدولة لتغيير النظام الاقتصادي للمضي قدما والتطورات المطلوبة لإنجاح مثل هذا النظام، إلا أن الدولة لم تحقق نجاحا يذكر مع الالتزام بهذا النظام إذا ما تمت مقارنتها بدولة مثل ماليزيا.

وعلي الجانب الآخر، كان عماد الاقتصاد المصري يقوم علي بعض الصادرات غير المستقرة من البترول والقطن وكذلك الاعتماد علي دخل قناة السويس والسياحة والاستثمارات التي يتم ضخها داخل مصر من قبل العاملين بالخليج.

وربما كان السبب في ذلك هذا النوع من عدم القدرة علي التسوية بين الاحتياجات والاتفاقات والصادرات والواردات والعرض والطلب ومنفقات الحكومة وعوائدها التي كانت في مقدمة هذه العوامل التي أحبطت النجاح المأمول لهذا النظام الاقتصادي الناجح "سياسة الانفتاح".

كما كان أيضا من أهم العوامل التي ساعدت علي تطور هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة هبوط عائدات القطن وكذلك انخفاض أسعار البترول الخام إضافة إلي عجز الميزانية، تلك الظروف التي تراكمت منذ السبعينيات وأوائل الثمانينيات حتي تم القضاء عليها بنجاح أوائل التسعينيات.

لقد كانت الحكومة عازمة بالفعل علي تغيير مثل هذه الأوضاع، لكن مما زاد الطين بلة هذا الغضب الشعبي والسخط العام الذي منيت به الدولة تجاه رفع أسعار السلع الأساسية.

ثم تم بالفعل تحقيق هذه الإصلاحات والتطورات بفعل صندوق النقد الدولي وكذلك برنامج التعديل البنائي والإصلاح الاقتصادي المقدم من قبل البنك الدولي (هندوسا و بوتر 1991).

حاول الرئيس مبارك بعدها بناء الاقتصاد المحلي بمزيد من الضخ الأجنبي والهدوء المحلي فاعتمد علي نادي باريس وقرض التعديل البنائي من البنك الدولي لتثبيت أقدام الاقتصاد المحلي.

وقد تطلب ذلك أيضا القيام ببعض الإجراءات مثل إلغاء القيود علي الأسعار والتقليل من النفقات الغذائية، معايرة معدل التبادل، إطلاق العنان لمعدل الفائدة، الإصلاح الاقتصادي في القطاع العام والخاص وكذلك الحرية في التجارة الخارجية.

كما تم استعادة الكثير من البنى التحتية وترقيتها بالإضافة إلي عدم الدخول إلي ساحات تجارية تستهدف المزيد من الوقت والمال والاعتناء بمواعيد تسليم واستلام المشاريع القائمة وتعديل حالاتها، والأخذ بما يفعل إجراءاتها وما يقضي علي الصعوبات المتمخضة عن تلك المشاريع إلي جانب خصخصة المزيد من المشاريع التي تمتلكها الدولة وتبدو غير مجدية ورفع القيود عن الواردات وتقديم معدل فائدة مرن. وكذلك قامت الدولة بتقديم المزيد من الامتيازات للمستثمر الأجنبي لتسهيل أدائه الاستثماري في البلاد.

هذا وقد أحدثت هذه الإصلاحات تغيراً نوعيا في الاقتصاد الوطني ليصل إلي 4.4% كنسبة للتغيير من2.1 علي مدي الثمان سنوات الماضية أثناء الثمانينيات (جيسبي، ماسون، مارتوريل 1996).

هذا وقد سجل الاقتصاد المصري ارتفاعا بلغ 5.5% من جراء نشاط السياحة وارتفاع أسعار البترول وزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال.

وكان الرئيس عبد الناصر قد حظر نشاط القطاع الخاص إلي حد ما ليكون القطاع العام هو السبيل الوحيد للتقدم الاقتصادي، في حين أصبح الاتجاه الآن للاعتماد علي القطاع الخاص الذي اعتمد عليه الاقتصاد المصري الآن بأكثر من 80% من إجمالي الناتج القومي وكذلك تطور أسلوب القطاع العام بأسلوب مصاحب.

وعلي الرغم من أن القطاع العام لا يملك إلا نسبة العشرين بالمائة فقط في دوره الاقتصادي، إلا أنه ما زالت هناك الكثير من التحديات التي تواجه الاقتصاد.

المشكلة الآن تكمن في عدم القدرة علي الموازنة الاقتصادية بين قوي السوق ، فهم يريدون المضي قدما والدفع نحو ضخ المزيد من المشاريع التجارية الاستثمارية، لكن ما زال ميزان البطالة والفقر وغيرهما يشكل عائقاً أساسيا إذ لم يصل الاقتصاد إلي معدل النمو 7% سنويا الذي يمكنهم من زيادة الدفع في هذا النطاق وهذا النوع من التعامل وكذلك يسمح بتقليل معدلات الفقر الذي تقضي بتجاوز نسبة الفقر المحددة بأقل من دولار واحد يومياً وهي النسبة التي حددها البنك الدولي بـ 19.6%.

ويأتي وضع صعيد مصر الذي يقطن فيه أكثر من 40% من سكان مصر والذي يشكل 70% من نسبة الفقر الإجمالي علي مستوي البلاد إضافة إلي نسبة البطالة التي تزداد يوما بعد يوم.

فطبقاً لجهات غير حكومية صرحت بأن نسبة البطالة التي قفزت من 20% لتصل إلي 84% في الفئة العمرية من 15 حتي 25 سنة (المهدي 2006) والأمر الذي زاد من حدة المشكلة أن نسبة زيادة السكان تتنامي بنسبة 2.% (جلوباليس) لتسهم هي الأخرى في حدة المشكلة كما هو الحال.

وتعجز الحكومة بالفعل عن خلق فرص عمل للخريجين من الجامعات المعاهد الذين بلغت نسبتهم 600000 خريج كل عام. وربما يجدر بنا أن نقول أن هذه الزيادات بل الترهلات السكانية تسهم إلي حد كبير في نشر الفكرة الأصولية الإسلامية بما أنه لم يري أي جديد من الحكومة في سبيل التقدم والازدهار الذي تتكلم عنه الحكومة ليل نهار.

كما تلاحظ ذلك جلياً في ضوء مفهوم إرساء الراديكالية حينما تري تنامي مدارس القرآن التي بدأت بخمسة طلاب لتصبح 3000 طالبا لتتنامى لتصل إلي 7000 طالباً مع الألفية الثانية لتصل إلي 1.5 مليون طالباً اليوم (جوندي 2006).

فعلي سبيل المثال جاء في الجريدة المصرية المسماة بالقاهرة علي لسان كاتبها النصراني سامح فوزي أنه صرح بأن الكتب المصرية تعلم الطلاب أن العقيدة الإسلامية هي بلدنا الحقيقية ولم يذكر أي شيء عن مصر باعتبارها البلد والمأوي الذي آوي المصريين بغض النظر عن دياناتهم وتحت الحكم الإسلامي (فوزي 2006).

وأضاف أن كتاب التربية الإسلامية الذي يدرس للصف الخامس الابتدائي فيه درس يحتوي علي قصيدة بعنوان بلادي والذي ذكر فيها أن الإسلام دين كامل الأمر الذي يلغي أساسا فكرة التعددية القائمة علي أرض مصر الآن.

وفي هذا الإطار تم نشر العديد من الكتب والأفلام وكل الأشكال الدعائية في أوائل التسعينيات تحت سمع وبصر أكبر مؤسسة دينية سنية وسطية في العالم،الأزهر، الذي من المفترض أن تواجه مثل هذه النزعات الإسلامية المسلحة.

هذا وقد لاحظ العديد من المراقبين لحقوق المرأة الكتاب النصارى والسياسيين الليبراليين تنامي العديد من المساجد غير المصرحة والتي تستخدم كمنابر لتلك الحركات الأصولية ومن يواجهها من الجمعيات العلمانية.

ولن نبعد كثيرا، حينما صرح وزير الثقافة فاروق حسني أن النقاب جزء من التخلف والرجعية قامت الدنيا ولم تقعد ضده فظهرت النزعات الأصولية علي حقيقتها المتغلغلة في صدور العديد من القواعد الشعبية المصرية.

لم نشهد مثل هذه النزعات من قبل في الخمسينات أو حتي الستينات إبان نظام جمال عبد الناصر الذي كان يؤسس للشيوعية والاشتراكية كما يري. لم نشاهد مثل هذه الأحداث المثارة حول النقاب ، لكن علي العكس تماما اليوم بلغت نسبة المنقبات من نساء الشعب المصري إلي أكثر من 80% وهم يمثلون جميع فئات الشعب وفي أماكن ربما تكون ذا أهمية في البلاد (شاهين 2007).

لكن جاء الكثير من المحللين السياسيين ليلقوا باللوم علي النظام الذي أدي إلي ظهور تلك الآثار النابعة عن التهاون في ملف حسم الراديكالية المسلحة.

ومن جانبه قال رئيس تحرير جريدة المحيط الثقافية الحكومية "إن أحداث ميليشيات الأزهر الأخيرة لتنبأ بما وصل إليه التهاون الحكومي في شأن الأصولية الإسلامية وتلك الميليشيا التي حاولت إثبات وجودها وكذلك فشل الحكومة في سياساتها في التعاطي مع جماعة الإخوان المسلمين علي المستوي الخاص والمشاكل الأخرى التراكمية علي المستوي العام" (الفتاح 2006).

وفي جريدة المصري اليوم المعارضة، كتب مجدي مهنا في مقال له قائلا "إذا كانت جماعة الإخوان تشكل خطراً أمنيا محدقاً علي البلاد، فكيف يتعامل النظام الحالي مع هذا الخطر الذي يهدد الأمن القومي" (مهنا 2007).

ثم يتساءل الكثيرون عن أن الحكومة قد قامت بسلسلة من الإعتقالات بلغت 17 ألفاً لكبح المعارضة الإسلامية ومشاركاتها المتعددة ما بين العامين 1987 إلي 1997 (فواز 1999)، فهي الآن بسياستها تجاه الأصوليين الإسلاميين المسلحين لا تبدوا ناجحة علي كل حال.

كل هذا كان بفعل توجه الدولة نحو الإسلام والقيم الإسلامية والدعوة إليها لمجاراة الإسلاميين في هذا الصدد، تلحظ ذلك جليا في خطابات ومحاضرات ولقاءات تلفزيونية وإذاعية وغيرها من وسائل الإعلام.

في ذلك الشأن صرح تحسين بشير المتحدث الرسمي باسم السادات سابقا "لقد منع الإسلام من السلطة والتسابق عليها، لكنه فاز بالفعل بالأرضية الشعبية فوزا ساحقا" (رودن بيك 1999).

فبعيداً عن الجدل حول مشاركة الحكومة الإسلاميين في رؤاهم الأصولية، فإن الناتج كان بالفعل واضحاً جلياً منذ أن سلكت مصر هذا المسلك، لقد خسرت مصر دورها الريادي والقيادي في المنطقة بعد أن كانت قد حازت علي مكانة لم تلقها دولة عربية من قبل.

فمنذ أيام عبد الناصر في الخمسينيات حيث الازدهار والتقدم في مقدمة صف الدول العربية، لم يكن بوسع مصر الآن تقديم بضاعتها الثمينة في الماضي في المجالات القيادية الفكرية السياسية الاقتصادية وغيرها الكثير والكثير. علي الأقل تماما، لم تعد السينما المصرية تقدم ما تحتاجه الأمة العربية كما كانت في سابقها المزدهر.

ففي حين كانت هذه الممارسات مباحة في الماضي، فإن الحاضر يشهد منعا وتشديداً من قبل الأزهر ومؤسساته لأي كتاب أو منتج أو أي مادة إعلامية تتناول السياسة أو الدين من منطلق السياسة أو العكس أو تلك المواضيع الحساسة كالجنس وغيرها مما أدي إلي تخلف مصر عن اللحاق بركاب التقدم الثقافي المشهود في الكثير من البلدان العربية علي حساب مصر.

ففي العصر الذهبي في الخمسينات والستينيات في عهد جمال عبد الناصر كانوا قد أنتجوا اكثر من 50 فيلما سينيمائياً في حين كان في الإنتاج في السابق لا يزيد عن 20 فيلماً.

كان في موقع رئاسة مجمع البحوث الإسلامية في هذا الوقت الشيخ سامي الشعراوي ،ابن الشيخ الشعراوي الشهير، الذي قام بدوره في تمرير العديد من الأفلام طالما أنها لم تخالف نصا شرعيا ومنع كل ما يخالف ويتحدى القيم والتعاليم الإسلامية ويسيئ إليها.

وقال عادل حمودة (الذي تم منع الكثير من قصصه) مدير التحرير في جريدة روز اليوسف الموالية للحكومة واصفاً ما فعله سامي الشعراوي المذكور سالفاً "لقد حانت له الفرصة كي يقضي علي معارضي أبيه من خلال منصبه في المجمع" (انجيل 2004).

وفي عام 1985 أصبح الأزهر مخولاً بمراجعة كل المنتجات الخاصة بالقرآن والسنة، وفي 1993 تم إحالة الفتوى له أيضاً إضافة إلي ما خصصته المحكمة الإدارية من إحالة الفتوى الإدارية التي تعرض علي المحكمة.

كما تم بعد ذلك تخويل الأزهر مطلق السلطة في الحكم علي كل المواد الإعلامية المنتجة بالقبول أو الرفض. لقد بدا بعد ذلك دور الدولة الذي كان أكثر إساءة لما نص عليه الدستور من حرية التعبير والحوار والجدال.

ففي فبراير 2007، قامت الدولة بحظر تدريس كتاب تاريخ العالم علي المدارس الأجنبية الذي ،حسبما جاء في جريدة ايجيبشيان جازيت، اشتمل علي إساءة واضحة للإسلام حسبما قررت وزارة التربية والتعليم والداخلية.

من هذه الأجواء بدى لنا وضع الكفالة والإجازة القانونية الذي يمارسه الأزهر بموجب قرار الحكومة علي المواد المنشورة أمرا يتنافى وحرية التعبير.

في هذا الصدد صرحصنع الله إبراهيم قائلاً "إن الكفالة القانونية التي تتبناها الحكومة وتفرضها فرضاً تتماشى مع رؤى الحكومة السياسية ومن ثم سياستها في تكميم الأفواه" (مقتبس من جريدة مالاليزيان صن 2007).

وفي إطار منازلة المسؤولين في ذلك الشأن باتوا يؤكدون علي أن الراديكالية الحقيقية هي التي تشاهد وتتزايد يوما بعد يوم في النساء المنقبات والرجال أصحاب اللحية الكثة الطويلة الذين تربوا في الخليج وأكلوا من ثرواته وتخلقوا بأخلاقه ظاهراً وباطناً وتعلموا هناك حيث الوهابية والسلفية.

هذا ويؤكد الكثيرون من المفكرين الأعمق تفكيرا في الحزب الحاكم أن سبب زيادة وترهل الحركة الإسلامية في مصر كان الرئيس السادات الذي فتح لهم الباب علي مصراعيه حتي لقي حتفه علي يديهم.

وعلي كلٍ فإن الجو يزداد احتقاناً يوما بعد يوم مع تزايد الإسلاميين وشدتهم في تطبيق ما يعتقدون والنظام وتعنته في سلك المسلك الديمقراطي الأمر الذي إلي مزيد من أعمال العنف والقلق الداخلي غيمت علي مصر في التسعينيات.

لكن من المتوقع أن هذه التهدئة بين النظام وأكبر قوي المعارضة في مصر الإخوان المسلمين لن يستمر طويلا، ففي أوائل 1990 لم يرضي أنصار الجماعات المسلحة من الجهاد والجماعة الإسلامية والتكفير بالتسليم للحكومة ومن ثم إنهاء حالة التهدئة بين الطرفين واللجوء لأعمال العنف التي أودت بحياة 1200 مواطن مصري وأجنبي علي السواء (الحناوي 2006).

وعلي غرار هذه الأحداث وتلك التصعيدات، قامت الحكومة باستخدام قواتها لمداهمة المنازل ومصادرة الأموال واعتقال الأشخاص وثيقي الصلة ومنعدمي الصلة علي السوية فقامت الجماعة الإسلامية في حدث مشهود في مدينة الأقصر عام 1997 بعملية نوعية أودت بحياة 58 سائحا مما أدي بالحكومة إلي المزيد من الإحكام والإغلاق والسيطرة الأمنية علي البلاد للقضاء علي تلك الحركات المنشقة.

وتم علي إثرها اعتقال الآلاف من المصريين لمدة أكثر ستة أشهر تحت ذمة التحقيق ومن بعدها الحكم عليهم أمام المحاكم العسكرية بدون الحق في الاستئناف علي الحكم. وفي مارس 99 قامت الحكومة بتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار بينها وبين الجماعة الإسلامية والذي تم إضعافها بفعل الإعتقالات المستمرة للأعضاء حتي تم الإفراج عن بعض الأعضاء الذين دام اعتقالهم لأعوام عديدة.

وعلي الرغم من ذلك يري بعض المحللين السياسيين أن هذا الضغط وإحكام السيطرة بالقوة علي آليات هذا الصراع الذي يمثل الحزب الوطني الحاكم جزءاً منه يؤجج جراح الماضي الذي لم تنقضي آثارها بعد.

فبسبب ما حققته حماس من انتصار ساحق في انتخابات 2006 أثر ذلك علي المنطقة بلا شك وخاصة مصر ومن ثم مشروعها لإرساء الديمقراطية حيث زاد هذا الفوز من حدة القلق والتوتر من الإسلام السياسي وسلطته المتزايدة في الداخل والخارج.

في هذا المعترك، قامت الحكومة بتأجيل انتخابات المحليات في فبراير 2006 لمدة عامين وتلاها التعديلات الدستورية التي تمت تمريرها بشكل أو بآخر يقلص سلطة الإخوان والجماعات الإسلامية بعامة الأمر الذي تم تفسيره من قبل الإخوان علي أنه خطوة لإقصاء الإخوان بعد فوزهم الساحق في انتخابات 2005.

فمن أجل أن يحافظ الحزب الحاكم علي دوره السلطوي هذا رغم ضعف الاستقرار السياسي في البلاد قد أدي بهم إلي منع أي تدفق إسلامي إلي سدة الحكم بأي نشاط ديمقراطي. وكانت ردة فعل الأصولية الإسلامية المسلحة هو الرد بالعنف والأدوات المسلحة هو الحل المتاح لمجابهة هذا الجدل السياسي.

5) الجدل حول التوريث

عاكف يرفض ترشح جمال مبارك للرئاسة

لقد اعتبر النقاد هذه الخطوة الذي قام بها النظام من تعديل للدستور هي الأخيرة في سلسلة من الحلقات المعقدة التي مارستها السلطة لكبح جماح المعارضة والقوي الإسلامية علي رأسها وكذلك تدعيمًا لنظام مبارك وتوطيداً له ومن ثم تقوية جبهة النظام والحزب الوطني لتوريث الحكم لفتاهم المدلل جمال مبارك بعد أن رفض الرئيس البالغ من العمر التاسعة السبعين من تعيين نائب له.

هذا ويتصور الكثيرون من المعارضين وغيرهم أن الإبقاء علي هذا المنصب فارغاً ليشغله جمال في المستقبل.ويري جمال الذي تلقي تعليمه في الغرب أن مستقبل هذه البلاد سيكون أفضل بزيادة التعاون مع القوي الغربية بدلا من القوي العربية التي نعتمد عليها الآن بلا جدوى.

وأكد الكثيرون من العاملين في المناصب الاقتصادية والتجارية والصناعية ما يتمتع به جمال مبارك من إمكانات هائلة وعلم وفير في تلك المجالات حيث عمل فيها كخبير بنكي يعتمد عليه.

هذا وقد تم إقحام جمال مبارك منذ 2000 و 2002 في الأمانة العامة للسياسات ومن خلالها للأمانة العامة للسياسات التي تم إنشائها خصيصاً من أجله.

لقد قام جمال بدوره في انتقاء الأساتذة والأكاديميين والمفكرين الذين يسند إليهم تلبية حاجات الشعب ومن ثم ترقية مسار الحزب الحاكم للدفع للأمام.

وأكد عبد الحليم قنديل رئيس تحرير جريدة الكرامة المعارضة أنه منذ أن تولي جمال مبارك رئاسة لجنة السياسات قامت اللجنة بالسيطرة علي العملية القانونية وسياسة الحزب العامة.

لذا قال الدكتور أحمد ثابت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن هذه المسودات القانونية التي يقدمها الحزب يتم رفعها للبرلمان علي طول الخط لتتم صياغتها في قوانين تخدم مصالح الحزب العليا (مورو وموسى العمراني).

ففي عام 2004، شهدنا تعديلاً وزارياً غير مسبوق حيث قام جمال مبارك بالدفع بموالييه ليقودوا الوزارات أمثال وزارة التجارة علي يد رشيد محمد رشيد والمالية علي يد يوسف بطرس غالي والاستثمار علي يد محمود محي الدين.

من جانبه قام جمال مبارك بدفع المزيد الإجراءات السلطوية فور تعيينه أمينا عاماً مساعداً للحزب الوطني الديمقراطي في فبراير 2006.

لذلك كان من الطبيعي أن يقبل الشعب المصري هذا الوريث الجمهوري للرئاسة قبل أن يتم فرضه عليهم فرضاً. لقد شكل زواج جمال مبارك من خديجة الجمال ابنة محمود الجمال الذي يعد أحد القوي التجارية الأساسية في مصر حالة من التأكيد المتعمد علي كيفية استفادة جمال مبارك من التعديلات الدستورية في المستقبل القريب ومن ثم نمو شعبيته كما يجب.

لقد باتت هذه الخطوة بالفعل بداية للتتويج الحقيقي كما يراه البعض لتولي المنصب الذي تم حجزه علي غرار التجربة السورية في تولية بشار بعد موت والده حافظ الأسد في يونيو 2000 الماضي.

هذا وقد رفض عدد من المحللين أن يتم عمل نفس الإعداد في مصر علي غرار تجربة سوريا منبهين علي أهمية الخطوة الديمقراطية التي اتخذتها مصر سالفاً والتي سيتم وأدها بهذه السياسة إذا كتب لها البقاء بجانب تجاهل جمهور الشعب وكذلك تلك الثورة الذي قام بها عبد الناصر والضباط الأحرار للإطاحة بالنظام الملكي الفاسد الذي قاده الملك فاروق في 1952.

لكن ربما كان للجيش الذي اعتمد الرؤساء السابقين جميعهم رأي آخر في ذلك، ففي هذا الأثناء تحدث مكرم محمد أحمد الصحفي المحنك والذي يعرف بقربه من الرئيس أن الجيش ليس علي أريحية تامة من جهة جمال مبارك حيث تنقصه العديد من الخبرات العسكرية خاصة والقيادية عامة.

إضافة لذلك، فقد تم ذكر اسم عمر سليمان وزير المخابرات المصرية في أحقيته وتأهيله لشغل هذا المنصب ومؤهلاته في النجاح في وقف إطلاق النار بين القوي الفلسطينية وعشائرها.

من هنا بات من المحتمل أن كما يؤكد الكثير من المحللين أن تكون الأفضلية والأرجحية في جانب الجيش ليرشح هو من يصلح للرئاسة والقيادة.

لقد كان الجيش ولازال هو المدعم الرئيس لقيادات الحكومة والرئاسة، فبداية من جمال عبد الناصر ونزولاً بمبارك احتل الجيش المرتبة الأولي في شغل هذه المناصب.

من هنا لن يسلم الجيش موقعه القيادي هذا بالسهولة المعهودة ومن ثم سيكون الرئيس القادم من الجيش كما هو متوقع.

لقد بات النظام المصري في عهد مبارك محافظاً علي هذه الفكرة،الاستعانة بالجيش وقواده، أكثر مما كان في عهد الرئيس السادات وكذلك الاعتماد عليه ليكون من داعمي الأمن الداخلي ومن مقوماته وأبرز مشاركيه وكذلك أيضاً بغرض القضاء علي أي حركات إسلامية محتملة لاختراق أية مؤسسة اجتماعية محلية.

لذا قام الجيش بدوره في تلبية الحاجات الأمنية وسد احتياجاته في 1990 للقضاء علي الأصولية الإسلامية المتطرفة.

واليوم يستعين مبارك بالجيش في إحكام القبضة علي الأمور في البلاد في مقابل أن يكوم الجيش من أهم مصادر الدعم الحكومي الحالي. لذا لن يكون من الحكمة في شيء أن تتخلي الحكومة عن دعم الجيش لها والوقوف بجانب نظام مبارك ليضمن قوة الجيش له منذ البداية.

لقد بدا من الفعل موقف القطيعة التي ينتهجها الجيش تجاه التوريث المحتمل من الأب للابن من مبارك لابنه جمال الذي تعوزه المؤهلات العسكرية المتوفرة في والده.

لذا لن تكون هناك أية موافقة من جانب الجيش لجمال مادام الأمر كذلك ولابد علي والده أن يتحرك ليستغل خبرته وعلاقاته العسكرية في استمطار رضا الجيش عن ابنه الأمر الذي بات مستبعداً إجرائياً في هذا التوقيت.

6) خاتمة

لكن يبقي في ظل هذه الأطروحات والاقتراحات المعروضة علي الساحة فيما يخص التوريث وما يدور حوله من قلاقل، يبقي من الواضح أن مسلسل الصراع الدائر بين الحزب الوطني بغض النظر عن ممثله وبين الإخوان المسلمين علي طول المشهد السياسي.

لكنه علي الرغم من أن نتائج التعديلات الدستورية قد باتت في محلها ومحل التوقعات المرتقبة، إلا أن مستقبل الخطاب السياسي وخاصة فيما يخص قضية التوريث وكذلك طموح الإخوان في السيطرة علي البلاد ومن ثم إرساء مبدئها الإسلامي كل ذات بات غير معلوم علي كل حال.

لكنه بات من الصعب التكهن بمجريات الأمور عند الإخوان فيما يخص أيدلوجياتهم في التعامل المستقبلي مع النظام ومدي بقائهم علي خيارهم في نبذ العنف والوصول من خلال التغيير والإصلاح المدني غير المسلح أو نهج بدائل أخري تتماشى وآلية الصراع المستقبلي.

فعلي الرغم من أن جماعة الإخوان قد نهجوا سياسة التخلي عن العنف ونبذه كأداة للتغير منذ عام 1970، إلا أنه بات هناك المزيد من النقد من جانب الحكومة والمجتمع الدولي عن إمكانية جعل هذه الميزة وحدها كافية لتؤهل الجماعة للدخول الشرعي في الساحة السياسية.

فعلي الجانب الأول، عبر أحد قادة الجماعة واصفاً قيادة الإخوان القديمة بأنها الأكثر التزاماً وتعصباً للمثالية والتمثيل الحقيقي للقيم الدينية.

لكن علي الجانب الآخر يري بعض المحللين أن تلك الخاصية ستكون أكثر دفعاً للامتعاض والإحباط وخاصة إذا كان يسوقهم هذا النهج من التعصب المتأصل.

فعلي الرغم من وجود الخطر الكامن وراء السماح للإخوان الأكثر تعصباً بالدخول في العمليات الانتخابية، إلا أنه لن يكون مثمراً علي كل حال أن يتم منعهم من هذه الفرصة المواتية.

من هنا تظهر المحنة الأساسية التي يعانيها النظام في علاقته مع الإخوان، ففي إطار إرادة الحكومة نهج سياسة التسامح مع الإخوان، فهي أيضاً لا تريدهم التدخل في السياسات العامة للبلاد من أجل إحكام السيطرة علي السلطة في البلاد ومن ثم ممارسة تطبيق المبدأ العلماني فيها.

لقد أجبرت هذه المحنة بالفعل الكثير من المحللين علي إعادة النظر فيها في ضوء التعهد المصري إضافة إلي التعهد الأمريكي بإرساء الديمقراطية النهج الذي نهجتها أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الأخيرة وتعهدها من تاريخه فصاعداً بشن حملات ضد أي مبدأ يكرس الأصولية الإسلامية بأي شكل من أشكالها.

فحينما أصرت الإدارة الأمريكية علي ضغطها علي الحكومات العربية للسماح للمعارضة حتي وإن كانت إسلامية بخوض غمار التجربة الديمقراطية من خلال الانتخابات، وجاءت جماعة الإخوان المسلمين في مقدمة الصف المعارض الفائز كأكبر قوي إسلامية معارضة في المنطقة، لم تستطع الإدارة الأمريكية الثبات علي موقفها في الضغط في هذا الجانب والثبات علي تعهداتها علي الإطلاق (حامد 2007).

لقد نصحت الحكومة المصرية الإدارة الأمريكية طويلاً بأن ملف الديمقراطية هنا في مصر لا يمكن تطبيقه في غمضة عين بل لابد إجراءات ابتدائية مثل دعم خطط السلام طويلة المدى مع إسرائيل ودعم العلاقة مع الغرب للعمل سوياً وكذلك حفظ الأقليات والعرقيات الدينية داخل البلاد بما يضمن تحقيق هذه الفكرة كما يجب.

فحينما لم تستطع مصر أن تكون هي الراعي الرسمي للدمقرطة طبقاً لظروفها المطبقة، تركتها الإدارة الأمريكية وشأنها الشعبي لتكون أكثر عرضة من ذي قبل. ففي حين أن الإدارة الأمريكية والحكومة المصرية يحاولان جهدهما الوقوف علي أرضية صلبة تمكنهم من التعامل الجيد مع إرادة الإخوان التدخل في المشهد السياسي، يبقي المشهد السياسي في مصر علي شفير حاد من الغموض وضبابية الرؤية.

فمع تزايد حدة هبوط أسهم مبارك ومن ثم ملف التوريث المستقبلي، يبقي صعود أسهم الإخوان المسلمين ممكناً وخاصة في ظل هذا المشهد القاتم المعتم الذي يمثل مواقف الحكومة الهابطة في إصلاح سياسة البلاد واقتصادها وتنامي فرص استقرار البلاد داخلياً وخارجياً. لذا يؤثر هذا المشهد بلا شك علي الأداء الانتخابي بأي شكل من الأشكال.