المرجعية الإسلامية للدولة بين الإخوان المسلمين والليبراليين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المرجعية الإسلامية للدولة بين الإخوان المسلمين والليبراليين .. دراسة مقارنة

موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

الفصل الأول: المرجعية الإسلامية للدولة عند الإخوان المسلمين

مقدمة

Ikhwan-logo1.jpg

قال تعالى : "لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ "(النور: 46-52)

حقيقة لقد ظهرت مصطلحات سياسية كثيرة لم تكن موجودة فى العصور الإسلامية بالرغم من الوجود الفعلي للمدلول، فلم يكن معروفا فى تلك العصور كلمات : السياسة ، و المدنية ، مرجعية الدولة ، و الدستور والقانون، والديمقراطية لم تكن موجودا من قبل لكن معناه كان موجودا بالفعل .

ونجد من يقول: عندما يقال : قال الله وقال الرسول، فماذا نقول نحن ؟؟ إذن لا مجال للرأي والاجتهاد بعد قول الله و قول الرسول . فهم يظنون ـ جهلا ـ أن الحاكم فى الإسلام أشبه بالمفتى الذى يبين الحكم الشرعي فى القضايا المطروحة ، وبالفعل فهي كلمة حق يراد بها باطل.

والجهل بالنظام السياسي الإسلامى وراء افتراءات كثيرة يسطرها الليبراليون والعلمانيون والشيوعيون واليساريون ويرددونها حتى يظن كثيرون منهم أن المرجعية الإسلامية للدولة تصادر الحريات ، وتفرض إرادتها قسرا ولا مجال فيها للعقل والفكر؛ لأن الحكم فيها مقدس منزل من عند الله لا رأى للإنسان فيه ، وعلى الإنسان أن يستقبل أحكامه بالرضا والقبول دون مناقشة أو إبداء رأى أو اعتراض ، ومن يخرج عليه يحكم عليه بالكفر ، وإن آثر الشعب الصمت، فإنه يستبدل استبدادا باستبداد آخر من نوع جديد فى صورة الحكم الدينى .

إن من يدرس النظام السياسي فى الإسلام يجد فصلا تاما بين العالم الفقيه الذى يستنبط الأحكام الشرعية وبين الحاكم أو رئيس الدولة فى ظل المرجعية الإسلامية ، فالفقيه يصل إلى مكانته الفقهية باجتهاده فى العلوم الشرعية واللغوية ومرجعيته القرآن والسنة ، أما الحاكم أو الرئيس فإنه يصل إلى منصبه باختيار الشعب الذى يستمد منه الحاكم أو الرئيس شرعيته ، ولا يشترط فيه ما يشترط فى الفقيه من الناحية العلمية ، ويكون اختيار الشعب نابعا من إرادته الشخصية وثقته فيمن يختار.

يقول الدكتور يوسف القرضاوى: والحاكمُ في الإسلام واحدٌ مِنَ الناسِ ليس بمعصوم ولا مُقدَّس. يجتهدُ لمصلحة الأمَّةِ ؛ فيصيبُ ويخطئ. وهو يستمدُّ سلطتَه وبقاءَهُ في الحكمِ من الأرض لا مِن السماءِ، ومِن الناسِ لا مِن الله، فإذَا سحب الناسُ ثقتَهُم منه، وسخطتْ أغلبيتُهُمْ عليهِ لظلمِهِ وانحرافه ؛ وَجَبَ عزلُهُ بالطرقِ الشرعيَّةِ، ما لم يؤدِّ ذلك إلى فتنةٍ وفسادٍ أكبرَ، و إلا ارتكبُوا أخفَّ الضررين، والحاكمُ في الإسلام ليس وكيلُ الله ، بل هو وكيلُ الأمة، أو أجيرُهَا، وكَّلَته إدارةُ شؤونِهَا، أو استأجرته لذلكَ.. والدولةُ الإسلاميَّةُ لا يقوم عليها رجالُ الدينِ بالمعنَى الكهنوتيِّ المعروفِ في أديانٍ عدَّةٍ ؛ فهذا المعنَى غيرُ معروفٍ فِي الإسلام، إنما يوجد علماءُ دين مِن بابِ الدراسة والتخصص، وهذَا بابٌ مفتوحٌ لكلِّ من أرادَهُ وقدر عليه ..(1)

ومرجعية الحاكم الدستور والقانون المستمد من القرآن والسنة. وبالتالي فإن أحكام القرآن والسنة مواد حاكمة للدستور، ورئيس الدولة لا يبفرد بقرارات تمس الدولة دون مراجعة السلطة التشريعية ممثلة فى نواب الشعب، ومن هنا فإن رئيس الدولة ينطلق فى حكمه من خلال مؤسسة تشريعية منتخبة من الشعب لا مؤسسة دينية، ورئيس الدولة يطبق فى سياسته الأسس العامة للحكم فى الإسلام ، ومنها : الشورى والحرية والعدل والمساواة ، والعمل على رفعة الوطن والارتقاء به . وهذه المبادىء ، وهى أصيله فى النظام السياسي الإسلامى وتنص عليها دساتير العالم ، ثم نجد من يطالب بها كأن لا وجود لها فى الإسلام .

والإسلام لم يمنح أي حاكم سلطة دينية علي أحد من الناس ، فهو ليس معصوما ، ولا مهبطا للوحي , ولا مستأثرا بتفسير القرآن,وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوحى إليه وعمله من مصادر التشريع ، ومع ذلك كان المسلمون يراجعونه فى قرارته وينزل على رأيهم . و ليس فى الدولة الإسلامية سلطة دينية تفرض وصاية على رئيس الدولة ولا المؤسسات التشريعية ، لأن من واجبات رئيس الدولة والسلطة التشريعية الحفاظ على قواعد الإسلام ومبادئه . وفى ذلك يقول الأستاذ البنا عن مسئولية الحاكم:

" فالحاكم مسئول بين يدي الله وبين الناس ، وهو أجير لهم وعامل لديهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ، وأبو بكر رضي الله عنه يقول : عندما ولى الأمر وصعد المنبر: (أيها الناس ، كنت أحترف لعيالي فأكتسب قوتهم ، فأنا الآن أحترف لكم ، فافرضوا لي من بيت مالكم) . وهو بهذا قد فسر نظرية العقد الاجتماعي أفضل وأعدل تفسير ، بل هو وضع أساسه , فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحاكم على رعاية المصالح العامة , فإذا أحسن فله أجره , وإن أساء فعليه عقابه "...(2)

ورئيس الدولة بينه وبين الشعب عقد اجتماعي عندما تقدم ببرنامجه وعرضه على الشعب ليختاره رئيسا ثم أساء واستبد بالأمور ، فالساكت على الفساد والظلم مشارك فيه ، ومن حق الشعب الذى اختاره أن يعزله .

ومن هنا فالإسلام وضع القواعد الكلية التى يجب على البشر الالتزام بها ، وترك التفصيلات ، وترك للمجتمع الاجتهاد فى تحقيقها بالصورة التى تناسبه . وما يحدث ممن محاولة إقصاء الإسلام من الحياة ، هو فى الحقيقة جهل بالإسلام ومبادئه السياسية .


تمهيد

1- المرجعية الإسلامية للدولة تُسْتِمد من الثقافة السائدة فى المجتمع

الثقافة السائدة فى المجتمع تعنى الفكر السائد الذى يعتقد به المجتمع وتتشكل ثقافته منه ، فإذا نظرنا إلى الأمور التى استقر عليها المجتمع فى مصر والبلاد العربية نجدها مستمده من الثقافة الإسلامية ، فمرجع ثقافة المجتمع إنما هو الإسلام ،فمن يشرب الخمر ينظر إليه المجتمع على أنه خروج على ثقافة المجتمع الذى لا يبيح شرب الخمر ، والشخص نفسه لايدعى أنها مباحا له ، كذلك فإن المجتمع لا يمكن أن يقبل الزنى على أنه حرية شخصية ، ومن هنا تشكلت ثقافة المجتمع المستمدة من الإسلام ، فلابد لأى دستور أن ينبع من ثقافة المجتمع لا يتصادم معه ،والثقافة السائدة فى المجتمعات العربية مرجعها الإسلام ، فليس غريبا أن نقول بأن المرجعية الثقافية الإسلامية للمجتمع ضرورة لحفظ كيان الدولة .
إن أى دولة فى العالم لها مرجعية تنبع من ثقافتها أيّا كانت هذه المرجعية ، فهى توافق لما يسود المجتمع من فكر، والمرجعية هى تشكل ثقافى يجتمع عليه الناس، والجماعة من الناس تحتاج إلى تنظيم، والتنظيم يقرر ضوابط للحركة والتزامات متبادلة، والمرجعية دائما تعكس الثقافة السائدة فى المجتمع بين الجماعة البشرية، والمعول عليه فى تكشف المرجعية السائدة بين الناس فى الجماعة المعنية.. ولا توجد دولة ولا نظام ولا فرد ولا جماعة إلا لها مرجعية ما، فى تعاملاتها ونظمها وعلاقاتها، فمثلا صدر فى فرنسا قانون يفرض منع الحجاب على المرأة فى ظهورها العام، وكان ذلك طبعا يستند إلى مرجعية سائدة فى المجتمع الفرنسى، وقد واجهها البعض بأن الأصل هو الحرية، وهى مواجهة جدلية بين أصلين مرجعيين انتهت بتوافق بينهما على نحو ما. والمهم أنه يمكن القول إنه لا يوجد إدراك بشرى بغير أن يكون له أساس مرجعى ثقافى. المرجعية إذن هى مفهوم فكرى ثقافى يتعلق بالأصول الفكرية المرجوع إليها ،وهى على سبيل البيان:
  • أولا: الأصول الفكرية والثقافة العامة التى تؤمن بها الجماعة، التى تشكل قوة التماسك الأساسية لها بوصفها البشرى.
  • ثانيا: الأصول الفكرية والثقافية العامة التى تصدر عنها مبادئ المشروعية فى المجتمع، سواء بالنسبة للأوامر والنواهى التى يلتزمون بها فى علاقاتهم مع بعضهم البعض، أو بالنسبة لأحكام التعامل التى يتداولونها ويتبادلونها بينهم.
  • ثالثا: الأصول الفكرية والثقافية العامة التى تتشكل منها هياكل النظم السياسية والاجتماعية المشخصة للجماعة والمنظمة لها بوصفها الاجتماعى والسياسى، سواء الجماعة السياسية العامة أو الجماعات الفرعية التى يتكون منها المجتمع من أسر وعشائر وقبائل وطوائف وحرف ومهن، وهى المنظمة لأنماط العلاقات الاجتماعية السائدة فى كل من ذلك...(3)
وإصلاح البنية الاجتماعية للأمة يتطلب إدراك الأمة لهويتها وقيمها المرجعية، إذن تتمثل بداية الإصلاح في بناء قدرات الأمة. وهنا يأتي دور الحركة الإصلاحية، بوصفها المحرك الأساسي لعملية الإصلاح. وما دامت الحركة الإصلاحية الإسلامية، تحوز على تأييد واسع بين الناس، وتحوز أفكارها على تأييد أوسع وأشمل، فهذا يعني أنها تحمل بالفعل المشروع الذي سيحقق توافق الأمة. وفي كل الأحوال، فإن على الحركة الإصلاحية العمل بين الناس حتى يتبلور إجماع الأمة، وهي في هذا تتفاعل مع جماهير الأمة، وتطور مسارها لتقوم بدورها الطليعي. ...(4)
ومعنى أن يكون دين الدولة الرسمي الإسلام أن تكون مرجعيتها الفكرية إسلامية، وأن تكون هذه المرجعية الإسلامية إنما تترجح من داخلها الآراء والاجتهادات لما أورده الدستور من مبادئ أخرى تتعلق بالمساواة والحقوق والحريات، وذلك كله في إطار ما تسعه المرجعية الشرعية وما تتقبله بأي من وجوه الاجتهاد الفقهي المعتبر مما يلائم أوضاع الزمان والمكان وتغير المصالح العامة للأمة‏.‏..(5)
وما يثار حول أن الإسلام دين الدولة يتنافى مع وجود مسيحيين ، فإن الدكتور نبيل لوقا بباوى يوضح خطأ ذلك التصور بقوله: " المقصود بأن الإسلام دين الدولة هو أن الغالبية العظمي من سكان مصر يدينون بالإسلام وهذه حقيقة وواقع لأن القول بأن الإسلام دين الدولة هي وصف مجازي لأن الدولة فكرة قانونية ، وهي فكرة الشخص الاعتباري والفكرة القانونية أو الشخص الاعتباري لا دين له ، فالدولة كشخص اعتباري لا تتوجه للصلاة أو أن الدولة تصوم‏,‏ فالدولة لا دين بها بصفتها شخصا اعتباريا أو فكرة قانونية لأن الدين فقط للشخص الطبيعي أو الإنساني‏,‏ فالمقصود بأن دين الدولة الإسلام‏,‏ المقصود بذلك أن غالبية المصريين يدينون بالإسلام مثلما نقول إن إنجلترا أو فرنسا أو إيطاليا دولة مسيحية أي أن الغالبية بها مسيحيون رغم وجود أقليات دينية أخري وعلي ذلك لا يوجد أي ضرر للأقباط من القول بأن الإسلام دين الدولة المصرية‏...(6)
وبعد ثورة 25 يناير اجتمع الليبراليون والعلمانيون واليسارون والشيوعيون على رفض المرجعية الإسلامية للدولة تحت ادعاءات أن الفكر المرجعى المستند إلى الإسلام ينكر شئون المصالح الدنيوية، وهو اتهام لا يقوم فى أساسه ولا لدى الغالبية الغالبة من مفكرى هذا المجال،و أن المرجعية الدينية لدى المؤمنين بها ليس فيها الفصل بين صلاح الدنيا والدعوة له وبين العبادة، وأن الإيمان أبدا مقترن بعمل الصالحات.
وأن منا من يستند فى مرجعيته عن حقوق الإنسان إلى نص البيان العالمى الصادر من الأمم المتحدة بأن جميع الناس يولدون أحرارا متساوين فى الكرامة والحقوق، فلماذا لا يقبل مواطن له يقول ذات المعنى مستندا إلى نص عبارة عمر بن الخطاب ؟ ولماذا تقوم الفرقة بين الاثنين ؟ وكذلك بالنسبة للقول عن حرية الفكر والاعتقاد وأنه لا إكراه فى الدين ، وبالنسبة للوفاء بالعهود.
إن " المرجعية " بوصفها مفهوما ثقافيا تفرض نفسها شئنا أم أبينا على جميع المؤسسات والسلطات وقيم السلوك ونظم المعاملات، وهى لا نختارها من مرجعيات عديدة معروضة علينا، وإنما هى ما يتعلق بالشأن الثقافى الحاصل وبالواقع الفكرى السائد لدى الجمهرة الغالبة من المواطنين فى كل عصر ومصر، هى ما يؤمن به الشعب فى عمومه ويتخلل العقول والأذهان فى الحياة البشرية الوطنية، وهى ما يحفظ قوة التماسك لهذه الجماعة المعنية...(7)

‏:ومن هنا فإن من يعرف مفهوم المرجعية الإسلامية يدرك أنها أمان للمجتمع وحفظ حقوقه مسلمين ومسيحيين ،ولا يوجد ضرر علي الأقباط من ذلك لأن الضرر يقع علي الأقباط لو كان النص الدستوري يقول إن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع ولكن النص الدستوري لم يقل المصدر الوحيد بل قال المصدر الرئيسي أي أنه يوجد بجوار المصدر الرئيسي مصادر أخري‏,‏ خاصة بالمسيحيين مثل الإنجيل أو الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وكتب الرسل وقرارات المجامع الكنسية‏. والمقصود من ذلك وجود مصادر أخري مسيحية كثيرة بجوار الشريعة الإسلامية تحكم مسائل الأقباط‏,‏ خصوصا الأحوال الشخصية لأن الإنجيل .

ولم تعن المسيحية بتنظيم واجبات الإنسان نحو غيره ولم تعن الشريعة المسيحية بالمعاملات أو العقود أو غيرها من المسائل التنظيمية بين الناس وكل ما ورد في الإنجيل في إنجيل متى الإصحاح الخامس آية ‏22‏ وإنجيل لوقا الإصحاح السادس عشر في مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين وهذا المبدأ هو‏(‏ أتركهم لما يدينون‏)‏ أي في مسائل الأحوال الشخصية للمسيحي أتركهم للإنجيل ومسائل الأحوال الشخصية لليهود أتركهم للتوراة ومعني ذلك أن مسائل الأحوال الشخصية يجب تطبيق الإنجيل فيها بالنسبة للأقباط وهذا ما تقرره الشريعة الإسلامية أما غيرها من المسائل المالية أو العقود أو المعاملات المدنية فليس منصوصا عليها في الإنجيل وعلي ذلك في المسائل المالية والمدنية لا يوجد أي ضرر أن يكون هناك قانون واحد يطبق علي جميع المسلمين والمسيحيين في الدولة الواحدة لأنه ليس من المعقول في المسائل المالية والمدنية أن يصدر قانون شيك يطبق علي الأقباط وقانون شيك يطبق علي المسلمين أو قانون إيجارات للمسلمين وقانون إيجارات للمسيحيين‏,‏ ففي المسائل المدنية والمالية يخضع جميع المواطنين لقانون واحد لأن القاعدة في المسيحية التي أقرها السيد المسيح في الإنجيل هي‏(‏ اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله‏)‏ أي أطيعوا الحاكم في المسائل الدنيوية وأطيعوا الله في المسائل العقائدية‏.‏..(8)
ويوجه المستشار طارق البشرى نداء لمعارضى المادة الثانية من الدستور بقوله : " لذلك أرجو من الحريصين على تأكيد مبدأ المساواة أن ندعمه بكل الإمكانات الفكرية، وأن نقيمه لدى المؤمنين بالإسلام على أسس تصدر من مرجعيتهم،‏ وأن المساواة تؤدي إلى الاندماج، أما من كان يقصد من تعديل هذه المادة إضعاف إسلامية الدولة، فإن نص المادة الثانية المذكورة هو كاشف عن واقع استتباب الإسلام لدى المسلمين في مصر وليس منشئا له طبعا‏.‏ ولن يغير التعديل واقعا، ولكن يثير حفيظة ويعمق جرحا، ويقيم تناقضا على المدى الطويل، تناقضا ليس بين المواطنين المسلمين والمسيحيين، ولكنه تناقض بين مبدأ المرجعية الإسلامية ومبدأ اللادينية السياسية‏.‏..(9)

2- عدم تخلى الإخوان عن الناحية الإيمانية والتربوية

قد يظن كثيرون أن العمل السياسي للإخوان المسلمين سيؤثر على الجانب الإيماني والتربوي عندهم ، وبالتالي بعد فترة من السياسة يخفت الجانب الإيماني والتربوي شيئا فشيئا حتى يصبح الإخوان جماعة سياسية ، ويحدث انفصال بين الجانب السياسي والإيماني ، والإخوان فى برنامج حزب الحرية والعدالة يؤكدون على عدم تخليهم عن الجانب الإيماني والتربوي ، ففي برنامج الحزب " ولذلك فالجانب الأول فى برنامج حزبنا يعتمد على تزكية النفوس وتطهير القلوب وترقية المشاعر وتهذيب الطباع بالدعوة إلى الالتزام بالعبادة ومكارم الأخلاق وحسن المعاشرة والمعاملة والتذكير بالله واليوم الآخر حتى تستيقظ الضمائر وتتكون المراقبة الذاتية، وتستقر قيم الخير فى النفوس وتنفر من الشر ودواعيه، إضافة لتكوين المناخ الصالح الذى يحض على الاستقامة والصلاح، وتقديم القدوة الحسنة، وتوظيف المدرسة والبيت والمسجد والكنيسة وأجهزة الإعلام فى ذلك.
وهذا المنهج ليس خاصاً بالمسلمين دون غيرهم ، ولكنه منهج تعتمده الأديان وبخاصة المسيحية التى تعنى بالأخلاق والمعاملة اعتناءً فائقاً .والقلة التى لا يصلحها هذا المنهاج تتصدى لها التشريعات وأجهزة الرقابة والعقوبات "إن الله ليزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن " ...(10)
لقد ظهر فى مصر بعد ثورة 25 يناير اتجاهات تهاجم إسلامية الدولة وتدعى أن أي دعوة إلى مرجعية إسلامية للدولة ، إنما هي دعوة إلى دولة دينية تمارس الديكتاتورية والاستبداد ، ولا حكم ولا رأى للإنسان فيها ، والحاكم فيها يحكم بالحق الإلهي كما كان فى الحكم الديني المسيحي فى أوربا ، ولو انصفوا لقالوا لا نريد حكما إسلاميا ، وهذا رأيهم الذى لا يستطيع أحد أن يصادر حريتهم فى التعبير . أما أن يحاول أن يفرض رأيه على الدولة ،وأن تسير وفق رأيهم ، وتنحى الإسلام جانبا ، فهو أمر لا يمكن قبوله بحال مكن الأحوال .
وهم يسوقون حدثًا تاريخيًا من هنا ، وحدثا آخر من هناك للاستدلال على أن الدولة الإسلامية لم تطبق الإسلام إلا فترة الرسول صلى الله عليه وسلم والراشدين حتى سنة 41هـ ، وأصبحت الدولة بعد ذلك لا صلة لها بالإسلام ، وأن حكم الدولة الإسلامية أصبح حكما علمانيا يراعى مصالح المجتمع ولا صلة لها بالإسلام .
هناك من يظن أن الإخوان لا يقبلون مشاركة الآخرين فى البناء ، وبالتالي فهم يرون أنفسهم الفصيل السياسي الوحيد الذى يستطيع أن يقوم ببناء الوطن وتطبيق الإسلام ، ومن هنا تأتى نظرتهم إلى إقصاء الآخرين .
حقيقة إن الإخوان يعتبرون أنفسهم جماعة من المسلمين ، وليسوا جماعة المسلمين . وإذا كان الإخوان ينادون بالمرجعية الإسلامية للدولة ،فإنهم لم يحتكروها لأنفسهم دون غيرهم ، فحزب " النور"، و" الوسط " مرجعيتهما إسلامية . وبالتالي فإن ذلك لا يعنى إقصاء الآخرين عن العمل من أجل رفعة البلاد ، بل لا يقوم البناء إلا بتكاتف الجميع ، ونجد ذلك " حين وضع الإمام «البنا» تصورًا لفكر الجماعة ومنهجها، كانت الجماعة أداة ووسيلة لبناء نهضة الأمة بناء على المرجعية الإسلامية، وليست هدفاً بحد ذاته. كما أن «البنا» حدد بوضوح أننا لسنا وكلاء عن الأمة في بناء النهضة، ولكن نحن ندعو ونرغب في الفكرة، ونوعي، ونشارك الأمة في بناء النهضة ولا يفترض أن يقوم الإخوان وحدهم بالمهمة. "..(11)
إن الاتجاهات الليبرالية والعلمانية واليسارية تحاول إقصاء الإخوان عن العمل السياسي والمشاركة فى خدمة وطنهم عن طريق تشويه الحقائق لدى الجماهير المؤيدة للإخوان بأن نشاط الإخوان السياسي يجعلهم يتخلون عن مبادئهم الأخلاقية وبالتالي يصبحون بعد فترة قصيرة مثلهم مثل غيرهم الغاية عندهم تبرر الوسيلة . ولذا ينبغي على الإخوان لكي يحافظون على مبادئهم الأخلاقية أن يبتعدوا عن السياسة . لكن السؤال الذى يطرح نفسه ، لماذا يحذرون الإخوان من السياسة ويطلبون منهم الابتعاد عنها ثم يقبلون هم عليها ؟! أليس هذا تضليل وخداع ومخالفة القول للفعل؟ وإذا تخلى الإخوان عن المشاركة السياسة ؛ فإنهم يتركون إدارة الدولة لمن يمارسون الكذب والغاية عندهم تبرر الوسيلة على حد تعبيرهم.
وقد ردّ حزب الحرية والعدالة على ذلك فى برنامجه ، ومما جاء فيه : " وهناك أمر آخر فى غاية الأهمية وهو رؤيتنا للسياسة، فبينما يرى الكثيرون أن السياسة هي فن الكذب والنفاق والتلون والخداع حتى وصفها بعضهم بأنها عملية قذرة ينبغي على كل من يحرص على نظافة سمعته وسلامة مبادئه أن ينأى عنها.
يرى حزبنا أن السياسة هي فن إدارة الدولة وتدبير أمور الناس، بحيث تحقق الأمن والعدل والكفاية والقوة والمنعة والتقدم والخير والحق والفضيلة لجميع الناس.
وهذا كله لا يمكن إنجازه إلا بارتباط السياسة بالمبادئ والأخلاق والصدق والوفاء والأمانة والإحسان، والضمير الحي الذى يزجر أصحابه أن يأكلوا الحرام من المال، أو يعتدوا على المال العام، أو يقبلوا الرشوة باسم الهدية أو العمولة أو يعتدوا على حقوق الإنسان أو يقوموا بتزوير الانتخابات واغتصاب السلطة أو يولوا المناصب للأقارب و المحاسيب .
فالأهداف العظيمة عندنا لا تتحقق إلا بوسائل نظيفة، ومن ثم نرفض مقولة (الغاية تبرر الوسيلة)، ونرفض مقولة (السياسة عملية قذرة) وإنما نمارسها لننظفها ونطهرها، ونسمو بها إلى مستوى الأعمال والأخلاق الراقية.
بهذين الجناحين المادي والمعنوي يستطيع الفرد والمجتمع أن يحلق إلى آفاق المستقبل المشرق بإذن الله ...(12)
ومن ناحية أخرى فإن من مارسوا السياسة على مدار العقود الطويلة الماضية لم يطبقوا النظام السياسي الإسلامى وإلا لما وصلت البلاد إلى الفساد والظلم والاستبداد الذى أدى إلى قيام ثورة 25 يناير 2011 ، وبالتالي فإن السياسة لا تتحمل أوزار أصحابها ، فمن أفسدوا الحياة السياسية هم اليوم فى السجون ، والحزب الوطني المنحل الذى زور واستبد وأفسد تم حلّه ، وبقيت المواقع السياسية كما هي لمن يصلح ويحسن ، ولا وجود لمن يمارس سياسة الظالمين والفاسدين ، فلماذا لا يتقدم الإخوان ، وهم الذين بذلوا وضحوا فى عهود الظلم والاستبداد ؟! .
والإخوان يتفهمون طبيعة المرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد ، وتحاول كل طائفة إثبات ذاتها ووجودها وطرح برامجها وعرض أفكارها على الساحة ، ولعلنا عندما نقرأ (رسالة نحو النور) للأستاذ الإمام حسن البنا نشعر بأنه كتبها اليوم بعد ثورة 25 يناير فى مصر ، وليست من سبعين سنة تقريبا ، يقول الإمام حسن البنا عن أهمية المرحلة الانتقالية وخطورتها :
"وإن أخطر العهود في حياة الأمم وأولاها بتدقيق النظر عهد الانتقال من حال إلى حال ، إذ توضع مناهج العهد الجديد ، وترسم خططه وقواعده التي يراد تنشئة الأمة عليها والتزامها إياها , فإذا كانت هذه الخطط والقواعد والمناهج واضحة صالحة قويمة فبشِّر هذه الأمة بحياة طويلة مديدة وأعمال جليلة مجيدة , وبشِّر قادتها إلى هذا الفوز ، وأدلتها في هذا الخير بعظيم الأجر وخلود الذكر وإنصاف التاريخ وحسن الأحدوثة. " ..(13)
وقد أوضحوا كثيرا مما يتعلق بمنهجهم السياسي ومرجعيتهم الإسلامية ، ونجد حزب الحرية والعدالة يوضح ذلك فى برنامجه السياسي ، وفيه: " ومن ثم فإن حزب الحرية والعدالة يتخذ من الشريعة الإسلامية التى يؤمن بها أغلبية شعبنا المصري مرجعيته ودليله.وهذه الشريعة بطبيعتها تؤكد على جملة مبادئ أولها قضية الوحدة الوطنية ، فما دامت الشريعة تقر حرية الاعتقاد وحرية العبادة وحق غير المسلمين فى التحاكم إلى شريعتهم فى أمورهم الخاصة وتساوى بين الناس فى الحقوق والواجبات فهى تؤكد حقيقة الوحدة الوطنية ." ..(14)


المبحث الأول: المرجعية الإسلامية للدولة : رؤية تاريخية

ينص الدستور فى البلاد العربية على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ، وتنص دول أوربية على دين الدولة بالرغم من وجود أقليات مسلمة ، ودول تنص على علمانية الدولة ، و أخرى لا تنص على دين فى الدستور ،ولم تثر مشكلة حول إقرار الدين فى الدستور من عدمه ، ولم نسمع بجدال ومحاولة من الأقلية فرض إرادتها على الدولة والاعتراض على أن ينص الدستور على دين الغالبية العظمى من الشعب كما نجد فيما فى مصر من قبل الليبراليين والعلمانيين والاتجاهات الأخرى .بالرغم من أن مرجعية الإسلام على طول التاريخ لم يثر حولها مثل هذا الجدل والنقاش ، وكانت من المسلمات المتعارف عليها بين الجميع .و" جميع الدول العربية تنص في دساتيرها علي الدين الأساسي للدولة هو دين الأغلبية هو الإسلام وأن هذه الدساتير تحترم حرية إقامة الشعائر الدينية لبقية الطوائف الدينية‏,‏ ورغم أن هذه الدول بها مسيحيون فلم يطالب أحد بإلغاء هذه المادة لذلك فإن الدعوي لإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص علي أن دين الأغلبية للشعب المصري هو الإسلام هي دعوي ظاهرها الحق وداخلها الباطل لإحراج النظام المصري أمام بقية الدول العربية ولا أدري لماذا الإصرار علي قضايا فرعية لا فائدة من الجدل حولها إلا الفرقة والوقيعة طالما أن الخط الأساسي في الدستور المصري هو احترام حرية العقيدة لجميع الطوائف الدينية وحرية إقامة الشعائر الدينية لها ؟"..(15)

1- الإسلام مصدر التشريع فى الدولة الإسلامية

ولم يظهر طوال عهد الدولة الإسلامية من يتحدث عن المرجعية التى ينبغي أن تسير به الدولة ؛ يقول الأستاذ حسن البنا: " لأن الدولة كانت بطبيعتها إسلامية تطبق الشريعة ، وإن خالف بعض الحكام شريعة الإسلام ، فإنه بذلك خالف قانون الدولة ، وكانوا يجدون من يتصدى لهم من العلماء الذين يصححون اعوجاجهم .. وتوالى الحكام على أمة الإسلام، قلة منهم برضا واختيار الشعوب، وغالبيتهم ـ بكل أسف ـ باستبداد وغلبة ، ورغم انغماس بعض الحكام في الملذات وبُعدهم عن روح العدل والإنصاف، ورغم شيوع المعاصي وتفشي الوهن في كثير من المجتمعات، إلا أنه لم يحصل أن نُحِّيَت الشريعة الإسلامية كعقيدة ومرجع ودستور، ولم يحصل أن فرض حاكم أو اتخذ شعب من الشعوب الإسلامية غيرها أصلاً عامًّا ومرجعًا، حتى ابتليت الأمة الإسلامية بعصر الاستعمار الذي غزاها وحكمها وفرض عليها قوانينه ومبادئه، ثم سار على دربه خلفاؤه من عملائه.
ومع ذلك فإننا نقول- بكل صدق-: إنه لم يحصل أن اختار شعب من شعوب الأمة غير حكم الله أو شرعًا غير شريعته عز وجل ، بل قامت في شعوب الأمة الإسلامية- ولم تزل تقوم- ثورات ومطالبات للعودة إلى حكم الله وشريعة الإسلام، وروت الدماء الزكية الطاهرة ساحات الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله وشرع الإسلام؛ وإنما هو الاستبداد والقهر ولم تظهر إلا فى العصر الحديث ..(16)
و"لم يكن نظام الحكم الإسلامي نظام حكم مطلق، ولا ديمقراطيا يونانيا، ولا قيصريا رومانيا، وإنما كان نظاما عربيا خالصا، بيّن الإسلام له حدوده العامة من جهة، وحاول المسلمون أن يملئوا ما بين هذه الحدود من جهة أخري.
كان نظاما إنسانيًا، لكنه تأثر بالدين إلي حد بعيد جدًا، ولم يكن الخليفة يصدر عن السلطة الدينية، لكنه كان مقيدًا بما أمر الله به فتغير نظام الخلافة الإسلامية عن كل نظم الحكم التي عرفتها الحضارات"...(17)

2- الإسلام والشريعة الإسلامية فى أول دستور لمصر

يظن كثيرون أن دين الدولة هو الإسلام وليد سنوات قريبة ، لذا نسمع دعوات لتعديلها ، لذا فإننا سنتناول نبذة عنهما فى الدستور حتى لا يطول الأمر بنا ونخرج عن القصد . لعل العرض التاريخى لأصل المادة الثانية ومنشؤها فى الدستور المصرى يؤكد أنها موجودة فى أول دستور لمصر فى القرن العشرين ولم ينفرد الإسلاميون بوضعه ، ولم يعارضه المسيحيون واليهود فى لجنة صياغة الدستور التى كان يمثلان فيها20% من أعضاء اللجنة.
من أين ظهرت المادة ‏2‏ من الدستور؟‏ إن أصلها الدستوري يرد من المادة ‏149‏ من دستور مصر في سنة ‏1923‏ الذي استمر معمولا به حتى‏ 1953‏، وهي المادة الأولى من الباب السادس من الدستور وعنوانه: أحكام عامة، ونصت على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية‏.‏ وكانت شكلت لجنة وضع هذا الدستور في أبريل سنة ‏1922‏ من ثلاثين عضوا، عدا رئيسها حسين رشدي باشا رئيس الوزارة السابق ونائب رئيسها أحمد حشمت باشا وزير المعارف السابق، وكان أعضاؤها الثلاثون من النخب السياسية العليا ذات الاتصال الوثيق بالحكم ورجاله، وهم إما من رجال السياسة المتصلين بالملك، وإما من رجال حزب الأحرار الدستوريين، وهم جلهم من ذوي التعليم والثقافة غير التقليدية، وليس فيهم من يمكن أن يكون ممثلا لما نسميه اليوم بالتيار السياسي الإسلامي، وجلهم ذوو تعليم حديث ونزوع ثقافي آخذ من الفكر الوافد ومدارسه ، مثل: علي ماهر، وعبد اللطيف المكباتي، وعبد الحميد بدوي، ومحمد علي علوبة، وعبد العزيز فهمي، وإبراهيم الهلباوي، وفيها من ذوي الثقافة والتعليم الديني الشيخ محمد بخيت المطيعي المفتي الأسبق، والسيد عبد الحميد البكري شيخ الطرق ونقيب الأشراف، والشيخ محمد خيرت راضي، كما كان فيها من المسيحيين يوسف سابا باشا، وقليني فهمي باشا، وإلياس عوض بك، وتوفيق دوس بك، كما كان عضوا بها الأنبا يؤانس نائب البطريرك وقتها، وهو من تولي البطريركية عقب وفاة الأنبا كيرلس الخامس في سنة ‏1927‏، واستمر بطريركا بضع عشرة سنة حتى وفاته، كما كان فيها يوسف أصلان قطاوي باشا من اليهود‏...(18)
" اجتمعت لجنة وضع دستور 1923م, التي ضمت ممثلين عن المكونات الاجتماعية والدينية لمصر ـ وفي مقدمتهم هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.. والكنيسة الوطنية.. وحاخامية اليهود المصريين ـ واتفقوا جميعا علي أن يتضمن الدستور المصري النص علي أن العروبة والإسلام هي هوية مصر ـ الدولة والمجتمع ـ فنص الدستور علي أن اللغة العربية هي اللغة القومية لمصر, وأن دين الدولة المصرية هو الإسلام.. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه القسمة من قسمات العقد الاجتماعي لمصر والمصريين موضع إجماع, لا يخرج عنه إلا قلة من أهل الشذوذ الفكري, أو اللقطاء الذين يريدون استبدال الهوية الغربية بهوية العروبة والإسلام"..(19)
وتذكر مضابط أعمال اللجنة أن لجنة وضع المبادئ اقترح عليها الشيخ محمد بخيت في ‏19‏ مايو سنة ‏1922‏ أن ينص الدستور على أن دين الدولة الرسمي الإسلام، فطرح الرئيس حسين رشدي باشا الاقتراح للتصويت فتقرر بالإجماع قبوله‏..‏ ولما تلا النص في اللجنة العامة في ‏14‏ أغسطس ‏1922‏ قررت الهيئة الموافقة عليه بالإجماع، وتلا نص المادة بجلسة ‏3‏ أكتوبر ‏1922‏، فوافقت الهيئة عليه بالإجماع، ومعنى ذلك أنه بمجرد اقتراح هذا النص ووفق عليه بالإجماع بغير تحفظ ولا مناقشة، وبغير أن يظهر أنه أثار حرجًا أو قلقًا أو عنتًا، وذلك في جو فكري يفوح في فكره عبير الليبرالية ، والإجماع يشمل هنا أعضاء اللجنة غير المسلمين، وهم يبلغون نسبة تشارف ‏20%‏ من العدد الكلي، وأن من يطالع أعمال هذا الدستور إبان إعداده في داخل اللجنة أو في خارجها على صفحات الصحف، يعرف إلى أي مدى كُفل لإعداده جو من حرية التعبير ومناقشة سلطات الملك والشعب والتمثيل النسبي لغير المسلمين وغير ذلك، كفل له من ذلك ما يكشف عن أن الرضاء الذي قوبل به نص دين الدولة كان يفيد القبول الأوسع و الأشمل‏.‏
لقد كان الجميع على وعي بأنهم بصدد وضع دستور يصوغ التوجه الأساسي للدولة الحديثة بمصر، ويحدد المبادئ التي ترسم هويتها الحضارية، لذلك انتهوا إلى أن دين الدولة الرسمي الإسلام ولغتها الرسمية اللغة العربية قولا واحدا لم يكن بحاجة إلى جدل، وهو تقرير لأمر واقع‏.‏
والحاصل بعد ذلك، أن هذا الحكم الدستوري ظل مرعيًّا ضمن التراث الدستوري الأصيل للدولة المصرية على مدى القرن العشرين، وكل دستور كامل صدر في مصر أورد هذا النص بهذا الحكم، دستور ‏1930 (‏استمر نحو خمس سنوات ثم عاد دستور ‏1923)‏ ودستور ‏1956‏ في عهد ثورة ‏23‏ يوليو ‏1952، ودستور ‏1964‏، ودستور ‏1971.‏ ولم يشذ من ذلك إلا دستور ‏1958‏ في عهد وحدة مصر مع سوريا؛ لأنه لم يكن دستورا مكتملا، بدليل أن مجلسه النيابي كان بالتعيين من رئيس الجمهورية من بين أعضاء مجلس البرلمان المصري والسوري، وقد زال بانفصال سوريا في ‏1961.‏
وإن دلالة استمرار النص على دين الدولة الرسمي الإسلام عبر الدساتير المختلفة دلالة مهمة جدًّا؛ لأن مقارنة هذه الدساتير بعضها ببعض تكشف عن أنه لم يكن ثمة نظام دائم لمصر على هذا المدى،‏ فيما عدا الإقرار بعدد من المسلمات؛ منها أن دين الدولة الرسمي الإسلام‏.
كانت هذه الدساتير تتراوح بين النظام الملكي والنظام الجمهوري، وتتراوح بين الملكية المستبدة ‏(1930م)‏ والملكية البرلمانية ‏(1923)‏، وتتراوح في النظام الجمهوري بين النظام الرئاسي والنظام القريب من البرلماني، وتتراوح بين نظام الحزب الواحد ونظام تعدد الأحزاب، وتتراوح بين النظام الاشتراكي القائم على تقييد الملكية العامة وبين النظام الرأسمالي الذي يطلق حرية الملكية الخاصة، وبين…‏ وبين… إلخ.
ولكن بقيت اللغة عربية والدين الإسلامي،‏ وهذا يكشف وجه الثبات الذي لا يوجده الدستور، ولكنه لا يملك إلا أن يعترف به، ويكشف عن أنه نص حاكم لغيره وليس محكومًا بغيره، والمعنى هنا يستفاد بالاستقراء العلمي للتجربة التاريخية للأمة ودولتها‏...(20)
وقد اتجه الدكتور السنهوري إلى تقنيين الشريعة الإسلامية فى قوانين مدنية وعمل بجهد لكي يتفق القانون المدني مع مبادئ الشريعة. وقد أقر علماء الشريعة أن هذا القانون أقرب القوانين إليها, فهي إعمال مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم...(21)
وقد درس الدكتور عبد الرازق السنهوري علاقة الدين الإسلامى بالسياسة والدولة والحكم والقانون ، فنشر فى مجلة المحاماة بحثه بالغ الأهمية عن " الدين والدولة فى الإسلام ."وتحدث عن مذهب الشريعة الإسلامية فى التمييز بين سلطات التشريع والقضاء والتنفيذ ، وخلص إلى أن الشريعة الإسلامية إذا صادفت من يعنى بأمرها تستطيع أن تجارى القانون ، بل وتتفوق عليه فى بعض المسائل ...وفى هذا النظام الفريد تجتمع" الشريعة الأهلية "و" سلطة الأمة "المستخلفة من الله فى إقامة حكمه ، بينما لا وجود للشريعة فى الدولة العلمانية ...(22)
يقول المستشار طارق البشرى: " إن العرض السابق يظهر بجلاء أن المادة ‏2‏ من دستور ‏1971‏ لم يضعها الرئيس السادات من عنده ليكسب شعبية زائفة،‏ ولا كانت مجرد نص مصطنع ليدغدغ به عواطف الجهلة‏.‏ والنص موجود من ‏1923‏ بإجماع واضعيه، وباق أيضا باستقراء تاريخي كامل، وهو أثبت من غيره إطلاقا‏.‏ وهو ليس نصا يقوم به حزب أو جماعة سياسية من أجل الانتشار ودغدغة العواطف، ودين الدولة الإسلام يقتضي بذاته الجزم بمصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع، وإلا كان النص لغوا، وليس يصح في الأذهان أن يكون أثبت نص في الدستور هو ما يوصف بكونه لغوا،‏ ولا يصح في الأذهان قط أن يقال: إن المجتمع المصري عرف الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع منذ اعتلاء السادات أريكة حكم مصر في ‏1971‏، وإنه عرف الشريعة بوصفها المصدر الرئيسي للتشريع منذ شهر مايو سنة ‏1981‏ بالتعديل الدستوري الذي أدخله السادات ‏.‏ والسؤال العجيب هو‏:‏ هل صارت مصر إسلامية بقرار من الرئيس السادات ولم تكن كذلك قبله؟
أنا لا أجحد حقيقة أن الرئيس السادات إنما أراد بهذا النص أن يؤلف قلوب المصريين؛ ليتمكن من تعديل الدستور بما يتيح له الترشيح للرئاسة لأكثر من مدتين، ولكن هذا لا يعني أن مصدرية الشريعة الإسلامية كانت أمرا غير وارد ولا مهم،‏ بل إن محاولته استغلال هذا الهدف الشعبي العام لتحقيق مصلحة ذاتية له في أمر آخر إنما هو إقرار بأهمية هذا الهدف العام، وإلا لما كان سانحا له أن يؤلف به القلوب‏.‏.. وبالمثل فإن نص المادة ‏2‏ من دستور‏ 1971 هو أولا سار على نهج سوابقه فيما يتعلق بأن دين الدولة الرسمي الإسلام، ونص على مصدرية الشريعة الإسلامية، وهو حكم لا يزيد عن كونه تطبيقا؛ لأن دين الدولة الإسلام، لأن الدين هو المرجعية أو المصدرية، والسادات أراد أن يؤلف قلوب المصريين لنفسه بأن يستجيب لمطلب لديهم له هذه الأهمية‏.‏."...(23)
واتخذ مجلس الشعب المصري في 17 ديسمبر سنة 1978 قراره بالبدء في تقنين أحكام الشريعة وتشكلت لجنة برئاسة الدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب فى ذلك الوقت ، وانتهت من تقنين أحكام الشريعة سنة 1983، إلا أنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ ، وظلت حبيسة الأوراق .
وظل دستور 1971 يعمل به بالمادة الثانية: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع." والمادة الثالثة :" مادة 3: السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين في الدستور"....(24)
ولا يوجد أي تناقض بين المادة الثانية: الشريعة الإسلامية والثالثة : السيادة للشعب وهو مصدر السلطات .

ولما نجحت ثورة 25 يناير 2011 فى عزل مبارك عن الحكم يوم الجمعة 11 فبراير أصدر المجلس العسكرى يوم الأحد 13 فبراير إعلان دستورى بتعطيل العمل بدستور 1971م .ومنذ ذلك الوقت أعلن الليبراليون على الملأ دعوتهم إلى إلغاء المادة الثانية من دستور 71 عند صياغة دستور جديد للبلاد .

3- المبادىء العامة للمرجعية الإسلامية

يقول د. إبراهيم البيومي غانم: " وثمة عشرة مبادئ تشكل في مجموعها المعني الذي نشير إليه عندما نتحدث عن دولة مدنية أو حزب سياسي بمرجعية إسلامية.وهذه المبادئ العشرة هي:
  • أولا: الكرامة الإنسانية, وأساس هذا المبدأ هو قول الله تعالي ولقد كرمنا بني آدم وتكريم الإنسان في الإسلام سابق علي ارتباطه بأي نوع من الروابط الاجتماعية أو الدينية أو السياسية, أو غير ذلك من الروابط التي تؤطر الوجود الحياتي له, وهذا يعني أنه مكرم في ذاته ولذاته. ويعني أيضا أن كل سياسة أو قرار أو مشروع أو ممارسة تنتهك شيئا من كرامة الآدمي هي انتهاك لإسلامية الدولة, وإهدار لشرعية السلطة التي تقوم علي شئونها بنفس القدر الذي تنتهك به الكرامة الآدمية. وقلنا إن كرامة الآدمي هي القلب النابض لفكرة المجتمع المدني التي أتي بها الإسلام لبناء دولته المدنية.
  • ثانيا: إعلاء قيمة العقل, والدعوة لتحريره من كل قيد يمنعه من التفكير والإبداع. وخاصة قيود الخرافات والتقليد والأمية. وإطلاق حرية التفكير باعتبار أن العقل هو النعمة الكبري التي أنعم بها الله علي بني الإنسان, وجعل التفكير فريضة من فرائضه, ونظر إلي المقصر في أدائها كالمقصر في أداء الصلاة, أو الصيام أو الزكاة, وغير ذلك من سائر فرائض الإسلام. وكل سياسة أو قانون أو ممارسة لا تضمن للعقل حريته فهي مناهضة لشرعية الدولة المدنية المؤسسة علي مرجعية إسلامية.
  • ثالثا: العمل بمبدأ الشورى, لمنع الاستبداد, وتجنب الاستئثار بالسلطة, وقطع الطريق علي شهوة الانفراد بالرأي. ومن مستلزمات الشورى أن تتخذ السلطة كل ما من شأنه تشجيع المواطنين علي المشاركة وإدانة السلبية والانعزال. ومن ذلك أيضا عدم الاعتراف لفرد أو حزب أو جماعة أو لحكومة بالعصمة وأن العصمة للأمة; أي لمجموع الشعب, وإرادته العامة التي يتم التعرف عليها من صناديق الاقتراع الحر، وبصفة دورية.
  • رابعا: نقض السلطة الدينية, وتقويض أركانها, وتجفيف منابعها. والسلطة الدينية تعني فرض وصاية أو رقابة علي ضمير الفرد أو محاسبته علي إيمانه المستكن في قلبه. ونحن نؤمن بأن الإسلام ليس فيه سلطة دينية إلا سلطة الوعظ والإرشاد العام فقط; وأسلوبها هو الحكمة والموعظة الحسنة, وبعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
  • خامسا: أن كل إنسان معصوم الدم والعرض والمال بآدميته فقط, ولا يحل لأي كان أن ينال من ذلك شيئا; إلا بجناية ارتكبها وفق قواعد القانون وبحكم قضائي عادل.
  • سادسا: إعلاء قيمة العمل, والعمل وحده ـ ذهنيا أو بدنيا ـ هو المصدر الوحيد للكسب. وهذا يقتضي تجريم كل مصدر آخر للكسب مثل الرشا, والسرقة, والغصب, وأكل المال العام, والاستيلاء علي ممتلكات الغير بالباطل.
  • سابعا: إقرار العدل لإبطال الظلم. والعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه, دون زيادة أو تقصان ; وضمن ذلك وجود قضاء حر ومستقل. وإن أي سياسة أو قانون أو ممارسة ينتج عنها ظلم تعتبر باطلة, وتنتقص من شرعية السلطة الحاكمة, وتنتهك إسلامية مرجعية الدولة المدنية.
  • ثامنا: إقرار التعددية الدينية, وحماية المختلفين في العقيدة وحقهم في البقاء عليها, وتجريم أي عدوان يقع عليهم بسبب عقيدتهم. ومن باب أولي إقرار التعددية الفكرية والسياسية, واختلاف الآراء في تقدير المصلحة وصوغ السياسية الملائمة للمنفعة العامة, ورفع كفاءة المجتمع علي مواجهة مشاكله وتحسين نوعية حياة أبنائه; فالمرجعية الإسلامية تقرر الاختلاف والتعدد, وتجعل الفيصل في اختيار رأي علي آخر, وتفضيل سياسة أو برنامج علي برنامج لرأي أصحاب المصلحة وهم جمهور الشعب.
  • تاسعا: تجريم الإقصاء السياسي والاستبعاد الاجتماعي, ومن ثم عدم الاعتراف لفرد أو حزب أو جماعة أو فئة أو طائفة كائنة ما كانت بأنها تمتلك وحدها الحقيقة الكاملة, أو إنها معصومة من الخطأ, ولهذا فقد أمرت المرجعية الإسلامية بالشورى, وحضت علي الاستشارة كطريق للمساعد علي التوصل إلي الصواب النافع والمحقق للمصلحة.
  • عاشرا: بناء القوة وإدانة الضعف. فالقوة المادية والمعنوية, الصلبة والناعمة, مطلوبة لحماية استقلال الوطن وعزة الشعب وتحريره من أيه هيمنة أجنبية تسلبه إرادته, أو تهين كرامته. والسلطة التي تفرط في القوة, وتتسبب في ضعف المجتمع والدولة تفقد شرعيتها وفق معايير المرجعية الإسلامية للدولة المدنية.

تلك هي المبادئ العامة للمرجعية الإسلامية للدولة المدنية, ولما يتفرع عنها من أحزاب سياسية. وهي أيضا معايير تمكننا من تقويم أدائها, وتقدير مدي اقترابها أو ابتعادها عن المعايير الإسلامية في إدارة شئون المجتمع والدولة....(25)


المبحث الثاني: خصائص المرجعية الإسلامية للدولة عند الإخوان

تقوم خصائص المرجعية الإسلامية للدولة عند الإخوان على الخصائص الآتية:

أولاً: مدنية

مصطلح مستحدث ليس له وجود فى النظم السياسية والدستورية الحديثة، وبالتالي ليس له تعريف محدد، ولعل التعريف الذى تدور فى فلكه المناقشات والكتابات الصحفية أن الدولة المدنية التى يطبق فيها القانون والدستور على جميع الشعب دون تفريق على أساس اللون أو الدين أو الجنس، وينعم فيها الجميع بالحرية والعدل والمساواة، والشعب فيها مصدر السلطات، وتأخذ فيه بالتطور العلمي الحديث.
وقد عرف الإسلام الدولة المدنية قبل المصطلح، وكثير من المسميات التى ظهرت حديثا وانتشرت فى نظم الحكم الحديثة كان لها وجود، لكن بغير المسمى الموجود الآن، فلم تظهر فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين ولا القرون التالية كلمات : السياسة أو الدولة المدنية أو الديمقراطية كما هي منتشرة الآن فى النظم السياسية، ويتم تداولها بين الناس، لكن معناها كان موجودا بالفعل دون هذه التسميات، فالقرآن الكريم تحدث فى كثير من الآيات عن شئون الحكم (أي السياسة دون اللفظ)، فقال تبارك وتعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:49-50) "، ولم يعرف فى ذلك الوقت مصطلح السياسة والدولة .
ومن خصائص الدولة الإسلامية أنها دولة مدنية يتعايش فيها الجميع و يحكم بينهم قانون واحد دون تمييز، فكانت الدولة المدنية هي : دولة سيادة القانون المستمد من الشريعة الإسلامية، والحرية بكل صورها الشخصية والعقائدية، والمساواة بين الجميع دون تفرقة على أساس اللون أو الدين أو الجنس (المواطنة حاليا)،والعدالة والشورى، والشعب فيها يمارس دوره الرقابي على الحاكم.

ومن خصائص الدولة عند الإخوان أنها: دولة مدنية ... فهي ليست دولة عسكرية يحكمها الجيش ويصل فيها للحكم بالانقلابات العسكرية، ولا يسوسها وفق أحكام ديكتاتورية كما أنها ليست دولة دينية (ثيوقراطية) تحكمها طبقة رجال الدين - فليس فى الإسلام رجال دين وإنما علماء دين متخصصون – فضلا عن أن تحكم باسم الحق الإلهي، وليس هناك أشخاص معصومون يحتكرون تفسير القرآن ويختصون بالتشريع للأمة ويستحوذون على حق الطاعة المطلقة ويتصفون بالقداسة، وإنما الحكام فى الدولة الإسلامية مواطنون منتخبون وفق الإرادة الشعبية، والأمة مصدر السلطات وأساس تولى الوظائف المختلفة فيها الكفاءة والخبرة والأمانة، والأمة كما هي صاحبة الحق فى اختيار حاكمها ونوابها فهي أيضا صاحبة الحق فى مساءلتهم وعزلهم .

والفرق الأساسي بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول هو مرجعية الشريعة الإسلامية التى تستند على عقيدة الأغلبية العظمى من الشعب المصر، والشريعة بطبيعتها إضافة إلى الجوانب العبادية والأخلاقية تنظم مختلف جوانب الحياة للمسلمين بيد أنها تنظمها فى صورة قواعد عامة ومبادئ كلية ثم تترك التفاصيل لهم للاجتهاد والتشريع بما يناسب كل عصر ومختلف البيئات وبما يحقق الحق والعدل والمصلحة وهذا دور المجالس التشريعية على أن تكون المحكمة الدستورية العليا هى الرقيب على هذه التشريعات، مع الأخذ فى الاعتبار أن غير المسلمين من حقهم التحاكم إلى شرائعهم فى مجال الأسرة والأحوال الشخصية...(26)
ونظام الرئاسة فى الإسلام يتميز عن سائر الرياسات العليا في الحكومات الدستورية بأنها رياسة عامة في أمور الدين والدنيا، وتقوم بحراسة الدين...(27)
ويرد الأستاذ حسن البنا على الذين يسطرون أخطاء بعض الحكام والعلماء ويسقطونها على الإسلام بأسلوب خاطىء بعيد عن المنهج العلمى فى الاستدلال، فيقول فى (رسالة نحو النور) تحت عنوان: (رجال الدين غير الدين):
" ومن المبررات التي اتخذها بعض الذين سلكوا سبيل الغربيين, أنهم أخذوا يشهرون بمسلك رجال الدين المسلمين من حيث موقفهم المناوئ للنهضة الوطنية, وتجنيهم على الوطنيين وممالأتهم للغاصبين وإيثارهم المنافع الخاصة والمطامع الدنيوية على مصلحة البلد والأمة، وذلك إن صح فهو ضعف من رجال الدين أنفسهم لا في الدين ذاته، وهل يأمر الدين بهذا ؟، وهل يمليه سيرة الأجلاء الأفاضل من علماء الأمة الإسلامية الذين كانوا يقتحمون على الملوك والأمراء أبوابهم وسدودهم، فيقرعونهم ويأمرونهم وينهونهم ويرفضون أعطيتهم، ويبيّنون لهم الحق ويتقدمون إليهم بمطالب الأمة، بل ويحملون السلاح في وجوه الجور والظلم ...
هذه تعاليم الدين، وهذا ماضي رجاله من فقهاء المسلمين، فهل فيه شيء من هذا الذي يزعمون؟ وهل من الإنصاف أن يتحمل الدين تبعة رجال انحرفوا عنه ؟
وعلى هذه المزاعم إن صحت في قوم، فليست صحيحة للجميع، وإن وقعت لظرف خاص فليست تساير كل الظروف، وهذا تاريخ النهضات الحديثة في الشرق حافل بمواقف رجال الدين المسلمين في كل أمة من الأمم، وما موقف الأزهر في مصر والمجلس الأعلى في سوريا الجنوبية (فلسطين) وسوريا الشمالية (لبنان)، ومولانا أبي الكلام وإخوانه من جلة علماء الهند وزعماء المسلمين في إندونيسيا بمنسِيِّ ولا ببعيد، فتلك إذاً مزاعم يجب ألا تتخذ ذريعة لتحويل الأمة عن دينها باسم الوطنية المجردة، أو ليس الأنفع للأمة أن تصلح رجال الدين وتصطلح عليهم بدلا من أن تقف منهم الموقف المبيد .؟
على إن هذه التعبيرات التي سرت إلينا تقليدا، ومنها (رجال الدين) لا تنطبق ولا تتفق مع عرفنا، فإنها إن كانت مع الغرب خاصة " بالأكليروس " فإنها في العرف الإسلامي تشمل كل مسلم، فالمسلمون جميعا من أصغرهم لأكبرهم " رجال دين " ...(28)
و"الشريعة الإسلامية هي الضوابط والقواعد والأصول، أي الحرية والعدل والمساواة والأمن والأمان وحقوق المواطنة والحقوق الإنسانية والأكل والشرب والزواج.. عندما يؤمن كل هذا للمجتمع، نكون قد طبقنا الشريعة الإسلامية وهي كل أصول الرسالات السماوية ...(29)
كما أن هذه الدولة مسئولة عن حماية حرية الاعتقاد والعبادة ودور العبادة لغير المسلمين بنفس القدر الذى تحمى به الإسلام وشئونه ومساجده ، وهذا الموقف من ثوابت الإخوان، وعبر عنه الأستاذ البنا تحت عنوان : "وحدة الأمة": ...(30)
" والأمة الإسلامية واحدة، لأن الأخوة التي جمع الإسلام عليها القلوب أصل من أصول الإيمان لا يتم إلا بها ولا يتحقق إلا بوجودها . ولا يمنع ذلك حرية الرأي وبذل النصح من الصغير إلى الكبير، ومن الكبير إلى الصغير، وذلك هو المعبر عنه في عرف الإسلام ببذل نصيحة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة)، قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : (لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) وقال : (إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها)، وفي رواية : (وبطن الأرض خير لهم من ظهرها)، وقال : (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).
ولا تكون الفرقة في الشؤون الجوهرية في الأمة الإسلامية، لأن نظام الحياة الاجتماعية الذي يضمها نظام واحد هو الإسلام، معترف به من أبنائها جميعًا . والخلاف في الفروع لا يضر، ولا يوجد بغضًا ولا خصومة ولا حزبية يدور معها الحكم كما تدور .. ولكنه يستلزم البحث والتمحيص والتشاور وبذل النصيحة، فما كان من المنصوص عليه فلا اجتهاد فيه وما لا نص فيه فقرار ولي الأمر يجمع الأمة عليه وهى شيء بعد هذا . "
وهكذا نجد أن الدولة المدنية بتعريفها وأقسامها هي مطلب إسلامي أصيل، لا يشوش عليه رفض البعض للمصطلح باعتباره مصطلحا غريباً نشأ في بيئة غير بيئتنا وربما أريد منه غير ما ظهر، فلا مشاحة في الاصطلاح، والعبرة بالمسميات لا بالأسماء، ويظل اسم المدينة هو الاسم الذي أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أول وأقدم عاصمة لدولة إسلامية على وجه الأرض اسما له دلالته واعتباره " ...(31)
ووثيقة الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود فى المدينة خير دليل على وجود الدولة المدنية فى الإسلام التى تحدد فيها الحقوق والواجبات، وتوزع الأدوار بين فئات المجتمع المختلفة من مسلمين ويهود وعرب مشركين لم يسلموا بعد ويحكم بينهم الرسول صلى الله علي و وسلم بما أنزل الله ..
أما الانتخابات، فقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بإجراء أول انتخابات فى بيعة العقبة قبل أن يظهر مصطلح الانتخابات.ومن هنا فنظم الدولة الحديثة الموجودة الآن كانت موجودة بالفعل قبل أن تظهر المصطلحات السياسية المعاصرة، وجاءوا يدعون ظلما وزورا أن الإسلام لا يعرف السياسة، لأن القرآن الكريم لم يذكرها،ويطالبون بالدولة المدنية كأنها غريبة على المسلمين مع أنها أساس الإسلام، و نحن المسلمين أحق بها وأهلها .
وموقف الإخوان و رؤيتهم للمرجعية الإسلامية ثابت لا يتغير أثناء وبعد ثورة 25 يناير أن مصر " دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية "، ويعبر عنه المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع في مؤتمر جماهيري عقد باستاد الشرقية الرياضي بمدينة الزقازيق بحضور المستشار محمد عبد القادر محافظ الشرقية: " أن الإسلام لا يعرف إلا الدولة المدنية، وأنه لا مجال للخوف من نظام الحكم الإسلامي "...(32)
وقد عبر أعلام الإخوان فى كتبهم عن ذلك ، يقول العلامة القرضاوى: " إنَّما الدولةُ الإسلاميَّة إذا نظرنَا إلى المضمونِ لا الشكل، وإلى الـمُسمَّى لا الاسم " دولةٌ مدنيَّةٌ مرجعُهَا الإسلام "، وهي تقومُ على أساسِ الاختيار والبيعة والشورى، ومسؤوليَّة الحاكم أمام الأمَّة، وحقِّ كلِّ فردٍ في الرعيةِ أن ينصحَ لهذَا الحاكِم، يأمرُه بالمعروفِ، وينهاهُ عن المنكر....والدولةُ الإسلاميَّةُ دولةٌ مدنيَّةٌ تقومُ على المؤسسات،ِ والشورَى هي آليَّةُ اتخاذِ القراراتِ في جميعِ مؤسساتِهَا"...(33)


ثانياً: تقوم على المواطنة

المواطنة مصطلح حديث، لم يظهر إلا فى الآونة الأخيرة، لذلك لا نجد له وجود إلا فى الكتابات الحديثة، لكن مدلوله العام كان موجودا على أرض الواقع فى الدولة الإسلامية، ودعا الإسلام التعايش مع الجميع تحت مظلة الإنسانية على أسس الحرية والعدالة والمساواة دون تمييز .
ولعل من المبررات التى استدعت وجود المصطلح تبنى الغرب الأوربى إثارة النزعة الطائفية فى البلاد العربية، " فمنذ القرن التاسع عشر أعلنت القوى الأوروبية الكبرى حمايتها للأقليات الدينية العربية غير المسلمة، فأدى ذلك إلى خلق شعور عام لدى المجتمع بأن هذه الأقليات تنتمي إلى مجتمعات الغرب العدو الذي يمارس سياسة الاستعمار والإذلال للعرب. "الأمر الذى انعكس أثره كذلك على الأقليات فى تعبيرهم عن ممارسة التمييز ضدهم، وأنهم مضطهدون ويفتقدون أسس العدالة والمساواة والمواطنة...(34)
وفى العقود الأخيرة فرضت الكنيسة على المسيحيين طوقا من العزلة، وعدم الانصهار فى المجتمع، وأصبح المسيحيون فى كثير من المواقف يستنجدون بأمريكا وأوربا كوسيلة ضغط على الحكومة المصرية التى تضطر فى النهاية للاستجابة لطلباتهم، مما أدى إلى الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين والتعبير عنه فى صور عنف متبادل وفتنة طائفية تحدث من حين لآخر .
ويرتبط مفهوم المواطنة كما تبلور في الفكر السياسي الحديث بالدولة القومية من جهة وبالديمقراطية من جهة ثانية.والعلاقة بين فكرة المواطنة والعلمانية أو المواطنة والدولة القومية. فلقد عرف العالم ومنه أوروبا دولا قومية علمانية لا تعترف لكل مواطنيها بحق المساواة بل قد تقترف في حقهم اضطهادا يبلغ حد الإبادة، كما فعلت النازية والفاشية، ولم يكتسب السود في الولايات المتحدة، مع أنها دولة قومية علمانية، حقوق المواطنة ولو من الناحية النظرية إلا في ستينيات القرن الماضي، ولا يزال المسلمون يتعرضون وكذلك أعراق وديانات أخرى لضروب بشعة من التمييز والقمع في دول قومية علمانية عديدة. بما يؤكد أن هذا الربط لا يحمل أي دلالة عابرة للتاريخ، ومقابل ذلك قامت في الغرب والشرق حكومات ديمقراطية على أساس المواطنة دون أن تكون علمانية بل تتبنى دينا رسميا مثل المملكة المتحدة البريطانية حيث تجتمع في رئاسة الدولة السلطتان الدينية والسياسية، وكذا حكومات غربية وشرقية أخرى ...(35)

1ـ المواطنة فى الإسلام:

" لقد بلغت الآفاق الإسلامية –في حقوق المواطنة- آفاقا لم تعرفها ديانة من الديانات ولا حضارة من الحضارات قبل الإسلام، ودولته التي قامت –بالمدينة المنورة- على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قبل أربعة عشر قرنا.
وكما مثل دستور هذه الدولة –الصحيفة .. والكتاب- أول نص دستوري يقيم حقوق المواطنة وواجباتها بين الرعية المتعددة دينيًا – المؤمنون واليهود- فلقد مثل العهد الدستوري الذي كتبه رسول الله صلَّى الله عليه وآله وهو رئيس الدولة للنصارى –عهده لنصارى نجران- مثل التجسيد والتقنين لكامل حقوق المواطنة وواجباتها.
ففي الأمور المالية قرر هذا العهد كامل العدل مع غير المسلمين من رعية الدولة الإسلامية، وجاء فيه –عن الخراج والضرائب-:
"لا يجار عليهم، ولا يحملون إلا قدر طاقتهم وقوتهم على عمل الأرض وعمارتها وإقبال ثمرتها، ولا يكلفون شططا، ولا يتجاوز بهم أصحاب الخراج من نظرائهم”.
وفيما يتعلق بدور عبادتهم، لم يكتف الإسلام بإباحة إقامة هذه الدور من الكنائس والبيع وإنما أعلن التزام الدولة الإسلامية بإعانتهم على إقامتها…فجاء في هذا العهد الدستوري الذي كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم "..ولهم إن احتاجوا إلى حرمة بيعهم وصوامعهم أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم، إلى رفد ـ (أي دعم وإعانة) ـ من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها، أن يرفدوا على ذلك ويعاونوا، ولا يكون دينا عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم، ووفاء بعهد رسول الله لهم، ومنة لله ورسوله عليهم”!..
وفي حرية الاعتقاد، جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فريضة إسلامية مقدسة، وليست مجرد حق من حقوق الإنسان، يمنحها حاكم ويمنعها آخرون.. فجاء في هذا العهد الدستوري: “.. ولا يجبر أحد ممن كان على ملة النصرانية كرها على الإسلام "ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إلَيْنَا وأُنزِلَ إلَيْكُمْ وإلَهُنَا وإلَهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (العنكبوت: 46).. ويخفض لهم جناح الرحمة، ويكف عنهم أذى المكروه حيث كانوا، وأين كانوا من البلاء”..
ومع تقرير كل هذه الحقوق، حقوق المواطنة، لغير المسلمين، من قبل الشريعة الإسلامية، وليس باستبعادها وعلى أنقاضها لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين ما عليهم، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم وحماية الأنفس والدماء والأموال والأعراض وأماكن العبادة والحريات ".. مع تقرير هذه الحقوق، قررت الشريعة الإسلامية واجبات المواطنة، فنصت على أن يكون الولاء والانتماء للوطن، وليس للأعداء الذين يتربصون بهذا الوطن ويكيدون لأهله..فجاء في العهد النبوي للنصارى: ".. واشترط عليهم أمورًا يجب عليهم في دينهم التمسك والوفاء بما عاهدهم عليه، منها: ألا يكون أحد منهم عينا (جاسوسا )لأحد من أهل الحرب على أحد من المسلمين في سره وعلانيته، ولا يأوي منازلهم عدو المسلمين، ولا يساعدوا أحدًا من أهل الحرب على المسلمين بسلاح ولا خيل ولا رجال ولا غيرهم، ولا يصانعوهم.. وأن يكتموا على المسلمين، ولا يظهروا العدو على عوراتهم.."
هكذا قررت الشريعة الإسلامية - وليست العلمانية- كامل حقوق المواطنة وواجباتها منذ اللحظة الأولى لقيام دولة الإسلام، الأمر الذي جعل الدولة الإسلامية قائمة على التعددية الدينية طوال تاريخ الإسلام" ...(36)
وقد عاش اليهود والمسيحيون مع المسلمين فى ظل الدولة الإسلامية وتبوءوا مناصب عالية فى الدولة الإسلامية، بل الوثنيين ومن ليس لهم دين سماوى مثل أسرة الصابئة (عبدة الكواكب) فى العصر العباسى، ونالوا منزلة رفيعة عند الخلفاء العباسين، وأمرهم مشهور فى التاريخ الإسلامى .
حقيقة إننا لو ذهبنا نضرب الأمثلة على تعايش المجتمع الإسلامى ونظام الدولة الإسلامية مع غير المسلمين مهما كانت انتماءاتهم العقائدية لطالت بنا الصفحات، ولقد رصدها المفكر الإسلامى راشد الغنوشي فى كتبه،ومنها: (حقوق المواطنة فى الدولة الإسلامية)، و(الحريات العامة فى الدولة الإسلامية)،و(حق الاختلاف وواجب وحدة الصف)، و(مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني)، و(الحركة الإسلامية ومسألة التغيير).
و" التعددية تكون حسنة إذا ما كانت إيجابية، وهي لا تكون كذلك إلا إذا كانت ضمن إطار ثقافي جامع؛ أي ضمن هوية جامعة. فتعددية الهويات المختلفة المتناقضة: هي مشكلة يجب أن تعالج وليست واقعاً يحافظ عليه، أو يتباهى به، كما يفعل كثير من الناس... وذلك لأنه لا يسهل مع مثل هذه التعددية تحقيق استقرار سياسي، ولا يسهل معها من ثَمَّ تطور اقتصادي، أو علمي أو تقني. هذا هو المتوقع عقلاً، وهو الذي تدل عليه تجارب الأمم قديمها وحديثها."، وقد عاش الجميع فى ظل الدولة الإسلامية التى مرجعها الإسلام يتمتعون بكامل حقوق المواطن، ويقومون بواجبهم تجاه وطنهم، وينعمون بالعدل والمساواة، وما يشذ عن ذلك، فإنما هو انحراف عن القاعدة العامة، ولا يمثل الإسلام.
وإذا كان الواقع الإسلامى كذلك فمن الغريب أن نسمع ونقرأ كثيرا بعد ثورة 25 يناير فى مصر عن شبهات كثيرة يثيرها الليبراليون عن موقف المرجعية الإسلامية من المواطنة، ويتساءلون عنها كأنها شىء غريب لا وجود لها على أرض الواقع، وهم بذلك يشعلون فتنة وتخويف المسيحيين من الإسلام كأنهم لم يعيشوا فى ظله يوما من الأيام، ولم يتعاملوا مع مسلمين قط .

2- الإخوان ينادون بالمواطنة منذ نشأتهم:

وإذا كان الإخوان المسلمون ينادون بمرجعية إسلامية للدولة، فالسؤال المطروح، ما وضع المسيحيين فى ظل المرجعية الإسلامية للدولة فى رؤية الإخوان المسلمين ؟ . إن رؤية الإخوان المسلمين للمسيحيين أنهم شركاء المسلمين فى الوطن ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا) "...(37)
وهذا الموقف ينبع أساساً من عقيدتهم الإسلامية ويمثل ثابتاً من الثوابت عندهم، ويتخذ المظهر الواضح والتطبيق العملي عبر تاريخها الطويل وحاضرها الحالي .

أـ المواطنة فى فكر الأستاذ حسن البنا:

إن المرجعية الإسلامية التى يستقى منها الإخوان منهجهم فى تعاملاتهم تدعو إلى المساواة والعدالة والحرية لجميع البشر دون تفرقة على أساس اللون أوالدين أو الجنس،والإسلام قدم رسخ فى عقيدة المسلم مفهوم المواطنة بالمصطلح الحديث، وأساسها الحريو والعدالة والمساواة فى الحقوق والواجبات .
وإذا كان هذا هو منهج الإسلام، فإنه كذلك منهج الإخوان المسلمين،وقد وضّح مؤسس الإخوان الأستاذ البنا كل جوانب هذه العلاقة، فهى منهج ثابت ينطلق من الإسلام .
يقول الإمام البنا فى ذلك: ".. يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساساً لنظام الحياة ينافى وجود أقليات غير مسلمة فى الأمة المسلمة وينافى الوحدة بين عناصر الأمة،وهى دعامة قوية من دعائم النهوض فى هذا العصر ...وقد اشتمل النص الصريح الذى لا يحتمل لبس فى حماية الأقليات، وهل يريد أصرح من هذا النص : "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "(سورة الممتحنة : 8-9)
فهذا النص لم يشمل على الحماية فقط بل أوصى بالبر والإحسان إليهم، وإن الإسلام الذى قدس الوحدة الإنسانية العامة فى قوله تعالى : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " (الحجرات:13) .
ثم قدّس الوحدة الدينية العامة كذلك، فقضى على التعصب وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعاً.... ثم قدّس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة فى غير صلف ولا عدوان فقال تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10) هذا الإسلام الذى بُنى على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعه سبباً فى تمزيق وحدة متصلة، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدني فقط "...(39)
ويقول أيضا فى (رسالة إلى الشباب عامة وإلى الطلبة خاصة): " ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة تفريق عنصري بين طبقات الأمة، فنحن نعلم أن الإسلام عنى أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بنى الإنسان .. كما أنه جاء لخير الناس جميعاً ورحمة من الله للعالمين، ودين هذه مهمته أبعد الأديان عن تفريق القلوب وإيغار الصدور.. وقد حرم الإسلام الاعتداء حتى فى حالات الغضب والخصومة فقال تعالى: "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (المائدة:8)، وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم... وفى إنصاف الذميين وحسن معاملتهم فلهم ما لنا وعلهم ما علينا : نعلم كل هذا فلا ندعو إلى تفرقة عنصرية ولا عصبية طائفية، ومع هذا لا نشترى هذه الوحدة بإيماننا ولا نساوم فى سبيلها على عقيدتنا ولا نهدر من أجلها مصالح المسلمين، دائما نشتريها بالحق والإنصاف والعدالة، وكفى، فمن حاول غير ذلك أوقفناه عند حده، وأبنا له خطأ ما ذهب إليه ."...(40)
وفى موضع آخريقول الأستاذ البنا " تقرير وحدة الدين: وقرر الإسلام وحدة الدين فى أصوله العامة، وأن شريعة الله للناس تقوم على قواعد ثابتة من الإيمان بالله والعمل الصالح والإخاء، وأن الأنبياء جميعا مبلغون عن الله تبارك وتعالى، وأن الكتب السماوية جميعا من وحيه، وأن المؤمنين جميعا ـ فى أية أمة كانوا هم عباده الصادقون الفائزون فى الدنيا والآخرة، وأن الفرقة فى الدين والخصومة باسمة إثم يتنافى مع أصوله وقواعده وأن واجب البشرية جميعا أن تتدين وأن تتوحد بالدين، وأن ذلك هو الدين القيم وفطرة الله التى فطر الناس عليها .....وسلك الإسلام إلى هذه الوحدة مسلكا عجيبا، فالمسلم يجب عليه أن يؤمن بكل نبي سبق،ويصدق بكل كتاب نزل ،ويحترم كل شريعة مضت، ويثنى بالخير على كل أمة من المؤمنين خلت ...ثم يقفى على ذلك بأن هذه هي سبيل الوحدة، و أهل الأديان جميعا الأخرى إذا آمنوا كهذا الإيمان فقد اهتدوا إليها،وإن لم يؤمنوا به فإنهم فى شقاق وخلاف ....ويدعم هذه الوحدة بين المتدينين والمؤمنين تجريد الدين من أغراض البشر وأهوائهم، والارتفاع بنسبته إلى الله وحده، إن القرآن يثنى على الأنبياء جميعا فموسى عليه السلام نبي كريم ، وعيسى عليه السلام "رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه "(النساء :171)، وأمه صديقه أكرمتها الملائكة، والتوراة كتاب كريم، والإنجيل كذلك كتاب كريم فيه هدى ونور وموعظة .وهما والقرآن معهما مصابيح الهداية .
والتعامل بين المسلمين وبين غيرهم من أهل العقائد والأديان يقوم على أساس إنما يقوم على أساس المصلحة الاجتماعية والخير الإنساني .وبذلك قضى الإسلام على كل مواد الفرقة والخلاف والحقد والبغضاء والخصومة بين المؤمنين من أى دين كانوا "...(41)
أما على الصعيد العملى، فقد تواصل الأستاذ حسن البنا " مع رؤساء الكنيسة، فكان يكاتبهم، ويتلقى ردود تلك المكاتبات.. وكان يستعين بالخبراء والمتخصصين من الإخوة الأقباط للدعم الفني في أقسام الجماعة المختلفة.. وفي عهده دافع الإخوان دفاعًا مستميتًا عن المسيحيين في بيت لحم التي كانت تسكنها أغلبية مسيحية، ولم يفرقوا بينهم وبين المسلمين، وقد سقط حول أسوار المدينة عددٌ هائلٌ من الإخوان.
عندما ذهب مرشد الجماعة الأول حسن البنا لمدينة طنطا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لعقد المؤتمر الوطني الكبير اصطحب معه أحد المتخصصين الأقباط ليتحدث في قضية قناة السويس واسمه ناصف ميخائيل، وكتب إلى البطريرك يوساب الثاني الذي تولى كرسي البطريركية بعد الأنبا يؤانس، ودعا الأقباط للمشاركة في نصرة فلسطين باعتبارها قضية المسلمين والمسيحيين، واشترك رجال دين أقباط في المظاهرة التي نظمها الإخوان المسلمون عام 1947، وتطوع أحد الأقباط في كتيبة الإخوان في حرب فلسطين، ودافع الإخوان عن المسيحيين في بيت لحم ولم يفرقوا بينهم وبين المسلمين.
وكان لويس فانوس أحد زعماء الأقباط من الحريصين على حضور درس الثلاثاء للبنا، وشارك ثلاثة من الأقباط في اللجنة السياسية المركزية للإخوان التابعة لمكتب الإرشاد، وهم وهيب دوس المحامي ولويس فانوس عضو مجلس النواب وكريم ثابت الصحفي.
ورد توفيق غالي على مقالات سلامة موسي الذي اتهم فيها الإخوان بإثارة الفتنة، وشارك مكرم عبيد في جنازة حسن البنا وذهب لمنزل والده للعزاء، وكان وكيله في لجنة الطور التابعة لدائرة الإسماعيلية حين رشح نفسه في الانتخابات النيابية عام 1944 في وزارة أحمد ماهر باشا يونانيا مسيحيا متمصرا يدعي الخواجه باولو خريستو.
أما المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي فقد أحبط محاولة الوقيعة بين الإخوان والأقباط حينما أوحى الإنجليز لأحد عملائهم بحرق كنيسة في السويس وأشاعوا أن الإخوان هم من فعلوها فقام بزيارة البطريرك الذي نفى التهمة عن الإخوان وأهدى المرشد مسبحة من الكهرمان، وبدد مخاوف الأقباط من تحكيم الشريعة بقوله "لكم وما تدينون في الأحوال الشخصية، أما أحكام المعاملات فليس للمسيحية فيها نصوص ولذا فالأخذ بما تراه الأغلبية واجب".
المرشد الثالث عمر التلمساني قال لم نشهد ما يسمى فتنة طائفية في مصر إلا في السنين الأخيرة.. الفتنة الطائفية شعار تسرب لمصر لزعزعة الأمن فيها، واستعانت الحكومة به في تهدئة أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء عام 1981...(42)

ب ـ المواطنة فى برنامج حزب الحرية والعدالة:

ويشير الأستاذ مصطفى مشهور مرشد الجماعة الأسبق فى رسالة الرؤية الواضحة الموجهة للإخوان المسلمين، إلى أن هذه الوحدة الوطنية تشملها وتؤصلها الهوية الإسلامية، فيقول: " .. اندمجت مصر بكليتها فى الإسلام : عقيدته ولغته وحضارته، ودافعت عنه وذادت عن حياضه، وردت عنه عادية المعتدين، وجاهدت فى سبيله ما وسعها الجهاد بمالها ودم أبنائها .. هذه الهوية الإسلامية لا تقف عند حدود المتدينين بالإسلام فى العالم الإسلامى، وإنما تشمل كذلك الأقليات غير المسلمة التى انصهرت قومياً وحضارياً ووطنياً مع الأغلبيات المسلمة، فإذا كانت الهوية الإسلامية تمثل بالنسبة للمسلم : عقيدة وشريعة وقيماً وحضارة وقومية ووطنية وثقافة وتاريخاً وتراثاً فى الفكر وفى القانون بنفس القدر الذى تمثله بالنسبة للمواطنين غير المسلمين فى هذه الجوانب سواء بسواء " ...(43)
ويتضح ذلك الموقف فى برنامج حزب الإخوان المسلمين (الحرية والعدالة)، ومما جاء فيه : "ومن ثم فإن حزب الحرية والعدالة يتخذ من الشريعة الإسلامية التى يؤمن بها أغلبية شعبنا المصري مرجعيته ودليله. وهذه الشريعة بطبيعتها تؤكد على جملة مبادئ أولها قضية الوحدة الوطنية، فما دامت الشريعة تقر حرية الاعتقاد وحرية العبادة وحق غير المسلمين فى التحاكم إلى شريعتهم فى أمورهم الخاصة وتساوى بين الناس فى الحقوق والواجبات فهي تؤكد حقيقة الوحدة الوطنية .....وفى ضوء هذه الرؤية فإن حزبنا هذا (حزب الحرية والعدالة) حزب مفتوح لجميع المواطنين المصريين على اختلاف عقائدهم وأجناسهم وأعمارهم وأعمالهم.."...(44)
ومن خصائص الدولة عند الإخوان أنها "دولة تقوم على مبدأ المواطنة، مصر دولة لكل المواطنين الذين يتمتعون بجنسيتها وجميع المواطنين يتمتعون بحقوق وواجبات متساوية، يكفلها القانون وفق مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص.
ويجب أن تعزز النصوص القانونية معاملة كل المواطنين على قدم المساواة دون تمييز، وعلى الدولة والمجتمع العمل على ضمان قيام الأوضاع الاجتماعية اللازمة لتحقيق ذلك، وأن يُمكَّن الأفراد من المشاركة بفاعلية فى اتخاذ القرارات التى تؤثر فى حياتهم، وخاصة فى القرارات السياسية. "...(45)
وفى موضع آخر: " مع الأخذ فى الاعتبار أن غير المسلمين من حقهم التحاكم إلى شرائعهم فى مجال الأسرة والأحوال الشخصية .كما أن هذه الدولة مسئولة عن حماية حرية الاعتقاد والعبادة ودور العبادة لغير المسلمين بنفس القدر الذى تحمى به الإسلام وشئونه ومساجده ." ...(46)
وجاء فى الفصل الثاني من برنامج حزب الحرية والعدالة : "من المبادئ السياسية الأساسية: المساواة وتكافؤ الفرص: يعد مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ضرورياً لتحقيق العدالة وتعميق الانتماء للوطن ويتحقق ذلك عن طريق عدم التمييز بين المواطنين فى الحقوق والواجبات على أساس الدين أو الجنس أو اللون بإتاحة الفرص أمامهم فى التعبير عن الرأى، والترشح، وتولى الوظائف والتنقل، والانضمام للتنظيمات السياسية، والتعليم والعمل، فى ظل الحفاظ على القيم الأساسية للمجتمع ." ...(47)
والإخوان يعتبرون أن تقوية الروابط بين أبناء الوطن وتحقيق مبدأ المواطنة، إنما هو تقوية للروابط الداخلية ضد الاعتداءات الخارجية، فإن " العمل علي تقوية الجبهة الداخلية وضمان ثباتها وترابطها بما يؤهلها للصمود أمام التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بإرساء مبدأ المواطنة ." ...(48)

وخلاصة القول:

كما مثلت العلمانية بكل ألوانها مدخل شعوب الغرب إلى الحداثة وثمارها العلمية والسياسية كالمواطنة والديمقراطية، فإن سبيل المسلمين إلى ذلك هو الإسلام وليس غيره بسبب جمعه في منظومة واحدة متماسكة بين ضمير الإنسان ونظامه الاجتماعي، بين المادي والروحي والدنيوي والأخروي، وبسبب عمق قيمه في الوجدان والثقافة، وهو ما يفسر أن تهميشه من قبل النخب العلمانية التي حكمت المنطقة كان العامل الرئيسي في فشل التجارب التنموية على كل صعيد، علمي تقني أو سياسي أو اقتصادي، ومنها الفشل في حل القضية الفلسطينية، وكيف ترتجى تنمية على أي صعيد مع استبعاد الروح الجامع والوقود المحرك للجماهير؟ ...(49)
" وإن مبدأ المواطنة يجد دعامته المستقاة من أحكام الشرع الإسلامي بموجب المادة ‏2‏ هذه‏، وهو يستبعد أي زعم بأن مبدأ المساواة بين المواطنين متعارض مع الشرع الإسلامي، وأنه مبدأ لا يمليه إلا الفكر الوضعي المنفصل عن الدين‏، ومن ثم فهو يقيم بناء المواطنة بعيدًا عن التوترات العقيدية‏.‏
ونحن نريد أن يتداخل بعضنا في بعض، لا أن ينفصل بعضنا عن بعض، ومما يهيئ لهذا التداخل أن تتداخل المفاهيم الطيبة بعضها في بعض، مثل: الدين والمواطنة، لا أن تتصارع ويقف بعضها دون بعض‏.‏
ومن جهة أخرى، فإن فكرة المساواة بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب في بلادنا كانت متحققة في غالب الفقه الإسلامي بالنسبة للحقوق الخاصة والفردية، بموجب أن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم" ...(50)


ثالثاً: دستورية

الدولة الإسلامية فى فكر الإخوان لها دستور وقانون مدني لا تتعارض مواده مع الشريعة الإسلامية . وهم يحترمون تطبيق الدستور والقانون على جميع الشعب .و يظن كثيرون أن المرجعية الإسلامية تعنى أن الحاكم سيحكم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فإذا أرد أن يصدر قرارا تكلم بالقرآن و الأحاديث، وهكذا يفعل المسئولون فى الدولة كلها، والقضاة فى المحاكم ... وهكذا يدور الحكم على نسق الفتوى التي صدر لبيان الحكم الشرعي .أى أن الدولة دولة فقهاء يبينون الأحكام الشرعية فى الأمور السياسة، وهذا خلاف للحقيقة .
والمرجعية الإسلامية للدولة تعنى أن تستمد الدولة قوانينها من الشريعة الإسلامية . والدستور والقانون منه ما يتفق مع الإسلام، ومنه مواد تتعارض معه،ولا يرضى أبدا أى عاقل أن يوجد قانون يحكمه يخالف دينه وشريعته، وبناء عليه يتم إعادة صياغة القوانين إلى تخالف الإسلام وفقا للشريعة الإسلامية .
والشريعة الإسلامية هى عبادات ومعاملات وعقوبات، فأما مجال العبادات،فقد جعل الإسلام أصحاب كل دين يحتكمون إلى شرائعهم، وهذه التعددية القانونية لاتوجد فى أى دولة فى العالم سوى فى الشريعة الإسلامية، فإن دول العالم تحتوى على قانون موحد للجميع يطبق على جميع المواطنين ولا علاقة له بالدين .والمعاملات والعقوبات يتم صياغتها فى قوانين مدنية يلتزم بها الجميع دون تفرقة .
وقد استنبط الفقهاء الأحكام الشرعية فى سائر جوانب الحياة فى الفقه الإسلامى المستمد من مصادر التشريع الإسلامى، وفى مقدمته القرآن الكريم والسنة النبوية، وصنفوها فى أبواب الفقه الإسلامى المعروفة من عبادات ومعاملات وأحوال شخصية وحدود وجنايات ....ومن هذا الفقه يتم صياغة قوانين تسير عليها الدولة وتطبق على الجميع دون تفرقة إلا فى النواحي الشخصية فيتحاكم كل أتباع دين إلى دينهم .
ومن خصائص الدولة عند الإخوان : أنها " دولة دستورية، ومن أهم مبادئ الدولة الدستورية تعدد السلطات و سيادة القانون، فالدولة الدستورية تقوم على دعامات ثلاث : السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، وكل منها تعمل بشكل متمايز ومتكامل ومتضامن فى آن واحد، بما يتيح توزيع للمسؤوليات والسلطة ومنع احتكارها من قبل سلطة واحدة، وينبغي أن تشتمل كل سلطة من هذه السلطات على كيانات مؤسسية ترسخ دعائم مستقرة وقواعد عمل واضحة وسياسات محددة، بشكل يعكس الشفافية والمشاركة، فهي أمور تعنى أن تعددية السلطة هي الحافظة لمعادلة أن كل سلطة لابد أن ترتبط بالمسئولية، وكل مسئولية لابد أن تتلازم مع المساءلة.
كما أن الدولة الدستورية لابد أن تحفظ سيادة القانون من خلال بسط وتعزيز سلطان القضاء وضمان استقلاله والعمل على تنفيذ أحكامه إضافة إلى ضمان خضوع سلطات الدولة للقانون، وانضباطها به، واحتكامها إليه، واعتبار كل تصرف يصدر عن السلطات العامة مخالفاً للدستور والقانون باطلاً يستوجب المساءلة ." ...(51)

ويوضح الأستاذ حسن البنا رأي الإخوان المسلمين فى النظام الدستوري فى (رسالة المؤتمر الخامس) بقوله:

"... وأحب قبل هذا أن نفرق دائما بين (الدستور) وهو نظام الحكم العام الذي ينظم حدود السلطات وواجبات الحاكمين ومدى صلتهم بالمحكومين، وبين (القانون) وهو الذي ينظم صلة الأفراد بعضهم ببعض ويحمى حقوقهم الأدبية والمادية ويحاسبهم على ما يأتون من أعمال . وأستطيع بعد هذا البيان أن أجلي لكم موقفنا من نظام الحكم الدستوري عامة، ومن الدستور المصري خاصة:
الواقع أيها الإخوان: أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم .
ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاماً آخر .

بقي بعد ذلك أمران:

  • أولهما: النصوص التي تصاغ في قالبها هذه المبادئ .
  • وثانيهما: طريقة التطبيق التي تفسر بها عمليا هذه النصوص .
إن المبدأ السليم القويم قد يوضع في نص مبهم غامض فيدع مجالا للعبث و بسلامة المبدأ في ذاته، و إن النص الظاهر الواضح للمبدأ السليم القويم قد يطبق و ينفذ بطريقة يمليها الهوى و توحيها الشهوات، فيذهب هذا التطبيق بكل ما يرجى من فائدة .
و إذا تقرر هذا فإن من نصوص من الدستور المصري ما يراه الإخوان المسلمون غامضا مبهما يدع مجالا واسعا للتأويل و التفسير الذي تمليه الغايات و الأهواء، فهي في حاجة إلى وضوح و إلى تحديد و بيان ... هذه واحدة، والثانية : هي أن طريقة التنفيذ التي يطبق بها الدستور، و يتوصل بها إلى جني ثمرات الحكم الدستوري في مصر، طريقة أثبتت التجارب فشلها و جنت الأمة منها الأضرار لا المنافع، فهي في حاجة شديدة إلى تحوير و إلى تعديل يحقق المقصود و يفي بالغاية .
وحسبنا أن نشير هنا إلى قانون الانتخاب، وهو وسيلة اختيار النواب الذين يمثلون الأمة و يقومون بتنفيذ دستورها و حمايته، و ما جره هذا القانون على الأمة من خصومات و حزازات، و ما أنتجه يشهد به الواقع الملموس، و لابد أن تكون فينا الشجاعة الكافية لمواجهة الأخطاء و العمل على تعديلها .
لهذا يعمل الإخوان المسلمون جهدهم حتى تحدد النصوص المبهمة في الدستور المصري، و تعدل الطريقة التي ينفذ بها هذا الدستور في البلاد، و أظن أن موقف الإخوان قد وضح بهذا البيان، و ردت الأمور إلى نصابها الصحيح ..... فنحن نسلم بالمبادئ الأساسية للحكم الدستوري باعتبارها متفقة، بل مستمدة من نظام الإسلام، و إنما ننقد الإبهام و طرائق الإنفاذ...(52)
وفى موضع آخر نجد الأستاذ حسن البنا يقول تحت عنوان : (الإخوان المسلمون والقانون):" قدمت أن الدستور شئ والقانون شئ آخر، وقد أبنت موقف الإخوان من الدستور، وأبين لحضراتكم الآن، موقفهم من القانون .
إن الإسلام لم يجئ خلوا من القوانين، بل هو قد أوضح كثيرا من أصول التشريع وجزئيات الأحكام، سواء أكانت مادية أم جنائية، تجارية أم دولية. والقرآن والأحاديث فياضة بهذه المعاني، وكتب الفقهاء غنية كل الغني بكل هذه النواحي، وقد اعترف الأجانب أنفسهم بهده الحقيقة وأقرها مؤتمر لاهاي الدولي أمام ممثلي الأمم من رجال القانون في العالم كله .
فمن غير المفهوم ولا المعقول أن يكون القانون في أمة إسلامية متناقضا مع تعاليم دينها وأحكام قرآنها وسنة نبيها، مصطدما كل الاصطدام بما جاء عن الله ورسوله، وقد حذر الله تعالي نبيه (صلي الله علية وسلم ) ذلك من قبل، فقال تبارك وتعالي: "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم و أحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" المائدة : (49 - 50)، وذلك بعد قوله تعالي : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون . . الظالمون . . الفاسقون" المائدة : 4 4، 45،47)، فكيف يكون موقف المسلم الذي يؤمن بالله وكلماته إذا سمع هذه الآيات البينات وغيرها من الأحاديث والأحكام، ثم رأي نفسه محكوما بقانون يصطدم معها ؟ فإذا طالب بالتعديل قيل له : إن الأجانب لا يرضون بهذا ولا يوافقون عليه، ثم يقال بعد هذا الحجر والتضييق إن المصريين مستقلون، وهم لم يملكوا بعد أن يتمتعوا بحرية الدين، على أن هذه القوانين الوضعية كما تصطدم بالدين ونصوصه تصطدم بالدستور الوضعي نفسه الذي يقرر أن دين الدولة هو الإسلام، فكيف نوفق بين هذين يا أولي الألباب ؟
وإذا كان الله ورسوله قد حرم الزنا وحظر الربا ومنع الخمور وحارب الميسر وجاء القانون يحمي الزانية والزاني ويلزم بالربا ويبيح الخمر وينظم القمار، فكيف يكون موقف المسلم بينهما ؟ أيطيع الله ورسوله ويعصي الحكومة وقانونها والله خير وأبقي ؟ أم يعصى الله ورسوله ويطيع الحكومة فيشقي في الآخرة والأولي ؟ نريد الجواب على هذا من رفعة رئيس الحكومة ومعالي وزير العدل ومن علمائنا الفضلاء الإجلاء .
أما الإخوان المسلمون فهم لا يوافقون على هذا القانون أبدا ولا يرضونه بحال . وسيعملون بكل سبيل على أن يحل مكانه التشريع الإسلامي العادل الفاضل في نواحي القانون . ولسنا هنا في مقام الرد على ما قيل في هذه الناحية من شبهات أو ما يعترض سبيلها من توهم العقبات، ولكنا في مقام بيان موقفنا الذي عملنا وسنعمل عليه، متخطين في سبيله كل عقبة، موضحين كل شبهة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
ولقد تقدم الإخوان المسلمون إلى معالي وزير العدل بمذكرة ضافية في هذا الموضوع، ولقد حذروا الحكومة في نهايتها من إحراج الناس هذا الإحراج، فالعقيدة أثمن ما في الوجود، وسوف يعاودون الكرة، وسوف لا يكون ذلك آخر مجهودهم "ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" (التوبة:31)...(53)

ويقول الأستاذ البنا رحمه الله موضحا منهاجه في هذا المجال تحت عنوان: (المنهاج واضح):

" يعتقد الإخوان المسلمون أن الله تبارك وتعالى حين أنزل القرآن وأمر عباده أن يتبعوا محمدا (صلي الله علية وسلم) ورضي لهم الإسلام دينا، وضع في هذا الدين القويم كل الأصول اللازمة لحياة الأم ونهضتها وإسعادها ....
فالعالمية والقومية والاشتراكية والرأسمالية والبلشفية والحرب وتوزيع الثروة والصلة بين المنتج والمستهلك، وما يمت بصلة قريبة أو بعيدة إلى هذه البحوث التي تشغل بال ساسة الأمة وفلاسفة الاجتماع، كل هذه نعتقد أن الإسلام خاض في لبها، ووضع للعالم النظم التي تكفل له الانتفاع بما فيها من محاسن، وتجنب ما تستتبعه من خطر وويلات . وليس ذلك مقام تفصيل هذا المقال، فإنما نقول ما نعتقد ونبين للناس ما ندعوهم إليه، ولنا بعد ذلك جولات نفصل فيها ما نقوله .

احذروا الإنحراف:

إن لكل أمة من دول الإسلام دستورا عاما فيجب أن تستمد مواد دستورها العام من أحكام القران الكريم، وإن الدولة التي تقول في أول مادة من مواد دستورها : إن دينها الرسمي الإسلام، يجب أن تضع بقية المواد على أساس هذه القاعدة، وكل مادة لا يسيغها الإسلام ولا تجيزها أحكامه يجب أن تحذف حتى لا يظهر التناقض في القانون الأساسي للدولة .
أصلحوا القانون، وإن لكل أمة قانونا يتحاكم إليه أبناؤها، وهذا القانون يجب أن يكون مستمدا من أحكام الشريعة مأخوذا عن القرآن الكريم متفقا مع أصول الفقه الإسلامي ."

وأعلن الإخوان مطالبهم الوطنية للإصلاح في مؤتمر صحفي عالمي يوم الأربعاء 23/2005م، كما أعلنوا مبادرتهم للإصلاح الشامل في 3/3/2004م، ونحن نذكر هنا بأهم هذه المطالب:

  • إطلاق الحريات العامة كافة لتهيئة مناخ صحي لإجراء الانتخابات الرئاسية؛ وذلك بإلغاء حالة الطوارئ، ورفع القيود عن تشكيل الأحزاب ونشاطها، وحرية إصدار الصحف ووسائل الإعلام، ورفع التجميد عن النقابات المهنية والعمالية والاتحادات الطلابية وأندية أساتذة الجامعات لتمارس نشاطها في إطار الدستور.

وهنا أذكِّر الجميعَ أنَّ موقف الإخوان من شكل نظام الحكم الذي نرتضيه وجوهره ثابت وواضح، وألخصه في النقاط التالية:

  • نحن نعتقد أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نُظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، ونحن لا نعدل به بديلاً، ومبادؤه تتلخص في:
  • المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها.
  • الشورى واستمداد السلطة من الأمة.
  • مسئولية الحكام أمام الشعوب ومحاسبتهم على أعمالهم.
  • الفصل بين السلطات وبيان حدود كل سلطة.
  • نحن نؤمن بتعدد الأحزاب في المجتمع المسلم، وأنَّه يجب ألا تضع السلطة التنفيذية قيودًا على حرية تشكيل الأحزاب، وأنَّ المرجع في بقاء الأحزاب أو إلغائها مرجعه إلى أمرين: قضاء حر مستقل أو الرأي العام والتأييد الشعبي في الانتخابات الدورية. "...(54)
وفى برنامج حزب الحرية والعدالة: "ومن أهم مبادئ الدولة الدستورية تعدد السلطات و سيادة القانون . فالدولة الدستورية تقوم على دعامات ثلاث؛ السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، وكل منها تعمل بشكل متمايز ومتكامل ومتضامن فى آن واحد، بما يتيح توزيع للمسؤوليات والسلطة ومنع احتكارها من قبل سلطة واحدة، وينبغى أن تشتمل كل سلطة من هذه السلطات على كيانات مؤسسية ترسخ دعائم مستقرة وقواعد عمل واضحة وسياسات محددة، بشكل يعكس الشفافية والمشاركة، فهى أمور تعنى أن تعددية السلطة هي الحافظة لمعادلة أن كل سلطة لابد أن ترتبط بالمسئولية، وكل مسئولية لابد أن تتلازم مع المساءلة.
كما أن الدولة الدستورية لابد أن تحفظ سيادة القانون من خلال بسط وتعزيز سلطان القضاء وضمان استقلاله والعمل على تنفيذ أحكامه إضافة إلى ضمان خضوع سلطات الدولة للقانون، وانضباطها به، واحتكامها إليه، واعتبار كل تصرف يصدر عن السلطات العامة مخالفاً للدستور والقانون باطلاً يستوجب المساءلة .

السلطة القضائية:

هى الحصن الذى يلجأ إليه أصحاب الحقوق فى استقضاء حقوقهم كما يحتمى به الأفراد من تغول أصحاب السلطان وظلم الحكام وأعوانهم ومن ثم فهى التى تقيم الحق والعدل فى المجتمع وتبعث الطمأنينة فى نفوس المواطنين وتوفر الاستقرار بين جنبات الوطن .
وحتى تستطيع السلطة القضائية تحقيق ذلك لابد أن تحصل على استقلالها الكامل عن السلطة التنفيذية على وجه الخصوص .
ولقد جاهد قضاتنا العدول من أجل الاحتفاظ باستقلالهم، فى ظل هيمنة طاغية من الحكومات السابقة المتعاقبة وقدموا تضحيات كبيرة، واقترحوا قوانين عديدة للحصول على هذا الاستقلال، إلا أن معظم هذه القوانين تم تجميدها، وقد آن الأوان أن ينعم القضاء باستقلاله والشعب بأمنه وحريته وحقوقه، لذلك رأى حزب الحرية والعدالة إفراد هذه السلطة بالتأكيد على أسباب تحقيق استقلالها بما يلى :
1. إلغاء كافة أشكال القضاء الاستثنائى، واختصاص القضاء المدنى الطبيعى بالفصل فى كافة قضايا المدنيين .
2. مجلس القضاء الأعلى هو الذى يختص بكافة شئون القضاة من تعيين وترقية ونقل وندب وتأديب.
3. فصل ميزانية القضاء عن ميزانية وزارة العدل، على أن يتولى مجلس القضاء الأعلى تحديد أوجه الإنفاق بعيدا عن سيطرة السلطة التنفيذية .
4. إلغاء رئاسة رئيس الجمهورية لمجلس القضاء الأعلى ولو شرفيا .
5. تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا من بين قضاتها وبالأقدمية المطلقة، وكذلك رئيس هيئة مفوضى المحكمة .
6. استقلال منصب النائب العام بإقرار قواعد لانتخابه من مستوى قضائى معين، وأعضاء النيابة العامة مستقلون عن النائب العام فى العمل القضائى دون الإدارى .
7. تعيين رئيسى محكمة النقض والإدارية العليا من بين قضاتهما وبالأقدمية المطلقة، دون تدخل من السلطة التنفيذية .
8. نقل تبعية التفتيش القضائى للمجلس الأعلى للقضاء .
9. حظر ندب أو إعارة القضاة إلى مواقع بالوزارات وهيئات السلطة التنفيذية .
10. إعلاء سلطة الجمعيات العمومية للمحاكم المختلفة واختيار جميع رؤساء المحاكم الابتدائية، وكذا رؤساء محاكم الاستئناف بمعرفة مجلس القضاء الأعلى .
11. إحالة القضايا للدوائر القضائية بالترتيب، وعدم توجيه قضية بعينها إلى دائرة بعينها .
12. زيادة أعداد القضاة لضمان سرعة القضاء والعمل على احترام الأحكام وسرعة تنفيذها.
13. نادى القضاة هو المعبر عنهم ولا سلطان لأحد عليه إلا جمعيته العمومية، ويجب أن تكون له ميزانية مستقلة ضمن أبواب ميزانية مجلس القضاء الأعلى...(55)


رابعا: الشعب مصدر السلطات

وصف الإخوان المسلمين محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك بالحدث التاريخي باعتباره يمثل الحالة الأولي في العالم العربي التي يحاكم شعب رئيسه بعد خلعه علي جرائمه البشعة التي ارتكبها في حق شعبه ووطنه.واعتبرت في بيان لها أن المحاكمة لها دلالات، منها أن مصر تغيرت تغييرا جوهريا, حيث تدل علي سيادة القانون.....وأن الإرادة الشعبية هي الغالبة، فالسيادة للشعب, وهو مصدر السلطات...(56)
ينطلق الإخوان فى فكرهم السياسي من منطلق إسلامي، والقرآن الكريم هو المصدر الذى تستمد منه الدولة الإسلامية قوانينها ينص صراحة على أن الشعب مصدر السلطات،ونجد القرآن الكريم يوضح فى صراحة أن القوانين تكون نابعة من إرادة الشعب وتوافقه، يقول تعالى موضحًا صفات المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (الشورى: 38) فقد جعل " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " بين فريضة الصلاة والإنفاق فى سبيل الله ليدل على منزلتها، والضمير "هم" فى "أمرهم" ، و"بينهم" يعود على المسلمين، وبالتعبير المعاصر " الشعب " أي أن " أمر الشعب شورى بين الشعب " .وهو ما يعبر عنه بالشعب مصدر السلطة، ونص القرآن يقرر أن الشعب مصدر السلطات فى الآية السابقة .
" فالمبادئ والمقاصد التي جاء بها الإسلام في سياسة الأمة والدولة يمكن أن تحققها "النظم المدنية" "والتجارب الإنسانية" التي هي إبداع إنساني والمعيار في القبول والرفض هو مدى تحقيق هذه النظم لمقاصد الإسلام في إشراك الأمة في سلطة صنع القرارات وفي تحقيق العدل بين الناس."...(57)
والإخوان يدعون الشعب إلى ممارسة حقه فى اختيار رئيس الدولة وأعوانه، ويمارسون حقهم فى المشاركة فى تشريع القوانين فيما لا نص قطعي فيه، ومراقبة أداء الحاكم والنصح له، وعزله إن أساء، ويؤكد الإخواندائما أن الدولة فى فكرهم الإسلامى مدنية، الشعب فيها مصدر السلطات، وليس الحاكم هو مصدر السلطات يفعل ما يشاء كما يمليه عليه هواه، يعبث بالدولة والشعب .
منذ نشأة الإخوان وهم يؤكدون على أن الشعب هو مصدر السلطات، وقد عبر عن ذلك مرشد الجماعة الأول الأستاذ حسن البنا بقوله تحت عنوان : "احترام رأى الأمة":
(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (سورة النور)
وأما عن احترام رأى الأمة، ووجوب تمثيلها واشتراكها في الحكم اشتراكاً صحيحاً، فإن الإسلام لم يشترط استبانة رأى أفرادها جميعاً في كل نازلة، وهو المعبر عنه في الاصطلاح الحديث بالاستفتاء العام، ولكنه اكتفى في الأحوال العادية (بأهل الحل والعقد) ولم يعينهم بأسمائهم، ولا بأشخاصهم ..... ولقد رتب النظام النيابي الحديث طريق الوصول إلى أهل الحل والعقد بما وضع الفقهاء الدستوريون من نظام الانتخابات وطرائقه المختلفة، والإسلام لا يأبى هذا التنظيم ما دام يؤدي إلى اختيار أهل الحل والعقد، وذلك ميسور إذا لوحظ في أي نظام من نظم تحديد الانتخاب صفات أهل الحل والعقد، وعدم السماح لغيرهم بالتقدم للنيابة عن الأمة ".
وفى موضع آخر يقول:
" ومن حق الأمة الإسلامية أن تراقب الحاكم أدق مراقبة، وأن تشير عليه بما ترى فيه الخير، وعليه أن يشاورها وأن يحترم إرادتها، وأن يأخذ بالصالح من آرائها، وقد أمر الله الحاكمين بذلك فقال : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159). وأثنى به على المؤمنين خيرًا فقال : (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى:38) .
ونصت على ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهدين من بعدهم .. إذا جاءهم أمر جمعوا أهل الرأي من المسلمين واستشاروهم ونزلوا عند الصواب من آرائهم، بل أنهم ليندبونهم إلى ذلك ويحثونهم عليه . فيقول أبو بكر رضي الله عنه : (فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني أو قوموني) ويقول عمر بن الخطاب: (من رأى فيّ اعوجاجًا فليقومه) .
والنظام الإسلامي في هذا لا يعنيه الأشكال ولا الأسماء متى تحققت هذه القواعد الأساسية التي لا يكون الحكم صالحاً بدونها، ومتى طبقت تطبيقاً يحفظ التوازن ولا يجعل بعضها يطغى على بعض، ولا يمكن أن يحفظ هذا التوازن بغير الوجدان الحي والشعور الحقيقي بقدسية هذه التعاليم، وإن في المحافظة عليها وصيانتها الفوز في الدنيا والنجاة في الآخرة، وهو ما يعبرون عنه فالاصطلاح الحديث "بالوعي القومي" أو "النضج السياسي" أو "التربية الوطنية" أو نحو هذه الألفاظ، ومردها جميعًا إلى حقيقة واحدة هي اعتقاد صلاحية النظام، والشعور بفائدة المحافظة عليه … إذ أن النصوص وحداها لا تنهض بأمة كاملة كما لا ينفع القانون إذا لم يطبقه قاضٍ عادل نزيه" .

و يوضح الأستاذ حسن البنا الشروط التى ينبغي توافرها، لكي يكون الشعب مصدر السلطات، فيقول تحت عنوان :" تعديل وإصلاح ":

لا بد من تعديل وإصلاح لقانون الانتخاب، ومن وجوه هذا الإصلاح الضرورية:
1- وضع صفات خاصة للمرشحين أنفسهم، فإذا كانوا ممثلين لهيئات فلا بد أن يكون لهذه الهيئات برامج واضحة وأغراض مفصلة يتقدم على أساسها هذا المرشح، وإذا لم يكونوا ممثلين لهيئات فلا بد أن يكون لهم من الصفات والمناهج الإصلاحية ما يؤهلهم للتقدم للنيابة عن الأمة، وهذا المعنى مرتبط إلى حد كبير بإصلاح الأحزاب في مصر، وما يجب أن يكون عليه أمر الهيئات السياسية فيها .
2- وضع حدود للدعاية الانتخابية، وفرض عقوبات على من يخالف هذه الحدود، بحيث لا تتناول الأسر ولا البيوت ولا المعاني الشخصية البحتة التي لا دخل لها في أهلية المرشح، وإنما تدور حول المناهج والخطط الإصلاحية.
3- إصلاح جداول الانتخابات، وتعميم نظام تحقيق الشخصية، فقد أصبح أمر جداول الانتخابات أمراً عجباً بعد أن لعبت بها الأهواء الحزبية والأغراض الحكومية طول هذه الفترات المتعاقبة، وفرض التصويت إجبارياً .
4- وضع عقوبة قاسية للتزوير من أي نوع كان، وللرشوة الانتخابية كذلك .
5- وإذا عدل إلى الانتخابات بالقائمة، لا الانتخاب الفردي كان ذلك أولى وأفضل، حتى يتحرر النواب من ضغط ناخبيهم، وتحل المصالح العامة محل المصالح الشخصية في تقدير النواب والاتصال بهم .
وعلى كل حال فأبواب الإصلاح والتعديل كثيرة، هذه نماذج منها، وإذا صدق العزم وضح السبيل، والخطأ كل الخطأ في البقاء على هذا الحال والرضا به، والانصراف عن محاولة الإصلاح .

هيبة القانون:

ولا شك أن سلطان القانون قد تزعزع وفقد معظم احترامه كذلك، بسبب هذه الاستثناءات والمحسوبيات والحيل المتكررة، والاعتداء أحياناً بنسخ القانون لغرض شخصي .. ولو أن هذا النسخ بقانون في ظاهر الأمر، ولكن الدوافع تكون معروفة دائماً ولا تخفى على أحد، فيعمل ذلك عمله في النفوس وينال من هيبة القانون واحترام النظام" .
وقد أكد مرشدوا الإخوان على اختلاف العصور أن الشعب مصدر السلطات فى فكر الإخوان، وفى موضع آخر يؤكد الأستاذحسن البنا أن الشعب مصدر السلطات فى فكر الإخوان، فالشعب هو الذى يختار الحاكم ويملك عزله إن أساء،والشعب هو الذى يوافق أو يرفض على القوانين التى تمس حياته وتنظم شئونه الخاصة، يقول الأستاذ حسن البنا فى (رسالة المؤتمر الخامس):
" إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب و محاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم"...(58)
وفى موضع آخر يقول عن سلطة الشعب فى ظل الدولة الإسلامية: " كما كانت إرادتها محترمة مقدرة، فما كان أبو بكر يمضي في الناس أمراً إلا بعد أن يستشيرهم وخصوصاً فيما لا نص فيه، وكذلك كان عمر بن الخطاب، فقد جعل الخلافة من بعده شورى في الستة اللذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض"...(59)
ويقول الأستاذ محمد مهدي عاكف: " وعندما يتم تطبيق الحرية وفقا للمفهوم الإسلامى فهذه الحرية هي التي تجعل من الأمة مصدرًا للسلطات ؛ حيث تختار حاكمَها عن رضي ."...(60)
وقد سعى الطاغية المخلوع حسني مبارك إلى توريث السلطة بتعديل المادة 76 من الدستور الخاصة بالترشح لرئاسة الجمهورية وبحيث تفصّل على ابنه دون غيره ، وقد عبر المرشد السابق للإخوان الأستاذ محمد مهدي عاكف عن رؤيتهم ليكون الشعب هو المصدر الحقيقي للسلطة، ويمثله نواب يعبرون عن الإرادة الشعبية، فيقول : "الإخوان والمطالب الوطنية:
أعلن الإخوان مطالبهم الوطنية للإصلاح في مؤتمر صحفي عالمي يوم الأربعاء 23/2005م، كما أعلنوا مبادرتهم للإصلاح الشامل في 3/3/2004م، ونحن نذكر هنا بأهم هذه المطالب:
  • أولاً: تعديل حقيقي للمادة 76 من الدستور يكفل تكافؤ الفرص بين المواطنين للترشيح لموقع الرئاسة، وتكافؤ الفرص للمرشحين لنيل ثقة الشعب، وأن يكون موقع الرئاسة بعيدًا عن أي شبهات بعدم الدستورية.
  • ثانيًا: إطلاق الحريات العامة كافة لتهيئة مناخ صحي لإجراء الانتخابات الرئاسية؛ وذلك بإلغاء حالة الطوارئ، ورفع القيود عن تشكيل الأحزاب ونشاطها، وحرية إصدار الصحف ووسائل الإعلام، ورفع التجميد عن النقابات المهنية والعمالية والاتحادات الطلابية وأندية أساتذة الجامعات لتمارس نشاطها في إطار الدستور.
  • ثالثًا: التصدي للخطر الخارجي الداهم والخطر الداخلي الناجم عن الإحباط؛ وذلك ببناء جبهة وطنية عريضة تضم الجميع وحتى يتحمل الجميع عبء الإصلاح ومقاومة الفساد، وهنا أذكِّر الجميعَ أنَّ موقف الإخوان من شكل نظام الحكم الذي نرتضيه وجوهره ثابت وواضح...(61)
ويقول الدكتور القرضاوي: " والأمةُ فيها (الدولةُ الإسلاميَّةُ) هي مصدرُ السلطاتِ شريطةَ ألا تُحِلَّ حرامًا، أو تحرِّمَ حلالا، جاءتْ بِهِ النصوصُ الدينيَّةُ قطعيَّةُ الدلالةِ والثبوتِ، هي دولةٌ مدنيَّةٌ ؛ لأنَّ النُّظُمَ والمؤسساتِ والآلياتِ فيها تصنعُهَا الأمةُ، وتطورُهَا وتغيِّرُهَا بواسطةِ مُمَثِّلِيهَا، حتَّى تُحقِّقَ الحدَّ الأقصَى مِنَ الشورَى والعدلِ، والمصالحِ المعتبرةِ التي هي متغيِّرَةٌ ومتطوِّرَةٌ دائمًا وأبدًا، فالأمةُ في هذه الدولةِ المدنيَّةِ هي مصدرُ السلطاتِ ؛ لأنَّهُ لا كهانَةَ في الإسلامِ، فالحُكَّامُ نوابٌ عن الأمةِ، وليسَ عن اللهِ، والأمةُ هي التي تختارُهُمْ، وتراقبُهُمْ، وتحاسبُهُمْ، وتعزلُهُمْ عندَ الاقتضاءِ، وسلطةُ الأمةِ، التي تمارسُهَا بواسطةِ مُمَثِّلِيهَا الذينَ تختارُهُمْ بإرادتِهَا الحرةِ لا يحدُّهَا إلا المصلحةُ الشرعيَّةُ المعتبرَةُ، ومبادِئُ الشريعَةِ التي تلخصُهَا قاعدةُ: لا ضَرَرَ، وَلاضِرَارَ.. والدولةُ الإسلاميَّةُ دولةُ مؤسساتٍ، فالمؤسسةُ مبدأٌ عريقٌ في الدولةِ الإسلاميَّةِ، تستدعِيهِ وتؤكدُ عليهِ التعقيداتُ التي طرأتْ على نُظُمِ الحُكْمِ الحديثِ ؛ ولأنَّ الدولةَ الإسلاميَّةَ دولةُ مؤسساتٍ، كانتِ الْقيادةُ فيهَا والسُّلطةُ جماعيةً ترفضُ الفرديَّةَ، والدِّيكْتَاتُورِيَّةَ،والاستبدادَ، فالطَّاعةُ للسلطةِ الجماعيَّةِ."...(62)
وكانت الشورى من أسس الحكم الإسلامى التى دعا القرآن إليها يقول الحق تبارك وتعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " (آل عمران : 159)، كما قال تعالى : "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" (الشورى: 38)، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة أنه أهاب بالناس إلى الشورى فقال: أشيروا علي أيها الناس، وجاء في السنة ما يثبت أن الرسول ما ترك المشاورة قط، بل قال أبو هريرة: "ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله لأصحابه".هذه هي حرية الرأي والتعبير والانتخابات والديمقراطية (مع التحفظ على بعض صورها) دون أن توجد هذه المسميات فى ذلك الوقت .

ولكي يكون الشعب مصدر السلطات انتخابات حرة ونزيهة، ولكي يتم ذلك لابد من توافر ما يلي :

1- تختص لجنة قضائية – دون غيرها – تشكل من أعضاء السلطة القضائية – قضاء الحكم – وبمعرفة السلطة القضائية بالإشراف الكامل على إدارة الانتخابات والاستفتاءات بمجرد صدور قرار دعوة الناخبين، وتخضع لها كافة الأجهزة التنفيذية والمحلية والأمنية التى تتصل أعمالها بالانتخابات، بحيث تشمل مرحلة الترشيح والتصويت والفرز وإعلان النتائج .
2- إلغاء جداول القيد الحالية والتي لا تعبر بأي صورة من الصور عن الشعب المصري، وإعادة الجداول طبقا للرقم القومي .
3- إدلاء الناخبين بأصواتهم طبقا للرقم القومي، مع توقيع الناخب فى كشوف الانتخابات أمام اسمه بإمضائه أو بصمته
4- فرض عقوبات صارمة على التزوير أو التلاعب أو التدخل فى الانتخابات تصل إلى الأشغال الشاقة بالنسبة للموظف العام، واعتبارها جريمة لا تسقط بالتقادم .
5- وضع ضوابط دقيقة للإنفاق المالي فى الانتخابات .
6- كف يد السلطات الأمنية عن التدخل فى أي خطوة من خطوات العملية الانتخابية وقصر دورها على حفظ الأمن ومنع الاحتكاك بين أنصار المرشحين "...(63)
و" تحقيق الإصلاح السياسي والدستوري وإطلاق الحريات العامة وخاصة حرية تكوين الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وإقرار مبدأ تداول السلطة طبقًا للدستور الذي يقره الشعب بحرية وشفافية"...(64)


خامساً: ديمقراطية (الإجتهاد السياسي والتشريعي)

التشريع الإسلامي يعتمد في معظم أحواله على الاجتهاد والاختيار،والاجتهاد هو بذل الجهد فى استخراج الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية ، ويعتبر الاجتهاد الوسيلة المؤدية إلى التجديد. والقوانين العادلة التى تبنى على حفظ المصالح ودرء المفاسد، ولا خلاف على ذلك...(65)
وإن الفقه الإسلامي يقر تعددا في الآراء وتنوعا في الحلول في إطار ما تسعه نصوص الأحكام، وفي هذا التعدد والتنوع يعرف الفقهاء أن صاحب الولاية يمكن أن يرجح رأيا من هذه الآراء على رأي آخر، فيصير هو الرأي الفقهي الملزم للجماعة‏.‏ ونحن عندما نحيط الدولة رسميا بدين الإسلام، ونقرر مصدرية الشريعة في ذات الأحكام الدستورية التي تقر بالمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات العامة والخاصة، نحن بذلك نكون قد أقررنا -بما للدستور من تنظيم الولايات العامة- بأننا ملتزمون دستوريا بتبني الرأي الفقهي الذي تسعه أحكام الشرع الإسلامي، وهو ما يدعم ويؤكد مبدأ المساواة بين المواطنين وغيره من المبادئ الواردة بالدستور مما تسعه مبادئ الشريعة‏...(66)
والاجتهاد لا يكون إلا في الأمور المستحدثة والمستجدات، ويكون وفقا لقواعد عامة يجب احترامها .والاجتهاد جعل الشريعة الإسلامية متطورة غير جامدة مواكبة للتطورات العصرية وتلبى المستجدات، ولذلك فإنها فى كثير من الأحكام تتسع لاختلاف الآراء، والفقه الإسلامى ما هو إلا ثمرة من ثمار الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية، تتعدد فيه الآراء باختلاف الأدلة والعقول .
ولقد نص القرآن الكريم علي الأسس الثابتة والقواعد الكلية التي يبني عليها تنظيم الشئون العامة للدولة, ولم يتعرض التفصيل الجزئيات, وذلك ليتسع لأولى الأمر أن يضعوا نظمهم ويشكلوا حكومتهم ويكون لهم مجالسهم بما يلائم حالهم ويتفق مع مصالحهم, غير متجاوزين حدود العدل " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "، والشورى " وأمرهم شوري بينهم" ، و المساواة " إنما المؤمنون أخوة ".. وكذلك وقفت العقوبات المقدرة عن خمس عقوبات.. وما عدها ترك تقديره لأولي الأمر, لأن هذه التقديرات تختلف باختلاف البيئات والأمم والأديان.
وفي المعاملات الأصل الإباحة أو التراضي بما يحقق تبادل الحاجات ودفع المضرات, مع ترك التفاصيل لولاة

الأمور علي أساس التراضي"...(67)

هناك فرق كبير بين الاجتهاد الفقهي التى يتطلب شروطا معينة لابد من توافرها فى المجتهد، وهى مبسوطة فى كتب الفقه وأصوله، نظرا لأنه يستنبط أحكاما فقهية يترتب عليها حكما شرعيا .
يقول الأستاذ البنا: " و حسبنا أن نشير هنا إلى قانون الانتخاب، و هو وسيلة اختيار النواب الذين يمثلون الأمة و يقومون بتنفيذ دستورها و حمايته ."
أما الاجتهاد فى النظام السياسي الإسلامى، فيكون فى الأمور التى لا تتعارض مع مبادىء الإسلام وأحكامه ، فالاجتهاد فيها جماعي لكل الشعب أو من ينوب عنه، ويتطلب مشاركة جماعية من الشعب، ويتم أخذ الرأي بالأغلبية النسبية، فالاجتهاد بالرأي فى ظل المرجعية الإسلامية للدولة جماعي بأغلبية الآراء يشارك فيه الشعب كله فى صورة استفتاء شعبي أو يختار الشعب نوابه الذين يمثلونه ويعبرون عن رأيه فى مختلف القضايا إلى تمس الوطن، ويتم التحاور والتشاور معهم نيابة عن الشعب الذى اختارهم ليمثلوه أمام الحكومة، وفى مناقشة القوانين وقبولها أو رفضها،ويتم الموافقة على القوانين بالأغلبية النسبية لنواب الشعب، والقانون الذى يتم الموافقة عليه يسرى على الشعب ويطبق فى الدولة بناء على إرادة الشعب صاحب السلطة الذى يملك إرادته، وهو الذى شرّع القانون ووافق عليه، ويشرف على تطبيقه .
" ولقد كان اجتهاد الرأي في صدر الإسلام ـ هو السبيل لتحقيق المصالح عندما لا يكون هناك نص. وبسلوك هذا الطريق ما شعر أحد بقصور الشريعة الإسلامية عن مصالح الناس، ولا رميت بحاجتها إلي غيرها, وما عرف إذ ذاك : حكم شرعي وآخر سياسي, وإنما كانت الأحكام كلها شرعية، مصدرها الكتاب والسنة وما اهتدي إليه أولو الرأي بالاجتهاد الذي تحروا به المصلحة.. والمصالح المرسلة هي التي لم يرد في الشرع دليل بشأنها، ولم يشهد الشارع باعتبارها ولا بإلغائها ...(68)
والسيرة النبوية تمدنا بالكثير من المواقف فى هذا الصدد، من ذلك نزول الرسول صلى الله عليه وسلم على رأى الشباب يوم أحد بالرغم من مخالفته لرأيه الشخصي، وغير ذلك من مواقف الصحابة لا تحتاج إلى مزيد من الاستدلال لوضوحها .
والاجتهاد الفقهي تتعدد فيه الآراء بناء على مختلف الأدلة، وترتبط تلك الاجتهادات فى الأحكام الفقهية بالشخص والمكان والزمان على نحو ما هو معروف فى الفقه الإسلامى .
أما الاجتهاد فى النظام السياسي الإسلامي فهو حق للشعب كله أن يبدىء برأي فى الأمور التى تمس حياته ولا تعارض مبادىء الإسلام وأحكامه .
يقول الدكتور محمد عمارة: " والاجتهاد في القضايا التي تمس الدولة يتطلب اجتهاد جماعي لا فردى، ولا يمكن أن تقوم به جماعة أو حزب واحد، لذا ينبغي " قيام جمعية تشريعية مؤلفة من خيرة أهل العلم بأصول الدين والبصر بأمور الدنيا لاستنباط الأحكام التي تتفق ومصالح الناس، ولا تخالف أصول الدين.. وفتح باب الاجتهاد الفردي شر علي التشريع الإسلامي، لأنه يمهد السبيل للأدعياء, ويكثر الخُلف وتشعب الآراء... والخير كله في اجتهاد الجماعة وتشريعهم"...(69)
ومن صور الاجتهاد السياسي الجماعي فى العصر الحديث الذى تتفق مع الإسلام مناقشة القوانين فى مجلس النواب المنتخب بنزاهة بعيدا عن التزوير، حيث يتم عرض القوانين عليه ومناقشتها ويجتهد كل نائب فى بيان رأيه والاستدلال عليه، ويتم التصويت عليها بالموافقة أو الرفض بالأغلبية النسبية .
يقول الأستاذ حسن البنا: " فالقوانين الدستورية والمدنية والجنائية بفروعها المختلفة عرض لها الإسلام، ووضع نفسه منها بالموضع الذى يجعل أول مصادرها وأقدس منابعها، وهو حين فعل هذا إنما وضع القواعد الكلية والقواعد العامة والمقاصد الجامعة، وفرض على الناس تحقيقها، وترك لهم الجزئيات والتفاصيل يطبقونها بحسب ظروفهم وإعصارهم، ويجتهدون فى ذلك ما وسعتهم المصلحة ووتاهم الاجتهاد...(70)


الجزء الثالث

المبحث الثالث: النظام السياسي فى ظل المرجعية الإسلامية عند الإخوان

يقول الأستاذ البنا : " والحكومة في الإسلام تقوم على قاعدة معروفة مقررة، هي الهيكل الأساسي لنظام الحكم الإسلامي .. فهي تقوم على مسؤولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها ولا عبرة بعد ذلك بالأسماء والأشكال" .

إن أي دولة فى العالم ذات سيادة تتطلب وجود حاكم وشعب ودستور وقانون ينظم الدولة ويطبق على الجميع .ويكون الدستور نابعا من الإرادة الشعبية، ويسعى رئيس الدولة إلى تطبيقية، والاحتكام إليه عند الاختلاف .فالشعب هو الذي أعدّ الدستور، وهو الذي اختار الرئيس ليحكم بهذا الدستور. والشعب هو الذي اختار كذلك نوابه الذي يمثلون السلطة التشريعية .والإخوان ينطلقون فى تصورهم لشكل الدولة من منظور إسلامي، ويؤكدون على أن الأمة مصدر السلطات، ومن هذا المنطلق فالشعب فى المرجعية الإسلامية هو مصدر السلطات .

لاشك أن كثيرين يفكرون فى الشكل العام للدولة المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011 ،ويحاولون معرفة رأى الإخوان فى نظام الدولة وشكلها الجديد رئاسي أم برلماني أم رئاسي برلماني، والسلطة التشريعية والتنفيذية، ودور الشعب وسلطاته والعلاقات الداخلية والخارجية ..إلى غير ذلك من التساؤلات .

النظام السياسي الإسلامى يعتمد على الاجتهاد الجماعي، والإخوان لديهم انفتاح على جميع الثقافات ويطالبون بالاستفادة منها طالما أنها لا تخالف الإسلام، وفى ذلك يقول الإمام البنا في (رسالة المؤتمر الخامس) " : إن طبيعة الإسلام التي تساير العصور والأمم وتتسع لكل الأغراض والمطالب لا تأبى أبدًا الاستفادة من كل نظام صالح لا يتعارض مع قواعده الكلية وأصوله العامة " ولقد طبَّق الإمام البنا هذا المنهج على الموقف من النظام النيابي والدستوري الذي تبلور في تجارب الديمقراطيات الغربية فقال في (رسالة نحو النور) " إنه ليس في قواعد هذا النظام النيابي الذي نقلناه عن أوربا ما يتنافى مع القواعد التي وصفها الإسلام لنظام الحكم وهو بهذا الاعتبار ليس بعيدًا عن النظام الإسلامي ولا غريبًا عنه " .

فالمبادئ والمقاصد التي جاء بها الإسلام في سياسة الأمة والدولة يمكن أن تحققها "النظم المدنية" "والتجارب الإنسانية" التي هي إبداع إنساني والمعيار في القبول والرفض هو مدى تحقيق هذه النظم لمقاصد الإسلام في إشراك الأمة في سلطة صنع القرارات وفي تحقيق العدل بين الناس...(71)

وإذا كنا بصدد الحديث عن التطور والتجديد فى النظام السياسي، فإن الإسلام وضع الأسس العامة للحكم، ومنها :

1- اختيار الحاكم: وفى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ما يشير إلى ضرورة اختيار الحاكم، وقد تم فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم اختيار نواب عن قومهم بالأغلبية النسبية عن طريق الانتخاب.
والقاعدة العامة في الاختيار الشورى كما قوله تعالى فى صفات المؤمنين: " وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " (الشورى : 38) .
2- الحرية: الشخصية والعقائدية، وقاعدتها قوله تعالى :" إنَّا هَدَيْنَاه السَّبِيْلا إمَّا شَاكِرًا وإمَّا كُفُورًا "، وقوله تعالى: " لا إِكْرَاه في الدِّينِ ". وقد أعلن الإخوان التزامهم بالإسلام عقيدةً وشريعةً ونظام حياة، وأكدوا الالتزام بالقول والفعل، كما سجَّلوا في كافة أدبياتهم إيمانهم بالحرية فريضةً من فرائض الإسلام، وحقًا فطريًّا منحه الله عبادَه كافَّة، لا تجوز مصادرته أو الافتئات عليه أو الانتقاص منه، كما لا يجوز السكوت أو الرضا عن مصادرته أو التلاعب فيه، كما أكدوا من خلال مفهومهم للإسلام وإيمانهم بالحرية والأمن- حقًا لكل إنسان- أن الحرية تعني حرية الاعتقاد، والعبادة، والرأي، والعمل، والانتقال، والسفر، كما أكدوا على التعددية واحترام الرأي الآخر وتداول السلطة، وحرية الانتخابات ونزاهتها، وحق الشعب من خلال الانتخابات النزيهة في اختيار ممثليه ومسئوليه، وحقِّه في المحاسبة والمراجعة والتقويم والمشاركة في القرار، وقبل ذلك كله اعتماد الحوار وسيلةً حضاريةً إسلاميةً للوصول إلى الحقِّ والحقيقة ...(72)
3- المساواة بين الجميع دون تفرقة على أساس اللون أو الدين أو الجنس، وقاعدتها قوله تعالى : "يأيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات : 13) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ".
4- العدالة: العدل المطلق بين الناس جميعا دون تفرقة حتى الخصوم، وقد ورد ذكره فى القرآن الكريم فى أكثر من موضع منه قوله تعالى : " وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذي قربى ".وقوله تعالى : " يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ." ( المائدة : 8 )، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله " ومنهم :" إمام عادل ".
5- حق الحاكم على الشعب السمع والطاعة وعد الخروج عليه ما دام مقيما لشرع الله، وقاعدتها قوله تعالى : " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ." وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ".
6- محاسبة الحاكم أو رئيس الدولة ومراجعته عند الانحراف بالسلطة عن الطريق الذي تريده الأمة وفيه مصلحتها، أو في حالة خروجه على مقتضيات العقد الذي تولى به الحكم، وقاعدتها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " الدين النصيحة قلن لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله وكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم ."
7- الخروج على الحاكم أو رئيس الدولة والاتجاه إلى عزله والوقوف في وجهه في حالة اتجاهه إلى الإفساد والظلم ومصادرة الحريات ومخالفة قواعد الإسلام وشريعته، والإصرار علي ذلك، وعدم الاستماع إلى النصيحة، وقيامه بإهدار الحقوق التي من واجباته حمايتها والمحافظة عليها،، والحاكم عندما يظلم ويفسد ويصر على ذلك، فهو عاصٍ لله، فلا سمع له ولا طاعة ويكون بذلك مخلا بالعقد الذي بينه وبين الشعب، والخروج عليه واجب . والقاعدة في ذلك قوله تعالى : " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار "، وقوله صلى الله عليه وسلم " إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب ".وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا : " انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا يا رسول الله ننصره مظلوما، فكيف ننصره مظلوما : قال تمنعه من الظلم، فذالك نصرك إياه ." والحديث السابق ذكره " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
وانطلاقا من هذه القواعد الكلية التي تضبط شئون الحكم ترك التفصيلات ووسائل التطبيق في طريقة اختيار الحاكم وأساليب ممارسة الحرية، وكيفية إقامة العدل وتطبيقه ومراقبة و محاسبة الحاكم، وكيفية ممارسة الشعب سلطاته عن طريق الاستفتاء أو ممثلين له، وإدارة الدولة في ضوء تلك المبادئ العامة للحكم في الإسلامي تركها للاجتهاد البشرى، وكل شعب يختار الآلية التي يحقق بها تلك المبادئ التي لا يختلف عليها أحد، وتسعى أنظمة العالم إلى تحقيقها والانحراف عنها يعتبر من الفساد السياسي التي تعانى منه الشعوب ، وتجاهد من أجل التحرر منه.

أولاً: نوعية نظام الحكم فى فكر الإخوان

إن نوعية النظام الإداري للدولة من برلماني أو رئاسي أو رئاسي برلماني يحدد الشعب فيما بينه أو بين من يمثله، وتختلف الدول فى وضع نظام الدولة حسب مصلحتها، وقد ترك الإسلام حرية الاجتهاد فى اختيار كل دولة نظامها، والإخوان لا يوافقون على أى نظام يتوافق عليه الجميع، وإن كانت لهم رؤيتهم واجتهادهم فى نظام الحكم فى مصر دون أن يفرضوا رأيهم على أحد، وقد عبروا عنه منذ مرشدهم الأول حسن البنا، وأخيرا أوضح تلك النظرة الحزب الذي أنشأه الإخوان فى مصر (حزب الحرية والعدالة).

1- النظام الرئاسي:

وعن النظام الرئاسي يقول الأستاذ البنا: " فأما عن مسؤولية الحاكم فإن الأصل فيها في النظام الإسلامي أن المسئول فيها هو رئيس الدولة كائناً من كان، له أن يتصرف، وعليه أن يقدم حساب تصرفه للأمة، فإن أحسن أعانته، وإن أساء قومته..... على أنه لا مانع في النظام النيابي من تحمل رئيس الدولة المسؤولية واعتبار الوزارة تابعة له في ذلك، كما يقرر ذلك دستور الولايات المتحدة . والغريب أن تشير كتب الفقه الإسلامي إلى هذا الوضع أيضاً، وتسمى هذه الوزارة (وزارة التنفيذ) فيقول الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية) أيضا : (وأما وزارة التنفيذ فحكمها أضعف، وشروطها أقل، لأن النظر مقصور فيها على رأى الإمام وتدبيره، وهذا الوزير وسط بينه وبين الرعايا والولاة، يؤدى عنه ما أمر، وينفذ ما ذكر ويُمضي ما حكم....) ولا شك أن هذا من سعة مادة الفقه الإسلامي ومرونته وصلاحيته لكل زمان ومكان ...(73)" .

2- النظام البرلماني :

يعبر الأستاذ حسن البنا عن رأى الإخوان فى نظام الحكم تحت عنوان: " موقف الإسلام من النظام النيابي والدستور المصري، فيقول  :
" يقول علماء الفقه الدستوري إن النظام النيابي يقوم على مسؤولية الحاكم، وسلطة الأمة، واحترام إرادتها، وإنه لا مانع فيه يمنع من وحدة الأمة واجتماع كلمتها، وليست الفرقة والخلاف شرطاً فيه , وإن كان بعضهم يقول إن من دعائم النظام النيابي البرلماني : الحزبية, ولكن هذا إذا كان عرفًا فليس أصلاً في قيم هذا النظام , لأنه يمكن تطبيقه بدون هذه الحزبية وبدون إخلال بقواعده الأصلية .
وعلى هذا فليس في قواعد هذا النظام النيابي ما يتنافى مع القواعد التي وضعها الإسلام لنظام الحكم، وهو بهذا الاعتبار ليس بعيداً عن النظام الإسلامي ولا غريبًا عنه , وبهذا الاعتبار يمكن أيضاً أن نقول في اطمئنان إن القواعد الأساسية التي قام عليها الدستور المصري لا تتنافى مع قواعد الإسلام، وليست بعيدة من النظام الإسلامي ولا غريبة عنه , بل إن واضعي الدستور المصري رغم أنهم وضعوه على أحدث المبادئ والآراء الدستورية وأرقاها، فقد توخوا فيه ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية، فهي إما متمشية معها صراحة كالنص الذي يقول : (دين الدولة الإسلام) أو قابلة للتفسير الذي يجعلها لا تتنافى معها كالنص الذي يقول : (حرية الاعتقاد مكفولة).
ولا مانع في الإسلام في أن يفوض رئيس الدولة غيره في مباشرة هذه السلطة وتحمل هذه المسؤولية، كما عرف ذلك في (وزارات التفويض) في كثير من العهود الإسلامية، ورخص الفقهاء المسلمون في ذلك وأجازوه ما دام فيه مصلحة، والقاعدة في مثل هذه الأمور رعاية المصلحة العامة، قال الماوردي في كتاب الأحكام السلطانية : (والوزارة على ضربين، وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ، فأما وزارة التفويض فهو أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه، وإمضاءها على مقتضى اجتهاده، وليس يمتنع جواز هذه الوزارة، قال تعالى حكاية عن نبيه عليه الصلاة والسلام : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي , هَارُونَ أَخِي , اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي , وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (طـه:29-32) فإذا جاز ذلك في النبوة كان في الإمامة أجوز . لأن ما وكل إلى الإمام من تدبير الأمة لا يقدر على مباشرة جميعه إلا باستتابة، ونيابة الوزير المشارك له في التدبير أصح في تنفيذ الأمور من تفرده بها ليستظهر بها على نفسه، وبها يكون أبعد من الزلل وأمنع من الخلل.
والأصل في هذه المسؤولية في النظام النيابي، أن المسئول هو الوزارة ولا مسؤولية على رئيس الدولة، وقد جرى على هذا الدستور المصري والدستور الإنجليزي، فصرح كل منهما بمسؤولية الوزارة، وإخلاء رئيس الدولة من كل مسؤولية واعتباره لا يخطئ، واعتبار ذاته مصونة لا تمس ...(74)
و"يرى حزب الحرية والعدالة أن النظام البرلمانى هو النظام الأنسب لظروف البلاد حيث يقوم هذا النظام على أساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويوجد فى هذا النظام رئيس دولة يسود ولا يحكم ولفترتين رئاسيتين فقط، ورئيس وزراء يتولى مسئولية الحكم، إضافة إلى السلطة التشريعية .
ومن أهم مزايا هذا النظام مسئولية الوزارة أمام البرلمان مسئولية جماعية تضامنية ومسئولية فردية، فالمسئولية التضامنية هى مسئولية عن السياسة العامة للحكومة وهذا شئ طبيعى فما دامت الوزارة هى التى تحكم فهى التى تُسأل، ورئيس الدولة يعتبر رمزا لها وحكما بين السلطات ولا يتولى مسئولية الحكم، ومن ثمّ لا يكون مسئولا عن التنفيذ، وبذلك نكون قد تجاوزنا النظام الذي يحكم فيه الرئيس ولا يُسأل، بينما الحكومة التى تنفذ توجيهاته تكون هى المسئولة .
كما أن من مزايا هذا النظام هو التوازن العملى بين السلطات وهذا التوازن هو نتيجة المساواة بين السلطتين، كما أنه نتيجة لتبادل المعلومات وللتعاون ولتبادل الرقابة والتأثير ...(75)


ثانيا: العلاقات الدولية

ظهرت بعد ثورة 25 يناير تساؤلات عديدة يبثها بين حين وآخر خصوم المرجعية الإسلامية، فتجدهم يقولون : ماذا تفعلون باتفاقية السلام مع إسرائيل ؟، هل سيقوم الإخوان فى ظل مرجعيتهم الإسلامية فى حالة وصولهم إلى الحكم بإلغائها وإعلان الحرب على إسرائيل ؟؟ وما تصور الإخوان لعلاقة مصر بالعالم الذي يدين كثير منه بغير الإسلام ؟، فهل تنعزل مصر وتقاطع جميع الدول انطلاقا من عقيدتهم الإسلامية ؟؟
حقيقة إن موقف الإخوان واضح تماما، فعقب ثورة 25 يناير أعلنوا أنهم ليسوا أوصياء على الشعب، وأن الشعب هو الذي يقرّ أو يعدّل أو يرفض الاتفاقية، وليس الإخوان أو أي حزب أو حركة سياسية يستطيع ذلك منفردا، فالشعب هو صاحب السلطة فى اتخاذ القرار فى هذا الموضوع .
وموقف الإخوان من العلاقات الدولية واضح منذ نشأتهم،وأنهم يحرصون على السلام والتعاون مع العالم أجمع، ويوضح الإمام البنا ذلك فيقول: " إن سياسة الإسلام داخلية أو خارجية تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين سواء كانت حقوقاً دولية أو كانت حقوقاً وطنية للأقليات غير المسلمة وذلك لأن شرف الإسلام الدولي أقدس شرف عرفه التاريخ ...(76)
وفى موضع آخر يقول : وقد حدد الإسلام تحديداً دقيقاً من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم ولا نتصل بهم .. "إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الممتحنة:9)، وليس فى الدنيا منصف واحد يكره أمة من الأمم على أن ترضى بهذا الصنف دخيلاً فيها وفساداً كبيراً بين أبنائها ونقضاً لنظام شؤونها .
نحن الإخوان لسنا فى عداء مع الإنسان الغربي فى أي قطر كان، فالإنسان من حيث هو إنسان تجمعنا به آصرة الإنسانية، أما موقفنا وحسابنا فإنه مع الإدارة والحكومة الغربية التى تستعبد بلاد المسلمين وتغتصب حقوقهم أو تساند الظالمين المعتدين على ذلك ...(77)
ويرفع الأستاذ حسن البنا ويوجه دعوته للتعاون والسلام العالمي لخير الإنسانية كلها،فيقول:" الإنسانية لها دعامتان قويمتان، لو بنيت عليهما الإنسانية لارتفعت بالبشر إلى علياء السماوات :
1- الناس لآدم، فهم إخوان، فعليهم أن يتعاونوا وأن يسالم بعضهم بعضاً ويدل بعضهم بعضاً على الخير.
2- والتفاضل بالأعمال، فعليهم أن يجتهدوا كلٌ من ناحيته حتى ترتقي الإنسانية ...(78).، يقول : " فمن دعوتكم أيها الإخوان الأحبة أن تساهموا فى السلام العالمي، وفى بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم على محاسن دينكم وتجلية مبادئه وتعاليمه لهم وتقديمها إليهم ...(79)
إن الإخوان يريدون الخير للعالم كله فهم ينادون بالوحدة العالمية، لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه، ومعنى قول الله تبارك وتعالى : " قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ " (الأنبياء:108)، ثم يسموا وطن المسلم بعد ذلك كله حتى يشمل الدنيا جميعاً ...(80)"
يقول مؤكداً لهذه المعاني من الحرص على السلام والتعاون الدولى ".. ولسنا من الغفلة وضعف الإدراك بحيث نعتقد أن فى وسعنا أن نعيش بمعزل عن الناس، وبمنأى عن الوحدة العالمية التى انطلق من حناجرنا – نحن المسلمين- أول صوت يهتف بها ويدعو إليها ويتلو آيات الرحمة والسلام..ولكننا ندرك أن الدنيا فى حاجة إلى التعاون وتبادل المصالح والمنافع، ونحن على استعداد لمناصرة هذا التعاون وتحقيقه فى ظل مثل عليا فاضلة تضمن الحقوق وتصون الحريات ويأخذ معها القوى بيد الضعيف حتى ينهض ...(81)"

ويتحقق ذلك " .. حين يعود الغرب إلى الإنصاف ويدع سبيل الاعتداء والإجحاف فتزول هذه العصبية وتحل محلها الفكرة الناشئة فكرة التعاون بين الشعوب على ما فيه خيرها وارتقاؤها ...(82)"

ويقول فى رسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى تحت عنوان أصول الإسلام كنظام اجتماعي " .. إن الإسلام كان أول وأكمل تشريع خطا فى سبيل إقرار السلام العالمي أوسع الخطوات ورسم لاستقراره أوفى الضمانات التى لو أخذت الأمم بها وسلك الحكام والزعماء والساسة نهج سبيلها لأراحوا واستراحوا ومن ذلك :
1- تقديس معنى الإخاء بين الناس والقضاء على روح التعصب .
2- الإشادة بفضل السلام، وطبع النفوس بروح التسامح الكريم .
3- حصر فكرة الحروب فى أضيق الحدود، وتحريم العداون بكل صوره وإشاعة العدل والرحمة واحترام النظام والقانون حتى فى الحرب نفسها" .
ويقول فى نفس الرسالة : " .. ولقد دعم الإسلام هذه المعاني النظرية والمراسم العملية ببث أفضل المشاعر الإنسانية فى النفوس من حب الخير للناس جميعاً والترغيب فى الإيثار ولو مع الحاجة .. وتقرير عواطف الرحمة حتى مع الحيوان، فأبواب الجنة تفتح لرجل سقى كلباً وتبتلع الجحيم إمرأة لأنها حبست هرة بغير طعام كما جاء ذلك وغيره كثير من مثله فى أحاديث النبى محمد صلي الله عليه وسلم .
" والتعامل بين المسلمين وبين غيرهم من أهل العقائد والأديان إنما يقوم على أساس المصلحة الاجتماعية والخير الإنساني..وبذلك قضى الإسلام على كل مواد الفرقة والخلاف والحقد والبغضاء الخصومة بين المؤمنين من أى دين كانوا.
ويقول: " ونحن نريد بعد ذلك كله ونتمنى للعالم كله أمناً وطمأنينة وسلاماً طويلاً وراحة بال ولا نظن ذلك يتأتى إلا بالعدل والإنصاف ونحن على هذه الفطرة جُبلنا :"فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " (الزخرف:89) ...(83)
ويقول أيضا: ".. يقول الناس: وما تفعلون بالأجانب وبغير المسلمين من المواطنين ؟ فنقول: يا سبحان الله، لقد حلّ الإسلام هذا الإشكال وصان وحدة الأمة عن التشقق والانقسام، وقرر حرية العقيدة والتعبد وما يلحق بهما فقال القرآن الكريم: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة 256)، كما كان شعار التعامل بين المواطنين فى أرض الإسلام دائماً (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ..
على أننا نعود فنقول : أى نظام فى الدنيا – ديني أو مدني – استطاع أن يفسح فى قلوب المؤمنين به والمتعصبين له والفانين فيه لغيرهم من المخالفين ما أفسح من ذلك الإسلام الحنيف الذي يفرض على المسلم أن يؤمن بكل نبي سبق،وبكل كتاب نزل، وأن يثنى على كل أمة مضت، وأن يحب الخير وأن يكون رحيماً بكل ذي كبد رطبة حتى إن الجنة لتفتح أبوابها الثمانية لرجل أطفأ ظمأ كلب، وتسعر النار بأعمق دركاتها لامرأة حبست هرة ( كما جاء بالحدث النبوى الشريف) هذا الدين الرحيم لا يمكن إلا أن يكون مصدر حب ووحدة وسلام ووئام ...(84)
ويرد الإمام البنا فى هذا الشأن:
".. الزعم بأن نظم الإسلام فى حياتنا الجديدة، تباعد بيننا وبين الدول الغربية وتعكر صفو العلائق السياسية بيننا وبينها بعد أن كادت تستقر، هو أيضاً ظن عريق فى الوهم، فإن هذه الدول إن كانت تسئ بنا الظنون، فهي لا ترضى عنا سواء تبعنا الإسلام أو غيره، وإن كانت قد صادقتنا بإخلاص وتبودلت الثقة بينها وبيننا فقد صرح خطباؤها وساساتها بان كل دولة حرة فى النظام الذي تسلكه فى داخل أرضها ما دام لا يمس حقوق الآخرين.
فعلى ساسة هذه الدول جميعاً أن يفهموا أن شرف الإسلام الدولي هو أقدس شرف عرفه التاريخ، وأن القواعد التى وضعها الإسلام الدولي لصيانة هذا الشرف وحفظه أرسخ القواعد وأثبتها " ...(85)
ويقول الإمام عن هذه الدول الغربية أنها " لا تتأثر إلا بشئ واحد هو ظروفها ومصالحها فقط، ولا يعنيها بعد ذلك نصرانية، فقد رأيناها فى الحرب الماضية يحطم بعضها بعضاً .. وكلها مسيحية .. وها هم أولاء جميعاً يناصرون الصهيونية اليهودية – وهى أبغض ما تكون إليهم – لارتباط مصالحهم المادية وأغراضهم الاستعمارية بهذه المناصرة.
وإذن فلن يجدينا شيئاً عندهم أن نتنصل عن الإسلام، ولن يزيدهم فينا بغضاً أن نعلن التمسك به والاهتداء بهديه.
ولكن خطر التنصل من الإسلام والتنكر له عظيم على كياننا نحن، فما دمنا بعيدين عن تشرب روحه وتحقيق تعاليمه فسنظل حائرين فتتحطم معنوياتنا متفرقين فتضعف قوتنا .. إننا إن لم نتمسك بالإسلام فلن نكسب رضاهم وسنخسر أنفسنا، فى حين أننا إذا تمسكنا به وتجمعنا من حوله واهتدينا يهديه كسبنا أنفسنا ولا شك، وكان هناك احتمال قوى أن نكسبهم أيضاً بتأثير قوة الوحدة، فأى الرأيين أولى بالإتباع يا أولى الألباب" ...(86)
ويوضح ذلك أيضا الأستاذ محمد مهدى عاكف بقوله : " نحن وأمريكا والاتحاد الأوربي تصاعدت الدعوات والتسريبات إلى حوارٍ بين الغرب وبين الإخوان، وهنا أؤكد للجميع أنَّ الإخوان أول مَن دعوا إلى الحوارِ بين الشعوبِ الإسلامية وحركاته الحية وبين الشعوب الغربية والأمريكية بعيدًا عن نظريات "صدام الحضارات"، بل تأكيدًا لقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات : 13)
ويشارك الكثير من الإخوان في حواراتٍ صحفية وإعلامية وندواتٍ بحثية ونقابية لشرح مواقف الإخوان وتوضيح رؤيتهم، ولكننا لا نقبل أن يكون هناك حوارٌ مع حكومات أجنبية بعيدًا عن نظر الحكومة المصرية وبعلمها وحضورها، ليكون حوارًا علنيًا صريحًا شفافًا، ولا نقبل أبدًا أن يُستغل مثل ذلك الحوار- إنْ تم- للضغط على حكوماتنا الوطنية، بل يجب أن يكون دعمًا للموقف الوطني الذي نتمنى أن يثبت عند رفض التدخل الأجنبي في شئوننا الداخلية ...(87)"
أما عن العلاقات الخارجية وسياسة الإخوان فى ظل مرجعيتهم الإسلامية بعد ثورة 25 يناير وهى لا تخلف كثيرا عما سبق عرضه، فقد عبر عنها حزب الحرية والعدالة فى برنامجه بصورة مفصلة بصورة أكثر تفصيلا، ومما جاء فيه تحت عنوان : " أسس ومبادئ الأمن القومي والسياسة الخارجية،ويتبنى الحزب الأسس والمبادئ التالية :
1- العلاقات السلمية مع الدول والشعوب الأخرى، ومؤسسات النظام الدولي، يعزز الاحترام المتبادل والعلاقات المتكافئة، والتعايش السلمي، ويضمن قيام العلاقات الخارجية علي أساس من الأخوة الإنسانية، ويحقق قيم العدل، وعدم الاعتداء التي أرست قواعدها الشريعة الإسلامية والتي تقر أيضا بأن العلاقات الخارجية تقوم على التكامل الحضاري كمبدأ لتحقيق التنمية والعمران، كما تقوم علي التعاون بين الحكومات وبين الشعوب المختلفة.
2- المبادئ والنظم التي وضعتها الجماعة الدولية لحل وتسوية الصراعات بين الدول، وخاصة ما يتعلق باتفاقيات عدم الاعتداء، وعدم الاعتداد بآثار الحرب غير الشرعية، واتفاقية جنيف لحماية المدنيين والأسري أثناء الحرب، وغيرها من الضمانات التي تجرم العدوان ونتائجه تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
3- يعد احترام العهود والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان في القانون الدولي، ضمانة مهمة لرعاية حقوق الإنسان وحمايته من التعذيب والتمييز، فيجب الالتزام بالاتفاقيات المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والعمل علي وضعها حيز التطبيق.
4- ضرورة بناء نسق من العلاقات الدولية يتسم بالعدالة والتوازن ومن هنا يجب إنهاء احتكار المعرفة وحبسها عن بعض الشعوب بما يضر بالمصلحة الإنسانية. كذلك لابد من إيقاف سياسات فرض الليبرالية الجديدة باسم حرية السوق والديمقراطية، والتدخل في الشئون الداخلية باسم حماية حقوق الإنسان لأن ذلك من أوجه التعبير عن الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية.
5- كما يجب إصلاح منظمة الأمم المتحدة بما يجعلها قادرة علي الالتزام فعلاً بما نصت عليه من مبادئ وبالحيدة والتوازن بين المصالح المتعارضة، علي أن تقوم الأمم المتحدة علي أسس الديمقراطية الدولية السليمة التي تنادي بها، دون نظريات حكم الأقوى، والتي تسمح لبعض القوي الدولية بتوظيف منظمة الأمم المتحدة في خدمة مصالحها، مما جعلها لا تحقق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
6- الأمن القومي المصري يبدأ دائما في محيطها الإقليمي والعربي والإسلامي، ولا يبدأ عند حدودها فقط. ونري كذلك أن الوحدة العربية والإسلامية من شروط الأمن القومي، ومن أهم الأدوار الريادية التاريخية لمصر، ويجب السعي إليها بطريقة مدروسة متدرجة وفقا للإرادة الحرة للشعوب.
7- إن الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول لابد أن تكون مقبولة شعبيا، وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت هذه الاتفاقيات والمعاهدات قائمة على أساس العدل وتحقق المصالح لأطرافها، إضافة إلى ضرورة التزام هؤلاء الأطراف بتطبيق نصوصها بأمانة ودقة، ويتيح القانون الدولي للأطراف مراجعة الاتفاقيات والمعاهدات المعقودة بينهم فى ضوء هذه الشروط، وهى عملية مستقرة فى المعاملات الدولية، لذلك يرى الحزب ضرورة مراجعة كثير من الاتفاقيات التى تم إبرامها فى مختلف المجالات فى ظل نظام كان يفتقد إلى الشرعية الشعبية بل والدستورية السليمة .
وفى موضع آخر تحت عنوان (سياسات الأمن القومي والعلاقات الخارجية):
1- "بذل كافة الجهود للوصول إلى حل جذري وعادل للقضية الفلسطينية، يضمن لجميع الفلسطينيين داخل وخارج الأرض المحتلة حقهم في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس .
2- دعم كل من: الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والإتحاد الإفريقي، لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها هذه المنظمات وسعيا نحو تطوير العلاقات الاقتصادية، والعلاقات الثقافية، والتواصل بين شعوبها.
توفير الفرص للمنظمات الأهلية للقيام بدور إقليمي يساعد المنظمات المذكورة في تحقيق أهدافها، من خلال المشاركة في برامج العمل ومشروعات التنمية، ومكافحة الجفاف والتصحر، والإغاثة الإنسانية، وحماية حقوق الإنسان وتشجيع التبادل الثقافي.
3- دعم حق كل شعوب العالم فى التحرر من الاحتلال ومقاومته بكل الوسائل وحقها فى تقرير مصيرها، وكذلك تأييد الشعوب فى كفاحها من أجل الحرية والديمقراطية ومقاومة الاستبداد.
4- التعاون مع دول العالم للحفاظ على البيئة .
5- العمل من أجل إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل .
ومن هنا فإن برنامج الإخوان ورؤيتهم للسياسة الدولية التى تقوم على أساس السلام العالمى والتعاون الدولى فيما يحقق الخير والنفع للبشرية على أسس المصالح المشتركة التى تقوم على العدالة والمساواة والندية لا خضوع ولا ضعف فيها .

خاتمة الفصل الأول

لقد دفعت حملة تشويه المرجعية الإسلامية للدولة التى قادها الليبراليون والعلمانيون تهدف إلى تخويف المجتمع المصرى من المرجعية الإسلامية بعد ثورة 25 يناير ،وبالتالى يستطيعون استبدالها بمرجعية علمانية، ولقد تميز خطاب الإخوان المسلمين السياسى للرأى العام يميل إلى التفاهم وبث الطمأنينة، ومحاولة الالتقاء مع مخالفيهم عند قواسم مشتركة، فإذا كان مصطلح الدولة الإسلامية يبعث نوع من الشعور بالقلق، فإن الإخوان فى خطابهم السياسى حرصوا على تجنب ذكر الدولة الإسلامية، وقدموا رؤيتهم السياسية من المفهوم العام للدولة الإسلامية وخصائها التى يفهمها الليبراليون والعلمانيون، فالليبراليون والعلمانيون يريدون التعامل بمصطلحات الدولة الحديثة : مدنية، ديمقراطية، دستورية، الشعب مصدر السلطات، تقوم على المواطنة، فأعلنوا أنهم يريدون دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، السيادة فيها للشعب، يتعايش فيها الجميع على أساس من العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، وأوضحوا أن الإسلام فيه كل المميزات التى يدعون إليها، ولا حاجة لنا أن نستوردها، وليس يعنى ذلك أن الإخوان يرفضون الاستفادة من تجارب البلاد الأخرى التى تقدمت، بل إن منهج الإخوان يقوم على الاستفادة من التجارب الإنسانية جميعها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها، فهو أحق بها وأهلها، أما ما يرفضه الإخوان فهو ما يتعارض مع الإسلام من تلك النظم .
وقد دعا الإخوان منذ نشأتهم إلى ما يطالب به الليبراليون اليوم، واحتوت كتاباتهم على هذه المصلحات نصا، الأمر الذي يؤكد بعد رؤية الإخوان المسلمين السياسية، وثبات منهجهم المستمد من الإسلام، مما يؤكد صحة نظرتهم وتحليلهم للأمور السياسية.


الفصل الثاني: موقف الليبراليين من المرجعية الإسلامية للدولة

مقدمة

الخلاف بين الإخوان المسلمين و الليبراليين حول مرجعية الدولة فى الدستور الذى سيتم صياغته بعد ثورة 25 يناير يرجع إلى اختلاف المرجعية الفكرية لكل منهما، ولا يمكن لأى فصيل مهما كان أن يفرض مرجعيته الفكرية على الدولة خلافا لرغبة الشعب، وبالتالي فإن المرجعية الفكرية للشعب حتما ستسود الجميع، والمرجعية تستمد من التاريخ الحضاري لكل أمة أو شعب، ولايمكن أن يطبق شعبا مرجعية شعب آخر يختلف معه اختلاف جوهريا لمجرد المحاكاة والتقلييد أو الوصول إلى ما وصل إليه من تقدم ورقى، فإن لكل شعب خصوصية لا تنطبق على آخر .فالشعب هو الذى يختار مرجعيته دون وصاية من أحد، ودون أن يملى أى فصيل المرجعية التى يعتقدها خلافا لما يعتقد الشعب . " ومن الملاحظ أن الموقف العلماني في أساسه يرفض أن يكون في الدستور نصا للمرجعية الدينية أيا كانت، وعليه يصبح الموقف العلماني الأصلي هو معادي للنص على أن دين الدولة الإسلام ".وبالتالي فجمهور الشعب يرى أن تلك المبادئ فيها اعتداء على تاريخه الثقافى والحضارى، وهو فى نفس الوقت لن يقبل بإملاءات تتصادم مع عقيدته وتراثه بالقوة .
"فالمسألة إذن ترتبط أساسا بالخيارات العامة للإرادة الشعبية الحرة، فما دامت هذه الخيارات هى التى تحدد التوجه السياسي وطبيعته، فتلك هى الديمقراطية، ومادامت خيارات المجتمع تتمسك الهوية الإسلامية، لذا فإن تطبيق الديمقراطية يؤدى بالضرورة إلى تطبيق الشورى، وتصبح الشورى وسيلة وآلية لتطبيق المرجعية الإسلامية، ولا يمكن أن تنتج الديمقراطية قيما غريبة أو قيما علمانية، لأن أساس الديمقرطية يقوم أولا على خيارات الإرادة الشعبية الحرة، أما الديمقراطية التى يتصورها البعض ويتصورأنها سوف تنتج قيما غربية فى مجتمعنا فهى لن تكون ديمقراطية أساسا لأنها سوف تفرض القيم الغربية على المجتمع، وبهذا تغيب الإرادة الشعبية ومادامت تغيب الإرادة الشعبية، فنحن إذن أمام نظام استبدادى وليس نظاما ديمقراطيا..(1)"
والليبراليون والعلمانيون يدركون أنه لا توجد لهم شعبية جماهيرية يستندون عليها فى المنافسة مع التيار الإسلامي، لذا يحاولون فى مصر أن يجدوا لهم مكانا يعبرون فيه عن فكرهم فى الدستور المصرى الجديد، وهم يخالفون مبدأهم فى الحرية،فلا يرضون بالإرادة الشعبية، وحق الشعب فى اختيار مرجعيته التى لن تكون بحال من الأحوال وفقا لمبادئهم وفكرهم . وأن الاحتكام إلى الشعب عن طريق الانتخابات البرلمانية لن يكون فى صالحهم ، لذا فهم يلجؤون ـ بعد ثورة 25 يناير ـ إلى فرض إرادتهم بالقوة عن طريق وسائل الإعلام التى يسيطرون عليها ـ وغيب عنها الإسلاميون عموما ـ دهرا طويلا. ومن ناحية أخرى عن طريق وزرائهم فى حكومة د. عصام شرف التى تعتبر حكومة الثورة التى شارك فيها الشعب جميعه، والمفترض أن تشكل من جميع الاتجاهات السياسية الفاعلة دون إقصاء لاتجاه معين، لكن الملاحظ أن تشكيل تلك الحكومة تم فيه إقصاء التيار الإسلامي بصفة عامة .
ومن هنا " يتضح من الجدل حول المواد الدستورية الأساسية، أن هناك الكثير من الغموض والالتباس المقصود في موقف النخبة العلمانية من الدستور، وهي النخبة التي لا تريد أن تعلن أنها علمانية، وتريد ممارسة العلمانية تحت مسميات أخرى، حتى لا يتشكل موقف شعبي ضدها. ..ولكن النخبة العلمانية في مصر، ولأنها أدركت أن نص المرجعية الإسلامية في الدستور يحظى بأغلبية ساحقة، لذا رأت أهمية أن لا تضع نفسها في مواجهة المرجعية الإسلامية في الدستور، أي نص المادة الثانية، ولذلك بحثت عن مخرج آخر...
لذلك فالخلاف الآن هو على موضع المرجعية الإسلامية في الدستور. فالتيار الإسلامي يقدم رؤيته على أساس الالتزام بقواعد المواطنة والمساواة والحقوق والحريات في إطار مبادئ الشريعة الإسلامية، ولكن النخب العلمانية تقدم تصور آخر، يقوم على أساس الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية في إطار قواعد المواطنة والمساواة والحقوق والحريات. إذن الفرق بين الفريقين هو أن مبادئ الشريعة الإسلامية لدى التيار الإسلامي هي القيمة العليا، أما بالنسبة للنخب العلمانية فهي قيمة ثانوية محكومة بغيرها من القيم. وبهذا تصبح القيمة العليا التي لها ثبات وقداسة في النص الدستوري بالنسبة للتيار الإسلامي، هي المرجعية الإسلامية، أما بالنسبة للنخب العلمانية فتصبح القيمة العليا التي لها ثبات وقداسة في النص الدستوري هي المواطنة بالفهم العلماني السائد لها، وتصبح الشريعة الإسلامية محكومة بالمفاهيم العلمانية لدى النخب العلمانية، وتصبح القواعد السياسية مثل المواطنة محكومة بالمرجعية الإسلامية بالنسبة للتيار الإسلامي.
وكأن العلماني هو من يقبل نص المادة الثانية ويجعلها محكومة بغيرها من القواعد مما يرهن تطبيقها بقيم خارجة عنها ومستمدة من المرجعية الغربية، أما الإسلامي فهو من يقبل القواعد السياسية العامة مثل المواطنة في إطار الشريعة الإسلامية"..(2)


المبحث الأول : المشهد السياسي فى مصر بعد ثورة 25 يناير

أولا: نبذة عن الليبرالية

ظهرت الليبرالية فى بدية النهضة الأوربية فى العصر الحديث، والليبرالية كلمة إنجليزية: (‏Liberalism) اشتقت من ليبر( liber ) وهي كلمة لاتينية تعني الحر. والليبرالية تعني التحرر. وفي أحيان كثيرة تعني التحرر المطلق من كل القيود مما يجعلها مجالا للفوضى، وهى نشأة وفكرا بعيدة عن المجتمع العربى الإسلامي . وتطورت الليبرالية عبر أربعة قرون ابتداءً من القرن السادس عشر حيث ظهرت نتيجة للحروب الدينية في أوروبا، ومن أبرز فلاسفتها توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو، وإيمانويل كانط .
وقد اقترح الفلاسفة توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو وإيمانويل كانط نظرية العقد الاجتماعي والتي تفترض أن هنالك عقدا بين الحاكم والمحكوم وأن رضا المحكوم هو مبرر سلطة الحاكم، وبسبب مركزية الفرد في الليبرالية فإنها ترى حاجة إلى مبرر لسلطة الحاكم وبذلك تعتبر نظرية العقد الاجتماعي ليبرالية رغم أن بعض أفكار أنصارها مثل توماس هوبز وجان جاك روسو لم تكن متفقة مع قيم الليبرالية.
ويرى توماس هوبز (Hobbes) أن يتنازل كل فرد عن جزء من حريته للملك أو الحاكم الذى يتمتع بالسلطة فى نوع من «العقد الاجتماعي»، لضمان باقي حقوق الأفراد. وقد انتهى هوبز من بحثه عن حماية حقوق الأفراد إلى نتيجة غير متوقعة وهى تأييد سلطة الملكية المطلقة. فهذه السلطة المطلقة هي التى تحمى حقوق الأفراد، وأنه لا يجوز، بالتالي، التمرد عليها خوفا من العودة من جديد إلى حالة الوحشية والفوضى وحيث تضيع كل الحقوق..(3)
وقد تطورت الليبرالية على يد جون لوك داعية للثورة الدستورية على الحاكم إذا أخل بالعقد الاجتماعي، وفى زمنه قامت الثورة المجيدة (Glorious Revolution) سنة 1688م فى إنجلترا والتي أسست للملكية الدستورية. وبذلك ظهر مفهوم" الديمقراطية الليبرالية ".
الديمقراطية وفقا لذلك المفهوم ليست مجرد حكم الأغلبية، وإنما هي أساسا احترام حقوق الأفراد الأساسية وحرياتهم، ولا تعدو الانتخابات والأحزاب والمجالس النيابية سوى إجراءات وتنظيمات من أجل احترام وحماية هذه الحقوق والحريات الأساسية. فليست «ديمقراطية ليبرالية» تلك النظم التى تنتهك بعض الحقوق والحريات ولو باسم الأغلبية.والأغلبية هي أساس الحكم فى النظام الليبرالي، بشرط أن تحترم الحقوق والحريات للجميع..(4)
نشأت فى مصر أحزاب سياسية ذات مرجعية ليبرالية وشيوعية واشتراكية قبل ثورة يوليو 1952، منها، ومنها : أحزاب : الوفد والأحرار الدستورين والسعديين والكتلة ومصر الفتاة، والحزب الشيوعي...وغيرها . ثم حل عبد الناصر الأحزاب جميعا سنة 1953، ولم يكن بمصر أي حزب ذات مرجعية إسلامية، وظلت الحياة السياسة تعانى الجمود حتى سنة 1976 التى سمح فيها السادات بتأسيس الأحزاب لكنه وضع شرطا يقصى به الإسلاميين وخاصة " الإخوان المسلمون " عن ممارسة العمل السياسي، وهو" منع تأسيس أحزاب على أساس ديني "، وهذه البدعة لا نجدها فى العالم إلا فى فكر السادات والأنظمة العربية البائدة، أما أوربا حتى العلمانية منها فقد سمحت للجميع العمل السياسي، ولم تمنع قيام أحزاب مسيحية، وتحمل اسم " الحزب المسيحي ..." ما دامت ملتزمة بالدستور والقانون، كما سيتضح فيما بعد .
وفى عهد الطاغية مبارك مارست السياسة أحزاب ليبرالية، ومنها حزب الوفد الجديد برئاسة فؤاد سراج الدين، وهو حزب سياسي ليبرالي، ونشأ معه عام 1976 حزب الأحرار والذي يمثل الاتجاه الليبرالي..(5). وحزب الجبهة الديمقراطية برئاسة د. أسامة الغزالي حرب الذى انشق عن الحزب الوطني (المحظور حاليا )، وأسس الحزب بمرجعية ليبرالية، وقد نادى الحزب فى برنامجه بالإصلاح السياسي للدولة، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، ورفع القيود عن إنشاء الأحزاب، وكما جاء على موقع الحزب أنه " دعا إلى وضع دستور جديد لمصر على أسس ومبادئ ديمقراطية ليبرالية كاملة.ومما جاء فيه : يرى حزبنا أن حجر الزاوية فى إعادة البناء الديمقراطي للنظام السياسي فى مصر يتمثل فى وضع دستور جديد على أسس ومبادئ ديمقراطية ليبرالية، واضحة وقاطعة، على النحو الذى تعرفه الديمقراطيات المستقرة فى العالم..(6)
وبعد ثورة 25 يناير أسست أحزاب على مبادئ ليبرالية ، منها : حزب المصريين الأحرار ذو المرجعية الليبرالية ..(7). وحزب الغد الجديد الليبرالي ..(8). ، وحزب مصر الحرية، والحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي، حزب العدل، حزب غد الثورة، وغير ذلك من الأحزاب التى تتبنى المرجعية الليبرالية .
وقد عبر ليبراليون عن رؤيتهم لمستقبل مصر بعد ثورة 25 يناير وطبيعة دستور البلاد، وانطلاقا من الفكر الليبرالي، فإنهم يرفضون المرجعية الإسلامية للدستور، وكما سبق فإن حزب الجبهة الديمقراطية دعا إلى وضع دستور جديد لمصر على أسس ومبادئ ديمقراطية ليبرالية كاملة..(9)


ثانيا: مبادئ الليبرالية السياسية

1- الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص

تقوم على احترام حرية الفرد الشخصية، لا تأبه لسلوك الفرد طالما أنه لم يخرج عن دائرته الخاصة من الحقوق والحريات، ولكنها صارمة خارج ذلك الإطار إذا أضرت حريته بالمجتمع .
و" تستند الليبرالية فى السياسة والاقتصاد والاجتماع إلى مبادئ الحرية وتكافؤ الفرص والمنافسة والمساواة أمام القانون. سياسيا، تترجم الليبرالية مبدأ الحرية إلى ضمانات للحريات الأساسية للمواطنين كحرية التعبير العلني عن الرأي وحرية التنظيم وحرية المشاركة فى العمل الحزبي والنقابي .
أما تكافؤ الفرص والمنافسة فيترجمان إلى نظام سياسي ديمقراطي تتداول به السلطة سلميا ودوريا بين قوى وأحزاب وأشخاص متنافسين وفقا للإرادة الشعبية التى يعبر عنها المواطنون من خلال المشاركة فى انتخابات تعددية ونزيهة، كما يضمن به قانونا وفى الممارسة لكل القوى والأحزاب وبغض النظر عن عظم أدوارها أو محدوديتها نفس الفرص للمشاركة فى المنافسة السياسية.
وتعنى المساواة أمام القانون فيما خص المواطنين ضمان احترام حقوق الإنسان وعدم التمييز القانوني ضد مجموعات من المواطنين إن على أساس الانتماء الدينى أو العرقي أو المناطقى أو الاجتماعي أو على أساس النوع. وتعنى فيما خص الدولة وفعلها التزام الحياد الكامل إزاء المواطنين والمساواة بينهم، وكذلك إخضاع شاغلي المناصب العامة فى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفى مؤسسات الدولة للمراقبة والمساءلة والمحاسبة القانونية. وتعنى فى المؤسسات الخاصة، سياسية واقتصادية واجتماعية، احترام وتفعيل نفس القواعد فى ظل رقابة تمارسها الدولة ومؤسساتها...(10) "
ويقول د/ علاء الأسواني: " فالليبرالية تهدف لتحرير الإنسان من القيود التى تقيد حريته أو قدراته، وهى تقوم على احترام استقلال الفرد والحريات السياسية والمدنية، على أن تحرر الليبرالية ليس مطلقا لكنه مقيد بالقوانين التى تختلف وفقا للأخلاق والقيم من مجتمع إلى آخر"..(11)

2- نظرية العقد الاجتماعي:

هنالك عقد بين الحاكم والمحكوم وأن رضا المحكوم هو مبرر سلطة الحاكم.ويقوم اختيار الحاكم على أساس ديمقراطي حر بالأغلبية المطلقة .
الليبرالية مذهب سياسي واقتصادي معاً ففي السياسة تعني تلك الفلسفة التي تقوم على استقلال الفرد والتزام الحريات الشخصية وحماية الحريات السياسية والمدنية..(12)

3- رفض المرجعية الإسلامية (فصل الدين عن الدولة):

الليبرالية لا تعترف بمرجعية دينية. ومن هنا فإنها ترفض أي مرجعية لأي دين سواء الإسلام أو المسيحية تستمد منه الدولة سلطتها، لأنها فى ذلك تمثل سيطرة سلطة الدين على الدولة كما حدث فى أوربا، ويصبح الحاكم يعتمد فى سلطته بتفويض ديني كما حدث فى أوربا ، وهم يسمون الدولة ذات المرجعية الدينية بالدولة الدينية الذى يحكم فيها الحاكم بتفويض إلهي..(13) . والمقولة المشهورة : لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة،وهى بذلك الوجه الآخر للعلمانية .
يقول جون لوك فى رسالته: " ليس من حق أحد أن يقتحم، باسم الدين الحقوق المدنية والأمور الدنيوية، ولا سلطان على العقل إلا العقل نفسه ." الحرية " تعنى أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع..(14) " ، وظهر ت تبعا لذلك مصطلح اليمين واليسار،فاليسار يشير إلى الاشتراكية الماركسية، واليمين إشارة إلى الرأسمالية الليبرالية ..(15)

4- الحرية الفكرية:

انطلاقا من الحرية التى ينادى بها الليبراليون، فإنهم يطبقونها فى التفكير العقلي فى النصوص الشريعة، والتفريق بين الفقه الإسلامي وبين الإسلام ذاته، ويتجهون إلى إعادة تفسير القرآن والسنة بعيدا عن الفقهاء والمفسرين الذين أبدعوا فى عصرهم، ويجب علينا فى عصرنا أن نجتهد مثلهم لتنقية الشريعة، حيث يرون أن الإسلام بعد تنقيته من هذه الآراء والتفسيرات، فإنه يحقق الحرية للأفراد خاصة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وحرية الاعتقاد...(16)
ومن هنا فإن أي ليبرالي يرفض اجتهادات المفسرون والفقهاء ويعتبر أن الزمن تجاوزها، ويقدمون تفسيرات جديدة للقرآن والسنة فى ضوء الرؤية العقلية عند الليبراليين تحت عنوان :" الاجتهاد "، و"الإحياء "،و" التجديد "، فنجد فى موقع الأستاذ جمال البنا..(17) يتصدره العناوين " عن دعوة الإحياء الإسلامي بصفة عامة."، و" لماذا دعوة الإحياء الإسلامي ؟."، و"هل من الضروري أن تكون دعوة الإحياء إسلامية ؟" .

ثالثا: الليبراليون يفرضون الوصاية على الشعب المصرى

احتدم الجدال والنقاش بين الاتجاهات السياسية فى مصر عقب ثورة 25 يناير، فقد توحدت جميع طوائف الشعب المصرى وتلاحمت حول إسقاط النظام، وردد الشعب المصرى هتافه " الشعب يريد إسقاط النظام "الذى انتقل إلى البلاد العربية وأصبح شعارها فى إسقاط الأنظمة الفاسدة .
وما إن سقط ركن النظام العتيد بإسقاط مبارك يوم الجمعة 11 من فبراير، ولم تكد مطالب الثورة تتحقق واحدة تلو الأخرى حتى وجدنا كل الاتجاهات السياسية تعبر عن رؤيته فى الفترة القادمة، واختلفت هذه الاتجاهات فى التعبير عن فكرها ورؤيتها لطبيعة المرحلة فمنها من رأى فى عرض اقتراحاته ورؤيته فى وسائل الإعلام المختلفة والتى حملت الناحية الفكرية لكل منها .
فقد أعلن الإخوان أنهم يريدون دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية الشعب فيها مصدر السلطات، وعبرت الاتجاهات الأخرى وعلى رأسهم الليبراليين والعلمانيين على أنهم يريدون الدولة المدنية التى لا يرتب فيها الدين حقوقاً سياسية كما يقول د. علاء الأسواني ..(18) ، وقد تطورت وصاية الليبراليين على الشعب المصرى بمراحل أربع : الأولى : الدعوة إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور . ولما فشلت تلك المحاولة لجئوا إلى المرحلة الثانية : الالتفاف على الاستفتاء الشعبى فى 19 مارس الذى نص على انتخابات مجلس شعب ثم لجنة لصياغة الدستور ثم انتخابات رئاسية، ولما فشلت أيضا انتقلوا إلى المرحلة الثالثة : وضع مبادئ فوق دستورية تقيد المادة الثانية وتبنى تلك الفكرة د. يحيى الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء، ولما فشلت فكرة المواد الفوق دستورية باستقالة د. يحيى الجمل، انتقلوا إلى ابتكار وسيلة جديدة، وهى المرحلة الرابعة : إعطاء سلطات للجيش من أجل التدخل لحماية الدولة المدنية بالمنظور العلمانى على نسق سلطات الجيش فى حماية العلمانية فى تركيا، وهى الوثيقة المشورة بوثيقة السلمي .
ولعل من يتابع الأحداث يدرك أن سبب وضع مبادئ دستورية تفرض على لجنة صياغة الدستور سببه إفلاس الليبرالية والعلمانية شعبيا فى مصر، لذلك فهم يدركون أن الانتخابات البرلمانية لن يحصلون فيها على المقاعد التى يطمحون إليها، فالشعب لا يتجاوب مع برنامجهم ولا يؤيده، وبالتالي فهم يشعرون بعزلة بينهم وبين الشعب وأن هزيمتهم محققة فى الانتخابات، فإن أسهل الطرق هى فرض إرادتهم على الدولة، " لذلك نجد الطبقة العلمانية فى مصر تريد فرض ديمقراطية لا تقوم على الإرادة الشعبية، بل تقوم على أساس أن الطبقة العلمانية تمثل النخبة صاحبة حق الوصايا على الشعب، وتريد هذه الطبقة فرض رؤيتها العلمانية، ثم تترك للشعب يختار داخل الإطار المفروض عليه . ولأن العلمانية ليست خيارا شعبيا، لذا فبناء نظام علمانى فى بلد له هوية إسلامية يمثل نموذجا مستبدا بالضرورة، وأيضا فإن بناء نظام إسلامى فى بلد علمانى سيكون نموذجا للاستبداد أيضا(..(19).


رابعا: موقف الليبراليون والإخوان من التعديلات الدستورية

ولم يكد المجلس العسكرى يقوم بحل مجلسى الشعب والشورى، وتعطيل العمل بدستور 1971م وإعلانه على تسليم السلطة منتخبة رئيس ومجلس شعب وشورى فى غضون ستة أشهر، وبالتالي لابد من تعديل المواد التى تشمل مباشرة الحياة السياسية، فتم إعداد لجنة لصياغة التعديلات الدستورية برئاسة المستشار طارق البشرى، فأعلن الليبراليون ومؤيدوهم رفض التعديلات والمطالبة بدستور كامل للبلاد، وليس تعديلا لبعض المواد . وما أن انتهت اللجنة من صياغة تلك المواد حتى أعلنت مختلف القوى موقفها من تلك التعديلات، فكانت رأى الإخوان بالموافقة على التعديلات ولهم مبرراتهم التى تؤيد وجهة نظرهم باعتبار تلك التعديلات خطوة لعبور المرحلة الانتقالية نحو انتقال لدولة مدنية ديمقراطية، وإنهاء الحكم العسكرى، وانتخاب مجلس شعب وشورى يتولى اختيار لجنة لوضع دستور البلاد،وبعدها اختيار رئيس الجمهورية . واختارت القوى السياسية الليبرالية والعلمانية واليسارية والأقباط وبعض الأحزاب الناشئة موقف الرافض لتلك التعديلات مطالبين بدستور كامل للبلاد، وأن هذه التعديلات لا تسمن ولا تغنى من جوع .
ومن ناحية أخرى طالبوا بإطالة الفترة الانتقالية، لأن الأحزاب الناشئة غير مستعدة لخوض الانتخابات حتى تتمكن من تجهيز كوادرها واكتساب شعبية جماهيرية خلال تلك الفترة التى لا تسمح لها بذلك، وإن العجلة بإجراء الانتخابات بهذه السرعة كما حدد المجلس العسكرى، فإنها ستكون لصالح الإخوان المسلمين .
ولعلنا إذا نظرنا إلى رأى الإخوان نجد أن نظرتهم بالانتهاء من الفترة الانتقالية سريعا إنما يرجع إلى تخوفهم من مشكلة تاريخية ممثلة فى تكرر الأسلوب نفسه فى ثورة 1952 التى قام بها الجيش وساندها الشعب، ثم استمر قادة الجيش فى الحكم سنة تتلوها أخرى حتى مكن قادة الجيش لأنفسهم ووزعوا على أنفسهم تسيير مهام الوزارات، وبالتالي مارس قادة الجيش العمل السياسي وتولوا شئون الحكم ، وكانت لهم أساليبهم فى إشاعة الفوضى والاضطراب والمظاهرات حتى يطالب الناس ببقائهم فى السلطة إذ ما شرعوا فى تركها . وكانت نقطة الخلاف الجوهرية التى دفعت جمال عبد الناصر للتخلص من الإخوان هى مطالبتهم مجلس قيادة الثورة بإجراء الانتخابات وتسليم السلطة لقيادة مدنية منتخبة، مما أدى إلى الاحتقان السياسي بينهما خاصة بعد تراجع شعبية عبد الناصر الجماهيرية عقب توقيعه اتفاقية الجلاء فى 19 من أكتوبر 1954 التى عارضت بنودها القوى الوطنية الإخوان المسلمون واليساريون على حد سواء وغيرهم من طوائف المجتمع . ومما دفع عبد الناصر للتخلص من خصمه اللدود " الإخوان المسلمون " بتدبير حادث المنشية فى 26 من أكتوبر 1954 أى بعد أسبوع واحد من توقيع اتفاقية الجلاء ..(20) للتخلص من الإخوان وكسب شعبية زائفة .ومما يؤكد ذلك أن الإخوان أعلنوا فى مجلس الشورى للجماعة يوم الخميس 10 فبراير 2011 قبل سقوط مبارك أنه لن يترشح منهم أحدا للرئاسة، ولن يسعوا للحصول على أغلبية برلمانية حتى تنجح الثورة فى تحقيق أهدافها، ولا يتكرر المشهد الذى حدث فى الجزائر عقب فوز جبهة الإنقاذ فى الجزائر فى الانتخابات، فقام الجيش بإلغاء الانتخابات، الاستيلاء على السلطة .خاصة والمجتمع الدولى يترقب الأمور فى مصر أول بأول والقوى المعادية للثورة تسعى لإجهاضها، وبالتالي فليس من مصلحة ثورة 25 يناير وعوامل نجاحها فى تلك الفترة تولى الإخوان الرئاسة أو حصولهم على أغلبية برلمانية . وقاموا بفصل د. عبد المنعم أبو الفتوح وكل من يسانده ويدعمه فى ترشحه للرئاسة .
أما الليبراليون فإن قراءة تصريحاتهم بدعوتهم إطالة الحكم العسكرى حتى تقوى الأحزاب الناشئة على المنافسة السياسية، فإن السؤال الذى يطرح نفسه إلى متى يظل الحكم العسكرى حتى تقوى الأحزاب ؟ أليس إطالة الحكم العسكرى ضد مدنية الدولة التى ينادون بها، وهكذا خالف دعاة الدولة المدنية فكرهم الداعى إلى دولة مدنية لمصلحتهم الشخصية التى يريدون لها الوجود بالقوة لا على أرض الواقع سواء فى البرلمان أو فى صياغة الدستور، ومحاولة إلغاء المادة الثانية أو الالتفاف عليها بمواد مقيدة لها .
الفرق إذن بين موقف الإخوان من التعديلات الدستورية وموقف الليبراليين، أن الإخوان ينظرون إلى مصلحة مصر أولا، والليبراليون ينظرون إلى مصلحتهم الشخصية ومكاسبهم من الثورة أولا .


خامسا: مصر بين المشروع الإسلامي والمشروع الغربى العلمانى

" والحاصل أن بين التيار العلماني والتيار الإسلامي خلافًا في القيم السياسية العليا الحاكمة للنظام السياسي الرشيد، مما يجعل تصور كل منهما النظام السياسي الرشيد أو الصالح مختلفا. والتعدد في حد ذاته يعبر عن طبيعة الأشياء وطبيعة البشر والمجتمعات، ففي كل المجتمعات هناك تعدد سياسي، ولكن التعدد الحادث في البلاد العربية والإسلامية بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، مثل حالة خاصة، لأن كلا منهما استمد مرجعيته من إطار مختلف. والاختلاف في المرجعية التي تستمد منها الأفكار، يوسع الاختلاف، وربما يحوله إلي خلاف. فالتيار العلماني يري أن المرجعية تستمد من العصر، ومن القوة المتقدمة في العصر الحالي، ومادام الغرب يمثل الحضارة المتقدمة، لذا تصبح الحضارة الغربية هي المرجعية التي يمكن أن تحقق التقدم والنهوض. ولكن التيار الإسلامي يري علي العكس من ذلك، أن المرجعية تستمد من التاريخ الحضاري لكل أمة أو شعب، وأن تلك المرجعية تمثل الخصوصية الحضارية الخاصة بكل أمة أو شعب، وأن الحضارة المتقدمة لا تمثل النموذج الأفضل لكل شعوب الأرض، حتى وإن كانت تمثل الأفضل للشعب الذي ينتمي لها، وتقدم من خلالها.
ولكن التيار الإسلامي له رؤية مختلفة، فهو يري أن التقدم لا يتحقق بتقليد الآخر المتقدم، وأن الحضارات لها تميزها عن بعضها البعض، وأن لكل أمة حضارتها المختلفة، وعليه فإن الشعوب العربية والإسلامية تمثل أمة واحدة، ولها حضارة واحدة، هي الحضارة الإسلامية، وعلي هذه الشعوب التمسك بحضارتها وتميزها الحضاري، ولها - بل عليها- التعلم من الآخرين، واقتباس الطرق والأساليب والعلوم والمعارف، دون اقتباس القيم. وبهذا تستطيع الأمة الإسلامية تحقيق التقدم والرقي والنهوض، من خلال قيمها الحضارية الخاصة، وبالتعلم من الآخرين، دون تبعية لهم، ودون نقل لقيم الآخر. ففي التصور الخاص بالتيار الإسلامي، تنتج القيم من المرجعية الحضارية والدينية للأمة الإسلامية، حيث تستمد منها القيم والمبادئ والأحكام والقواعد الرئيسة.
وبهذا يصبح الالتزام بالمرجعية الغربية بالنسبة للتيار الإسلامي هو مصدر التأخر والتدهور والسقوط في التبعية، والالتحاق بالغرب، وهو أيضا مصدر عدم قدرة الأمة علي مواجهة الاستعمار الخارجي. أما بالنسبة للتيار العلماني، فيصبح التمسك بالمرجعية الحضارية للأمة الإسلامية هو مصدر تخلفها وتراجعها، وهو سبب تأخرها، وهو الذي يمنعها من اللحاق بالغرب المتقدم، وعليه يصبح السبيل للتقدم والنهوض، مختلفًا عليه بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، مما يجعل لكل منهما طريقا محددا يتعارض مع الآخر"..(21)
والمعرف أن الناس جميعا لا يجمعون على رأيهم واحد وفكر واحد، فتنوع الآراء والأفكار دليل على الحيوية والتجدد، والموافقة على رأى من الآراء تكون بأعلبية الآراء التى ترى أن رأيا معينا هو الأصوب وعلى الجميع احترام رأى الأغلبية ، وهكذا يتم اتخاذ القرارات فى دول العالم الديمقراطى .
وبعد استفتاء 19 مارس 2011 على التعديلات الدستورية على تعديل بعض مواد الدستور، واختلفت الآراء بين مؤيد لتلك التعديلات ومعارض، وقد اتحد الليبراليون واليساريون والمسيحيون وغيرهم فى جبهة معارضة لتلك التعديلات مطالبين بدستور كامل جديد وليس تعديل على بعض مواد الدستور المعطل، واتحد الإخوان المسلمون والاتجاهات الإسلامية الأخرى على التصويت بالموافقة على التعديلات كخطوة أولى نحو الإصلاح والاستقرار .وقد حشد كل فريق للتصويت لرأيه، فكانت نتيجة الاستفتاء بالتصويت بنعم بنسبة 77.2%، .
ولم يكن الاستفتاء نهاية المطاف فقد اشتد " الجدل هذه الأيام بين تيارات الفكر السياسي المتنافسة في مجتمعاتنا العربية بين دعاة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية‏,‏ ودعاة الدولة المدنية ذات المرجعية العلمانية‏.‏فالأولون يرون أن الإسلام يفرض بناء نظام الدولة علي أسس مدنية يكون الشعب فيها هو مصدر جميع السلطات, مع الفصل بين هذه السلطات وتحقيق التوازن فيما بينها, وأن يكون مبدأ الوحدة أعلي وأولي من جميع المنافسات السياسية، وأن يكون الحاكم وحكومته موضع المساءلة والمحاسبة وفق إجراءات واضحة وقانونية تكفل رقابة فعالة علي كل من يتولي مسئولية السلطة العامة.
أما الآخرون وهم دعاة الدولة المدنية ذات المرجعية العلمانية, فيطرحون فكرتهم الأساسية من منظور فصل الدين عن الدولة, ويركزون جل اهتمامهم لنشر هذه الفكرة بدعوى أنها كفيلة بتحقيق مدنية الدولة, وأنها كفيلة أيضا بأن يكون الشعب مصدر السلطات وأن تكون الحكومة مسئولة عن أعمالها, ويتهمون أنصار المرجعية الإسلامية بأن فكرتهم غائمة, وشديدة العمومية...(22)
و" يتضح من الجدل حول المواد الدستورية الأساسية، أن هناك الكثير من الغموض والالتباس المقصود في موقف النخبة العلمانية من الدستور، وهي النخبة التي لا تريد أن تعلن أنها علمانية، وتريد ممارسة العلمانية تحت مسميات أخرى، حتى لا يتشكل موقف شعبي ضدها. لذا تحاول النخبة العلمانية صياغة موقفها بصورة تبدو أمام الناس وكأنها لا تعارض مرجعية الشريعة الإسلامية. ورغم أن كل الجدل الدائر بين العلماني والإسلامي كان يدور حول المرجعية الإسلامية، إلا أن النخبة العلمانية تريد إعادة إنتاج موقفها بصورة تظهرها وكأنها لا تعارض المرجعية الإسلامية، بل وتحاول تصوير التيار الإسلامي، ليس على أنه التيار الذي يحمل المرجعية الإسلامية، بل على أنه تيار مستبد باسم الدين. وكأن النخبة العلمانية هي التي تريد المحافظة على المرجعية الإسلامية بدون استبداد! لذا يصبح من الضروري وضع تعريفات محددة لكل موقف، حتى يمكن التمييز بين المواقف المختلفة من المرجعية الإسلامية والمرجعية العلمانية"..(23)
و" كثيرة هي الأسباب التي تراكمت علي مدي عقود من الزمن صنعت الاستقطاب الحاد في المشهد المصري الراهن بين إسلاميين في جانب وليبراليين ويساريين وقوميين في الجانب الآخر‏.‏ ولكن إساءة فهم مسألة الشريعة الإسلامية هي التي ساهمت بأكبر مقدار في بلوغ هذا الاستقطاب المبالغ الذي نراه اليوم مهددا إمكانات جني ثمار ثورة 25 يناير وبناء نظام ديمقراطي حر وعادل"..(24)
" المتابع لمسار العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والمجتمع، سيجد أن الجماعة منذ تأسيسها في مصر، وهي تنتشر في مختلف قطاعات المجتمع، وتقدِّم نفسها كتعبير جماعي عن الأمة، وتحاول ضمَّ كل شرائح وفئات المجتمع لها، من هنا كان الانتشار الرأسي في المجتمع، من أهم مصادر قوة الجماعة، فهي لا تعبِّر عن فئة أو شريحة، ولاتعبِّر عن منطقة جغرافية أو فئة وظيفية، ولكنها تعبِّر عن مختلف الفئات والشرائح، ورغم أن الوزن النسبي لتلك الشرائح والفئات، لا يتوازن دائمًا، ولكن تواجد مختلف الفئات، يظل دليلاً عمليًّا عن تعبير الجماعة عن المجتمع بمعظم مكوناته.
وانتشار الجماعة بهذه الصورة في المجتمع المصري وغيره من المجتمعات، جعل الجماعة تتحول إلى جزء من بنية المجتمعات التي تعمل فيها، وتلك حقيقة مهمة، لها علاقة بإستراتيجية الجماعة في الإصلاح، فالجماعة تريد تحقيق الإصلاح عن طريق قوة الأمة وجماهيرها، لذا تحاول أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من الأمة بكل فئاتها وقومياتها ومذاهبها، حتى تنتشر الفكرة التي تحملها الجماعة في كل أرجاء الأمة.
وتُقدِّم الجماعة نفسها للمجتمع بوصفها تحمل مشروعًا إصلاحيًّا، وتحمل رؤية إسلامية تعبِّر عن صحيح الإسلام، والملاحظ أن الجماعة لم تُغْرِق نفسها في خلافات المذاهب، بل حاولت صياغة رؤيتها لتعبِّر عن المتفق عليه في الفكر الإسلامي، وتمثل السائد والمجمع عليه في معظم روافد الفكرة الإسلامية، حتى تصبح بالفعل نابعة من التيار السائد في التاريخ الإسلامي، ومعبرة عن الرؤى التي سادت الجماعة المسلمة، وبهذا تُقدِّم الجماعة رؤيتها من خلال ما هو متفق عليه، ولا تحاول أن تكون مذهبًا من المذاهب، بل إطارا جامعا لما هو متفق عليه بين المذاهب. ولهذا تركز الجماعة على الثوابت الأساسية التي تُمثِّل المشروع الإسلامي، حتى تصبح معبرة عن جوهر الفكرة، أكثر من الفروع التي تتنوع فيها الآراء، ولا تحاول الجماعة تحديد موقفها في الفروع، إلا في القضايا المهمة، والتي تؤثر على منهجها في العمل، ويلزم أن تحدد فيها موقفًا.
فالجماعة لا تفترض أنها تعبِّر عن كلِّ المجتمع،أو تفرض نفسها بوصفها المعبرة عن كلِّ المجتمع، ولكنها ألزمت نفسها بجوهر الرؤية الإسلامية، حتى تكون بالفعل معبرة عن الفكرة التي غالبًا ما تتوافق عليها الأمة ؛ مما يجعل الجماعة مؤهلة أساسًا كي تنتشر في المجتمع، دون أن تكون ممثلة لرؤية خاصة بها أو رؤية ليس لها انتشار واسع بين الناس أو رؤية يصعب أن تنتشر بين الناس.
فكلما ربطت الجماعة نفسها بالرؤية والموقف السائد في الفكر والعالم الإسلامي، أصبحت مؤهلة للانتشار بين الناس. ويلاحظ أن جماعة الإخوان المسلمين لم تحاول استرضاء الجماهير، ولم تحاول اتباع هوى الجماهير، ولم تتبع عواطفهم أيضًا. ومن هنا حددت العلاقة بين الجماعة والمجتمع، في أن الجماعة تدعو الناس لما تراه صحيحًا، وتطور رؤيتها بتفاعلها مع الناس، ولكنها لا تُقدِّم تنازلات عن رؤيتها لتنال جماهيرية أكبر حتى مع ظهور مدى التحديات التي تواجهها الجماعة ظلَّت تقدم رؤيتها للناس، وهي تعرف صعوبة تأييد الناس لها، فلم يكن توسع الجماهير المؤيدة للجماعة هدفًا في حدِّ ذاته، بل كان توسعا للقاعدة الجماهيرية المؤمنة بالمشروع الإصلاحي الحضاري الشامل والقائم على المرجعية الإسلامية هو الغاية التي تحاول الجماعة الوصول لها، كما أن الجماعة لا تريد التخفيف على الناس ؛ لأنها تُدرك أن مشروعها يحتاج للتضحيات، وهي تؤمن أن مشروعها هو المشروع الذي تحتاجه الأمة، لذا يلزم تقديم التضحيات من أجل تحقيق هذا المشروع، والذي لن يتحقق بدون تضحيات جسام.
وفي نفس الوقت، قدمت الجماعة نفسها بوصفها طليعة للمجتمع، تعمل من أجله وتدفع الأذى عنه، وحاولت بذلك تقديم النموذج حتى يتبلور النموذج أمام الناس، ويجذبهم لتقديم المزيد من التضحيات والعطاء،وتصبح الجماعة الفعل يسبق القول، ويقدم النموذج، ويحفز الناس على اتباع مسار المصلحين، وهذا المنهج يؤدي إلى تشجيع الجماهير على العطاء، وتحفيز قدرتهم على المواجهة، خاصة مع قدرة الجماعة على الاستمرار في نهج التضحية،لعقود طويلة، حتى أصبحت تمثل النموذج المهم للتضحية المستمرة عبر الأجيال..(25)."
و" يمثِّل المشروع الإسلامي في أساسه محاولةً للتصدي للوضع الراهن لإصلاحه وتغييره، فهو مواجهة لواقع تميَّز بسيادة النمط القومي العلماني للدولة، وتزايد النفوذ والهيمنة الغربية، وتحالف النخب الحاكمة مع القوى الغربية ؛ مما ساعد على تفشي الاستبداد السياسي، ومعه انتشر الفساد، وتدهورت أحوال أوطان الأمة الإسلامية ؛ فهو مشروع للإصلاح الحضاري الشامل، المستمد من المرجعية الإسلامية، وهو أيضا مشروع يواجه رفضًا غربيًّا واضحًا، فالدول الغربية، خاصةً الحلف الأمريكي "الإسرائيلي"، ترفض قيام النموذج الإسلامي ؛ لأنها تعتبره نموذجًا مستقلاًّ عنها، وربما يهدد مصالحها، ويهدد بالطبع هيمنتها الحضارية والسياسية والاقتصادية.
لذا يعد المشروع الإسلامي بديلاً حضاريًّا، يختلف عن النموذج الغربي الحضاري.. وهو لهذا يمثل محاولة لبناء ذات الأمة من خلال مرجعيتها، ودون الاعتماد على مرجعية الغرب، بل هو مشروع للاستقلال الحضاري عن الغرب، لبناء نهضة حضارية مستقلة للأمة الإسلامية، تقدم فيها الأمة الإسلامية تميزها الحضاري الخاص بها، لتصبح نموذجًا له دوره العالمي في التاريخ البشري..(26)
" تمثل جماعة الإخوان المسلمين حركة مركزية داخل التيار الإسلامي، وهي بحكم انتشارها في العديد من دول العالم، تمثل تيارا منتظما ومتماسكا، له رؤيته ومنهجه، مما يضيف من أهميتها داخل الظاهرة الإسلامية. وفي العديد من الدول، ومنها مصر، تعد جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة لقوي اجتماعية وسياسية لها تأثيرها الواسع في المجتمع والحالة السياسية. لذا يمكن القول: إن دور جماعة الإخوان المسلمين يمثل جانبا مهما من تأثير تيار الصحوة الإسلامية، وبالتالي يكشف عن جانب مهم من مستقبل الحركة الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية.
وربما بسبب أهمية جماعة الإخوان المسلمين خاصة في مصر، ولأهمية مصر في محيطها العربي والإسلامي، تعددت الرؤي والتحليلات حول جماعة الإخوان المسلمين، وكثرت التصورات والتفسيرات، التي تعبر عن المواقف المختلفة من الجماعة، وتعبر أيضا عن التفسيرات المختلفة لها كظاهرة مهمة في المجتمع المصري. وهناك بالطبع العديد من زوايا النظر إلي الجماعة، وكل زاوية منها تنبع من خلفية لها خصوصيتها. وبتعدد زوايا النظر يمكن الوصول إلي تصورات مختلفة، لدرجة أن ما يكتب عن جماعة الإخوان المسلمين، يمكن أن يجعلها جماعات وليست جماعة واحدة، لأن زاوية النظر تحدد الموقع الذي تنبع منه الرؤية. وليست كل الرؤي الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين تعبر عنها بنفس القدر، فهناك رؤي تعبر عن تحيز قائلها بأكثر مما تعبر عن الجماعة، وهناك رؤي أخري تحاول فهم الجماعة وتعريف رسالتها ومنهجها"..(27) .


المبحث الثانى: الليبراليون يرفضون المرجعية الإسلامية

انطلاقا من المبادئ الليبرالية التى سبق عرضها الرافضة للمرجعيات الدينية ومنها الإسلام، والتي تدعو إلى الفصل بين الدين والدولة، فإنهم يرفضون المرجعية الإسلامية للدولة، ومن هذا المنطلق الفكري اتخذوا وسائل ليست للتعبير عن وجهة نظرهم ورؤيتهم السياسية، وإنما انطلقوا إلى مهاجمة الإخوان المسلمين ودعوتهم إلى المرجعية الإسلامية، وتركزت حملتهم الرافضة للمرجعية الإسلامية فى اتجاهات، هي: ..(28)

1- الدعوة إلى حذف المادة الثانية من الدستور

تنص المادة الثانية من الدستور على أن: " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع."ولم يكد يمر أسبوع على سقوط مبارك حتى خرجت تصريحات الليبراليين تنادى بإلغاء المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، فطالب د. أسامة الغزالى حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية الليبرالى بإلغاء المادة الثانية من الدستور . وهذا نص الخبر كما ورد فى الصحف " حزب الجبهة يطالب بمجلس رئاسي وإلغاء المادة الثانية من الدستور.
وطالب الجبهة فى خطابه الذى أرسله اليوم إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحصل علية اليوم السابع إعداد دستور مؤقت لحكم البلاد خلال المرحلة الانتقالية ينص على أسس الدولة المدنية والديمقراطية وإسقاط المادة الثانية من دستور 1971 والتي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام...(29)
وفي برنامج العاشرة مساء على قناة دريم الذى استضافت منى الشاذلي د. محمد البرادعي ،وعند سؤال منى الشاذلي له هل يؤيد إلغاء المادة الثانية من الدستور؟، فأجاب بأنه يؤيد إلغاء المادة الثانية من الدستور قائلا : الدولة ليس لها دين، فالدولة كمؤسسات ليس لها دين،وأن الدين أصبح مسمى فقط وليس جوهر.
وردا على تصريحات الاتجاهات الإسلامية التى أعلنت أن المادة الثانية من الدستور لا يمكن قبول المساس بها. نجد د. عمرو حمزاوي يتكلم فى كثير من المؤتمرات والقنوات الفضائية بالنسبة للمادة الثانية، بقوله : من الأفضل تغير المادة الثانية من دستور 71 بالأخذ فى الاعتبار الإشارة إلى الشرائع السماوية الأخرى لقطاع من المصريين أو الإشارة إلى الشريعة الإسلامية مصر وليست المصدر، والمادة الثانية ممكن يختلف ويتنازع عليها ونحن نعد دستور جديد للبلاد، فكل شيء قابل للنقاش ولا يوجد خط أحمر ينبغي عدم الاقتراب منه ..(30)
وخاطب الليبراليون ودَّ الأقباط بالإشارة إلى مطالبهم التى يعانى منها المصريون جميعا حتى يكسبوا مساندتهم فى وسائل الإعلام المختلفة والتصويت معهم ، ومن ناحية أخرى يتحصنون بهم عند أى هجوم يتعرضون له، نظرا لأن مناقشة المسائل الخاصة بالأقباط يشوبها شىء من الحساسية، وبالتالي فإن من يناهض مشروعهم، فإنه ضد مدنية الدولة و المواطنة والمساواة بين أبناء الوطن مسلمين ومسيحيين . وإذا كان الأقباط يعانون مما يعانى منه المصريون جميعا، فلماذا يطالبون بتحقيق مطالب الأقباط بمعزل عن مطالب الشعب المصرى ؟ ومع أن الاقتصار على المطالبة بها يخرج الأقباط من دائرة المواطنة التى ينادون بها ؛ لأنهم جزء من هذا الشعب، وليسوا فئة لها تميز أو خصوصية .والمساواة فى ظل المواطنة أن تنظر إلى مشاكل المجتمع كله، لا أن تختص فئة دون الأخرى بالنظر فى مطالبها .
وهكذا نجد " أن الموقف العلماني في أساسه يرفض أن يكون في الدستور نصا للمرجعية الدينية أيا كانت، وعليه يصبح الموقف العلماني الأصلي هو معادي للنص على أن دين الدولة الإسلام، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وهناك موقف علماني متطرف وآخر معتدل، ولكن كلاهما يتفق على أن المرجعية العليا لا يجب أن تستمد من قيم ومبادئ الدين، ولكن الموقف العلماني المتطرف يحارب أي ظهور للدين في المجال العام، أي يحارب الحجاب أو النقاب مثلا كما في فرنسا، أما الموقف العلماني المعتدل فلا يحارب ظهور الدين في المجال العام، أي لا يحارب الحجاب أو النقاب مثلا، كما في أمريكا. ولكن كل المواقف العلمانية ترفض النص على أي مرجعية دينية في الدستور، وبالتالي ترفض النص على أي مرجعية دينية للنظام السياسي والقانوني" ..(31)
وهم يعتبرون أن دين الدولة الإسلام يعتبر مصادرة لحرية غير المسلمين، فما معنى أن دين الدولة " الإسلام " والدولة بها مسيحيون لا يدينون بالإسلام ؟ وأن هذه المادة تعتبر اضطهاد لغير المسلمين، ثم تراجعت مطالبهم للتراجع بعض الشىء من الإلغاء إلى التعديل نتيجة انتقادات الإخوان والاتجاهات الإسلامية وردود الفعل الشعبية التى لا يمكن قبول المساومة عليها، فلجئوا إلى المطالبة بتعديل المادة الثانية من : " الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي فى التشريع " إلى : " الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي فى التشريع " بحذف (ال) ، بذلك تكون الشريعة الإسلامية من مصادر التشريع، وليست المصدر الوحيد.

2- تقييد المادة الثانية من الدستور (المواد فوق الدستورية)

وقد قوبل حديثهم حول المادة الثانية من الدستور سواء بالإلغاء أو التعديل برفض واسع وهجوم شرس من قبل الإخوان والاتجاهات الإسلامية والشعب بصفة عامة، مما دفعهم إلى التراجع لأنهم أدركوا" أن نص المرجعية الإسلامية في الدستور يحظى بأغلبية ساحقة، لذا رأت أهمية أن لا تضع نفسها في مواجهة المرجعية الإسلامية في الدستور، أي نص المادة الثانية، ولذلك بحثت عن مخرج آخر.."..(32)
وقد مارست الاتجاهات الرافضة للمرجعية الإسلامية للدولة ضغوطا مختلفة مستخدمة وسائل الإعلام المختلفة، واستجابت حكومة د. عصام شرف لتلك الضغوط،فقام د. يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء بالتشاور مع القوى الرافضة للتعديلات الدستورية التى تم التصويت عليها فى 19 مارس 2011م وحظيت بموافقة الشعب بنسبة 77.2% والتى تعكس رفضا شعبيا لمشروعهم، وبالأحرى القول بتدنى شعبيتهم بالرغم من استقطاب المسيحيون الذين صوتوا بجانبهم فى رفض التعديلات الدستورية .مما جعلهم يتجهون إلى طريقة أخرى تضمن لهم نصيبا فى الدستور الجديد فاتجهوا لوضع مبادئ فوق دستورية تلتزم بها اللجنة التى تقوم بصياغة الدستور الجديد فيما عرف بالمواد فوق الدستورية التى باءت بالفشل وانتهت باستقالة د.يحيى الجمل، وبذلك تثبت حكومة د. عصام شرف أنها تقف بجانب العلمانيين مخالفة بذلك للمواد الدستورية التى تم الاستفتاء عليها والتى من المفترض أنها تقف من جميع القوى السياسية على مسافة واحدة .
ومن ناحية أخرى تبدو سياسة الارتباك هى السائدة فى موقف المجلس العسكرى، وذلك من خلال قراراته المختلفة، فمنذ سقط مبارك حدد الفترة الانتقالية التى يتم خلالها انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية بستة أشهر أو نحوها، وأنه لا يمارس دورا سياسيا ويقف من الجميع على مسافة واحدة، وأعلن أنه يدير البلاد ولا يحكم. فإذا به تنزلق نحو تأييد الفكر العلمانى الداعى للدستور قبل الانتخابات خلافا للتعديلات الدستورية أو على الأقل إعداد مبادئ دستورية حاكمة للدستور فيما عرف بالمواد فوق الدستورية .وبالتالي يتخلى المجلس العسكرى عن سياسته الحيادية والابتعاد عن العمل السياسي، وإذا به يميل إلى تأييد العلمانيين لانقلاب على الدستور . " ثم في المرحلة الثانية، قرر المجلس العسكري منذ يوليو الماضي، تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى ما بعد وضع الدستور الجديد والاستفتاء عليه، ولم يعلن ذلك رسميا، ولكن مهد له بتصريحات تؤكد أن الدستور سابق للانتخابات الرئاسية.ثم بدأ المجلس العسكري تحت ضغوط نفس الفريق الذي رفض التعديلات الدستورية،يحاول إصدار مبادئ دستورية ملزمة للجنة التأسيسية أو قواعد ملزمة لمجلسي الشعب والشورى لاختيار اللجنة التأسيسية، ولكنه لم ينجح في ذلك. وبهذا يكون المجلس العسكري قد قرر أن يكون طرفا في العملية السياسية،وقرر أن لا يكون على مسافة واحدة من الجميع،حيث أصبح يميل للفريق العلماني،ويحاول تعضيد حضوره في المشهد السياسي، تعويضا عن غيابه الشعبي النسبي.لهذا أصبح المجلس العسكري يرى أن عليه مراقبة اختيار اللجنة التأسيسية،والدستور الجديد، والتدخل عند الحاجة، رغم أنه لا يملك أي أساس قانوني أو دستوري للتدخل."..(33)
" والمتابع لتصورات النخبة العلمانية عن النصوص الأساسية للدستور، والتي تسمى أحيانا بالمواد فوق الدستورية، يجد أنها تحاول صياغة نصوص تسمح بوجود نص المرجعية الإسلامية للدولة والتشريع، مع تقيد هذا النص . فالتصورات التي تقدم تقوم على فكرة الحفاظ على نص المادة الثانية من الدستور، والخاصة بالمرجعية الإسلامية مع المبادئ الأخرى المتفق عليها والخاصة بالمواطنة والمساواة والحقوق والوجبات والحريات، ولكن هذا التصور يماثل في النهاية موقف العديد من القوى الإسلامية، ولكن النخبة العلمانية تريد التوصل إلى صيغة أخرى، تشمل المرجعية الإسلامية وتحدها في الوقت نفسه"..(34)
ومن هنا يتم تقييد المادة الثانية من الدستور بمواد أخرى فوق دستورية أعلى من المادة الثانية دون الحديث عن المادة الثانية، وتتفادى ما ينتج عنها من الاصطدام بالإخوان المسلمين والاتجاهات الإسلامية الأخرى والسواد الأعظم من الشعب المؤيد للمرجعية الإسلامية للدولة ولا يقبل المساومة عليها.
وتحاول الاتجاهات الليبرالية فى رفضها للمرجعية الإسلامية للدولة الظهور بمظهر المدافع عن حقوق المسيحيين فى بناء الكنائس والدفاع عن الحريات والمساواة، لتدفع الجميع إلى تبنى فكرتهم عن المواطنة والحريات والمساواة من وجهة نظرهم العلمانية، وإعطائها أهمية فى الدستور الجديد كي تصبح مادة فوق دستورية لا يمكن تعديلها،وهذه المواطنة والحريات والمساواة فى حقيقتها لا يختلف عليها الإخوان المسلمين وغيرهم من الاتجاهات الإسلامية المنادية بالمرجعية الإسلامية للدولة،غير أن مفهومها عند الليبراليين يختلف عنها عند الإخوان، فالإخوان يريدون أن تكون المواطنة والحريات والمساواة فى ضوء الشريعة الإسلامية، فالشريعة الإسلامية هي الحاكمة لها، أما فى نظر الليبراليين، فإنهم يريدون أن تكون المرجعية الإسلامية فى ضوء مبادئ المواطنة والحريات والمساواة، فتكون تلك المواد حاكمة لباقى مواد الدستور بما فيها المادة الثانية .
" نقصد من هذا، أن أي نصوص دستورية تحدد ضمنا مرجعية المبادئ العامة في الدستور بصورة أو أخرى. لذلك فالخلاف الآن هو على موضع المرجعية الإسلامية في الدستور. فالتيار الإسلامي يقدم رؤيته على أساس الالتزام بقواعد المواطنة والمساواة والحقوق والحريات في إطار مبادئ الشريعة الإسلامية، ولكن النخب العلمانية تقدم تصور آخر، يقوم على أساس الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية في إطار قواعد المواطنة والمساواة والحقوق والحريات. ."..(35)
"وكأن العلماني هو من يقبل نص المادة الثانية ويجعلها محكومة بغيرها من القواعد مما يراهن تطبيقها بقيم خارجة عنها ومستمدة من المرجعية الغربية، أما الإسلامي فهو من يقبل القواعد السياسية العامة مثل المواطنة في إطار الشريعة الإسلامية .
" إذن الفرق بين الفريقين هو أن مبادئ الشريعة الإسلامية لدى التيار الإسلامي هي القيمة العليا، أما بالنسبة للنخب العلمانية فهي قيمة ثانوية محكومة بغيرها من القيم. وبهذا تصبح القيمة العليا التي لها ثبات وقداسة في النص الدستوري بالنسبة للتيار الإسلامي، هي المرجعية الإسلامية، أما بالنسبة للنخب العلمانية فتصبح القيمة العليا التي لها ثبات وقداسة في النص الدستوري هي المواطنة بالفهم العلماني السائد لها، وتصبح الشريعة الإسلامية محكومة بالمفاهيم العلمانية لدى النخب العلمانية، وتصبح القواعد السياسية مثل المواطنة محكومة بالمرجعية الإسلامية بالنسبة للتيار الإسلامي.
وهذا التصور يقوم على تحصين المواد الخاصة بالمواطنة والمساواة والحقوق والحريات بحيث تصبح هذه القواعد أعلى من مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية، لأنها مواد محصنة ويتم حمايتها بقوة القوات المسلحة، وغير قابلة للتعديل حتى بالإرادة الشعبية الحرة، بحيث تصبح هذه المواد هي مقدس علماني مفروض على الجميع، ولا يمكن لأحد تعديله. وبعد ذلك يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية في ظل قواعد المواطنة والمساواة والحقوق والحريات، وبهذا سوف تفسر تلك القواعد حسب الفهم السائد عنها في المواثيق الدولية، وحسب الفهم الغربي، وتصبح الشريعة الإسلامية مقيدة بالفهم الغربي للقواعد السياسية العامة، والذي يعتبر فهما عالميا، نظرا لسيادة المفاهيم الغربية نتيجة سيادة القوة الغربية على العالم..(36) ".
ويذهب دعاة الحرية إلى اتهام الإخوان المسلمين لمخالفتهم فى التصويت على التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011 وتعبيرهم عن رفضهم للمبادئ فوق الدستورية التى تقيد المادة الثانية من الدستور تحت مسمى الحريات والمواطنة، فنجد د‏.‏ طه عبد العليم، يقول : " وقد صارت الإجابة الخاطئة عن سؤال الهوية تهديدا لمستقبل مصر والثورة, حين انتقل الإخوان المسلمون وغلاة السلفيين وتنظيمات الجهاديين من تأييد وتملق المجلس العسكري حين انحاز إلي إجراء الانتخابات قبل وضع الدستور إلي تهديد وتوعد المجلس العسكري حين وعد بإصدار إعلان دستوري; يتضمن المباديء الأساسية للدستور الجديد بما يحمي الدولة المدنية ويلتزم بحقوق الإنسان والمواطنة, ويحدد الضوابط الحاكمة لتشكيل الجمعية التأسيسية التي تضع الدستور من قبل البرلمان المنتخب, وإن ربط وعده بتوافق القوي السياسية . "..(37)
فدعاة الحرية الليبرالية يصادرون حرية الآخرين، ويتهمون مخافيهم بمختلف التهم طالما أنهم لم يسيروا فى ركبهم ويروا رأيهم، فانتقل الأمر من احترام حرية التعبير التى ينادون بها إلى مصادرتها، ومن هنا يبدو التناقض بين المبادئ والأفعال، والسؤال الذى يطرح نفسه، إذا كان الليبراليون يصادرون آراء غيرهم وهم لا يملكون سلطة فما بالنا إذا كانت السلطة بأيديهم ؟ ماذا سيفعلون فى مخالفيهم الرأى ؟

3- منح الجيش سلطات حماية علمانية الدولة (وثيقة السلمي)

مدنية الدولة تعنى أنها لا دينية ولا عسكرية، لذا فإن وثيقة د. على السلمي ضد الدولة المدنية حيث إنها تمنح القوات المسلحة وهى مؤسسة عسكرية سلطة التدخل فى الدولة، " لذلك يظهر ثمة تناقض بين أن توصف دولة بالمدنية تكون القوات المسلحة فيها لها هذه الاستقلالية والتسامى عن مؤسسات الدولة الأخرى، والحاكمية لهذه المؤسسات بما يجعل الدولة فى حقيقتها دولة عسكرية."..(38)
وقد " كشفت الوثيقة التى حصلت عليها «اليوم السابع» أن الدكتور على السلمي أجرى عليها عددا من التعديلات، حيث تم تعديل المادة الأولى من الوثيقة الدستورية تماما، بعد أن اعترض عليها عدد من القوى السياسية فى اللقاءات التى عقدها الدكتور على السلمي بالأحزاب السياسية، لتصبح «جمهورية مصر العربية دولة موحدة وطنية، نظامها ديمقراطيا مدنيا يقوم على المواطنة وحكم القانون وتكفل الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أى تمييز أو تفرقة، والشعب المصرى جزء من الأمة العربية، يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة».
كما أجرى السلمي تعديلات على المادة 4 من وثيقة المبادئ الدستورية، والخاصة بالنظام السياسي للدولة ليصبح النظام السياسي للدولة جمهوريا ديمقراطيا، يقوم على التوازن بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، ونظام تعدد الأحزاب، شريطة ألا تكون على أساس دينى أو جغرافى أو عرقى أو طائفى أو فئوى أو أى مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة فى هذا الإعلان.
فيما تم إجراء تعديل على المادتين «9 و10» من وثيقة المبادئ الدستورية التى طرحها السلمي، وشهدت اعتراضات كبيرة من القوى السياسية.
وتنص المادة 9 بعد التعديلات، على أن: «الدولة وحدها هى التى تنشئ القوات المسلحة، وهى ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها والحفاظ على وحدتها، ولا يجوز لأى هيئة أو جماعة أو حزب، إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، والدفاع عن الوطن وأراضيه واجب مقدس والتجنيد إجبارى وينظم القانون التعبئة العامة، كما ينظم القانون العسكرى ويحدد اختصاصاته، ويكون للقوات المسلحة مجلس أعلى يختص بالنظر فى كل ما يتعلق بالشؤون الخاصة بها والميزانية المتعلقة بشؤون التسليح، ويؤخذ رأيه فى التشريعات الخاصة بالقوات المسلحة قبل إصداره، ورئيس الجمهورية هو الرئيس الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع هو القائد العام لها.
أما المادة 10 فنصت على: «أن ينشأ مجلس يسمى، مجلس الدفاع والأمن القومى الوطنى، ويتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويختص بالنظر فى الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، كما يختص بنظر ميزانية القوات المسلحة، على أن يتم إدراجها رقما واحدا فى موازنة الدولة، ويحدد القانون تشكيل مجلس الدفاع والأمن القومى واختصاصاته الأخرى، ويعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد أخذ رأى مجلس الدفاع والأمن القومى وموافقة مجلس الشعب».
وشهد الباب الثانى من وثيقة «إعلان المبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة»، إضافة مادة إلى موادها الـ12، تعديلات وهو الباب الخاص بـ«الحقوق والحريات العامة»، حيث تمت إضافة البند 13 وهو البند الذى يكشف عن وثيقة تحمل فى طياتها صفة الإلزامية التى تنص على: «المبادئ الأساسية والحقوق والحريات العامة الواردة فى هذا الإعلان لصيقة بالمواطن ولا تقبل وقفا أو تعطيلا أو انتقاصا، ولا يجوز لأى من سلطات أو مؤسسات أو لأى جماعات أو أفراد الإتيان بأى عمل يهدف أو يؤدى إلى إهدارها أو الانتقاص منها أو الإخلال بها ...
إذا تضمن مشروع الدستور الذى أعدته الجمعية التأسيسية نصا أو أكثر يتعارض مع المقومات الأساسية للدولة والمجتمع المصرى والحقوق والحريات العامة التى استقرت عليها الدساتير المصرية المتعاقبة بما فيها الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 والإعلانات الدستورية التالية له، يطلب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بما له من سلطات رئيس الجمهورية فى المرحلة الانتقالية أو مجلس الشعب من الجمعية التأسيسية، إعادة النظر فى هذه النصوص خلال مدة أقصاها خمسة عشر يوما، فإذا لم توافق الجمعية، كان للمجلس أن يعرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا، على أن تصدر المحكمة قرارها فى شأنه خلال سبعة أيام من تاريخ عرض الأمر عليها، ويكون القرار الصادر من المحكمة الدستورية العليا ملزما لكل ولجميع سلطات الدولة.."..(39)
" ويفهم من هذا،أنه سيحاول التدخل لصالح الفريق العلماني،مما يعني أن ضغوط الداخل والخارج قد أدت إلى ارباك المجلس العسكري، ودخوله طرفا في عملية سياسية، بصورة تلحق به الضرر، خاصة وأن يخوض معركة في غير ميدانه.وليس معروفا على وجه الدقة، متى يمكن أن يتدخل المجلس العسكري،وهل هناك مخاوف حقيقية لدى الفريق العلماني، تستدعي تدخل العسكري، أم لا؟ فالمتوقع أن تشكل اللجنة التأسيسية من مختلف مكونات المجتمع،ولا يمكن توقع غير ذلك، ومن المتوقع أيضا أن يكون بها عدد مختار من مجلس الشعب.وكل هذا يفترض أن لا يدفع أحد لدفع العسكري للتدخل.كما أن الدستور المتوقع سيقوم على أساس الحكم المدني الديمقراطي، وعلى المواطنة والمساواة، والحقوق والحريات، ومرجعية الشريعة الإسلامية.وكل هذا متفق عليه في معظم الوثائق التي صدرت من القوى السياسية.مما يعني أن المشكلة سوف تظهر،إذا أراد الفريق العلماني تحصين عدد من مواد الدستور ضد أي تغيير،أي ضد الإرادة الشعبية الحرة، وإذا أراد هذا الفريق وضع دور سياسي ودستوري للقوات المسلحة المصرية لحماية المواد المحصنة،وهي الاقتراحات التي طرحت في وثيقة المبادئ الدستورية الحاكمة،والتي رفضت من التيار الإسلامي، وأوقفت أي محاولة لإصدارها.وتلك المقترحات، هي في مجملها ضد الإرادة الشعبية الحرة، أي أنها تنقص من حق الشعب المصري في اختيار دستوره وتعديله،بالصورة التي تعبر عنه.
ودخول العسكري لصالح فريق علماني، ضد الإرادة الشعبية الحرة،يعني أن القوات المسلحة تتورط في عمل سياسي ضد الإرادة الشعبية،وهو ما يؤدي إلى انزلاق المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في موقف يجعله ضد تحرير الإرادة الشعبية، وهو أحد أهم منجزات الثورة المصرية.لذا يعد بقاء العسكري حتى وضع الدستور،أمر يعرضه للانزلاق بأكثر مما يحتمل، وأكثر مما يجوز...(40)
وقد تعرضت الوثيق لانتقاد حاد من الإخوان المسلمين والقوى السياسية المختلفة الذين دعوا إلى مليونية فى ميدان التحرير يوم 18 نوفمبر، ولقيت استجابت واسعة ظهرت فى فعاليات ذلك اليوم ..(41)، الذى أكدت فيه القوى السياسية المشاركة على مطلبين، الأول : سحب وثيقة السلمي التى تحاب مدنية الدولة وتعطى للقوات المسلحة التدخل فى سياسة الدولة وسلطة أعلى فوق سلطات الدولة، وقد اعتبر الجميع صمت المجلس العسكرى دليل على موافقته على الوثيقة . الثانى : تحديد نهاية أبريل 2012 كحد أقصى لانتخابات الرئاسة وإنهاء الحكم العسكرى، وتسليم الحكم لرئيس منتخب ورفضها إطالة الحكم العسكرى وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى 2013 .
وجماعة الإخوان المسلمين فى موقفها الرافض بشدة للوثيقة الدستورية يرجع إلى أنها تمثل اغتصابا لحق الشعب فى انتخاب اللجنة التأسيسية، وحقه فى منح نفسه الدستور الذى يريد . وينطلق الإخوان فى رفضهم للوثيقة من وصفها بأنها تمثل إهدارا للديمقراطية التى هى حكم الشعب، وإهدارا للإرادة الشعبية التى تمثلت فى استفتاء مارس 2011م، وانقلابا على مبدأ الدولة الديمقراطية ومدنية الدولة . وأن التمسك بوثيقة السلمي يمثل خطرًا على الأمن المصرى الداخلى.
وفى ذلك يقول المستشار طارق البشري : " فى 19 مارس سنة 2011 وتضمن أحكامه الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس مؤكدا معانيه وأحكامه، قد نص على: أن ينتخب مجلس الشعب ومجلس الشورى، ويختار المنتخبون من المجلسين جمعية تأسيسية تقوم بإعداد الدستور الجديد للبلاد يستفتى عليه الشعب.
جاءت «المسودة» (وثيقة السلمي) مقيدة لهذه السلطات من بدء أعمالها ومن مجال أعمالها ومن نتائج أعمالها كذلك. وفى الوقت الذى أطلقت فيه «المسودة» سلطات المجلس العسكرى استغلالا وسيطرة على مؤسسات الدولة، قيدت المؤسسات التى ستكون منتخبة من الشعب، وهكذا أطلق للمجلس العسكرى من القيود وأطلق له السيطرة، وقيد الهيئات المنتخبة من الشعب وأحاط بها إحاطة محاصرة كاملة تستلب الإرادة الشعبية فى اختياراتها وفى إعمالها ونتائجها. وأسمى ذلك بالديمقراطية، أطلق عليها نقيض ما يصنع. كما كان يفعل «الأحرار» «أى: الليبراليون» الدستوريون فى سابق العصر والأوان."..(42)
ومن هنا فإن: " أي نصوص دستورية تحدد ضمنا مرجعية المبادئ العامة في الدستور بصورة أو أخرى... وهذا التصور يقوم على تحصين المواد الخاصة بالمواطنة والمساواة والحقوق والحريات بحيث تصبح هذه القواعد أعلى من مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية، لأنها مواد محصنة ويتم حمايتها بقوة القوات المسلحة، وغير قابلة للتعديل حتى بالإرادة الشعبية الحرة، بحيث تصبح هذه المواد هي مقدس علماني مفروض على الجميع، ولا يمكن لأحد تعديله. وبعد ذلك يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية في ظل قواعد المواطنة والمساواة والحقوق والحريات، وبهذا سوف تفسر تلك القواعد حسب الفهم السائد عنها في المواثيق الدولية، وحسب الفهم الغربي، وتصبح الشريعة الإسلامية مقيدة بالفهم الغربي للقواعد السياسية العامة، والذي يعتبر فهما عالميا، نظرا لسيادة المفاهيم الغربية نتيجة سيادة القوة الغربية على العالم"..(43)

4- مرجعية الدولة عند الليبراليين

وإذا كان الاتجاه العلمانى والليبرالى يرفض الإسلام مرجعية للدولة، فإنه لابد أن يقدم بديلا له يحظى بالقبول من الرأى الشعبى الذى أصبح صاحب السلطة فى القبول والرفض، " والحاصل أن بين التيار العلماني والتيار الإسلامي خلافًا في القيم السياسية العليا الحاكمة للنظام السياسي الرشيد، مما يجعل تصور كل منهما النظام السياسي الرشيد أو الصالح مختلفا، فالتيار العلماني يري أن المرجعية تستمد من العصر، ومن القوة المتقدمة في العصر الحالي، ومادام الغرب يمثل الحضارة المتقدمة، لذا تصبح الحضارة الغربية هي المرجعية التي يمكن أن تحقق التقدم والنهوض. ولكن التيار الإسلامي يري علي العكس من ذلك، أن المرجعية تستمد من التاريخ الحضاري لكل أمة أو شعب، وأن تلك المرجعية تمثل الخصوصية الحضارية الخاصة بكل أمة أو شعب، وأن الحضارة المتقدمة لا تمثل النموذج الأفضل لكل شعوب الأرض، حتى وإن كانت تمثل الأفضل للشعب الذي ينتمي لها، وتقدم من خلالها.ففي التصور الخاص بالتيار الإسلامي، تنتج القيم من المرجعية الحضارية والدينية للأمة الإسلامية، حيث تستمد منها القيم والمبادئ والأحكام والقواعد الرئيسة.
وقد أعلنت من بين الآراء الرافضة للمرجعية الإسلامية للدولة أن يكون بديلها المرجعية المصرية، وهم فى ذلك يرددون الدعوة التى دعا إليها أحمد لطفي السيد فى أوائل القرن العشرين،ولذا نجدهم يعلنون بأنهم دعاة مدنية الدولة والمواطنة والمساواة،ويصفون مخالفيه من الاتجاهات الإسلامية بأنهم دعاة الدولة الدينية التى ضد الدولة المدنية وضد المواطنة، فنجد من يقول: " بهتافهم راقي البلاغة‏:‏ ارفع رأسك فوق‏..‏ أنت مصري أعلن المصريون هويتهم منذ ثورة ‏25‏ يناير‏,‏ ورفضا للالتباس بهتافهم الآخر بالغ الرقي‏:‏ مدنية‏..‏ مدنية‏;‏ ردا علي صيحة دينية‏..‏ دينية‏,‏ التي رددها من لا يعرفون قدر الأمة المصرية‏،ولا يعترفون بقيمة الوطنية المصرية, ولا يدركون معني المواطنة المصرية. أقصد دعاة دولة الفقهاء الدينية وخصوم دولة المواطنة الديموقراطية, الذين يتصورون أن إعلان الأمة المصرية عنوان الهوية والانتماء والولاء للوطن المصري الكريم يخالف الإيمان بالدين الإسلامي الحنيف, أو ينتقص من انتساب مصر العربي الأصيل"..(44).
وانطلاقا من المرجعية المصرية ورفض تأسيس الأحزاب على أساس ديني، فإنه ينبغي حظر الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، لأنها أحزاب دينية مخالفة لنص القانون بمنع تشكيل الأحزاب على أساس ديني، يقول:
" وأخيرا, فانه علي شركاء الحوار الوطني إدراك أن الضمانة الأهم لبناء دولة المواطنة هي النص القاطع الواجب في الدستور علي آليات حماية هذه الدولة. وعلي المجلس العسكري الأعلى, الذي شارك في الثورة والذي لا بديل له ولا غني عنه في قيادة فترة الانتقال, أن يتفهم جدية المخاوف من مخاطر الدولة الدينية, وأن يلتزم بما نصت عليه المـادة الرابعة من الإعـلان الدستوري من أنه' لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أساس ديني"..(45).
وفى موضع آخر: " شهد ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي ما شاءت له القوي السياسية‏ الإسلامية‏ ;‏ أي مليونية الدعوة إلي‏ الهوية الإسلامية والدولة الدينية ... وبعد ثورة 25 يناير وبفضلها, ورغم تأخر لحاق الجماعة بها, فقد اعترفت الدولة بحزب العدالة والحرية; رغم بقائه مجرد ذراع سياسية للجماعة الأم! لكن مصير هذا الحزب, وما شابهه من أحزاب, يرتهن بما ينبغي أن ينص عليه الدستور الجديد من حظر لتشكيل أحزاب علي أساس ديني, ليس فقط من حيث العضوية والبرنامج, وإنما أيضا من حيث الأهداف والنشاط. ولا يعني هذا حظر تأسيس أحزاب مدنية تستلهم برامجها من مقاصد الشريعة الإسلامية ; طالما أن الدستور نصا وروحا يحول دون أن تفرض هذه الأحزاب تفسيرها للشريعة علي المجتمع, وطالما تتوافر آليات تحول دون تعديل أو تغيير الدستور وفق الإرادة المنفردة لمثل هذه الأحزاب إن وصلت إلي الحكم عبر انتخابات حرة... فانه ينبغي النص في الدستور علي مبدأ المواطنة, وأن تأتي الصياغة بما يقطع الطريق علي دعاة دولة الفقهاء!
ولقد دعا قيادي إخواني إلي آلية تضمن الالتزام بالمرجعية الإسلامية; لكنها لم تكن سوي سلطة دينية تجب السلطة التشريعية, ولا تبعد كثيرا عن مفهوم ولاية الفقيه, حتى وإن كانت الآلية, التي تقرر شرعية التشريعات من عدمها, هي هيئة كبار العلماء أو مجمع البحوث الإسلامية, وليس مفتي الإخوان المسلمين!‏"..(46)
" حين يدور الحديث عن العيش المشترك في دولة المواطنة‏, ‏ لا بد من نزح مفاهيم خاطئة منحرفة عششت في عقول بعض المصريين‏,‏ وأضعفت الوعي الواجب بأن الأمة المصرية هي عنوان الهوية والولاء والانتماء لجميع المصريين مهما تكن أصولهم وعقائدهم‏.‏..(47)
" ومسألة الهوية في مصر- كما في كل مكان- مسألة تتعلق بأمة محددة تعيش في وطن محدد, وهي المسألة المحددة للولاء والانتماء الوطني. ..وقد صارت الوطنية المصرية عنوانا للهوية والولاء والانتماء للأمة المصرية, في مجري تطور شامل وعميق بدأ مع ميلاد الدولة الحديثة قبل نحو قرنين. ..وفي مصر المتوسطية ظن بعض المصريين المسيحيين أن الغرب المسيحي يمثل ملاذا آمنا في مواجهة الانتقاص من حقوق المواطنة وتهديد دعاة دولة الفقهاء والخلافة لدولة المواطنة, بل توهم قسم منهم أن الولاء والانتماء للكنسية يمكن أن يحل محل الولاء والانتماء للأمة المصرية.."..(48)
والحقيقة أن من لا يدين برفض المرجعية الإسلامية والتسليم بالهوية المصرية متهم عندهم، ويطالبون بالهوية الإسلامية (الدينية على حد تعبيرهم) إنما هو متهم بالعمل ضد الثورة، والسعي لإفشالها . " وأتصور أن مستقبل مصر ووعد الثورة سيبقيان في خطر ما لم يتحل الإسلاميون وخاصة الإخوان بالمسئولية الوطنية, وينهون هذا الخلط بين الهوية والدين, ويسلمون بأن الأمة المصرية هي عنوان الهوية والانتماء والولاء للوطن ..(49)
"وقد وافق دعاة دولة المواطنة من القوي الديموقراطية علي دعوة المبادئ والضوابط ; باعتبارها حلا وسطا للخلاف بشأن أسبقية الدستور أم الانتخابات. والمدهش حقا, أن دعاة دولة الفقهاء والخلافة يعتبرون أن رأيهم هو المعبر عن الإرادة الشعبية ! ويتناسون أن نتيجة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية وما ألحق بها من فقرات جديدة لم تكن انتصارا لخلطهم بين الهوية والعقيدة، بل حسمتها الإرادة الشعبية التي تنزع إلي الاستقرار, وتتطلع إلي سرعة بناء نظام جديد ينهي حالة انفلات الأمن وعدم اليقين وفوضي ما بعد الثورة"..(50)
ويرفض الأديب أحمد عبد المعطى حجازى المرجعية الإسلامية، لأنها من وجهة نظره تتناقض مع مدنية الدولة، بقوله : "إذا كنا نريد حقا أن نبني دولة وطنية حديثة ننعم فيها بنظام ديمقراطي حقيقي وسلطات مدنية تصدر كلها عن الأمة ـ إذا كانت هذه هي حقا إرادتنا‏,‏ فالمرجعية الدينية التي يراد فرضها علي هذه الدولة تتناقض مع كل هذه الشروط التي نريد أن تتوافر فيها.
المرجعية الدينية تتناقض أول ما تتناقض مع الدولة الوطنية. لأن المرجعية الدينية أساس مفهوم في الدولة الدينية التي يكون فيها الدين هو الرابطة التي تجمع بين الناس, وهو الشرط الذي تتأسس عليه الحقوق والواجبات ."..(51)
" اذا كانت المرجعية هي المنبع الذي نستقي منه‏,‏ والأصل الذي تصدر عنه جماعتنا الوطنية كلها‏,‏ وترجع إليه‏,‏ وتقيس عليه‏,‏ فمصر هي مرجعيتنا‏.‏" ..(52)
وبهذا يصبح الالتزام بالمرجعية الغربية بالنسبة للتيار الإسلامي هو مصدر التأخر والتدهور والسقوط في التبعية، أما بالنسبة للتيار العلماني، فيصبح التمسك بالمرجعية الحضارية للأمة الإسلامية هو مصدر تخلفها وتراجعها، وهو سبب تأخرها، وعليه يصبح السبيل للتقدم والنهوض، مختلفًا عليه بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، مما يجعل لكل منهما طريقا محددا يتعارض مع الآخر...(53)


المبحث الثالث: وسائل الليبراليين فى تشويه المرجعية الإسلامية

"ولم يختلف موقف الليبراليين المصريين بشأن مسألة الشريعة الإسلامية عن الناصريين والقوميين بوجه عام. فقد تبني كثير من هؤلاء وأولئك ومن معظم أطياف اليسار موقفا سلبيا إزاءها لم يخل من حدة حينا وعداء حينا آخر.
ولذلك لم يدركوا, وهم الذين ناضلوا طويلا من أجل الاستقلال الوطني, أن هذا الاستقلال ليس سياسيا واقتصاديا فقط، بل هو قانوني أيضا أو هكذا ينبغي أن يكون.
ولم يدرك غير قليل من الليبراليين الأهمية القصوى للنص الدستوري الذي يقول إن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. فهذا النص ليس مجرد كلمات لإرضاء التيارات الإسلامية. فالمفترض أن يكون هذا النص منطلقا لاستقلال قانوني يتحقق تدريجيا في الوقت الذي نتقدم نحو استعادة الاستقلال السياسي وبناء الاستقلال الاقتصادي.... غير أن إنجاز استقلالنا القانوني يبدو أكثر صعوبة بعد أن صارت قاعدته الأساسية وهي الشريعة الإسلامية موضع صراع، بل استقطاب حاد وخطير، ومع ذلك يمكن لأبناء المدرسة الليبرالية الوطنية التي تؤمن بثقافة الأمة, وغيرهم في مختلف التيارات ممن يعرفون أن الاستقلال الوطني لا يتجزأ, أن يساهموا في كسر هذا الاستقطاب بمختلف الوسائل الممكنة. ومن هذه الوسائل ما يرتبط بالاقتناع بأهمية دور الشريعة الإسلامية في تحقيق الاستقلال القانوني لتصبح قضية وطنية بعد أن أدي استحواذ التيارات الإسلامية عليها وموقف الكثيرين في التيارات الأخرى ضدها إلي جعلها قضية صراع سياسي..(54)"

1- إقصاء كلمة (الإسلام) من كتاباتهم واستبدالها بكلمة (الدين)

وقد دأب الليبراليون والعلمانيون وغيرهم على إقصاء كلمة " الإسلام " فى أحاديثهم واستبدالها بكلمة " الدين "، فالكتاب الليبراليون والعلمانيون واليساريون والشيوعيون وكل من يعادى المرجعية الإسلامية للدولة تؤيدهم مختلف وسائل الإعلام يحرصون كل الحرص على إبعاد كلمة "الإسلام" من قاموسهم، ما استطاعوا، واستخدام كلمة "الدين"، وذلك لتثبيت المعنى الدخيل المستورد، وهو التفريق الحازم بين ما هو دين، وما ليس بدين، من شئون الحياة المختلفة، وهو معنى غريب على الفكر الإسلامي، والحياة الإسلامية..(55)
فإذا تحدث الإخوان عن الدولة الإسلامية أو المرجعية الإسلامية استبدلوا كلمة " الإسلامية " بكلمة" الدينية "، أي " المرجعية الدينية "، ومن يقول " دولة إسلامية " يقولون " دولة الدينية "، وهدفهم من وراء ذلك تقريب الذهن للقارىء بأن الإخوان المسلمين يريدون دولة دينية تمارس الاستبداد وقمع الحريات على نحو الدولة الدينية فى أوربا على نحو مخالف ومضلل للحقيقة ..(56)،ويبتعد الشعب عن تأييد فكرة مرجعية إسلامية للدولة، ومن ناحية أخرى حتى لا يثير الرأي العام الرافض لكل من يهاجم الإسلام، فهم لا يقولون (فصل الإسلام عن السياسة)، بل يقولون (فصل الدين عن الدولة )حتى تلقى الكلمة والمصطلح قبولا من الرأي العام فى مصر.
وللنظر مثلا إلى نماذج من كتاباتهم : ففي مليونية جمعة 29/7/2011 فى التحرير التى برز فيها ظهور الإسلاميين بصفة عامة وكانوا أغلبية فى الميدان، وردد بعضهم هتافات "إسلامية ..إسلامية " نجدهم يستبدلون كلمة "إسلامية " بكلمة " دينية "، فيقول أحدهم : " ورفضا للالتباس بهتافهم الآخر بالغ الرقي‏: مدنية‏..‏ مدنية ‏;‏ ردا علي صيحة دينية‏..‏ دينية‏,‏ التي رددها من لا يعرفون قدر الأمة المصرية" ..(57) ،فهو يعتبر العلمانيين والليبراليين وأنصارهما دعاة الدولة المدنية، والإخوان والاتجاهات الإسلامية الأخرى يدعون للدولة الدينية..(58).
وادعاء العلمانيين بأنهم دعاة دولة المدنية قديم، ففي المناظرة التى عقدت سنة 1993 بين الاتجاه الإسلامي والعلماني، وقد وضع القائمون عليها عنوانا لها يجمل العلمانيين وينفر من الإسلاميين، فكان عنوانها : " مصر بين الدولة المدنية والدولة الدينية "..(59) مما أثار اعتراض الجانب الإسلامي لا،ه لا يوجد فى الإسلام دولة دينية .
وأحيانا نجده يصف الليبراليين والعلمانيين بدعاة المواطنة،ومن يدعون إلى مرجعية إسلامية للدولة بدعاة دولة الفقهاء، ويدعو الشعب المصري إلى محاربة كل من يدعو إلى المرجعية الإسلامية، يقول:" مصر سياسيا, أمام سكة التقدم صوب دولة المواطنة المدنية, أو سكة السقوط نحو ظلمة دولة الفقهاء.. إنه قد آن الأوان لأن يتصدى المسلمون من أبناء الأمة المصرية لفكر الدعوة إلي دولة الفقهاء, وإن تباينت مناهج ووسائل الدعاة بين جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الجهادية الإسلامية والتيار السلفي الإسلامي...(60)
ويقول آخر: " لا يمكن أن نتخلص من الاستبداد السياسي لنقع فى براثن الاستبداد الدينى..(61) "، بل إنهم يدعون أن من يدعون لمرجعية إسلامية ولاؤهم للدين( الإسلام ) وليس للوطن،يقول : " وصيغة إما الدين وإما الوطن.. تبعث علي خوف مشروع من جعل الانتساب لإحدى جماعات الإسلام السياسي والانصياع لفقهها في تضاد مع الانتماء للوطن والولاء لمصلحته!..(62) "
وهم يحاولون ترويج كلمة " مدنية " مقابلة لكلمة " دينية "، ونجد كذلك صحف (روزا اليوسف )،و(المصري اليوم ) (الأهرام) (الجمهورية ) ..وغيرهم يروجون لكلمة الدين بدلا الإسلام، ويحاولون تجميل صورة الليبراليين والعلمانيين، فعندما يتناولون خبرا عنهم تجد الصحف التى تساندهم تبادر بوصفهم بكلمات تجملهم بأنهم دعاة الدولة المدنية والديمقراطية أو القوى الوطنية،وما شابهها من العبارات الجميلة، وعند الحديث عن الإخوان والاتجاهات الإسلامية التى تنادى بالمرجعية الإسلامية للدولة تصفهم بأنهم " دعاة الدولة الدينية "أي الرجعية والاستبداد والحكم بالحق الإلهي .
ولعل الأمر يطول بنا إذا استعرضنا الصحف التى تُجَمِّل الليبراليين والعلمانيين وتشوه صورة الإخوان والتيارات الإسلامية وتصفهم بالتيارات الدينية، ولنأخذ نماذج فقط من جريدة الأهرام اليومية فى مصر واسعة الانتشار .
فى الأهرام تحت عنوان: (التحرير بدأ متحدا..‏ وانتهى منقسما السلفيون يركزون على المطالب الدينية)..(63)
وفى عنوان آخر: ( أحزاب تحت التأسيس طالبت بدولة مؤسسات منفتحة..والائتلافات ترفض التمييز ) تقول : " رغم أن الائتلافات والأحزاب الجديدة وتحت التأسيس كثيرة ومتعددة إلا أنها قد تتفق في صورة الدولة التي تنشد تحقيقها‏.‏ فهي تضع لها ملامح تقوم علي المواطنة وعدم التمييز أو التفرقة وفي نفس الوقت ترفض فكرة الدولة الدينية"..(64)
وتحت عنوان: (القوي الوطنية والتيارات الدينية بالإسكندرية تجمع علي إجراء الانتخابات) تقول : "أجمعت القوي السياسية والتيارات الدينية بالإسكندرية‏,‏ علي أهمية إجراء انتخابات مجلس الشعب في أسرع وقت حتى تستقر البلاد...(65) .
وتحت عنوان : " محاولات لضم غنيم للكتلة المصرية فى مواجهة التيارات الدينية " تقول :‏ تبذل الكتلة المصرية محاولات لإقناع الجراح العالمي محمد غنيم بالترشح علي قوائمها ممثلا للتيار الليبرالي في مواجهة التيارات الدينية...(66)
وتقدم الأهرام استطلاع رأى للتصويت فى الانتخابات القادمة نوفمبر 2011 يلاحظ أنها لا تذكر فيه كلمة "إسلامية " وتستبدلها بكلمة "دينية "على النحو التالي :
شارك برأيك : لمن تصوت فى الانتخابات المقبلة ؟:
  • لحزب يرفع شعارات دينية
  • لحزب لا يرفع شعارات دينية
  • لحزب من أحزاب شباب الثورة
  • غير مهتم ..(67)

2- تشويه تاريخ المرجعية الإسلامية

من يطلع على السيرة الذاتية لليبراليين والعلمانيين يجد أنهم غير متخصصين فى الدراسات الإسلامية أو التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، ومع ذلك تجدهم ينتزعون أخبارا تاريخية من هنا وهناك ويستدلون بها على آرائهم بأن الشريعة الإسلامية لم تطبق فى التاريخ الإسلامي، والحكم فيها كان علمانيا بعيد عن الإسلام وشريعته لعزل الشريعة عن التجارب الإنسانية .ولا ندرى هل علم التاريخ مباح لكل أصحاب المهن الذين لم يدرسوه دراسة علمية متخصصة ن فنجد مثلا د.علاء الأسواني طبيب أسنان وكاتب روائي ومع ذلك نجده يسوقا أحداثا تاريخيا لم يوثقها حتى نستطيع نقدها تاريخيا فى ضوء مناهج البحث والنقد التاريخي ثم يبنى عليها نتائج حسب هواه ، فيقول إن الشريعة الإسلامية لم تطبق بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا فى عهد الراشدين الذى انتهى سنة 41هـ، فيكون جملة تطبيق الشريعة الإسلامية ثلاثين سنة فقط : " أما بقية تاريخ الحكم الإسلامي فلا وجود فيه لمبادئ أو مُثُل نبيلة، وإنما هو صراع دموي على السلطة يستباح فيه كل شيء، حتى ولو ضربت الكعبة وتهدمت أركانها.. هذه الحقيقة شئنا أم أبينا. أما السعي لإنتاج تاريخ خيالي للخلافة الإسلامية الرشيدة فلن يخرج عن كونه محاولة لتأليف صور ذهنية قد تكون جميلة لكنها للأسف غير حقيقية..(68)..، ويقول آخر :" وأما الزعم بأن الشريعة الإسلامية كانت تحكم طوال14 قرنا- مهما انحرف الحكم في تاريخ المجتمعات الإسلامية - فهو محض مغالطة تاريخية, فقد كان انحراف الحكم عن مبادئ ومقاصد الشريعة الإسلامية هو القاعدة وليس الاستثناء. ولنعد زيارة التاريخ!..(69)
وفى وجهة نظر أخرى لأحد العلمانيين فإن تاريخ الإسلام كله دماء، يقول : " لكن المشكلة هي أنه بعد غياب الوحي بانتقال الرسول إلي الرفيق الأعلى أصبح الدين خاضعا لتفسير الحاكم ولأهواء الزمرة المحيطة به. وكان الخليفة في الدولة الأموية ثم العباسية ثم العثمانية يحظى بمكانة فوق البشر وكأنه لا ينطق عن الهوي. كان هو الذي يفسر إرادة السماء وكان يخضعها دائما لمصالح دولته ويطوعها لأهدافه, ومن يخرج عليه فقد خرج علي الدين وعلي إرادة الله سبحانه وتعالي.
وظل الصراع علي الحكم طوال عصور الدولة الإسلامية ملوثا ببحار من الدماء لأن المطامع الدنيوية كانت تتخذ الدين ستارا وتكئة علي يد جميع الأطراف. وقد تعرض غالبية الذكور من آل البيت الطاهر من أحفاد النبي للذبح والتنكيل جيلا بعد جيل لأنهم كانوا يطالبون بحقهم في تولي الحكم. كما قامت مجازر ضد الشيعة والخوارج والقرامطة والزنج والمرجئة وغيرهم بدعوي الدفاع عن دين الله ..(70)
ويعلق الأستاذ فهمي هويدي على الهجوم الذى لم ينقطع على الشريعة وتاريخها بقوله: "وقد فرغ فريق من هؤلاء، جهده، ونذر نفسه، للنيل من الشريعة، وتسفيه التجربة الإسلامية، وتحقير التاريخ الإسلامي ورموزه..(71)"

3- إثارة المسيحيين ضد المرجعية الإسلامية للدولة

وقد مرت مصر على مدار العقود السابقة بحكم عسكري مستبد بالرأي ومصادر لحريات المصريين وارتكبت فيه أخطاء جسيمة بحق المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين دون تفرقة حتى قامت ثورة 25 يناير 2011م. وإذا بنا نفاجأ بمن يقول إن المسيحيين مضطهدون، وأخذوا يَعُدون تلك الأخطاء ويعتبرونها من أخطاء المرجعية الإسلامية للدولة.
والليبراليون والعلمانيون فى حديثهم عن الحريات والمواطنة والمساواة وبناء الكنائس يسعون لضم أصوات المسيحيين إليهم، ليتمكنوا من التحالف معهم فى مناهضة المرجعية الإسلامية للدولة تحت المسميات السابقة، وإثارة تساؤلات من شأنها عرقلة الجهود المبذولة تجاه تفعيل الشريعة الإسلامية فى الحياة وتبنى الدولة للشريعة بشكل فعال فى الحياة العامة وفى سياستها، وليس مجرد مادة دستورية . ومن ناحية أخرى يسعون إلى تقييد المرجعية الإسلامية عن طريق إثارة وضع الأقباط فى ظل الشريعة الإسلامية التى يدافع عنها الإخوان المسلمون والاتجاهات الإسلامية الأخرى ويؤيدها جمهور الشعب المصري، وبالتالي يكتسبون حصانة معنوية، ولا يكون حديثهم حول المرجعية الإسلامية غير منتقد، ومن ينتقد مشروعهم فإنه يوصف بأنه ضد الدولة المدنية ويسعى لإقامة دولة دينية تنعدم فيها العدالة والمساواة .
وفى الآونة الأخيرة بعد ثورة 25 يناير فى مصر لقيت دعوة الليبراليين والعلمانيين قبولا واسعا لدى المسيحيين، " والحاصل عكس ذلك ؛ حيث يرى بعض الأقباط أن تغريب مصر وعلمنتها هو الوسيلة المثلي لحفظ كيانهم، وبالتالي لا يرون غضاضةً في أن يكونوا ورقةً في يد بعض العلمانيين لتحجيم المشروع الإسلامي؟!
من المهم تذكُّر أن التيار العلماني في مصر استخدم ورقةَ الأقباط عارضًا عليهم مناصرةً بلا شروط، واستجاب الأقباط والقيادة الكنسية، التي وجدت أنه من الممكن التعاون فيما بينهم.
التيار العلماني في مصر لم يدرك رؤية الأقباط لمفهوم ذلك التعاون، فالتيار العلماني ينادي بعلمنة مصر كلها، والأقباط يؤيدون فقط علمنة الدولة والنظام العام ؛ بحيث لا تمتد العلمنة للكنيسة ؛ حيث لا يمكن علمنة المؤسسة الدينية، والعلمانية على هذا النحو بالنسبة لهم حمايةٌ لهويتهم الطائفية مع ضمان نقاء المؤسسة الدينية الحاضنة لهم ؛ لأنها غير قابلة في أصولها التراثية للعلمنة، إلا أن هذا التعاون في هذا السياق لا يمكنه الاستمرار، لا سيما مع ظهور إشكالياتٍ قبطيةٍ طائفيةٍ ودينيةٍ كما حدث في أزمة فيلم (بحب السيما).
ومن هنا فالمشروع الليبرالي والعلماني يناهض المرجعية الدينية عموما سواء إسلامية أو مسيحية، بالتالي فإنه فى حقيقته يعارض دور الكنيسة السياسي أو أي سلطة للكنيسة غير السلطة الروحية، مما يؤدى إلى انحصار دور الكنيسة عن الحياة والاقتصار على العبادة، إنها حقيقة دعوة إلى العلمانية داخل المسيحية وإقصائها عن الحياة فى مصر على نحو ما فعلت أوربا فى ثورتها على الكنيسة .
إن الحديث عن حقوق المسيحيين داخل المجتمع المصري هو إثارة للطائفية وفرض عزلة اجتماعية على المسيحيين فى مصر .ومحاولة للضغط على الدولة لتلبية مطالب المسيحيين مما يصب فى مصلحة العلمانية والفكر الليبرالي " وعندها ستصبح علمنة الدولة المصرية بالضغط الخارجي مرحلةً أولى تعقبها علمنةُ باقي المؤسسات المصرية وعلى رأسها الكنيسة ؛ حيث ستكسر بتقاليدها التاريخية والتراثية، فالتدخل سيَضرب مصر، أقباطَها قبل مسلميها، وإن التعاون الذي تبحث عنه بعضُ فئات الأقباط- أيًّا كان عددها- هو لصالح الغرب الأقوى والمتربِّص؛ حيث سيمكِّنه ذلك من التحكم في الجميع..(73)"

4- ادعاء تعارض المرجعية الإسلامية مع مدنية الدولة

مدنية الدولة باختصار تعنى أنها لادينية ولا عسكرية،وانطلاقا من إيمان الليبراليين بأن المرجعية الإسلامية للدولة تعنى تكريس للدولة الدينية، التى تختفي فيها الدولة المدنية وتصبح دولة دينية، وهى فى تعريفهم، أي " الدولة الدينية : هي الدولة التى يتولى فيها الحاكم السلطة باسم الدين لا باسم الشعب. وقد عرف التاريخ الإنساني نوعين من الدولة الدينية: الدولة الثيوقراطية التى يعتبر فيها الحاكم نفسه ظل الله على الأرض، فهو يحكم بالحق الإلهي ولا يحق لأحد أن يحاسبه أو يعزله..
ودولة رجال الدين، حيث يتحالف الحاكم معهم ليحكم باسم الدين، وهو يعتبر كل من يعارضه خارجا على الدين.. لم يعرف التاريخ دولة دينية عادلة أو رشيدة، بل اقترنت الدولة الدينية دائما بالظلم والاستبداد.. ويكفى أن نقارن أى دولة ديمقراطية فى أيامنا هذه بدول مثل السعودية وإيران والسودان لندرك خطورة الدولة الدينية ونتائجها السلبية على حرية الناس وإرادتهم....."..(74)
وبالتالي فإن: " الدولة المدنية الديمقراطية: هي الدولة التى تكون فيها السيادة للشعب والسلطة للأمة.دولة القانون والمؤسسات التى يستوى فيها المواطنون جميعا أمام القانون بغض النظر عن أديانهم."..(75)
ويرفض الأديب أحمد عبد المعطى حجازى المرجعية الإسلامية، لأنها فى نظره تتناقض مع مدنية الدولة، بقوله: "إذا كنا نريد حقا أن نبني دولة وطنية حديثة ننعم فيها بنظام ديمقراطي حقيقي وسلطات مدنية تصدر كلها عن الأمة ـ إذا كانت هذه هي حقا إرادتنا‏,‏ فالمرجعية الدينية التي يراد فرضها علي هذه الدولة تتناقض مع كل هذه الشروط التي نريد أن تتوافر فيها.
المرجعية الدينية تتناقض أول ماتتناقض مع الدولة الوطنية. لأن المرجعية الدينية أساس مفهوم في الدولة الدينية التي يكون فيها الدين هو الرابطة التي تجمع بين الناس, وهو الشرط الذي تتأسس عليه الحقوق والواجبات ."..(76)
ومن هنا فلا وجود للدولة المدنية فى ظل الدولة الدينية . ومهما يحاول الإخوان المسلمون التقارب والتفاهم وإعلانهم أنهم يريدون دولة مدنية بمرجعية إسلامية غير مقبول أيضا، فلابد أن تكون الدولة المدينة فى الفكر الليبرالي غير مقيدة بمرجعية إسلامية ، يقول د. علاء الأسواني :"وقد استحدث الإخوان شعارا جديدا، فهم ينادون الآن بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية.
وهذا كلام غريب فلا توجد أبدا دولة مدنية بمرجعية دينية.. ما المقصود بالضبط بالمرجعية الإسلامية..؟! إذا كان المقصود بها مبادئ الإسلام مثل العدل والحرية والمساواة فهذه هي الأسس التى تنهض عليها الدولة المدنية وبالتالي فهي لا تحتاج إلى مرجعيات إضافية.. أما إذا كان المقصود بالمرجعية الإسلامية وضع أسس مقدسة غير قابلة للنقاش وفرضها على الناس باسم الدين فإننا نكون إزاء الدولة الدينية الاستبدادية وإن تغيرت التسمية."..(77)
الليبراليون لا يريدون (المرجعية الإسلامية للدولة)، لأن المرجعية الإسلامية تقطع عليهم الطريق لوضع مبادئ باسم الدولة المدنية والحريات والمساواة مقيدة للمرجعية الإسلامية والمادة الثانية من الدستور، فكيف يقبلون بها دون قيد ؟، ولكي يخرجوا من الحرج الذى سيوجهونهم من الشعب المصري إزاء رفضهم المرجعية الإسلامية، فإنهم يعلنون أنهم ليسوا ضد المرجعية الإسلامية، لكنهم ضد دعاتها وضد من يستغلها لأغراض شخصية ويسبقون مخالفيهم الذين قد يتهمونهم بالعلمانية ومعاداة الإسلام إلى التأكيد على أنهم مسلمون أتقياء، وبالرغم من رفضهم للمرجعية الإسلامية فهم ليسوا ضد الإسلام، يقول د. علاء الأسواني : " المطالبون بالدولة المدنية ليسوا بالضرورة علمانيين أو لا دينيين، بل قد يكونون مسلمين أتقياء حريصين على دينهم، لكنهم يرفضون أن يُستعمل الدين كغطاء لحكم استبدادي عادة ما يكون قمعيا وظالما.."..(78)
وثم يوضح أن نضال الشعب المصري منذ مطلع القرن العشرين كان دائما من أجل إقامة دولة مدنية ديمقراطية وأن سعد زغلول ومصطفى النحاس وجمال عبدالناصر وأنور السادات وغيرهم من زعماء مصر نادوا بفصل الدين عن السياسة. الدولة المدنية الديمقراطية إذن ليست علمانية وليست لا دينية، وإنما هي تقف على مسافة واحدة من الأديان جميعا وتحترم مواطنيها جميعا بنفس القدر.
وفى موضع آخر يقول: " الحق أنه مما يثير الإعجاب أن نقرأ الآن كيف كان زعماء الوفد، منذ سنوات طويلة، يدافعون عن الدولة المدنية ويرفضون خلط الدين بالسياسة..(79)"
" إن الحل الوحيد للتخلص من التعصب هو إقامة الدولة المدنية التى لا يرتب فيها الدين حقوقاً سياسية، دولة القانون التى تعترف بحقوق المواطنين جميعاً بغض النظر عن اللون والجنس والدين.. الدولة المدنية ليست ملحدة ولا معادية للدين لكنها تحترم أديان المواطنين جميعاً بلا تفضيل ولا محاباة. "
" ثم يتناسى خصوم دولة المواطنة أن المصريين بما يشبه الإجماع قد انتصروا تاريخيا لدولة المواطنة..(80)
" " الطريق الوحيد للنهضة هو تطبيق مبادئ الإسلام الحقيقية: الحرية والعدل والمساواة.. وهذه لن تتحقق إلا بإقامة الدولة المدنية التى يتساوى فيها المواطنون جميعا أمام القانون، بغض النظر عن الدين والجنس واللون."..(81)
وهم يقدمون أنفسهم على أن رأيهم الصواب وما عداه خطأ، فهم دعاة الدولة المدنية والإخوان دعاة الدولة الدينية، وبتعبير آخر دولة الفقهاء،بل نجدهم يستعدون المجتمع ضدهم، فنجد من يقول : " وقد أوجزت فأوضحت في المقال المذكور أن: مصر سياسيا, أمام سكة التقدم صوب دولة المواطنة المدنية, أو سكة السقوط نحو ظلمة دولة لفقهاء.....إنه قد آن الأوان لأن يتصدى المسلمون من أبناء الأمة المصرية لفكر الدعوة إلي دولة الفقهاء...(82)"
ويقول الأديب أحمد عبد المعطي حجازي : " طبعا! الدولة المدنية لابد أن تتناقض مع الدولة الدينية, لأنها دولة الشعب بكافة دياناته ومذاهبه وطبقاته ومصالحه, وليست دولة دين بالذات أو طبقة أو فئة. لكن الدولة المدنية لا يمكن أن تتناقض مع الدين الذي ينظم علاقة المؤمن بربه, بينما تنظم الدولة علاقة المواطن بالمواطن وتضمن للجميع حرية الاعتقاد...
وهكذا كنا نستطيع أن نكتفي بما ذكرته الوثيقة (وثيقة فبراير) عن الدولة التي نريد أن نبنيها ونعتبره ضمانا لمدنيتها, لولا أن الذين أسقطوا كلمة المدنية في وثيقة فبراير أثبتوا عكسها, فاشترطوا أن يكون الإسلام هو مرجعية الدولة، وأن تكون الشريعة الإسلامية مصدر القوانين, وهو شرط يقيد السلطة التشريعية, ويعطل حق المصريين في أن يضعوا قوانينهم بأنفسهم, ويعدلوها ويغيروها كلما دعتهم إلي ذلك حاجاتهم التي تتغير وتتطور علي الدوام, أي أنه يتعارض مع وطنية الدولة وديمقراطيتها, ويحولها الي دولة دينية, ومن هنا أصبح محتما أن نتمسك بالشعار الذي رفعه الثوار مدنية.. مدنية.. مدنية!
لكن الذين صاغوا وثيقة فبراير يقولون إن المرجعية الإسلامية لا تتعارض مع مدنية الدولة ولا تحولها إلى دولة دينية, لأن الدولة الدينية في اعتقادهم هي التي يحكمها رجال الدين, وبما أن الإسلام لا يعرف رجال الدين ولا يعرف السلطة الدينية أو الكهنوتية التي عرفتها الديانات الأخرى، فالدولة الإسلامية التي تستمد قوانينها من الشريعة الإسلامية دولة مدنية! ولقد تعرضت من قبل للفقرة الأولي من هذا الكلام وفندت ما جاء فيها, لأن الدولة الدينية هي التي تحتكم للقوانين الدينية...(83)
وفى موضع آخر : "هكذا تتناقض المرجعية الدينية مع الدولة الوطنية ولا يتصور لها وجود الا في الدولة الدينية, فإذا نجحت جماعات الإسلام السياسي في فرضها علينا فلن تكون مصر دولة وطنية, وإنما سترجع القهقري وتعود دولة دينية كما كانت منذ ألف عام"..(84)


الخاتمة: الليبراليون والعلمانيون كارهون لكل ما يمت للإسلام بصلة

إن كره الليبراليون والعلمانيون للإسلام ظهر فى كتاباتهم، التى لا تعتبر اختلافا فى الرأى،بل تمتد إلى التطاول على الإسلام أحيانا، ولعل نكتفى بذكر أقوالهم حتى لا يزعم أحد أننا نتقول عليهم ما لا ينبغى، أو نلصق بهم التهم جزافا، فلنقرأ جيدا كلام أحمد عبد المعطى حجازى : " وكما تتناقض المرجعية الدينية مع الدولة الوطنية تتناقض مع النظام الديمقراطي. لأن الدين وهو يسدد خطانا في الدنيا ينظر قبل كل شئ للعالم الآخر الذي يقودنا إليه. أما الديمقراطية فتنظم علاقتنا بهذا العالم الأرضي..(85)"
" المرجعية الدينية تتناقض أول ماتتناقض مع الدولة الوطنية. لأن المرجعية الدينية أساس مفهوم في الدولة الدينية التي يكون فيها الدين هو الرابطة التي تجمع بين الناس, وهو الشرط الذي تتأسس عليه الحقوق والواجبات ."..(86) واقرأ ثانية قول علاء الأسواني : ".. سبب آخر يحيل الدين إلى أداة للعدوان، هو إقحام الدين فى معارك السياسة..(87) ، وفى موضع آخر : " الدولة المدنية التى لا يرتب فيها الدين حقوقاً سياسية..(88)
وفى قول د. خالد منتصر على قناة دريم فى برنامج العاشرة مساء أوائل مايو الماضي قال نصًا : " ما دخل الله فى السياسة ؟.
وهكذا فالدولة المدنية عند الليبراليين ترفض المرجعية الإسلامية، ويدعون فى الوقت نفسه أنها ليست علمانية ولا ضد الإسلام، ولكنها تدعو إلى الفصل بين الدين والسياسة !.
حقيقة إن هذا الكلام له خبىء معناه أن ليس لنا عقول ، إن التناقض واضح فى الكلام السابق، فكيف يرفض الليبراليون المرجعية الإسلامية للدولة، ويدعون إلى فصل الدين عن السياسة، وهم فى الوقت نفسه ليسوا علمانيين ولا ضد الإسلام . ؟!
وهم يقدمون رأيهم بصورة بعيدة عن الظهور بمظهر المعادى للإسلام، بل حماته والمدافعين عنه ضد التطرف ومن يسعون لاستغلاله لأهداف سياسية أومن يتاجرون به من الاتجاهات الإسلامية،هم لا يرفضون الإسلام، لكنهم يرفضون من يستبدون باسمه . فهم يحرصون دائما على ألا يعادون جمهور الشعب الذى لا يساوم على إسلامه وعقيدته، ولتجنب ذلك يحرصون على حذف كلمة "الإسلام " فى عرض رأيهم المخالف للمرجعية الإسلامية ، فإذا ذكرت كلمة الإسلام فى أي مكان يستبدلونها بكلمة " الدين "، فيقولون عن المرجعية الإسلامية للدولة" المرجعية الدينية ". ولا يقولون فصل الإسلام عن السياسة، بل فصل الدين عن السياسة .
لقد كان الاختلاف الفكرى للإخوان المسلمين والليبراليين والعلمانيين سببا فى رفض الليبراليين للإسلام مرجعية للدولة، ودأب العلمانيون على مهاجمة الإخوان والاتجاهات الإسلامية الأخرى، لأنهم دعاة المرجعية الإسلامية، وتشوية تاريخ المرجعية الإسلامية،وبذلك تكون المرجعية الإسلامية للدولة مستحث جديد ينبغى إبداء الرأى فيه وتكييفه وفقا للأوضاع التى يعيشها المجتمع، نظرا لأنها تجربتها التاريخية باءت فى معظم حالاتها بالفشل .
لكن ترى هل ما يسطره الليبراليون من مختلف التهم للمرجعية الإسلامية له أساس من الصحة أم أنها مجرد أضغاث أحلام تراءت لليبراليين والعلمانيين لا أساس لها من الصحة ؟
هذا ما سوف نوضحه فى الفصول التالية بإذن الله تعالى..

المراجع

مراجع الفصل الأول

(1) راجع كتابه: في النظامِ السياسي الإسلامي ص45-47.

(2) راجع رسائل الإمام حسن البنا : رسالة نظام الحكم .

(3)‏ طارق البشري: فى الجدل حول: المدنية والدينية ، جريدة الشروق، مقالات وأعمدة: الاثنين 7 نوفمبر 2011 .

(4) د. رفيق حبيب: معركة إحياء الأمة ، إخوان أون لاين 13 مايو 2011.

(5) طارق البشري: حول المادة الثانية من الدستور المصري .

(6) د‏.‏ نبيل لوقا بباوي: عمرو بن العاص وكنيسة مرقس الرسول ،الأهرام الخميس 29 من ذي القعدة 1424 هـ 22 يناير 2004 السنة 127 - العدد 42780 قضايا و آراء.

(7) طارق البشري: فى الجدل حول: المدنية والدينية ، جريدة الشروق .

(8) د‏.‏ نبيل لوقا بباوي: عمرو بن العاص وكنيسة مرقس الرسول.

(9) طارق البشري: حول المادة الثانية من الدستور المصري .

(10) برنامج حزب الحرية والعدالة.

(11) خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين في حوار شامل: مجلة المجتمع الكويتية . بتاريخ 23/7/2011.

(12)راجع : برنامج حزب الحرية والعدالة .

(13) راجع : رسائل الإمام حسن البنا : رسالة نحو النور.

(14) راجع : برنامج حزب الحرية والعدالة.

(15) د‏.‏ نبيل لوقا بباوي: عمرو بن العاص وكنيسة مرقس الرسول.

(16) رسائل الإمام حسن البنا : رسالة نحو النور.

(17) د. محمد عمارة: طه حسين والحكومة الإسلامية ، جريدة المصريون بتاريخ 09-08 -2011.

(18 ) طارق البشري: حول المادة الثانية من الدستور المصري .

(19)د. محمد عمارة: شهادات قبطية للمرجعية الإسلامية ،الأهرام بتاريخ 7 من ذي القعدة 1432هـ / 5 من أكتوبر 2011م الصفحة الأولى قضايا وآراء.

(20) طارق البشري: حول المادة الثانية من الدستور المصري .

(21) إبراهيم فتحي: اجتهادات متصارعة حول الدستور الإسلامي اجتهادات متصارعة حول الدستور الإسلامي ،الأهرام 8 من ذي القعدة 1432هـ / 6 من أكتوبر 2011 صفحة الكتاب .

(22)د. محمد عمارة: يجهله الإسلاميون.. ويتجاهله العلمانيون ، جريدة المصريون ، القاهرة ، 16/8/2011.

(23) طارق البشري: حول المادة الثانية من الدستور المصري .

(24) راجع : الموسوعة الحرة : دستور 1971.

(25) د.إبراهيم البيومى غانم : مبادئ المرجعية الإسلامية للدولة المدنية ،الأهرام 21 من رجب 1432هـ/ 23 من من يونيو 2011 صفحة الكتاب.

(26) راجع : برنامج حزب الحرية والعدالة الباب الثاني :الدولة والمبادئ السياسية ـ الفصل الأول: الدولة : خصائص الدولة.

(27) د. محمد عمارة : السياسة الشرعية عند الشيخ خلاف ، جريدة الأهرام :الأربعاء 32من شوال 1432 هـ / 21 من سبتمبر 2011 قضايا وآراء .

(28)مصطلح يعنى : حكم رجال الدين فى الدولة التي تمارس الحكم الإلهي وفيها يحكم الحاكم باسم الله ويكون نائباً عن الله في حكم المجتمع، ويكتسب الحاكم وقوانينه وممارساته قداسة مطلقة هي من قداسة الله تعالى ذاته، وهذا النوع من الدولة الدينية هو الذي كان سائداً في أوربا في العصور الوسطي.راجع : الدكتور علاء سعد حسن : الدولة في الإسلام دولة مدنية حصريا.. ولا دولة دينية في الإسلام5/ 3/ 2011..

(29) حوار المرشد العام للإخوان لوكالة الأنباء الألمانية: الفلول سبب الفوضى ، اخوان أون لاين بتاريخ 12/9/ 2011

(30) راجع : برنامج حزب الحرية والعدالة.

(31) راجع :الدكتور علاء سعد حسن: الدولة في الإسلام دولة مدنية حصريا.. ولا دولة دينية في الإسلام 5/ 3/ 2011.

(32) الأخبار: بديع: الإسلام لا يعرف إلا الدولة المدنية ولا خوف من نظام الحكم الإسلامي . الأربعاء 13 يوليو 2011.

(33) راجع : الدكتورُ يوسف القرضاوي: في النظامِ السياسيِ الإسلاميِ ص45-47.

(34) الهوية المأزومة بين العصبة والدولة: موقع الحزيرة نت ،الخميس 26/2/1428 هـ - الموافق 15/3/2007م: وجهات نظر.

(35) راشد الغنوشي: الإسلام والمواطنة موقع الجزيرة.نت ، السبت 22/7/1431 هـ - الموافق 3/7/2010م تحت موضوع : وجهات نظر.

(36) د. محمد عمارة : حقوق المواطنة في الإسلام .

(37)د. جعفر شيخ إدريس : المواطنة والهوية ، مجلة البيان العدد 211 ربيع الأول 1426 هـ / 2006م

(38) رسائل الإمام الشهيد حسن البنا: رسالة إلى الشباب عامة وإلى الطلبة خاصة ، طبعة مركز البصائر ، دار التوزيع الإسلامية بالقاهرة ،2006م ، ص 420.

(39) مجلة النذير ، العدد (36) ، السنة الثانية 17 من رمضان 1358هـ / 31 من أكتوبر 1939 ، (نحو النور) ص 3ـ 18 ، وقد جمعت فى رسائل الإمام الشهيد حسن البنا : رسالة نحو النور - موقف الإسلام من الأقليات والأجانب ، ص169 ـ 170.

(40)رسائل الإمام حسن البنا : رسالة إلى الشباب عامة وإلى الطلبة خاصة ، ص 420 ، طبعة مركز البصائر ، دار التوزيع الإسلامية بالقاهرة ،2006م ، ص426.

(41) أصول الإسلام كنظام اجتماعي: إعلان الأخوة الإنسانية والتبشير بفكرة العالمية مجلة الشهاب ، السنة الأولى ، العدد الثالث الأول من ربيع الأول 1367هـ /13 من يناير 1948م ص (46ـ 55) : وتم نشرها فى الكتاب الخامس عشر من تراث الإمام البنا ،إعداد :مركز ، البصائر للبحوث والدراسات ، دار التوزيع والنشر الإسلامية ، القاهرة ، 2006م . ص 680 ـ 683 .

(42) السعيد رمضان العبادي: الإخوان وبناء الكنائس .. حقائق للتاريخ ،موقع إخوان ويكي.

(43) راجع :د/ محمد عبد الرحمن عضو مكتب الإرشاد فى مقاله: الإمام حسن البنا وشركاء الوطن 1-2

(44) راجع : برنامج حزب الحرية والعدالة.

(45) راجع : السابق.

(46)راجع : السابق.

(47)راجع : السابق.

(48) راجع : السابق.

(49) راشد الغنوشي: الإسلام والمواطنة موقع الجزيرة.نت

(50) طارق البشري: حول المادة الثانية من الدستور المصري .

(51)راجع : برنامج حزب الحرية والعدالة.

(52) مجلة النذير ، العد (35) السنة الأولى ، 17 من ذى الحجة 1357هـ / 7 فبراير 1939 ص 3ـ34. تحت عنوان : (الإخوان المسلمون فى عشر سنوات (1347ـ 1357هـ )ـ الإخوان المسلمون والدستور المصري ، وجمعت فى رسائل الإمام البنا تحت اسم: (رسالة المؤتمر الخامسالإخوان المسلمون والدستور المصري .ص 356ـ358.

(53) الإخوان المسلمون والقانون ص 359ـ360.

(54) رسالة من الأستاذ محمد مهدي عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين، منشورة على موقع إخوان ويكى .

(55) برنامج حزب الحرية والعدالة ، موقع الحزب ، الباب الثاني :الدولة والمبادئ السياسية ـ الفصل الأول: الدولة : خصائص الدولة.

(56) الإخوان‏: 6‏ دلالات لمحاكمة مبارك‏..‏ والشعب المصري أثبت تحضره ، الأهرام 5رمضان 1432هـ / 5 أغسطس 2011م المشهد السياسي

(57) رسالة من أ.د. محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين : في ذكرى استشهاده ... الإمام البنا وقضايا الأمة ، موقع إخوان ويكى .

(58) رسائل الإمام حسن البنا : رسالة المؤتمر الخامس ،ص 350 وما بعدها، طبعة مركز البصائر .

(59) رسالة نظام الحكم .ص 670 وما بعده ، طبعة مركز البصائر .

(60) رسالة الأستاذ محمد مهدي عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين بعنوان : الحرية كما يراها الإخوان المسلمون، موقع إخوان أون لاين .

(61) رسالة من الأستاذ محمد مهدي عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين، منشورة على موقع إخوان ويكى .

(62) راجع : الدكتورُ يوسف القرضاوي: في النظامِ السياسيِ الإسلاميِ ص45-47.

(63)راجع : برنامج حزب الحرية والعدالة .

(64) السابق : الفصل الثالث : تحت عنوان : الأهداف .

(65) محمد الخضر حسين: الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان ، تقديم وتحقيق : د. محمد عمارة ، دار نهضة مصر، القاهرة 1999 ص18.

(66) طارق البشري: حول المادة الثانية من الدستور المصري .

(67) د. محمد عمارة: السياسة الشرعية عند الشيخ خلاف ،جريدة الأهرام :الأربعاء 32من شوال 1432 هـ / 21 من سبتمبر 2011 قضايا وآراء .

(68) د. محمد عمارة: السياسة الشرعية عند الشيخ خلاف ، جريدة الأهرام :الأربعاء 32من شوال 1432 هـ / 21 من سبتمبر 2011 قضايا وآراء .

(69) السياسة الشرعية عند الشيخ خلاف ، جريدة الأهرام :الأربعاء 32من شوال 1432 هـ / 21 من سبتمبر 2011 قضايا وآراء .

(70) رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين ـ كلمة المرشد ـ السياسة الداخلية ، طبعة مركز البصائر ، ص 230 .

(71) رسالة من أ.د. محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين : في ذكرى استشهاده .. الإمام البنا وقضايا الأمة.

(72) د. سيد الفضلي : الإخوان المسلمون والإصلاح السياسي.

(73) المصدر السابق ص 658.

(74) رسالة نظام الحكم. نشرت فى جريدة الإخوان المسلمين اليومية ، العدد ( 480) 12 من محرم 1367هـ / 25 نوفمبر 1947م ص 1، 5.ونشرت فى الرسائل، طبعة مركز البصائر ص 657.

(75) برنامج حزب الحرية والعدالة ، الباب الثاني :الدولة والمبادئ السياسية ـ الفصل الأول: الدولة : طبيعة النظام السياسى للدولة.

(76) رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين عام 1937م.

(77) رسالة نحو النور.

(78) رسالة دعوتنا.

(79) رسالة اجتماع رؤساء المناطق والشعب عام 1945م.

(80) رسالة نحو النور.

(81) رسالة اجتماع رؤساء المناطق والشعب عام 1945م.

(82) رسالة إلى الشباب.

(83) رسالة إلى الشباب.

(84) رسالة اجتماع رؤساء المناطق والشعب عام 1945م.

(85) رسالة نحو النور.

(86) رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي – بعنوان ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد.

(87) رسالة الأستاذ محمد مهدي عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين، منشورة على موقع إخوان ويكى .


مراجع الفصل الثاني

1- د. رفيق حبيب : التلازم بين العلمانية والاستبداد ، صحيفة المصريون الالكترونية بتاريخ 7/9 /2011.

2- د. رفيق حبيب يكتب: التصور العلماني للدستور.

3- راجع : د/ حازم الببلاوى : بين الليبرالية واليسار ، جريدة الشروق المصرية بتاريخ 2 من أبريل 2011.

4- راجع: الموسوعة الحرة : الليبرالية.

5- راجع : الموسوعة الحرة : حزب الوفد. تأسس حزب الوفد الليبرالي سنة 1976 ، لكن السادات مارس ضغوطه على الحزب مما أدى إلى إعلان الحزب نفسه عن تجميد نشاطه نتيجة للمضايقات التى تعرض لها ،وعاد إلى نشاطه السياسي سنة 1984 ، وهكذا أصبحت الحياة السياسة حسب رأى وإرادة وتوجيه حاكم الدولة ورضاه.

6- راجع : برنامج حزب الجبهة الديمقراطية فى السياسة الداخلية : موقع الحزب.

7- راجع : حزب المصريين الأحرار: برنامج الحزب على موقعه.

8- راجع : الموسوعة الحرة : حزب الغد.

9- وهم يتحدثون عن حقوق المسيحيين فى مصر بصورة هجومية،كأنهم أوصياء عنهم ، ويتبنون نفس نهج الدوائر المعادية لمصر في الخارج زاعمين أن المسيحيين في مصر مضطهدون وممنوعون من بناء دور العبادة الخاصة بهم ومن حرية العقيدة، وقد كرر ذلك د. عمرو حمزاوي مراراً وآخرها في محاضرته الأخيرة بالكاتدارئية المرقصية بالعباسية .وفي هذه المحاضرة قال محرضا المسيحيين " ليس هناك خط أحمر".. وهو هنا يشير إلى المادة الثانية من الدستور التي يهاجمها بضراوة ويطالب بحذفها نهائيا، ليس ما يخص الشريعة الإسلامية فقط باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، وإنما ما يخص أيضا الإسلام كدين رسمي للدولة. راجع : موقع المعرفة : عمرو حمزاوي ، من المآخذ على عمرو حمزاوي.

10- د. عمرو حمزاوي: الليبرالية ، بتاريخ 5 أبريل 2011.

11- د/ علاء الأسواني: هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة ؟! ، بتاريخ ١٤/ ٦ / ٢٠١١.

12- الموسوعة الحرة : الليبرالية.

13- الموسوعة الحرة : الليبرالية.

14- الموسوعة الحرة : الليبرالية.

15- يشير د/ حازم الببلاوي إلى أننا استعرنا تعبير «اليسار» و«اليمين» من التقاليد الأوروبية فى مجالس الحكم. وجرت العادة فى هذه المجالس، خاصة فى انجلترا وفرنسا، أن يجلس الموافقون على جانب على «اليمين» والمعارضون على «اليسار». وهكذا أصبح مفهوم «اليمين» هو أنصار «المحافظة» على الأوضاع القائمة وتأييد الحاكم، كما أصبح «اليسار» هو أنصار المطالبين بالتغيير ومعارضة الحكومة.

وفى انجلترا، وهى أم الديمقراطيات الحديثة، كان الحكم مستقرا فى العائلات المالكة ويحيطها النبلاء من أصحاب الأراضي الزراعية الشاسعة. وكان هؤلاء النبلاء هم المدافعون بشكل عام على حماية الأوضاع القديمة، فهم المحافظون Tories أسلاف حزب المحافظين البريطاني الحالي، فى حين كان الأحرار (الليبرالية) Whigs هم ممثلو الطبقات الجديدة خاصة من التجار والصناعيين وأصحاب المهن الحرة، والمطالبين بالتغيير وبالديمقراطية الليبرالية.

وهكذا بدأت " الليبرالية" كأحزاب «يسار» ومعارضة تطالب بالتغيير والتحرر من سيطرة طبقة النبلاء وكبار الملاك المزارعين المطالبين بحرية التجارة وحرية التعبير وحرية الانتقال. وقامت الثورة الفرنسية كأكبر حركة يسارية فى ذلك الوقت رافعة شعار «الحرية والمساواة والإخاء». وهكذا كانت الديمقراطية السياسية هي المطلب الأول لليسار. د/ حازم الببلاوي : بين الليبرالية واليسار ، جريدة الشروق المصرية بتاريخ 2 أبريل 2011.

16- راجع الموسوعة الحرة : الليبرالية .

17- جمال أحمد عبد الرحمن البنا كاتب مصري ولد سنة 1920م . وهو الشقيق الأصغر لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمون إلا أنه يختلف مع فكرهم. عمل محاضرًا في الجامعة العمالية والمعاهد المتخصصة ، و خبيرًا بمنظمة العمل العربية ، ثم تفرغ للكتابة والتأليف . تجاوزت مؤلفاته ومترجماته 150 كتابا ، منها : " الإسلام والعقلانية."، و" قضية الفقه الجديد." ،و" حرية الاعتقاد في الإسلام." ،و" قيمة العدل في الفكر الأوروبي والفكر الإسلامي." ، و" نحو فقه جديد (3 أجزاء)." ،و"الأصول الفكرية للدولة الإسلامية." ،و " المعارضة العمالية في عهد لينين." ، و" هل يمكن تطبيق الشريعة ؟." راجع : الموسوعة الحرة : جمال البنا .

18- د/ علاء الأسواني: هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة ؟! ، بتاريخ ١٤/ ٦ / 2011.

19- د. رفيق حبيب : التلازم بين العلمانية والاستبداد ، صحيفة المصريون الالكترونية بتاريخ 7/9 /2011.

20- قام عبد الناصر بتدبير خطة لاتهام الإخوان المسلمين بمحاولة قتله أثناء إلقاء خطابه فى المنشية بالإسكندرية، وتم عقبه اعتقال كل من ينتمى للإخوان فى السجون . وبذلك تخلص عبد الناصر من الإخوان ومارس ضده وأسرهم سياسة القمع والإرهاب والتعذيب فى المعتقلات ، ولم يخرجوا إلا فى أوائل حكم السادات . واستمر الحكم العسكرى فى مصر حتى سقوط مبارك.

21- د. رفيق حبيب : الإصلاح السياسي بين الإسلامي والعلماني ، صحيفة الدستور ، 5/6/ 2010.

22- د.إبراهيم البيومى غانم : مبادئ المرجعية الإسلامية للدولة المدنية ،الأهرام 21 من رجب 1432هـ/ 23 من يونيو 2011 صفحة الكتاب .

23- د. رفيق حبيب يكتب: التصور العلماني للدستور.

24- د. وحيد عبد المجيد: الليبراليون والشريعة الإسلامية‏..‏ والاستقلال القانوني الأهرام 9 من رمضان 1432هـ / 9 من أغسطس 2011 قضايا وآراء.

25- د. رفيق حبيب الإخوان والأمة.. تمدد الجذور ،إخوان أون لاين.

26- د. رفيق حبيب : الإسلاميون.. تحديات وبدائل (1) اخوان اون لاين.

27- د. رفيق حبيب يكتب: مشاهدات عن الإخوان والسياسة .. رأي ورؤى (1)، 25/9/2011م.

28- تعبر الاتجاهات الليبرالية والعلمانية والشيوعية عن موقف مشترك هو رفض المرجعية الإسلامية للدولة ، والهجوم عليها بوسائل متنوعة ، لذلك فإن كلامهم جميعا واحد فى اعتبار المرجعية الإسلامية للدولة تكريس للدولة الدينية ،ومن هذا المنطلق فإننا سنعرض لأرائهم فى رفض المرجعية الإسلامية للدولة ثم نتناولها بالمناقشة .

29- جريدة اليوم السابع 18/2/2011.، وقد أعلن المهندس نجيب ساويرس أنه الممول الأساسي لحزب النهضة منذ إنشائه حتى الآن، وقد اعترف د. أسامة الغزالي حرب بذلك. ترى ، هل طالب الدكتور أسامة الغزالي حرب بإلغاء المادة الثانية من الدستور مجاملة لنجيب ساويرس الذى ينفق على حزبه ؟ ، فالمثل الشعبي القائل : من لا يملك قوته لا يملك حريته ، وإذا لم يكن طعامك من فأسك ، فليس قولك من رأسك .

30- حديث له موجود على الانترنت .

31- د. رفيق حبيب يكتب: التصور العلماني للدستور. ، الأحد 3 يوليو 2011.

32- السابق .

33- د . رفيق حبيب : إنزلاق المجلس العسكري.

34- د. رفيق حبيب يكتب: التصور العلماني للدستور.

35- السابق ..

36- السابق ..

37- د‏.‏ طه عبد العليم: الأمة المصرية‏..‏ عنوان الهوية والانتماء والولاء ، الأهرام 6من شوال 1432هـ / 4 من سبتمبر 2011 الكتاب.

38- طارق البشرى : مصر وماذا يراد بها2من2 خطيئة «وثيقة السلمى» ، صحيفة الشروق المصرية، السبت 12 نوفمبر 2011.

39- صحيفة اليوم السابع الأربعاء، 16 نوفمبر 2011 تحت عنوان : ننشر النص الكامل لـ"وثيقة السلمى" النهائية قبل عرضها على "العسكرى".. تعديلات على المادتين "9 و10".. وبند جديد يكشف تحولها من استرشادية لـ"إلزامية".. وتعديلات موسعة على معايير الهيئة التأسيسية .

40- د . رفيق حبيب : إنزلاق المجلس العسكري.

41- لم تكن المشاركة مقتصرة على الإخوان المسلمون والاتجاهات الإسلامية الأخرى ، بل شارك فى المليونية حزب الغد الليبرالى والاشتراكيون وحركة 6 أبريل ، وأحزاب أخرى .

42- طارق البشرى : مصر وماذا يراد بها2 خطيئة «وثيقة السلمى» ، السبت 12 نوفمبر 2011.

43- د. رفيق حبيب يكتب: التصور العلماني للدستور.

44- د‏.‏ طه عبد العليم: نقد نقاد إعلان الأمة المصرية عنوان الهوية ، جريدة الأهرام الأحد 13 من شوال 1432هـ / 11 من سبتمبر 2011م .| الكتاب...من الملاحظ أن الليبراليون والعلمانيون يحذون كلمة "إسلامية " بكلمة " دينية "، فلم يقل أحد فى جمعة 29 / 7/2011 :" دينية ..دينية " ، بل قالوا " إسلامية ..إسلامية ".

45- د‏.‏طه عبد العليم : الحق والباطل في مسألة هوية مصر ، الأهرام 30 من شعبان 1432هـ / 31 من يوليو 2011م صفحة : الكتاب .

46- د‏.‏ طه عبد العليم: الحق والباطل في مسألة هوية مصر ...وقوله :" وبعد ثورة25 يناير وبفضلها, ورغم تأخر لحاق الجماعة بها " إنما هو جهل بالحقائق ، ولو بحث عن دور الإخوان فىثورة 25 يناير على الانترنت واليوتيوب لاتضح له ذلك قبل يوم 25 يناير وما هو عنا ببعيد ؟ ، وإذا كان يزيف تاريخ الإخوان من شهور ،فكيف به إذا كتب عن تاريخ الإخوان من عشرات السنين ؟؟ ، وهناك الكثير من البحوث حديثا والشهادات التى توضح دور الإخوان فى ثورة 25 يناير وأغمض الكاتب عينها ليزل قلمه .

راجع:محمد الصياد : الإخوان وثورة يناير .. صناعة موقف وتغيير مسار ، موقع إخوان ويكى .وأيضا جريدة المصري اليوم تحت عنوان: " إنـذار .. الآلاف يتظاهرون ضد الفقر والبطالة والغلاء والفساد.. ويطالبون برحيل الحكومة " بتاريخ٢٦/ ١/ ٢٠١١،ومما جاء فيه " ميدان التحرير شهد اشتباكات بين الأمن والمتظاهرين ومحاولات لتفريق المئات بالقنابل المسيلة للدموع «أ.ف.ب»وجَّه آلاف المواطنين رسالة شديدة اللهجة للحكومة، فى مظاهرات «يوم الغضب»، التى شهدتها القاهرة، ومعظم المحافظات أمس... كانت الدعوة لـ«يوم الغضب» قد بدأت بمبادرة من بعض الحركات الاحتجاجية والقوى السياسية المعارضة بعد ثورة تونس، واختار الداعون إليه يوم «٢٥ يناير» المواكب لاحتفالات عيد الشرطة، للتعبير عن غضبهم من سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية فى مصر، واستجاب للدعوة جماعة الإخوان وحركات «كفاية» و«شباب ٦ أبريل» و«الاشتراكيين الثوريين» وعدد من الأحزاب."

والمصري اليوم أيضا تحت عنوان :" المتظاهرون والأمن فى اليوم الثاني: لا تراجع.. ولا استسلام بتاريخ" بتاريخ 27 يناير 2011م. ومما جاء فيه : " تجددت مظاهرات «الغضب» فى القاهرة وعدد من المحافظات، أمس لليوم الثاني على التوالي، رغم حصار الأمن لشوارع وميادين العاصمة، ووقعت اشتباكات بين مئات المتظاهرين وقوات الأمن أمام دار القضاء العالي، وحاصر الأمن العشرات داخل نقابة الصحفيين، والمئات فى نقابة المحامين.....من جانبه، وصف الحزب الوطني الديمقراطي مظاهرات الثلاثاء(25 يناير) بأنها «جزء من التطور الديمقراطي الذى يؤمن به الحزب». وأضاف فى بيان أمس: «حزب الأغلبية يتسع صدره لمطالب الشباب ويتفهمها».. لكنه يرفض اللجوء إلى العنف وتخريب الممتلكات العامة والإخلال بأمن المجتمع، ويرفض دعوات التحريض والإثارة التى تقوم بها جماعة الإخوان المحظورة لاستغلال الشباب فى تنفيذ أجندة الفوضى ".أبعد هذا دليل على كذب من يدعى أن الإخوان لم يلتحقوا بالثورة فى بدايتها ؟.

47- د‏.‏ طه عبد العليم : أقباط مصر بعد الفتح العربي ،الأهرام الأحد 27 من شوال 1432هـ / 25 من سبتمبر 2011 صفحة : الكتاب ، ص12.

48- د‏.‏ طه عبد العليم: الأمة المصرية‏..‏ عنوان الهوية والانتماء والولاء ، الأهرام 6من شوال 1432هـ / 4 من سبتمبر 2011 الكتاب.

49- د‏.‏ طه عبد العليم: السابق .

50- د‏.‏ طه عبد العليم: الأمة المصرية‏..‏ عنوان الهوية والانتماء والولاء ، الأهرام 6من شوال 1432هـ / 4 من سبتمبر 2011 الكتاب.

51- أحمد عبد المعطي حجازي : مصـــــر هـي مرجعيتنـــــا ‏(2)‏ الأهرام الأربعاء 13 من ذى الحجة 1432هـ / 9 من نوفمبر 2011، صفحة الكتاب ، ص12

52- أحمد عبد المعطي حجازي : مصـــــر هـي مرجعيتنـــــا ‏(2)‏ الأهرام الأربعاء 13 من ذى الحجة 1432هـ / 9 من نوفمبر 2011، صفحة الكتاب ، ص12

53- د. رفيق حبيب : الإصلاح السياسي بين الإسلامي والعلماني ، صحيفة الأهرام، 5/6/ 2010.

54- د. وحيد عبد المجيد: الليبراليون والشريعة الإسلامية‏..‏ والاستقلال القانوني ،الأهرام 9 من رمضان 1432هـ / 9 من أغسطس 2011 قضايا وآراء.

55- الإسلام والعلمانية وجها لوجه ،موقع القرضاوى .

56- : موقف الإخوان المسلمين من الدولة الدينية ، موقع إخوان ويكى تحت باب (أحداث صنعت التاريخ) فى موضعه بحرف الميم

57- د‏.‏ طه عبد العليم : نقد نقاد إعلان الأمة المصرية عنوان الهوية ،الأهرام الأحد 13 من شوال 1432هـ / 11من سبتمبر 2011م .صفحة الكتاب.

58- د‏.‏ طه عبد العليم : الحق والباطل في مسألة هوية مصر،الأهرام 30 من شعبان 1432هـ /31 من يوليو 2011، صفحة الكتاب .

59- كان من الجانب الإسلامى الشيخ الغزالي و د. محمد عمارة والمستشار محمد المأمون الهضيبي ومن الجانب العلماني د. فرج فودة وأدار المناظرة د. سمير سرحان

60- د‏.‏ طه عبد العليم: نقد نقاد دولة المواطنة‏..‏ مرة أخري‏!‏ الأهرام 7جمادى الأخر 1432هـ / 10 مايو 2011 الكتاب.

61- د. علاء الأسواني: حتى لا نستبدل استبداداً باستبداد ، المصري اليوم ٢٤ / ٥/ ٢٠١١.

62- د‏.‏ طه عبد العليم: نقد نقاد دولة المواطنة‏..‏ مرة أخري‏!‏ الأهرام 7جمادى الأخر 1432هـ / 10 مايو 2011 الكتاب.

63- الأهرام اليومي بتاريخ الاثنين 28 من شعبان 1432هـ/ 29 من يوليو 2011 .

64- الأهرام اليومي بتاريخ الجمعة 12من رمضان 1432هـ / 12 من أغسطس 2011.

65- الأهرام اليومي بتاريخ الاثنين 14 من شوال 1432هـ/ 12 من سبتمبر 2011 .

66- الأهرام اليومي بتاريخ الاثنين 18 من ذي القعدة 1432هـ/ 16 من أكتوبر 2011.

67- الأهرام اليومي بتاريخ الاثنين 28 من ذي القعدة 1432هـ/ 26 من أكتوبر 2011 .

68- د. علاء الأسواني  : هل نحارب طواحين الهواء..؟! ، جريدة المصري اليوم ٣١/ ٥/ 2011.

69- د‏.‏ طه عبد العليم: الحق والباطل في مسألة هوية مصر الأهرام 30 من شعبان 1432هـ / 31من يوليو 2011م، صفحة : الكتاب

70- شريف الشوباشي : ما هي العلمانية؟‏(2) الأهرام 25 من ذى الحجة 1431هـ / 1 من ديسمبر 2010م ، صفحة: الكتاب .

71- جريدة "الأهرام اليومية بتاريخ 2/9/1986م.

72- د. رفيق حبيب: الشريعة صمام أمان المسيحية في مصر.

73- د. رفيق حبيب: السابق

74- د/ علاء الأسواني: هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة ؟! ، بتاريخ ١٤/ ٦ / ٢٠١١.

75- د/ علاء الأسواني: هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة ؟! ، بتاريخ ١٤/ ٦ / ٢٠١١.

76- أحمد عبد المعطي حجازي : مصـــــر هـي مرجعيتنـــــا ‏(2)‏ الأهرام الأربعاء 13 من ذى الحجة 1432هـ / 9 من نوفمبر 2011، صفحة الكتاب ، ص12

77- د/ علاء الأسواني: هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة ؟! ، بتاريخ ١٤/ ٦ / ٢٠١١.

78- د/ علاء الأسواني: هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة ؟! ، بتاريخ ١٤/ ٦ / ٢٠١١.

79- د. علاء الأسواني: حتى لا نستبدل استبداداً باستبداد ، المصري اليوم ٢٤ / ٥/ ٢٠١١.ويستدل هو والليبراليون بموقف تاريخي يرددونه جميعًا ، فهو عندهم موقف مقدس ، فيقول : فى عام ١٩٣٧ أراد الملك فاروق أن يحتفل بجلوسه على العرش فى القلعة ليوحى بأنه خليفة المسلمين، وهنا احتج رئيس الوزراء زعيم الوفد مصطفى النحاس لأن الدولة فى مصر مدنية، وأصر على أن يكون جلوس الملك أمام البرلمان الذى يمثل الشعب.. حكاية أخرى معروفة: ذهب أحد السياسيين الشبان ليعرض برنامجه على مصطفى النحاس الذى ما إن بدأ فى قراءة البرنامج حتى طواه وأعاده لصاحبه قائلا:

لماذا تتحدث عن الله فى برنامج انتخابي؟! عندما تذكر لفظ الجلالة فى ورقة سياسية تتحول فوراً إلى دجال يتاجر بعواطف الناس الدينية.

بقى أن نعلم أن مصطفى النحاس كان ورعاً متديناً يحافظ على فروض الإسلام جميعاً، لكنه كان يعلم خطورة استعمال الدين من أجل الوصول إلى الحكم.

إن عبور مصر إلى المستقبل يستلزم إقامة ديمقراطية سليمة لا يمكن أن تتحقق إلا فى دولة مدنية.. إن تجارب الدول الدينية فى العالم مثل السعودية وإيران والسودان تدل بوضوح على أن الحكم باسم الدين يؤدى دائماً إلى التعصب والطائفية والاستبداد والقمع.

80- د‏.‏ طه عبد العليم: الأمة المصرية‏..‏ عنوان الهوية والانتماء والولاء ، الأهرام 6 من شوال 1432هـ / 4 من سبتمبر 2011 صفحة : الكتاب .

81- د. علاء الأسواني  : هل نحارب طواحين الهواء..؟! ،

82- د‏.‏ طه عبد العليم: نقد نقاد دولة المواطنة‏..‏ مرة أخري‏!‏ الأهرام 7جمادى الأخر 1432هـ / 10 مايو 2011 الكتاب.

83- أحمد عبد المعطي حجازي : مدنية‏..‏ مدنية‏..‏ مدنية‏!‏ الأهرام 19من شعبان 1432هـ / 20 من يوليو 2011، صفحة الكتاب ، ص 12.

84- أحمد عبد المعطي حجازي : مصـــــر هـي مرجعيتنـــــا ‏(2)‏ الأهرام الأربعاء 13 من ذى الحجة 1432هـ / 9 من نوفمبر 2011، صفحة الكتاب ، ص12

85- أحمد عبد المعطي حجازي : مصـــــر هـي مرجعيتنـــــا ‏(2)‏ الأهرام الأربعاء 13 من ذى الحجة 1432هـ / 9 من نوفمبر 2011، صفحة الكتاب ، ص12

86- أحمد عبد المعطي حجازي : مصـــــر هـي مرجعيتنـــــا ‏(2)‏ الأهرام الأربعاء 13 من ذى الحجة 1432هـ / 9 من نوفمبر 2011، صفحة الكتاب ، ص12

87- د. علاء الأسواني: حتى لا نستبدل استبداداً باستبداد ، المصري اليوم ٢٤ / ٥/ 2011.

88- د/ علاء الأسواني: هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة ؟! ، بتاريخ ١٤/ ٦ / 2011.