المزورون يدفعون الثمن

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المزورون يدفعون الثمن.. في بلاد أخري!!


بقلم:أ.أحمد عبد التواب

إلي متي تستمر مصر ضحية لجريمة تزوير الانتخابات؟ أم هو قَدَر أبدي؟ وهل هناك أمل أن نصل يوماً ما إلي صيغة ما تضمن ألا يتكرر الأمر، أو علي الأقل إنزال العقاب الذي يليق بهذه الجريمة ضد من تسول له نفسه اغتصاب إرادة الشعب؟ وهل يمكن أن تري هذه الأجيال انتخابات يترك فيها الحكام كراسيهم ويشرفون بأنفسهم علي تسليم السلطة لمن خسروا أمهامهم؟ وكيف تتحقق هذه الأحلام إذا كنا لا نزال في زمن يرفل فيه المزورون في نعيم البطلان بينما يدفع الشعب غرامة التزوير من المال العام؟ أم أن الحلم بذلك لا يجوز وأنه ليس هنالك إلا الإذعان لحكمة فلاسفة جماعة الحكم الذين يؤكدون، زوراً وبهتاناً، أن تنفيذ الديمقراطية مرهون بتحقق ظروف موضوعية لا توجد بعد في مصر؟

وقد قالها السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد نظيف إن الشعب لم ينضج بعد للمارسة الديمقراطية، ولم يتراجع عن رأيه أو يحاول إعادة صياغته بشكل يراعي مشاعر الناس واعتبارهم لأنفسهم، كما أن أحداً من مُنَظّري أمانة السياسات لم يتنصل من هذا الكلام أو حتي يحاول نفض فجاجته، مما يعني أنها مقولة أساسية في كتاب الفكر الجديد ضمن باب كيف تحتقر شعبك وتحكمه إلي الأبد!

آخر الردود المفحمة علي كل هذه الأسئلة وتلك العجائب وما يشابهها يجيئ هذه المرة من تايلاند بجنوبي شرق آسيا، حيث قضت محكمتها الدستورية العليا يوم الثلاثاء الماضي بحل الائتلاف الحاكم بعد أن ثبت ضد بعض أحزابه التورط في عمليات تزوير الانتخابات التي جرت العام الماضي، وهو ما ترتب عليه فوراً منع رئيس الوزراء و59 مسئولاً آخرين منهم 24 نائباً في البرلمان من ممارسة العمل السياسي لمدة 5 سنوات! وقال القاضي إن المحكمة بهذا الحكم تضع نموذجاً ومعياراً سياسياً بأن الأحزاب غير النزيهة تدمر النظام الديمقراطي في البلاد! وأضاف قوله: "ليس أمام المحكمة خيار آخر!".

وجاء الحكم بناءً علي تعديل دستوري تم إقراره عام 2007، بضغط من الجيش، لوضع حدٍ للمزورين المتساهلين في جريمة تزوير الانتخابات، فجاء النص علي عقوبة حل أي حزب يُدان أحد مسئوليه بتزوير الانتخابات!

واللافت أن المزورين الذين يحكمون البلاد حاولوا أقصي طاقتهم إرهاب المحكمة وتخويف قضاتها، وحشدوا لهم البلطجية التايلانديين وحاصروا مبني المحكمة الدستورية، مما دعا هيئة المحكمة إلي الانتقال إلي محكمة أخري للنطق بالحكم التاريخي! ثم كانت المفاجأة بعد صدور قرار المحكمة أن أعلن رئيس الوزراء سومشاي وونجست امتثاله للحكم وقبول تنفيذه، وقال، طبقاً لما نشرته "الأهرام"، إن مهمته انتهت وإنه سيصبح مواطناً عادياً! وصدر قرار رسمي بإجراء انتخاب رئيس وزراء جديد في 8 ديسمبر الجاري، علي أن يتولي خلال الفترة الانتقالية نائب رئيس الوزراء القيام بأعمال رئيس الوزراء المقال.

وأما المعارضون أصحاب الدعوي بالطعن في نتائج الانتخابات، فقد أعربوا عن ابتهاجهم بحكم القضاء، الذي جاء بعد أشهر من نظر القضية التي اعتمدت فيها المحكمة حججهم وأدلتهم، وقال أحد زعماء المعارضة: "لقد حققنا النصر، كما حققنا أهدافنا". وأعلنوا عن وقف كل أعمالهم الاحتجاجية بعد حملتهم التي استمرت 192 يوماً.

والجدير بالذكر أن تجربة تايلاند الديمقراطية جاءت وكأنها تدحض الفكر الجديد وناسه الذين يتبنون مقولة الدكتور نظيف المهينة للشعب المصري! فقد بدأت تايلاند خطواتها الديمقراطية في الثمانينيات من القرن الماضي، بعد أن دخلت مصر أزهي عصور الديمقراطية مع عهد الرئيس مبارك! ولكنهم، هناك، ساروا، بخطي ثابتة، وفقاً لشهادات دولية معتبرة، علي سبيل ترسيخ المؤسسات الديمقراطية التي تُسَهّل عملية انتقال السلطة سلمياً، وهذا بالمناسبة ما لا يؤمن به مطلقاً أصحاب الفكر الذي يسعي لتوريث الحكم عنوة في أي بلد في العالم بل إن طاقتهم كلها تكون في سبيل درء إمكانية ذلك من المنبع، وقد جاء التعديل الأخير الذي أصرّ عليه الجيش التايلاندي كخطوة ديمقراطية تؤكد حرص عسكرهم علي حماية الحق الدستوري للشعب في اختيار حكامه، وكان كل هذا يجري بالتوازي مع نهضة اقتصادية حقيقية لبلد كان يعاني من أمراض التخلف ولشعب يصل عدد سكانه إلي نحو 63 مليون نسمة، ولم يعايرهم أحد بكثرة نسلهم! وقد شهدت تايلاند في ظل هذا المناخ الديمقراطي أعلي معدلات تنمية في العالم فيما بين عامي 85 و1995، استقر فيها النمو عند نحو 9 بالمئة سنوياً، وبرغم الأزمة المالية الطاحنة التي ضربت الإقليم قبل نحو 10 سنوات، إلا أن تايلاند كانت الأسرع في التعافي والنهوض مرة أخري.

وكما تري، فالعالم، في غربه وشرقه، وفي عالمه الأول وعالمه الثالث، يشهد ممارسات ديمقراطية حقيقية، ويا ويله من يخرق قواعدها! وأمّا مواطنو مصر التعساء، فهم ينظرون إلي كل هذا بعين الأسي وغصة في الحلق! لأنهم يرون وكأن لديهم من يخطط بدأب علي أن تمشي بلادهم عكس السير!

وقد حذّر كثير من المهمومين بحاضر مصر ومستقبلها من خطورة المعاندة ومن مغبة المضي عل هذا المسار! قال القاضي الجليل المستشار محمود الخضيري إن تزوير الانتخابات أشدّ وطأة وأخطر من إرهاب القتل! لأن ضحية القاتل يكون فرداً أو مجموعة من الأفراد، وأما ضحايا مزوري الانتخابات فهم شعب بأكمله جري ذبح حقه الدستوري الذي كان حرياً أن يحظي بالحماية والاحترام!

وقد بزّت جماعة الحكم لدينا أحوال المزورين العاديين، فهم لا يجرون الانتخابات الشكلية المزورة إلا مضطرين، ولكنهم، إذا سنحت الفرصة، يعفون أنفسهم من أي انتخابات ما دام كان ذلك ممكناً! لذلك فهم يستولون بالكامل علي حق الشعب في اختيار جميع مستويات الحكم المحلي، من المحافظ و حتى قاعدة الهرم! بل يمنعون صفوة أهل العلم من أساتذة الجامعة من اختيار العمداء ورؤساء الجامعات! بل و حتي عند مستويات الشباب الغض، الذين لن تشكل تنظيماتهم تأثيرات خطيرة علي مسار الحكم، يصادرون حق الترشيح ويشطبون الأسماء التي تعترض عليها أجهزة الأمن ويمنعونهم من الترشح!

هذه الأوضاع المعكوسة لدينا تقلب المبادئ التي يسير عليها العالم المتحضر رأساً علي عقب. لذلك يتجاهل كل ساعٍ إلي منصب مرموق الجماهير التي يسعي إلي أن يحكمها أو يمثلها، ما دام أنه ليس لهم صوت في اختياره، كما أنه ليس لهم تأثير يُخشي منه علي استمراره، ويركز طاقته جميعاً في اقناع صاحب القرار مع السعي للحظوة برضا أجهزة الأمن! وبعد أن ينال ما يرجوه لن يعير الناس التفاتاً وإنما سيوفر طاقته الحيوية وقدرته علي الابتسام وإبداء الحبور والسعادة عند اللحظة المهمة التي يتعين عليه فيها إظهار الخشوع والولاء بالمطلق لصاحب قرار مجيئه!

انظر إلي تغاضي المحافظ عن طلبات جماهير محافظته، بل ورفضه مقابلة أصحاب الحاجات، وقد تتدهور الأمور إلي حد تعمد أظهار التعالي علي مواطنيه، ومعاونة الأمن في البطش بمن يتخيلون أن من حقهم التعبير عن رأي لا يرضي عنه آل الحكم! ثم انظر إلي حاله كيف يتغير إلي النقيض، إذا قرر السيد الرئيس أو نجله أو السيدة قرينته أن ينعموا عليه بزيارة، فإذا بكل الإمكانيات تُسَخّر لتوفير الأبهة التي ترضيهم، والابتسامة التي لا تبرح وجهه مع إشراقة لا تعرف مصدرها، وهذه هي الأدوات التي يؤمل منها وبها البقاء في المنصب ثم المدّ بعد ذلك!

لقد أصبح تزوير الانتخابات بثبات وجسارة مهيناً للشعب المصري ولنخبه المثقفة، كما أنه بات مسيئاً لسمعة البلاد! فلماذا لا نجرب محاجاة جديدة نُسَلّم لهم فيها، جدلاً، أنهم بالفعل حققوا نهضة اقتصادية غير مسبوقة ونجحوا في جذب استثمارات أجنبية هائلة، وصارت ثمار النمو علي وشك السقوط علي أم رأس الشعب، كما أن البلاد تحيا في ظلهم أزهي عصور الديمقراطية، وليس هناك أي محاولات لتوريث الحكم وإنما هي أوهام لدي المغرضين! ولكن يبقي السؤال: كيف يمكن للشعب أن يختار بحرية من يقوم بهذه المهام؟ ومتي يكون لدينا مثل تايلاند نصوص تشريعية قاطعة كهذه وأحكام قضائية نافذة يمتثل لها الحكام؟؟!