الملكية الخاصة .. شرعيتها وحدودها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الملكيه الخاصة... شرعيتها وحدودها



الملكيه في اللغة

حيازة الإنسان على المال مع الانفراد بالتصرف فيه.


في الشرع

هو الاختصاص بالشيء يمنع الغير عنها ويحق للشخص التصرف بها إلا لمانع شرعي.

والملكيه الخاصة مشروعة في الإسلام لقوله تعالى: (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه) والمقصود بحق الله في المال الزكاه و الصدقه، ومعنى الآية يتضمن وجود من يملك الأرض فيجب عليه أن يؤتِ حق الله من غلتها ولا يكون غيره مالكاً لها فيستحق حق الله فيأخذه.. غير أن هذه الملكيه تندرج ضمن الملكيه العامة وتتقيد بها لأن الملك في الأصل لله سبحانه وتعالى ويتجلى ذلك في قوله : (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم)

وإنما البشر مستخلفي في هذا المال لقوله تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)

وعلى هذا الأساس فأن المجتمع قد كلفه الله سبحانه وتعالى بوظيفة القيام على المال العام والأشراف على المال الخاص لقوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً).

فبذلك فان الملكيه الشخصية في الإسلام هي وظيفة اجتماعية وان المجتمع هو المشرف والموجه لهذه الوظيفة ودليل ذلك أن الفرد إذا مات وليس له وريث ورثه المجتمع. وإذا كانت الشريعة الإسلامية تعترف بالملكيه الخاصة بل وتحميها لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل) فان هذا التقاطع (الظاهري) ينتفي إذا عرفنا المقاصد الشرعية لهذا الازدواج في نسبة الملكيه لله تارة وللبشر تارة أخرى ويعزي ذلك الى ثلاثة أسباب:

الأول : أن إضافة الملكيه الى الله سبحانه وتعالى فيه توجيه روحاني لاستغلال المال لنفع البشر واستغلاله في أوجه البر والخير ولكن ضمن الحدود التي رسمتها الشريعة له بكل ما يقتضيه هذا الانتفاع من حق التصرف والاستثمار.

وقد جاء في القرآن الكريم إضافة اموال السفهاء الى الأولياء في قوله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) لا لأن الأولياء ملكوا هذا المال بل لأن لهم حق التصرف فيه..

الثاني : ان الشريعة الإسلامية تعطي كل مسؤوليته، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)

وقال تعالى : (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)..

ولا ترضى الشريعة أن تكون المسؤوليه شائعة لذلك عمد الى الملكيه الخاصة ليسأل كل فرد عن الحصة التي بين يديه (عن حق الجماعة فيها) ثم جعل ولي الأمر هو المسؤول عن حق الجماعة في الأموال الخاصة بالأفراد وان تصرف ولي الأمر يكون وفق ما تمليه عليه مصلحة الجماعة لضروريات الحياة المشتركة وفي تنفيذ ما أمرت به الشريعة الإسلامية (وبالتفاصيل الدقيقة) في ملكية الأفراد للمال..

ثالثاً : ان الإسلام دين الفطرة، وقد وجد دائماً الحلول لإشباع غرائز الإنسان، ومن هذه الغرائز هي (غريزة تملك المال) وقد ربطت الشريعة بعض المال إلى آحاد الناس من أجل معالجة هذه الغريزة الفطرية وحتى لا تبقى النفس البشرية في كبت وحرمان من شيء هم محرم عليهم، وبالتالي أندفاعهم بنشاط لاستثمار هذا المال الذي يملكونه والنتيجة هي النفع المشترك لهم وللجماعة (المجتمع) على حد سواء، وهنا ملاحظة في غاية الأهمية فعندما تذكر الجماعة في هذا الموضوع تأتي بمعنى المجتمع لأن القصد فيها المسلم وغير المسلم وبالتالي فأن الملكيه والأنتفاع يقصد فيها المسلم وغيره في المجتمع..

غير أن الملكيه الخاصة لها قيود وحدود ليس بمعنى حدود عددية (رقمية) وإنما حدود وضوابط شرعية لها علاقة ماسة بالمجتمع فالشرعية ترفض أن تقوم هذه الملكيه على باطل أو حرام أو اغتصاب بل يكون السبب الرئيس لها هو العمل للحصول عليها، والعمل هو أحد السبل للحصول على الملكيه الخاصة (قلت أو كثرت)..

فإذا تعذر على الفرد في المجتمع الحصول على العمل وجب على الدولة تهيئة فرص العمل لأن الدولة هي الراعية والراعي مسؤول عن رعيته كما جاء في الحديث الشريف..

فإذا تعذر ذلك وجب على أغنياء المسلمين القيام بذلك الواجب وهو توفير العمل للمسلم المحتاج فإذا تعذر ذلك وجب عليهم النفقة على المحتاجين من المسلمين، وعند الوصول الى هذا المفترق وجب الكلام عن الفقر، والفقير في الإسلام هو ذلك الفرد الذي يعيش في المجتمع بمستوى بحيث تفصله هوّةٌ بعيدة عن المستوى المعيشي السائد في ذلك المجتمع، وبمعنى آخر هو ذلك الفرد الذي لا يتوفر له المستوى اللائق للمعيشة بحسب الزمان والمكان.وبالمعنى الشرعي هو من لا يتوفر له حد الكفاية (وليس حد الكفاف)

والواضح أن حد الكفاف هو الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة من متطلبات المعيشة، المأكل، المشرب، الملبس، المأوى والذي يضمن للفرد حياته ولكن لا يمكنه عند هذا الحد أن يكون منتجاً وفعالاً ونافعاً للدين والحياة اما حد الكفاية فهو مستوى اعلى يكون فيه الفرد قادرا على أن يكون نافعاً للمجتمع ونخلص بذلك الى حقيقة مهمة وهي (أن المشكلة الاقتصادية في الإسلام لم ترتبط بهدف توفير الأساسيات للمعيشة فقط وإنما لها هدف أسمى هو رفع المستوى المعيشي الثقافي وتحسينها وهذا ما وصل إليه الفكر الإسلامي المعاصر وعبّر عنه (بالرفاه الاقتصادي) وهو ما عرف في العصور السابقة بـ (حد الكفاية).


المصدر : جريدة دار السلام عدد29