بيع القطاع العام النهب المنظم لمصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بيع القطاع العام النهب المنظم لمصر

الناشر: مركز أبحاث الاقتصاد

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

من غير تقدير للعواقب الوخيمة التي ستحيق بأبناء مصر، ومن غير تقدير واع لما سيصبح عليه اقتصاد مصر بعد بيع أصوله للأجانب، ومن غير مراعاة للضرر الذي سيحيق بالقاعدة العريضة من أبناء شعب مصر بعد التسريح العشوائي لهم.

من غير تقدير سليم لهذا كله أقدمت الحكومة على بيع ممتلكات مصر مدفوعة بضغوط صندوق النقد الدولي، حيث بدأت برنامجا واسعا لما سمى " بالخصخصة" وتسارعت خطواتها بصورة كبيرة في الأيام الأخيرة لحكومة الدكتور عاطف صدقي ثم قفزت قفزات أكبر منذ تقلدت حكومة الجنزورى المسئولية.

لقد تضمن دليل الشركات التي ستطرح خلال عام 1996 فقط 83 شركة ما بن بيع كلى أو جزئي، وكانت حركة البيع في عهد عاطف صدقي قد شملت 34 شركة منها ثلاث شركات بيعت بالكامل لمستثمرين أجانب هي البيبسي كولا والكوكاكولا ، والمراجل البخارية، بالإضافة على مجموعة شركات اتحاد المساهمين (وهى شركات كانت تعمل في مجال الإشغال العامة واستصلاح الأراضي تم تمليكها لاتحادات المساهمين بنسبة 95% بالإضافة إلى شركة تم تمليكها للعاملين بنسبة 40%)

وليس معنى أن حكومة الجنزورى دخلت برنامج الخصخصة بقوة أن الحكومة السابقة لها كانت ترفض الخصخصة بل إن المسألة تتعلق بقوة ضغوط المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي تحديدا) .

ورغم كل حركات الاحتجاج على أسلوب البيع الحالي سواء من القواعد والنقابات العمالية أم الأحزاب والقوى السياسية أهم المفكرين والاقتصاديين فإن الحكومة لم تعبأ وأعلنت أنها ماضية في طريقها حتى النهاية.

وفى هذا الكتيب سوف نحاول تقديم رؤية موضوعية أمينة دون تهويل أو تهوين عن برنامج الخصخصة الحالي وأثره على العمال، وكيف أنه برنامج غير مصري ولا يناسب بالتالي البيئة والاحتياجات المصرية، وفى هذا الإطار نود أن نؤكد أن هذا الكتيب، تم تأليفه من خلال رصد دقيق لواقع عملية الخصخصة بإيجابياتها وسلبياتها حتى يطمئن القارئ ويرتاح ضميره لسلامة ما بين السطور.

وفى تقديمنا لهذه الرؤية الموضوعية سنحاول التعرف على إجابات للأسئلة الهامة: لماذا نبيع؟ وماذا نبيع؟ وكيف نبيع؟ ولمن نبيع؟ وأين تذهب حصيلة البيع؟ كما سنقدم نماذج عملية للبيع مع شرح الآثار المترتبة على البيع من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،ثم نتطرق إلى المواقف المختلفة من البيع سواء من الأوساط العمالية أو القوى السياسية، لنخلص في النهاية إلى تقديم رؤية إسلامية وطنية نتبناها جميعا ونسعى لتطبيقها.

الباب الأول:برنامج الخصخصة .. تساؤلات مشروعة

يستهدف هذا الباب إجلاء أي غموض يحيط بعملية الخصخصة، ومن هنا فهو يجيب على أسئلة عديدة منها لماذا نبيع؟ وماذا نبيع؟وكيف نبيع؟ ولمن نبيع؟ وأين تذهب حصيلة هذا البيع؟ وهى أسئلة على قدر كبير من الأهمية. فبدون الإجابة عليها لا يمكن بناء رؤية من أي نوع أو تحديد أي موقف.

كما أننا سنتبع هذه الأسئلة وإجاباتها النظري بإيراد نموذجين عمليين للبيع الكلى وهما شركتا البيبسي كولا والمراجل البخارية اللتان وقعتا فئ أيدي مستثمرين أجانب لنرى ما يحدث فيهما الآن.

لماذا نبيع؟

أشرنا في المقدمة إلى خطوات الحكومة متسرعة للتخلص من القطاع العام وكأنه " سبة" ينبغي الخلاص منها بأسرع وقت وبأي ثمن، فلماذا تفعل الحكومة ذلك وكبار وزرائها أنفسهم تربوا في القطاع العام ودافعوا عنه في مؤلفاتهم من قبل (خاصة د. عاطف صدقي ، ود. كمال الجنزورى) ؟

وهل حركة الخصخصة الحالية بما تتضمنه من بيع القطاع العام هي برنامج وطني خالص، كما يدعى المسئولون أن أنها برنامج مستورد وروشته كتبها طبيب أجنبي هو صندوق النقد لم يراع فيها البيئة المصرية؟

قبل الخوض في الإجابة عن هذا التساؤل، ينبغي أن نذكر أن القطاع العام الذي تريد الحكومة التخلص منه بأسرع وقت وبأي ثمن تبلغ القيمة الاسمية لأصوله 800 مليار جنيه، وهو يتضمن أشكالا قانونية متعددة:

  1. فهناك 314 شركة قطاع عام تبلغ قيمتها الدفترية 88 مليار جنيه وقيمتها الاسمية 399 مليار جنيه في أقل التقديرات و1700 مليار جنيه في تقديرات أخرى.
  2. 22 هيئة تنمية قيمتها 240 مليار جنيه.
  3. 4 بنوك عامة وحصص الدولة في البنوك المشتركة وتبلغ قيمتها 120 مليار جنيه.
  4. 83 هيئة خدمية تبلغ قيمتها الدفترية 85 مليار جنيه.
  5. مساهمات من الشركات العامة وشركات التأمين والبنوك العامة لشركات القطاع الخاص تتراوح بين 4- 93% وتصل حقوق الدولة فيها إلى 125 مليار جنيه.
  6. مشروعات المحليات ، وبلغت 1778 مشروعا منها 1315 مشروعا قيمتها الدفترية حوالي 150 جنيه للمشروع الواحد، 212 مشروعا قيمة المشروع ما بين 100- 250 ألف جنيه، 153 مشروعا قيمة المشروع منها 250 ألف جنيه.

ويساهم القطاع العام في الصادرات المصرية بحوالي 94% كما يساهم في الدخل القومي بنسبة 21% ويزيد حجم العمالة فيه عن مليون عامل يتقاضون أجورا قدرها 3 مليار جنيه، ويبلغ الفائض المحول إلى الموازنة منه مليار جنيه سنويا.

مشاكل القطاع العام:

عانى القطاع العام من مجموعة من المشاكل منها سوء الإدارة وفسادها ، وتدنى كفاءتها ، وضعف الإنتاجية، وقلة الحافز لدى العاملين، واستخدام الحكومة لهذا القطاع في توزيع مغانم على بعض الفئات.
وتبلغ ديون القطاع العام 71 مليار جنيه منها 40 مليار جنيه للبنوك، 31 مليار جنيه لدائنين آخرين، كما تبلغ نسبة الطاقة العاطلة 25% ، وتكلفة الفرصة البديلة لهذه الطاقة العاطلة 16 مليار جنيه وبلغ عدد الشركات الخاسرة في 30 يونيو 1995 88 شركة ، كما توجد 114 شركة تحتاج إلى حوالي 14 مليار جنيه لإصلاح هياكلها التمويلية.
وتعانى شركات القطاع العام من تضخم المخزون الراكد الذي زاد من 23 مليار جنيه عام 1994 إلى 25 مليار جنيه عام 1995.
وأصبح القطاع العام مصدرا للتربح والثراء السريع لبعض الفئات ، فقد قام الجهاز المركزي للمحاسبات بتصحيح وتعديل ميزانيات 200 شركة تم التلاعب في حسابها لإخفاء خسائرها أو إظهارها كشركات رابحة، ومما يذكر في هذا المجال أن تعديلات موازنات الهيئات الاقتصادية العامة التي قام بها الجهاز بلغت 8 مليارات جنيه عام 93/ 94، وبنسبة 15% من الحساب الختامي للشركات.
هكذا حاولنا أن نقدم صورة أمينة لحال القطاع العام: ما له وما عليه ، وما آل إليه ، فهل قامت الحكومة بواجبها تجاه هذا المال الذي جعلها الله مستخلفة ومستأمنة عليه أم ساهمت في إفساده وإضعافه؟
إن القطاع العام رغم كل ما قدمه من إنجازات ، إلا أنه كان بحاجة إلى وقفة للإصلاح ، فكل كان العلاج الوحيد هو سرعة التخلص منه بأي ثمن ، أن هناك حلولا وطرقا أخرى للإصلاح؟
ترى الدول الغربية الدائنة لمصر ويمثلها صندوق النقد أنه لا علاج لمشاكل القطاع العام، وأن نظام القطاع العام بطبيعته لا يقود إلى تنمية بل إلى مزيد من المشاكل، ويحتفظ صندوق النقد بوصفه وروشتة جاهزة يقدمها لكل من يطلب منه المساعدة لإلغاء ديون أو تخفيضها، وهذه الوصفة الجاهزة تبدأ وتنتهي بالتخلص من القطاع العام في مدة قصيرة يحددها الصندوق، ولا يترك للحكومة حرية الحركة والمرونة اللازمة للبيع بالأسعار الواقعية.
وفى حالة مصر التي زادت ديونها الخارجية عن 60 مليار دولار (ما بين مدنية وعسكرية) وتعثرت مفاوضاتها من قبل مع صندوق النقد فقد جاءتها الفرصة الذهبية عقب انتهاء حرب الخليج الثانية، حيث وافقت الدول الغربية الدائنة وعلى رأسها أمريكا على إسقاط نصف الديون كمكافأة لمصر على موقفها في الحرب، ولكن هذا التخفيض لم يتم بشكل مباشر من الدول الدائنة، بل أنها أحالت الأمر إلى صندوق النقد ليطبق وصفته وشروطه، وتوصلت مصر إلى اتفاق مع الصندوق في مايو 1991،

وهو ما سمى " خطاب النوايا" يتم بمقتضاه تخفيض أو إسقاط نصف الديون عن مصر على ثلاث مراحل:

  1. الشريحة الأولى الإعفاء الفوري من نسبة 15% .
  2. الشريحة الثانية تتم في فبراير 1992 وتعفى مصر من نسبة 15% من الديون.
  3. الشريحة الثالثة في مايو 1994 لنسبة الـ 20% الباقية.

ولكن ينبغي التنويه إلى أن الإعفاءين الأخيرين متوقفان على مدى اتباع مصر لتوصيات صندوق النقد والبنك الدولي في تنفيذ برنامج الخصخصة، والتخلص من القطاع العام، ولذلك فإن الشريحة الثالثة من الديون المتفق على إسقاطها لم تسقط حتى الآن رغم مرور عامين على موعدها، وذلك بسبب عدم رضاء الصندوق عن تباطؤ الحكومة في البيع..

رغم أن الحكومة قامت بتنفيذ التوصيات حرفيا بدءا من تعديل القوانين مثل قانون قطاع الأعمال والشركات والاستثمار والبنوك والعاملين ، ثم طرح نصيب القطاع العام في الشركات المشتركة للبيع، وطرح مشروعات المحليات أيضا للبيع منذ عام 1990 ، ثم زيادة نصيب القطاع الخاص المساهم في مشروعات القطاع العام ثم بيع أصول الشركات القابضة.

والغريب أن الحكومة كانت طوال المراحل السابقة تنفى بشدة أنها ستبيع القطاع العام، بل كانت تزعم في كل مرحلة أنها ستكتفي بهذا الإجراء، ولكن ما أن انتهى من المرحلة التي حددها لها الصندوق حتى تدخل في المرحلة التالية التي حددها الصندوق أيضا حتى وصلنا إلى مرحلة البيع الكامل الذي يجرى الآن.

فهل بعد هذا العرض نصدق ادعاءات الحكومة أن برنامج الخصخصة برنامج مصري مائة في المائة؟ لو كان البرنامج وطنيا كما يقولون فهل كنا سنرى هذا التسارع الرهيب في التصفية والبيع بأبخس الأثمان ولأي مشتر مهما كانت ملته؟ هل كنا سنسمع هذا التناقض في تصورات وتصريحات المسئولين المصريين عن حركة البيع، وتقيم الأصول وحصيلة البيع؟

بالتأكيد الإجابة بالنفي، وبناء عليه يكون هذا البرنامج الغريب للخصخصة الذي لا يناسب البيئة المصرية مرفوضا وينبغي وقفه وإعطاء فرصة للمفكرين والسياسيين والاقتصاديين المصريين لوضع برنامج إصلاح وطني يراعى كل الاعتبارات الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية؛

ويكون محل إجماع من المصريين إن رفضنا للشكل الحالي للبيع والخصخصة لا يعنى أننا ضد القطاع الخاص بل إننا نؤكد أن القطاع الخاص الوطني هو الأصل في العملية التنموية، وإلى جانبه يبقى القطاع العام محتفظا بالصناعات الإستراتيجية والضرورية للأمن القومي أو التي يعجز القطاع الخاص عن القيام بها، يمكن القول اختصارا لا لبيع مصر.. لا لنهب ثروة مصر.. لا لسيطرة الأجانب على مقدرات مصر.

ماذا نبيع؟

عند عرضنا للصورة الواقعية للقطاع العام، إنجازاته ومشاكله، توصلنا إلى نتيجة مفادها أنه لابد من وقفة للإصلاح الاقتصادي لتسرع عجلة الأعمار في مصر. لكن الحل لم ولن يكون في برنامج صندوق النقد الذي يتم تطبيقه الآن ، ولكن يتم عبر برنامج وطني للخصخصة يراعى كل اعتبارات البيئة المصرية كما ذكرنا.

وفى ضوء ذلك فإننا نصل على هذا السؤال:

ما الذي يمكننا أن نبيعه ، وماذا يمكن أن نصلح ماذا يمكن أن نجدد؟

إن المطلب الأساسي كما ذكرنا من قبل هو وقف عملية البيع حتى يتم التوصل إلى مشروع وطني، ولكن بما أن الحكومة ترفض ذلك فإننا نحاول أن ننقذ ما يمكن إنقاذه وفقا لقاعدة "ارتكاب اخف الضررين" .

إننا نرى أن البيع ينبغي ألا يقترب من الشركات الإستراتيجية والضرورية للأمن القومي، ويقتصر فقط على الشركات غير الإستراتيجية أو الخاسرة، والتي لا يمكن إصلاحها.. لكن هل تفعل الحكومة ذلك؟.

الملاحظ لحركة البيع منذ بدايتها يجد أن الحكومة لا تفرق بين الشركات الإستراتيجية وغير الإستراتيجية، فالكل مطروح للبيع، ربما تم تقديم البعض على البعض لاعتبارات وقتية لكن في النهاية فإن البيع سيشمل كل الشركات، وقد تم على سبيل المثال طرح أسهم شركتي الحديد والصلب والألمونيوم فعلا للبيع رغم الإعلانات المتكررة عن عدم بيعهما بل تم بيع شركة المراجل البخارية رغم أهميتها الإستراتيجية ووضعها الاحتكاري.

وقد شملت حركة البيع في عهد وزارة د. عاطف صدقي ثلاث شركات بيعت بالكامل هي البيبسي كولا والكوكاكولا ، والمراجل البخارية، بالإضافة إلى عشر شركات لاتحاد المساهمين تم تمليكها للمساهمين بنسبة 95% وشركة تم تمليكها للعاملين بنسبة 40% كما شهدت هذه الفترة بيع مقدار من أسهم وأصول شركات تابعة لخمس عشرة شركة قابضة ، بالإضافة إلى 10% من جملة مشروعات المحليات (1599 مشروعا).

كما تضمن دليل الشركات الذي ستطرحه للخصخصة عام 1996 حكومة الجنزورى استعدادا من وزارة قطاع الأعمال لطرح 83 شركة تابعة لهذا القطاع، وهى أكبر كمية معروضة على اختلاف بين هذه الشركات في طبيعتها وفيما تقرر طرحه منها، فهناك نية لبيع شرائح ثانية من 16 شركة تابعة؛

ثم طرح الشرائح الأولى منها قبل تولى حكومة الجنزورى ، هذا فضلا عن اعتزام الحكومة طرح شرائح أولية من أسهم 46 شركة وانتواء بيع 14 شكة تابعة بالكامل، إضافة على أربع شركات استهلاكية ومحلات كبرى تابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج، وثلاث شركات تابعة للشركة القابضة لتصنيع المنسوجات والتجارة؛

هذا بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الفنادق (27 فندقا) وتسع بواخر وقرية سياحية واحدة، وسيشمل البيع أسهم شركتي الحديد والصلب والألمونيوم ، وبيع حصص شركات وبنوك القطاع العام في الشركات، والبنوك المشتركة والخاصة؛

وذلك على مرحلتين :

أولاهما: بيع أسهم الشركات والبنوك التي لا تتجاوز الملكية العامة فيها 49% من رؤوس أموالها.

وثانيهما: بيع أسهم الشركات والبنوك التي لا تتجاوز هذه النسبة والشركات المشتركة بين القطاعين وعددها 380 شركة صافى أصولها 120 مليار جنيه، ويزيد نشاطها على 1,6 مليار ، كما أن نصيب القطاع العام من بنوك وشركات تأمين وشركات عامة 300 مليون دولار ( مليار جنيه مصري) في رأس المال الأسمى، وتزيد القيمة السوقية على هذا الرقم،ويوجد قدر كبير من التعتيم على هذا القرار وخلفياته .

وقد صرح محمد البربري رئيس البنك المركزي، ورئيس لجنة التنسيق والمتابعة الخاصة ببيع مساهمات بنوك القطاع العام في البنوك والمشروعات المشتركة أنه سيتم حتى ديسمبر 1996 طرح مساهمات بنوك القطاع العام في 12 بنكا و16شركة مشتركة لا تتجاوز حصة البنوك العامة فيها 49% وتبلغ القيمة الدفترية لها أكثر من 400 جنيه (أي أن القيمة السوقية لها تزيد على مليار جنيه).

ويلاحظ في هذا الصدد أن عملية بيع الحصص المشتركة هذه تمت بسرعة أكبر من سرعة بيع شركات قطاع الأعمال، على الرغم من أن قرار بيعها صدر بعد قرار بيع شركات قطاع الأعمال بأسبوعين وبالتحديد في مارس 1996.

وبالرغم من تعدد جهات التقييم، إلا أنه ما زال هناك كثير من المشاكل التي تتعلق بتقييم بعض الشركات بأقل من سعرها مما وجد مضاربة في البورصة على أسعار أسهم هذه الشركات.

كيف نبيع؟

أساليب البيع:

أولا: البيع على أساس سعر ثابت:

في هذا الأسلوب تطرح الوزارة سعرا للبيع هو التقويم، وعلى أساسه يقبل المشترى أو يرفض عملية البيع، وكان سعر التقييم يحدد منذ البداية عن طريق مجموعة من الخبراء وبيوت الخبرة المحلية والأجنبية ، إلا أن بيع بعض الشركات بأقل من سعرها دفع الحكومة إلى إكثار مستويات التثمين حتى وصلت إلى خمسة مستويات هي:
  1. مجموع الخبراء (البنوك العامة، خبرات أجنبية، بيوت خبرة محلية).
  2. مجلس إدارة كل شركة تابعة.
  3. الجهاز المركزي للمحاسبات.
  4. الجمعية العمومية للشركة القابضة التي تتبعها الشركة محل البيع.
  5. اللجنة الوزارية المختصة.

ثانيا: البيع بالمزاد:

وهذا الأسلوب بدأ تطبيقه منذ عام 1994 حين تقرر طرح شركة الأهرام للمشروبات في مزاد علني، كما قرر مجلس الوزراء في اجتماعه بتاريخ 17/2/1996 بيع 14 شركة عامة بالكامل في المزاد ، ولكن لوحظ أن بعض الشركات مثل النصر للمحولات علاوة على شريحة 10% من أسهم الإسكندرية للأدوية بيعت في مزاد مغلق، وليس علنيا بدعوى إيجاد مستثمر استراتيجي قادر على تحسين أداء الشركة.

ثالثا: البيع في البورصة:

وذلك ببيع شريحة أولى من أسهم الشركة حوالي 10% وفق قيمة محددة لجس النبض واكتشاف السعر الحقيقي للسوق، ثم بعد ذلك تتوالى الشرائح، ويمكن للأفراد أن يتقدموا مباشرة لشراء الأسهم من البورصة ، كما يمكن لهم تكوين صناديق استثمار متخصصة في الشراء.

رابعا: التفاوض المباشر:

ويتم هذا الأسلوب دائما حول حصص بنوك القطاع العام وشركاته في البنوك والشركات المشتركة كما حدث فعلا مع قرار بيع قطع الأرض المملوكة لشركة إيجوت في فبراير 1996 ، وعروض كل من البنك الأهلي، وشركة مصر للتأمين ، والشركة القابضة للصناعات الغذائية من جهة والشركة الأهلية للتنمية والاستثمار (قطاع خاص)؛

من جهة أخرى لشراء 90% من الشركات الأربع (مصر للأسواق الحرة، الكروم المصرية، الأهرام للمشروبات، المصرية للأخشاب) فضلا عن بيع بنوك الإسكندرية - الكويت الدولي، 40% من بنوك الدقهلية والتجاريين والعمال بنفس الأسلوب.

لمن نبيع؟

وفقا للرؤية الإسلامية والوطنية ينبغي أن يكون البيع في حالة الضرورة للمصريين أساسا، وينبغي تقديم كل التسهيلات الممكنة لهم، فهم المالكون الأصليون لهذه الثروة وهم الذين بنوها بجهدهم وعرقهم وتضحياتهم، وينبغي أن تظل في أيديهم وينعموا بخيرها؛

ويمكن في حالة الضرورة المالية أو احتياج الخبرة التكنولوجية السماح ببيع نسبة ضئيلة من الأسهم لمستثمرين أجانب، وبالطبع تكون الأولوية للعرب والمسلمين ، وبحيث لا تؤثر هذه النسبة على القرار النهائي للشركة، ولا يسمح بتسريب ثروتنا الوطنية إلى الأعداء مرة أخرى، أو أن يحتكرها اللصوص والمحتكرون الدوليون.

فهل تلتزم الحكومة بهذه الضوابط؟

يبدو لنا من تتبع حركة البيع أن المصريين سواء كانوا أفرادا أم شركات اقبلوا في البداية على شراء الشرائح الأولى التي عرضت للبيع، لكن حركة الشراء هدأت فيما بعد، ذلك أن القوة الاستيعابية للمصريين ما تزال محدودة، ولا تتناسب مع حجم المشروعات المطروحة للبيع، والتي تقدر قيمتها بمبلغ 600 مليار جنيه (وهو التقدير الرسمي الحكومة في حين قدرتها بيوت خبرة وطنية بمبلغ 1700 مليار جنيه، وقدرتها بيوت خبرة أجنبية بمبلغ 1370 مليار جنيه)

في حين بلغت المدخرات المصرية 175 مليار جنيه في نهاية يونيو 1996 وفقا لتقارير البنك المركزي، ويضاف إلى النقطة السابقة نقطة هامة أخرى وهى تردد نسبة كبيرة من المستثمرين المصريين لعدم ثقتهم في السياسات الحكومية وخشيتهم من شبح التأميمات والمصادرات والملاحقات الأمنية، خاصة لمن يحملون آراء سياسية معارضة للحكومة أو يطرحون مشرعات اقتصادية لا تستريح لها الحكومة مثل شركات توظيف الأموال.

وأيا كانت الأسباب سواء عدم قدرة المصريين على الشراء أم عدم رغبتهم في ذلك، فقد أصبح الباب مفتوحا على مصراعيه أمام الاستثمار الأجنبي للشراء بأي كمية، بل إن الدولة تقدم تسهيلات كبيرة للمستثمرين الأجانب أغرت بعض المصريين بإنشاء صناديق استثمار وتسجيلها في بورصات خارجية ليتمتعوا بنفس هذه التسهيلات. فمن الناحية القانونية تساوى كل القوانين المنظمة للخصخصة سواء قانون سوق المال أم قطاع الأعمال العام أم قانون البنوك بين المصريين والأجانب في كل شيء.

يضاف إلى ذلك إزالة العديد من الصعوبات أمام المستثمرين وتقليل الجمارك والضرائب وتخصيص المزيد من الأراضي لإقامة مناطق حرة ومدن صناعية جديدة، وتقديم تيسيرات في التعامل الادارى في البورصة مثل قرار مد العمل لمدة ساعتين إضافيتين تلبية لرغبة المستثمرين الأجانب في مراعاة فارق التوقيت بين مصر وباقي بورصات العالم، وكذلك مساواة المستثمرين والصناديق الأجنبية مع نظرائهم المصريين في فرص شراء أسهم القطاع العام.

وأخيرا ربط بورصة القاهرة بجميع أنحاء العالم من خلال شبكتي رويتر وداوجزنز تيلى رايت خدمة للمستثمرين الأجانب . وبالإضافة إلى كل ما سبق فإن المستثمر الأجنبي يشعر بالأمان أكثر من المصري، لأنه يستطيع أن يلجأ لحكومته عند حدوث أي مشكلة.

وهناك نقطة هامة وهى عدم وجود أي قيد على البيع المستقبلي للأجانب، بمعنى قيام المستثمرين الحاليين لشركات القطاع العام بيع حصتهم في البورصة دون قيد أو شرط أو جذب شركاء أجانب، وهذا ما يفكر فيه رئيس مجلس الإدارة الجديد لشركة النصر لصناعة المحولات والمنتجات الكهربائية ( الماكو) حيث صرح بأنه يسعى لجذب شريك أجنبي.

باختصار يمكن القول إن الحكومة لم تضع أي ضوابط أو شروط على المستثمرين الأجانب وهو ما لا يحدث في الدول الأخرى العريقة في اقتصاديات السوق.

في انجلترا تحتفظ الحكومة مثلا بما يسمى "السهم الذهبي" وهو الذي يتيح لها التدخل عند الضرورة لوقف البيع لمستثمر أو مستثمرين معنيين، وهو ما فعلته مع الحكومة الكويتية ، كما توجد في فرنسا لجنة وزارية لمتابعة البيع للأجانب.

حجم الاستثمارات الأجنبية.في تقرير أعدته المجموعة المالية المصرية بعنوان:

تأكد أن حجم الاستثمارات الأجنبية في سوق المال في بداية 1995 كان بين 400- 450 مليون دولار. ولعل من أهم المؤشرات على زيادة الاستثمارات الأجنبية تأكيد أحد المسئولين بهيئة سوق المال في مطلع شهر مايو 1996 أن نسبة 36% من حجم التداول في الأوراق المالية في شهري يناير وفبراير 1996 كانت لغير المصريين؛

وقد حسب البعض متوسط مشاركة الأجانب في الشهور الستة الأولى من عام 96 من واقع بيانات هيئة سوق المال فوجدها وصلت إلى 30% من حجم الأموال المتداولة والتي تقدر بمبلغ 3,3 مليار جنيه مصري وذلك مقابل 6% فقط من العام الماضي.

ومن الوقائع التي يمكن تسجيلها لشراء الأجانب لأسهم القطاع العام ما يلي:

  1. في بيع شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير تقدم 41 صندوقا استثمار للشراء منها 12 مصريا و21 صندوقا أمريكيا والبقية جنسيات مختلفة.
  2. شركة مطاحن مصر الوسطى طلب 15 صندوق استثمار عالمي وبنكا أجنبيا وشركة تأمين أجنبية حصصا من الأسهم ، والصناديق الخمسة عشرة تم مساواتها بالصناديق المصرية وتم منحها 10 آلاف سهم لكل صندوق.
  3. تم الاتفاق بين هيئة سوق المال في مصر وسوق الأوراق المالية في الكويت على طرح أسهم الشركات التي تم خصخصتها عن طريق البورصة المصرية في نفس الوقت ببورصة الكويت.
  4. أكد محمود عبد العزيز رئيس اتحاد بنوك مصر أنه تم الاتفاق على إنشاء أول صندوقين متخصصين للاستثمار في شراء الشركات المصرية المطروحة للخصخصة: الأول برأسمال 100 مليون دولار والثاني 200 مليون دولار، يساهم البنك الأهلي بالاشتراك مع مجموعة من رجال الأعمال المصريين بنسبة 40% ويمتلك بقية الأسهم احد البنوك الأمريكية بالاشتراك مع مجموعة رجال الأعمال الأمريكيين.
  5. تم تأسي شركة عالمية للاستثمارات في الأسهم المصرية فقط (وتسمى كونكورد، الأهلي) رأس مالها المرخص 150 مليون دولار والمدفوع 40 مليون دولار يساهم فيها بنكا مصر والأهلي بنسبة 50% وتشارك بالنسبة الباقية مجموعة هونج كونج وشنغهاي المصرفية ومؤسسات مالية أخرى وشركات تأمين وصناديق تقاعد من الولايات المتحدة وكندا وسويسرا وانجلترا بالنسبة الباقية وقد تم تسجيل هذه الشركة ببورصة لندن.
  6. أمكن رصد بعض الصناديق الاستثمارية الأجنبية التي تعمل ف مصر ومن أهمها.
(أ‌) صندوق فورن أند كولونيال ورأس ماله 45 مليون دولار.
(ب‌) صندوق مارتن كورى ورأس ماله 25 مليون دولار.
(ت‌) صندوق الأيانس كابينال ورأس ماله 5 ملايين جنيه.
(7) صرح عبد الحميد إبراهيم رئيس هيئة سوق المال أنه من أربع شركات بيعت في شهر مايو 1996 تم تخصيص 5% من جملة ما تم بيعه إلى مستثمرين أجانب.

أين تذهب حصيلة البيع؟

استخدام الحصيلة في عهد حكومة عاطف صدقي:

في تقرير غير منشور للفترة منذ إعلان خطاب النوايا وحتى مطلع عام 1995، وهى فترة تباطؤ البيع، أكد التقرير أن إجمالي حصيلة البيع بلغت مليار و234 مليون، 21 ألف جنيه مصري، وقد توزع هذا المبلغ بين 9,7% قروض للشركات التابعة، 11,6% زيادات في رأس مال الشركات ، 9,6 تسوية ديون على الشركات التابعة، 15% ودائع بنكية ، 47,7% أقساط بيع تحت التحصيل بالإضافة إلى بنود أخرى هامشية.

ويلاحظ أن حصيلة البيع الأساسية (حوالي 31% بالإضافة إلى 15% ودائع بنكية حتى تاريخه) قد استخدمت لإصلاح هياكل الشركات تمهيدا لطرحها للبيع في مرحلة لاحقة.

استخدام حصيلة البيع في عهد الجنزورى:

إن قراءة مختلف التصريحات الصادرة عن مجلس الوزراء تظهر وجود اختلافات بين الوزارات المختلفة، وبخاصة بين وزير المالية محيى الدين الغريب ووزير قطاع الأعمال د. عاطف عبيد، ووزير القوى العاملة أحمد العماوى حول توزيع الحصيلة الأساسية من وراء بيع شركات القطاع العام، بالإضافة إلى حصيلة البيع من الشركات المشتركة والبنوك المشتركة .
فالدكتور محيى الدين الغريب يرى أنه لابد من استخدام حصيلة البيع في سداد أقساط وفوائد الدين المحلى، خاصة بعد تضخمه حيث وصل إلى 122,7 مليار جنيه، تتحمل الموازنة العامة للدولة 17,6 مليار جنيه كفوائد وأقساط سنوية لهذا الدين هذا بالإضافة إلى ضرورة سداد الضرائب المستحقة على تلك الشركات، فالموازنة العامة للدولة تتضمن 3 مليارات زيادة فى الموارد السيادية ولا يمكن تغطيتها من الضرائب لأن هناك اتجاها عاما فرض أية ضرائب جديدة.
ويطالب أحمد العماوى وزير القوى العاملة بضرورة دفع تعويضات مناسبة للعمال قبل توجيه حصيلة البيع لأية جهة، وذلك في ضوء وجود توجيهات للاستغناء عن جزء من العمالة بالشركات المباعة، وقد صرح د. يوسف بطرس غالى وزير الدولة للشئون الاقتصادية أن تعويض العمالة أحد أهداف الدور الاجتماعي للدولة وأحد أولويات برنامج الخصخصة وقدر الوزير حجم التعويضات بما قيمته 10% من حصيلة المبيعات.
وصرح د. عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال أن حصيلة البيع ستستخدم في سداد مديونيات الشركات للبنوك وإصلاح الهياكل التمويلية للشركات المتعثرة . وأشار الوزير في هذا الصدد إلى وضع برنامج زمني يتضمن إصلاح عدد من الشركات الخاسرة مقابل نفس عدد الشركات التي تتم خصخصتها ، وقد تسبب هذا التصريح في حينه في حدوث أزمة بين وزارة المالية ووزارة قطاع الأعمال.
وبالرغم من هذا التضارب بين الوزراء حول حصيلة البيع ، فإن المتأمل للموازنة العامة للدولة التي قدمت لمجلس الشعب في دورة 1996 يلحظ أن حصيلة البيع قد استخدمت بشكل أساسي لتغطية عجز الموازنة العامة، وقد بلغت قيمة هذه الحصيلة في الشهور الخمسة الأولى من عام 1996 حوالي 349 مليون جنيه وفقا لتصريح رئيس هيئة سوق المال.
فإذا أضفنا إليها ما تم بيعه حتى أول يوليو 1996 لوصلت القيمة إلى 550 مليون جنيه، استخدم 500 مليون جنيه منها لتغطية عجز الموازنة، وهذا معناه ببساطة تآكل ثروة مصر إذ إننا نبيع الأصول الثابتة لننفقها على الاستهلاك اليومي.

نماذج صارخة للبيع

(أ‌) البيبسي كولا.. ادعاءات زائفة:

في يناير 1994 تمت عملية بيع البيبسي كولا لشركة كوكاكولا العالمية مع بعض المشترين بعد منافسة غير متكافئة مع مستثمرين مصريين آخرين، هددت فيها كوكاكولا العالمية بسحب العلامة التجارية إذا لم تكن الشركة من نصيبها.
وكان مجموع العمالة وقت الشراء كما ورد في ميزانية الشركة في 30/6/1993 هو 4032 عاملا، وكان إجمالي أجورهم يصل إلى 15 مليون و444 ألف جنيه، بمتوسط أجر سنوي للعامل 3830 جنيها ومتوسط أجر شهري 319 جنيها للعامل الواحد.

أكذوبة زيادة العمالة:

بعد شراء مصانع شويبس تم ضم عماله وعددهم (1111) عاملا إلى عمال الشركة وارتفعت العمالة إلى 5143 عاملا، وهذا يثبت طبيعة الزيادة ومع ذلك ورد في ميزانية الشركة لعام 1994 أن عدد العمال قد وصل إلى 3943 عاملا مما يثبت أنه تم الاستغناء عن 1200 عامل.
وكانت الشركة قد حققت في آخر ميزانية لها قبل البيع أرباحا تصل إلى 9,7 مليون جنيه فائض أرباح قابل للتوزيع واستثمارات تصل إلى 88 مليون جنيه وتدفع ضرائب تصل إلى 3,1 مليون جنيه، وبعد البيع ظهرت ميزانية عام 1994 لتقول إن الشركة خسرت 9 ملايين و643 ألف جنيه وبالتالي كان هذا مبررا لحرمان العمال من الحوافز والزيادات والمكافآت . الغريب أن الشركة ادعت الخسارة رغم أنها قامت برفع أسعار زجاجات البيبسي كولا بنسبة كبيرة.

زيادة الأجور:

ادعت إدارة الشركة أن متوسط اجر العامل قد ارتفع إلى 320 جنيها، ولكن المقارنة بين أجور العمال وأجور الإدارة العليا والقطاعات الرئيسية توضح طبيعة هذه الزيادة ، فمتوسط أجور العمال زادت بقيمة جنيه واحد فقط عما كان عليه الحال قبل البيع؛
ولكن في المقابل فقد العمال ببيع الشركة نصيبهم في الأرباح الذي كانوا يحصلون عليه عندما كانت قطاعا عاما بنسبة 25% من أرباح الشركة يصرفون منها 10% نقدا، 15% مقابل الخدمات والإسكان والرعاية الصحية وخلافه، وبذلك حرم العمال من 2,5 مليون جنيه سنويا طيقا لمتوسط نسبة الـ 25% من آخر ربح للشركة قبل بيعها وهو مبلغ كان يذهب للعمال خارج بند الأجور.
كما صرح وكيل المشترين "لمجلة روز اليوسف" في 16 مايو 1994 بعدم التزامه بالقرارات التي تصدرها الدولة والخاصة بمنح العاملين مثل منحة عيد العمال ومنحة المدارس والأعياد والعلاوات التشجيعية، وقال أيضا إنه يفكر في الاستغناء عن نسبة من العاملين الذين يشكلون أعباء مالية على الشركة وتقدر نسبتهم بحوالي 40% وذلك بعد مرور المهلة المحددة بثلاث سنوات.
ولم تمض مدة بسيطة على تصريحات وكيل المشترين حتى صدر قرار رئيس مجلس الإدارة رقم 98 بتاريخ 31/5/1994 بفصل مجموعة من العمال بحجة عدم صلاحيتهم للعمل، رغم حصولهم على تقارير امتياز وحكمت لهم المحكمة بالعودة لكن الشركة رفضت تنفيذ الحكم ثم توالت قرارات الفصل التعسفي فيما بعد بصدور قرارات اللجنة الطبية التابعة للشركة.

شهادة حكومية:

دليل آخر على ممارسات إدارة الشركة موثق في شهادة المهندس عادل الشهاوى رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية، ونص خطابه إلى محمد نصير وكيل المشترين الأجانب في 30 أكتوبر 1994
حيث يقول في الخطاب:
" نرجو الإحاطة بأنه سبق وتلقينا العديد من الشكاوى بشأن إنهاء خدمة بعض العاملين سواء الدائمين أو المؤقتين، وكذا بشأن عدم تجديد الاعارات والإجازات بدون مرتب لبعض العاملين المعارين للدول العربية، هذا وقد تمت مخاطبة الشركة عدة مرات في هذا الخصوص، وكان رد الشركة دائما بعدم الاستجابة لهذه الشكايات، وكان آخرها المؤرخ 6/10/1994 .
وفى هذا الصدد يجدر التنويه إلى أن معاملة العاملين والاحتفاظ بالعمالة كان محل اهتمام كبير سواء عند الإعلان عن البيع أو أثناء دراسة وتقييم العروض وكذا مرحلتي التفاوض والتعاقد، وقد تلقينا تأكيدات بأن المشترين حريصون على العمالة الحالية، وأنهم سوف يحتفظون بها، وأكثر من ذلك التعهد بإتاحة فرص عمل جديدة؛
إلا أننا نرى وقد تشاركونا الرأي أن ما يجرى حاليا من إنهاء لخدمة بعض العمال بمصانع الشركة يناقض الروح التي سادت بيننا أثناء مراحل التعاقد بخصوص العمالة، لذا نرجو العمل على إعادة العاملين إلى الخدمة بالشركة أو تعويضهم التعويض المناسب بما يتفق وأحكام العقد" .انتهى.

أسهم العاملين:

لم يقتصر الأمر على عمليات الفصل أو الحرمان من المنح والمكافآت بل تعداه إلى حصة العاملين في أسهم الشركة وفقا لعقد البيع والتي تمثل 10% حيث رفع الملاك الجدد رأس مال الشركة لينخفض نصيب العاملين من الأسهم إلى 5% فقط، وخرجت ميزانية الشركة في 31،12/1994 لتسجل خسارة مقدارها 9 ملايين و634 ألف، جنيه مما دفع العمال للاحتجاج ضد ضياع حقوقهم رغم زيادة الإنتاج ومعدلات التوزيع؛
ويأتي خطاب رئيس الشركة القابضة في 18/10/1995 ليوضح أن الشركة القابضة لم تتسلم حتى تاريخه في إدارة شركة بيبسي كولا القسط الأول من مساهمة العمال في حصة رأس المال والذي تقوم الشركة بخصمه دوريا من مرتبات العاملين.
ولضرب العمالة الفنية استحدثت الإدارة الجديدة بالشركة إدارة للبحوث تسمى " الثلاجة" نقلت إليها الكفاءات بالشركة دون تكليفهم بأي أعمال، وطلبت الإدارة منهم الجلوس بالمنزل واستلام رواتبهم إلا أنهم رفضوا ذلك ويجرى التفاوض معهم على ترك العمل مقابل تعويض شهرين عن كل سنة خدمة، ووافق البعض وما زال البعض يدرس والبعض الآخر رفض.

(ب‌) المراجل البخارية وتصفية العمالة:

الشركة هي الوحيدة في تخصصها الصناعي في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط لقيامها وتفردها بتصنيع كافة أنواع المراجل البخارية وأوعية الضغط على مختلف سعاتها وعلى أحدث الطرز والنظم العالمية، وهى حاصلة على علامة الجودة العالمية الأيزو 9002 وتعمل للإنتاج المحلى والتصدير للعالم.
الموقع: بمحافظة الجيزة (بمنيل شيحة) على شاطئ النيل الغربي في مواجهة المعادى ويحدها غربا الطريق المؤدى إلى الصعيد وتشغل مصانعها مساحة 31 واحد وثلاثين فدانا عليها العمران الاسكانى. ويعمل بالشركة 900 تسعمائة عامل فني ومهندس وإداري.
وتضم أحدث الماكينات وآلات الورش الصناعية في مجالها حيث تم استلام وتركيب أحدث وحدات الاختبار للمراجل البخارية وأوعية الضغط في العالم كان متعاقدا عليها بمبلغ 10 ملايين دولار قبل التفكير في بيعها بعدة شهور، ثم صدر القرار الوزاري بالبيع خلافا لكل الأعراف المتفق عليها في مصر للمشترى اليهودي.
عند البيع: قيمتها شركة بكتيل الأمريكية الصهيونية بمبلغ 17 سبعة عشر مليون دولار بما يساوى ربع ثمنها تقريبا كأصول دفترية 1992 وقد تم بيعها بالفعل بنفس هذا المبلغ لشركة بابكوك آند ولكوكس العالمية اليهودية والمسجلة بكندا بالمشاركة مع شركاء مصريين علما أن قيمتها السوقية الفعلية تبلغ 500 خمسمائة مليون جنيه مصري.
وبعد انتقال الشركة للمالكين الأجانب بدأت حرب تصفية العمالة حيث تم الضغط على 170 عاملا لتسوية معاشهم مبكرا، وبعد سلسلة من الجزاءات العشوائية تم تسريح العمالة، ووزعت الشركة على العمال خطابا يحثهم على ترك العمل مقابل تعويض مادي؛

وفيما يلي نص الخطاب:

السيد... تود شركة بابكوك آند ويلكوكس أن تخطركم بأنه لا يمكنها الحفاظ على المستوى الحالي لعدد العاملين بها، نظرا لأن أعداد العمالة تفوق الاحتياجات الفعلية للعمل، ولهذا فإن الشركة ترغب في التعويض المادي للعاملين الذين يقبلون التقاعد المبكر وهو مبلغ 15 ألف جنيه ستدفع بالكامل كتسوية نهائية لمستحقاتكم طرف الشركة عند تقديم استقالاتكم من العمل والشركة تأمل لكم مستقبلا باهرا.
ولم تكتف الشركة بذلك بل وزعت خطابا آخر مطبوعا على العمال بصيغة الاستقالة يتقدم بت العامل لتسوية معاشه مبكرا موضحا فيه إقرار منه بالموافقة على الاستقالة نظير مبلغ 15 ألف جنيه ويقر بعدم أحقيته في رفع أي دعوى قضائية حاليا أو مستقبلا ضد الشركة للمطالبة بحقوقه؛
كل ذلك يحدث رغم أن عقد البيع في تعهدات المشترى فقرة (أ) ملزمة بتوظيف كافة العاملين الدائمين التابعين له والمحافظة على مستويات أجورهم ومزاياهم الأخرى المتعاقد عليها والمقررة قانونا..
ولكن لم يمض عام إلا وضربت الشركة بهذا الاتفاق عرض الحائط لتقدم لنا نموذجا آخر على الاستثمار الأجنبي وما يفعله المشترون الأجانب الآن ومستقبلا.. ولا عزاء لتصريحات كبار المسئولين أنه " لا استغناء عن عامل من جراء بيع القطاع العام"..

الباب الثاني:الآثار المتوقعة للخصخصة والبيع

(1) الآثار الاقتصادية والاجتماعية:

(أ‌) ارتفاع الأسعار وتدنى مستوى معيشة المواطن .
(ب‌) انسحاب الدولة من تقديم الخدمات العامة.
(ت‌) ازدياد البطالة والاستغناء عن العمالة

(2) الآثار السياسية:

(أ‌) غياب الحرية السياسية.
(ب‌) تعميق التبعية للخارج

(3) الآثار الثقافية:

لكل سياسة غير متوازية ضحايا، وضحايا السياسة التي تطبق حاليا ، والتي منها عملية بيع القطاع العام، سيتركزون في القاعدة الشعبية العريضة، ولن يقوى محدود الدخل على احتمال آثارها.
كما أنتزايد البطالة، وارتفاع الأسعار، وتراكم ضغوط الحياة سيقود إلى تفشى العنف والجريمة، كما قد يقود إلى تحلل خلقي واجتماعي كما حدث في الدول الآسيوية التي مرت بنفس التجربة في ظروف مشابهة لظروفنا.
وقد ترتب على عملية الخصخصة العديد من الآثار السلبية، ولا يزال تراكم سلبياتها مستمرا إلى الآن وسيستمر في الأمدين القريب والمتوسط بسبب هذه العشوائية والارتجالية في اتخاذ القرارات، وبسبب هذه اللامبالاة بما يعانيه الشعب من جراء هذه السياسات الخاطئة واللاوطنية واللاإنسانية .

ومن هذه الآثار يمكننا ذكر ما يلي:

(1) الآثار الاقتصادية والاجتماعية:

(أ) ارتفاع الأسعار وتدنى مستوى معيشة المواطن:
يلاحظ في مصر أن هناك ارتفاعا مستمرا في السعار، هذا الارتفاع يسمى التضخم، وهو يعنى انخفاض القيمة الشرائية للنقود، وكان معدل زيادة الأسعار متضخما جدا في 1991 وبلغ 20,7% وكانت هناك خطة يوضحها الجدول التالي تستهدف خفض التضخم.
هدف البرنامج خفض التضخم إلى السنة التضخم الحقيقي
17% 1991 20,7%
15% 1992 17%
7% 1993 11%
3% 1994 17%
فقد كان المستهدف خفض التضخم في عام 1991 إلى 17% ، إلا أن رصد الواقع أثبت أن معدل التضخم الحقيقي كان 20,7% أي أن أسعار السلع زادت من الموسم إلى الموسم الذي تلاه بمقدار الخمس، فالسلعة التي كانت تساوى خمسة عشر جنيها زاد ثمنها إلى ثمانية عشر أو عشرين جنيها. وكان المستهدف هو الوصول بمعدل التضخم إلى 3% في عام 1994.
ولو كان برنامج الإصلاح سليما، أو لو كان ينفذ بطريقة صحيحة بعض الشيء لانخفض معدل التضخم، لكن الملاحظ أنه بعد أن انخفض معدل التضخم إلى 11% عام 1993 عاد وارتفع مرة أخرى في عام 1994 إلى 17% وتتضارب البيانات بشأن هذا المعدل في عام 1995، ومتوسطات عام 1996.
ويضاف إلى ما سبق أن الأجور والمرتبات لا تزداد بنفس نسبة زيادة الأسعار، وبخاصة للعاملين في الحكومة والقطاع العام وأصحاب المعاشات، وهم نسبة كبيرة تزيد على خمسة ملايين نسمة، وإذا كان متوسط عدد إفراد الأسرة خمسة أفراد، إن هناك حوالي 25 مليون فرد يتأثرون بشدة من جراء ارتفاع الأسعار.
والملاحظ أن القطاع العام وعملية بيعه يؤديان بالضرورة إلى استمرار ارتفاع الأسعار واستمرار تدنى مستوى المعيشة، وبصرف النظر عن البطالة التي سنتناولها في موضع آخر يمكننا أن نقرر حقيقة واقعة هي أنه كان فيما سبق يوجد برنامج الإصلاح المفروض على مصر فرضا يتجه هذا الدور إلى التلاشي؛
وبعدما كان هناك دعم لأسعار بعض السلع والخدمات الإنتاجية والإستراتيجية بدأ هذا الدعم يتقلص إلى أن أزيل تماما بسبب عملية البيع، والخطر الحقيقي لعملية البيع هي أنها تركت المواطن المصري وجها لوجه أمام مستثمر لا يرغب سوى في الربح غير مبال بالوضع الاقتصادي السيئ لموظف الدولة أو يتدنى مستوى الأجور لديهم، ويزداد الأمر خطورة عندما تكون الشركات المباعة شركات تمس احتياجات المواطن الضرورية كالدواء والغذاء والإسكان والنقل .

للمواطنين:

(ب‌) انسحاب الدولة من تقديم الخدمات الأساسية

التعليم:
من الملاحظ جيدا الآن أن الحكومة تسعى تدريجيا للانسحاب من مجال التعليم عبر إفساح المجال للمدارس والمعاهد والجامعات الخاصة وخفضت الدولة حجم ما كانت تنفقه من أموال على التعليم من 25% عام 1978 إلى 9,2% عام 90 / 1991 (بداية الاتفاق مع الصندوق)؛
واستمر الانخفاض فيما بعد، وصاحب هذا الانخفاض زيادة الرسوم المدرسية والجامعية في المدارس والجامعات الحكومية وإدخال نظام مجموعات التقوية كبديل للدروس الخصوصية، مما يعنى ارتفاع التكاليف الفعلية للدراسة في المدارس المجانية، وترتب على انخفاض الإنفاق الحكومي على التعليم سوء الخدمة التعليمية في المدارس الحكومية ، وكل ذلك أدى إلى تسرب عدد كبير من التلاميذ وازدياد نسبة الأمية (أو على الأقل تعثر جهود القضاء عليها).
الصحة:
من الملاحظ أن الدولة بعد أن سمحت للمستشفيات الخاصة والاستثمارية والتي لا يقدر على العلاج بها إلا الأغنياء لجأت الدولة بعد ذلك إلى تخصيص أقسام للعلاج الاقتصادي بالمستشفيات الحكومية وتتقاضى أجورا عالية من المضي وواكب كل ذلك انهيار الخدمات الصحية في الوحدات الصحية والمستشفيات الرسمية.
وبالنسبة لشركات الأدوية فمنذ تطبيق سياسة الخصخصة رفعت هذه لشركات أسعار الأدوية بنسبة 100% خاصة تلك الأدوية التي يستعملها غالبية الشعب مثل المضادات الحيوية، وحينما تقوم الحكومة ببيع شركات الأدوية بنسب 40% فإن هذا سيعرض أسعار الأدوية لمزيد من الارتفاع.
الإسكان:
قامت الحكومة ببيع بعض شركات الإسكان مثل شركة مصر الجديدة ومدينة نصر وهناك 14 شركة أخرى معروضة للبيع، وهذا يعنى تخلى الدولة عن دعم الإسكان الشعبي لمحدودي الدخل فإذا أضفنا إلى ذلك صدور قانون الإسكان الجديد وهو ما يدخل أيضا في إطار سياسات الخصخصة، وهو القانون الذي يسمح بحرية العرض والطلب دون أي تدخل حكومي ودون تحديد أسعار، وإذا أضفنا إلى ذلك ارتفاع أسعار أراضى البناء ومواد البناء أيضا لعلمنا حجم المشكلة الإسكانية على حقيقتها.
(جـ) ازدياد البطالة والاستغناء عن العمالة:
إذا كانت مصر تعانى منذ فترة من مشكلة البطالة التي وصلت إلى 9,8% فإن هذه المشكلة ستزداد حتما بعد التخلص من شركات القطاع العام، وقد صرح الأمين العام للصندوق الاجتماعي أن عدد العمال المتوقع أن يفقدوا وظائفهم بعد بيع مشروعات القطاع العام تصل إلى ربع مليون عامل، أي ما يعادل عدد ربع العاملين بهذا القطاع " في حين يصر صندوق النقد الدولي على الاستغناء عن نصف مليون عامل باعتبار أن العمالة الزائدة تبلغ 50% من قوة العمل" وعلاوة على ذلك فهناك العاملون بعقود مؤقتة والذين يزيدون عن نصف مليون عامل.
ويلاحظ كما قدمنا أن البيع الذي تم فعلا لم يكن مكفولا بضمانات كبيرة للعمال، خاصة وأن الملاك الجدد لهذه الشركات يرغبون في إصلاح هياكلها الإنتاجية مما سيجعلهم حتما يتخلصون من العمالة الزائدة بعد انتهاء الفترة المحددة بثلاث سنوات.
ومن الأساليب التي تستخدمها الحكومة حاليا للتخلص من العمالة أسلوب المعاش المبكر، ورغم أن الحكومة تعلن حتى الآن أن هذا الأمر اختياري للعمال، إلا أنها تقوم بسلسلة من الإجراءات التي تدفع العمال دفعا للخروج للمعاش المبكر من الشركات التي ما تزال في يد الحكومة، أما الشركات التي بيعت فإن إدارتها أكثر قسوة في إجبار العمال على المعاش المبكر، وتتفاوت قيمة المعاش المبكر من شركة إلى أخرى ومن عامل إلى آخر حسب المدة التي قضاها في العمل.
وإذا كان معدل تنامي البطالة في مصر هو 9,8% تضاف إلى جملة البطالة سنويا، وإذا علمنا أن الزيادة الطبيعية في قوة العمل سنويا مقدارها 500 ألف يد عاملة، وإذا علمنا أن حجم العمالة العائدة من الخارج سنويا مقدارا 300 ألف عامل سنويا.
وإذا علمنا أن عملية بيع القطاع العام سيترتب عليها الاستغناء عن 50 ألف عامل دائم سنويا، هذا بخلاف العمالة المؤقتة، لوجدنا أن قوة العمل المضافة مقدارها 850 ألف عامل سنويا على الأقل، فإذا علمنا أن القطاع الخاص يوفر من 250- 300 ألف فرصة عمل سويا نكون بصدد حجم بطالة يتراوح بين 500- 550 ألف عامل يضافون إلى قوة البطالة سنويا، وهذا معناه كارثة .
وإذا حسبنا صورة العمالة المؤقتة لوجدنا أن معدل نمو البطالة سيكون رهيبا في المستقبل، وإذا أضفنا إليهم احتمال تغير الفن الانتاجى وتأثيره لكنا بصدد كارثة حقيقية.

(3) غياب الحرية السياسية الآثار السياسية وتعميق التبعية للخارج:

يمكننا في مجال الآثار السياسية لعملية الخصخصة أن نميز بين مستويين:المستوى الداخلي والمستوى الخارجي.
(أ‌) المستوى الداخلي: من المفترض أن الليبرالية الاقتصادية " الخصخصة" يتبعها ويواكبها ليبرالية سياسية أي حرية سياسية أوسع ومنافسة حزبية حرة ومتكافئة تسمح بتداول السلطة بين الأحزاب السياسية المتعددة، لكن الواقع يقول غير ذلك، فرغم أن الحكومة أخذت بمبدأ الحرية الاقتصادية؛
إلا أنها ما تزال تقمع الحرية السياسية وإن سمحت بوجود أحزاب سياسية ، لكنها تحاصر هذه الأحزاب داخل مقراتها ولا تسمح لها بحرية الحركة ويرفض الحزب الوطني الحاكم الاعتراف بمبدأ تداول السلطة أو حتى مشاركة الآخرين فيها بنسب معقولة، ولعل أكبر دليل على ذلك ما حدث في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة ومن قبلها انتخابات مجلسي الشورى وحتى ما يحدث من تأميم للنقابات المهنية والنوادي الاجتماعية والرياضية.
أكثر من هذا فقد أعلن بعض مفكري النظام ( د. أسامة الباز مدير مكتب الرئيس للشئون السياسية) إن الحكومة المصرية تؤجل الإصلاح السياسي إلى عام 2005 هكذا بشكل صريح ويحار المرء في تفسير تحديد هذا التاريخ بالذات، هل تم تحديده بحيث تكون عملية الخصخصة وبيع القطاع العام قد اكتملت تماما فلا يصبح هناك مجال أمام الأحزاب الرافضة للبيع أن تتكلم، أم تم تحديده حتى يتم تجديد الفترة الرابعة للرئيس مبارك؟ الله أعلم.
(ب‌) المستوى الخارجي: أي فيما يخص علاقات مصر الخارجية فإن الخصخصة تعنى السوق المفتوح والارتباط بالأسواق العالمية والاندماج فيها، وقد كشفنا بالدليل القاطع أن برنامج الخصخصة الحالي ليس برنامجا مصريا خالصا، إنما هو ثمرة اتفاق مع صندوق النقد الدولي، والصندوق بطبيعته لا يقدم نصائحه الاقتصادية لمصر أو من الدول لوجه الله ولكنه يفعل ذلك حفاظا على استمرارية الدول في دفع ديونها للدول الدائمة أعشاء الصندوق ، أي أنه في النهاية لخدمة أغراض الدائنين ، ومن مصلحة الدائنين ارتباط الدول النامية بهم لتقديم مزيد من الديون إليها، وكذا أسواقها منافذ توزيع للسلع الأجنبية.
أصبح الاقتصاد الوطني من مندمجا بل تابعا للسوق الخارجي ذي... العالية، فإن هذا سينعكس بدوره على الوضع السياسي حيث العلاقة هنا علاقة تبعية للغرب صاحب الديون حتى يرضى عنا الأخير دفع الأقساط، أو قد يتجاوز الأمر ذلك بأن تطلب منا الدول القيام بدور معين نيابة عنها أو بالاشتراك معها كما حدث أثناء الخليج مقابل إسقاط بعض الديون أو إعادة جدولتها.

الآثار الثقافية:

رغم أن الحكومة تعهدت لصندوق النقد والدول الغربية الدائنة بخصخصة كل شيء في مصر ورغم أنها طرحت حتى الشركات الإستراتيجية للخصخصة، إلا أنها ع ذلك ترفض خصخصة وسائل الإعلام كالمؤسسات الصحفية والإذاعة والتليفزيون، وترفض الحكومة السماح بإصدار صحف للأفراد، كما ترفض إنشاء محطات إذاعية أو تليفزيونية خاصة حتى الآن وحتى في مجال السينما تراجعت الحكومة عن بيع الاستوديوهات والمسارح التي تمتلكها (ملاحظة السينما .. ليس حكرا على الحكومة بل إن القطاع الخاص فيهما أقوى من القطاع العام).
ومع أن الحكومة ترفض خصخصة وسائل الثقافة والإعلام حتى الآن باعتبارها أدوات السلطة في توجيه الرأي العام، والتي تنظر إليها السلطة على إنها تماثل القوات المسلحة والشرطة رغم كل ذلك فإن الخصخصة تجلب للمجتمع قيما وتقاليد وثقافة جديدة ومط حياة جديدا ونشر القيم النفعية وحياة استهلاكية وانتشار (الفهلوة والتهليب) والكسب السريع دون اعتبار لشرعيته.

الباب الثالث:موقف الأمة من الخصخصة

في هذا الباب نقدم وجهة نظر الشعب المصري بمختلف تشكيلاته السياسية والنقابية في عملية الخصخصة وسيتضح لنا أن هناك إجماعا وطنيا على رفض الخصخصة بشكلها الذي يتم الآن في مصر ولم يقتصر الأمر على مجرد الرفض، بل بادر بعضها باتخاذ مواقف عملية لمنع البيع.

الفصل الأول:النقابات العمالية والبيع

من الطبيعي أن يكون العمال طليعة المناهضين للخصخصة الصندوقية لأنهم هم ضحيتها الأولى، ومن أعلنت الحكومة عن برنامج الخصخصة هب العمال لمواجهته، وهنا اضطرت الحكومة إلى اللجوء إلى خدع مبتكرة لتهدئة العمال، منها أن الحكومة لم تعلن عن برنامجها مرة واحدة؛

بل حاولت تقديم البرنامج على جرعات في شكل قوانين مثل قانون قطاع الأعمال العام ، وقانون البنوك، وقانون العمال، وقانون الشركات، وكانت الحكومة تحاول أن تتجنب غضب العمال فتعلن على لسان بعض وزرائها أنها لن تسع القطاع العام الآخر دون المساس بأي من الحقوق المكتسبة للعمال وانطلت الحيلة على الكثيرين؛

وبدأ العمال يتعاملون مع المشكلة بنظرة جزئية ضيقة تنظر إلى مجرد قانون صدر، فتنقب في نصوصه عما قد لا يعجبها وترسل بشأنه المذكرات والاحتجاجات للجهات المسئولة دون أن ينظر العمال للمشكلة نظرة كلية تدرك أن هذا القانون ما هو إلا مجرد حلقة من حلقات رؤية متكاملة لصندوق النقد سيتم تطبيقها بشكل أو بآخر. ٍ

الطريق الثانية لتهدئة العمال تمثلت في الالتفاف الحكومة على القيادات العمالية الكبيرة في الاتحاد العام والنقابات العامة وترويضهم وهم مستعدون أصلا لهذا الترويض، إذ إن غالبيتهم أعضاء بالحزب الوطني، وعقدت الحكومة سواء رئيس الوزراء أو وزير قطاع الأعمال أو وزير القوى العاملة سلسلة من اللقاءات مع الكبار في اتحاد العمال لإقناعهم بصحة الخطوات التي تتخذها الحكومة ومطالبتهم بتبني هذه السياسة الحكومية والترويج لها وسط العمال؛

ومع أن هؤلاء القيادات هم من عشاق القطاع العام، وهم من اشد الرافضين سرا للخصخصة، إلا أنهم أعلنوا التزامهم بسياسة الحكومة، ذلك أنهم يعلمون أن ثمن الرفض سيكون غاليا وسيحرمون من عضوية مجالس الشعب والشورى والمجالس المحلية ومجالس إدارات الشركات والنوادي واللجان الكثيرة، وسيحرمون من البدلات الكبيرة التي يتقاضونها وسيحرمون قبل كل هذا من دخول التنظيم النقابي مرة أخرى، ولذلك فحتى لو صدر بطريق الحماس أو الخطأ تصريح صحفي لأحدهم ضد الخصخصة سارع على الفور إلى المسئولين لنفيه.

أما الطريقة الثالثة لكبت العمال، فقد كانت أسلوب "العصا الغليظة" حيث ضاعفت الحكومة من التواجد الأمني داخل الشركات، وفى مناطق التجمعات العمالية لقمع أي حركة احتجاج ضد الخصخصة ، ورغم كل هذه الإجراءات الحكومية التي تراوحت ما بين السيف والذهب والترغيب والترهيب شاهدنا حركة احتجاج عمالية واسعة ضد الخصخصة؛

وكانت هذه الحركة أشد ضراوة بين القواعد العمالية، لكنها تخف كلما اتجهنا إلى قمة التنظيم النقابي بسبب سيطرة الحكومة على هذا التنظيم، وكلنا نذكر أحداث كفر الدوار والشركة العامة للبطاريات والنصر للسيارات وكولدير والنقل الخفيف والماكو وتداول الحاويات ببور سعيد ودمياط والقومية للأسمنت وغيرها من مواقع العمل الصناعي والتجاري.

وجاءت مواقف بعض النقابات العامة في الوسط بين تحركات القواعد العمالية والمواقف المتخاذلة للاتحاد العام للنقابات، وسجلت بعض النقابات موقفها من حركة البيع، ورغم أن هذه النقابات لم تسجل اعتراضها على البيع من حيث المبدأ وإن أعلن بعضها أنه ضد البيع الكامل لمصنع أو شركة ما فإن هذه النقابات سجلت بعض الانتقادات وقدمت بعض المطالب لتحسين عملية البيع من باب إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

في تقييمنا لموقف النقابات العمالية لن نعتمد على التصريحات الصحفية والسنوية التي يسهل التنصل منها، لكننا سنعتمد على بيانات ووثائق مكتوبة لهذه النقابات وسنختار نماذج منها لعلها تفي بالغرض:

(1) ففي النقابة العامة للعاملين بالصناعات الهندسية والتي تضم عددا من المعارضين السياسيين إلى جانب عدد أعضاء الحزب الوطني عقدت النقابة مؤتمرا موسعا لمجلس إدارة النقابة العامة ورؤساء وأمناء اللجان النقابية يوم 16 مارس سنة 1996 ، شارك فيه ممثلون لخمس وأربعين شركة يمثلون ما يقرب من مائة ألف عامل لمناقشة القرار الحكومي ببيع عدد كبير من الشركات.
وأصدر المؤتمر عدة تصريحات تضمنها البيان الختامي: أولها التأكيد على أهمية ودور القطاع العام، وأن سبب تعثره يرجع للسياسات الحكومية والإدارية، كما أكد المؤتمر على ضرورة إتاحة الفرصة الشركات لتصحيح أوضاعها أو تغيير إدارتها، ومطالبة البنوك بإعادة جدولة ديون الشركات لديها، وضرورة مشاركة التنظيم النقابي في كافة إجراءات ومراحل عملية...
إصلاح المسار الاقتصادي للشركات وتوافر كل الضمانات لحماية مكتسبات العاملين من حقوق بالتشريعات السابقة واعتبارها الحد الأدنى في أي تشريعات قادمة، وكانت النقابة العامة للعاملين بالصناعات الهندسية قد أبدت ملاحظات وانتقادات لقوانين أخرى في مجال الخصخصة منها مشروع قانون الشركات الموحد والمشاكل التي تعترض القانون 203 (قانون قطاع الأعمال).
(2) وفى النقابة العامة للعاملين بالتجارة أعدت النقابة ورقة حول رؤيتها لقضية الخصخصة، ففيما يخص توسيع قاعدة الملكية رأت النقابة فيها أن يتم ذلك من خلال طرح أسهم الشركات أ جزء منها للاكتتاب العام عن طريق البورصة، وألا يقل ما يخص من أسهم للعمال عن 25% مع تقديم التيسيرات لهم، كما أعلنت النقابة رفضها لأسلوب بيه أسهم الشركات في مزادات علنية لما في ذلك من آثار سلبية على قيمة الأسهم .
وفى مجال تقييم الشركات رأت النقابة أن تتم إعادة تقييم الشركات عن طريق مكاتب خبرة محايدة مع مراعاة البعد عن استخدام القيمة الدفترية وضرورة استخدام القيمة السوقية أو أسلوب التكلفة البديلة كأساس التقييم مع ضرورة نشر وإعلان نتيجة التقييم تأكيدا لسلامته؛
كما رأت النقابة ألا تلقى الحكومة بأسهم الشركات للاكتتاب دفعة واحدة حتى لا يزيد العرض على الطلب مما يؤدى إلى انخفاض شديد في قيمة الأسهم ومراعاة حالة سوق المال والحالة الاقتصادية بصفة عامة حتى يمكن لسوق المال أن يستوعب ما يطرح من أسهم وعدم إقرار البيع بأقل من السعر المحدد الأسهم مسبقا وفقا لتقييم صحيح.
وفيما يخص حقوق العمال طالبت النقابة باعتبار ما يتقاضاه العاملون من الشركات من أجور وحوافز ومقابل الجهود، وما هو مقرر لهم من مزايا نقدية وعينية هو الحد الأدنى لأي اتفاق يبرم في المستقبل وضرورة الإسراع بتعديل أحكام قانون التأمينات الاجتماعية؛
بما يمكن من يرغب في الخروج على المعاش المبكر الحصول على كامل مستحقاته دون استقطاعات (سن الستين) بالنسبة للأجور العادية والمتغيرة كحافز حقيقي يتيح للحكومة إعادة هيكلة عمالة الشركات، ويضمن حدا أدى لحياة كريمة للعمال، والتأكيد على استمرار حق العمال في المشاركة في إدارة الشركات بصفتهم شركاء أصليين في العملية في الإنتاجية وتقريرا للحقوق الدستورية.
وفيما يخص دور التنظيم النقابي في عملية الخصخصة طالبت النقابة بمشاركة فعالة للتنظيم النقابي ممثلا في النقابات العامة واعتباره شريكا كاملا في اى اتفاق يخص العمال والسماح للنقابات العامة ولجانها النقابية التي ترغب في شراء الأسهم بذلك وتقديم كل التيسيرات الممكنة لها، كما أكدت النقابة على ضرورة التزام الحكومة بخطوات تنفيذية لسداد كافة ما عليها من مديونيات لجميع شركات القطاع العام حتى تتمكن من تصحيح هياكلها التمويلية.
(3) وفى النقابة العامة للعاملين بالكيماويات: عقد مجلس النقابة العامة واللجان النقابية مؤتمرا موسعا يوم 9 من مارس 1996 لمناقشة " خصخصة الشركات"
وقد أصدر المؤتمر بيانا تضمن العددي من التوصيات:
  1. رفض مبدأ البيع المطلق لهذه الشركات.
  2. التأكيد على مساندة برنامج الإصلاح الاقتصادي فيما يتعلق بتوسيع قاعدة الملكية.
  3. إن تقييم أصول القطاع العام بما قيمته 88 مليار جنيه لا يمثل القيمة الحقيقة لهذه الأصول بالأسعار الحالية.
  4. ضرورة مشاركة التنظيم النقابي المصري كمشارك رئيسي في مساندة برنامج الإصلاح الاقتصادي أولا بأول واطلاعه على الخطوات والوسائل التي سيتم بها تنفيذ البرنامج.
  5. الإبقاء على النشاط الرئيسي للشركات المقترح توسيع ملكيتها، وذلك حماية للصناعة الوطنية حتى لا تتحول السوق المصرية إلى سوق استهلاكية.
  6. إن خسائر بعض وحدات القطاع العام المفترى عليه إنما يرجع لعدم حسن اختيار القيادات الإدارية والتنفيذية فيه.
  7. بالرغم من تأكيد الرئيس مبارك أنه لن يضار عامل، حماية للعامل وأسرته، قام بعض رؤساء الشركات بفصل وطرد بعض العاملين غير الدائمين في هذه الشركات علما بأنهم مشاركون أصليون في العملية الإنتاجية.
(4) أما نقابة عمال الغزل والنسيج (نصف مليون عامل والتي يرأسها رئيس الاتحاد سيد راشد)
فقد طالبت في جمعيتها العمومية 26 من مارس 1996 ببعض المطالب الجزئية مثل:
  1. استمرار الحوار حول مشروعي قانوني الشركات والعمل الموحد.
  2. أن يتم توجيه حصيلة بيع أسهم الشركات إلى إصلاح الهياكل التمويلية المتعثرة وتطوير باقي الشركات.
  3. تأكيد موقف النقابة العامة من أن الإصلاح الاقتصادي يؤدى إلى تطوير هذه الشركات وطرح أسهمها للمصريين لضخ الأموال اللازمة لتطوير هذه الشركات، وأن النقابة ضد تصفية أي شركة.
  4. تؤكد الجمعية على ضرورة النص كتابة على ضمانات تحمى حقوق العاملين ومكتسباتهم.
  5. توصى الجمعية بمراعاة البعد الاجتماعي في مرحلة التحول الاقتصادي وأن يشارك التنظيم النقابي في كل مراحله.
  6. توصى الجمعية بتنشيط اتحاد المساهمين من العمال ووضع الأسس والضوابط والتيسيرات اللازمة لتملك العاملين للأسهم.
  7. توصى الجمعية بأن يكون البيع لأسهم الشركات التي ستطرح أسهمها للبيع بسعر السوق وليس بالأسعار الدفترية.

هذه عينة لموقف النقابات العمالية العامة من موضوع الخصخصة ورغم أنها جميعا توجه انتقادات كبيرة للخصخصة وتطالب بضمانات للعمال، مما يعنى تأكدها من عدم وجود هذه الضمانات، رغم ذلك فقد اقتصر موقف هذه النقابات وغيرها من النقابات على مجرد إصدار بيانات غير مسموعة، ولم تجرؤ أية نقابة على اتخاذ موقف أكثر تشددا من ذلك للأسباب التي سبق شرحها.

وإذا كانت النقابات العامة قد حاولت أن تعبر عن موقفها بإصدار البيانات، رغم أن ذلك أقل مما يريد العمال، إلا أن الاتحاد العام اتخذ موقفا أكثر تخاذلا فقد أعلن الاتحاد على لسان رئيسه تأييده الكامل لبرنامج الخصخصة وثقته التامة في أن الحكومة لن تفعل ما فيه ضرر للعمال.. وهكذا لاحظنا أن حركة الاحتجاج العمالي ضد الخصخصة تبلغ ذروتها في القواعد العمالية، لكنها تقل حدة كلما اتجهنا نحو قمة الهرم النقابي.

الفصل الثاني:مواقف الأحزاب والقوى السياسية من الخصخصة

تنوعت مواقف الأحزاب الرئيسية من عملية الخصخصة وبيع القطاع العام وفقا للعقدية السياسية والاقتصادية لكل حزب، وتراوحت مواقف الأحزاب بين الدفاع الكامل عن القطاع العام باعتباره الشكل الأنسب لمصر والهجوم الحاد على هذا القطاع باعتباره سبب كل المشاكل الاقتصادية وبين موقف يعترف بفضل القطاع العام لكنه يرى أنه مع الوقت وبسبب سوء الإدارة واستغلال السلطة له أصبح مثقلا بالمشاكل التي جعلته لا يسهم بشكل جيد في عملية التنمية، وبالتالي فلابد من وقفة للإصلاح.

ويمثل الموقف الأول التيار اليساري (حزب التجمع، الحزب الناصري، الأحزاب الشيوعية غير الشرعية) كما يمثل الموقف الثاني حزب الوفد وبعض الأحزاب اليمينية الصغيرة وبعض الجمعيات والمنتديات الاقتصادية.

وبالطبع جماعات رجال الأعمال، بينما يمثل الموقف الثالث أساسا حزب العمل والقوى الإسلامية الأخرى وبعض الأحزاب الأخرى مثل (حزب الأحرار، حزب مصر، الخ..) وعدد كبير من رجال الاقتصاد والسياسة المستقلين.

ولكن رغم هذا التباين النظري تجاه الخصخصة كفلسفة اقتصادية وتجاه الموقف من بيع القطاع العام من حيث المبدأ، إلا أننا من خلال استقرائنا للمواقف العملية والمكتوبة للأحزاب الرئيسية رأينا أنها جميعا متفقة على رفض الأسلوب الحالي للخصخصة

وأنها جميعا تنظر بكثير من الشك لما يدور وما يحدث من تصفية لشركات القطاع العام دون ضوابط محددة ودون مشاورة أو مشاركة شعبية، وفى ظل التعتيم وعدم الشفافية الذي يصاحب حركة البيع وأيضا لاقتصار الحكومة على الأخذ ببعض جوانب الخصخصة وترك الجوانب الأخرى مثل عدم خصخصة وسائل الإعلام والثقافة وكذلك الأخذ بالحرية الاقتصادية في مقابل استمرار الكبت السياسي وخنق التعددية الحزبية

وفيما يلي أضواء على مواقف بعض الأحزاب

حزب التجمع

أصدر حزب التجمع بيانا شاملا أعده مكتبه الاقتصادي يبين موقف الحزب من برنامج الحكومة لتطوير القطاع العام.أشار الحزب في ورقته إلى كيفية نشأة القطاع العام وتطوره والمحاولات الحكومية السابقة للتطوير أو التصفية والقوى المضادة للقطاع العام.

وخلص الحزب في ورقته إلى ما يلي:

  1. رفض أي محاولات لتصفية أو بيع القطاع العام (فالشركات الرابحة لا يجوز التصرف فيها بالبيع، أما الشركات الخاسرة فيلزم التبصر والدراسة قبل اتخاذ قرار بشأنها، فإذا كانت الخسائر بسبب التزامات وقيود فرضتها الدولة على هذه الشركات فلا يجوز تصفيتها بل يجب إزالة هذه القيود لفتح مجال التطوير أمامها) أما إذا كانت الخسائر بسبب سوء الإدارة فتنذر الإدارة بضرورة تحسين أدائها ويقترح الحزب أن تكون إدارتها من مجموع العاملين الذين ينتخبون إدارتهم لتحمل المسئولية، فإذا لم ينجح هذا الأسلوب في وقف الخسائر فلا طريق إلا التصفية.
  2. إن رفض البيع ينصرف أيضا إلى عدم قبول بيع رأس المال أو الأصول القائمة بالفعل إلى العاملين بالمشروع أو للجمهور بشكل عام. أن نقل الأصول من ملكية إلى ملكية أخرى لا يمثل استثمارا جديدا وليس له ما يبرره.
  3. إن رفض بيع القطاع العام معناه أن تدبير التمويل لأغراض التوسع وعمليات الإحلال والتجديد الأساسية في القطاع العام مسئولية الدولة أولا من مواردها، خاصة أن الدولة هي التي تحصل على فائض القطاع العام، ثم تأتى بعد ذلك عملية الالتجاء لمدخرات القطاع العائلي إذا لم تكف موارد الدولة.

ويرى حزب التجمع أنه بأس من طرح شركات القطاع العام لأشكال مختلفة من السندات ، كما أنه من الوارد أيضا طرح أشكال مختلفة من الأسهم للاكتتاب العام لتعزيز التمويل الذي تقدمه الدولة لهذه المشروعات باعتباره الأساس ، ويرى الحزب أن زيادة الاعتماد على القطاع العائلي لتمويل التوسع والإحلال والتجديد لن يؤدى إلى انتفاء صفة القطاع العام عن الشركات التي تكونه.

كما يرى الحزب فتح الباب للعاملين وتشجيعهم على المساهمة في تمويل التوسعات في شركاتهم عن طريق أسهم تدفع على أقساط وتكون أسهم اسمية لصالح العاملين في الشركة دون غيرهم ويمكن لمن خرجوا إلى المعاش أن يستمروا في ملكية هذه الأسهم أو التصرف فيها لـعامين آخرين في نفس الشركة ويشترط في كل الأحوال أن يحدد الحد الأعلى لملكية أي من العاملين ويكون لمالكي الأسهم من العاملين ممثلوهم في مجلس الإدارة بنسبة ما يملكون بالإضافة إلى تمثيلهم الحالي.

الحزب الناصري

يشبه موقف الحزب الناصري موقف حزب التجمع من حيث المقدمات والنتائج بل إن الحزب الناصري يتعامل مع قضية القطاع العام بشكل فيه قدر كبير من العاطفية، باعتبار أن القطاع العام من أهم منجزات عبد الناصر وبالتالي فإن عليهم الدفاع عن هذا الانجاز لأن هذا أساس شرعيتهم.

ويرى الحزب الناصري أن القطاع العام تعرض لسلسلة من المؤامرات في السبعينات والثمانينات والتسعينات أعجزته عن تنفيذ خطط الإحلال والتجديد والتغير (حديث ضياء الدين داود رئيس الحزب العربي الناصري لجريدة العربي 22/ 7/ 1996) .

وأعلن ضياء الدين داود أن الحزب الناصري يقاوم بيع القطاع العام بأساليب متعددة منها الإعلامية والانتشار بين العمال وشرح مخاطر البيع لهم وتنظم اعتصام رمزي بمقر الحزب ثم اللجوء للقضاء للطعن بعدم دستورية البيع.

ومع ذلك فإن رئيس الحزب الناصري لا يمانع من وجود قطاع خاص مصري على أن يظل القطاع العام هو الذي يقود عملية التنمية بشكل رئيسي .

حزب الوفد

في تقرير موجز أعده حزب الوفد عن موقفه من عملية الخصخصة أكد الحزب أن التخصيصية هي جوهرالاصلاح الاقتصادي ومحوره الأساسي، بل إن القطاع العام بحجمه المستفحل وفروعه المتنوعة وأنشطته الممتدة إلى معظم الميادين الإنتاجية والخدمية يشكل قوة ضاغطة على أنشطة القطاع الخاص؛

ويهدد في نفس الوقت نسبة كبيرة من موارد المجتمع بسبب سوء تنظيمه وفساد إدارته وجنوحه إلى الدعم والاحتكار، ولما كان العامل الأيديولوجي قد لعب دورا كبيرا في فرض القطاع العام، وكان هذا العامل يشكل في نفس الوقت حافزا قويا على دعم السلطة السياسية المطلقة بالسلطة الاقتصادية من خلال القطاع العام، ويتيح بالتالي تركيز السلطتين معا في قبضة واحدة؛

فإن التخلي عن هذه الأيديولوجية ونبذ الديكتاتورية يقتضى بالضرورة تحرير الإنسان في خبزه حتى تتحرر اختياراته السياسية وتنطلق طاقاته الإبداعية، ومن هنا ترتبط قضية التخصيصية بقضية الديمقراطية، ويعتمد نجاح التخصيصية على مدى توافر المناخ الديمقراطي الصحيح الذي يفرض إرادة الأغلبية على أعمال الحكومة من خلال مجلس نيابي حقيقي وإعلام حر .. الخ.

ولكن رغم الموقف المبدأى بالحزب المؤيد للتخصيصية والرافض للقطاع العام فإن الحزب وضع العديد من التحفظات على خطة الحكومة في الخصخصة أولها عدم تغير المناخ السياسي وإشراك المسئولين الذين خربوا وأفسدوا القطاع العام في عملية بيعه الآن.

ومن الاعتراضات الوفدية أيضا السرية التي تفرضها الحكومة على تحركاتها وخططها للبيع والجهات الموكل إليها عملية التقييم وعدم خضوع الإجراءات الحكومية للرقابة البرلمانية والشعبية.

ورغم الموقف المبدأى للوفد المؤيد للقطاع الخاص فإن الحزب يقسم مشروعات القطاع العام الحالية إلى مشروعات يمكن بيعها وأخرى يستحيا بيعها وبالتالي ضرورة تصفيتها، ومشروعات سوف تظل في ملكية الدولة وبالتالي ينبغي تنظيمها وترشيدها. ويرى الوفد ألا تزيد نسبة اكتتاب غير المصريين فئ المشروعات المباعة من 49% في المشروع الواحد حتى تظل مقاليد الثروة القومية في ايدى مصرية.

كما يرى الحزب تخصيص نسبة من الأسهم للعاملين تسد قيمتها على أقساط وكذلك إنشاء صندوق لدعم العاملين في الشركات المباعة ضد إخطار البطالة.

حزب العمل

رغم أن حزب العمل يدافع بدوره عن القطاع العام إلا أنه يعلن في نفس الوقت دعمه وتشجيعه للقطاع الخاص، ويرى الحزب أن لطلا القطاعين دورا هاما في التنمية، هذا من حيث المبدأ ، أما من حيث الموقف مما يجرى الآن على أرض مصر فإن حزب العمل لا يعتبر أن ما يحدث خصخصة ، بل يرى أنها " نهب فظيع" وأنه " جريمة" على حد تعبير عادل حسين الأمين العام للحزب.

ويرى حزب العمل أن الخصخصة ليست صحيحة في كل الأحوال ولا هي خاطئة كذلك في كل الأحوال،وبالتالي فإن الحكم يكون حسب كل مشروع وحسب الظروف المحددة التي يتم فيها التصرف وإذا تصور البعض أن حكاية الخصخصة " هوجة" أو " موضة" يجب أن نسايرها وبأقصى سرعة فهذا جهل؛

وكل الاقتصاديين الوطنيين يدركون الآن أن الخصخصة (مع ما صاحبها من حديث عما يشبه الإلغاء لدور الدولة في إدارة الاقتصاد القوى) هي وصفة تبنتها الهيئات الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين) وهما هيئتان خاضعتان للمدرسة الانجليزية الأمريكية فكريا وإداريا.

وإذا كان من الواجب أن نستفيد من الخصخصة بمعنى بيع المشروعات العامة بأقصى سرعة ، فمعلوم أن نتائج هذه العملية كانت كارثة اقتصادية انخفض فيها الإنتاج، ونهبت أثنائها ثروات البلاد، وعلى رأسها روسيا، ونحن في مصر الآن بصدد كارثة من هذا النوع أو أكبر إن لم يقف الشعب ليسحق مخططات الهيئات الدولية التي يساندها عندنا بشكل مباشر الحلف الأمريكي والاسرائيلى.

ويرى حزب العمل أن للخصخصة ضوابط ينبغي التزامها فهي ليست مجرد بيع والسلام كما يقول أمين عام الحزب (الشعب 19/ 3/ 1996) ويشرح أمين الحزب هذه الضوابط كما يلي:

إذا كانت الخصخصة لحساب الوطن وتنميته الاقتصادية فإن الضابط الأول لها هو الحفاظ على الاستقلال الاقتصادي والضابط الثاني هو أن يكون البيع بالسعر الحقيقي، وهناك ضوابط أخرى على رأسها حقوق العاملين ، ولكن كل هذه الضوابط الأخرى لا مجال لتحقيقها إذا كانت المشروعات ستذهب إلى الأجانب أو الصهاينة، أو إذا كانت المسألة مجرد " نهيبة" لأموال الشعب.
والحاصل حسبما نرى الآن هو أن الضابطين الأساسيين غير متوافرين ، وبالتالي فإن كل الضوابط الأخرى منهارة، وبالتالي ينبغي أن توقف هذه الجريمة على الفور.
ويطالب حزب العمل عبر أمينه العام كل المهتمين بالاقتصاد الوطني بعدم الدخول في خلافات حول عيوب أو مزايا الخصخصة لأن ما نحن بصدده ليس عملية خصخصة حسب المفهوم العلمي والوطني ولكننا أمام عملية نهب كبرى ونصب، وليتها تتم لحساب اللصوص المصريين فحسب؛
ولكنها تتم أيضا لحساب اللصوص الأجانب والصهاينة، فمن غير المعقول أن يتم التصرف في مشروعات بهذا العدد ، وهذا الحجم بسرعة وفى السر، وغير المعقول ولا مقبول أن ينفرد وزير أو لجنة وزارية بتقرير هذا الأمر من وراء ظهورنا جميعا.
ويدلل أمين حزب العمل على أن ما يجرى هو نهب باختلاف التقديرات الحكومية لأصول القطاع العام المرشحة للبيع، والتي قدرتها التقديرات الرسمية بـ 1500 بليون جنيه، ثم هبطت بها الحكومة نفسها إلى 17 بليون، أي حوالي 1% من التقديرات السابقة، ويقترح حزب العمل وقف البيع فورا ثم الدخول في مناقشات يشترك فيها الجميع ، بل وكبار المثقفين والاقتصاديين لتحدد القرارات اللازمة للتصرف في القطاع العام في أن يطرح الأمر على استفتاء عام وبشرط عدم تزويره.

الإخوان المسلمون

إن بناء رؤية أو تصور إسلامي حول قضية " الخصخصة " أمر يحتاج إلى تضافر جهود الفقهاء والمفكرين الاقتصاديين والساسة والعمال وأصحاب الأعمال على السواء، ذلك أن الوصول إلى هذا التصور أو الرأي الشرعي يتطلب أمرين معا " فقه النص" أي فهم النصوص الشرعية (قرآن وسنة) و" فقه الواقع" أي إحاطة تامة بما حدث في الواقع بكل ملابساته وخلفياته وشخوصه ومنطلقاته .. الخ،

وإذا كنا قد فصلنا مسألة فقه الواقع من خلال الفصول السابقة فإننا الآن بحاجة إلى " فقه النص" وإنزال هذه النصوص على الواقع وقياس مدى اتساق الواقع مع النصوص.

الملامح العامة للتصور الاسلامى:

حدد المنهج الاسلامى ملامح عامة لطبيعة وشكل الملكية ووظيفتها ، وكذلك لحدود دور السلطة "الدولة" ولعلاقات العمل بين العمال وأصحاب الأعمال ولحدود العلاقات مع الغير سواء كانوا أعداء أو كانوا أصدقاء.

طبيعة الملكية

ففيما يخص طبيعة ملكية الثروة في الإسلام فهي ملكية خالصة لله تعالى " لله ملك السموات والأرض" " لله ما في السموات والأرض" بيده ملكوت السموات والأرض" ولله ميراث السموات والأرض" لكن الله سبحانه وتعالى استخلف البشر على هذه الثروة (الملكية) " أمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" " الحديد" ،" وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خلية" البقرة.
أي أن ملكية الأفراد للثروة هي "ملكية استخلاف" وملكية الاستخلاف لها تبعاتها التي ينبغي على المستخلف أن يقوم بها فعليه أن ينمى هذه الثروة ليعمر بها الأرض ويحقق بها الحياة الطيبة والخير لبنى قومه " هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" أي طلب منكم إعمارها ، وكذا عليه أن يؤدى حق الله وحق المجتمع وحق نفسه من هذه الثروة.
وهناك اتفاق بين من كتبوا في الاقتصاد الاسلامى على أن المشروع الخاص هو الوحدة الأساسية فئ النشاط الانتاجى لكن ذلك لا يمنع من وجود قطاع عام أو حكومي بلغة أدق وذلك للقيام بالعمليات الإنتاجية التي يعجز عنها القطاع الخاص أي لا يرغب في الدخول فيها لقلة أرباحها مثلا، رغم أن هذه العمليات " ضرورية للمجتمع" ولأمنه القومي، فهنا تتدخل الحكومة وفقا لقاعدة " المصالح المرسلة" وللقاعدة الشرعية " ما لا يتم الواجب إلا بت فهو واجب" .

دور الدولة

أما عن دور الدولة في ظل المنهج الاسلامى فإنه يتركز أساسا في تنظيم الإنتاجية وتحديد أولوياتها ووضع القواعد العامة التي تحكم هذه العملية انطلاقا من القواعد الشرعية والفهم الصحيح للواقع، وكما ذكرنا من قبل فإنه ينبغي على الدولة أن تتدخل عند الضرورة لإنشاء صناعات معينة أو وقفها إذا كانت محرمة أو ضارة بالمجتمع " صناعة الخمر مثلا" أو المشاركة في صناعة قائمة أو تقديم تيسيرات لصناعة أخرى ترى أن لها أهمية خاصة.
ومن واجب الدولة توفير المناخ المناسب للاستثمار والإنتاج من حيث توفير الأمن والطمأنينة وتأمين الناس وتحسين المرافق والبنية الأساسية وضبط العملية المالية مثل أسعار العملة وجمع الزكوات والضرائب ومنع الاحتكار ومنع الربا ومنع كل ما شأنه أن يضر بالاقتصاد الوطني؛
وعلى الدولة أن توفر الاحتياجات الرئيسية للمواطنين سواء تم ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر (أي تتيح الدولة بنفسها الأشياء الضرورية أو تشجع القطاع الخاص أو تلزمه بذلك) عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" ومن نفس المنطلق (أي مسئولية الراعي عن الرعية)
ينبغي أن تيسر الدولة للأفراد فرص عمل حقيقية تعينهم على الحياة الكريمة، ولقد قال عمر بن الخطاب " والله لو عثرت بغلة بأرض العراق لخشيت أن يسألني الله لم تمهد لها الطريق يا عمر؟ " فهل يسأل الله الحاكم عن بغلة عثرت، ولا يسأله عن إنسان يعانى الجوع والبطالة؟ والله سبحانه وتعالى هو الذي كرم " ابن آدم" وفضله على سائر الخلائق " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".

علاقات العمل والإنتاج

وأما عن علاقات العمل وواجبات وحقوق أصحاب العمل والعمال فقد وضع المنهج الاسلامى قواعد عادلة للتعامل بين العمال وأصحاب العمل تقوم على التعاون " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" ؛

وقد ذكرنا من قبل أن صاحب المال (أو المستخلف عليه) مطالب بأداء حقوق الله والعباد في هذا المال " وفى أموالهم حق للسائل والمحروم" ومن الحقوق أيضا الزكاة ، " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم" ، " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة"؛

ومن حق الحاكم عند الضرورة أن يطلب ضرائب إضافية بخلاف الزكاة لسد حاجة المجتمع، كما يأمر القرآن المؤمنين لن يتعاملوا بالعدل، " إن الله يأمر بالعدل والإحسان" ، " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" ؛

كما إن الإسلام قرر " إنما المؤمنون إخوة" فالعمال وأصحاب الأعمال هم إخوة وليسوا سادة وعبيد لا ينبغي أن يفهم أحد خطأ قول الله تعالى " أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضهم درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون".

إن التسخير هنا له معنى يختلف عما في أذهان الناس فالتسخير هنا بمعنى تعاون وتضافر المواهب والملكيات المتنوعة بين الناس في المجتمع فهذا بماله؛وهذا بعلمه وهذا بعمله حتى يتحقق الاعمار البشرى، على أن يكون هذا الإعمار والتغير نبتا للعمل الصالح خاليا من كل مظاهر الفساد والاستغلال والاستبداد؛

إن مدلول كلمة التسخير في الآية الكريمة ليس مدلولا طبقيا رأسماليا استغلاليا، فالله سبحانه وتعالى الحق العدل ليس بظلام للعبيد لا يقر الظلم ولا يقيمه " إن الله يأمر بالعدل والإحسان" ، " كتب ربكم على نفسه الرحمة" فحاشاه سبحانه وتعالى أن يأمر إنسانا بظلم أخيه. ثم إن معنى الآية " ليتخذ بعضهم بعضا سخريا" وأصحاب الأموال سخرهم الله لإعمار الأرض بأموالهم، والعمال سخرهم الله بعملهم وجهده وهكذا.

والإسلام يوفر الأمن الاقتصادي والأمن المعنوي للعمال حتى يستطيعوا أن ينتجوا في غير خوف على حاضرهم أو مستقبلهم " الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".

وفى المقابل فإن الاستلام يطلب من العامل إتقان العمل " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" وقول صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" كما يطلب من العامل أن يتقى الله في عمله وأن يتفانى فيه، وأن يخلص لصاحب العمل ويكون أمينا " إن خير من استأجرت القوى الأمين"

وألا يطالب بشيء يزيد عن حقه " فما أخذ بسيف الحياء فهو حرام" إذا سار العمال وأصحاب الأعمال على القواعد العادلة السابقة فمن المؤكد أنه ستعم حالة من السلام الاجتماعية وروح الحب والتعاون وسينعكس ذلك بالإيجاب على الإنتاج كما وكيفا.

الدور الأجنبي

أما فيما يتعلق بحدود العلاقات الاقتصادية للمجتمع المسلم مع غيره من الدول والمجتمعات، فقد حذرنا الله في قرآنه من مكر الأعداء السىء الذين لا يريدون أن تقوم للمسلمين قائمة ولا تكون لهم شوكة وهم يسخرون كل إمكانياتهم العلمية والاقتصادية والعسكرية من اجل هذا الهدف؛

ومعظم ما يفعلونه معنا في المجال الاقتصادي يأتي في هذا الإطار سواء من خلال القروض المدمرة أو المنح التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب أو من خلال تزيين السوء لنا حيث ينصحوننا مثلا بتصفية صناعات هامة أو التركيز على صناعات ترفيهية، وبيع البنية الاقتصادية التي تحتاج إليها حقيقة للأجانب، كما هو حادث الآن، والمنهج الاسلامى يرفض سيطرة الأعداء على ثروات المسلمين ويحرم على المسلمين أن يضعوا مقدراتهم في أيدي أعدائهم والآيات التي تنهى عن موالاة الأعداء أكثر من أن تحصى.

مدى توافق الواقع مع الشرع

إذا كان ما سبق هو توضيح للمبادئ والقواعد العامة للتصور الاسلامى للعملية الاقتصادية الإنتاجية، فما هو الموقف مما يحدث الآن على أرض الواقع أو ما يسمى " بالخصخصة"؟

من المعروف أن برنامج الخصخصة الحالي وضعه صندوق النقد الدولي الممثل الرسمي للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الممول الرئيسي للصندوق.

وإذا كان هذا البرنامج قد وضعه لنا الأعداء (رغم وجود علاقات دبلوماسية رسمية معهم) فإن هؤلاء الأعداء كما أخبرنا القرآن " لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم".

وإذا كان الغرب الأوربي قد أعلن بعد هزيمة وتفكك الكتلة الشيوعية أن عدوه الجدي هو الإسلام وأمته، فهل نتخيل أنهم يريدون لنا إصلاحا وخيرا وهم الذين بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر. إننا نرفض أن يشرع لنا أحد من الخارج أو أن يقدم لنا النصائح الفاسدة والتي اثمها أكبر من نفعها على المدى القصير والطويل.

إن برنامج الصندوق الذي وضعه غلاة الكارهين لأمة الإسلامية في مكاتبهم بواشنطن ولندن وباريس لا يقتصر عند حدود بيع وحدات القطاع العام ، كما يتوهم البعض، بل إنه يضع منهاجا متكاملا للحياة، هو منهج رأسمالي متوحش كامل يحل محل المنهج الاشتراكي الذي كان سائدا من قبل، وكلاهما مرفوض إسلاميا، لقد أصبحنا كمن يستجير بالرمضاء من النار، فقد احترقنا من ظلم وطغيان الإشتراكية ، وها نحن ندفع دفعا إلى نيران الرأسمالية.

نهب منظم

إذا ما يحدث اليوم على أرض مصر ى يمكن الحديث عنه باعتباره مشروعا ذا مصداقية على أي صعيد ، بل يمكن وصفه أنه أكبر عملية نهب منظم لثروة مصر، ولذلك لم يكن غريبا أن تجمع الأمة ممثلة في أحزابها المختلفة ونقاباتها العمالية على رفض هذا البرنامج.

إن برنامج الخصخصة الصندوقي بما يحمله معه من قيم وتقاليد جديدة ينفى بشكل غير مباشر الإسلام كمنهج حياة ويشيع قيما ثقافية واقتصادية واجتماعية مخالفة لروح ونصوص الإسلام، ومخالفة أيضا لتقاليد المجتمع المصري، كما أسلفنا في الحديث عن الآثار المترتبة على البيع.

غياب الأمانة

وروشتة صندوق النقد وإن كانت لا تصلح لنا أصلا كما أسلفنا فإن التطبيق العملي يؤكد صدق تحليلاتنا فالذين يقومون بالبيع الآن ليسوا ممثلين شرعيين للشعب سواء كانت الحكومة أو مجلس الشعب الذي قضت المحاكم ببطلان عضوية معظم نوابه بسبب التزوير الفاضح لإدارة الناخبين.

والحكومة لم تستشر أو تشرك معها أحدا من الشعب أو أحزابه أو قواه الحية في هذه العملية ولو بمجرد إبداء الرأي ، وكأن القطاع العام هو عزبة خاصة تملكها الحكومة وحدها، رغم أنه ملك الشعب كله طبا لنصوص الدستور.

تملك الأجانب

إن إصرار الصندوق على السرعة في الخصخصة ورفض المرحلية رغم علمه أن السوق الاستثماري المصري لا يستوعب هذا الحجم من الشركات المعروضة للبيع، لا يعنى إلا أن الصندوق يهدف إلى تيسير تملك الأجانب لثروة مصر المتمثلة في القطاع العام وزاد الطين بلة أن الحكومة لم تضع قيدا أو شرطا على شراء وتملك الأجانب للقطاع العام؛

رغم أن أعتى الدول الرأسمالية تضع حدودا وسدودا على تملك الأجانب، ومنها السهم الذهبي في بريطانيا الذي يعطى صاحبه " وهى الحكومة" حق الاعتراض على أي قرار ،ومنها تكوين لجنة وزارية لمتابعة البيع للأجانب، كما هو الحال في فرنسا، ومنها عدم السماح للأجانب بالتملك والشراء في صناعات إستراتيجية كما هو الحال في أمريكا.

علاقات العمل والإنتاج

وفيما يتعلق بمناخ الإنتاج والعمل فإن هذا البرنامج لا يضع أية ضوابط عن حركة الاستغناء عن العمالة، وفصل بعضها دون تعويض مناسب، فهو يشيع جوا من الخوف والقلق بين العمال ويجعلهم غير آمنين على حاضرهم ومستقبلهم.

وفوق كل ما سبق ، فإن الحكومة اقتصرت على الجانب الاقتصادي للخصخصة أي البيع، وترفض قبول الجانب السياسي الذي يطلق حرية العمال في التعبير عن مطالبهم بالإضراب أو الاعتصام ، بالإضافة إلى حرية العمل السياسي، ويطلق حرية تكوين الأحزاب وإصدار الصحف، والقبول عملا لا قولا بمبدأ تداول السلطة واحترام إرادة الشعب.

الخلاصة

إننا لكل الأسباب السابقة نرفض برنامج صندوق النقد للخصخصة ونطالب بوقفه فورا إلى حين وضع برنامج إصلاح وطني بديل يأخذ بعين الاعتبار المبادئ الشرعية والظروف الواقعية لمصر، ويراعى التدرج وحقوق العمال وحماية ثروة مصر وإبقائها في أيدي وطنية بعيدا عن سيطرة الأجانب؛

ولا يبيع المشروعات بأثمان بخسة وبطرق مشبوهة، برنامج ينطلق بالإنتاج المصري والصناعة المصرية إلى الأمام لتصبح قادرة على المنافسة وغزو الأسواق العالمية وتحقيق فوائض تسمح لنا بسداد الديون الخارجية وحتى الداخلية، دون طلب العون من أحد أو قبول شروط مجحفة يأباها الشرع ويأباها العقل..

"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"
صدق الله العظيم