النقد الذاتي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
النقد الذاتي



من الآفات التي تعاني منها الصحوة الإسلامية ضعف النقد الذاتي في فصائلها، بل إذا مارسه أحدهم في بعض الأحيان نُظرَ إليه بشك وريبة. ومفهوم النقد الذاتي من المفاهيم الغريبة على المسلمين، بل إن الكثيرين، لا بفهمون منه إلا التشهير. ومع أنه مصطلح غير إسلامي، لم يرد بنصه الحرفي في الكتاب والسنة، إلا إنه جاء في الكتاب والسنة بروحه ومضمونه ومعناه.


النقد الذاتى

, هو عملية تقويم للمسار والعمل ومراجعة النفس أو النشاط فردياً كان أو جماعياً وهو بهذا المعنى ينسجم مع روح القرآن الكريم، حيث قال تعالى: [ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ] وهو ما يسمى في المصطلح الإسلامي بمحاسبة النفس أو لوم النفس لما حدث.

وإذا كان علماء المسلمين سابقاً أسسوا علم الجرح والتعديل، فالعمل و الفكر الإسلامي ليس أكثر قداسة من علم الحديث، فيجب أن يوضع له علم الجرح والتعديل، أو ما يسمى بمصطلحات العصر الحديثة النقد الذاتي.

وأول من مارس النقد الذاتي ومحاسبة النفس ولومها والاعتراف بالذنب، أبوينا آدم وحواء، وذلك حينما أكلا من الشجرة، قال تعالى على لسانهما: [ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ].

وهذه التجربة التي مارسها آدم وحواء عليهما السلام أبرزت نماذج بشرية قد تشبعت بهذه الروح، فموسى عليه السلام يقتل قيطياً مصرياً قيقول: [ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ] ويونس عليه السلام ذهب مغاضباً من قومه، فلما وقع في بطن الحوت ذهب ليقول [ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ].

والنقد الذاتي مظهر من مظاهر الكياسة والفطنة، قال صلى الله عليه وسلم من حيث شداد بن أوس: ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) ومعنى دان: حاسب. وقال الفاروق عمر: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا إعمالكم قبل أن توزن عليكم ).

وكما أن على الفرد أن يحاسب نفسه على تفريطه في جنب الله أو تقصيره في حقوق الناس، فإن على الجماعة والحركة الإسلامية أن تحاسب نفسها كذلك. وإن كان الله سبحانه وتعالى قد عصم مجموع الأمة أن تجتمع على ضلالة، إلا أنه لم يعصم أي فصيل أو جماعة من أن تخطئ أو تضل، وخصوصاً في القضايا الاحتهادية التي تتعدد فيها وجهات النظر، وتعتبر فيها المواقف قابلة للصواب والخطأ، مع العلم أن الأخطاء تكثر كلما كثر الاجتهاد والعمل والاحتكاك بالجماهير ومشاركتها همومها الحياتية.


والخطأ إذا كان عن اجتهاد فصاحبه مأجور عليه، فرداً كان أو جماعة. والخطأ يمكن أن ينشأ عن الضعف البشري وهو لا ينافي الإيمان أو التقوى ، لأنه من لوازم البشرية ( وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )، وقد وقع فيه من هو أكمل منا إيماناً وأرجح عند الله ميزاناً. وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما سجله القرآن عنهم يوم أحد [ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ].

وقد علق القرآن على بعض مظاهر الضعف التي بدت منهم فقال تعالى: [ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ]. وقد قال بعض الصحابة وأظنه ابن مسعود: ( ما كنت أعرف أن فينا من يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية ).

لذا ينبغي للحركة الإسلامية أن تقف بين الحين والآخر مع نفسها للتقويم والمراجعة، ولاسيما تجاربها الجديدة، كتجربة الدخول في الحكم، حتى تعرف مواطن الضعف من مواطن القوة، كما ينبغي كذلك أن تشجع أبنائها على تقديم النصح وإن كان مراً، والنقد وإن موجعاً، كما كان عمر رضي الله عنه يقول: ( رحم الله امرءاً أهدى إليَ عيوبي ).

إن غياب ثقافة النقد الذاتي سيكلف الحركة الإسلامية كثيراً، مزيداً من الفشل والتراجع، وهذا سَيُوَّلد حالة من الإحباط واليأس عند كثير من الجماهير، وذلك إذا عرفنا أن الحركة الإسلامية ليست ملكاً لنفسها، وإنما هي ملك الأمة الإسلامية كلها، وملك الأجيال الإسلامية القادمة أيضاً، فمن حقها أن تعرف ما في هذه الحركة من مواضع القوة وما يؤخذ عليها من نقاط الضعف لتأخذ منها العبرة.

وبعض المخلصين من أتباع الحركة الإسلامية يخافون من فتح باب النقد الذاتي، أن يحسنه ومن لا يحسنه، فقد يفسد أكثر مما يصلح. وهذا نفس العذر الذي جعل بعض العلماء قديماً يتواصون بسد باب الاجتهاد حتى لا يدخل منه الأدعياء والمتطفلون، فيقولوا على الله ما لا يعلمون، ويفتوا بغير علم، فيضلوا ويضلوا. وهؤلاء من حقهم أن يتخوفوا، لكن لم نرد بكلامنا أن يمارس النقد كل من هب ودب، بل الواجب أن يفتح الباب لأهله القادرين عليه.

ومما ينبغي التنويه عليه أن النقد، لا ينقص من قدر الحركة الإسلامية وأفرادها ولا يقلل من عطاءهم و تضحياتهم، فهذه الحركة تاريخاها حافل بالعطاء والتضحيات الجسام التي لا ينكرها إلا مكابر، والأعمال توزن عند العقلاء بالحسنات والسيئات وهذا هو منطق القرآن، وهو غاية العدل والإنصاف.