بين العمل النقابي والعمل السياسي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٥:٠٩، ١٠ نوفمبر ٢٠١٢ بواسطة Ahmed s (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بين العمل النقابي والعمل السياسي
من كتاب:النقابات المهنية المصرية في معركة البقاء

جمال البنا

النقابات الحرفية

كانت النقابات الحرفية هي التي وضعت عندما بدأت نشاطها في منتصف القرن التاسع عشر في بريطانيا مبدأ ابتعاد النقابة عن العمل السياسي أو الديني هذه النقابة لا تشتغل بالدين أو السياسية ولكن تطور الأحداث سار في اتجاه أرغم النقابات الحرفية على دخول المعترك السياسي فقد تصدر المحاكم أحكاما تسئ إلى النقابات ولا يعود ممكنا إصلاح الحال إلا بإصدار قانون وهو ما يتأتي إلا إذا كان للنقابات نواب في المجلس التشريعي ..

وهذا هو ما حدث للحركة النقابية البريطانية في أعقاب حكمين أصدرهما القضاء ضد النقابات في قضية " تاف فيل سنة 1901 " وقضية " أوزبورن سنة 1906" وجعلا الحركة النقابية البريطانية تؤسس حزب العمال سنة 1906 ويتوصل النواب العمال في مجلس لعموم إلى إصدار قانون النقابات سنة 1913 الذي جب الأحكام في القضيتين السابقتين .

وحتى لو لم تعرض هذه الدواعي المعينة فغن النقابات ما إن تبلغ درجة من الأهمية بحكم كثرة عضويتها وأنها أكبر الهيئات الجماهيرية حجما وعددا حتى تجد نفسها متورطة في القضايا القومية مما يعني دخولا بطريقة ما في العمل السياسي .. والأحزاب القائمة بدورها لا تدع النقابات ويغلب دائما أن تعمل بكل الطرق لاجتذابها.

وهكذا وجدت الحركة النقابية أن العمل السياسي ورقة رابحة يمكن أن نتوصل بها إلى تحقيق أهدافها النقابية بصورة أيسر من الكفاح النقابي التقليدي وأنه ليس من الكياسة والفطنة في شئ تجاهلها وعدم الإفادة منها ورأت أن الصورة المثلي لذلك هي أن تؤسس حزبها الخاص لأنها لو وزعت أصوات العمال على الأحزاب لتفتت الحزب العمالي ولما استطاع أن يصل إلى طائل في كل حزب على حدة ولا في مجموع الأحزاب.

وهذا ما توصلت إليه الحركة النقابية المصرية بعد أن تجاذبتها الأحزاب في العشرينات فأسست " حزب العمال المصري " سنة 1931 .وفي المجتمعات الإشتراكية تعتبر النقابات أكير الهيئات الجماهيرية المتصلة بالحزب والتي يكون عليها أن توصل القرار السياسي للحزب إلى جماهير العمال .

فسواء كانت النقابات في مجتمع رأسمالي أو في مجتمع اشتراكي فإن العمل السياسي أصبح أمرا مقضيا..وقد أدت هذه الظاهرة إلى مضاعفات وتعقيدات وتدخلات في شؤون الحركة النقابية مما كان موضوعا لاهتمام منظمة العمل الدولية بعد أن توترات الشكاوي عن انحراف بعض النقابات بدفع أحزاب سياسية .

وفي سنة 1952 أصدر مؤتمر العمل الدولي قرارا مشهورا عن " النقابات والعمل السياسي تضمن ثلاثة مبادئ

أولاها: كأن النقابات أصلا منظمات مهنية تعني بقضايا العمل وعلاقاته
ثانيها: أن للنقابات مع هذا الحق في دخول المجال السياسي إذا أتت بمحض إرادتها ومن منطق إرادتها ومن منطلق مصلحتها أن ذلك يحقق أهدافها
ثالثها: أن هذا الدخول يجب ألا يحيف على طبيعتها الأصلية كمنظمة عمل وألا يسمح للأحزاب بالتدخل في شؤونها أو السيطرة عليها أو يضير بعض الأعضاء.

وفصلت لجنة الحرية النقابية بمكتب العمل الدولي في عدد من الحالات الحساسة كأن تحرم القوانين على الشيوعيين الانضمام إلى النقابات أو أن تعمل الدولة لإلحاق النقابات بمختلف الوسائل ..

ورأت في احدي هذه الحالات أنه

" إذا حرم على الحركة النقابية الاشتغال بالنشاط السياسي بصفة عامة أو بمقتضي تعبيرات فضفاضة فإن هذه قد يبرز صعوبات تنشأ عن أن الترجمة لعملية لهذه النصوص الفضاضة قد تتغير في أى لحظة ومن ثم تقيد حرية العمل المحتمل ولهذا فيبدو أن على الدول ألا تحرم الناشط السياسي للمنظمات المهنية بعبارات عامة وأن تكل إلى السلطات القضائية مهمة كبح إساءات الاستخدام التي يحتمل أن تقع فيها المنظمات التي قد يدق عليها حقيقة أن الهدف الأساسي يجب أن يكون التقدم الاقتصادي لأعضائها ".

كما رأت اللجنة من الحزب السياسي الحاكم ومجلس الوزراء والهيئة التشريعية بترشيح رئيس المجلس المركزي لاتحاد عمال تعد غير متفقة مع المبدأ الذي يقرر حق المنظمات في انتخابات ممثليها بكل حرية وكان الحكم ينصب على توصية من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ومجلس الوزراء ومجلس السوفييت بترشيح شخص معين رئيسا لاتحاد النقابات.

ومن المفيد أيضا الإشارة إلى الطريقة التي نهجها القانون البريطاني تجاه العمل السياسي في الحركة النقابية الذي جاء به قانون النقابات سنة 1913 وحاول أن يجمع بين حق النقابات في ممارسة العمل السياسي وعدم استخدام هذا الحق ضد إرادة الذين لا يريدون هذه الممارسة من الأعضاء .

أبرز مبادئ القانون (بالنسبة للعمل السياسي)

  1. يكون على نقابة ترغب في الإنفاق على نشاط سياسي أن تؤسس صندوقا سياسيا خاصا لذلك .
  2. تكن الموافقة على هذا الصندوق بأغلبية الأعضاء في اقتراع يحضره كل الأعضاء .
  3. يكون من حق أى عضو لا يرغب في الاشتراك في العمل السياسي أن يطلب ذلك وأن يجاب إليه وهو ما يسمونه .
  4. لا يجوز أن يتعرض أى عضو منح حق الإعفاء لأي اضطهاد ويكون من حقه الاستمتاع بكل مزايا النقابية طبقا لدستور النقابة (باستثناء ذلك الخاصة بالنشاط السياسي) .
  5. كل نقابة تؤسس صندوقا للإنفاق السياسي عليها أن تضع لوائح نموذجية يقرها مسجل النقابات .
  6. ومن حق كل عضو يضار نتيجة تفسير أحد النصوص أن يلجأ إلى مسجل النقابات الذي يستطيع أن يصدر بعد التحقيق أمر بإنصاف الشاكي وهذا الأمر لا يمكن استئنافه أمام المحاكم .

وكل من يراجع تاريخ الحركة النقابية المصرية يجد أن الأحزاب وعلى رأسها حزب الوفد قد عملت بكل الطرق لاجتذاب الحركة النقابية منذ العشرينات عندما أسس حزب الوفد سنة 1923 " اتحاد عمال وادي النيل " الذي نسجت على منواله بقية الأحزاب .. ولما قامت حركة 23 يوليو 1952 الانقلابية حاولت أولا " عسكرة " الحركة النقابية ولما لم ننجح ربطتها بالتنظيم السياسي !

وتعرضت أبرز نقابة وهي نقابة المحامين للحل مرتين قبل سنة 1952 الأولي (سنة 1928) بواسطة حكومة محمد محمود والثانية سنة 1934 عندما عطلت حكومة عبد الفتاح يحيي العمل بقانون النقابة .

وعندما قامت حركة 23 يوليو سنة 1952 استقبلتها النقابات المهنية استقبالا طبيا بما في ذلك نقابة المحامين ونقابة الصحفيين ولكن عندما حدثت أزمة مارس سنة 1954 أيدت النقابتان بقوة الاتجاه الذي كان مثل بالفعل اتجاه الشعب بأسره والجيش أيضا

باستثناء مجموعة عبد الناصر هذا الاتجاه العارم كان يدعو لإعادة الحريات والحكم الديمقراطي وإنهاء الحكم العسكري وعودة الجيش إلى الثكنات فانعقدت الجمعية العمومية لنقابة المحامين في اجتماع غير عادي لبحث الموقف برئاسة الأستاذ عمر يوم 26 مارس وأصدرت بيانا طالبت فيها بإنهاء مهمة مجلس قيادة الثورة فورا؛

وإعادة الحياة النيابية وإلغاء الأحكام العرفية إسناد الأمور إلى وزارة مدنية من المحايدين حتى تشرف على الانتخابات النيابة وضرورة الإفراج فورا عن جميع المعتقلين كما قررت أن يقوم المحامون بالإضراب لمدة يوم واحد احتجاجا على حوادث الاعتداء على المعتقلين من المحامين وبالنسبة لنقابة الصحفيين أصدر مجلسها في نفس اليوم 26 مارس بيانا طالب فيه بإلغاء الأحكام العرفية فورا حتى تزول الآثار المترتبة عليها من قيود للحريات وأن تلغي كذلك الأحكام التي صدرت من غير طريق القضاء العادي وسرعة الإفراج عن المعتقلين تأليف وزارة قومية لإجراء الانتخابات الجديدة .

وكان رد الحكومة سريعا فصدر قرار " مجلس قيادة الثورة " بحل مجلس نقابة الصحفيين يوم 15 أبريل بدعوي تقاضي بعض أعضائها مصروفات سرية وحلت نقابة المحامين بمقتضي القانون 709 لسنة 1954 في 23 / 12 / 1954 وعين مجلس مؤقت ليقوم باختصاصات مجلس إدارة النقابة صدر به قرار وزير العدل لتكوين هذا المجلس من 17 محاميا برئاسة عبد الرحمن الرافعي وكان من بين أعضائه عمر عمر النقيب السابق .

وخلال الفترة من سنة 1954 إلى سنة 1970 حكم عبد الناصر النقابات المهنية ببرلمانه الخاص برلماني هو جيشي "وقوته الباطشة:الاعتقالات والتعذيب حتى خشعت الأصوات بعد أن زج برؤوس الصحافة والمحاماة في المعتقلات فاعتقل إحسان عبد القدوس ومصطفي أمين واستبعد فكري أباظة وأنيس منصور .... الخ واستبعد أكثر من ستين صحفيا نقلوا إلى مؤسسات القطاع العام !

وكان منهم صحفي يساري نقل إلى مؤسسة باتا للأحذية! فأخذ يعزي نفسه قائلا:الفرق بيني وبين حذاء .. دفع بصحفي يساري آخر نكاية فيه إلى مستشفي الأمراض العقلية حتى جن فعلا من هول ما رآه وعاش فيه ..

وعندما تأسس الاتحاد الاشتراكي نص على أن العضوية فيه شرط للعضوية في مختلف النقابات (عمالة ومهنية) وبهذا أصبح على الجميع أن يكونوا أعضاء رغم أنفهم لأنهم إذا لم يشتركوا لن يسمح لهم بمزاولة المهنة وأصبح التجريد من عضوية الاتحاد الاشتراكي سيفا مصلتا على أعناق القيادات النقابية جميعا .

وترددت وقتئذ فكرة دمج النقابات المهنية في النقابات العمالية وصدرت مقالات تحمل توقيع على صبري بهذا المعني ونظرتها احدي لجان " المؤتمر القومي للقوي الشعبية " سنة 1962 وفي 14 / 6 / 1962 نشرت جريدة الأهرام تحت عنوان:

" إلغاء النقابات المهنية .. الجمعيات العلمية تحل محلها "

جاء فيه:

أوصت لجن الديمقراطية بعد بحثها لموضوع النقابات المهنية أمس بإلغاء هذه النقابات وإحلال الجمعيات والاتحادات العلمية محلها وأن ينضم أعضاء هذه النقابات مع جميع العاملين في قطاعهم من العمال في نقابات تضمهم جميعا ورأت اللجنة أن هذه الخطوة ستساعد في تذويب الفوارق بين الطبقات بما يتفق مع روح الميثاق وأهدافه وستضع هذه اللجنة التوصية ضمن تقريرها الذي ستعرضه على لجنة التنسيق لمناقشتها حتى يتضمنها التقرير النهائي للجنة الدائمة في حالة موافقتها ".

ولكن هذه الدعوة التي كانت تقليدا سقيما للأوضاع في الاتحاد السوفيتي لم تجد تجاوبا واستطاعت النقابات المهنية أن تقضي على هذه المحاولة في جلسات اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي للقوي الشعبة .

ومن الصعب إدانة القيادات النقابية التي عايشت حقبة الانغلاق والظلام الناصرية لأنه لم يكن بد من معايشتها ولو أرادت هذه القيادات الاستقالة لما سمح لها بها فقد اعتبرت الاستقالة نوعا من الاحتجاج والمقاومة السلبية للنظام!!..

وكان من الغباء التصدي للطاغية في وقت استطاع أن يقبض على السلطة ويخدع الشعب ويملك الزج بكل مخالف إلى معتقلاته الرهيبة التي كان لابد أن يحمل كل من دخلها تذكارا أليما يتجلي في تدهور الصحة أو الإرادة فكان من الأفضل لهم وللبلاد أن يحتفظوا بمراكزهم اتقاء للشر وإنقاذا لما يمكن إنقاذه ومطاولة لدولة الظلم حتى تزهق (وهي زاهقة لا محالة) فيمكنهم عندئذ إصلاح ما أفسدته الناصرية وهذا هو ما حدث عندما تولي السادات السلطة فمع أنه لم يخل من لوثات الناصرية وتعلم فيها إلا أنه تعلم منها أيضا.

ومن هنا كانت سياسته في إطلاق الحريات بصفة عامة والضيق بها في بعض المناسبات وكانت ثوارته على الصحفيين ثورات " أبوية" يمارسها بدالة الأبوة ! ثم يعود فيصفح عنهم ولم تسمح له طيبته بن يقطع عيش أى صحفي بغضب عليه كما كان عبد الناصر يفعل وإنما ينقله ليعيده بعد فترة؛

ورغم كل ما وقع من أخطاء فإنه هو الذي طوي صفحة السجن الحربي المقيتة وكشف زيف الشعارات وأظهر الهياكل التي أقمتها السلطة على حقيقتها فإذا هي خيال مآته " و" نصب معبودة " وآذن بعودة الحياة الديمقراطية ...

ووضع الرئيس مبارك عندما ولي الحكم خطأ رئيسيا وسط الركام المتعالي لمفاسد الحقبة الناصرية والساداتية فرأي أن اقل ما يمكن السماح به هو حرية الصحافة وإلى حد ما حري الأحزاب وتحرير النقابات المهنية من " وصاية الدولة " وتمكينها من لتجاوب مع الاتجاهات السياسية للبلاد والأحزاب التي ظهرت من منتصف السبعينيات حتى الآن .

وتفاوت هذا ما بين تعاطف النقابات مع الأحزاب إلى محاولة الانضمام الجماعي إليها كما حدث عندما طرح نقيب المعلمين للمناقشة في جريدة الأهرام موضوع انضمام النقابات المهنية بصفتها الاعتبارية في التنظيمات السياسية وقبل أن يستمع إلى الآراء المحتملة بالنسبة لاقتراحه هذا أعلن في اليوم التالي انضمام نقابته إلى تنظيم الوسط رغم حظر ذلك بقرارات عديدة أبرزها قرار الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب.

وعرض كاتب بجريدة الأهرام في مقال مسهب استغرق قرابة نصف صفحة لهذه القضية تحت عنوان:

ظاهرة الانقلابات في النقابات

فبعد أن تكلم عن الدور المهني التقليدي للنقابات قال:

ولكن النقابات في مصر خلافا لما عليه الحال في النظم الديمقراطية الغربية التي نشأت الحركة النقابية فيها أساسا سمحت لنفسها بأن تكون مخلبا للعمل السياسي قبل أن تكون أداة للدفاع عن مصالح أعضائها والحفاظ على حقوقهم والارتقاء بمستواهم ولعل الذنب في ذلك لا يقع على عاشق النقابات نفسها بقدر ما يقع على أكتاف النظام السياسي في ظل الحزب الواحد؛
حيث اعتبرت النقابات القائمة أو شكلت النقابات الجديدة لتكون امتدادا للحزب وعينا له داخل قطاع معين من قطاعات المجتمع ومن ثم فإن معظم النقابات المهنية وغير المهنية تفتقر إلى تقاليد نقابية راسخة تسمح بأن تكون وعاء للنشاط نقابي ديمقراطي صحيح يعتمد الحوار والتفاهم أسلوبا لحل الخلافات ويعتمد اختيار الأصلح وسيلة لتمثيل القاعدة العريضة ويستبعد أسباب التعصب الديني والسياسي والمذهبي .
وثانية هذه الملاحظات أنه حتى بعد إطلاق الحريات السياسية في مصر ونشوء أحزاب سياسية تمارس نشاطها متفاوتة من الكفاءة وفي اتجاهات متعددة فإن النقابات المهنية لم تنتهز الفرصة لتنفصل عن سيطرة التأثيرات الحزبية والاستقلال بكيانها كنقابات مهنية تدافع عن مصالح أعضائها بالدرجة الأولي .. بل بقيت لصيقة بها متعلقة بذيولها ..
وبدلا من أن تكون النقابات المهنية معقلا للدفاع عن قضايا المهنة وحل مشاكلها وارتقاء بأعضائها فإنها توشك أن تكون حلبة صراعات حزبية ودينية ومرتعا لألاعيب ومناورات سياسية وسوف نلحظ أن شعارات المرشحين وبرامجهم الانتخابية في العديد من النقابات تغلب عليها النبرة السياسية أو الدينية؛
ويتراجع فيها الحديث عن القضايا النقابية والمهنية بل إن صراعات حادة قد تنشأ بين اتجاهات وتيارات نقابية مختلفة ليس حول قضايا نقابية أو مهنية بل حول قضايا قومية أو عالمية كبري مكان النقاش والخلاف والحسم فيها ليس في هذه النقابة أو تلك على وجه اليقين .
وفي ظل هذا الشعور بالعظمة والتضخم يتناسي القادة والزعماء مشاكل الألوف من شباب النقابيين الذين انضموا إلى هذه النقابة أو تلك ظنا منهم أنها يمكن أن تكون عونا في حل مشاكلهم ومظلة تحميهم من الاستغلال والضباع .. وقد كانت هذه احدي المشاكل الكامنة تحت سطح الصراعات التي تفجرت على سبيل المثال في نقابة المحامين واستغلتها الزعامات النقابية أسوا استغلال .
فوثالثة هذه الملاحظات ولعلها من أهمها أن أى نظام ديمقراطي بحاجة ماسة إلى هذا النوع من الصفوة . إلى شخصيات بلغت درجة من النضج والقوة بحيث تملك الشجاعة لكي تتخلي عن النفوذ والسلطة بعد أن تصل إليها ..
لتؤكد بذلك المبدأ الأساسي في ممارسة الديمقراطية وهو أن الهدف من بلوغ السلطة وتحمل مسئولياتها هو خدمة المجموع ولكننا نري العكس تماما في معظم الانتخابات النقابية التي عرفناها خلال السنوات الأخيرة.
فالذين يصلون إلى منصب النقيب لا يريدون أن يتركوا مكانهم بعد أن تنتهي متهم والذين لا يصلون إلى منصب النقيب أو غيره من المقاعد بالطرق القانونية يسعون للوصول إليه بطرق غير قانونية والذين يفصل القضاء ضدهم لا يقبلون بحكم القضاء بل يواصلون الصراع بحثا عن حيل قانونية جديدة لسنوات وسنوات يضيعون الوقت والجهد والمال ويهدرون الثقة في العملية الانتخابية دون كلل أو ملل؛
ونحن نري ذلك ليس على مستوي النقابات فحسب بل على أعلي مستوي انتخابي في العملية الديمقراطية وهو عضوية مجلس الشعب حيث يستجيب القضاء للطعون في عضوية بعضهم فلا يتخلي المطعون في عضويتهم عن مقاعدهم .
وليس غريبا بعد ذلك ... فحين تغيب القدوة وتنعدم شخصيات على هذه الدرجة من النضج والقوة بحيث تتخلي عن النفوذ والسلطة بعد أن تصل إليها فإن ركنا أساسيا من أركان العملية الديمقراطية يكون قد أنهدم ولا تصبح ظاهرة المحاولات الانقلابية في النقابات أمرا مذكورا .
وقال الكاتب إن ظاهرة الانقلابات قد تكررت في الآونة الأخيرة : بدأت في نقابة التجاريين سنة 1983 وأعقبتها نقابة المهندسين ثم أخذت شكلا مختلفا في نقابة الفنانين وانتقلت بعدها إلى نقابة الصيادلة فنقابة الاجتماعيين في سنة 1988 .. حتى وصلت العدوي أخيرا إلى نقابة المحامين التي يفترض أنها تمثل أرقي تعبير نقابي عن الالتزام بالشرعية وحكم القانون .

وهو نفس ما عرضت له جريدة الجمهورية في خلال هذه الفترة في تقرير لها تحت عنوان (مانشيت) عريض:

" الحوار في نقابات المثقفين بالمسدسات والكراسي"

جاء فيه:

يبدو ... أن العقل والمنطق والحوار الديمقراطي قد غاب عن ساحة العمل في نقاباتنا المهنية الدليل ... عشرات الحوادث والأحداث الساخنة .
نقابة المحامين ... أعرق نقاباتنا المهنية وأكثرها حرصا على الدفاع عن حرية الرأي واحترام القانون وحقوق الإنسان ... تصفي خلافاتها بالاشتباك بالأيدي والصدام بالكراسي والمطاوي وإطلاق الرصاص .
نقابة الصيادلة ... حاول عضو مجلس نقابة سابق حل خلافاته مع المجلس بالهجوم على مبني النقابة بالاشتراك مع 50 من أنصاره بهدف الاستيلاء على مكاتبها بالقوة ..
نقابة المهندسين .. أمتت منازعاتها إلى ساحة القضاء ورفع الخصوم أكثر من 23 دعوي قضائية إلى جانب بلاغات العامة والمدعي الاشتراكي .
نقابة التجاريين .. عرفت في معركة استمرت 6 سنوات حول منصب النقيب .... وتبادل الخصوم أكثر من120 دعوي قضائية في مختلف درجات المحاكم المثير في الموقف أن طرفي المعركة كانا مسئولين سابقين أحدهما نائب رئيس وزراء والأخر رئيسا للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة .
نقابة الاجتماعيين .. انشغلت في معركة حول منصب النقيب ووصل الخلاف إلى حد اقتحام مبني النقابة وصدرت سلسلة ن الأحكام القضائية ... حتى تم حل الخلافات وديا ..
نقابة المهن الفنية الثلاث .. وصلت المعركة حول تعديل قانون النقابة إلى حد الاعتصام وإصدار البيانات والبيانات المضادة وإرسال عرائض الاحتجاج للمسئولين وتبادل الطعون القضائية .
هكذا فجرت نقابات الصفوة المثقفة أعمق أزمة للديمقراطية في مصر بينما يسعي المجتمع بكل مؤسساته إلى تأكيد الحريات الديمقراطية بأشكالها المختلفة .

وتحدث الكاتب الصحفي الأستاذ صلاح الدين حافظ بجريدة الأهرام عن:

"الحريات النقابية الإكراه الديمقراطي "

فقال:

الواقع المعاش يقول إن الأحزاب السياسية المصرية تركز جهدها الحالي على النقابات المهنية بعد فشلها الواضح في توسيع قواعدها الشعبية الأعمق خاصة خارج القاهرة ...
ولذلك مجد أن الخريطة السياسية الحزبية المتصارعة علنا داخل النقابات المهنية أساس خاصة نقابات البريق الجذاب مثل المحامين والصحفيين ونقابات التجمعات الضخمة كالمهندسين التجاريين والزراعيين والأطباء تتوزع بين أربعة تيارات حزبية هي:الحزب الوطني الحاكم التيار الإسلامي التيار اليساري بجناحيه الناصري والماركسي وأخيرا حزب الوفد الجديد..
ولا تكاد نجد مهنية تنجو من صراع هذه الأحزاب والقوي للسيطرة عليها ومحاولة الانفراد بها .. وما جري في نقابتي الأطباء والمهندسين ونوادي هيئات التدريس بالجامعات لم يكن إلا ممارسة لهذا الصراع عبر حشد الأنصار أمام صناديق الانتخابات .. وما جري في نقابة المحامين مؤخرا لم يكن إلا تعبير عن هذا الصراع وأن اتسم بالعنف وليد عقلية الانقلاب .... وما يهددنا البعض بتطبيقه مستقبلا في نقابة الصحفيين ليس بعيدا عن كل ذلك !!
إننا في الواقع أمام ظاهرة جديدة .. فيها الجانب الإيجابي والجانب السلبي ... أما الجانب الإيجابي فهو استعادة النقابات المهنية مراكز الرأي التنوير وتجمع المثقفين لحيويتها في العمل السياسي والوطني وإسهامها في تحريك وتنشيط خلايا المجتمع الحية التي كانت قد أصيبت بالخمود وغطاها الصدأ لعوامل كثيرة ..
لكن الجانب السلبي يكمن في انصراف هذه النقابات للعمل السياسي وخضوعها لعوامل الصراع الحزبي على حساب خفوت دورها في العمل المهني والخدمة الاجتماعية وكلاهما ضروري لأعضائها ..
وبين هذا وذاك تنشط عادة الانتهازية المدربة والمحترفة الانتهازية السياسية .. والانتهازية النقابية .. وكلاهما يشكل اليوم عبئا ضاغطا على عقول النقابيين العاديين .. كل منهما يريد خطف القيادة واقتناص المنصب واحتكار العمل حتى لو كانت صفحته الذاتية سوداء .. فكيف تنجو بنقاباتنا من هذا وذاك .
واستقصت كاتبة هي الدكتور أماني قنديل بجريدة الأهرام موقف النقابات من العمل السياسي بعد أربع سنوات من التقديرات السابقة فقال :
غالبية النقابات المهنية تعمل بالسياسة وإذا نظرنا إلى مسرح النقابات المهنية الذي يضم 21 نقابة يصل عدد أعضائها إلى حوالي 2, 5 مليون عضو يمن أن نصنفها إلى أربعة نماذج الأول يغلب على مواقفه المعارضة السياسية المنظمة وبالتالي فإن جدول أعماله يضم قضايا سياسية وقومية إلى جانب قضايا مهنية وخدمة الأعضاء المثال الواضح نقابة الأطباء (100200 عضو) والمهندسين (192550 عضو) .

أما النموذج الثاني فهو يعمل بالسياسة أيضا ولكن من منظور سلبي فهو يضم نقابات مهنية مؤيدة على طول الخط والمناصب القيادية فيها لرموز الحكومة والحزب الوطني ونفتقد المنافسة والحيوية ومشاركة الأعضاء ومن أبرز أمثلتها نقابة المعلمين وهي أكبر النقابات المهنية في مصر (750) ألف عضو وكذلك نقابة الزر اعيين .

النموذج الثالث متردد في خطواته بين العمل المهني والعمل السياسي وغالبا ما تتشكل مجالس نقاباته من تيارات مختلفة يغلب عليها الصراع أكثر من الاتفاق والحوار وفي غالبية الحالات يواجه هذا النموذج مشكلات متراكمة عديدة ولم تنجح بعد في عملية تمثيلية للأعضاء والدفاع عن مطالبهم ولعل ابرز نموذج هو نقابة التجاريين وأخيرا هناك النموذج الساكن والذي يغلب عليه الصمت وهو يتسم بفعالية محدودة سواء على مستوي العمل السياسي أو على مستوي العمل المهني .
ولكن فات الكاتبة أن تشير إلى نموذج آخر يحتدم فيه الصراع الحزبي بحيث يمزق النقابة كما حدث في نقابة المحامين التي تعرضت منذ سنة 1989 حتى الآن لأزمات داخلية متلاحقة وصلت إلى حد التشابك بالأيدي واستعداء البوليس واختراق مبني النقابة بالقنابل المسيلة للدموع ..!!

وكان في أصل هذا كله صراع حزبي وإصرار على إبقاء منصب النقيب في شخص بعينه لدورات متعددة وقد يصور أزمة نقابة المحامين ما أورده الكاتب الصحفي الأستاذ أحمد بهاء الدين في جريدة الأهرام:

هذا الهبوط الفاحش في الممارسات النقابية أمر يدعو حقا إلى الأسى العميق ..
إن ما حدث في نقابة المحامين حلقة في سلسلة نقابة التجاريين منذ ثماني سنوات متصلة ونقابة الصيادلة ونقابة الفنانين والآن نقابة المحامين و مسلسل من الصراعات تنتهي إلى تعطيل فعالية النقابات فلا قيمة لها إزاء الدولة ولا وزن لدي الرأي العام ولا احترام لدي أعضائها؛
والنقابات المهنية بالذات تضم نخبة المجتمع المصري وضمانات حرية الانتخاب وسرية الأصوات داخل النقابات مكفولة فليس للقاعدة الانتخابية أى عذر إذا جاءت بمجلس لا يرضي عنها بسبب تنظيم نشيط لمرشح ما أو بسبب تقاعس عن الإدلاء بالأصوات أو لأس سبب آخرهم مسئولون عنه وكل نقابة من حقها المنطق أن تضع قوانينها وتعدلها وتغيرها فما هو العذر؟
ونقابة المحامين هي أكبر النقابات وأعرقها أكثرها التصاقا بشعارات سيادة القانون والديمقراطية الحرير .ومع ذلك فهي النقابة التي تحدث فيها أعنف الأحداث ومحاولة مسلحة للانقلاب!من المنادين صباح مساء بالشرعية والحرية والديمقراطية .
وعادة يكون مثل هذا الصراع الدموي نتيجة أخطاء من أطراف كثيرة أخطاء واحن وأحقاد تتراكم مع الزمن وتذهب إلى المحاكم وتبقي معلقة أمام القضاء سنوات طويلة . والأمر الذي يهزم جميع الأطراف ولا يفرح له إلا الذين يريدون أضعاف النقابات وتهشيمها .
أن تسلق أسوار نقابة ومحاولة تغيير أوضاعها بالرصاص والأحجار أمر غير مقبول كذلك فاتني أعتقد أن مجلس أى نقابة إذا شعر بوجود معارضة كبيرة بين صفوت الأعضاء عليه أن يبادر إلى عقد جمعية عمومية ويطرح فيها الثقة بنفسه كما يحدث في العالم الديمقراطي حقا أما تصاعد العناد من طرفين فهو يحول الخلاف إلى صراع ويفتح الباب لقوي وتيارات من خارج النقابة تحاول تحقيق أغراض لها من خلال هذه النقابة أو تلك .
وليس من حسن السياسة ولا من مصلحة العلاقات النقابية في تقدير هذا الاتجاه إلى إطالة بقاء أى مجلس نقابي أكثر من زمن محدود معقول . فهذه مراكز يجب تداولها بين أعضاء النقابة بقدر الإمكان وقد كان هذا من أسباب انفجار نقابة الممثلين والنقابات الفنية مثلا الذي لو تحسم أثاره وجراحه إلى الآن .
إن المطلوب لنقابة المحامين انتخابات في أسرع وقت ممكن . وأن تعدل الدولة عن اتجاهها لإطالة مدة النقيب ومجلس النقابة كلما سنحت الفرصة في احدي النقابات والعودة إلى نظام أن أقصي مدة سنتين متواليتين على الأكثر .
ومقارنة فوز الإسلاميين في نقابة الأطباء بالصراع الحزبي الدامي في نقابة المحامين وما أسفر ن مهاجمة دار النقابة وفصل عدد من أكبر المحامين وتبادل الاتهامات يوضح لنا الأفضلية الكبرى لاستلهام نقابة الأطباء الإسلام وكيف ان هذا برأها من الإسفاف وشنآن العداوة التي ينضج بها الصراع الحزبي (وبوجه خاص اليساري،الناصري) .. دع عنك أنه كفل للإسلاميين النجاح الساحق .

وكشف عن بعض ما اتصفت به المعركة الانتخابية الدكتور عصام العريان وهو أحد رموز الأطباء الإسلاميين فقال في جريدة الشعب تحت عنوان:

انتخابات نقابة الأطباء ... رؤية من الداخل
" إن عدد الأصوات قفز من 2000 صوت سنة 1982 (بنسبة 4% من المقيدين بالجدول) إلى قرابة 30,000 صوت سنة 1992 (بنسبة 30% من المقيدين وأكثر من 65 % ممن لهم حق التصويت) وترشح لمنصب النقيب 15 طبيبا وانحصرت المنافسة ما بين الدكتور إبراهيم بدران ممثل الحكومة ودكتور حمدي السيد الذي أيده الإسلاميون (رغم أن الاثنين أعضاء في الحزب الديمقراطي الحاكم)..
وقال الدكتور عصام أن حجم ما أنفق هذه الحملة يزيد على 300,000 جنيه دفع معظمها لتسديد اشتراكات الأطباء المتأخرة حتى يحق لهم التصويت ودفعت وزارة الصحة بالقاهرة 100,000 جنيه ودفعت القوات المسلحة أكثر من 20,000 جنيه والقصر العيني 30,000.
وكان القسط الأكبر لصافي الإنفاق الدعائي بالجرائد من نصيب قائمة تؤيدها الحكومة ونشرت إعلانات بالصحف تجاوزت قيمها 150,000 جنه على أقل تقدير .
وكان العامل الأعظم الذي كفل للدكتور حمدي السيد الفوز هو عزوف الأطباء عن تأييد الدكتور بدران الذي زار قبل الانتخابات بيوم رئيس الوزراء وحصل منه على " كارت بلانش " يضمن كل مطالب الأطباء بما في ذلك دفع 20 جنيها لكل طبيب في صورة زيادة بدل العدوي إذ اعتبر الأطباء أن هذه رشوة انتخابية رخيصة وزاد في ضيفهم بد تأييد صحف الحكومة له وتنديدها بالدكتور حمدي السيد .
واتخذت لجنة الإشراف على الانتخابات مجموعة من الإجراءات لتسهيل عملية لتصويت والفرز وضمان الحيدة والنزاهة وظلت شبابيك تسديد الاشتراكات مفتوحة لأخر لحظة حين انتهت عملية التصويت واتخذت إجراءات وقتية للتثبيت من أن صاحب البطاقة الانتخابية طبيب وأعدت لجنة خاصة للتأكد من الطبيبات المنقبات ولمنع التلاعب ثم استخدمت صناديق زجاجية للاقتراع توضع بها بطاقات إبداء الرأي والبطاقة الخضراء في أول تجربة من هذا النوع بمصر استرشادا بتجربة الجزائر ولهذا كانت الانتخابات نظيفة تماما ولم يستطع أحد من الخصوم أن يطعن فيها ولو حدثت أقل مخالفة لأقاموا الأرض وأقعدوها...
وكانت قائمة الإسلاميين هي التي ضمت تمثيل المرأة لأول مرة كما خصصت مقعدا لطبيب من الأقباط ولكنه رفضه وآثر الدخول في القائمة الحكومية فحصل على 6500 صوتا بينما حصل المرشح الذي شغل مكانه على 12500 صوتا رغم أنه لم يقم بأى دعاية إلا في اليوم الأخير " انتهي

وكان سقوط المرشح الحكومي لمنصب النقيب رغم شخصيته ومكانته وخبرته الطبية وأنه حصل على كل مطالب الأطباء دليلا لا يدحض على الأزمة المتفاقمة للحكومة الجمهور ... وأن فشله لا يقل عن سحب الثقة من الحكومة .

وكانت هذه هي المرة الثانية التي يفوز فيها الإسلاميون وقد حدث هنا في ظروف كانت الحكومة قد أعدت عدتها لإسقاطهم رغم أنهم كانوا قد بدأوا بعض مشروعاتهم التي لم يستطيع المنافسون لهم أن يطعنوا فيها وباءت محاولاتهم بالفشل .

ولم يقتصر المد الإسلامي على نقابة الأطباء بل استمر صاعدا في نقابة المهندسين ثم أخيرا في نقابة المحامين التي أنقذها الإسلاميون من براثن فتن بالغة السوء أشرنا لبعضها سابقا وكانت تتردي فيها بسبب التنافس الكريه بين الحكوميين واليساريين الناصريين على مغانم النقابة فجاء الإسلاميون ليقونهم درسا في أدب الزمالة ونبل التعامل ..

ولا تلام جريدة الشعب إذا هي هللت وكبرت وكتبت " الله أكبر .. فاز التحالف الإسلامي في انتخابات المحامين " الصفحة الأولي عدد 15 سبتمبر 1992 فما أكثر ما أبعد الإسلاميون بمختلف التعدادات وأكثر ما أهليت عليهم الاتهامات والادعاءات كالزعم أن الإسلاميين أصدروا منشورات بإلزام المحاميات بالحجاب !

وجاء التيار الإسلامي ليعلمهم درسا في أدب المنافسة وعمق الإيمان الديني .وأنه أقوي وأرسخ من كل الو لاءات المصطنعة .

وجاء في العدد نفسه بجريدة الشعب تحت عنوان:

" الله أكبر .. فاز التحالف الإسلامي في انتخابات المحامين "
" انهار الشيوعيون والعلمانيون وفاز الإسلاميون في نقابة المحامين "
انحنت جباه المحامين على أرض نقابتهم العتيدة في سجدة شكر طويلة لله ابتهاجا بالفوز الكبير لمرشحي التيار الإسلامي
وذلك بعد أن أعلن المستشار فؤاد جرجس رئيس اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات النتيجة النهائية لانتخاب مجلس النقابة في الرابعة عصر أمس الأول الأحد وأسفرت عن فوز قائمة التيار الإسلامي بالكامل 150 مقعدا من 24 مقعدا .
وبينما المستشار فؤاد جرجس رئيس اللجنة القضائية ورئيس محكمة استئناف القاهرة يغادر قاعة النقابة عقب إعلان النتيجة دوت الهتافات نرعي العهد ونرعي الذمة .. للأقباط أبناء الأمة؛
وضجت قاعة النقابة الواسعة وحدائقها المكتظة بأكثر من خمسة ألاف محام واصلوا الليل بالنهار منذ بدء عملية الاقتراع صباح الجمعة الماضي وحتى إعلان النتيجة بالهتافات المدوية خلف ممثل الشباب في المجلس الجديد خالد بدوي:عاشت نقابة المحامين . لكل المحامين " الله أكبر ولله الحمد .. فتساقط الأسوار فتسقط البلطجية ..
ثم تواصلت الهتافات : عش قضاء مصر .. عاشت قلعة الحرية وكانت اللجنة القضائية بكامل هيئتها قد انتقلت إلى قاعة النقابة الكبيرة لإعلان النتيجة النهائية حيث فازت قائمة التيار الإسلامي بالكامل وحصلوا على أعلي الأصوات ففي دوائر النقض والاستئناف بالقاهرة والمحافظات فاز التيار الإسلامي بالترتيب التالي:
  1. أحمد سيف الإسلام حسن البنا "6895 صوتا"
  2. مختار محمد نوح "6412"
  3. عبد الله محمد سليم "4925"
  4. محمد السعيد طوسون "4788"
  5. محمد أبو الوفا فرغلي "4589"
  6. أسامة محمود مصطفي "4576 "
  7. رأفت سيف الدين "4555"
  8. بهاء الدين عبد الرحمن "4472"
  9. محمد إبراهيم فزاع "3736" صوتا .

كما فاز مرشحون آخرون في دوائر الاستئناف هم:

  1. بشري عصفور "4521" صوتا
  2. عاكف جاد "4387"
  3. عصمت الهواري "4121" صوتا
  4. سامح عاشور "3873"
  5. محمد صبري ميدي "3781" صوتا .

وفي القطاع العام فاز مرشحو التيار الإسلامي الأربعة بأعلى الأصوات حسب الترتيب التالي:

  1. يوسف كمال "4943" صوتا
  2. ناجح طه محمود "4771"
  3. أحمد ماهر عبد الله "4509"
  4. محمد أحمد سليم السايس "4218" صوتا .

وقد فاز مرشحا التحالف الإسلامي لمقعدي الشباب بأعلى الأصوات وهما

  1. خالد محمد أحمد بدوي "5664"
  2. جلال سعد عثمان "4500"

وعقب إعلان النتيجة وبينما الفرحة الغامرة تعم النقابة ومؤيدو التيار الإسلامي يطوفون المبني في مسيرات تهليل وتكبير توجه اثنان من لواءات الداخلية المكلفين بمتابعة المعركة إلى قيادات التحالف الإسلامي لتهنئتهم بالفوز .

وكان أحد مساعدي وزير الداخلية قد توجه صباح السبت الماضي إلى سيف الإسلام حسن البنا لتهنئته على الفوز الذي ظهرت بشائره مبكرا منذ فرز الصناديق الأولي .

وقال اللواء: لقد علمت من جواسيسي أنكم فزتم بالنقابة كلها فحضرت لأقدم التهاني .

وقد أجمع المحامون على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية على نزاهة العملية الانتخابية ووجهوا التحية إلى رجال القضاء على ما قدموه من دعم للحرية والديمقراطية وعلى ما بذلوه من جهد طوال فترة العملية الانتخابية وعلى تحملهم الضغوط الهائلة من المرشحين ومؤيديهم .

عقب إعلان النتيجة ألقي المرشحون الذين لم يحالفهم الحظ باللائمة على أنفسهم وتقصيرهم في عملية الدعاية مؤكدين أن القضاء أشرف على الانتخابات بنزاهة بينما راح آخرون يؤكدون أنه لم تعد هناك فائدة من الدعاية الانتخابية مادام التيار الإسلامي قد نزل المعلب .

توافد ألاف المحامين ليعلنوا ثقتهم بالتيار الإسلامي وإسقاط دعاوي الاتجاهات الأخرى .

تواجد مرشحو وأنصار التيار الإسلامي بكثافة كبيرة وحملوا لافتات دعاية كبيرة زرقاء مكتوب عليها " نعم نريدها إسلامية . كما حملوا على صدورهم شارات زرقاء مكتوب عليها شعار الإسلام هو الحل نعم نريدها إسلامية" .

كما تكتل مرشحو وأنصار التيارات الأخرى وعلى رأسهم نبيل الهلالي ووجيه عباس وموريس صادق وهتفوا بشعارات معادية للإسلاميين ومحرضة على الدخول في أعمال عنف دامية . إلا أن الإسلاميين نجحوا في احتوائهم .

وتواجدت قوات الأمن بكثافة عالية وعلى رأسهم مساعدين لوزير الداخلية واللواء رضا عبد العزيز مدير أمن القاهرة وعشرات من ضباط أمن الدولة والأمن العام والحراسات ومئات من جنود الأمن المركزي الذين اكتظت بهم 6 عربات كبيرة .

وحاولت قوات الأمن منع أنصار التيار الإسلامي من استخدام الميكروفونات إلا أن جهودهم باءت بالفشل وقد ازداد إقبال الناخبين بصورة كبيرة بعد صلاة الجمعة وكان لافتا للنظر توافد المحامين والمحاميات كبار السن للإدلاء بأصواتهم أصرت إحدي المحاميات على أن تعلن بغضها لعملاء الصهيونية وأمريكا للإسلاميين

علانية أمام المحامين وقبل إغلاق صناديق الانتخابات بنصف ساعة تجمعت مجموعة من الشيوعيين وجواسيس الأمن وعملائه حول مختار نوح وبدأوا يطلقون شعاراتهم ودعاويهم الزائفة وكاد شجار إلا أن دماثة خلق مختار نوح فوتت عليهم الفرصة فقاموا بقذف أوراق دعايتهم في الهواء في منظر غير لائق استنكرته جموع المحامين .

وبعد الخامسة مساء تم إغلاق صناديق الانتخابات وبدأ الفرز حيث أعلن فوز أحمد الخواجة بمنصب النقيب بفارق قليل وغير مسبوق عن منافسيه ظاظا وأحمد ناصر .

وفي نقابة الجيزة الفرعية شهدت لجانها الانتخابية الأربع إقبالا كبيرا من جموع المحامين للإدلاء بأصواتهم منذ العاشرة صباحا وسط جو سادته دعاية قائمة التيار الإسلامي وابتكر المرشحون شكلا جديدا للدعاية الانتخابية وهي الفوانيس الممتلئة حيث لصق على كل وجه من وجوهها الثلاثة صورة أحد مرشحي التيار الإسلامي كما ارتفعت أصوات الشباب الإسلامي مرددة الأناشيد الحماسية .

حتى الساعة السادسة لم يحدث ما يعكر صفو العملية الانتخابية إلى أن فوجئ محمد غريب وأحمد ربيع المحاميان ومندوبا مرشحي التيار الإسلامي بوجود واقعة تصويت جماعي في احدي لجنتي الاستئناف حيث تواجد أكثر من عشرة محامين يدلون بأصواتهم في وقت واحد في اللجنة في حين وقف احد المرشحين على باب اللجنة يحثهم على التصويت لصالحه وزملائه المتحالفين معه فاعترض المندوبان وصمما على حضور المستشار فاروق وشاحي المشرف على لجان الانتخاب وتدخل عدد من المحامين الذين أكدوا حدوث واقعة التصويت الجماعي فأمر المستشار وشاحي بخروج جميع الناخبين وتصحيح الوضع .

ويؤكد يوسف كمال عضو مجلس نقابة المحامين عن القطاع العام أن نجاح الإسلاميين في الانتخابات يعود إلى فضل الله ثم نزاهة ودقة اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات بكل جزئياتها وإلى سمو المبدأ الذي التزم به المرشحون على قائمة التيار الإسلامي؛

التي تم تتويجها باسم العالم والروح المحركة للتيار الإسلامي المناضل مختار نوح الذي جرب فيه جموع المحامين الإخلاص في العمل الشعبي والنقابي مع صدق النية والتفاني في الأداء ولاشك أنه كان أحد الأعمدة الرئيسية لنجاحنا فضلا عن تفاني العديد من الإخوة المحامين الذين أنكروا ذواتهم وعلى رأسهم جمال تاج الدين مدير الحملة الانتخابية للتحالف وثبت أنهم خيار من خيار .

ويقول يوسف كمال إن الانتصار التيار الإسلامي الساحق ليس مفاجأة لأن جماهير الشعب بصفة عامة وجموع المحامين بصفة خاصة تتعطش إلى من يحملون الأمانة بإيمان وصدق وإخلاص وتفاني في العمل الإسلاميون أجد الناس بذلك .

ويقول مختار نوح إن نجاح الإسلاميين نتيجة طبيعية لازدهار الدعوة الإسلامية بين المحامين وقوتها وتواصلها وأضاف أننا سنعمل إن شاء الله ليل نهار بتجرد وعطاء متواصل لخدمة إخواننا المحامين ولعل هذه السمات هي التي ملأت نفوس المحامين شوقا لنا وقال إن العلاج سيكون في مقدمة خدماتنا النقابية ويأتي المعاش تعبيرا عن احتياجات المحامين المستقبلية والذي يستلزم زيادة موارد النقابة الاستثمارية لتصل في عام 2000 إلى 10 ملايين جنيه شهريا إن شاء الله ثم تأتي كرامة المهنة على قمة اهتمامنا بالمحاماة ولعل هذه ستكون خطوطنا العريضة لإنقاذ نقابة المحامين من منظور إسلامي .

يتردد بين المحامين على نطاق واسع أن تأخير نتيجة الانتخابات أكثر من 24 ساعة رغم انتهاز الفرز كان بسبب الضغوط الأمنية العليا على اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات لإيجاد مخرج لإنجاح اثنين من عملاء الأمن بالمجلس القديم؛

ليكونا شوكة في ظهر المجلس الجديد ويبرهنون على صحة شوكتهم بالمفاوضات الواسعة التي جرت طوال 24 ساعة والتي شارك فيها رجال أمن كبار.عموما نقول للجميع يجب أن تشكروا المجلس القضائي فكل شئ له حدود.

أدي مرشحو التيار الإسلامي ومندوبوهم صلاة الجمعة بشارع عبد الخالق ثروت أمام مبني النقابة وأمام السرادق الانتخابي الذي أقيم بالشارع .

وقد فشلت محاولات الأمن في منع الإسلاميين من إقامة صلاة الجمعة في الشارع فتم إغلاق الشارع عبد الخالق ثروت من الجانبين وخطب الجمعة خالد بدوي مرشح الشباب على قائمة التيار الإسلامي ودارت حول الانتخابات .

رغم تأخر إعلان نتيجة مجلس النقابة إلى ظهر يوم الأحد الماضي فقد تدفق المهنئون على مرشحي التيار الإسلامي منذ صباح السبت حيث كانت كل المؤشرات تدل على اكتساح قائمة التيار الإسلامي بأكملها.

تجمهر شباب المحامين حول مرشحي التيار الإسلامي منذ ظهر السبت الماضي وقبل إعلان النتيجة بأكثر من 24 ساعة وعقدت مؤتمرات كثيرة من المشرحين على أنهم الفائزون رغم أن النتيجة لم تكن قد أعلنت .

نظم مؤيدو القائمة الإسلامية عدة احتفالات بحديقة النقابة ابتهاجا بالفوز الساحق منذ مساء السبت رددوا خلالها الهتافات .

جلس الصحفيون في حديقة نقابتهم المجاورة لحديقة المحامين يناقشون نتائج انتخابات المحامين ودلالات الفوز الكبير للتيار الإسلامي بعض الخبثاء حاول الوقيعة بين الصحفيين مشيرا إلى أن الدور قادم على نقابة الصحفيين وأن التيار الإسلامي سيأتي له اليوم الذي يكتسح فيها نقابة الصحفيين علق صحفي أخر بأنهم سيكتسحون "نقابة الممثلين "

فما كان من أحد الإسلاميين إلا أن قال ليس هذا بعيدا بعد حجاب الفنانات .كانت أن تحدث أزمة أثناء قيام اللجنة القضائية بعملية جمع الأصوات التي حصل عليها مرشحون بجميع المحافظات طالب المرشحون بحضور العملية إلا أن القضاء رفضوا ذلك وأعلنوا أنها عملية إدارية تخصهم هم ولا علاقة للمرشحين بها أعلن مختار نوح في رجال القضاء وتقدم المرشحين في الخروج من القاعة وانتهت الأزمة على خير !

على مدي ثلاثة أيام قسم المحامون الإسلاميون أنفسهم إلى قسمين يتناوبان النوم ف يحين يظل القسم الآخر ساهرا أمام الصناديق .

فشلت حرب المنشورات التي شنها خصوم التيار الإسلامي في النيل من سمعته التي شملت المنشورات الكاذبة والبيانات المثقفة ونشر إعلانات في الصحف الحكومية للتأثير على الناخبين .

كما نشرت الجريدة صورة للأستاذ أحمد سيف الإسلام حسن البنا الذي ظفر بأعلى الأصوات وهو يصلي وعلى يساره لواءان من الشرطة وكتبت تحتها:لواءان من الشرطة يلازمان سيف الإسلام البنا حتى عند الصلاة

وعندما أعلنت النتائج أبلس اليساريون وبقية المعسكرات كأنما ألقموا حجرا وقالت جريدة الأهالي في مانشيت داخلي:" في غياب 90% من المحامين فازت قائمة الإخوان 12 ألف ناخب من 130 ألف محامي اختاروا مجلس النقابة" وأشارت إلى أن عدد المحامين 130 منهم 40 ألف لهم حق التصويت ..

فإذا كان الذين لهم حق التصويت هم 40 ألفا لا تمثل 10% ولا يقال 90%،من المحامين غائبون .. وإذا كان عدد المحامين 130 ألفا كما يقول الأهالي فلا قيمة لهذا العدد ما دام الذين لهم حق التصويت 40 ألفا ولكنها "البجاحة" المأثورة عن الشيوعيين وورثها عنهم الناصرون ..

وفاض الغيظ بكاتب حكومي يرأس تحرير صحيفة يومية عرف بمقالات مسعورة واندفاعات مجنونة فكتب مقالة طويلة تحت عنوان :

"زنير الأغلبية الصامتة"
كان فيها كالثور في متحف الخزف وحمله حقده على الإخوان المسلمين لأن يحمل على وزير الإعلام ووزير الداخلية ورئيس مجلس الشعب لأنهم يفسحون بعض الحرية للتيار الإسلامي !
وأخذ وهو الكاتب الصحفي صاحب القلم يستعدي وزير الداخلية ضد الإخوان المسلمين كفكر وكاتجاه !!بدلا من قيامه بالدفاع عن الحرية ومقاومة كل وسائل القهر والكبت السلطوي .
تناول في هياجه الرعب نقابة الأطباء باد عادات باطلة ظاهرة الزيف رد عليها نقيب الأطباء بمقال يبلور الرصانة والموضوعية جاء فيها :
في مقالك الأسبوعي وتحت عنوان الأغلبية الصامتة تناولت علاقة التيار الإسلامي بالإعلام وبالنقابات المهنية.
وبالرغم من اجتهادك في التحليل والنقد وبالرغم من وجود مشكلة تتعلق بعلاقة المجتمع والدولة بالتيار الإسلامي وفصائله إلا أنني أبادر بالقول بأن هناك من بين فصائل التيار الإسلامي تيارا مستنيرا يؤمن بالحوار والتسامح بعيدا عن العنف والتطرف ووصم صندوق الانتخاب كما يؤمن أن مشكلة المسلمين هي في التخلف وأنه يجب الأخذ بأسباب الحضارة والإبداع العلمي والفني ... وهذا الموضوع يحتاج لنقاش طويل وهو خارج عن موضوع التعليق .. لقد نجح التيار الإسلامي في الاستئثار بأغلبية مقاعد إدارة عدد من النقابات المهنية
في ظل انتخابات ديمقراطية حرة وهو بذلك يجني ثمار سياسة طويلة النفس بدأت منذ أوائل السبعينيات عندما شجعت الحكومة هذا التيار وبدأ نشاطه بين شباب الجامعات وقدم لهذا الشباب نموذجا جديدا من العمل العام يجمع ما بين العقيدة والممارسة الجادة في احتواء مشاكل الشباب الاجتماعية والثقافية وإتاحة فرص عمل وتلبية احتياجات مالية عاجلة وشباب السبعينات والثمانينيات هو الآن قوة مؤثرة ومنظمة وملتزمة داخل النقابات المهنية وهي التي نصر على ممارسة حقها في التواجد وفي الانتخابات وفي إنجاح كوادرها في النقابات المهنية في الوقت الذي اكتفت فيه الأغلبية بعدم المبالاة .
أن سلبية الأغلبية الصامتة هي بحث عنوان على عجز التنظيمات الشرعية الحالية وعلى رأسها حزب الأغلبية في التواجد بين الشباب وفي احتواء مشاكلهم وفي إعطاء مثل جيد لكوادر قيادية مدربة على العمل والحركة والقيادة كما أن هذه السلبية تمثل فشلا لمقولة لا تزال تتردد وهي أبعاد الجامعة عن السياسة وعدم مشاركة الأحزاب في التربية السياسية وإثارة الوعي القومي بين شباب الجامعة
أما القول بأن نقابة الأطباء قد أهملت مسئولياتها واهتمت بتوافه الأمور مثل تعريب الطب أو عدم ردع طبيب رفض إسعاف مصاب بحجة أن والدته غير محجبة فهذا القول لا يتناسب مع خطورة ما تناولته المقالة قضايا وأبادر بأن قرار تعريب الطب ليست قضية مثارة من الإسلاميين فقط
فهي قضية قديمة حديثة كان للنقابة فيها رأى قبل وجود التيار الإسلامي وكان لمنطقة الصحة العالمية رأي وكان لاتحاد العرب رأي وكانت ثمرة الجهود المشتركة هو صدور قاموس عربي انجليزي فرنسي بالمصطلحات العلمية
ويكفي أن اذكر أنه عندما يجتمع الأطباء العرب في مؤتمر علمي يتحدث أطباء المغرب بالفرنسية ويتحدث أطباء المشرق بالإنجليزية ويتحدث آخرون بلغة عربية مختلطة ويصبح التجمع العربي في مأزق قضية تعريب الطب ليست من توافه الأمور ولكنها على جانب كبير من الأهمية علميا وتربويا وقوميا ولا أريد الاستطراد في بعض جوانب هذا الموضوع ..
أما الطبيب الذي رفض علاج مصاب إلا إذا تحجبت والدته فهذا نوع من المزاح الثقيل , لأن المهنة تحتم على كل طبيب إسعاف كل مريض مهما كان لونه أو عقيدته وأقسم كل الأطباء على ذلك والطبيب الذي يتقاعس عن إسعاف مريض فاقد لدينه ولمهنته ولشرفه ولكل قيمة يعتز بها الإنسان ..
أما نقابة الأطباء التي اتهمها الأستاذ إبراهيم سعده بالاهتمام بتوافه الأمور فاتها على العكس من ذلك تهتم بكبار الأمور وعظائمها ويدل على ذلك النقد الموجه لها من بعض الأقلام في أنها تبالغ في بعض الأحيان في الاهتمام بالقضايا العامة مثل مشاكل المسلمين إغاثتهم في البوسنة والهرسك والصومال وعلى القائمة مسلمي كشمير وكازاخستان والملايو ... الخ
أما ما تقدم من خدمات مباشرة لأعضائها فإن التيار الإسلامي أكثر الفئات مهارة في ذلك واضرب على ذلك أمثلة ينظم العلاج ومشروعات التكافل وتوفير السلع المعمرة وتقديم خدمات مادية مباشرة الخ .
أما محاسبة أعضائها على خروجهم على تقاليد المهنة فأنني أشهد أن نقابة الأطباء تمارس حاليا أقسي نظام يمكن أن تسمح به القوانين الحالية في محاسبة أعضائها ولدينا لبنة نشطة لآداب المهنة عين فيها مسئولون عن ملاحظة الأطباء المخالفين وتقديمهم إلى المحاكمة التأديبية لمن يخرج منهم على تقاليد المهنة السامية ..
وهذه يا سيدي بعض ملاحظات على مقالتك أشارك بها في الحوار في هذا الموضوع الهام مع تحياتي وأطيب أمنياني .

ونشر رئيس التحرير هذا الرد كما نشر رد وزير الإعلام ورد رئيس مجلس الشعب ولو استطاع أن يحجبها لما تردد لأنها ألقمته حجرا وكشفت زيف دعاوية وكتب افتراءاته ..وفي فترة لاحقة وبعد أن التقط المهزمون أنفاسهم بدأوا حملة من الهجوم تقنعت بثوب الموضوعية ..

فكتب الأستاذ صلاح الدين حافظ في جريدة الأهرام تحت عنوان :

الإسلاميون واللعبة الديمقراطية
من الواضح أن التيار السياسي الإسلامي في مصر قد حرم أمره على الدخول في اللعبة الديمقراطية طبقا لمفاهيمه وقواعده واختار بوابة النقابات المهنية بالذات لتكون مدخله إلى هذا الاختيار الذي يعول عليه كثيرا .. والذي تراقبه القوي السياسية الأخرى بحذر شديد بل يشك كثير وعميق لأسباب عديدة
والتوقيت الذي اختاره التيار الإسلامي توقيت عصيب لأن بعض فصائله وجماعاته متهمة ومطاردة ولأنها تخوض معارك مسلحة ليس فقط ضد معظم شرائح المجتمع المصري كالأقباط مثلا بل وفي الأساس ضد سلطة الدولة التي تتهم هذه الجماعات بالإرهاب المسلح من جراء ارتكابها لعشرات من الاختيارات والعمليات المسلحة الهادفة إلى إسقاط النظام وتهديد أمن المجتمع كله .
ولذلك فإن إقدام قياد ة التيار إسلامي السياسي على خوض اللعبة الديمقراطية السلمية عبر انتخابات النقابات يجب أن يقاس بدقة شديدة لفهم الرسالة والرسالة المقصودة هي أن هذه القيادة تقبل بقواعد العمل الديمقراطي العلني والشرعي رغم أن بعض فصائلها تمارس على العكس اعنف المسلح والصدام الدامي والاغتيالات غير المبررة وغير المقبولة ..
ومن ثم يصبح شك البعض قائما وهو المتمثل في التساؤل أى التيارين الإسلاميين هو القيادة وأيهما هو الفرع أيهما الصادق في اختيار توجهه وأسلوبه في العمل وأيهما المراوغ ثم هل هذا مجرد توزيع أدوار بين المعتدلين والمتشددين أم هو خلاف حقيقي بين التيار العاقل والتيار الغاضب ؟
ونحسب أن الإجابة عن كل هذه التساؤلات والهواجس تكمن أساسا في قبضة الجميع فعليهم جميعا عبء إزالتها ومسئولية إقناع القوي السياسية الأخرى في هذا الوطن بأن انخراطها في اللعبة الديمقراطية هو انخراط أصيل وصادق ونهائي وأن علاقتها بالتالي بالجماعات المتطرفة صاحبة ممارسات التعصب والعنف علاقة مقطوعة قطعا نهائيا واستراتيجيا وليس مجرد قطع مؤقت وتكتيكي ومن ثم فإن عليها أن تنضم علنا للجبهة المعارضة للمتطرفين ..
ولأن هذه قضية طويلة ومعضلة كبيرة سنعود إلى ملاحقتها إلى المستقبل فإننا نكتفي اليوم بوجه واحد من أوجه انعكس انخراط التيار السياسي الإسلامي في اللعبة الديمقراطية ونعني قراءة اكتساح هذا التيار الانتخابات نقابة المحامين مؤخرا ..
وبداية تحب أن تضع أمام القارئ الملامح التالية:
  • أن اكتساح القائمة الإسلامية لمقاعد مجلس نقابة المحامين بنسبة 16 مقعدا من 24 قد جاء مفاجئا للجميع وصادما لكثيرين .. ذلك أن قيادة التيار الإسلامي نفسها لم تكن نتوقع هذا الاكتساح فما بالك بالقوي المنافسة؟!
  • إن نقابة المحامين بالذات كانت نقابة ليبرالية على مدي أكثر من خمسين عاما بل إن أنصار حزب الوفد قد سيطروا عليها حتى في ظل الحقبة الناصرية والساداتية ومن ثم فإن توقعات فوز الأصولين كانت ضعيفة ومستبعدة .
  • أن التيار الإسلامي السياسي سبق له تجريب دخول اللعبة الديمقراطية في أكثر من نقابة مهنية وعمالية ونجح في السيطرة النسبية على نقابات أساسية مثل نقابات المهندسين والأطباء ونوادي هيئات التدريس بالجامعات وأخيرا نقابة المحامين فضلا عن وجودهم كأقلية فاعلة في قيادة نقابات أخري كالصحفيين والتجاريين والصيادلة والعلميين .
  • إن ما جري في انتخابات المحامين مؤخرا هو مؤشر لتصاعد نفوذ التيار الإسلامي فبدأ كجبل الجليد لا تظهر منه سوي قمته الممثلة علنا في قيادة جماعة الإخوان المسلمين بينما قاعدته ما زالت هلامية أو هي غير مرئية على الأقل تظهر بجرأة يوما بعد يوم وتخوض تجربة بعد أخري ومن ثم فإن الأمر يستدعي تقييما جديدا .
  • إن انتخابات المحامين جرت بنواهة مشهودة من الجميع رغم العنف الذي سادها ورضي الجميع بهذه النتائج وشهدوا بحرية التصويت تحت إشراف لجنة قضائية برئاسة المستشار فؤاد جرجس رئيس استئناف القاهرة ..
إذن يبقي التساؤل لماذا فاز الإسلاميون بهذه القوة وأين كانت القوي السياسية الحزبية الأخرى وقد كان لها مرشحوها – في هذه المعركة التي مثلت اختيارا حقيقيا لموازين القوي ؟.

في عجالة سريعة تشير إلى العوامل التالية

(1) يوما يعد يوم يثبت التيار الإسلامي بشكل عام والسياسي منه بشكل خاص وأنه يتمتع بثلاثة مقومات مميزة ه العقيدة وقوة التنظيم ووفرة الإمكانات المالية والفنية والإدارية التنظيمية وبها يستطيع العمل الدقيق في ظل هشاشة الآخرين !
(2) صحيح أن القائمة الإسلامية فازت بنسبة تقترب من 80% في انتخابات المحامين لكل الصحيح أنه فوز الأقلية المنظمة في غيبة الأغلبية الضائعة المشتتة .. ولنا أن نعرف أن عدد من لهم حق الانتخاب في هذه النقابة يفوق الثمانين ألفا بينما الذين حضروا وصوتوا أقل من الخمس وأن أعلي نسبة فوز للمرشح الإسلامي الأول سيف الإسلام ابن مؤسس جماعة الإخوان الشيخ حسن البنا كانت نحو ستة آلاف صوت بينما أقل نسبة فوز تراوحت حول الثلاثة آلاف صوت فقط !
(3) ومعني ذلك أن الأقلية المنظمة حشدت مؤيديها حول قائمة موحدة بينما غابت الأغلبية السلبية في حين تشتت القوي السياسية الأخرى عند التصويت ولم تتحالف إلا نادرا فغاب الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الذي يدعي الأغلبية وسقط في الغيبوبة السياسية المعروفة ولم يفز للوفد إلا مرشح واحد وكذلك للناصريين بينما فشلت وجوه نقابية تقليدية أخري من الوفد يمينا إلى الماركسيين يسارا .. وليس للغائبين والمغيبين والسلبيين حق الشكوى الآن إلا من غيبوبتهم !
(4) نحسب أيضا أنه ليس كل الذين صوتوا مع القائمة الإسلامية من أنصار هذا التيار وحده لكننا نعتقد أن الاكتساح الإسلامي قلم على أرضية الرفض والتمرد والرغبة العارمة في التغيير تلك السارية في كل بر مصر أملا في التقدم حتى لو جاء على أيدي المخالفين في التوجه .. هل تعهد التذكير هنا بتجربة الجزائر التي مازالت ماثلة للعيان حية في الأذهان وهل نعيد تكرار الإنذار بأن ما جري في المحامين بروفة يمكن أن تحدث غدا ف الانتخابات المحلية الوشيكة والانتخابات البرلمانية القادمة !!
(5) لقد أغارت الأحزاب السياسية المصرية على النقابات المهنية والعمالية لكن انتخابات هذه النقابات تثبت واحدة بعد الأخرى أن هذه الأحزاب عالية الصوت خافتة العمل كالضجيج بلا طحن بينما التيار العقائدي المنظم يعمل في صمت حتى يكسب ..
(6) وهو بهذا يعطي النذير لمن يريد أن يقرا ويعرف وينتبه ... لقد مل الناس الرتابة والبلادة الادعاءات الكاتبة والحقائق المزيفة وباتوا يتطلعون إلى الجديد أيا كان اسمه ورسمه !! انتهي .

في اليوم التالي كتب الأستاذ محمود عبد المنعم مراد في الصفحة الأخيرة من جريد الوفد (العدد الأسبوعي) تحت عنوان :

" هل نتحدث بصراحة أكثر..."
مقالا ذكر فيه أنه لا خوف من الإرهابيين الذين يركبون الموتوسيكلات ويهاجمون البيوت والمحلات وينهبون الذهب والمصوغات ولكن الخوف في نظره هو استخدام سلاح الديمقراطية !!..

ويستطرد قائلا:

الديمقراطية الناقصة هي السلاح واستخدامها يتم بطريقة بسيطة غير مكلفة وغير مزعجة للسلطات ومن الصعب مقاومتها أو شجيها وإدانتها الديمقراطية تفيد السلطة الحاكمة في المدى القصير وتضر السلطة الحاكمة في المدى الطويل الديمقراطية الناقصة هي التي تؤدي إلى الفجوة العميقة بين الشعب والسلطة الحاكمة وتؤدي إلى انصراف الناس عن الأمور العامة والشئون السياسية القومية وتجعل الناس مثقفين وأميين يائسن من جدوى الكلام والشكوى والنقد لأنهم يعتقدون أن السلطة لا تعيرهم اهتمام وأنها لا تستمع إلى ما يقولون ولا تشركهم في البحث والدراسة واتخاذ القرار .
والواقع يؤيد كل كلمة مما ذكرنا إن الأغلبية الصامتة تركت الميدان للتيار الإسلامي لكي يصول ويجول ويحتل المواقع الاستراتيجية التي يريد احتلالها وكان هذا واضحا من فترة في انتخابات هذه النوادي وهذا ما حدث أيضا في انتخابات النقابات المهنية الهامة وكان آخرها انتخابات نقابة المحامين وقد كان لنتائج هذه الانتخابات بالذات وقع شديد الأثر على نفوس الحاكمين الحكوميين الذين بدأو يفيقون من النوم العميق .
ونحن نتمني مع الكاتب أن يفيقوا من النوم العميق لمصلحة البلاد ولكن كيف يفيقون والنظام كله قائم على أساس الغفلة لنافعة له ؟!.. كيف يفيقون وفي هذه الإفاقة زلزلة لنظام كله ؟!.. إن الإسلاميين لا يريدون إلا هذه الإفاقة ولكن القائمين على الحكم لا يريدونها ولو أرادها لما أعجزهم ولأعدوا لها العدة .
ويؤسفنا أن يقول لكاتب وهو كاتب محنك وممرس ويعرف جيدا بلاوي النظام من 52 حتى الآن.وهكذا يمكن القول بأن الإسلام السياسي يناضل في مسرحين للعمليات كل مسرح منهما له أساليبه وآلياته أحدهما مسرح العمل العنيف والمواجهة المسلحة والقتل والنهب والسرقة وإشاعة الرعب والفزع والقلق والتوتر وعدم الاستقرار وهذا ما تقوم به الجماعات المسماه بالمتطرقة
هذه الجماعات كما سبق أن قلت في أول لمقال تنفذ مهمتها التي تقتصر على شغل أجهزة النظام وجذب اهتمام الجماهير وتحويل نظر السلطات إليها دون أن يكون في مخططاتها الوصول إلى السلطة فليس من المعقول أن يعمل ألف شخص أو بضعة آلاف من الإرهابيين المسلحين بالعمل على إسقاط التقدم مباشرة ..
وهم مفرقون على مساحات واسعة من الأرض وغير حائزين لعطف الجماهير أو تعاونها معهم أما المسرح الثاني للعمليات فهو العمل السياسي السلمي الديمقراطي الذي لا تستطيع ن تشجعه أو تناهضه السلطات الحاكمة وحزبها الوطني الديمقراطي بينما هو يزحف ببطء ولكن بثقة ونجاح يزحف نحو السلطة بالطريقة التي تتيحها الديمقراطية الناقصة في ظل ضعف حزبها الهادي في كل المناسبات .
وهكذا يبدو الموقف في غاية الخطورة السياسية لأن الديمقراطية الناقصة هي التي تؤدي إلى وجود الأغلبية الصامتة وهذه بدورها تؤدي إلى سيطرة الأقلية الإسلامية السياسية المنظمة والواعية والمدربة والمزودة بالتجارب الطويلة والشعارات البراقة التي لا تقاوم وإذا كنا قبل نواجه شعارهم القائل بأن الإسلام هو الحل بالشعار الآخر الذي يقول إن الديمقراطية هي الحل فإن لذلك لم يحقق نجاح الديمقراطية في كل معارك .
نقول إن الكاتب يسبق بما لا يتفق مع ماضيه ويفكر بعقلية ضابط من ضباط السجن الحربي الأقدمين عندما يتحدث عن الإسلام السياسي الإرهابي والخطة الموضوعة لشغل الناس بينما يمضي التيار الآخر ... بثقة ونجاح !! .. هذا ابتذال وفكر تآمري لا يجوز أن يصدر عن كاتب مثل محمود عبد المنعم مراد..

وكتب آخر هو الأستاذ سمير عبد القادر في عمود نحو النور بجريدة أخبار اليوم تحت عنوان:

" ظاهرة انتخابات المحامين "
لا أحد يستطيع أن يذكر أن انتخابات نقابة المحامين أو نقابة الحريات يطلقون عليها قد أجريت في نواهة تامة وحرية كاملة .. ولم يحدث خلال التصويت أى فعل أو سلوك يشكك في سلامة وحيدة هذه الانتخابات .. ويؤكد ذلك أن جميع المحامين راضون عنها تماما ولم يرتفع بينهم صوت واحد بعد ظهور النتيجة يعترض على العملية الانتخابية أو ينتقدها .
ويرجع الفضل في نزاهة الانتخابات وحيدتها إلى إشراف القضاء عليها إشرافا كاملا .. وتجنيد عدد كاف من رؤساء المحاكم والموظفين لهذا الغرض .
ورغم نزاهة الانتخابات وحيدتها فإنه لا يمكن لأي إنسان صادق مهما كانت هويته السياسية أو اتجاهاته الحزبية أن يقرر أن النتيجة كانت معبرة تعبيرا حقيقيا عن رأي المحامين .. أو بمعني آخر عن رأي الغالبية المطلقة منهم .. بقدر ما كانت معبرة عن رأي الأقلية التي حرصت على الإدلاء بأصواتها .. واستطاعت ان تجيد تنظيم صفوفها !!
وكان السبب الأساسي لهذا الاختلال في التوازن الانتخابي الحريات . وعدم تمثيل جميع الاتجاهات السياسية الحزبية في مجلس النقابة .. هو تخلف معظم المحامين الذين لهم حق التصويت عن الحضور للإدلاء برأهم ..
في حين تكتلت الأقلية وتعاهدت فيما بينها على التصويت ولم يختلف منها صوت واحد .. والدليل على ذلك أن عدد من أدلوا بأصواتهم لم يزد عن 14 ألفا في حين كان من المفروض أن يكون هذا العدد 47 ألفا .. أى أن عدد كل لحاضرين يقل عن ثلث المحامين الذين لهم حق التصويت !!
وكنا نتوقع بعد ما أسفرت عنه انتخابات نقابة المحامين أن تتحرك وهيئاتها وأجهزتها لمنع تكرار مثل هذه الظاهرة .. ظاهرة تحكم الأقلية في الأغلبية .. ولو كان هناك حد أدني لصحة الانتخابات بحيث لا يقل عدد الذين يدلون بأصواتهم عن الأغلبية المطلقة وهي 51 % .. لما حدث هذا الحل في انتخابات المحامين أو غيرها .. ولما استأثرت الأقلية بمقاعد المجالس النقابية !!
والحكومة ليست وحدها المسئولة عن هذه الظاهرة .. بل أن الأحزاب كلها تشاركها المسئولية .. وفي مقدمتها الحزب الحاكم .. وكان من واجب الأحزاب أن تتنبه لهذا الخطأ في نظام انتخابات مجالس النقابات بصفة عامة وتعمل على تصحيحه .. وأن تفطن إلى أن الأقلية المنظمة يمكنها السيطرة والتفوق على الأغلبية المطلقة وإبعادها عن تلك المجالس ..
وحتى لا تتكرر هذه الظاهرة في نقابة المحامين وغيرها من النقابات يجب لعمل فورا على إعادة النظر في قانون النقابات بحيث ينصر على حد أدني لمن يدلون بأصواتهم لا يقل عن 51% .. وإذا لم يكتمل هذا العدد لا تتم العملية الانتخابية .. وتؤجل حتى يصبح العدد مكتملا .. وهو تأكيد لمبدأ الحرية والديمقراطية السائد في مصر .
كما أن هذا الإجراء ضروري وهام حتى يمكننا أن نصرف حقيقة الاتجاهات الحزبية ونتبين بوضوح وصدق التيارات السياسية الموجودة في الشارع المصري .. وأخيرا .. لا يمكن أن نتجاهل مسئولية المحامين الذين تخلفوا عن حضور الانتخابات وتنازلوا عن حقهم في الإدلاء برأيهم بإرادتهم ..فأفسحوا بذلك الطريق أمام الأقلية لكي تسيطر على مجلس نقابتهم ..
وأصبحت الأغلبية المطلقة غير ممثلة في المجلس .. وواقعة تحت سيطرة الأقلية ..أنه حدث مثير وغريب .. وما يجعله أكثر إثارة وغرابة .. أنه وقع في نقابة الحريات ولم يكن له أى رد فعل في الأوساط الحكومية والحزبية ..ولم يتحرك أحد!!
والاقتراح الذي اقترحه الأستاذ الكاتب اقتراح غير عملي ولو أخذ به لما أجريت انتخابات وكان عليه وهو الصحفي أن يعلم أن نقابته نقابة الصحفيين لم تستطع أن تحقق النصاب اللازم لعقد الجمعية العمومية سنة 1988 وهو 1017 صوتا وكان عدد الحاضرين 26 عضوا وعندما أجلت طبقا للائحة لم يزد عدد الحاضرين عن 35 عضوا !!..
وقال عبد المحسن حسين وحمدي عبد الفتاح في رسالة عن نقابة التجاريين أن أول الناجحين في شعبة المحاسبة التي تضم أكثر من 90,000 نال 3000 صوت وقالا أيضا : " إن أى تيار أو تجاه يستطيع حشد 3000 صوت يستولي على قيادة النقابة التي تكون جمعيتها العمومية صحيحة إذا حضر 300 عضوا!
علما بأنها تضم270,000 وفي نقابة المهن الزراعية التي تضم 240,000 عضو احتدمت المنافسة في انتخابات سنة 1988 ما بين سعد هجرس وعبد الفتاح الشوربجي حيث بلغ عدد الأصوات 25000 (من 240,000) وفي نقابة المهندسين التي تضم 180,000 عضو لم يحصل عثمان أحمد عثمان في معركة حامية بينه وبين المهندس عبد المحسن حمودة إلا على 12000 صوت (من 180,000 صوت) مقابل 150 صوتا ظفر بها خصمه فهذه النسب أى نسب عدد الذين أدلوا بأصواتهم إلى جملة الأعضاء توضح أن نسبة الذين حضروا انتخابات المحامين كانوا أكثر ممن حضر انتخابات التجاريين والمهندسين والمهن الزراعية ..

وكتبت السيدة أمينة شفيق في جريدة الأهرام تحليلا تحت عنوان

" في ضوء انتخابات نقابة المحامين "
جاء فيه لا يمكننا إنكار أن نتيجة نقابة المحامين التي جرت يوم 11 سبتمبر 1992 عبرت بكل نزاهة عن واقع صناديق الاقتراع سواء كانت صناديق الاقتراع لمنصب النقيب أو لمقاعد مجلس النقابة حتى لحظة كتابة هذه السطور لم يتقدم أى عضو من الجمعية العمومية أو من العناصر النشيطة النقابية أو من المرشحين الذين لم يفوزوا في الانتخابات بأي طعن يمس نزاهة القائمين على العملية الانتخابية أو إجراءاتها التي رأسها المستشار فؤاد جرجس .مثلت النتيجة واقع الصناديق .

أما الصناديق فقد عبرت عن الواقع التالي :

بناء على المعلومات المتاحة والأرقام القريبة من الصحة ترتفع عضوية نقابة المحامين المصريين إلى 120 ألف محام كان عدد المحامين دافعي الاشتراكات والمالكين لحق الإدلاء بأصواتهم صباح يوم 11 سبتمبر 1992 حوالي 54 ألف محام عضو نقابة بلغ عدد الأصوات الباطلة حوالي 4000 صوت وكانت الأصوات الصحيحة حوالي عشرة آلاف صوت وهي الأصوات التي صنعت هذه النتيجة .
تريد أن أحد التيارات السياسية دفع اشتراكات متاخذة لحوالي 3000 محام شاركوا بأصواتهم ضمن الأصوات الأربعة عشر ألفا التي أدلت بأصواتها يوم الانتخابات وهي واقعة لا ينكرها هذا التيار في كواليس المناقشات .
النتيجة المعروفة هي أن تيار الإخوان المسلمين والجهاد حصل على 16 مقعدا من المقاعد الأربع والعشرين للمجلس وأن النقيب أحمد الخواجة حصل على أقل أصوات في تاريخه النقابي وأن أعضاء المجلس حصلوا على أصوات قليلة لا ترقي إلى وزن نقابة المحامين الليبرالي إلى الطويل والممتد منذ عام 1912 ولا تتناسب مع حجم العضوية الكلية للنقابة المحامين المصريين كبري النقابات المصرية والعربية وأكثرها تأثيرا في القضايا العامة وتحديد في قضايا الحريات؛

تقودنا هذه النتيجة وهذه الحقائق العددية في مناقشة التالي:

  • أن التيار الإسلامي يحاول إيجاد منبره العلني في إطار سياسي عام يعبر عن التعددية الحزبية والليبرالية المنقوصة فهو يتجه إلى المنظمات الديمقراطية بكل ثقله المالي والتنظيمي محدثا فيها انقلابا سياسيا كما أنه يتقدم إلى هذه المنظمات دون تقديم أى برنامج نقابي قابل للمناقشة والجدل تماما كما يفعل في تقدمه للانتخابات لعامة وهو بذلك يحدث خللا في تركيبة هذه المنظمات بتحويله إلى بؤر سياسية في مقابل خلل آخر ف الساحة السياسية يفتقد فيها إلى علانيته .
  • إن نقابة المحامين تحديدا استمرت موقعا لصراع حاد بين كتل متنافسة لمدة تزيد على السنوات العشر ولم يكن هذا الصراع ذا طابع سياسي بقدر ما كان ذا طابع شخصي تبادل فيه الجميع الاتهامات وتقاذف الشتائم واستخدمت كل كتلة كافة إمكانياتها القانونية والمهنية في تقديم العرائض والملفات إلى المحاكم .
  • في سياق هذه السنوات وفي خضم هذه المعارك لم تلتفت المجالس المتتالية إلى صلب المشاكل المهنية والمعيشية التي تواجه الشاب المحامي المنضم حديثا إلى جدول النقابة والذي تتقاذفه الأزمة الاقتصادية الطاحنة وهي أزمة يعيشها شباب المحامين نتيجة لكثافة عدد الخريجين وضيق سوق العمل الحر وتراجع فرص العمل وإعدادها سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص أو الحكومة .
  • إن هذه الصراعات بين الكتل أبعدت كتلة أساسية عن العمل النقابي المهني في نقابة المحامين وجعلت هؤلاء المستقلين عازفين عن المشاركة ربما لعدم فهمهم لأسباب الصراع الدائر بين التكتلات أو لتعاليهم عن الأساليب التي اتبعت في الصراع وآلياته وهو شئ جديد على نقابة المحامين التي اشتهرت منذ القدم بفاعلية غالبية أعضائها وتكالبهم على نشاطاتها العامة والمهنية وربما كان هذا العزوف سببا رئيسيا في سلبية غالبية العضوية عن المشاركة في انتخابات يوم 11 سبتمبر 1992 مما جعلها معبرة عن صناديق الانتخابات وليست تعبيرا عن عضوية النقابة .
  • إن هذه الانتخابات جرت بعد فترة سكون وركود في الحوار النقابي المهني داخل النقابة خلال الفترة السابقة للانتخابات تركزت حركة الحوار في الأحكام القضائية بينما إنكمش الحوار بسبب تراجع الناشط النقابي مما أدي إلى انتشار الشائعات التي تمس الذمة المالية أو الشائعات التي تنتقص من فاعلية الكثير من القرارات الجيدة التي اتخذها المجلس السابق أو المجالس الأخرى السابقة له .
  • بجانب الصراعات بين الكتل المختلفة داخل النقابة فقد تحملت نقابة المحامين تبعات الكثير من التوجهات السياسية اليومية التي قامت بها غالبية القوي السياسية في مصر وهي في الأساس توجهات غير سليمة وغير صحية لقد استمرت ساحة نقابة المحامين طوال العقد الثمانيين ساحة للصراع السياسي بين القوي الحزبية العلنية وغير العلنية كذلك بين كل الشباب الذي لم يجد مكانته في نقاباته المهنية أو العمالية .. توجه الجميع إليها وإلى ندواتها العامة ليعبر عن رأيه الذي لا يملك ساحة أخري للظهور أو البلورة كانت نقابة المحامين وكأنها حزب من لا حزب له أو نقابة من لا نقابة له .
  • وقد تذرع الجميع بأنها النقابة الليبرالية التي لابد وأن تفتح أبوابها لكل رأي ولكل تعبير . ونسي الجميع أنها منظمة مهنية وأنها تضم جموع شباب يبحث عن رزقه اليومي وأن اهتمامه بالسياسة لابد وأن يوازيه اهتمامه بحياته اليومية وأن أى نقابة حتى لو صبت اهتماماتها في الحريات لعام والخاصة لابد وأن ترعي أعضاءها وخاصة في أزمتهم الاقتصادية والمهنية .
  • وهنا لابد من الاعتراف أن الحزب الوطني كان أول الأحزاب في تقدمه إلى هذه النقابة محاولا إحداث تغيير فيها بهدف تطويع قراراتها وتوجهاتها وإذا كان لنا أن نورد تفاصيل فلابد لها من لتذكرة بأحداث عامي 1979 1980 وهي الأحداث التي أعقبت مؤتمر الرباط (مؤتمر اتحاد المحامين العرب) عندما كانت تدخل وفود محامي الحزب الوطني غير مبالين بنتائج احتكاكاهم ومحاولات سيطرتهم على إمكانيات اتخاذ القرارات والتوصيات .
والآن وبعد أن فازت كتلة الإخوان المسلمين والجهاد أمام تشرنم وتصارع الكتل الأخرى هل نستمر نتحدث عن المفاجأة التي هي ليست مفاجأة فالمفاجئة التي هي ليست مفاجأة هي أن جموع المنضمين للنقابات تعاني من أزمة اقتصادية واجتماعية تتجه هذه الجموع إلى نقاباتها سعيا لحل جزئي لهذه الأزمة تسعي إلى الحل الجزئي وليس للحل الكلي تمتلك الحركة السياسية الحل الكلي وتمتلك النقابات البعض من الحل وهو دائما جزئي في إطار إمكانيات كل نقابة وحركتها الداخلية والخارجية
وإذا وجدت هذه الكتلة النقابية مصالحها مع قوي سياسية جادة تقدم لها هذا الجزء فإنها تتمسك بها ولا تذهب بعيدا عنها عازفة ليس فقط عن المشاركة الانتخابية بل عن العمل النقابي كله ويذلك تتحول النتيجة إلى تعبير عن صناديق انتخاب وليس عن إرادة جمعية عمومية واسعة التكوين .

والعناصر المشتركة في كل هذه الكتابات السابقة هي:

أولا: الاعتراف بحيدة ونزاهة الانتخابات
ثانيا: الاعتراف بتنظيم ومقدرة الإسلاميين "
ثالثا: جاءت إشارات إلى النقل المالي للإسلاميين ولكن من الحماقة الإشارة إلى هذا بينما جناح الحكومة يستطيع أن ي عرف ما يشاء وللناصريين والشيوعيين مواردهم التي هم أعلم بها (وقد يأتي يوم يعلن عنها) فليس من مصلحتهم إثارة هذه النقطة المزعومة .
رابعا: الاعتراف بالإحباط الذي يتملك جموع المحامين لسياسة النقابة السابقة وما حدث فيها من انشقاقات وصلت إلى حد شطب المعارضين واستقدام البوليس لمبني النقابة .. الخ ولتخبط سياسة الحكومة وتدهور الأمور مما افقد الناس جميعا – وليس المحامين فقط – الثقة في كل ما يقال ..
خامسا: جاءت إيحاءات عديدة تستعدي الحكومة وتحذرها من أن إتباع الديمقراطية سيفسح المجال للإسلاميين ويتكرر ما حدث في الجزائر !..
سادسا: لامت بعض الكتابات النقابات لسماحها بدخول لتيار الإسلامي ولكنها لم لامها للسماح لها بتغلغل الحزب الوطني فيها واستقطاب الحكومة للقيادات النقابية والإسلام من بعد ومن قبل أقرب إلى النقابيين وأعمق من الحكومة وحزبها .
سابعا: درات الكتابات كلها حول "الأقلية النشطة" التي لا تمثل جمهور الأعضاء وقد أوضحنا ركاكة هذه الادعاء فعدد الأصوات في الانتخابات الأخيرة أكثر من عدد الأصوات في الانتخابات السابقة وفي الوقت نفسه فإن تخلف الأغلبية يدين أكثر من أى شئ آخر القيادات النقابية السابقة والحكومة ويبرهن على تقبل سلبي من الأغلبية الغائبة للبرنامج الإسلامي وإلا لحضروا لمقاومته فالأقلية النشطة موافقة إيجابية والأغلبية الغائبة موافقة سلبية ..

أما الحقيقة المرة فقد مرت عليها هذه الكتابات مرورا عابرا: فانتقدت النظام لأنه أخف الضررين (الضرر الثاني مدح الإخوان المسلمين)

ولكن الذي كشف الحقيقة المرة الخافية وراء هذه الظاهرة هو الأستاذ صلاح عيسي في مقال لازع في جريدة الوفد تحت عنوان:

"النخبة الفاسدة .. والأغلبية الصامتة "
أشار فيه إلى نتائج البحث الذي قام به المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية وأسفر عن أن 52و3% ممن شملهم البحث يجهلون اسم رئيس الوزراء الحالي و 51,6 فشلوا في معرفة اسم رئيس مجلس الشعب و 78,1% لا يعرفون اسم رئيس مجلس الشورى و51, 3 % لا يعرفون شيئا عن النقابات و 50 % لا يعرفون شيئا عن الأحزاب السياسية , 60 % لا يملكون بطاقات انتخابية وأن 33 % فقط هم الذين يشاركون في الانتخابات ..

ويعلق على هذه الأرقام قائلا:

ومضي الأرقام واضح ودلالتها فاضحة وخلاصتها مفيدة أن المصريين لا يشاركون في حكم بلادهم وليست لهم أية صلة أو حتى معرفة بمن يحكمونهم ولم يسبق لنصفهم على الأقل أن استحم فى احدي القنوات الشرعية بما فيها النقابات والأحزاب السياسية وفي مقدمتها بالطبع حزب الأغلبية العملاق؛
ولسنا في آلية البحث عن كبش نطق في رقبته المسئولية عن هذه النتيجة أو بمعني أدق نمنحه ميدالية ذهبية لما حققه من انجازات أدت إلى طرد الشعب من الحلبة السياسية وتحديد إقامة المصريين في بيوتهم أو في جنودهم بحيث لم يعد أحد يهتم إلا بنفسه وبشئونه الخاصة بعد أن فقد الجميع الثقة في أن تسقيم الأمور فتلك هي النتيجة المنطقية لإدمان الحكم تزوير الانتخابات العامة وتفصيل القوانين لتي تنظمها على مقاس حزبه الوهمي .
المشكلة الحقيقية تكمن في أن استمرار استمراء تحديد إقامة المصريين داخل جنودهم قد انتهت إلى تفكك معظم الجماعات المصرية بعد أن يئس الناس من أن يؤدي العمل الجمعي المشترك بينهم داخل الأحزاب أو الجمعيات أو النقابات أو حتى جماعات السكن إلى نتيجة ملموسة ..
فاندفع كل منهم يبحث عن حل لمشاكله الخاصة بعيدا عن الآخرين ويدافع عن مصالحه الشخصية بصرف النظر عن مصالح الآخرين وربا على حسابها فحين تزايدت ظاهرة عدم وصول المياه إلى الأنوار العليا في بنايات المدن الكبرى منذ سنوات صاحبتها ظاهرة قيام كل ساكن بتركيب موتور كهربائي خاص برفع المياه إلى سكنه بدلا من أن يتعاون الجميع في شراء موتور واحد يملأ خزانا واحدا يحل المشكلة لجميع السكان فكانت النتيجة أن تعقدت المشكلة وأدي التزاحم على تركيب الموتورات إلى انقطاع الكهرباء الماء عن الجميع .
يحدث هذا وكثيرا مما نشاهده كل يوم في بلد نشأ مجتمعه أصلا من العمل الجمعي المشترك بين سكانه الذين تعاونوا في عصور ما قبل التاريخ من أجل استئناس مصب نهر النيل وحفروا مجراه فحولوا بعملهم الجمعي أرضه من مستنقعات لا حياة فيها إلى حضارة وصفها المؤرخ "أرنولد توينبي" بأنها لم تولد ولم تلد فهي غير مسبوقة وغير ملحوقة لذلك حكم بان كمصر ليست هبة النيل كما قال هيرودوت بل هذا هبة المصرين !
الكارثة الحقيقية إقامة المصرين داخل جلودهم لم يعد فرضا بل أصبح اختيار الكارثة الأفدح منها أن هذا النفي إجبارا كان أم اختياريا قد تجاوز الأغلبية الصامتة العاجزة بطبيعة وعيها أو ثقافتها أو ظروف الحياة القاسية عن الاهتمام بغير همومها الخاصة ليعمل إلى النخبة الواعية من المشتغلين بالعمل السياسي والعام المهمومين بهموم آخرين القادرين على تجميعهم وصياغة المشترك من أمالهم وهذه النخبة في أى مجتمع وكل وطن هي قلبه وروحه لأنها طليعته وقيادته بعد أن دب الفساد
أو أوشك في كثي من عناصرها الفاعلة فاستسلم البعض خوفا من سيف المعز المطاع أو طمعا في ذهبه اللماع وبئس البعض من مقاومة عمليات الفساد والإفساد المنظم التي تقوم بها الحكم ليضمن بقاءه على مقاعده بلا إحم وبلا دستور فانسحب من العمل العام أو اكتفي بالفرجة على ما يجر وهو يضع يده على قلبه إشفاقا على الوطن الذي سيدفع من مستقبله ثمن استمرار معادلة الأغلبية الصامتة والنخبة الفاسدة ما لم نتعاون جميعا على تحطيمها .
أما والحكومة تصر على أن تجري انتخابات المحليات بالقائمة المطلقة التي حكم مرتين بعدم دستوريتها فليس من حقها أن تشكو من نفوذ المتطرفين المتزايد و أن تأمل في إرساء أسس بناء المجتمع المدني الذي تواصل بنشاط محموم تهديمها .. مما يجعلها أهلا للمثل القائل الذي ولد ليزحف لا يستطيع أن يطير .

هذه هي الحقيقة المرة:

لقد أراد النظام أن يسجن المصريين في بيوتهم (أو حتى جلودهم) ... أراد أن يكون الشعب لاهيا لا يسأل حتى عن حقوقه ولا يتابع حكامه وفي هذا السبيل سلطوا عليه التليفزيون ما ناحية والكورة من ناحية أخري وأطلقوا الشعارات والأكاذيب وجعلوا من 5% التي تذهب في الاستفتاءات 99,9% وسعدت الحكومة بهذا لو لا أن السحر انقلب على الساحر !..
والشعب الذي لا يعرف حقوقه لا يؤدي واجباته والذي يعتقل ... لا يمكن أن ينطلق .وهكذا يحصد النظام اليوم البذرة التي غرسها بالأمس , ويدفع مضاعفا ثمن جريمته .

تعقيب وتنبيه:

من هذا العرض لموقف النقابات ما بين العمل النقابي والعمل السياسي يتضح أنه إن كانت النقابات أصلا هيئات مهنية تعني أولا بالقضايا المهنية وعلاقات العمل من أجور وتأمينات .. الخ بما تتطلبه من رعاية آداب المهنة وواجباتها إلا أن النقابات لا تعمل في خواء ولا تعيش في جزيرة منعزلة عن مجتمعها ..
إنها شريحة من هذا المجتمع ولا تغير صفتها المهنية هذه الحقيقة ولكنها تجعلها تقيم نوعا من التوازن ما بين واجبها المهني نحو أعضائها وضرورة العمل لحفظ حقوقهم ورعاية مصالحهم وما بين دورها القومي نحو المجتمع الكبير الذي تعيش فيها وتتأثر به.
وقد أثبت التجارب وواقع النقابات في المجتمعات الحديثة أن فكرة انعزال النقابة عن مجتمعها وانغلاقها على نفسها غير ممكنو دع عنك أنها غير مطلوبة أيضا فللنقابات دور قومي عليها أن تؤديه وقد وضع مكتب العمل الدولي الأمر في نصابه بقراره عن النقابات والعمل السياسي الذي أشرنا إليه في مستهل الفصل .
والمرفوض هو أن تتدخل الأحزاب وتحاول أن تسيطر على النقابات أو أن يعمل النظام الحاكم لاحتواه النقابات وتسيرها في مساره أو أن تتقاتل الأحزاب داخل الحركة النقابية حتى تمزقها هذه بالطبع صور مرفوضة وهي في حقيقتها ليست عملا سياسيا بالمعني الرفيع للكلمة وإنما هي ممارسات حزبية تؤدي لمصلحة هذا الحزب أو ذاك وتجني أحزاب ما قبل سنة 1952 وزرعت فيها بذرة الانتهازية والفرقة .. ثم استقطبتها تماما حركة الجيش سنة 1952 .

وتوضح تجربة النقابات أن هناك تفرقة واضحة ومتميزة ما بين الممارسات الحزبية التي تولتها فلول الناصرية واليساريين وإتباع الحزب الحاكم من جانب وبين دخول التيار الإسلامي هذه النقابات من جانب أخر:

فأولا: كان لابد لهذا التيار الذي يمثل أعمق مقومات شعب مصر وأعزها عليه وأثمنها لديه أن يمثل في النقابات التي أبعد عنها ظلما وبحكم القوة القاهرة فظهوره فيها ليس حدثا مستغربا بل هو الوضع الطبيعي وهو ما ينبغي أن يكون ..
ثانيا: أن ظهور هذا الاتجاه في نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين اصطحب بنبل المنافسة في المعارك الانتخابية (قارن ذلك بما كان يحدث في نقابة مثل نقابة المحامين في السابق بانتخابات سنة 1992 في نفس النقابة التي سيطر عليها هذا التيار وشهد بنزاهتها الجميع) وتميزت أيضا بالدأب في العمل والطهارة والبعد عن الانتهازية والتربح من العمل النقابي والتقرب إلى السلطان غير ذلك من السوءات التي كانت تنهش الحركة النقابية وتنخر في بنيانها ..
ومع هذا فلا تزال التجربة جديدة على هذا التيار ولا يزال أمامه الكثير ليتعلمه ليتخلص من بعض الشوائب التي فرضت نفسها على الفهم الإسلامي لعدد من القضايا .
وأهم من هذا أن يعلم أن هناك فرقا حاسما بين نقل القيم الإسلامية من إيثار وطهارة وحكمة (وهذه لا خلاف عليها) إلى النقابات المهنية ... وبين إخضاع النقابة لنفوذ هيئة إسلامية معينة كائنا ما كانت وربطها بها .
إن هذه الفكرة الأخيرة تضع الإسلاميين على شفا خطر كبير . فهناك فرق بين الإسلام ... وبين رؤي الهيئات الإسلامية له . فالإسلام للجميع وكما قلنا فإن مثله العليا ليست محل خلاف هي محل إجماع ليس فحسب من المسلمين ولكن من غير المسلمين أيضا فللأقباط نصيب في الإسلام وحق فيه باعتبار دينا حضاريا يقدم قيما حضارية يؤمنون بها وهذا الحق هو للأفراد كما هو للهيئات أيضا بمعني أن لكل واحد ولكل هيئة الحق في اجتهاد خاص ولها الإيمان أن هذا الاجتهاد هو الأفضل (وإلا لما أخذ به)

ولكن من الخطأ أن يحاول الفرد أو الهيئة أن يفرضه على الآخرين لأن للآخرين حقا كحقه وإذا حاول كل واحد أو كل هيئة أن تفرض رأيه على الآخرين وإذا حاول الآخرون ذلك أيضا فمعني هذا الشقاق.. والنقابة كنقابة هيئة لها كيان مستقل وطبيعة مهنية وعضوية عشرات الألوف ليسوا بالضرورة أعضاء في هيئة إسلامية معينة فإخضاع النقابة لنفوذه أمر لا يستقيم وبخالف طبائع الأشياء وأماناتها ..

وكنا نعيب على الشيوعيين سياسته في التسلل إلى النقابات بالدعاوي والتظاهر ثم استلحاقها لتدور في فلك الحزب ولتنفذ سياسته وليس لمصلحة العمال وكنا نري في هذا نوعا من الخسة والدناءة وسوء استغلال الثقة وهي خلائق لا يجوز أن تمس عن قرب أو بعد كل من يرفع راية الإسلام .
إننا نؤمن تماما باستقلالية النقابات عن الهيئات والأحزاب وقد أوضحنا في فترات سابقة الطرق السليمة التي يمكن للنقابات أن تنهجها إذا أرادت دخول المجال السياسي بالصورة التي لا تحيف على استقلالية النقابة.
طبقا للمبدأ الإسلامي "ادعوهم لآبائهم" فإن النقابة بنت المهنيين بصرف النظر عن انتماءاتهم وهذا التعريف يتقبل القيم الإسلامية ولكنه يرفض الحاق النقابات بغير " أبائهم" فآباء النقابات هم الأعضاء ز وطابعها المميز هو المهنة . وهذا هو ما تقضي به الأصول الإسلامية الحريصة على الأمانة والحق والصراحة والبعيدة عن الخيانة والنفاق والاستغلال ..واستقلالية النقابة بعد في مصلحة الاتجاه الإسلامي . لأنه يحفظها ذخرا للإسلام ويدفع عنها افتيات المفتاتيت أو دعاوي السلطات .
بل إننا لنقول أكثر من هذا أن النقابة المستقلة عندما تعالج الإسلام يمكن أن تثري الإسلام أكثر من النقابة المستلحقة التي تعالج الإسلام من وجهة نظر هيئة إسلامية فلا تقدم جديدا في حين أن النقابة الإسلامية المستقلة يمكن أن تستكشف أبعادا لا تخطر للهيئة الإسلامية وهذا هو ما انتهينا إليه وعبرنا عنه في عدد من كتاباتنا أن معالجة الإسلام من منطلق العمل يمكن أن يثري الإسلام قدر ما أن معالجة العمل من منطلق الإسلام يمكن أن يثري العمل .
وقد كان توجيه الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل للنقابات المنضمة إليه هو أن تحتفظ بعلاقات وثيقة بالدعوة الإسلامية في بلادها . دون أن تسمح لها باستلحاقها أو إذابتها أو حتى التدخل في شؤون ها وأن يكون دستورها هو " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا عن الإثم والعدوان " والتعاون يفترض مسبقا استقلالية استقلالية وإلا لما كان هناك تعاون فهذا مرة أخري هو منطلق الإسلام

الفصل الرابع: الإدارة النقابية بين الديمقراطية والفعالية

الإدارة الفعالة من أكبر التحديات أمام القيادات في النقابات المهنية فلكي تؤتي النقابات الثمرة المرجوة وتحقق أهدافها لابد من أن تدار إدارة سليمة

الإدارة النقابية حلقة مفقودة في عالم الإدارة لا تكاد نعثر عليها .. فالمدارس الأمريكية في الإدارة على اختلافها لا تتحدث إلا عن تقييم الوظائف و والمحفزان وحسابات التكاليف وعلاقات الإدارة والعمل والتسويق وآليات السوق والأسعار ... الخ

وهذه المدارس الإدارية هي البحيرة التي تنبع منها الكتابات العربية عن الإدارة وهي بالطبع لا تفيدنا فيما نحن بصدده عن الإدارة النقابية .. أما الفكر الاشتراكي والسوفيتي عنده في عالم الإدارة بأسره سوي قاعدة واحدة أشبهت قصيدة عمرو بن كلثوم التي : " ألهت بني تغلب عن كل مكرمة !!"

وهذه القاعدة الكلثومية التي تشفي من كل داء هي " المركزية الديمقراطية التي أبدعها لينين ليحكم الحزب الهيئات الملحقة به حكما ديكتاتوريا تحت ستار ديمقراطي وهي في جملتها تسعة أعشار مركزية وعشر ديمقراطية ..

وهي تقوم على المبادئ الآتية

  1. كل الهيئات النقابية تنتحب من القاعدة بواسطة الأعضاء وتسأل أمامهم
  2. تتبع الهيئات النقابية في أداتها لمختلف نواحي النشاط لنقابي القواعد التنظيمية في الاتحاد السوفيتي وقرارات الهيئات الأعلى .
  3. بيت في قرارات الهيئات النقابية بمقتضي أغلبية الأصوات .
  4. تتبع الهيئات النقابية القاعدية الهيئات النقابية الأعلى منها .

فإذا لم يكن في مراجع الإدارة الأمريكية ذكر أو تأصل للإدارة النقابية فكيف تدار النقابات بالفعل في أوربا وأمريكا ؟

إنها تدار بفضل التقاليد العميقة والممارسة الحية ... ففي مناجم الفحم ومناجم الحديد ومراكز الصناعات يتوارث الأبناء تقاليد وعرف الآباء عن العمل النقابي ويشاهدون منذ طفولتهم الممارسات النقابية لأن معظم آبائهم وأمهاتهم من العمال النقابيين ... ولعل أمهاتهم هززن مهودهم على أهازيج نقابية !فتشربوا النقابية من طفولتهم وتوارثوها كفكر وممارسة .

أما قادة النقابات فإنهم بدأوا من الصفوف وتعلموا في مدرسة الحياة وعلى يدي زملائهم من القادة السابقين ومن التجربة والخطأ ... وقلما دخل أحدهم مدرسة عليا أو جامعة ويصدق هذا على صمويل جومبوز سنة 1924

وجون لويس زعيم عمال الحديد في الولايات المتحدة والذي تولي تنظيم مؤتمر المنظمات الصناعية وأرنست بيفن رئيس نقابة عمال النقل والعمال العمومية في بريطانيا ووزير خارجية بريطانيا في وزارة العمال سنة 1945؛

ووالتر رويثر زعيم عمال السيارات في الولايات المتحدة الذي قال عنه أحد الكتاب أنه لو دخل الجامعة لكان أحد أقطاب شرك جنرال موتورز العملاقة .. فكل هؤلاء القادة العمالقة لم يدخلوا مدرسة عالية أو جامعة وعندما أسس " مؤتمر النقابات " في بريطانيا كلية راسكين لتخريج القيادات النقابية دخلها الطامحون من أبناء الطبقة الوسطي أو العمال دون ان تخرج قيادات عمالية على المستوي القومي .

وإذا وضعنا في حسبانا أن القيادة النقابية مدرسة لا ينبغ فيها إلا الأقوياء الأذكياء والأمناء الذين تتوفر فيهم درجة عالية من الصلابة والجلد وان المجتمع الأوربي والأمريكي تتعدد فيه القنوات الثقافية الحرة من صحافة وإذاعة وتليفزيون ... الخ

حيث تسمح للقيادات النقابية بالإلمام بدرجة حسنة من الثقافة دون الحاجة إلى دخول الجامعة ... لأدركنا كيف استطاع القادة النقابيون في الولايات المتحدة وبريطانيا إدارة الحركة النقابية دون أن تكون هناك مدارس للإدارة النقابية أو حتى مراجع عنها ...

بل كيف استطاعوا أن يبدعوا نمطا من الإدارة هي الإدارة الجماهيرية وكيف حققوا لها الديمقراطية والفعالية .. والحقيقة أن الإدارة موهبة وملكة قبل أن تكون دراسة وتعليم وبقدر ما يزداد نصيب الموهبة بقدر ما يقل نصيب التعليم والدراسة ولكن لما كانت الموهبة نادرة فإن عدد الموهوبين الذين لا يحتاجون إلى الدراسة أو الذين نقل حاجتهم إلى الدراسة عدد محدود ..

والذي يحدث عمليا هو أن نجد عددا كبيرا من الذين لديهم قدر من الموهبة يستكمل هذا القدر بالدراسة والتثقيف ومن هنا تأتي أهمية دراسة الإدارة ... أن العباقرة ليسوا في حاجة إليها (أى الدراسة) إنهم يعلمونها لا يتعلمونها لأن الله تعالي أودع فيهم قبسا من سره وقوته ..

ولكن أين هم العباقرة ؟!.. بل أين هم النابغون (وهم أقل درجة) ؟!.. إننا لا نستطيع أن نرتب أمورنا على وجود عباقرة أو نابغين وإنما يكون علينا التعامل مع الموجودين بالفعل ..

ومنذ الستينات عندما عهد بتدريس مادة الإدارة النقابية في معهد الدراسات النقابية بالدقي ونحن نحاول أن نبدع نمطا جديدا من الإدارة يتلاءم مع الوضع الخاص بالحركة النقابية وظهرت حصيلة ذلك في كتاب :"محاضرات في الإدارة النقابية ".

ولا يتسع المجال لعرض ما جاء به إلا على سبيل الإشارة للفكرة الرئيسية فيه وهي إقامة إدارة على أساس مقومات ثلاثة:المنهج ... والأجهزة ... والقيادات .

فالمنهج هو الذي يمثل "نظرية" وفلسفة التنظيم بما في ذلك الغاية والوسيلة وبعد دستور المنظمة وعادة ما يتبلور في صورة لائحة النظام الأساسي أو قانونها أو دستورها أيا كانت التسميات .

والأجهزة هي القوالب والأطر التي تصاع فيها القرارات وتأخذ شكلا منهجيا يستبعد الأداء العشوائي أو الفردي كمجالس الإدارات اللجان الخ ..

حيث تسمح للقيادات النقابية بالإلمام بدرجة حسن من الثقافة دون الحاج إلى دخول الجامعة .. لأدركنا كيف استطاع القادة النقابيون في الولايات المتحدة وبريطانيا إدارة الحركة النقابية دون أن تكون هناك مدارس للإدارة النقابية أو حتى مراجع عنها بل كيف استطاعوا أن يبدعوا نمطا من الإدارة هي الإدارة الجماهيرية وكيف حققوا لها الديمقراطية الفعالية ..

والحقيقة أن الإدارة موهبة وملكة قبل أن تكون دراسة وتعليم وبقدر ما يزداد نصيب الموهبة بقدر ما يقل نصيب التعليم والدراسة ولما كانت الموهبة نادرة فإن عدد القادة الموهوبين الذين لا يحتاجون إلى الدراسة أو الذين نقل حاجتهم إلى الدراسة عدد محدود .. والذي يحدث عمليا هو أن نجد عددا كبيرا من الذين لديهم قدر من الموهبة يستكمل هذا القدر بالدراسة والتثقيف ومن هنا تأتي أهمية دراسة الإدارة ..

أن العباقرة ليسوا في حاجة إليها (أى الدراسة) إنهم يعلمونها لا يتعلمونها لأن الله تعالي أودع فيهم قبسا من سره وقوته .. ولكن أين هم العباقرة ؟... بل أين هم النابغون (وهم اقل درجة) ؟.. إننا لا نستطيع أن نرتب أمورنا على وجود عباقرة أو نابغين وإنما يكون علينا التعامل مع لموجودين بالفعل ..

ومن الستينات عندما عهد إلينا بتدريس مادة الإدارة النقابية في معهد الدراسات النقابية بالدقي ونحن نحاول أن نبدع نمطا جيدا من الإدارة يتلاءم مع الوضع الخاص بالحركة النقابية وظهرت حصيلة ذلك في كتاب:" محاضرات في الإدارة النقابية ".

ولا يتسع المجال لعض ما جاء به إلا على سبيل الإشارة للفكرة الرئيسية فيه وهي إقامة إدارة على أساس مقومات ثلاثة:المنهج ... والأجهزة ... والقيادات .فالمنهج هو الذي يمثل نظرية وفلسفة التنظيم بما في ذلك الغاية والوسيلة ويعد دستور المنظمة وعادة ما يتبلور في صورة لائحة النظام الأساسي أو قانونها أو دستور أيا كانت التسميات .

والأجهزة هي القوالب والأطر التي تصاغ فيها القرارات وتأخذ شكلا منهجيا يستبعد الأداء العشوائي أو الفردي كمجالس الإدارات واللجان الخ .. وأخيرا القيادات وهي العنصر البشري في الإدارة والذي يحيل القرارات إلى عمال ..

والإدارة بصفة عامة وكما حددناها هي " التعامل مع الناس لتحقيق أهداف " وهو تعريف يمكن أن ينطبق على النقابات العمالية والمهنية كما ينطبق على الشركات الصناعية والمؤسسات الاقتصادية ووجه الخلاف بينهما هو طريقة التعامل مع الناس وتحديد الأهداف ..

فهي في إدارة الشركات التعامل مع العمال من ناحية والمستهلكين أو التجار من ناحية أخري .. ولكنها في النقابات التعامل مع العمال أصحاب النقابة والذين ينتخبون قياداتها ومن هنا فالاختلاف أيضا هي في الشركات تحقيق المزيد من الأرباح ولكنها في النقابات تحقيق المطالب المشروعة للعمال ..

ففي طريقة التعامل وفي تحديد الأهداف يوجد اختلاف كبير ما بين الإدارة النقابية والإدارة الأمريكية (التي هي أصلا إدارة المؤسسة الصناعية) حتى إن كان تعريفنا العام واحدا وهو التعامل مع الناس لتحقيق أهداف "

والوضع الخاص للحركة النقابية يدفع إلى أن يأخذ التعامل مع الناس طابع الديمقراطية وأن يأخذ تحقيق الأهداف طابع الفعالية ... وتكون الإدارة النقابية هي تحقيق معادلة ما بين الديمقراطية والفعالية ..

فإذا تحققت الديمقراطية دون فعالية فإن النقابة ستكون مثل مصطبة العمدة أو " جمعية الخطابة" تحقق الديمقراطية دون أن تصل إلى تحقيق القرارات.

وإذا رزقت الفعالية دون الديمقراطية فإنها ستفقد طابعها الجماهيري الشعبي وستكون إدارة سلطة كإدارة الجيش مثلا التي تحقق النصر لا بفضل الديمقراطية بوجه خاص ولكن بالضبط والربط والالتزام ..

وحتى لو لم تملي الطبيعة الخاصة لنقابة وأن جمهورها هم أصحابها وهم الذين ينتخبون القيادات أن يكون التعامل معهم ديمقراطي فإننا مأمورون كمسلمين أن نجعل الشورى منهجا وأسلوبا في التعامل بدءا من الأسرة حتى الدولة فطبيعة التنظيم النقابي تتفق مع توجيه الإسلام في أن كلا منهما يقضي بالديمقراطية أو بتعبير القرآن " الشوري " وعلينا كقيادات إسلامية من ناحية وقيادات نقابية من ناحية أخري أن نلتزم بالديمقراطية الشوري .

ووسائل تحقيق" الديمقراطية " أو "الشوري " النقابية عديدة منها:

(أ‌) الاجتماعات: فالاجتماعات هي التي تفسح المجال لكل عضو لكي يثبت وجوه ويشبع شخصيته ويقدم إضافته وهي النفاذة التي تنفس عبرها الأعضاء وهي الوسيلة لاكتشاف العناصر ذات الكفاءة والطموح والطبيعة القيادية وهي التي تصقل شخصية هذه العناصر وتفتح أمامها الطريق للتقدم وهي الوسيلة لاستجلاء كل أبعاد موضوع ما لأن كل عضو خلال الشوري والمناقشة يمكن أن يكشف عن أحد أبعاد الموضوع وبهذا يكشف مجموع الأعضاء مجموع الأبعاد وتنضح الصورة وتأمن القيادة اتخاذ قرار لا يلحظ إلا بعد واحدا ويغفل بقية الأبعاد ويكون لهذا آثار وخيمة .
وقد يحدث بالنسبة لظروف الأعضاء ومتاعبهم واستغراقهم ما بين عملهم ومسئولياتهم العائلية أن يعجز الأعضاء عن حضور الاجتماعات حتى عندما يرغبون في ذلك وعندئذ يكون على قياداتهم أن تذلل هذه الصعوبة وأن تسعي إليهم؛
ويمكن أن يتحقق ذلك بعقد الاجتماع في وقت ومكان العمل بموافقة الإدارة ويغلب أن لا تعجز القيادية النقابية الذكية عن أن تقنع غدارة المنشأة أن تبرعها بنصف ساعة كل شهر أو اثنين سيطون له وقع حسن لدي العمال ويجعل العمال يستدركون ما ينقص من الإنتاج بسببه بل وزيادته؛
فإذا تعذر هذا فيمكن عقد الاجتماع في أقرب المواقع إلى أماكن سكن معظم العمال ويمكن أن يأخذ الاجتماع شكل رحلة ترفيهية للعمال وأسرهم خلال يوم الأجازة بشكل يجعل العمال يتحمسون للمشاركة ويعقد الاجتماع المطلوب خلال الرحلة وقد تتحدث بعض الكتب النقابية عن " اجتماعات البوابة " أى التي تحدث عند بوابة المصنع عند تكامل عمال الودية دخولا أو خروجه لإخطارهم بأمر ما على وجه السرعة .
باختصار أن القيادة النقابية الذكية لن تعجز عن التوصل إلى وسائل عقد الاجتماعات عندما تؤمن بفائدتها وتعقد العزم على تنفيذها ويفترض أن تكون هذه الاجتماعات منهجية في أسلوبها وموضوعها ودورية في مواعيدها .
(ب‌) إشاعة السلطة من ابرز وسائل الديمقراطية النقابية إشاعة قدر من السلطة بحيث لا يحتكرها مجلس الإدارة ويمكن ذلك بتكوين صف ثان للإدارة النقابية من " المندوبين " الذين تتخبهم القاعدة على كل المستويات (اللجنة النقابية، النقابة العامة،الاتحاد العام)
وقد يمكن ذلك بانتخاب مجلس إدارة ظل: يحضر بالقرارات : أو يسمح له بالحضور في جلسات مجلس الإدارة دون الاشتراك في التصويت كما يحد في بعض التنظيمات التعاونية وكما يوجد في النظام السياسي البريطاني عندما يطلق على مجلس الوزراء الذي يشكله حزب المعارضة خارج الحكم " وزارة الظل" وقد يكون بتكوين مجلس استشاري من العمال وغير العمال أيضا من الكتاب والمفكرين المتعاطفين مع التنظيم النقابي .فهذه كلها وسائل لإشاعة السلطة وتمكن القاعدة من المشاركة فيها.
(ج) الإعلام والاستعلام: ومن وسائل الديمقراطية النقابية تعريف القاعدة بمختلف وسائل الأعلام كالصحف والنشرات ومجلة الحائط بقرارات ونشاط القيادة وتعريف القيادة أيضا بوجهات نظر القاعدة بحيث يكون إعلام واستعلاما ويصبح قناتين مزدوجتين لا قناة مفردة .
ويفترض في المطبوعات النقابية التحرر من لوثه النفاق سواء كان لإدارة المنشآت أو للمسئولين القوميين فهذا يجعل القاعدة تشك في مصداقية ما تحويه هذه المطبوعات من مواد . ولتجعل هدفها الأعضاء بنشاط الإدارة النقابية وتبني أراء ومقترحات العاملين وتشجيعهم على الكتابة ..
والعمود الفقري في إشاعة الديمقراطية والسهر عليها ... هو المندوبون الذين يعملون للوصول ما بين القاعدة والقيادة ويكونون ضباط الاتصال الدائمين مابين فترات الاجتماعات والذين يحصون دائما على تلمس "نبض القاعدة" والتعامل معه وتوصيله للقيادات حتى لا تبعد أو تأخذ فكرة خاطئة عنه .
والطرف الثاني من معادلة الإدارة النقابة وهو كما قلنا الفعالية التي لا يمكن تحقيق الأهداف بدونها خاصة وأن تحقيق الأهداف النقابية مما لا مكن الوصول إليه بسهولة .
فالزيادات في الأجور أو تحقيق التأمينات أو الأمن الصناعي ... تمثل بالنسبة لأصحاب الأعمال " غرامات ثقيلة دائمة وقد تتطلب تعديلا تشريعيا تقف في طريقه البيروقراطية والجمود ما لم توجد قوة كاسحة وضغط كبير ... ولا يمكن التوصل إلى شئ من هذا إلا بتنظيم دقيق وإدارة محكمة ودرجة عالية من الالتزام وهي مكونات " الفعالية " وقد تضطر النقابة للقيام بإضراب وهو نوع من الحرب يتطلب ما تقتضيه الحرب من التزام وطاعة وضبط الخ ..
ويعود جزء كبير من الفعالية إلى قوة التنظيم الإداري ونعومة الاتصال ما بين القيادة والقاعدة والثقة المتبادلة ومدي ما تتمتع به القيادات من الكفاية والقدرة وسرعة افتئاض الفرص وحسن التعامل مع الأحداث .وهناك كتب عديدة عن القيادات وكيف يمكن أن تجند الجماهير وتعبئها وتجتذب القواعد الخ .
ولكن ما من عامل يماثل الصدق والإيمان فبقدر تغلغل الإيمان في نفوس القادة وبقدر صدقهم في العمل بقدر ما تتمسك بهم قواعدهم وجماهيرهم . والوسيلة الرئيسية في الإسلام للعلاقة ما بين القائد والصفوف هي "الأسوة" وهي وحدها كافية لما تعجز عنه كل وسائل الدعاية والاتصال؛
فإذا كان القائد متقشفا مترفعا عن الصغائر يسمو بنفسه فوق مغريات المظاهر من زي أو رياش أو ثروة أو متاع الخ .. فغن الأعضاء سيرون في ذلك صدقه وسيأخذون أنفسهم بما أخذ نفسه به وبهذا ينصلح " الراعي والرعية " وليس هناك ما هو أمضي من هذه الوسيلة أو أكثر فعالية منها أو أكثر اتصالا بالقلب .. ولا " أرخص " منها .
وإنما لا يأخذ بها قادة العصر لأنها تلزمهم التقشف والتأدب بأدب القيادة الحقة ووضع مسئولياتها قبل أشخاصهم وهذا مسلك لا يطيقونه . وبهذا يلجأون إلى من يتغني بمحاسنهم على صفحات الجرائد أو أبواق الإذاعة والتليفزيون ويستخدمون جيشا جرارا من الخبراء والفنيين الذين يضعون الخطط في الغرف المكيفة على الأوراق وكأنما أنجزوا المهمة المطلوبة ..
وإذا كان العمود الفقري في إشاعة الديمقراطية هم المندوبون كما ذكرنا آنفا فإن العمود الفقري لتحقيق الفعالية هم " المنظمون " أو الكادر النقابي المتخصص في الربط ما بين القيادة العليا للنقابة .. وفروعها المنتشرة على الرقعة الجغرافية للبلاد .
وعلاج ما يطرأ من مشاكل في هذه الفروع ولهم في العادة طبيعة السفير المتجول فكل منهم يختص بمنطقة معينة يذرعها ذهابا وإيابا ليقدم النصح والمشورة ويحل المشاكل ويدعم الثقة بين المركز الرئيسي وبينها ..
وتأخذ النقابات الأمريكية والبريطانية بهذا النظام وتلتقط منظميها من الأعضاء الذين أظهرت التجربة أن لهم ملكات إدارية من جاذبية وقدرة على حل المشاكل الخ ..
فترغهم النقابة وتخصصهم لهذا العمل وتقدم إليهم أجرا كافيا لا يمكن أن يعد عبئا على النقابة لأن ما سيكسبونه للنقابة يزيد أضعافا عما سيأخذونه ناهيك بما تكسبه النقابة من ترابط هو في أصل قوتها ..
وقد أظهرت الممارسة أن للنقابات الفرعية نشاطا ملموسا وإحساسا مرهفا بالمشكلات واستعدادا للعمل وهو ما يلقي بمسئولية على القيادة العليا وعلى " المنظمين " كما أن تقسيم النقابة العامة إلى شعب يتطلب عناية تنظيمية فنية أى على أساس الشعب بحيث يتحقق ترابط كل شعب النقابة بعضها ببعض تحت لواء ومظلة النقابة العامة .

الباب الثالث:الدور المطلوب من النقابات المهنية

الفصل الأول: تعميق الضمير المهني

عرضنا في فصل سابق لتدهور الأداء المهني وإن لم نعرض للعوامل التي أدت إليه إلا بإشارة موجزة لأن هذه العوامل من الكثرة والتعقد بحيث تتطلب معالجة مستقلة ولهذا السبب نفسه لن نعرض في هذا الفصل لها بصورة مفصلة ولكن بصورة مجملة تكفي على إجمالها كمدخل لموضوعه ..

فمن أبرز عوامل تدهور الأداء المهني:

(1) مناخ الإحباط العام الذي يكتنف البلاد جميعا ويعم كل فئات الشعب نتيجة لأن تجربة سنة 1952 قامت على أسس فاسدة واستخدمت الإرهاب آونة والتزييف آونة آخري و والشعارات المضللة أونة ثالثة لتبقي على نفسها ولتعطي أخطاءها .
ولكن هذه الوسائل, وإن مدت في حبل حياتها لبضع سنين ما كان يمكنها أن تستمر إلى ما لا نهاية ... فظهرت الأخطاء وبدلا من أن تصلح فإنها رمت على فساد وبالتالي تفاقمت آثارها .
وكان يجب على السادات أن يعلم أخطاء عبد الناصر ويتبرأ منها ويعتذر عن مشاركته فيها ولكنه بدلا من ذلك تبناها فاستمر الخطأ وكان يجب على مبارك أن يتبرأ من أخطاء السادات ويعتذر عن مشاركته فيها ولكنه تبناها فاستمرت الأخطاء وأخذت شكل المتواليات التي تتوالد وتتضاعف وظل الشعب والحقيقة في واد والحكومة والشعارات في واد آخر..
لقد كانت مصارحة خروشوف بأخطاء ستالين هي ضربة المعول الأولي في القضاة على نظام فاسد وبدء نظام جديد .. برغم أن تجربة الاتحاد السوفييتي رزقت إيمانا وإخلاصا من ملايين الأتباع ومن عشرات الألوف من القيادات وكانت ثمرة كفاح مائة سنة سابقة عليها وأسهم فيها معظم الكتاب والمفكرين في العالم بأسره مما لا يمكن أن تقاس عليها أو تقرب منها التجربة الناصرية العجفاء بنت البكباشية ووليدة ليلة 23 يوليو ..
وأدي استمرار مسلسل الأخطاء إلي التدهور العام في كل مجالات الحياة:اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وفسدت الذمم والضمائر وشاعت الانتهازية والرشوة وسيطر على البلاد أخطبوط من : السلطة والمافيا والبيروقراطية والحيتان , وتملك الإحباط نفوس الناس جميعا وهم يجدون أنفسهم عاجزين عن العمل والإصلاح وانعكس هذا على الأداء المهني فهبط به .
(2) إن الأخطاء في السياسة الاقتصادية خلال الحقبة الناصرية عندما حدث النهب الأول للموارد .ثم خلال الحقبة الساداتية وحدوث الهب الثاني وتضخم الرأسمالية الطفيلية وتحول الانفتاح إلى اهتبال طليق .. ثم خلال حكم مبارك ونزول قيمة الجنيه أمام الدولار والعلاج بالديون الربوية التي زادت في تدهور الاقتصاد ورهنه لسداد الفوائد (وليس أصل الدين) ..
كل هذا أدي إلى سقوط القوة الشرائية للمرتبات والأجور وأصبحت وحدة هذه الأجور " الجنيه " لا تساوي في الحقيقة أكثر من خمسة قروش وأصبحت الحياة جحيما ومعادلة لا يمكن حلها ما بين الأجور والاحتياجات واستحال تماما على أى شاب ليست له موارد خاصة أن يظفر بشقة أو مهر فيمكن له الزواج ..
وكان من أبرز صور العجز عن مجابهة هذه الاستحالات النزوح الجماعي من البلاد والهجرة إلى الدول العربية أو الأوربية يستوي في ذلك الصناع والقرويون والأطباء والمحامون ... الخ .
وأصبح الشباب المصري سلعة مزجاة في سوق النخاسة الدولية " وملطشة" للتجار والمقاولين وأصحاب الأعمال وأعراب الجاهلية في الكويت والسعودية وقد يتعرضون بعد طول الشقاء لتقلبات طغاة الحكام أو يعاقبون على سياسة بلادهم !
فيذهب هدرا خلال أيام ما جمعوه بالعرق والسهر والدأب خلال سنوات طويلة ويعودون أسوأ مما كانوا عليه بعد ذهاب شقاء العمر .. وضياع زهرة العمر ... أما الذين ظلوا في البلاد (بين المطرقة والسندان) فقد انعكست عليهم آثار هذه الظاهرة : هبوط في الأداء والأجور , وارتفاع في الأسعار .. وهذا أمر طبيعي بالنسبة لعامل يتمزق اهتمامه ما بين الأجور والاحتياجات ... والحقوق والواجبات ..
إن الإسلام لم يغفل أبدا أثر العامل المادي لقد امتن الله على العرب وجعل من مبرر عبادتهم له أنه " أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف " ... وجعل صلي الله عليه وسلم امن يستعمله كل ما يسد حاجته بما في ذلك ما ينقله إلى عمله .. وعندما أسرت الجارية (الخادم) إلى الشيخ وهو يلقي درسه:" نفد الدقيق " قال الشيخ : " يا جارية أطرت أربعين مسألة من فكري !".
نعم .. إن من العسير أن يفرغ الإنسان للعمل وأن يركز ذهنه فيه إذا ارتفعت صرخات الأفواه الجائعة .

والطبيب الذي يمضي 7 سنوات في دراسة ويمثل قمة الآمال والطموح والمستوي المهني والاجتماعي يعاني ويعيش بالصورة التي عرضها الأستاذ يوسف جوهر في مقال:

" آهات المرضي وأوجاع الأطباء "
وليسمح لى القراء ان انتقل من آهات المرضي إلى أوجاع الأطباء .. الذين يقاسي شبابهم شظف العيش وضيق الرزق ..
يقول الدكتور محمد . ع . أنه بكالوريس طب وجراحة وأنه تخرج عام 1975 وأنه يتقاضي بعد سبعة عشر عاما في المهنة تسعين جنيها مرتبا أساسيا وستين جنيها علاوات اجتماعية ... وأنه يتقاضي حوافز شهرية خمسة جنيهات في الشهر ثم ستة في الشهر الذي يليه لمدة أحد عشر شهرا أما الشهر الثاني عشر فمحذوف لحكمة لا يعلمها إلاعلام الغيوب .
وهناك بدل دعوى قدره خمسة جنيهات في الشهر ولكنه محروم منها لأنه لا يصرف للأطباء العاملين بالصحة المدرسية لأن مئات التلاميذ الذين يتحرك بينهم ويشرف عليهم أصحاء أشداء لا تنتقل منهم عدوي الأنفلونزا والبلهارسيا وما هو أدهي .
وهو يتساءل كيف لا يبتئس الشباب وهو يجد نفسه دون سواه من خريجي الكليات الأخرى مع أن دراسته أطول.أليس مبكيا يا سيدي أن يتطلع الطبيب إل خمسة جنيهات وكيلو الحلاوة الطحينية طعام الفقير كان ثمنه 16 قرشا والآن أربعة جنيهات وكيلوا حلاوة فرج الله ثمنه 15 جنيها .. كيف تعطي الدولة طبيبا بعد 17 سنة خدمة 155 جنيها ..
وتطلب منه أن خادم الإنسانية المعذبة وهو نفسه إنسانية معذبة مطلوب منه أن يعيش بخمسة جنيهات في اليوم هو وأمه وزوجته وعياله ... ويمارس عمله بقميص نصف كم لأن ثمن الجاكتة اللائقة 200 جنيه ؟!..لماذا لا تصرف لنا وزارة الصحة لبسا موحدا أو يونيفوم زي عمال النظافة .
أما هذا الجراح الشاب في مستشفي حكومي حكيم صابر أيوب فيري أن:
وضع الأطباء الشبان المتردي تتحمل مسئوليته وزارة الصحة ونقابة الأطباء وكليات الطب بالجامعات المختلفة .. وعندما يتسلم الشاب عمله كطبيب مقيم يحصل على بدل عيادة خمسة عشر جنيها مصريا .. وبدل نوبتجيات ثلاثة جنيها لكل نوبتجية 24 ساعة بحد أقصي 11 نوبتجية شهريا ..
وعندما يتقدم الطبيب للدراسة العليا ترفض الوزارة منحه نصف تفرغ للدارسة وتجبره أن يطلب إجازة بدون مرتب مدة الدراسة يدفع خلالها استقطاعات كرتبه كأنه يقبضه .. وأضف إلى هذا نفقات الكتب والمراجع والسفر ..
وتصر بعض الكليات أن يتبرع الطبيب بما لا يقل عن ثلثمائه جنيه لكي يتمكن من مواصلة دراسته .. ومكافأة الدراسات العليا وانجازها أن يفقد الطبيب بدل العيادة حتى لو لم يفتح عيادة خاصة .. وعلى الطبيب أن يوجد في المستشفي بعد الظهر كنوبتجي بعد مواعيد العمل الرسمية وبلا مقابل .
وليت العمل يطاق . فالمستشفيات بلا إمكانيات .. المريض يشتري كل شئ بداية بحقنة المخدر وانتهاء بالبلاستر وهو يتحمل ثلاثة أرباع نفقات علاجه .. ولافتة العلاج المجاني لم تعد المجاني لم تعد الأشعار خاليا من المضمون ويفتقر إلى الجدية والصدق ..
الأطباء يا سيدس محبطون وأخدعك لو قلت أننا مؤهلون لمهنتنا .. دراساتنا العليا نظرية ولقلة الإمكانيات تعتمد على الحفظ والصم.. نحن نكذب على أنفسنا ونكذب على مرضانا إذا قلنا أننا نعرف .. ونحن نناشد النقابة أن تهتم بنا قبل اهتمامها بالتوجهات السياسية والأفكار العقائدية ..
لا جدال في أن تدهور الأجور بهذه الصورة أدي إلى تدهور الأداء لما يثيره من تمزق ويدفع من تلمس أعمال إضافية لاستكمال الأجر تكون على حساب الأداء المهني الأصلي .
(3) من العوامل التي أدت إلى تدهور الأداء المهني هبوط المستوي التعليمي وهذا بدوره يعود إلى أسباب عديدة منها:سوء اختيار البرامج وعدم توافقها مع الاحتياجات وخطط التنمية إذ لا فائدة بداهة من قضاء سنوات عديدة في تلق ي مادة لا يريدها المجتمع ولا تعود عليه بفائدة حقيقية وتجاهلها لمقومات الأمة وقيمها من دين أو خلق وتبينها قيما زائفة كالإشتراكية والقومية العربية
وأضيف إلى ذلك ازدحام الفصول والمدرجات بالطلبة بحيث لا يمكن للمدرس أو الأستاذ أن يوصل المعلومة بالطريقة التي ترسخ في ذهن الطالب وتدهور مستوي المعلمين والأساتذة أنفسهم لأنهم نتائج البرامج التعليمية السقيمة المزدحمة عندما كانوا طلبة !!..فأصبحوا ضحايا وجناه .. جني عليهم أولا ليجنوا على الآخرين بعد ذلك ..
وقد ظن كثيرون أن أول أسباب تدهور الأداء المهني كثرة الخريجين من الجامعات بصورة تجعل قانون العرض والطلب في غير مصلحتهم ولكن هذه الواقعة قد لا تكون صاحبة الأولوية أولا لأنها ليست جديدة على الحركة النقابية فإنما قامت النقابات أول مرة لمجابهة هذه الواقعة؛
وتوصلت النقابات بالفعل إلى التعامل معها وثانيا لأنه لو أحسن تعليم هذه الأعداد الكبيرة لكانت ثروة للبلاد وليس عبثا عليها لأن من المسلم به أن الإنسان كما يقولون هو أثمن رأسمال فهو عنصر استثماري أكثر مما هو عنصر استهلاكي .
هذه الأسباب الثلاثة (الإحباط، تدني الأجور، هبوط المستوي التعليمي) هي التي يعود إليها تدهور الأداء وبعضها مما لا يمكن للنقابات معالجته بصورة حاسمة أو مباشرة كالسبب الأول الذي يتعلق بفساد السياسات التي اتبعت من سنة 1952 حتى الآن فهذا مما لا يمكن للنقابات وحدها أن تقضي عليه .. وإن كان يمكنها أن تشترك مع بقية قوي الشعب في القيام بحركة تصحيح جذرية وحاسمة
ولعل النقابات هي الهيئات الوحيدة الآن القادرة على القيام بهذه الحركة بفضل وضعها الخاص ولتفتت التكتلات الأخرى .
ولكن هذا يدخل في باب السياسة طويلة المدى وغير المباشرة ومالا يمكن أن يكون العمل الأوحد أو حتى الأول للنقابات .. فالنقابات بعد كل شئ نقابات !..
أما قضية الأجور وقضية الإصلاح التعليمي فهي مما يدخل في إطار صلاحيات النقابات وقد تمكنت النقابات بفضل احتكار العمل أن تشل قانون العرض والطلب الذي كان في مصلحة العمال عن طريق المفاوضة الجماعية ولكن النقابات المهنية وإن كانت أكثر احتكار المهنة من احتكار النقابات العمالية للعمل فإنها تتعامل في معظم الحالات مع الحكومات فلا يصلح معها أسلوب المفاوضة الجماعية النقابي ويكون على النقابات المهنية أن تمارس كل وسائل الضغط على الحكومة لرفع الأجور ..
وعندما تقول الحكومة:من أين؟فيجب على النقابات أن تكون مستعدة بالأرقام الدقيقة من الميزانية التي تكشف الأمثلة الصارخة للسرف والتبذير .. وستجد هذه الأمثلة بالمئات عند تقصيها لبنود الصرف وستجدها من رئاسة الجمهورية حتى مديري العموم وستجدها في التمثيل السياسي الخارجي كما ستجدها في المؤسسة العسكرية التي أصبحت بقرة مقدسة" لا يمكن لأحد أن يقربها !..
نقول: إن النقابات يجب أن تقيم الأرض وتقعدها لتحقيق العدالة وتوجيه المسئولين ..
إن حكومة تحترم شعبها لا يمكن أن تخصص لكل من الخدمات الصحية والثقافية ما بين 2%و7% من الميزانية .. فإنما تتقبل الشعوب الحكومات وتطيعها وتدفع لها الضرائب .. لتقوم الحكومة بخدمات التعليم والصحة أولا... فكيف يمكن أن تفي بذلك هذه النسب التافهة؟
ومن الخير للنقابات أن تتعاون بعضها مع بعض في وضع ميزانية شعبية مقترحة تحقق العدالة وأن تشرك معها النقابات العمالية والخبراء والفنيين المتعاطفين .
وعليها أن توضح للحكومة أنها تقدم لها أعظم خدمة عندما تجعلها تخدم الشعب بإخلاص وهذا هو واجبها وفي نفس الوقت فإنه يحميها من خطر الانفجار الذي قد يحدث ويذهب بها .
وبالنسبة للبرامج التعليمية وسياسات التعليم فإن النقابات المهنية هي أولي الهيئات بها وأكثرها لمسا لآثارها العملية فقد يضع المخططون ما يتصورون أنه الأمثل وينتهي دورهم عند هذا ولكن النقابات هي التي تلمس الجدوي العملية لهذه الخطط ودرجة تقبل المجتمع لها وانتفاعه بها وحاجته إليها كما أنها باعتبارها ممثلة العاملين هي التي تبوء في النهاية بأوزارها ولتي تتوجه إليها شكاوي العاملين . فحق النقابات في المشاركة في وضع السياسات التعليمية أمر مقرر لا يجادل فيه إلا مل مغرض..
ويجب على النقابات أن توافي المسئولين بما يفوت المخططين عادة نتيجة لعدم معايشتهم للواقع وعليها أن توافيهم بحلول غير تقليدية تمثل التجديد والمرونة والتجاوب مع التطورات .بهذا العرض السريع لأسباب تدهور الأداء المهني وما يمكن للنقابات أن تقوم به تكون قد وصلنا إلى نصف العلاج المطلوب ..
فحتي لو استطاعت النقابات تعديل شروط وظروف العمل تعديلا جذريا يحقق مطالب العاملين بما في ذلك زيادة المرتبات وتعميم التأمينات ... الخ بحيث أصبح المهني آمنا في سربه معافا في بدنه لديه احتياجات شهره .. فإن هذا وحده لا يؤدي إلى النهضة بمستوي الأداء إلى الدرجة المطلوبة..
إن هذا كله وإن كان أساسيا ولازما لتحقيق رضا المهني وأمنه واستقراره وأنه عادة يحول دون الانحراف فإنه لا يكفل ضرورة الضمير المهني الذي هو ضمانة لا غني للمهني لذي يؤدي مهنته دون رقابة ويكون رأيه هو العامل الرئيسي في الأداء وليس الآلات أو المادة الأولية أو .. الخ كما في الصناعة وكذلك حين يتعرض لإغراءات عديدة جدا كلها تدعوه للانحراف ..
ففي كل هذه الحالات لابد من قوة نفيسة كبري تسمو بصاحبها وتجعله ويجعل من الأداء "عطاء" وتربطه بعالم القيم وتمكنه من مجابهة عوامل تردي الأداء التي أشرنا إليها والصمود أمامها ولو للفترة التي يمكن بعدها الإصلاح .
وقد استطاع المجتمع الأوروبي أن يوجد ضميرا مهنيا يقوم على توليفة من فكرة : الواجب والخلق والتقاليد المهنية والالتزام والانتظام وأدي هذا الضمير دوره في البعد عن الانحراف أولا ثم السمو بالأداء إلى مستوي "العطاء" في كثير من الحالات .
أذكر أني رأيت في احد أعداد "مجلتي" التي كان يصدرها الكاتب أحمد الصاوي في الأربعينات صورة لحكمدار القاهرة وقتئذ اللواء رسل باشا وهو انجليزي كان يعمل في خدمة الحكومة المصرية أخذت له دون أن يشعر في مبني الحكمدارية وتظهره في زيه الرسمي وعلى رأسه الطربوش؛
وفي يده سيجارة متقدمة وعرضها المحرر عليه فابتسم وقال:رسل باشا يدخن في الخدمة وكان التدخين وقتئذ محرما وقت العمل فاكتشف رسل ارتكابه لهذه المخالفة وعبر عنها وما كان يفعل لولا إرهاف حس ضميره المهني على أن الصورة لم تؤخذ وهو على مكتبه ولكن في أحد أبهاء الحكمدارية فلو قارنا بينه وبين الموظفين الذي ظلوا يبحلقون في صدر البنات العاريات في القومسيون من سنة 1963 حتى سنة 1992 لظهر لنا تلبد إحساس هؤلاء الموظفين وانعدام الضمير المهني لديهم وإرهاف هذا الحس لدي رسل باشا .
ولكن " التوليفة " التي قام عليها الضمير المهني الأوروبي والتي رفعت مستوي الأداء المهني تزعزعت بتأثير حربين عالميتين مدمرتين وتقدم تكنولوجي مذهل وضغوط ومؤثرات عديدة بحيث لم تحتفظ بتماسكها القديم ..وكان أبرز نقط الضعف في عناصر مكونات الضمير المهني الأوروبي خلوه من الأساس الديني وهو أمر يمكن أن يفهم في ضوء عدم احتفال المجتمع الأوروبي بالدين عامة .
فإذا أريد غرس ضمير مهني مصري فقد لا يكون لدينا نفس عناصر مكونات الضمير المهني التي تيسرت لأوروبا أو عمق فكرة الواجب و ضرورة الالتزام ... الخ مما وجد في المجتمع الأوروبي . ولكن لدينا مصدر واحد من حسن الحظ أعمق وأشمل من مكونات الضمير المهني الأوروبي .. وهذا المصدر الوحيد هو:الإسلام.
والذين يعزفون عن الإسلام بحكم دراساتهم الأوروبية أو مزاجهم أو سوء فهمهم .. الخ .
يقولون : أليس هناك مصدر آخر ..!!
نقول : ليس هناك مصدر آخر ..!!
فنحن لا نستطيع أن نستجدي القلوب ولا نملك أن نغير الجلود ولا يمكن أن نتنكر للماضي أو لطبيعة بلادنا أو تاريخها .
وقد كان الدين في هذه البلاد منذ أن أشرقت عليها الشمس هو محور المجتمع وجماع القيم.وهذا ما لم يحدث لأوروبا التي كانت منذ أيامها الأولي وثنية ..وبصرف النظر عن هذا العامل الذاتي الخاص بهذه البلاد ففي الإسلام كيفية وحضارة ما لم يتوفر للفلسفات الأوروبية ..
إن الإسلام أكثر عدالة من أفلاطون وجمهوريته وأكثر فعالية من هيجل وجدليته وأكثر قوة من نيتشه وزرادشته , وأكثر منهجية من أوجست كونت ووضعيته .
وليرد علينا من يشك في هذا ..هل يمكن أن نجد قرأنا مثل القرآن الذي انزله الله ليرمز به للإسلام؟هل يمكن أن نجد قائدا مثل محمد يجسد المثل الأعلى؟لقد تقطعت الأعناق دون ذلك لألف وخمسمائة سنة وسوف تنقطع أيضا حتى يرث الله الأرض ومن عليها ..
ففيم إذن اللجاج والمكاس , وما دمنا لا نستطيع أن نجد مثيلا فعلينا أن نؤمن أنه لا معدي عن الإسلام سواء بالنسبة لهذه البلاد المؤمنون من أول يوم من أيام تاريخها أو بالنسبة لهذا الإسلام الرائع العظيم بقرآنه وبمحمده ..إن مكونات الضمير الأوروبي تزعزعت لأنها لم تكن موضوعية تماما ولأنها لم تكن من الله تعالي .
ولكن مكونات الضمير الإسلامي تبرأ من هذا ففي الإسلام الموضوعية المطلقة والمؤمن بها يؤمن أنها من الله تعالي وهذا الإيمان أقوي من أى إغراء أو إرهاب .

ففي الإسلام كل ما نريد:

فيه أنه دين ... والدين هو محور المجتمع وضمير الشعب في هذه البلاد من بدء تاريخها حتى الآن.فيه التفوق والتميز الموضوعي المتأتي من الإحكام والإعجاز في القرآن والمثالية العملية لدي الرسول صلي الله عليه وسلم .فيه أنه من الله تعالي .. وهذا مالا يتأتي لأي فلسفة أو مذهب أو نظرية ..
والمأساة أن المفكرين الإسلاميين لم يلمسوا جوانب عديدة في الإسلام بحيث عجزت النقابات المهنية بقياداتها الإسلامية عن تحقيق أعظم أهدافها في هذا المجال وهو : وضع ميثاق إسلامي للعمل المهني يقوم عليه الضمير المهني ويجعل من المهنة رسالة وقربي إلى الله ووسيلة لخدمة الناس وتفريج كربائهم وأنه ما من شئ يحقق طمأنينة النفس ويستجلب رضا الله تعالي كهذا ..
وأن المهنة وإن كانت وسيلة المهني للكسب المادي الذي يحقق له الحياة لكريمة فإنها أيضا وسيلته للقربي إلى الله تعالي ولا يجوز حتى وهو وسيلة للكسب المادي أن تكون منبتة عن جانبها المعنوي ولا يجوز من باب أولي أن تكون أداة للاستغلال أو مراكمة الأموال أو استغلال الحاجات ..
ويعود عجز النقابات المهنية عن صياغة مثل هذا الميثاق إلى أن فكرة الإسلام السائدة لدي المهنيين هي الإسلام العبادي أى أداء الشعائر من صلاة أو صيام أو حج ... الخ .
وقد يكون لدي بعض قادتها إلمام بالإسلام السياسي الذي يكافح لتطيق الشريعة الإسلامية أما إسلام " العمل فهذا جانب كاد أن ينسي في المجتمع الإسلامي المعاصر وأصبح الوعي الإسلامي بالعمل ضحلا وسطحيا ويكاد يصب في بئر الفردية العميق ويتلاقي مع التطلعات المادية و" البرجوازية" التي تقوم عليها الطبقات الوسطي في معظم المجتمعات ..
وقد كشفت تجربة شركات توظيف الأموال عن هذا الجانب فلم تكن التجربة إسلامية أبدا لا من قبل الذين قاموا بها ولا من قبل الذين تجاوبوا معها وتهافتوا عليها فالذين تزعموها أقاموا اقتصادهم على أساس المضاربات والعملات التجارة البعيدة عن الاقتصاد والإنتاج الحقيقي في الأرضي أو المصنع وهم في هذا يمثلون " الرأسمالية المالية " والمصرفين ورجال المال الذي أفسدوا الاقتصاد حتى في أوروبا .
ولم تكن إسلامية من قبل الجمهور الذي جري وراء الربح .. فدلوا على أنهم لا يختلفون عن البرجوازيين في أى مجتمع أوروبي يجري وراء المال وأنهم لا يبحثون عن الإسلام بوجه خاص .
والتحفظ الوحيد الذي وضعوه ليحفظ لهم ماء وجههم أن لا يقربوا الربا وما يعملونه في حقيقة الحال من كسب دون عمل هو عين الربا !!..
وقد لاقي الجميع قادة وجمهورا جزاءهم ..ولكن المهنيين الذين يستغلون المهنة من أطباء أو مهندسين أو ممثلين أو راقصات يمضون قدما ويظنون أنهم لا يرتكبون إثما ويتهربون من الضرائب وهي أولي واجبات المواطن ..
إن هذه الأمثلة تدل على جهل عميق بأصول الإسلام في مجال الاقتصاد ومجال العمل أسوأ من مجال الاقتصاد , فليس لدي المفكرين الإسلاميين عن العمل سوي بضعة أحاديث أما المراجع والكتب المذهبية والسلفية فإنها تكاد تجعل كل الحرف والمهن حرفا دنيئة حتى ما كان يمارسه الأنبياء !!! وبالطبع فليس في هذه الكتب ما يفيدنا في عالم العمل المعقد في هذا العصر .
لكل ما سبق يجب في استلهام " الميثاق المهني الإسلامي " البعد عن الفهم السلفي والرجوع رأسا إلى القرآن الكريم والسنة الصحيحة المطهرة . فهذا ما يضمن سلامته ونقاءه ومصداقيته .
لقد حاول الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل استدراك هذا النقص فأصدر عددا من الكتابات لعل أبرزها " تعميق حاسة العمل في المجتمع الإسلامي " وهي تقدم معونة كبري للقيادات الإسلامية في النقابات المهنية لوضع ميثاق إسلامي مهني يكون أساسا للضمير المهني ولتعميق معني الأمانة والرسالة والقربي إلى الله في المهنة ..
إنه لمن المسلم به أن أعظم التحديات التي تجابه النقابات المهنية هي تدني مستوي الأداء المهني , ومن المسلم به أيضا أن القيم المعنوية هي التي يمكن أن تتغلب على الضعف البشري الذي هو أصل هذا التدهور ومن المسلم به ثالثا أن القيم الدينية التي يمثل الإسلام فيها واسطة العقد هي أعمق صور القيم وأكثرها صلابة وقوة فليس أمامنا خيار في الحقيقة ..

وتصبح المشكلة هي: كيفية بلورة القيم الإسلامية عن " العمل " في ميثاق يكون أساسا للضمير المهني .

ما هو هذا الميثاق ؟..

وما هي أركانه ومقوماته ؟..

هذا ما سوف نعالجه فيما سيلي .

الفصل الثاني: معالجة غير تقليدية لمشاكل تقليدية

المشاكل التي تجابه النقابات المهنية عديدة قد يتعلق بعضها بالنقابة وتنظيمها وتدعيمها وقد يتعلق بالمهنة وقضاياها وعلاقتها بالمجتمع وقد يتعلق بالأعضاء أنفسهم ومطالبهم ..وبوجه عام يمكن القطع أننا لا نشكو من قلة المشاكل وإنما نشكو من تضخمها وتفاقمها ..

دنيا الحلول التقليدية وهناك طريقة تقليدية لحل هذه المشاكل تبدأ بأن توضع بين أيدي المختصين وهم عادة من الأطراف فيها كما قد تضم ممثلين من وزارات أو هيئات معينة .

وأول شئ يفعله هؤلاء هو أن يكونوا "لجنة" لدراسة المشكلة وتقديم عن طرق الحل ويجبس الأعضاء وقد تقمصتهم روح اللجنة يدرسون وكل يدلي بدلوه وقد يستعينون بخبراء يقدمون تقاريرهم من منطلقاتهم الخاصة ..

وفي النهاية تكون القضية قد تشبعت وبدلا من أن تسير نحو الحل تسير نحو التعقيد لوجد وجهات نظر متعددة ومتعارضة في بعض الحالات ويغلب أن تنتهي اللجنة بتمييع الحل في محاولة للجمع بين الآراء .

وقد تحل المشكلة على الورق ويظهر الورق نتائج مشجعة ولكن عندما يبدأ التطبيق تظهر المشاكل والمتاعب لأن الذين وضعوا الحلول على الورق لم يلحظوا الطبائع والأوضاع العملية القائمة بالفعل أو أنهم تصوروا أن هذا لا يدخل في اختصاصهم وأن الخطة ما دامت على الورق سليمة فيجب أن تكون على الطبيعة سليمة .. وعلى الأوضاع أن تتكيف معها !! فإذا لم تتكيف فهذا ليس ذنبهم ..

وقد تكون الخطة من الأول للآخر.للاستهلاك المحلي (كما يقولون) فتوضع لا على أساس التطبيق ولكن على أساس التخدير والايهام وتقديم الوعود !!

وقد تضع اللجنة حلا حسنا ثم يتضح بعد طول الاجتماعات والجلسات أن ليس هناك بند يسمح بالتطبيق ! فيعطل أو يرجا الحل وقد يتسني بعد حين !..وقد يتضح أن هذا القرار السليم فنيا يتعارض مع " القرار السياسي " الذي تراه السلطة ..

وقد يوجد للحل خصوم أقوياء يخسرهم الحل مصالح مكتسبة من الوضع الواقع فيعملون بكل قوة لو أده وتعطيله أو ترك أمره للزمن بفكرة أن الزمان جزء من العلاج !..

وما ظلت هذه هي طرق حل المشكلات فلن نتقدم مطلقا فقد ضعت في العشرينات حلول للقضاء على الأمية خلال عشرين عاما ووضعت في الخمسينات خطط لأنفاق مدينة القاهرة وكونت لجان عديدة وضعت تقاريرها ووضعت التقارير في الأدراج ولم يتحقق شئ ..

وقد أصبحت المهلة التي يمنحنا إياها التطور قصيرة جدا نتيجة لسرعة سياق هذا التطور وأصبح التبذير في الوقت جنازية وخيمة..فلابد من البحث عن حلول غير تقليدية..ولكن الحلول غير التقليدية تتطلب إطارا ونفسية جديدين يختلفان تماما عن الإطار والنفسية اللذين يحكمان المجتمع واللذين أمليا طرق الحل التقليدية ..

ذلك أن الإطار الذي يحكم حل المشكلات في مصر إطار بيروقراطي والبيروقراطية في مصر داء عياء عمره 7000 سنة وقبل أن يظهر المثل المصري التركي:" إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه" سجل المصري القديم في العهد الفرعوني وصيته لابنه أن لا يكون فلاحا أو نساجا أو حدادا ... ولكن أن يكون:كاتبا .. وقد نشأت هذه الروح البيروقراطية نتيجة للوضع والتاريخ المصري فقد أتمت مصر وحدتها من عهد "مينا" وظلت كذلك حتى الآن قبل أن تتكون أى وحدة قومية في العالم ..

ولم يكن " مينا " هو الذي أبقي على هذه الوحدة فهذا ما قام به النيل الذي يمسك في قبضته البلاد من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها ومن يتول أمره يستطيع أن يتحكم في شأن أقصي وأصغر قرية ..

ومن هنا نشأت بيروقراطية وطيدة سواء كانت إدارة أو سياسة ..وعندما تكون رشيدة .. طامحة فإنها تجعل البلاد إمبراطورية وتمد حدودها شمالا وجنوبا .. وعندما تكون واهية فقد تنزل بها إلى وضع المستعمرة ..

على كل حال فمن حسن الحظ أن هيمنة البيروقراطية تكون على أقها عندما تتولي علاج المشكلات هيئة شعبية أو جماهيرية وليست لجنة رسمية أو حكومية وهذا يتحقق على أفضله في النقابات وإن لم تتخلص النقابات من البيروقراطية عندما تبلغ درجة معينة من كبر الحجم ولكنها في جميع الحالات أهون من بيروقراطية الحكومة .

ولكن الأمر يختلف بالنسبة للنفسية التي تسيطر على المجتمع فإن النقابات المهنية على وجه التحديد يمكن أن تكون محاضن وقلاع لها ..

ونحن نطلق على هذه النفسية " النفسية البرجوازية " وهذه النفسية وهذه التسمية التي نرجو ألا يضيق بها القارئ أو يظن أننا نبعد عن الموضوع أو نخرج به عن السياق هي في صميم القضية ..

وإذا لم تكن هناك إشارات إلى ضرورة مجابهتها فذلك يعود إلى أن المسئولين والذين في أيديهم السلطة والإعلام هم أقوي رموز هذه النفسية وليس من الطبيعي أن يثيروها ..أما نحن فلابد أن نثيرها ما دمنا نهدف إلى حلول حاسمة غير تقليدية ..

لإيضاح هذا نقول:إن المجتمع المصري منذ أن ظفر بالاستقلال في أعقاب ثورة سنة 1919 وقد تبني النظام الديمقراطي الليبرالي وصدر بذلك دستور سنة 1923 الذي كان بلورة أمينة له ..

وقد يطلق على هذا النظام كما ذكرنا في كتب سابقة المجتمع البرجوازي و أو المجتمع الرأسمالي أو المجتمع الديمقراطي أو المجتمع الليبرالي أو المجتمع العلماني لأن كل كلمة من هذه الكلمات نظرت إلى جانب من جوانب هذا المجتمع وأطلقته عليه ..

فالديمقراطية تنظر إلى الجانب الخاص بالحكم السياسي عن طريق الأحزاب والبرلمان ..والبرجوازية تنظر إلى الجانب الخاص بالحكم السياسي عن طريق الأحزاب والبرلمان ..

والبرجوازية تمثل التكوين "الطبقي" لهذا المجتمع وأنه يقوم على أفراد يعمل كل واحد منهم لمصلحته ..والليبرالية تنظر إلى الحرية في الاجتماع والاقتصاد والسياسة ..والرأسمالية تنظر إلى حرية رأس المال في العمل ..

أما العلمانية فإنها ترمز إلى أن هذا المجتمع لا يقيم اقتصاده وسياسته على أسس دينية ولكن على أسس المصالح التي تنسق مع بقية جوانبه اتي أشرن إليها ..

ولعل أكثر التعبيرات تجسيدا لهذا المجتمع هو تعبير :" البرجوازية " لأنه يقوم على الأصل التاريخي عندما قامت في أوروبا مجموعات من الصناع والتجار ضاقوا بأحكام مجتمع القرون الوسطي الذي كان يقوم على عقدة الالتزام الطبقي في حين أنهم كانوا يريدون مجتمعات يقوم على الفرد الحر الذي لا تقيد انطلاقه التزامات طبقية ...

فآووا إلى نواح مهجورة أو قلاع خربة أو مناطق غير مأهولة ... وكانت هذه الأماكن كثيرة وقتئذ وكان يطلق عليها كلمة ونالوا من الملك أو " اللورد " امتيازا يحررهم من الالتزامات لقاء مبلغ يدفعونه وأقاموا مجتمع التجار والصناع الأحرار .

وكانت وحدة هذا المجتمع هي الفرد وهدفه هو الربح ووسيلته هي الحرية وازدهرت هذه المجموعات وشيئا فشيئا قضت على مجتمع القرون الوسطي والتزام اللوردات نحو الملك والتزام الملك نحو البابا) أحدثت الثورة التجارية التي هدمت الأسوار ما بين المدن وأوجدت السوق القومي .. ثم أوجدت الثورة الصناعية التي تعد بداية انطلاقه العصر والسوق الدولي ... الخ .

ورزق هذا المجتمع فلاسفته الذين وضعوا الأسس النظرية له ..فظهر "ميكافيللي" وفصل السياسة عن أخلاقيات الدين ..

وظهر آدم سميث وحرر الاقتصاد من القيود التي كانت تضعها الطوائف على حرية العمل أو التي تضعها الكنيسة في تحريمها للربا وأقام الرأسمالية على آليات السوق وقوانينه:المنافسة العرض والطلب ... الخ .

وكان في المجتمع البرجوازي عناصر قوة وأصالة لا يمكن جحدها: فإن جعله الفرد نواته أطلق طاقات الأفراد المكبوتة , وأفسح المجال لكل الموهوبين وجعله الربح سواء كان اقتصاديا ماديا أو سلطويا سياسيا هدفه تجاوب مع طبائع النفوس فمن ذا لا يرحب بكسب أو بأن يكون غنيا ثريا يملك مئات الألوف ! ومن ذا يرفض أن يكون حاكما أو وزيرا أو حتى نائبا !..

وأخيرا فإن هذا المجتمع عندما جعل الحرية مناخه , وعندما فتح أبوابها على مصراعيها فإنه قضي على السدود والقيود على الفكر والعمل وأتاح الفرص لكل الموهوبين والطموحين , كما جعل من الممكن كشف الأخطاء والقصور ومعالجتها أولا بأول ..

وهذه كلها نقاط قوة تحسب للمجتمع البرجوازي وهي في أصل صموده للتغيرات لأن قيامه على الحرية أعطاه المرونة ومكنه من التكيف .وحدثت هذه القصة مع بعض التنويعات في مصر في القرن التاسع عشر (وليس في القرن الرابع عشر كما حدث في أوربا) .

فقد تولي محمد على الحكم من يد علماء وشيوخ وأعيان القاهرة سنة 1805 . وعندما نظم مذبحة القلعة للمماليك كان هذا رمزا لنهاية العهد القديم وبدأ عهد جديد ..

فبدأت تظهر مجموعة من التجار تتعامل مع " الباشا " كما ظهرت مجموعة أخري من الفلاحين عملوا كوكلاء للملاك الترك , وشيئا فشيئا تملكوا الأراضي فالبدراوي عاشور مؤسس الأسرة الإقطاعية المصرية كان " خولي " شريف باشا ..

ومن هؤلاء التجار والملاك تكونت البرجوازية المصري ومن يراجع أسماء نواب " مجلس شوري القوانين " سنة 1866 ومجلس النواب الذي تكون بمقتضي دستور سنة 1875 يجد أسماء عائلات التجار الملاك التي لا تزال باقية حتى اليوم ..

وعندما انتكست تجربة دستور 1875 وحدث الاحتلال البريطاني سنة 1882 تعاملت هذه البرجوازية معه بما يحافظ على كيانها فلما هب الشعب في سنة 1919 ركبت هذه الثورة وتزعمتها ووضعت دستور سنة 1923 الذي كان تكليلا لجهودها من أوائل القرن التاسع عشر وعضت عليه بالنواجز وأرسلت أبناءها إلى انجلترا وفرنسا لدراسة إدارة الأعمال أو وسائل لنهضة بالزراعة .... وكونت الجمعية الزراعية الملكية واتحاد الصناعات .. الخ .

وترك دستور سنة 1923 والمرحلة البرجوازية بصمات عميقة على المجتمع المصري لأنها كانت ثمرة كفاح قرن ونصف تقريبا ولأن البرجوازية في غيبة المذهبيات هي أفضل النظم وهي كما قلنا تتجاوب مع ذلك الجانب من الطبيعة البشرية الذي يستهدف :" ما تهوي الأنفس "!..

وكان على البرجوازية المصرية أن تحل مشكلة خاصة بالمجتمع المصري هي مسألة الدين... ففي لمجتمع المصري القديم كان الدين هو محور الحياة وظل كذلك طوال المرحلة الإسلامية فلما ظهرت البرجوازية وكان أحد خصائصها " العلمانية " أى عدم إقامة النظام السياسي والاقتصادي على أساس الدين ولكن على أساس المنفعة والمصلحة وكان الدين قد تقهقر في الفترة التي شاهدت صعود البرجوازية فإن محمد على وقد تسلم خلعه الولاية من يد الشيوخ لم يشأ أن يكرر العلماء مثل هذه المحاولة مع غيره فوجه إليهم ضربة قاصمة ..

ثم جاء خلفاؤه أنصار " التغريب " و" الأوربية " ولم يكن لدي أى واحد منهم مشاعر إسلامية عميقة بالنسبة لنظام الحكم فلم تعجز البرجوازية عن إجراء تسويه مع الشيوخ ...

فقد اعترف دستور سنة 1923 بأن الإسلام هو دين الدولة دون أن يبني على ذلك أى تغيير في النظام السياسي والاقتصادي ولكن احتفظ للشيوخ والفقهاء بمنزله أشبه بمنزلة الإكليروس المسيحي فخصصت لهم الأموال والمناصب بحيث تحققت لهم الترضية المادية والأدبية دون إشراكهم في المسؤوليات العامة وفي الوقت نفسه فإن مقوم الحرية وهو المقوم الرئيسي في المجتمع البرجوازي كان يسمح وقد كان بفضل هذه الحرية أن ظهرت الدعوات الإسلامية التي ستسدد الطعنات للمجتمع البرجوازي ..

ولم يستطع انقلاب سنة 1952 أن يغير من أعماق المجتمع البرجوازي لأنه كان حركة سلطوية عسكرية ولأن قادته كانوا من البرجوازية وكانت مثلهم برجوازية ..

ومع أن قانون الإصلاح الزراعي قلم أظافر البرجوازية الريفية وقص ريشها فإن ذلك قد حدث من منطلق سياسي وليس من منطلق مبدئي لهذا فإنها لم ترفضها بل عملت على قيام برجوازية جديدة تظهر في أحضان العهد.

وبعد فترة الصدمة الأولي تحالفت بقايا البرجوازية القديمة مع صور الرغبة في الإثراء التي افرزها الانقلاب العسكري وبدأت تستعيد منزلتها .. وقد يصور ذلك مثلا أن فؤاد سراج الدين " باشا " رمز البرجوازية الصاعدة في حزب الوفد قبل الانقلاب ظل فؤاد " باشا " واحتفظ بوضعه السياسي كرئيس لحزب الوفد حتى التسعينات

والحق أن محاولة الإشتراكية كانت مقامرة يائسة وخاسرة مقضي عليها من البداية وكان الأخذ بها نوعا من العناد والتحدي ولإيجاد مظلة لها المظهر الشعبي والمضمون الديكتاتوري وماتت مع هزيمة سنة 1967 وتولي السادات رحمه الله دفنها .

ولكن التجربة الناصرية بشقيها ما قبل الإشتراكية المزعومة وما بعدها أساءت إلى المجتمع فلما أعلن السادات الانفتاح الاقتصادي وعودة الاقتصاد الحر لم يظهر " قباطنة الصناعة " كما حدث قبل الانقلاب , ولكن ظهر الأفاقون واللصوص وذووا الذمم الخربة من جامعي الثروات بالعمولات والرشاوي والغش .. الخ .

فضلا عن أنه لم يكن من السهل التخلص من بعض القوانين وأوضاع القطاع العام الذي كان وكرا للصوص والمنحرفين والإدارة السيئة .

ما نريد أن نصل إليه من هذا السياق هو أن النقابات المهنية هي بنت الطبقة الوسطي وثمرة للمجتمع البرجوازي المصري الذي ظهر في صورة نقية إلى حد ما وبآليات وضوابط الاقتصاد الحر حتى جاء الانقلاب العسكري

فحاول أن يتخلص منه ولكنه لم يكن مؤهلا لهذه المهمة التاريخية وقصاري ما وصل إليه أنه اقحم فيه بعض ظواهر رأسمالية الدولة وعناصر الانتهازية التي عوقت آلياته وحملت النقابات المهنية كل هذه التراث ..

تعلمته في الجامعات ذات البرامج المزيفة والأعداد الكثيفة والأساتذة المرهقين ... وأثقلتها كل أوزار وأخطاء التجارب الفاشلة بحيث تفاقمت المشاكل وأصبحت تلا متعاليا ..روح الحلول غير التقليدية

إذا أرادت النقابات المهنية مجابهة هذا التل المتعالي من المشاكل المتفاقمة فلابد لها من منهج جديد غير المنهج البرجوازي الذي يقوم على الفرد وينطلق من منطلقات ذاتية ضيقة ..

وأمامها منهجان:

أولهما: حل المشاكل بالطريقة الجماعية التي أبدعتها الطبقة العاملة كانت وراء تكوين النقابات أصلا ..
وثانيها: حل المشاكل باستلهام القيم والمثل الإسلامية التي ترتبط بالعمل والحياة ..

أما المنهج الأول فقد يعسر على النقابات المهنية المصرية الأخذ به لأنها كما ذكرنا نشأت وشبت وترعرعت في مناخ البرجوازية... فوعيها ومثلها برجوازية خاصة وأن أعضاءها لا يعلمون وسط البنية الصناعية التي تدعم لروح الطبقية بل يعملون في وزارات ومصالح تدعم الروح البيروقراطية كما أن جزءا آخر من أعضائها يعمل لحسابه الخاص في مكاتب أو منشآت يملكها ..

وهم أقرب إلى أصحاب الأعمال منهم إلى العمال .. لهذا لا يتوافر لأعضائها الوضع الطبقي الذي توفر للعمال والذي جعل الطريقة الوحيدة لتقدمهم هي الطريقة الجماعية عبر المفاوضات والاتفاقيات الجماعية ..ومن ثم فإن هذه الطريقة لا تلائم النقابات المهنية المصرية ..

فلم يبق إلا الحل الثاني وهو الذي يستلهم الإسلام وهو أقرب الحلول إليها لأنه مقوم أصيل من مقومات الشعب ولأنه في الوقت الذي حيل المشكلات من منطلق الموضوع وليس الذات فإنه يهمل حظ الفرد ونصيبه من الدنيا ... فهو قريب إلى نفسية المهنيين .

وقد اشرنا في حديثنا عن " الميثاق الإسلامي للأداء المهني " إشارة عابرة إلى الأهمية القصوي للإسلام إذا أريد غرس ضمير مهني ونستكمل هنا ما أجملناه هناك فنقول :

بالنسبة للعمل فإن القيم الإسلامية تتبلور في مقومين:الأول أن يكون العمل قربي إلى الله تعالي كما هو وربما أكثر مما هو مورد دخل فإن الطبيعة العملية للإسلام ترفض القربي إلى الله كنوع من الرهبانية المجردة التي تقطع أواصرها بالدنيا .

إن القربي إلى الله في العمل لا ترفض أن يكون العمل موردا لرزق حلال يكفل إشباع احتياجات الحياة للمهني وأسرته ... إن ما يرفضه الإسلام هو أن يكون الهدف الوحيد من العمل هو تحقيقه أكبر قدر من الثراء والرفعة ونيل المطالب الخاصة وتحقيق ما تهوي الأنفس دون نظر إلى الآثار السيئة لذلك على الآخرين .

ومع أن كل مواثيق المهنة قد تضع ضوابط لتحول دون استغلال المهنيين لعملهم في إثراء غير مشروع فإن الضوابط التي يضعها الإسلام تكتسب قدسية خاصة بها .فالمهني الذي يؤمن أن في العمل قربي إلى الله يكتسب نفسية وتوجها ونمطا من الممارسة لا يمكن للمواثيق المهنية الأوربية أن تقدمه ..

وإن كان من المهم الإضارة إلى حقيقة مؤسفة تلك هي أن المواثيق الأوربية على قصورها أكثر فعالية حتى الآن من المحاولات أو الادعاءات أو المزاعم بالالتزام بميثاق إسلامي لأن سوء فهم الإسلام المتفشي وهيمنة معني الشعائر العبادية واعتبار الطقوسية والمظهريات رموزا للإسلام وركاكة وضحالة معني العمل والإحساس به .. كلها لوثات أصابت الفكر الإسلامي وجعلت من المشكوك فيه أن يأخذ معني القربي إلى الله بالعمل مدلوله الصحيح ..

وقد يصور ذلك ما قرأناه عن " صراف " بأحد البنوك ما إن سمع آذان الظهر حتى أغلق شباكه في وجه الطابور الطويل وذهب للصلاة .. فهذا المسكين قلب معني القربي إلى الله بالعمل و ولو كان لديه ذرة من الإحساس السليم بمعني ذلك لعلم أن القربي إلى الله تكون بتخفيف متاعب ومشاق الذين ينتظرونه وفيهم الشيخ الكبير والضعيف ومن يريد اللحاق بقطار أو يفي بميعاد وإذا كان الرسول عليه صلوات الله يخفف في صلاته لأنه يعلم أن وراءه الأم والعجوز والمريض .. الخ بل ويعمل حساب الطفل الذي يتعلق بعنقه في الصلاة ..

فما كان أجدر بأخينا الصراف أن يعلم هذا وفي وقت الصلاة متسع وقد تعاقد مع القوم على أن تكون ساعات عمله خالصة للعمل ..

ولابد أن يكون مفهوما وواضحا أن القربي إلى الله تعالي بالعمل معناه التفاني في العمل , وإيثار مصلحة الناس على مصلحته وغلا فما الفرق بينه وبين أى تاجر يعمل للهدف الرأسمالي البرجوازي ..

إن الترجمة التفصيلية لمدلول " القربي إلى الله تعالي بالعمل " تضم الإحسان في الأداء فالإحسان في الأداء هو فرع من الإحسان الإسلامي أعلي درجة في الإيمان) .. فيجب أن ينتفي التلفيق والإهمال والسطحية ولابد من الدقة والتأني والتعمق ..

والقربي إلى الله تعالي تضم " العدل " في تحديد الأتعاب التي تطالب بها المهني أن لا يبخس الناس أشياءهم فيتبع أسلوب المطففين " الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون , وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ".. فهذا مجافاة للعدل وهو واسطة عقد القيم الإسلامية ..

كما تضم القربي إلى الله تعالي بالعمل " الأمانة " وعدم الغش أو الكذب ... ومنزلة الأمانة الصدق عدم الغش لا تحتاج إلى إيضاح ..

كما تضم القربي إلى الله تعالي البشاشة وحسن الاستقبال و وسرعة الأداء وإنجاز الحاجات ما وسعه ذلك فإفشاء السلام والتبسم فيم إسلامية وإشعاع من روح الأخوة ...

وخدمة الناس وتخليصهم من الكربات والوفاء لهم بالاحتياجات من أعظم ما يستجلب رضا الله تعالي ويحقق مثوبته وإذا كان الله عزوجل قد غفر لرجل سقي كلبا يلهث من العطش وأدخل النار امرأة حبست هرة حتى ماتت جوعا فكيف يكون الأمر بالنسبة للإنسان الذي كرمه الله تعالي على العالمين واستخلفه في الأرض .

ولكي لا يكون كلامنا نظريا بحتا أو يعد استطردا لا علاقة له فيما نحن بدده (كيف يمكن للإسلام أن يقدم حلا غير تقليدي لمشكلة تقليدية؟) ... نضرب هنا مثالا بإحدي المشكلات المستعصية في المهنة الطبية ألا وهي التمريض وكيف أن الحل الحقيقي لهذه المشكلة لا يمن أن يأتي إلا عن طريق الإسلام وباستلهام مثل الإسلام وباعتباره عمل يتقرب به إلى الله تعالي ..

لقد كانت هذه القضية محل نظر الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل منذ وقت طويل وكتب مذكرة عنها تحت عنوان:

" الخديجات "

جاء فيها:

يعلم كل واحد أن المهنة الطبية تقوم على الأكثر من الطبيب فهناك مثلا المعدات والأدوية التي لا يمكن للعملية العلاجية أن تتم إلا بها وهناك دور العلاج التي تؤدي وهناك عملية التمريض التي تعايش المريض حتى يتم العلاج وقد وجد في بلادنا مصرية وعربية الأطباء المهرة الذين يصلون إلى أعلي المستويات الدولية كما وجدت مستشفيات ومعاهد ودور علاجية وتوفرت لها أحدث الأجهزة والمعدات؛
ولكن نقطة الضعف في المهنة كلها هي التمريض ... فهناك عدد من العوامل أدت لأن لا تأخذ الممرضة المصرية العربية وضعها السليم وبالتالي لا تقوم بدورها المنشود وبالتالي أيضا يهدر عمل الأطباء ودور العلاج والأجهزة لأن هذه كلها تنتهي إلى الممرضة .
يطول الحديث عن أسباب ذلك فبعضها اقتصادية تعود إلى المعاملة المالية للممرضة ودرجتها الوظيفية وهي قطعا مجحفة بها , وهناك أسباب اجتماعية قد تكون أهم تعود إلى مفاهيم مغوطة طبقية أو فنوية تضع الممرضة في مركز غير مشجع , وهناك قصور في التدريب .. الخ
ولا نقول في هذه العجالة أننا مؤهلين لإصلاح كل وجوه النقص هذه وإن كنا دعاة لإصلاحها لأن إصلاحها عمليا بالكامل يخرج عن يدنا ويرتبط بمجالات واعتبارات معقدة متشابكة متصلة بالوضع كله .
وغني عن الذكر أن نقص الممرضة التي تقوم بعملية التمريض بالصورة المطلوبة أوقع المهنة في مأزق خطير وجعل بعض المستشفيات تفكر في استقدام ممرضات من دول أخري بمرتبات تفوق إضعافا مضاعفة مرتبات الأطباء ولجأت مستشفيات أخري إلى وضع الطبيب موضع الممرضة وهي كلها حلول فاشلة وغير طبيعية .
ومع ذلك فهناك مدخل للحل لم يفكر فيه معظم الذين عالجوا هذه المشكلة مع أنه المدخل الوحيد الذي يمكن أن ينهض بمهنة التمريض دون أن تتورط في دوامة اللوائح الوظيفية الترتيبات الأكاديمية والاعتبارات الاجتماعية ..
المهنة رسالة مقدسة ترتفع رأسا إلى الله تعالي وترتبط بالقيم الإسلامية الرفيعة وبالتوجيهات الإنسانية السامية للرسول بحيث يمكن للمرضة أن تقوم بمهمتها المضيئة راضية سعيدة رغم قسوة كل الظروف حتى يمكن بعد فترة قد تقصر أو تطول تعديل الأوضاع الوظيفية وتصحيح الفهم الطبقي السقيم .
إنه لمن المسلم به أن التمريض مهنة خاصة جدا وأنها ليست كأى مهنة أخري فهي ليست كالهندسة التي تتفاعل مع الآلات أو الكيمياء التي تتعامل مع العناصر أو المحاسبة التي تتعامل مع الأرقام وحتى المدير الذي يتعامل مع الناس ويقترب بذلك من التمريض فإن التمريض يختلف عن الإدارة لأن إدارة تتعامل مع أصحاء أقوياء وتصول بسيف الثواب والعقاب ..
أن التمريض معاشرة للمريض طوال ساعات مرضه ليلا ونهارا صباحا ومساء فساعدت العمل في التمريض عادة تكون أطول ن ساعات العمل الرسمية للمهن الأخرى وهي تتطلب ملاحظة مستمرة للمريض وتطبيقا دقيقا لأوامر الطبيب ومراعاة لنفسية المريض التي هي عادة على أسوئها خاصة عندما يعجز عن الحركة وعن أداء بعض وظائفه الطبيعية كما هي تتطلب صورا من الممارسات التي تثير الضيق أو (القرف) وتؤذي دون رقابة أو متابعة من رؤساء وحتى لو وجدت هذه الرقابات فإنها لا يمكن أن تلحظ (التكشيرة) التي قد تعلو وجه الممرضة وتزيد المريض مرضا؛
من هنا فإنها لا يمكن أن تؤدي على أفضلها إلا عندما تعامل معاملة استثنائية وهذا هو سبب النظر إلى الممرضة ماديا وأدبيا نظرة أعلي من الطبيب في كثير من المستشفيات الأوربية لأنها بدون هذا التعويض الأدبي والمادي لا يمكن أن تقوم بهذه المهمة الاستثنائية المرهقة .
ولكن هناك عوامل عديدة مادية ولائحية واجتماعية تحول أن تأخذ مهنة التمريض في مصر بهذه النظرة ولو في الوقت الحاضر ومعني هذا أن يسد الباب لولا المدخل الذي أشرنا إليه وهو أن تربط ما بين التمريض وبين الإيمان وأن تجعل من التمريض قربي إلى الله يأمر بها القرآن ويحض عليها الرسول وتعد مثيله للعبادات ويرتبط بأسماء مقدسة .
هذا المدخل هو وحده الذي يرفع من معنوية الممرضة وييضفي على المهنة (بعدا) أدبيا رفيعا ويعوض ما حافت عليه الأوضاع الطبقية لأن التمريض لا يعد مجرد وظيفة أو أكل عيش ولكن عملا مقدسا ورسالة تستحق صاحبتها الاحترام والتقدير .
بهذا وحده يمكن للممرضة أن تحتفظ بابتسامتها للمريض رغم ما يحيط بها من روائح كريهة مناظر تثير الغثيان وقد تنبهت إلى هذا الكنيسة الكاثوليكية من وقت طويل وجعلت التمريض تطبيقا للإيمان المسيحي ووظيفة للراهبات يسكن فيها إيمانهن بالرحمة المسيحية وكانت تجربة الكنيسة في ذلك إسهاما وإضافة تستحق التقدير خاصة من الدعاة الإسلاميين الذين يرون الأديان كلها بيتا واحدا لبنة فيه ووصل الإيمان بذلك لنري بعض الفقهاء المسلمين يقولون (شرع ما قبلنا شرع لنا ما لم يخالف) .
كانت هذه الحقائق محل نظر الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل منذ وقت طويل باعتباره اتحادا إسلاميا من ناحية واتحادا مهنيا من ناحية أخري فهو أفضل الهيئات المؤهلة لعلاج هذه المشكلة والدخول إليها من هذا المدخل الجديد:المدخل الإيماني .
ويعتزم الاتحاد الإسلامي الدول تكوين شعبة من الممرضات المحترفات والمتطوعات يقدم فيها دراسة طويلة إسلامية ومنهية عن التمريض كرسالة إسلامية وأداء مهني تحت اسم (الخديجات) تيمنا باسم أول من أسلمت بعد الرسول وأعظم شخصية آزرت الرسول ووقفت بجانبه وسانته وأمنت به وهو أقرب الأدوار المنشودة للممرضة ويحق لكل من أتمت هذه الدراسة أن تحمل (بادج) " الخديجات " وأن تكون إحداهن .
ومن الواضح بالطبع أن الشرط الرئيسي فيمن يلتحق بهذه الشعبة من الممرضات محترفات أو متطوعات أن يكن من ذوي القلوب الكبيرة والمشاعر الرحيمة والإيمان الإسلامي والتعامل الإنساني الكريم ودور الاتحاد هو أن يصقل هذه المشاعر ويعقها ويزودها بالأساس الفكري الإسلامي ... انتهي .

والاتحاد الإسلامي الدولي يهدي مذكرته إلى النقابات المهنية في مجال الطب ..

قلنا إن القيم الإسلامية في مجال العمل تضم مقومين:

الأول القربي إلى الله وما يستتبعه هذا من "روح " المعالجة والعمل وإعطائه البعد الروحي والأدبي وشرحنا فكرتنا عن ذلك ..
والآن نشير إلى المقوم الثاني وهو " الربط بين العلم والعمل " .. فالعمل دون علم عشوائية والعلم دون عمل شنشنة وزينة وتفاخر دون عائد عملي وقد حذر الإسلام من العمل دون هداية أو علم أو بصيرة أو العمل بما تهوي الأنفس في مئات من الآيات كما حذر من العلم على طرف اللسان أو كأداة للتفاخر أو أداة الأكل الحقوق ..
وما كان الصحابة يجاوزون حفظ آيات من القرآن حتى يعلموا ما فيها من العمل وحتى يروا أثرها في حركاته وسكناتهم ومعاملاتهم وتصرفاتهم ..إن الجمع بين العلم والعمل حال دون أن يكون العلم مظهرية وزينة .وهذا المقوم (الجمع بين العلم والعمل) منتف لدينا تقريبا ..
فالمدارس والجامعات تقدم العلم دون العمل ... تقدم العلوم في الفصول والقاعات والمدرجات بأسلوب الدرس أو المحاضرة وقلما يمكن للطلبة أن يطبقوا العلم على العامل لأنه إما أن يكون علما مجردا منبتا عن العمل وإما لاستحالة ذلك عمليا حتى فيما يقتضي الممارسة العملية (كما في دروس التشريح وتشخيص المرض أو أعطال الآلات) إذ لا يمكن لهذا العدد الهائل من الطلاب داخل المدرج أن يتابعوا حركات التشريح أو التصليح ... الخ
وإما للعزوف النفسي الذي تمليه السيكلوجية البرجوازية التي تأنف من العمل اليدوي وتتمثل دائما المهندس جالسا على مكتب والطبيب لابسا البالطو الأبيض ومعلقا السماعة .
أما أن يصعد المهندس على سقالة , أو ينبطح تحت ماكينة .ز وأما أن يعطي الطبيب حقنة أو يغير ملابس المريض ... الخ فهذا قد يظن أنه ليس من عمل المهندس أو الطبيب ..
في مقابل هذا (علم بلا عمل) يعمل الميكانيكي دون أن يلم بأوليات النظرية الهندسية وتعمل الممرضة دون أن يسمح لها بدخول كلية الطب ... الخ , وفي حرف البناء يعمل عشرات الألوف من العمال في تخصصاتها دون أن يلموا بالأصول العلمية لعملهم أو يتعرفوا على وسائل التقدم والتطور فيها .
إن هذه التفرقة التي أوحي بها الفكر البرجوازي وبلورتها الجامعة في برامجها وروحها وثنتها " الشهادة" .. خربت العلم وخربت العمل وأفرغت كلا منهما من المضمون الفعال وأقامت مجتمعا ورقيا شعاره " شهادتك إيه "!... الشهادة هي محوره وقاعدة بنائه وليس الكفاءة أو المقدرة أو المهارة ..
ولو أريد تغيير هذه الوثنية للجمع بين العلم والعمل لقامت " مندبة " قومية تنتظم الطلبة وآباءهم وأمهاتهم كما تنتظم المسئولين (وهم من هؤلاء الآباء الأمهات) إذ كيف يتصورون أن يتنزل أبناؤهم وبناتهم " الجامعيون" إلى مستوي العمل اليدوي ؟! وكيف يجاز في الأذهان أن يصعد النابهون من العمال إلى مستوي الجامعيين ؟!
لقد أصبح من البدائة والمسلمات لدينا أن يتخرج طالب كلية الشرطة ليبدأ حياته الوظيفية برتبة ملازم ... في حين ينهي العسكري حياته الوظيفية بهذه الرتبة وربما لا يصل إليها ..
ويتخرج طالب كلية ليكون طبيبا بينما لا يمن لممرضة أن تصبح طبيبة مهما عملت ومهما كانت نابغة وماهرة وأنها أقرب إلى حرفة الطب من خريجة الثانوية مهما كان مجموعها ..
ذلك لأن النظام التعليمي قد ترسخ في الأذهان بحيث أنه أوجد ارستقراطية ثقافية بسمك الطبقة دون أن يثير هذا شيئا من الدهشة ! ولأنه وأن اقترن المجتمع البرجوازي الأوروبي بأرستقراطية ثقافية إلا أنها لا تصل إلى حد الطبقية

وحتى لو وصلت فإنها تكون مفتوحة لأن ميزة البرجوازية التي حمتها ودعمتها هي:

الحرية " فليس هناك طبقية مغلقة .. وقد يصور هذا مثلا أن " فورد " و" إديسون " .. إلخ أكبر مكتشفين في عالم الصناعة الحديثة لم يدخلا جامعة ... وأن رائد الإدارة العلمية " فريدريك تايلور " كان أصلا اعملا ميكانيكيا ثم انتظم في دراسة مسائية جعلته مهندسا ..
وقد لا يعلم أبناء هذا الجيل أن من أسباب الثورة العرابية أن الوزير التركي " للجهادية " منع ترقية العساكر " تحت السلاح " إلى رتب الضباط وجعل ذلك وقفا على خريجي المدرسة الحربية وكان عرابي نفسه من العساكر الذين ترقوا إلى الضباط ومنحوا رتبة " الميرالاي " الرفيعة من " تحت السلاح " دون أن يدخل المدرسة الحربية !..فلابد ن تغيير هذه الصورة بما يحقق الجمع بين العلم والعمل .
والوضع السليم يقضي بأن يمضي الدارسون في المدارس الثانوية والجامعة فترات معينة في التدريب العملي قبل أن يتخرجوا وأن تفتح أبواب معاهد التدريب المهني لكل النابغين من العمال في كل التخصصات وأن تنفتح أبواب هذه المعاهد فيما بعد على الكليات الجامعية بحيث تطبق سياسة الباب المفتوح وبحيث تهدم تلك الأسوار التي تفصل بين الفريقين وتحرم الجامعيين ميزة المهارة العلمية وتحرم العمال ميزة المعرفة النظرية , وتقضي على المجتمع الورقي .. مجتمع :" شهادتك غيه" وليس ك " عملك إيه " أو : مهارتك وقدرتك إيه "..
ومن الخير أن نستهدي في هذا بتجربة الدول الإشتراكية في الفترة الأولي من حياتها عندما كانت الحماسة على أشدها وقبل أن تتجمد أوضاعها وتزحف البيروقراطية والمصالح المكتسبة عليها..
إن تجربة هذه الدول جديرة بالاحترام فقد وفرت احتياجاتها من المهارات وحلت مشكلاتها المهنية ..فسواء كنا نستلهم المثل الاشتراكي أو المثل البرجوازي السليم (وليس البرجوازي على الطريقة المصرية المغلقة) فلابد من فتح الأبواب
وأولي من هذا وأقرب أن وجود الوعي الإسلامي في قيادة النقابات المهنية يوجب عليها أن تحقق تغييرا حاسما في مفاهيمها ونظرتها إلى المهنة وإلى المتداعيات البرجوازية التي تستصحب بها وتصبح مبعث خيلاء وفخر بعض المهنيين وليس هذا بالطبع بالأمر الهين ..
وعلى المهنيين الإسلاميين أن يعلموا أن الإسلام لا ينظر إلى الأفراد أو الفئات ولكن إلى الناس عامة وأنه لا يعني بهذه المواصفات الاجتماعية وإنما يعني بالتقوى والعمل الصالح , أما الفخر بالشهادات والحرص على الثراء والزهو بالوضع الاجتماعي .. فهذا كله لا يمت إلى الإسلام بشئ ..
تري هل سينجح الإسلاميون في تحقيق ثورة الإسلام الفكرية في أذهان وتصورات المهنيين ؟ إنه اختبار عسير والخطوة الأولي للنجاح فيه هي أن يؤمنوا هم أنفسهم به ويدعون إليه

الفصل الثالث: الأبحاث .. الأبحاث

يعتبر كثير من المؤرخين أن الثورة الصناعية التي حدثت في بريطانيا في الثلث الأول من القرن الثامن عشر هي بداية العصر الحديث الذي نعيش فيه ..

وقد كان الجديد في الثورة الصناعية الذي أعطاها هذه الصفة هو :" تطبيق العلم على العمل "..

كانت فرنسا في هذه الفترة متقدمة ... إلى حد ما على بريطانيا وتوصل بعض علمائها إلى فكرة القوة المحركة والآلات الحديدية ووضع بعضهم نماذج صغيرة لها كانت تعرض في الصالونات الأرستقراطية على الغوائي اللاهيات والسادة السكاري كنوع من الطرف أو أمثلة للمهارة والدقة والإبداع ... أو حتى كلعب أطفال !

ولكن ظروف بريطانيا وازدياد الطلب على الأنسجة مع بدائية وسائل صنعها دفعت بعدد من الصناع لأعال الذهن في وسيلة لحل هذه المشكلة وما إن توصلوا إلى الآلات الحديدية والقوة المحركة بالبخار حتى استخدموها في صنع النول الميكانيكي الذي يعمل بقوة النخار ..وعن هذه البداية المتواضعة بدأت الثورة الصناعية ... ثورة العلم والعلم ..

وكانت تجربة تطبيق العلم على العمل مشجعة ومجزية فمضت قدما وتوصلت شيئا فشيئا إلي الكهرباء والذرة والترانزستور و الكمبيوتر .. وفي كل هذه الحالات كان العلم والعمل يسيران يدا بيد : العلم يفكر ويضع الفروض والتصميمات .. والعمل يجرب ويصدق أو يكذب .. وسارت هذه العملية بسرعة ..

كل اكتشاف أو اختراع يسلم إلى عند آخر , أو يفتح آفاقا جديدة حتى وصل تكاثرها في الفترة الراهنة إلى جعل العالم يعيش في ثورة المعلومات ويلهث وراء التقدم الذي انطلق في سياق مجنون وتصور عشرات الألوف في كل مجال عاكفين على معاملهم ومختبراته ومكاتبهم في كل من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وروسيا، والصين .. الخ

في كل دولة على حده عشرات الألوف وقد يصلون في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان إلى مئات الألوف يعملون ليل نهار تدفعهم روح السباق والمنافسة ونشوة الابتكار والمعرفة ... يقدمون الجديد في الطبيعة والهندسة والكيمياء والطب ... ولا يدعون مجالا إلا ويدخلونه حتى ما يكون له طبيعة إنسانية كالفنون والآداب والسينما والمسرح والموسيقى!.

هذا هو سر العصر وقاعدة تقدمه .إن العلم كالإكسير الذي ما إن يوضع على الرصاص حتى يصبح ذهبا إن هذا الخيال الذي تمناه القدامي وصورته" ألف ليلة وليلة " أصبح حقيقة وأصبح العلم يحيل الرصاص ذهبا ويصنع من الهواء نسيجا ومن البترول صوفا أو لحما ! أو أى منتج آخر .. ولم يعد نقص المواد الأولية عقبة أمام الدول (كما كانوا يعلمونا قديما) لأن العلم يخلق " مواد بديلة .

واليابان مثلا ليس بها حديد أو بترول ولا طاقة محركة ومع هذا سبقت العالم صناعيا بعد أن سبقته في مجال العلوم .. لقد جاوز العلم الخيال فقد تخيل العالم القديم الإنسان يطير وقد حدث هذا بأعظم مما تخليه إنسان العصور القديمة لأن إنسان العصور القديمة لم يجرؤ على تخيل الوصول إلى القمر! شخص واحد تصور أن له الحق أن يتخيل هذا لأنه إمبراطور العالم هو الإمبراطور الروماني كاليجولا ولم تشفع له هذه الصفة وأدي به خياله إلى الجنون !!

ولكن العلم وضع الإنسان فوق القمر وهو الآن يسير في النهائيات الكون ليصل إلي الكواكب الأخرى البعيدة القاصية .وأعجب شئ في هذا العلم أنه ليس حجزا محجوزا ولا غيبا مستورا عمن يريده ..

كل واحد يملك مفاتيحه الأولي يمكن أن يصل إليه ..وهو بعد لا ينفد مهما أخذنا منه !.. بل لعله يزيد ويزيد ..وليس له من صاحب يحتكره ويحجبه عن الناس .. فكيف يمكن بالله أن يكون هذا الكنز الثمين أمنية البشرية وغاية الفلاسفة والأباطرة والكتاب والمفكرين وميراث الأنبياء والمرسلين في متناول اليد ثم لا نمدها ؟!

ولو تطلب الأمر أن تتقطع الأعناق في سبيله لما كان كثيرا ..كيف لا يحدث هجوم عام على هذا الغذاء للفكر والنفس والروح ؟ولو كان مائدة بها " عرقا سمينا " لهرعوا إليها ..

والأبحاث هي الوسيلة المنهجية لاستكشاف طاقات العلم والمعرفة وعليها يعكف العلماء في مختلف المجالات وفي مختلف الدول.. ومن الملحوظ أن كل الدول المتخلفة عندما أرادت ان تستدرك قصورها وتلحق بالدول المتقدمة فإن أول ما تعمد إليه هو القيام بحركة ترجمة كبري تترجم فيها إلى لغتها كل المراجع والكتابات والعلوم والمعارف لدي الدول المتقدمة ..

وبهذا تحطم حاجز اللغة الذي يقف أمام شعبها , وتعرف النابهين من أبنائها بأحدث ما وصل إليه الآخرون ليلموا به وليبدءوا حيث انتهي الآخرون .وبهذا الطريقة يقفزون قفزة سحرية فوق هوة الجهالة والتخلف ..

حدث هذا للعرب عندما أسس المأمون دار الحكمة وقاد عملية الترجمة الكبرى من اليونانية إلى العربية ... فلما دار الزمن دورته قام الأوروبيون فترة الأحياء بالتعرف على حكمي اليونان التي أنقذها العرب ثم حكمة العرب التي تمثل إضافتهم الخاصة فترجموا كتب ابن سينا والفارابي وابن رشد والبيروني وابن الهيثم التي ظلت عماد الثقافة والمعرفة حتى القرن السادس عشر .

وحدث هذا بالنسبة لمحمد على الذي أسس مدرسة الألسن وأشرف ناظرها رفاعه الطهطاوي على ترجمة الكثير من الكتب من الفرنسية إلى العربية وفعلت هذا اليابان حينما بدأت نهضتها وعندما ظهر الاتحاد السوفيتي أسس لينين أكبر منظمة للترجمة عرفت حتى ذلك الوقت ... عمل بها عشرات الألوف .. وخصص لها ملايين الرويلات .. وكان لينين يشرف عليها بنفسه ..

ومن الغريب أن يظهر في بعض أركان الفكر الإسلامي من يضيق بمثل هذه الفكرة أو يعزف عنها أو يري فيها بابا يفتح للغزو الثقافي لأن الإسلام يدعو إلى العلم ويحث على الفكر والمعرفة وينادي بأن نسير في الأرض ونتعلم من حضارات السابقين ولأن الحديث النبوي يعلمنا أن الحكمة ضالة المؤمن ينشدها أني كانت وأنه أحق بها ويدعونا لطلب العلم ولو في الصين ..

وعلى كل حال فلم يعد الأمر ولو في الصين .وعلى كل حال فلم الأمر أمر اختيار ... إنه أمر اضطرار .فليس أمامنا إلا العلم ... إلا العبودية

لقد أن لنا أن نواجه حقيقة مفزعة هي أن التطور يضع البشرية اليوم أمام ثورة أبعد مدي مما حققته الثورة الصناعية الأولي التي جعلت أوروبا تسود العالم وتقهر الشرق ..

إن هذه الثورة على حد ما جاء في مقال بالأهرام ستجعل الكمبيوتر بالنسبة للطالب في الجامعة مثل القلم الرصاص والمسطرة والكراس في يديه الآن وأما شهادته الجامعية (البكالورويوس) فستكون مثل شهادة محو الأمية في الزمن الحالي !

وفي رأي الكاتب أن " الطبقة العاملة الجديدة" ستكون من العلماء لا العمال , أو أن على العمال أن يكونوا علماء حتى يتكيفوا مع التطور وتغير وسائل الإنتاج ..

ويحذر الكاتب من أن إغفالنا لهذا التطور القادم يحمل خطر استحكام التخلف لعصور قادمة وليس لعشرين أو ثلاثين سنة فقط ..

كما يوجه الكاتب الأنظار إلى ما يدور الآن من وضع سياسة " تجرم " الحصول على المعارف العلمية والتكنولوجية المتقدمة بفعل شرعية احتكارية دولية جديدة آخذة في الظهور والتشكل في غفلة إنسان العالم الثالث ؟!

وقد كان بعض العنصرين الأوروبيين في عشرينات القرن الحالي قدر رأي أن أوروبا قد " خانت " تميزها عندما تركت الدول الأفريقية والآسيوية تلم بأسرار الصناعة !..

وتعود اليوم هذه النغمة صراحة في حجب " التكنولوجيا المتقدمة " بينما تنسج الشركات متعددة الجنسية التي تهيمن عمليا على الاقتصاد العالمي شبكة تضع فيها دول العالم النامي في مرتبة عبودية جديدة لا يستطيع أن يتحرر منها ..

كيف يمكن إذن الخلاص من هذا المأزق ؟..ليس إلا بثورة في الأبحاث , وسباق محموم للتعرف على آخر ما وصل إليه التطور قبل أن تصبح أسرارا تحميها الأسوار العالية للشركات الاحتكارية والدولية ..

والأبحاث في مصر ضائعة ... تائهة ... او قل لقيطة لا تعرف لها أبا أو أما !.. ولا تجد ملجأ تأوي إليه !..

ولدينا مؤسسة تحمل اسم " المجالس القومية المتخصصة " يرأسها ضابط يمثل بقايا ضباط 23 يوليو كان من الذكاء بحيث نأي بنفسه عن تقلباتها وآوي إلى هذه المؤسسة ولكنه أدراها بطريقة 23 يوليو كما لو كانت حركة سرية تعمل في تكتم وخفاء ولا يعنيها أن يعرف أحد عنها شيئا ويبحث العاملون فيها ويتوصلون إلى نتائج لتوضع في الأدراج المغلقة .. فهي موجودة كعدمها !...

ولدينا جامعات عديدة بها عدد كبير من الأساتذة من ذوي القدم الراسخة في مجالاتهم ولكنهم قلما يجدون وقتا للأبحاث لأن المسئوليات الإدارية تشغلهم ... ومع هذا فإن أبحاثهم إذا بحثوا تتبدد في الهواء , أو تخزن الأدراج .. شأنها شأن كل رسائل الدكتوراه التي ما إن يحصل عليها صاحبها حتى ينهي عهده بالبحث ليبدأ عهده بالوظيفة أما رسالته فتخزن في مخازن الكلية لا تري النور ولا يستفيد منها أحد ..

وليس لدينا هيئة حتى الآن تقوم بنشر هذه الرسائل وتيسرها للمهنيين ولو بثمن ..وليس لدينا الأجهزة التي تربط ما بين الجامعات ومؤسسات الصناعة والتجارة والخدمات والمرافق في حين أن أبحاث الجامعات إنما يراد بها هذه المؤسسات وحل مشكلاتها الإنتاجية والصناعية ولهذا ففي كل دول العالم توجد علاقة وثيقة ما بين البحث العلمي في الجامعات وبين المؤسسات الصناعية والإنتاجية ..

وحتى تتحرك الحكومات وتتيقظ الجامعات ويتثاءب الجهاز البيروقراطي القائم فإن النقابات المهنية لها دور كبير ورائد في هذا المجال باعتبارها الهيئات التي تضم كل الخبرات والمهارات والمعارف في جميع المجالات ولها في نفس الوقت الطبيعة الشعبية المتحررة من قيود البيروقراطية واسم الوظيفة .

هذا الدور هو تبني قضية الأبحاث لتأخذ وضعها السليم وتنبيه الدولة والجامعات إلى ضرورة الربط بينها وبين دور الصناعة .. بحيث يكون العلم في خدمة العمل ..إن على النقابات المهنية أن ترفع الصوت عاليا حتى يتيقظ النيام .عليها أن تصرخ ك احذروا !.. إن الاستعمار الجديد استعمار التكنولوجيا على الأبواب .على أنها يجب ألا تقنع بالدعوة والتحذيرإن عليها أن تقوم بدور عملي .

ورغم مسئولياتها الإدارية والفنية العديدة والثقيلة ..ورغم مواردها الضئيلة والمحدودة رغم هذا كله فإن عليها أن تقوم بدورها.والادعاء أن هذا لا يدخل في اختصاصها هو منطق المصالح الحكومية التي جعلت سياستها التخلص من مسؤولياتها بإلقائها على آخرين .

والنقابات ولها شخصيتها الاعتبارية وصفتها المحترمة في المجتمع نستطيع أن تكسب لصفها من تشاء من رجالات المجتمع ورؤساء الصناعة والتجارة .. بل يمكن أن تلتمس المعونة من هيئات دولية خارجية ومن ميزانية الدولة نفسها ..

وليست هذه الأبواب بالأبواب المستحيلة ولا الدق عليها بالعملية الصعبة .. وإذا صح لعزم وضح السبيل ..وليس الذي ينقصنا هو المال .. ولكن العزيمة والإيمان .لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق

ومن باب المثال فيمكن للنقابات المهنية:

  1. الاتصال بالنقابات المهنية المماثلة في الخارج وعادة ما ترحب هذه النقابات الأخرى بذلك وطلب تبادل المطبوعات والأبحاث والنشرات ..
  2. تلخيص هذه النشرات وترجمة أهم ما فيها من أبحاث ..
  3. إرسال نسخ من هذه الترجمات إلى الأعضاء (ويمكن مطالبتهم بسم زهيد مقابل ذلك لأن التجربة أثبتت أن ما يأتي مجانا قلما يظفر بالعناية) .
  4. إصدار مجلة فصيلة تتضمن أهم أبحاث الأعضاء أو غيرهم من المصريين أو العرب كما يمكن تخصيص قسم منها للإشارة إلى الأبحاث التي قامت النقابة بترجمتها ونشرها .
  5. تكوين مكتبة مركزية بالنقابة العامة ومكتبات فرعية بالنقابات الفرعية وشراء وطبع وتوزيع الكتب التي يعسر علي الأعضاء الحصول عليها بصفتهم الفردية بمئات وألوف النسخ لا بعشراتها .
  6. تنظيم برامج دراسة بالمراسلة للأعضاء الذين يظهرون اهتمام خاصا بمتابعة البحث والحرص على المزيد من المعرفة .
  7. عقد المؤتمرات الثقافية التي تتيح لأصحاب البحوث تقديمها وتصوير هذه البحوث أو تسجيلها وتكون هذه المؤثرات دورية كان يكون هناك مؤتمر صيفي وآخر شتوي وثالث ربيعي الخ .
  8. وضع نظام للتبادل الثقافي ما بين النقابات المثيلة الأخرى في الدول العربية والإسلامية والأوربية والأمريكية وتبادل المحاضرين الزائرين .
  9. الاتصال بالجامعات المصرية والوزارات المعنية لدفعها للاشتراك في النشاط الثقافي للنقابة بطريقتها الخاصة .
  10. تأسيس صندوق للأبحاث له كيان خاص ويمول يمعونات وهيئات عن الشخصيات والهيئات الإسلامية والأعضاء السابقين الذين أصبحوا رجال أعمال وتذكيرهم جميعا بواجبهم المقدس في هذا المجال .

ويمكن من باب جذبهم وضع جوائز بأسماء بعضهم في مسابقات تضعها النقابة لأفضل البحوث .ولما كان سيل المعارف الاكتشافات يتدفق يوميا فإن من أهم ما يكون على النقابة الحريصة على مواكبة هذا التقدم أن تشترك في " الدوريات " والصحف التي تسجل عادة هذا التقدم أسرع مما يمكن أن يتم في الكتاب .

ونذكر في هذا الصدد أن مؤسسة روز اليوسف كانت تعلن عام 1977 عن الاشتراك في موسوعة طبية شاملة تتضمن خلاصة دراسات 1200 طبيب من أنحاء العالم ويدخل في الاشتراك بالإضافة إلى الموسوعة نفسها .

  1. استشارة مركز المعلومات عن أى موضوع فتصله قائمة بجميع المراجع التي تناولته إلى ما قبل أسبوعين كما يمكن أن تصله صور من الصفحات أيضا في مقابل تكاليف التصوير بعد استئذان الناشر الأصلي .
  2. مجلة كل شهر من أربع صفحات أعدها أساتذة على أعلي مستوي ويلخصون فيها أهم جديد في عالم الطب خلال الشهر السابق .
  • كل ثلاثة أشهر: حافظة تجديد للموسوعة يتراوح عدد صفحاتها ما بين مائة ومائتين بعضها موضوعات جديدة تماما وبعضها إضافات إلى موضوعات موجودة وبعضها موضوعات أعيدت كتابتها لتحل محل سابقتها وفي جميع الأحوال تحتل الصفحات الجديدة واقعها دون أى خلل في ترتيب الموسوعة بفضل أسلوب خاص مبتكر في ترقيم الصفحات وفي وضع الفهرس .وتصدر موسوعة الممارسة الطبية .

في ستة صفحة موزعة على 12 جزءا وتتناول الأجزاء بالترتيب:

  1. الجهاز الهضمي .
  2. الجهاز التنفسي .
  3. الجهاز الدوري .
  4. الجهاز البولي التناسلي .
  5. الدم والغدد الصماء .
  6. الجهاز العصبي والأمراض النفسية .
  7. الأمراض المعدية والطفيلية .
  8. الكبد وأمراض التغذية .
  9. العظام والأمراض الروماتزمية .
  10. أمراض النساء والولادة .
  11. طب الأطفال .
  12. التخصصات والجراحات الصغيرة وهذا الجزء الأخير يتناول الأمراض والجراحات التي تحال عادة إلى الأخصائيين ولكن ظروف عمل الطبيب الممارس كثير ما تفرض عليها مواجهتها والتصرف فيها .

وتضم الموسوعة صفحات كل جزء في مجلد خاص يثبتها بأحكام .. ولكن يسمح في نفس الوقت بنزع أى عدد من الصفحات وتثبيت أخري مكانها كما يسمح بإضافة أى عدد من الصفحات في أى مكان من المجلد , وكل ذلك دون أن يتهدل المجلد أو ترتيب موضوعاته أو أرقام صفحاته .

فإذا كانت المعلومات التي تضمنها إعلان روزاليوسف صحيحة وإذا كان الاشتراك ميسورا فإنها تمثل الخدمة المطلوبة التي تل الطبيب المصري بعالم التطور الطبي ونعتقد ن هناك هيئات ذات صفة دولية تصدر مثل هذه الموسوعات في كل مهنة على حدة ويفترض أن تتصل كل نقابة مهنية بالهيئة التي تصدر موسوعاتها لإقامة تعاون ييسر لأعضائها الحصول عليها ..

ونحن لا نري مطلقا عذرا للنقابات في تقصيرها في هذا المجال فموضوع الأبحاث يظفر بالتقدير والاحترام من الجميع ويبرأ عادة مما يلصق بصور أخري من النشاط لها طابع سياسي معين أو حتى فئوي .

فالأبحاث تعني العلم ... تعني النور .. تعني التقدم .وإذا كانت أجهزة النقابة القائمة بالعمل متخمة بصور من النشاط لا تترك إلا هامشا ضيئلا لهذا الجانب الهام فلتشرك النقابة معها جهازا متطوعا يسعد بالعمل في هذا المجال .

أما عن الأموال فما أكثرها .. إن مصر متخمة بها .. ولم يحدث في تاريخها – أن ظفر بعض أبنائها بالملايين أو البلايين التي يظفر بها عشرات أو مئات أو آلاف منهم الآن ويودعونها في البنوك الأجنبية ولو أيقظنا ضميرهم النائم وأثرنا اهتمامهم الخامل وكشفنا لهم عن وجوه الخير والنبل والإيثار والبطولة ورضاء الله .. وذكر التاريخ .. لقدموا أموالهم نحو هذا الغرض النبيل أقول إننا لابد وأن نجد من بعضهم استجابة ... فهم بعد أنباء هذه البلاد ولا يمكن أن يصل بهم العقوق أن يضنوا عليها بجزء مما أنعمت عليهم به ..

الفصل الرابع:التصدي بوجوه ثلاثة

خلال المسيرة الطويلة للحركة النقابية وبتأثير الظروف والملابسات المتغيرة والمتطورة قضي على الحركة النقابية أن تتخذ ثلاثة وجوه وأن تتصدي بها جميعا حتى يمكن أن تحقق رسالتها كاملة غير منقوصة فترضي أعضاءها وتنهض بمهنتها وتكتسب رضا المجتمع ككل .

(أ) النقابة كهيئة خدمية: لعل أقرب هذه الوجوه الثلاثة إلى عامة الأعضاء هو النقابة كهيئة خدمية .. كهيئة تقدم الخدمات والمعونات للأعضاء وقد تكون معونات نقدية تقدم في حالات الكوارث أو الميلاد أو الزواج أو الوفاة وقد تتلقف النقابة بمعونتها ابن العضو كما تتولي بمعونتها دفن العضو نفسه !

وقد كان مما تمتلكه بعض الطوائف البريطانية أغطية فاخرة تحمل رموز النقابة يغطي بها تابوت العضو المتوفي .وتحدد هذه المعونات عادة النظام الأساسي للنقابة ولكن المعونات النقدية فقدت الأولوية في النقابات الحديثة لأن الدور المهني طغي على الدور الاجتماعي ولأن المعونة النقدية ليست بالضرورة أفضل أنماط المعونة.

وقد ظهرت صور جديد لتقديم خدمات أبرزها الجمعيات التعاونية التي تشتري الحاجات اليومية للعضو من أكل وملبس بثمن وتبيعها بثمن قريب منه وفي الفترة الحديثة ظهرت أنواع جديدة من هذه الجمعيات مثل جمعيات الإسكان ..

وقد حققت بعضها ثورة شاملة في القفز بثروات البعض فعندما تكونت مدينة نصر في السبعينات كانت إدارتها تتحايل للبحث عن مشترين بكل الطرق وكان منها تشجيع تكوين جمعيات تعاونية بالنقابات لشراء قطع أرض بسعر المتر حوالي 2 جنيه تقريبا وبالتقسيط أيضا , وكانت مساحة هذه القطع تتفاوت ما بين 200 متر و 1000 متر ..

وقد حقق عشرات الألوف من أعضاء هذه الجمعيات بالنقابات العمالية والمهنية ثروات ضخمة نتيجة لاحتفاظهم بهذه الأراضي حتى قفزت أسعارها إلى 100, 500 جنيه وانتقل بعض هؤلاء الأعضاء من شريحة " العاملين " إلى شريحة الأثرياء الذين يعيشون على عائد ثرواتهم المستثمرة في البنوك ..

وفي هذه الأيام (أكتوبر سنة 1992) تتعدد الإعلانات في الصحف اليومية عن معارض السلع المعمرة من ثلاجات وغسالات وبوتاجازات .... الخ تتولاها نقابتا المهندسين والأطباء .

وقد عدد الدكتور عصام العريان في مقال له بجريدة الشعب بعض ما قامت به نقابة الأطباء فقال :

لقد قدمت الخدمات التي لم تشهدها الساحة النقابية من قبل فهل علمت أم أخبرك ؟ لقد قدمنا مشروعات الرعاية الصحية والعلاج للأعضاء
  1. 30 ألف عضو في اتحاد المهن الطبية 130 ألف منتفع
  2. 35 ألف عضو في نقابة المهندسين 140 ألف منتفع.
  3. قدمنا مشروعات التكافل الاجتماعي للأعضاء وأسرهم .
  4. 15 ألف مشترك في نقابة المهندسين 4 ألاف مشترك من الأطباء والصيادلة .
  5. قدمنا برنامجا للتطعيم ضد خطر الإصابة بالفيروس الكبدي ب) قبل الدولة .
نعم يا سيدي قبل الدولة بعام كامل هل سمعت أننا طعمنا 70 ألف جرعة للأطباء والصيدلة والبيطرين وأطباء الأسنان وقدمنا معارض للسلع المعمرة والأجهزة الطبية والمشروعات الصغيرة للمهندسين ؟ هل بكم اشتري المهنيون حتى الآن؟

لقد اشتروا بقرابة 300 مليون جنيه مصري على مداره 5 سنوات وهل تعلم نسبة العجز عن السداد؟ إنها لا تتجاوز في للألف لقد جددنا المقرات النقابية أنشأنا النوادي الاجتماعية في الإسكندرية رأس البر وسوهاج وأسوان والمنصورة والغربية والمنوفية .

وجاء في مجلة لواء الإسلام (غرة رمضان 1409- 6 أبريل 89) عن معرض السلع المعمرة لنقابة المهندسين:

لأول مرة منذ إنشاء نقابة المهندسين في الأربعينات تشهد النقابة هذا الحشد الجماهيري من المهندسين الذي تردد على النقابة أثناء معرض السلع المعمرة الذي نظمته النقابة العامة في الفترة من 1 مارس حتى 21 مارس والذي اضطرت النقابة إلى النهائية يوم 15 مارس قبيل نهاية المعرض بأسبوع .
والسبب في ذلك الإقبال الضخم من المهندسين على المعرض والذي فاق كل التوقعات ونفاد جميع مخصصات المعرض.
كانت النقابة قد خصصت 20 مليون جنيه للمعرض وبعد خمسة أيام من بدايته رفع التخصيص إلى 22 مليون جنيه وبعد ثمانية أيام اجتمعت هيئة المكتب وقررت رفع التخصيص إلى 27 مليون جنيه ومع ذلك نقد المبلغ قبل نهاة المعرض بأسبوع .
والهدف من المعرض كما قال مصدر مسئول في النقابة هو التيسير على المهندسين محدودي الدخل والمهندسين الشبان بصفة خاصة الذي يبدءون حياتهم ويرغبون في الزواج ونظم المعرض ليأتي المهندس ويري ما يحتاجه من أثاثات بجميع أنواعها : نوم . سفرة , صالون انتريهات . مكاتب . مطابخ , وأجهزة كهربائية وأدوات منزلية وموتوسيكلات وأوان وسيارات ميكروباس , وسجاد ونجف وموكيت كل الاحتياجات؛
وما على المهندس إلا أن يشتري دوسيه به استمارة رغبات واستمارة ضمان وشيكات لتقسيط المبلغ و فيقوم بتدوين ما يريد شراءه ولابد من ضمامن يعمل في الحكومة وذلك لضمان السداد أما المقدم فهو لا يتعدي 15 % من قيمة السلعة والباقي على ثلاثين شهرا .
وقال المسئول النقابي أننا كنا نتوقع أن يستمر المعرض حتى شهر رمضان المبارك ولم نتخيل أن يكون الإقبال بهذا الحجم الضخم ولقد حاولنا مع المسئولين أن يكون معرض السلع المعمرة في أرض المعارض بمدينة نصر للتيسير على الزملاء المهندسين إلا أن المسئولين رفضوا فلد نجد إلا مقر النقابة والحمد لله كل الإجراءات كانت تتم بالكمبيوتر الحج والدفع ونظام القسط ... الخ وكانت هناك لجنة قامت بالإشراف على المعرض وتنظيمه وأحسب أنها أدت دورها .
وعن حجم المستفيدين من معرض السلع المعمرة يقول المصدر النقابي إنه بلغ 15 ألف مهندس وكان حجم المترددين على النقابة يوميا يزيد عن خمسة آلاف مهندس ومعدل شراء الدوسيهات بلغ لأف دوسيه يوميا وعن تكرار المعرض قال إن النقابة العامة في سبيل تكرار المعرض مرة أخري أو نقلة بصورة مصفرة في النقابات الفرعية التي لم تنظم معارض تجارية من قبل
وقال إن النقابة شكلت لجنة على مستوي عال لدراسة الآثار الإيجابية والسبية للمعرض وقد أكد شباب المهندسين أن معرض السلع المعمرة بيعد بين الأعمال النقابية الخدمة البارزة وأنه جاء بعد تنفيذ النقابة مشروع علاج المهندسين بنجاح وهذا يؤكد أن مجلس النقابة يؤدي دوره الخدمي والقومي على السواء .

وعدد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أمين عام نقابة الأطباء في الكلمة التي ألقاها ف الاحتفال بالعدي الذهبي للنقابة (19401990) بعض ما قدمته النقابة فقال

" بالنسبة للأعضاء كبار السن كان تعديل قوانين اتحاد المهن الطبية لزيادة المعاشات حتى زادت من 30 جنيها شهريا إلى 70 جنيها وزيدت إعانة الوفاة للطبيب من 250 جنيها إلى 2500 جنيها .
وللشباب كانت مشاريع العلاج ومعارض التكافل لدفع عبء الجانب الاجتماعي والصحي عن الطبيب وإعانته على تكاليف المعيشة التي ينوء بها صغار السن من الأطباء حديثي عهد التخرج .
وكذلك مشروع الدوريات والكتب العلمية الذي يوفر للطبيب الدارس أحدث المصادر العلمية بأقل الأسعار الممكنة . ثم اتجهت النقابة لكل تصل بخدماتها إلى الطبيب حيث هو فكانت الخطة الخاصة بتدعيم مقار النقابات الفرعية وحسن تأثيثها .. الخ .
وبصفة عامة فإن هذا الوجه من وجوه العمل النقابي رغم أنه ليس العمل الأصيل أو الخاص للنقابات إلا أنه يحل بعض المشاكل المستعصية أمام شباب المهنيين .وتبذل النقابات التي هيمن عليها التيار الإسلامي جهودا خارقة في هذا السبيل وتقوم بما لم تقم به هذه النقابات من قبل .
ومع هذا فمن المحتمل أن يكون أمامها مجالات جديدة عليها أن تقتحمها مثل مشروع إيجاد شقق صغيرة من حجرة أو حجرتين وصالة للذين يريدون الزواج ويعجزهم التوصل إلى شقة .. ويمكن لنقابة المهندسين أن تستخدم كل مهاراتها للنزول بتكلفة مثل هذه الشقق بحيث يتيسر للمهني الشاب دفع إيجار يغطيها على مدار عدد من السنين دون دفع مقدم مرهق و وبهذا تعتق رقاب المهنيين من عبودية الهجرة إلى أسواق النخاسة العربية والأوروبية ..
وبالطبع فن مثل هذا المشروع الطموح الذي يجمد ملايين الجنيهات هو مما لا تيقه ميزانية النقابات ولكن النقابات يجب عليها أن تستخدم صفتها في استجلاب معونة الدولة كتقديم أرض مجانا أو بثمن رمزي , وتقديم مساعدات مختلفة ..
والقضية بعد مما دخل في دور الدولة ومما يجب أن تشكر الحكومة للنقابات دخولها هذا الميدان لأنها تعينها على حل القضايا المستعصية التي هي في جذر " القلق الاجتماعي " ..
و لا أستطيع أن اقترح معونة البنوك الإسلامية لأن هذا يدخل في الدور الاجتماعي لبنوك ترفع اسم الإسلام دون أن تفق شيئا عن مثل هذا الدور وكل ما تعلمه أن تدخل مضاربة وتأخذ 50 % من الربح مقابل تقديمها المال .. فعلها بهذا تكون أسوا من البنوك الربوية ..
وليس لنا ما نضيفه فالعناصر الإسلامية في الحركة النقابية ليست في حاجة إلى توصية للبعد عن بعض ما تثيره هذه المناشط من مغريات ومفاسد لأنها دخلت الحركة النقابية لتطيرها من الفساد واستهدفت تخليص النقابات من ممارسي هذه الصور من الخدمات بشعار " أبدا بنفسك "!
فخصوا أنفسهم بأطابيها ونحن نتحدث هنا من باب التذكرة كما علمنا الرسول صلي الله عليه وسلم لأن الشيطان يسري من ابن مسري الدم .

النقابة كهيئة مهنية: هذا هو الوجه الأصيل للنقابة وهو الذي يميزها عن غيرها من الهيئات ويجعلها تتصدي لحقوق الأعضاء وواجباتهم ..

أما بالنسبة للحقوق فليس هناك خلاف عليها فما أن يقع غبن على عضو فيما يتعلق بظروف عمله حتى يهرع إلى النقابة ويري حقا عليها أن تنصفه وتعيد إليه حقه المسلوب من الإدارة أو صاحب العمل وذلك مختلف الوسائل النقابة التي تبدأ بالاتصال الودي وتنتهي بالقضاء والإضراب ..

ولا جدال في أن أصل الأول لظهور النقابات في العالم أجمع كان ولا يزال الدفاع عن حقوق الأعضاء , فهذا واجب لا يمكن أن تتنصل منه النقابة وإذا تنصلت فإنها لا تصبح نقابة .

وغاية ما يحدث من خلاف فإنما يدور حول الوسائل والأساليب التي تتخذ لتطبيق هذا الواجب وهل تكون سلمية أو قضائية أو تسلك وسائل الضغط او ملاحظة اعتبارات قد تدق على العضو بحكم استغراقه في مشكلته ولكن النقابة تظل المحامي الطبيعي والشرعي للعضو ..

الجانب الحساس والذي يثير الخلاف هو ما يتعلق بواجبات المهني الذي يظهر عند تقصير المهني أو إهماله مما يؤدي إلى الإضرار بالمواطنين فقد كانت الطوائف الحرفية القديمة في أوربا والأصناف الإسلامية أيضا تري أن مما يدخل في صلاحيتها التثبيت من أداء الحرفة طبقا للأصول وأن أى تقصير من جانب العضو أمر يستوجب مؤاخذتها فكانت تحقق في أى شكوى يتقدم بها أحد المواطنين وتعالجها من منطلق العدالة والأصول ... غير متحيزة لأى من الطرفين .

ولكن النقابات العمالية الحديثة أغفلت هذا الجانب في غمرة عملها لاستخلاص العمال من قبضة الاستغلال الرأسمالي ولأن دور الأداء بالنسبة للعامل قد تقلص أمام تعاظم دور الآلة من ناحية والإدارة من ناحية أخري .

ولكن الأمر في النقابات المهنية يختلف فهي لا تواجه بنفس الاستغلال الذي نواجه النقابات العمالية فضلا عن أن الأداء فيها يكاد يقوم على المهني وأخيرا فإن سبة كبيرة من المهنيين يعملون لحساب أنفسهم فليس هناك مبرر لحمايتهم وقد يكونون في الوضع الأقوى .

ولهذا العوامل كلها فإن وضع النقابة المهنية يختلف عن وضع النقابة العمالية ..ومع هذا قد رسخ في الأذهان أن النقابة باعتبارها الهيئة التي يكونها لعمال أو المهنيون لابد وأن تكون بحكم هذه الطبيعة محامي العامل أو المهني وليس قاضية وأن المفروض عليها دائما أن تقف في صف العضو وأن تنصره لا أن تخذله ..

ينقذنا من هذا المأزق حديث نبوي شريف يقول : أنصر أخاك ظالما أو مظلوما "فلما استفهم الصحابة:كيف ننصره ظالما ؟ رد الرسول صلي الله عليه وسلم : تكفه عن الظلم "

هذا الحديث يمكن أن يكون دستورا للنقابات المهنية وتفسيرا لمعني نصرة النقابة للعضو فهي تنصره أى تكفه عن الظلم ذلك أن نصرة الظالم بهذه الطريقة تحميه من غوائل نفسه وأنه لا يمكن لأى هيئة أن تقف في جانب الظلم ولا يمكن لمحام مهما بلغت براعته أن يكسب البراءة لظلم مؤكد فهذا يخالف طبائع الأشياء وإرادة الله تعالي من نصرة الحق على الباطل .

وقد تكالبت على المجتمع المصري خطوب واكتنفته أخطاء وخضع لتطورات ومؤثرات تجعل للنقابات المهنية دورا بارزا في هذا المجال .. حتى لو لم يوجد هذا الدور في دول أخري ..

ذلك أن المجتمع المصري بحكم غلبة الروح البرجوازية عليه في العصر الحديث وتأثره بالمجتمع الأوروبي نقل القانون الأوروبي ... والقانون في حقيقته ترجمة للقيم التي يؤمن بها المجتمع والنظم الاقتصادية التي يمارسها وبتأثير هذه وتلك أصبح القانون يدعو إلى الحرية ويعمل لحماية الفرد .. أما العدالة أو الحق فقد تركا لآليات الحرية وردود الفعل ..

ولهذا نجد في القانون الأوروبي ثغرات تسمح بإفلات المتهم ولكن قلما نجد ضوابط تدين برئيا.وقد أثبتت التجربة أن آليات الحرية تعجز عن تحقيق العدالة بالكامل وبصورة تاجرة ولكن المجتمع الأوروبي فضل ذلك لأن الحرية هي أهم القيم الأوروبية ولابد أن يدفع ثمنها ..

وعندما نقلنا القانون الأوروبي أظهر التطبيق الثغرات الكبيرة التي سمحت بالمساس بالحقوق خاصة وأن القدر الممارس من الحرية التي يمكن أن نكشف الأخطاء وأطلقنا عليها آليات الحرية اقل في المجتمع المصري من القدر المتاح في المجتمع الأوروبي ولهذا تعرضت حقوق كثيرة للانتقاص دون أن يمكن للقانون الانتصاف خاصة إذا تعلق الأمر بحق للمواطنين تجاه المهنيين من أطباء أو مهندسين أو محامين ... الخ

هنا يظهر الدور البارز للنقابات المهنية الذي يمكن أن تؤديه لخدمة قضية العدالة في العلاقات ما بين المهنيين والمواطنين بطرقها الخاصة التي تبرأ من به قصور المعالجات القضائية .

ولكن هذه المعالجة لقضية الشكاوي وما بين المواطنين والمهنيين يمكن أن تكون اشد المعالجات تحيزا للمهنيين وبعدا عن إنصاف المواطنين لو صدرت من المنطلق المهني لأن النقابة هي هيئة المهنيين فإذا كانت هي التي ستفصل فيما يقترفه المهنيون من أخطاء أو قصور فستكون في حقيقة الحال الخصم والحكم وما يعصمها عن الحكم المتحيز هو أن تتضمن محكمتها عناصر محايدة لها صفة قضائية وأن تؤمن تماما الإيمان بأن نصرته للمهني في هذه الحالة يجب أن يأخذ المعني الذي نص عليه الحديث ألا وهو كفه عن الظلم .. وليس مجاراته أو التستر عليه أو حمايته ..

وهذه هي أهمية " العدل الإسلامي " الذي يجب أن يطبق على الجميع بلا استثناء .. فلا يجرفنا شنآن أو محبة أو علاقة أسرية .. الخ عن العدالة .

(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوي ) المائدة 8

(كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) النساء 135

وفي الملف الذي قدمناه عن " تدهور الأداء المهني " في الخدمة الطبية ما يصور مدي الاستهتار والقصور والنقص والحاجة الملحة إلى المعالجة الحاسمة وما يحدث في المهنة الطبية يحدث في بقية المهن .

وكما ذكرنا فإننا إنما ضربنا بها المثل فحسب فلكل مهنة " ملف " سمين من المخالفات .وهذه الحقيقة تملي على النقابات المهنية أن تعمل بقوة وحزم في هذا المجال لتطهير المهنية ممن يسيئون إليها ويحيفون على الناس..

ومن الخير بالطبع أن يكون علاجها وقائيا بتدعيم الضمير المهني وتخليص المهنيين من كثير من المشاكل التي قد تدفع بعضهم للانحراف أو على الأقل توهن من مناعتهم أمام الإغراء .

ولكن سيوجد مع هذا من يسيئون وهؤلاء يجب على النقابات أن تقف منهم موقفا حازما بحيث يكون قسم التحقيق والتأديب مستعدا لمجابهة كل مخالفة بقوة وحسم تصل عند المخالفات الجسيمة إلى حرمان من ممارسة المهنة فضلا عما يمكن أن تحكم به المحاكم المختصة من عقوبات جنائية أو تعويضات مدنية ..ويمكن في هذا السبيل أن تؤسس محاكم تضم عناصر قضائية ونقابية يمثل أمامها المتهم .

وخلال عام 85 حمل الكاتب الصحفي الأستاذ إبراهيم سعدة حملة شعواء على تراخي النقابات المهنية في معاقبة المنحرفين من أعضائها تحت عنوان " سؤال إلى السادة النقباء وكان أول وأبرز رد على هذه الحملة هو رد الدكتور حمدي السيد " نقيب الأطباء سابقا " ونشره إبراهيم سعده في العدد الصادر في 13 / 4 / 85 من أخبار اليوم تحت عنوان " رسالة من حمدي السيد" وجاء في هذه الرسالة .

إبراهيم سعده

ما كتبته في عدد " أخبا اليوم " الصادر في 6/ 4 / 1985 تحت عنوان " سؤال إلى السادة النقباء " والذي تناولت فيه مظاهر الانحراف التي يمارسها بعض المهنيين بينما تقف نقاباتهم عاجزة ومتفرجة هو حق:

أن النقابات يخضع أفرادها أثناء ممارستهم المهنية للقانون العام ولكن هناك مستوي مهنيا في تحرص كل مهنة على تحقيقه بين أفرادها يخضع لما يسمي " بلوائح آداب المهنة" التي تتعرض للقيم الأخلاقية والإنسانية والعملية التي تحرص كل مهنة على تحقيقها بين أفرادها حماية لكرامة المهنة ومستوي أدائها وفي نفس الوقت حماية للمواطنين صحتهم وعرضهم وشرفهم ومصالحهم المشروعة .
أن القانون الحالي للنقابات المهنية ترك للنقابات الفرعية القيام بالتحقيق في المخالفات المهنية ثم ترك للنقابة العامة سلطة الإحالة إلى مجلس التأديب التي يرأسها في العادة وكيل النقابة واعتقد أن هذه القوانين قد حرصت على حماية أفرادها وغاب عنها أن المتضرر الأساسي من سوء الممارسة هو المواطن ومن غير المعقول أن ينتخب أعضاء مجالس النقابات اليوم ثم يطلب منهم تأديب من انتخبوهم غدا ومن غير المعقول أن يكون المواطن هو المستهدف بالحماية ولا يشارك ممثلون له في إجراءات التأديب .
ولقد وضح من التحقيق الصحفي الذي نشر في " أخبار اليوم" والذي تبين منه أن مجلس التأديب في نقابة المحامين لم ينعقد سوي مرتين فقط خلال ثلاثين عاما وفي نقابة الأطباء لم ينعقد مجلس التأديب خلال الخمسة عشر عاما الماضية سوي ثلاث مرات فقط؛
واعتقد أن مجالس التأديب في باق النقابات لم تنعقد مرة واحدة وكأن مجتمع الأطباء والمحامين والصحفيين وغيرهم هو مجتمع من الملائكة ولا يحدث تحت سمعنا وبصرنا العديد من مظاهر الانحراف وسوء الممارسة مما أفاض الأستاذ إبراهيم سعده في ذكر بعض ملامحه؛
وفي رأيي أن نقابات الأطباء المحامين والصحفيين التي يتعلق عمل أفرداها بصحة وأعراض وأسرار المواطنين والذي يكون للانحراف في أداء مهنتهم أثر مدمر على مصالح المواطن لا يكفي الإحالة إلى مجلس التأديب تحت السيطرة الكاملة للنقابات المهنية بل يجب أن يكون للمجتمع دور في ذلك باعتبار المجتمع هو المتضرر الأساسي من سوء الممارسة؛
واقترح أن يشكل لهذه النقابات مجالس قومية لمراقبة أداء المهنة ويرأس الجمهورية وتكون فترة رئاسته أربع سنوات ويضم هذا المجلس عدد من كبار الشخصيات بصفتهم المهنية ترشحهم النقابة وعددا آخر يمثلون شخصيات عامة من بينهم شخصيات قضائية ويصدر بهم جميعا قرار من رئيس الجمهورية؛
ويختص هذا المجلس في تصوري بمراقبة الأداء ويدخل في ذلك مستوي التعليم والتدريب كما يقوم بتشكيل لجنة تحقيق مركزية لتحقيق في مخالفات آداب المهنة فهو الذي يقوم بالإحالة إلى مجلس التأديب وأؤكد لسيادتكم أن مجرد وجود هذا المجلس سيكون رادعا لمن تسول له نفسه المريضة بالانحراف؛
أرجو من الأستاذ إبراهيم سعده أن يستمر في متابعة هذا الموضوع حتى يمكن أن تستعيد النقابات دورها المشرف واحترامها في عين المجتمع وان تتخلص من البقع السوداء التي تسيئ إليها حماية للمهنة , وحماية للشرفاء من المهنيين وحماية أيضا للمواطنين .
لقد كان الدكتور حمدي السيد موفقا عندما اقترح اختيار شخصية كبيرة ومرموقة ومن نفس المهنة لترأس المجلس المقترح فوجود هذه الشخصية – التي تختارها النقابة وتحظي باحترام وتقدير .
من حقنا أن نطالب الدكتور حمدي السيد وقد عاد نقيبا للأطباء تسانده مجموعة من الأطباء الإسلاميين الذين يفترض فيهم الطهارة والإخلاص وأن لا يخشوا في الحق لومة لائم أن يحقق اليوم ما طالب به هو نفسه عام 85 حتى لا يقال إنه كان يطالب عندما لم يكن نقيبا بما لا يطالب به عندما أصبح نقيبا وفي موضع قوة بحكم مؤازرة الإسلاميين له ..

(ج) النقابة كهيئة قومية:

في النهاية نجد النقابة وقد أصبحت هيئة قومية عليها واجبات نحو مجتمعها فالنقابة بعد كل شئ شريحة من مجتمعها والمهنيون إخوة لغيرهم من المواطنين وهم لا يعملون في جزيرة منعزلة ولكن في وطن واحد .
ولعل أول واجب قومي يكون على النقابة أن تقوم به هو أن يكون لها صوت في وضع سياسة المهنة وقضاياها الكبرى ودروها في المجتمع .
ولا يتصور أن تتخلي النقابة عن هذا الدور كما لا يتصور أن تتجاهل أجهزة الدولة دور النقابة فيه بحيث إذا تراخت النقابة أو تثابطت فإن هذه الأجهزة تطالبها به لأن من المسلم به أن النقابة هي أكثر الهيئات إدراكا لكل ما يتعلق بالمهنة وبالتالي أقدرها على تشخيص عللها ووضع العلاج الناجح لها وصياغة سياستها العامة وهي تعلم " الضرورات " التي تحكم المهنيين وتؤثر على عطائهم ..
كما أن من الخير أن تلم النقابة بالوقائع التي تحد من تجاوب السلطات أو تمسك يدها فاللقاء بين الأجهزة القومية والنقابة يجلي الصورة ويكشف أبعادها التي يدق على كل واحد منهما على حده الإلمام بها وإذا اتصف الفريقان بحسن التقدير وحيدة الحكم ومراعاة المصلحة فسيصلان إلى أفضل تسوية ممكنة
وعلى سبيل المثال:فإن الحكومة عندما تقرر في سياستها الصناعية إدخال صناعة السيارات في مصر فيفترض أن تأخذ رأي نقابة المهندسين ونقابة عمال الصناعات الهندسية فيم تكون عليه سياسة هذه الصناعة وقد تقترح نقابة المهندسين نمطا معينا من الموديلات العالمية يحقق مزايا اقتصادية عديدة مثل فولكن واجن أو فيأت وقد تقترح نقابة عمال الصناعات الهندسية صناعة " أتوبيسات كبيرة وليست سيارات صغيرة لأن الأزمة الحقيقية أزمة مواصلات لا يمكن أن تحل بزيادة السيارات الخاصة التي قد تؤدي زيادتها إلى أزمة المرور .. الخ..
وعند جلوس ممثلي المهنية وممثلي النقابة العمالية وممثلي الحكومة فإن كل أبعاد الصورة ستظهر ويظهر معها إمكانية الأخذ بفكرة صنع أتوبيسات بالدرجة الأولي ثم يأتي دور نقابة المهندسين في وضع أفضل التصميمات وقد يقترح بعض المهندسين باب خاصا للسيدات ومقاعد تصميم بشكل خاص لهم .. الخ

وهو أمر لا يلحظه الأوروبيون أو الدول التي ليس بها أزمة مواصلات ولا زحام في المواصلات وهذه اللفتة الأخيرة توضح أن أى قضية عامة لا تكون مجرد قضية " فنية بل تكون لها جوانب أخري يغفل عنها الفنيون ومن الخير الإلمام بها قبل الشروع في التنفيذ ومراعاتها في التخطيط .

ولنا أن نتصور ما كان يمكن أن نصل إليه من وفر ومن حل لمشكلة المواصلات وعدم تفاقم أزمة المرور لو جعلنا محور صناعة السيارات عندما أقمنا مصنع " نصر في السبعينات هو " الأتوبيسات " وليس العربات الصغيرة ..

وفي كل المشروعات الكبرى والقوانين التي تمس عن قرب أو بعد المنهيين لابد أن تطلب الجهات المتخصصة رأي النقابات ولابد أن تجلس مع النقابيين وتتبادل معهم وجهات النظر وهناك قرار جمهوري يجعل رؤساء النقابات العامة المهنية والعمالية مستشارين لرئيس الجمهورية بحكم مناصبهم النقابية مع احتفاظهم بمناصبهم الأصلية وأغلب الظن أن معظم رؤساء النقابات لا يعلمون القرار أو أنهم لا يفكرون أن له دلالة من أى نوع ! في حين أنه إقرار رسمي بصفتهم القومية يمكنهم تحريكه الاستناد عليه في أى وقت .

وقد تقوم بعض النقابات بدور دولي كالذي قامت به نقابة الأطباء في أفغانستان والصومال والبوسنة والهرسك فهذا دور جدي بالتقدير والاحترام خاصة بعد موقف الحكومات العربية السلبي الذي يثير الاشمئزاز ..وقد تثور هنا قضية الانتماءات الدولية

وكما هو معروف فهناك عدد كبير من الاتحادات المهنية الدولية التي تقتصر العضوية فيها على النقابات التي تمارس مهنة واحدة كما أن هناك عددا كبيرا من الاتحادات الدولية التي تنضم إليها الاتحادات العمالية الدولية .. وأحد هذه الاتحادات هو الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل وهو الذي نعتقد أنه اقرب الاتحادات الدولية إلى نقاباتنا المهنية ..