بين التجاهل والتخاذل .. تبدع القلة المندسة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بقلم / م. محمود مبارك

كنا صغاراً مازلنا لا نعرف شيئأً عن اسرائيل سوى أنها عدو كبير يريد أن يدمرنا .. عندها تربينا على عقيدة زرعت فى نفوسنا بهذا المعنى .. ثم لما صرنا فتياناً حدثوناً عن المؤامرات التى تحاك ليل نهار ضد الاسلام والمسلمين وواجبنا نحوها .. وكان الحديث كله عاطفياً مطعم بقليل من المعلومات التى تصيبنا بالانهيار والدهشة مع استنكار بريئ فى داخلنا : لماذا هم أقوياء ونحن ضعفاء ..ليتسلل بعدها عقيدة اخرى بأننا أمة مستضعفة يحكمها من يدين للأقوياء بالفضل والبقاء .

فى كل يوم يتسنّى لنا الاطلاع على مظاهر سيطرة الصهيونية على العالم وامتلاكها مفاتيح التأثير وصنع القرار .. سيطرة بدأت بتفوق داخلى ثم لوبى قوى يحرك الدمى كما يشاء .. ويستخدمون كل الوسائل المشروعة والغير مشروعة للوصول الى أهدافهم .. ونحن هنا نستعرض صوراً من مجالات شتى بايجاز يوضح معالم هذا التفوق الصهيوأمريكى فى مشروعهم الذى يكتسب كل يوم ارضا جديدة وسط حالة غياب اسلامية عربية الا من رحم الله


تفوق داخلى يرعى تفوق خارجى

هذه هى اسرائيل اذاً بالمقارنة معنا .. كيان ضئيل الحجم لكن طويل الأذرع .. تنفق 5% من اجمالى الناتج القومى لميزانيتها فى مقابل 3, 0% للدول العربية من الناتج القومى على البحث العلمى

وبالمجمل يبلغ انفاق الدول العربية على البحث العلمي والتطوير تقريبا نصف ما تنفقه اسرائيل, على الرغم من ان الناتج القومي العربي يبلغ 11 ضعف الناتج القومي في اسرائيل, والمساحة هي 649 ضعف السعودية لديها 171 براءة , مصر 77 براءة اختراع الكويت 52 براءة ، بينما اسرائيل براءات الاختراع بها  : 16805 ( احصائيات مركز أبحاث الدكتور خالد سعيد ربايعة بأمريكا) .

الجامعة العبرية

الجامعة العبرية احتلت المركز 64 على مستوى العالم، بينما لم يرد ذكر أي من الجامعات العربية في الخمسمائة جامعة الاولى. . وهناك تسعة علماء اسرائيليين حازوا على جوائز نوبل، بينما حاز العرب مجتمعين حازوا على 6 جوائز فى هذا الشأن يقول العالم المصري أحمد زويل الحائز على جائزه نوبل في الكيمياء : ان انتاج العالم العربي من المعارف الانسانية لا يتجاوز 0.0002% من انتاج العالم بينما تنتج اسرائيل 1.0% من المعارف العالمية اي ان اسرائيل تنتج ابحاثا ومعارف 5000 مره اكثر من العالم العربى تغلغل وسيطرة ونفوذ

الصورة الثانية تعكس بعداً خطيراً فى ادارة العالم عبر الصهاينة .. ففى أمريكا وحدها عشرات المنظمات اليهودية والمسيحية الصهيونية تمارس نشاطها على مدار الساعة .. منظمة ( الايباك ) هي أقوى جمعيات الضغط الصهيونى فى أمريكا وتمارس ضغطها بالتحديد على أعضاء الكونغرس الأمريكى , هدفها تحقيق الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني فقط .. تأسست عام 1952 ويقدر أعضاؤها الفاعلين الآن بـ 100 الف عضو( منهم 45 سيناتور و 200 نائب ) وميزانيتها السنوية الدعائية 40 مليون دولار ولها مركز معلوماتى بحثى يسمى : مركز دراسات الشرق الأدنى , ومهمته الترويج لسياسة إسرائيل وكسب الدعم العالمى لها ,ويصدر ملحقا دوريا بعنوان " الحقائق والأكاذيب " خصيصاً لأعضاء الكونجرس وهو منشور يحتوى آخر أخبار تطور الصراع بين العربى الاسرائيلى من وجهة نظر صهيونية .. وللمنظمة 5 أهداف منشورة على موقعها الالكترونى .. وتجرى ايباك لقاءات مع أعضاء الكونجرس بمعدل 2000 لقاء سنوى لدعم العلاقات الثنائية ,, ويأتيها الدعم من كل يهود العالم .. وانجازاتها فى الضغط على امريكا لتقديم الدعم الكامل لاسرائيل لا تعد .. حتى وصلت المعونة السنوية المقدمة الى اسرائيل الى 140 مليار دولار ( احصائية 2003) .. لكن الجديد هو دفع امريكا الى تقديم معونة جديدة مباشرة لكل اسرائيلى مقدارها 500 دولار سنوياً !

لست بصدد عد وحصر انجازات المنظمة لانه شيئ مرهق للأسف .. لكن يكفى ان امريكا منذ عام 1982 الى الآن استخدمت حق النقض ( الفيتو ) فى مجلس الامن 33 مرة ضد اى قرار يدين اسرائيل .

لقد قال السيناتور السابق آرنست هولنفز يوما : " لا يمكن أن يكون لديك سياسة اسرائيلية غير تلك التى تقدمها اليك ايباك هنا "

أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية

وبالتالى نفهم ما قاله اوباما أمام الاجتماع السنوى للمنظمة : " اتحادنا قائم على قيم ومصالح مشتركة ومن يهدد اسرائيل يهددنا نحن " , "وسوف أتقدم للبيت الأبيض بالتزام لا يتزعزع تجاه أمن اسرائيل والذى يبدأ بضمان كفاءة القدرة العسكرية الاسرائيلية , سوف أضمن أن اسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها من أى تهديد .. من غزة الى طهران " , " سوف أدافع دوماً عن حق اسرائيل فى الدفاع عن نفسها فى الامم المتحدة وحول العالم .. اننى كرئيس لن أقدم أية تنازلات اذا ما تعلق الأمر بأمن اسرائيل "

ليست هذه الورقة الضاغطة الوحيدة بالطبع .. فلتلق نظرة على المنظمات المسيحية الصهيونية داخل امريكا على سبيل الاجمال :

1. منظمة الأغلبية الأخلاقية ( منظمة سياسية اجتماعية يتزعمها فولويل الذى يتبنى ترسيخ مفهوم " مصلحة اسرائيل هى مصلحة امريكا " فى كل كتبه ) .

2. شبكة الاذاعة المسيحية ( شبكة اذاعية وتليفزيونية واسعة ( تمتلك قمر صناعى خاص ) لها فروع فى 60 دولة أجنبية بالاضافة الى فروعها فى كل ولايات امريكا .. بلغ دخلها السنوى 233 مليون دولار عام 1985 )

3. فريق الدعاء للقدس ( عدد الاعضاء تجاوز المليون وتهتم بدعم المستوطنين فى قضيتهم " العادلة !! " ) .

4. الصندق الاسرائيلى الموحد ( انشئ خصيصا لتقديم المساعدات المالية للمستوطنين ) .

5. مسيحيون من أجل اسرائيل ( تأسست عام 1975 وتصدر مجلة ربع سنوية تسمى " ساعى القدس ومختار النبوءة " , ونشرة اخبارية شهرية للأمريكيين ) .

6. المصرف المسيحى الامريكى الاسرائيلى ( وهو مخزن التبرعات الأول للكيان الصهيونى ) .

7. السفارة المسيحية الدولية فى القدس :( لها فروع فى 37 دولة .. وقامت خصيصاً لاثبات ان القدس عاصمة اسرائيل الابدية )

سنفترض جدلاً أنه ليس هناك وجود لنظرية المؤامرة .. أليست هذه امة ودولة تريد ان تحيا .. ان تبقى .. ان تسود .. بوسائل مشروعة وغير مشروعة على السواء .. لا شيئ يهم أمام مصالحها العليا التى تتعارض دوماً ـ على سبيل التدافع ـ مع مصالح المسلمين .. اليهود لهم مشروع , والشيعة لهم مشروع والشيوعية لها مشروع والعلمانية لها مشروع .. أنستكثر على أنفسنا أن يكون لنا مشروع !! فلنتدبر اذاً أقوالهم .. فعندما تتواتر وتتعدد " فلتات ألسنتهم " المزعومة فان الأمر لابد أن يأخذ عندنا منحى من الجدية يناسب حجم ما يقولون ..

جورج بوش الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية

حينما يقول جورج بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر : " ان حملتنا الصليبية سوف تأخذ وقتاً " , وحينما قال أيضاً : " انها حرب صليبية جديدة " ثم زاد " انها حرب حضارات " .

وحينما قال القس روبرترسون( رئيس شبكة الاذاعة المسيحية الامريكية ) : " رغبة الله فى تأسيس اسرائيل وتعيين حدودها ".

وحينما قال الفريق ميخائيل ايفانز ( رئيس جمعية الدعاء للقدس بأمريكا ) :" ان بقاء المستطوطنين فى مستوطناتهم تحقيق لنبوءة توراتية " .

وحينما يقول كلينتون ان كاهنه الذى ربّاه أوصاه قائلاً : " اذا تخليت عن اسرائيل فان الله سيغضب عليك " . وحينما قال جيرى فولويل ـ السياسى وزعيم منظمة الأغلبية الأخلاقية بأمريكا : " ان الوقوف ضد اسرائيل هو معارضة لله " .

وهذه نماذج بسيطة من الاقوال العقيدية .. من اراد المزيد منها ومن الاقوال السياسية العنصرية الاخرى فليقرأ كتاب (السياسة الامريكية تحت سطوة اليمين الدينى والسياسى / مركز الاهرام للدراسات )


أمواج التنصير العاتية

والصورة الثالثة .. حملات صليبية مدنية .. احدى حلقات السيطرة وتغيير معالم الهوية .. لن أزيد عن ذكر احصائية واحدة لعام 1975 ذكرتها فى مقالى " الانبطاح مقابل الانفتاح " عام 2005

فى اندونسيا فقط يوجد 1400 مبشر متفرغ و 17100 كنيسة , وتمتلك الحملة التبشيرية 27 مطاراً وأسطولا من الطائرات العمودية وأسطولا من السفن المجهزة , بالإضافة إلى صحف يومية لبث أفكارهم مثل (الكومباس) , و(سينارهاربان) وإذاعات محلية وشبكة اتصالات لا سلكية .. وضعوا خطة مبدئية على مدار 20 عاماً لتنصير اندونسيا كافة .

وحدث ولا حرج عن مثل هذه الحملات فى افريقيا الفقيرة : السودان وتشاد واريتريا واثيوبيا ونيجيريا والسنغال , بل والمغرب وتونس والاردن .. والمقال لا يتسع لذكر التفاصيل الذى جمعت فى كتب وأبحاث ومجلدات .. لكن الذى يجب ملاحظته أنهم يستغلون العمل الاغاثى غطاءاً لانتشارهم فى مناطق الكوارث والمناطق الفقيرة .

والسؤال الذى يأتى على الذهن تلقائياً .. ما هو التأثير الصهيونى فى عمليات التنصير ؟؟ والامر يتضح ببساطة اذا راجعنا اول المقال وربطنا بين ظهور مصطلح " المسيحية الصهيونية " , وتشجيع الصهاينة عمليات التنصير رغم ان هناك مسيحيون يرفضون ممارسات اسرائيل وجرائمها .. لكن صوت العقيدة الذى علا عندهم وربط بين ظهور المسيح وتمكين اسرائيل وقيام دعوتها .. كان صوتاً غالباً ومسيطراً .. والامر فيه تفاصيل كثيرة لا يسع المقام لذكرها .

تزوير الوعى والثقافة والتاريخ عبر التطوع

حتى فى أتفه الأشياء , يمارسون سيطرتهم فى تشكيل الوعى والثقافة والتاريخ بأساليب ملتوية وغير نزيهة .. وهذه صورة رابعة

قبل شهر وصلتنى رسالة تفيد أن متطوعين من اليهود يقومون بعملية مسح لموقع " ترجمة جوجل " بحيث يغيرون فى معانى الترجة الظاهرة حين تبحث عن أشياء خاصة باسرائيل .. وقمت بتجربة بالفعل .. كتبت : اسرائيلى يقتل فلسطينى فظهرت الترجمة الانجليزية : فلسطينى يقتل اسرائيلى ,, وكتبت الاسرائليون عنصريون فظهرت : " الاسرائليون والعنصرية " .. وهكذا فى كثير من الجمل

ثم قبل عدة أيام نشرت صحيفة المصرى اليوم خبرا مفاده أن جوجل تخلت عن حيادها فى تنقية الاساءات الموجههة وأن أعداد ضخمة من المتطوعين الصهاينة يوجهون محرك البحث كما يريدون عن طريق تكثيف زياراتهم التصفحية اليومية بكلمات مفتاحية معينة .. قمت بتجربة كتابة why arab are فظهرت الكلمات المتممة المقترحة من جوجل حسب أكثر الكلمات السابقة بحثاً عنده كالتالى فى اول نتيجتين : racist. .. أى عنصريون ,, Rude .. أى أفظاظ ناهيك عن محترفى الهاكرز الصهاينة والقراصنة اليهود , وفرق التشويه التى تحرف الروابط الاسلامية وتنشئ مواقع مشابهة اباحية وتنصيرية .. فى اول شهر من انشاء موقع الداعية عمرو خالد .. كان امتداد (com ) موقع اباحى والطبيعى ان امتداد الموقع الاصلى (net ) ؟؟ وكذلك الفعل مع كثير من المواقع الاسلامية الكبرى ..والحراك الشعبى الالكترونى الموجه الذى يمارسونه يومياً كورقة ضغط شيئ يدعو الى التأمل .. فلم نر منهم من يقلل من قيمة الرسالة البريدية الاكترونية الاحتجاجية الى أحد المسئولين او فى حشد التأييد فى قضية ما .. قبل أيام . .قامت منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل"، التي تجمع تياري المسيحية الصهيونية والمحافظين الجدد، باطلاق حملةً لدعوة مؤيدي الكيان الصهيوني إلى الضغط على إدارة أوباما عبر إرسال رسائل بالبريد الإلكتروني وتدعوها للتراجع عن التصريحات القوية ضد الكيان الصهيوني، بعد إعلان وزير الداخلية الصهيوني الأسبوع الماضي إنشاء 1600 وحدة استيطانية في القدس المحتلة.

وقالت المنظمة التي يرأسها القس الأصولي جون هاجي: إن حملتها لاقت استجابةً كبيرةً من داعمي الكيان الصهيوني؛ حيث وصل عدد الرسائل التي أرسلت الأربعاء إلى البيت الأبيض 18 ألف رسالة، وهو معدل يوازي رسالة كل ثانية أو ثانيتين " .. والامر لا يحتاج لتعليق ..

وناهيك عن التزوير المتعمد للتاريخ فى كثير من المواقع وأشهرها موقع الويكيبيديا الشهير الذى يحرفون عليه التاريخ بعشرين لغة .. كل شيئ يسير بانتظام على حين غفلة مصطنعة منا القائمة تطول جداً بمثل هذه الممارسات التطوعية الممنهجة والموجهة ,, والمتابعين والمتخصصين يعرفون أضعافا مضاعفة منها , وأرجو أن يذكّرونا بها دائماً


يتمــددون فى فراغـنــا

ثم هل نتحدث عن ضياع القدس فى مشروع التهويد المتسارع .. وهل نتحدث عن مشروع العلمانية الذى يغزو ديارنا كل ساعة .. أم نتحدث عن فتن المستشرقين وشبهاتهم التى يبثونها فى المجتمعات الاوربية عنا .. أم عن توغلات الملحدين الناعمة فى حياتنا وهل ندرك خطر رجل مثل نجيب ساويرس على الاسلام ؟؟ وهو ينفذ خطة محكمة ومرتبة للقضاء على المظاهر الاسلامية والطعن فى الثوابت وتمييع الاهتمامات وتحريف اللغة العربية عبر منظومته الاذاعية والتليفزيونية والصحفية وشركاته التى تملأ الارض ورعايته للمؤتمرات المشبوهة فى الداخل والخارج .

وهل .. وهل .. وهل ....

ان تجاهل هذه الحقائق بدعوى عدم الياس والاحباط هو فى الواقع هروب من الواقع , وهو أقصى المراد بنا أمام ابداعات القلة الصهيونية المندسة فى كل المجالات ..

ولا مساحة هنا للغافلين الذين يخشون ذكر الحقيقة كاملة خوفاً من انبهار يصيب المسلمين من هذه السيطرة الصهيوأمريكية على مجريات الامور .

اننا بعد كل هذا ما زلنا بصدد قناعات فى رؤوس بعض العاملين فى الحقل الاسلامى الذين يظنون أن الفن والاعلام والثقافة والتكنولوجيا الموجههة ضدنا سنواجهها بتراتيل من القرآن وفقط أو بلقاءات يذكر فيها اسم الله وفقط , ومنهم من يقضى ثلث عمره فى ترتيبات وتخطيطات وتفنيدات ومداولات , ويتناسون دائما العنصر الثالث من عناصر بناء الانسان : الرؤية الواضحة والقيم الثابتة والأداة الفاعلة .. فأصبحنا نربّى قولا ولا نربى فعلاً .

لقد عشت زمانا طويلاً مقتنعاً ومتبنياً لشعار : ( العرق فى التدريب يوفر الدماء فى المعركة ) , غير أنى وجدت أننا ننفق عرقاً كبيرا فى التدريب دون أثر فى المعركة أو نترك التدريب كله لندخل المعركة نتحسس الطريق .. نطول حين يجب أن نقصر ونقصر حين يجب أن نطول .. نمشى حين يجب الجرى .. ونجرى حين يجب المشى إن تجاهل مبدأ توازن الرد العلمى الممنهج ( الفردى والجماعى ) مع هؤلاء المسيطرون يزيدنا تأخراً يوما بعد يوم , فالفن لابد ان يواجه بالفن والعلم لا بد ان يواجه بالعلم والتكنولوجيا لابد أن تواجه بالتكنولوجيا .. والفارق بعد ذلك ـ الذى ينبغى ـ بيننا وبين الأمم الاخرى ما قالته السيدة عائشة بالقياس : ما تمتع الكفار بشيئ الا تمتعنا به وزدنا عليه تقوى الله ...

فى القلب من هذا الهم أصنافاً شتّى تعتصر المرء فى اليوم صباح مساء , يزيدها ألما ما أراه فى شباب مثلى لا تتجاوز طوحاتهم ألسنتهم .. الكل يتمنى أن يموت شهيداً فى القدس .. لكن القلة منهم من فهم معنى وقيمة ما يتمنى , وليتهم يفقهون قول من قال : " عندما أعجز عن فعل أى شيئ سأفكر فى الذهاب للموت فى القدس .. " .

وحقاً قالها الشيخ القرضاوى : " الكل يريد الموت فى سبيل الله , لكن من يريد العيش فى سبيل الله " ,, ونحن لا ننفى هنا حب الشهادة والتطلع اليها بالتأكيد .

ان انتظار قيام الدولة الاسلامية اولاً ثم التفكير فى مواجهة هذا البلاء المتسارع تفكير منقوص يعوزه الحنكة .. فالدولة لن تقام على الرفات .. لله دره الاستاذ حسن البنا حينما حدد الأهداف ( العامة ) لجماعة الاخوان المسلمين فوضع الهدف الأول تحرير الوطن من اى استعمار اجنبى .. اقتصادى وسياسى وعسكرى واجتماعى وعلمى و غيره , ثم تلاه قاصداً بالهدف الثانى .. تحكيم شرع الله واقامة الدولة الاسلامية .

لا يفهم اذاً من كل ما سبق ذكره من هذا العتاب اننا نقصد به الجماعات .. انما نقصد به الافراد ودورهم الفردى الذى ينتظم مجتمعاً فى بوتقة واحدة ليشتد أثره .. كالعيدان الرفيعة التى تشتد بجمعها جنباً الى جنب .. واى جماعة هى مجموعة من الافراد اولاً وأخيراً .

وانتظار جماعة او حركة لتقوم بكل الأدوار ميكانيكياً شيئ غير مقبول .. فالأصل ان يتحرك الفرد ليصب مجهوده فى منظومة الجماعة لا أن تحرّك الجماعة افرادها آلياً , فيبيت الفرد منتظراً التوجيه حتى وان لم يأتى , معتقداً أنه أدى واجبه تجاه دينه وأمته وينام مرتاحاً .. وان تعجب بعد ذلك فعجب قوله انه مشغول , و قد وهبه الله من القدرات والامكانات والمواهب ما يشتد به يوم القيامة حسابه عليه .. ألا فليسأل كل فرد نفسه اليوم ماذا أفاد دينه وأمته بقدراته ومواهبه وامكاناته .

ان استصغارنا للمجهودات الفردية البسيطة وتحقيرنا لها عبر أجيال سابقة , نجنى ثمرته البائسة الآن .. ويأس الأفراد من أنفسهم وتصغير أثر مواهبهم وعطاؤهم هو قمة الفشل , ومدخل من مداخل الانهزام النفسى .. وقديما قالوا : لا تنظر الى مقدار العطاء ولكن انظر الى قيمة أثره وتأثيره .

لا أجد ما اختم به هذا السيل , سوى القول الشهير :

" المهندسون يتلون الأشعار واسرائيل تبنى الجدار , والأطباء على المنابر والدواء يصنعه الأعداء !! " .

انهم حقاً يتمددون فى فراغنا .. ولا عزاء للمتكاسلين