تاريخ الإخوان المسلمين في مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

تاريــــخ الإخـــوان المسلمين في مصـر

مؤسسة أبحاث الحركات الأصولية - سويسرا

نمو مبكر

في عام 1928، قام ستة من العمال المصريين العاملين في معسكرات الإنجليز في الإسماعيلية في منطقة قنال السويس بزيارة لحسن البنا، وهو مدرس شاب، كانوا قد استمعوا لمواعظه في المساجد والمقاهي، التي تتركز في الحاجة لتجديد الإسلام. وقالوا إن العرب والمسلمين ليس لهم حيثية ولا كرامة. فهم ليسوا أكثر من مجرد مأجورين أو مرتزقة يتبعون الأجانب، ونحن لسنا لدينا القدرة على إقناع الشارع بما ينبغي عمله مثلما تستطيع أنت، وطلبوا منه بناء على ذلك أن يتقابل مع المسئولين منهم، فوافق وتأسست آنذاك جماعة الإخوان المسلمين.

بدأ البنا وأتباعه بفتح مدارس ليلية، وكان المجتمع في ذاك الوقت مركزًا على التعليم الإسلامي مع التأكيد على تعليم الطلاب كيف يسخرون سلوكياتهم من التكافل والإيثار في حياتهم اليومية، وليس في القضايا النظرية... وكان المفتش العام للتعليم متأثرًا جدًا بذلك، وخاصة بالأحاديث البليغة لأعضاء طبقة العاملين من الإخوان المسلمين، وكان نائب البنا يعمل نجارًا، وأصبح وضع الأفراد من الطبقة الدنيا في مراكز قيادية إحدى سمات الإخوان.

كان أول مشروع اجتماعي كبير هو إنشاء المسجد الذي اكتمل عام 1931، ومن أجله نجحت الجماعة في جمع قدر كبير من المال، مع الحرص على الاحتفاظ باستقلالها عن المانحين المحتمل تطلعهم لجني فائدة من وراء تبرعهم.

في نفس العام بدأت الجماعة تحظى بانتباه الصحافة وأنشأت فروعًا لها في القاهرة. في عام 1932، انتقل البنا إلى القاهرة بناء على طلبه، وانتقل مركز إدارة الجماعة إلى القاهرة معه، وبالإضافة إلى معالجة إدارة المجتمع، كان البنا يلقي محاضرات مسائية في القرآن الكريم للفقراء في الأحياء المحبطة بالمراكز، وكان رواد هذه الدروس من غير الراغبين في التعليم. عبر العقد التالي، نمت الجماعة بسرعة، من ثلاث فروع عام 1931 أصبح لها 300 فرع في مصر عام 1938، وذلك يرجع إلى الفكر غير المتطرف الذي كان له قبول لدى الجماهير. ونظرًا لتمتع الجماعة بسياسات تؤثر في جذب أعضاء جُدُد، أصبحت أكبر مجموعة معارضة سياسية ينتمي إليها أعضاء من شتى الفئات.


إبداعات فكرية

شكَّلت جماعة الإخوان مجتمعًا إسلاميًا صالحًا عاديًا، وفي أوائل الثلاثينات، تضمنت أنشطتها الخيرية العمل الاجتماعي على نطاق صغير بين الفقراء، من بناء وإصلاح المساجد، وإنشاء عدد من مدارس القرآن (كان دور هذه المدارس تعليم الأطفال القراءة والكتابة في بلد يشكل 80% من سكانه الأميين). وكذلك فتح الورش والمصانع، وتنظيم جمع وتوزيع الزكاة. ومع نمو الجماعة، أنشأت عددًا كبيرًا من المؤسسات الخيرية مثل الصيدليات، والمستشفيات، والعيادات لعموم الشعب، وبدأت برنامجًا لتعليم الكبار القراءة والكتابة بتقديم مقررات لذلك في المقاهي والأندية.

على أي حال، كانت رؤية البنا عن نوع جديد من التنظيم قادرة على تجديد الوصلات المكسورة بين التقليد والعصرنة، مما مكَّن الإخوان من الحصول على درجة من الشعبية والنفوذ، لم يتمتع بها أي مجتمع خيري آخر، كما لاحظ البنا أنه في غمرة ازدهار المجتمع المدني المصري، والبيئة الثقافية المتميزة بالإبداعات في الأدب والعلوم والتعليم، تخلَّف التعليم الديني: حيث إن أفكار الإصلاحيين الدينيين الإسلاميين لم تكن قابلة للدخول لجمهور الشعب، ولم يكن هناك جهد جاد لجعل تاريخ الإسلام وتعاليمه مفهومة للشباب، وكان البنا مصرًا على ملء ذلك الفراغ بتدريب مجموعة من الشباب ليكونوا وعاظًا متحمسين مجهزين بطرق التعليم الحديثة، وتكون مستقلة عن الحكومة، والمؤسسة الدينية، ومدعومة بالاستفادة المؤثرة من وسائل الإعلام الجديد.

انعقد المؤتمر العام الثاني للإخوان عام 1933، والذي أوصى بإنشاء شركة للنشر، وشراء آلة طباعة، استخدمت لطباعة العديد من الصحف خلال العقد التالي، وكانت الأموال تجمع لشراء أسهم لإنشاء شركة مساهمة مسموح لأعضاء الجماعة فقط بشراء الأسهم فيها.

هذا المدخل الذي صان استقلال الجماعة عن الحكومة وعن الأثرياء وبتأكيد أن مؤسسات الجماعة مملوكة لأعضائها، ومنها كانت تموَّل المشاريع الجديدة.

خلال الثلاثينات، استطاع البنا أن يصوغ فكرا إسلاميا بدأت الجماعة في تطبيقه، وكان هذا الفكر غير عادي في كثير من جوانبه، فقد كان يلبي احتياجات الطبقات المحرومة، في بلد فيه معظم الحركات السياسية، بما في ذلك الليبرالية، والعصرانية، كانوا نتاج الإقطاعيين، والصفوة من سكان المدن، وأصبح الإخوان يمثلون صوت الطبقات الوسطى المتعلمة، والأقل من الوسطى (وإلى حد ما صوتًا للعمال والفلاحين). وكان ذلك مبررًا لطلب المشاركة السياسية.

وعلى مدار العقد، ركزت الجماعة على العدالة الاجتماعية، لردم الفجوة بين الطبقات (وبذلك يحيون المساواة التي كانت بين المسلمين الأوائل) وأصبح ذلك واحدًا من أهدافها الرئيسية، وكان البنا يتحدث بانتقاد كبير للطبقات العليا، والنظام الطبقي ككل.

الإسلام يسوي بين جميع الناس، ولا يفضل أحد على أحد على أساس الدم أو الجنس، أو أجداده أو سلالته، فقير أو غني، وطبقًا للإسلام، فالناس متساوون في الاحتياجات، والهبات الطبيعية، والمتعلم فوق الجاهل وهكذا فنحن نرى أن الإسلام لا يقر النظام الطبقي.

مع وجود هذا الفكر في العقدين التاليين، وفي غياب حزب اشتراكي قوي، فقد طالب الإخوان بتأميم الصناعات، وتدخل الدولة الرئيسي في الاقتصاد، وتخفيض الحد الأعلى من أجور كبار الموظفين المدنيين، واستصدار قوانين لحماية العمال ضد الاستقلال، ونظام بنكي إسلامي يوفر قروضًا بدون فوائد، وبرامج رفاهية اجتماعية سخية، تشمل تأمينات ضد البطالة، وإسكان شعبي، وبرامج صحية وتعليمية طموحة، تمولها الضرائب العالية على الأثرياء، وبحلول عام 1948، كان الإخوان يؤيدون قانون الإصلاح الزراعي ليمكنوا صغار المزارعين من تملك الأرض.

ثانيًا: كانت أفكار البنا محاولة لإحداث تجديد اجتماعي من خلال تفسير جديد للقرآن، ومن وجهة نظره، كانت مصر ممزقة بين نظامين للقيم الفاسشتية: من جهة تراث ديني نظري ممثلاً في الأزهر، الذي يراه البنا أنه ينطوي على مفارقة تاريخية ولا علاقة له بالدين، وغير مناسب للزمان ولا علاقة له بالمشاكل الملحة التي يواجهها الشعب العادي، ومن جهة أخرى، فيه هجر لكل القيم مع اقتصاد مطلق للجميع مما أفقر الجماهير ومكن الاستثمارات الأجنبية من السيطرة على الاقتصاد، وناقش البنا أن الإسلام يجب ألا يكون محدودًا بالمجال الضيق للحياة الخاصة، ولكن يجب أن يطبق على مشاكل العالم الحديث، ويُستخدم كمؤسسة أخلاقية للنهضة الوطنية، إصلاح كامل للأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أصبح الإخوان يوصفون أحيانًا وبشكل غير صحيح أنهم يرفضون كل شيء غربي، إلا أنه في الواقع لم يتردد البنا في مدح الفكر الغربي وكذلك الفكر الإسلامي، في ممارسة هذا المدخل الحديث للإسلام، مستخدمًا اقتباسات من مؤلفين مثل رينيه ديكارت، وإسحق نيوتن، وهربرت سبنسر، ليدعم مناقشاته الخاصة، واقترح أن يرسل صحفيين من الإخوان ليدرسوا الصحافة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، واقترح ذهاب مجموعة أخرى إلى مدرسة الخدمة الاجتماعية، وهي مدرسة غربية أخرى برنامجها العلمي والعملي سوف يسهل كثيرًا تدريب الإخوان على الأعمال الاجتماعية الخيرية. وكان يفضل تعليم اللغات الأجنبية في المدارس ويقول: "نحن في حاجة للشرب من ينابيع الثقافة الأجنبية لنستخلص ما هو ضروري لنهضتنا" وكان تشكيله لمفهوم الوطنية الذي كان أساسيًا ليقدم الإخوان للشباب، أن جمع المفاهيم السياسية الأوربية الحديثة مع المفاهيم الإسلامية، في نفس الوقت، شجب الإخوان ما رأوه من تقديس كل شيء غربي، وفقدانهم للاحترام لثقافتهم الخاصة وتاريخهم الخاص.

مفهوم البنا عن الوطنية كان إسلاميًا بالتأكيد وكان هدفه البعيد أن يرى البشرية جمعاء موحدة بالقيدة الإسلامية، ومع ذلك، لم يكن لدى المجتمع تعريف واضح لنوع النظام السياسي الذي كانت ترغبه الجماعة.

فكرة إحياء الخلافة الإسلامية (التي ألغاها كمال أتاتورك عام 1924) كانت تذكر أحيانًا في منشورات الإخوان، ولكن البنا لم يكن يفضلها، وناقشت بعض الانتقادات أن طموحات الجماعة ارتفعت إلى نوع من الفاشية، ولكن البنا رفض بوضوح العسكرية القمعية التي ظهرت في ألمانيا وإيطاليا في الثلاثينات، وكذلك كل القوميات العلمانية (سواء كانت عربية أم أوربية) وأوان التفرقة العنصرية باعتبارها غير ملائمة ولا تتفق مع الدين الإسلامي.

وكانت النتيجة العملية الرئيسية المترتبة على القومية الإسلامية للإخوان، حملة حية ضد الاحتلال في مصر والدول الإسلامية الأخرى، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية لشعبية الجماعة.

كان مصطلح الجهاد مفهومًا رئيسيًا في مفردات الإخوان: فهو يشير ليس فقط إلى الصراع المسلح لتحرير الأراضي المسلمة من الاحتلال الاستعماري، ولكن أيضًا يشير إلى المجهود الداخلي الذي يحتاجه المسلمون لتحرير أنفسهم من عقدة الدونية المتأصلة ومن الجبرية والاستسلام لظروفهم، وقد شملت الشجاعة في المعارضة المعبر عنها في مبدأ "الجهاد الأكبر هو كلمة حق عند سلطان جائر". (رواه أبو سعيد الخدري) وكذلك أي نشاط إنتاجي يباشره المسلمون في مبادرتهم لإثبات حسن نية المجتمع المسلم. للمحافظة على دعوته للوحدة بين المسلمين، دعا البنا إلى التسامح وإلى العمل الصالح بين الأشكال المختلفة للإسلام، رغم أن الإخوان رفضوا فساد بعض الأوضاع الصوفية وتعظيمهم المبالغ فيه لقياداتهم، إلا أنه في كيان الجماعة نوعًا من الممارسة الصوفية المعدلة، وبذلك حاولت الجماعة عبور الفجوة بين الحركة السلفية والصوفية، وفي الأربعينات حاولت الجماعة التقريب بين الإسلام السني والإسلام الشيعي.

وقد أكدت الجماعة على أعضائها ألا يحاولوا فرض رؤيتهم عن الإسلام على الآخرين، وقرر قانونهم العام لعام 1934، أن تصرفاتهم يجب أن تعكس دائمًا الود واللطف وأن عليهم تجنب الخلاف، والفظاظة في الأقوال والتلميحات، وكان الأعضاء الذين ينتهكون هذه المبادئ يفصلون من الجماعة (مثل الضغط على النساء غير المحجبات أن يتحجبن).

لقد قدم انفتاح الإخوان على تنوع من الاعتقاد والممارسة الإسلامية، قدموا جزءًا من جاذبيتهم للشباب، وقد حزن البنا على الانهماك الصارم لبعض الجمعيات السلفية في نقاط صغيرة من التعاليم الدينية، وشعر أنه يجب الترحيب بالصوفية والممارسات التقليدية الأخرى، وأنه على الإخوان التركيز على القضايا السياسية والاجتماعية الرئيسية، بدلاً من التركيز على الشكليات.

تنظيم سياسي

بدأ الإخوان في أوائل الثلاثينات برنامج الجوالة، وفيه كان الشباب يتدربون على أسلوب الحياة الرياضي الزاهد، والقيام بالأعمال الخيرية، وتبادل الزيارات بين فروع الإخوان لتوطيد الروابط بينهم، وأصبح برنامج الجوالة الذين جذب زيهم وشعاراتهم وأناشيدهم، استحوذ على قدر كبير من الانتباه، وأصبحوا من أهم الوسائل في تجنيد أعضاء جُدُد، ورأى فيهم البنا أنه أسلوب جيد يقدم الشباب تدريجيًا إلى التدين.

في عامي 1930-1932 تحمل الإخوان مآزق داخلية، فقد تحدى كثير من الأعضاء سيطرة البنا على خزينة الجماعة، وكذلك إصراره على أن يكون له نائب من طبقة اجتماعية منخفضة حيث كان النائب يعمل نجارًا، وكان المرشح ليكون نائبًا، مدعومًا بشكل ساحق في الجمعية العامة للتنظيم، ومستعدا لسداد ديون الجماعة الكبيرة مما عزز موقفه، ولكن الأزمة استمرت حتى هدد بفصل معارضيه من الإخوان، وعندئذ استقالوا.

وبينما كانت بعض شكواهم منه مبررة، إلا أن الأزمة عكست مزيدًا من عدم الموافقة على مفهومه من رسالة الإخوان وشعر الانفصاليون أن الجماعة يجب أن تكون جمعية خيرية إسلامية تقليدية، يمكن أن يساندها ذوو المراكز، ويجب بناء على ذلك فتح حسابات لها، وأن يكون لها قادة من ذوي الشأن اجتماعيًا.

على أثر هذه الأزمة، بحث البنا في تصفية قواعد القيادة في الجماعة، مؤكدًا على أن الصفات الأخلاقية والتضحيات الشخصية، أكثر أهمية من الألقاب والوضع الاجتماعي، والمؤهلات الرسمية، وفي صياغة قانون الجمعية العام عام 1934، زاد من سلطاته الشخصية على الإخوان، مؤكدًا أن السلطة داخل التنظيم يمكن أن تكون على أساس الثقة الكاملة في القيادة، رافضًا الدعوات للشورى المتزايدة، معبرًا عن شك عميق تجاه الانتخابات، التي شعر أنها أظهرت فشلاتهم خلال أزمات 1930-1932، كما أسس لجان تسوية للمساعدة في نزع فتيل الأزمات عند ظهورها.

بدأ البنا في وضع مزيد من التأكيد على مسئوليات الجماعة السياسية فيما يتعلق بمختلف القضايا مثل الزنا، وشرب الخمر، والقمار، والتعليم الديني غير الكافي في المدارس، ونفوذ البعثات المسيحية، والأكثر أهمية الصراع ضد الاستعمار.

وفي استجابة لانتقادات من اتهموا الإخوان بكونهم جماعة سياسية، أجاب البنا بأن الانشغال بالسياسة كان جزءًا من الإسلام، فالإسلام لديه سياسة احتضان لهذا العالم.

كل ذلك، بينما استمرت الجمعيات الإسلامية الأخرى، ليس لها أي اهتمام بالسياسة خلال الفورانات التي ميزت العشرينات والثلاثينات في مصر. واجتذبت الجماعة أعدادًا ضخمة من الشباب المثقفين المصريين خاصة الطلاب بتشجيعهم ودعمهم في التظاهر من أجل القضايا السياسية.

تضمن أول هجوم نشط من الإخوان في السياسة، ما يتعلق بالصراع العربي في فلسطين بين الصهيونية، والقومية العربية، والحكم البريطاني، ومثل جمعيات مصرية أخرى، جمعت الجماعة أموالاً لدعم العاملين الفلسطينيين للإضراب في انتفاضتهم الفلسطينية عام 1936-1939، ونظموا مظاهرات وخطبا لصالحهم. كما دعت الجماعة أيضًا إلى مقاطعة محلات اليهود في القاهرة، على أرضية أن اليهود كانوا يمولون الجماعات الصهيونية في فلسطين وظهرت في صحف الإخوان مقالات عدوانية ضد اليهود (وليس مجرد ضد الصهاينة، إلا أنه في مقالات أخرى أيدت التمييز بين اليهود والصهاينة).

طوَّر الإخوان في منتصف الثلاثينات بناءً هرميًا رسميًا، على رأسه المرشد العام (البنا)، ويساعده مكتب إرشاد ومساعد ونائب، وكانت الفروع المحلية منظمة إلى مناطق، وكان لإدارتها قدر كبير من الاستقلال، وكان للعضوية طبقات عديدة، بمسئوليات متزايدة، فهناك المساعد، والزميل، والعامل، والناشط، وكانت رسوم العضوية تعتمد على إمكانيات كل فرد، وكان الأعضاء الفقراء معفيين من الرسوم، وكانت الترقية في السلم الهرمي تعتمد إلى إنجاز الواجبات الإسلامية، وعلى المعرفة المحصلة من المجموعات الدراسية للجماعة، هذا النظام القائم على الجدارة كان فيه مغادرة جذرية للهرمية القائمة على الوضع الاجتماعي التي ميزت المجتمع المصري في ذاك الوقت.

في عام 1938، استنتج البنا أن كبار الموظفين المحليين حققوا مزيدًا من النفوذ في الجماعة، وأنه كان هناك أعضاء كثير جدًا لديهم ألقاب فارغة، ولديهم واجبات عملية قليلة، وكل هذه المشاكل، أدخل تعديلات تنظيمية رئيسية في السنوات القليلة التالية، ومنذ ذلك الحين، كانت اللجان التنفيذية للفروع يتم اختيارها بواسطة مكتب الإرشاد العام بدلاً من انتخابهم، وفي عام 1941، استُبدلت الجمعية العامة المنتخبة بهيئة معينة أصغر تسمى الجمعية الاستشارية، وبقي بناء الجماعة غير مركزي ولذلك استمرت الفروع في العمل في حال اعتقال أعضاء قياديين.

رغم تشكك البنا فيما يتعلق بالانتخابات، والظاهر في دور المنتخبين المنخفض في الإخوان، طالب بنوع من الديمقراطية عندما وضع وجهة نظره في المبادئ التي تحدد الإسلام السياسي عام 1938.

عندما ينظر المرء إلى المبادئ التي ترشد النظام الدستوري للحكومة، يجد أن هذه المبادئ تهدف إلى حفظ حرية المواطنين في شتى أشكالها، لجعل الحكام مسئولين عن تصرفاتهم أمام الشعب، وأخيرًا، لتحديد أي امتيازات لأي شخص موثوق به. ولكي أكون واضحًا فإن هذه المبادئ الرئيسية تتسق تمامًا مع تعاليم الإسلام فيما يتعلق بنظام الحكم، ولهذا السبب يعتبر الإخوان المسلمين أن من بين جميع الأنظمة الموجودة للحكومة، فإن النظام الدستوري هو أفضل صيغة توافق الإسلام والمسلمين. هذا النظام ينبغي أن يتضمن انتخابات، ولكن ليس أحزابًا سياسية، فقد رفض البنا سياسة الأحزاب، مشيرًا إلى أن الأحزاب السياسية المصرية في ذاك الوقت كانت مغلقة عن الكل ما عدا الصفوة، وأصبحت أدوات للحكم البريطاني الاستعماري.

الحرب العالمية الثانية

في أواخر الثلاثينات، مع استمرار تأكيد الإخوان على التصرفات بدلاً من الأقوال، دفع بعض الأعضاء التنظيم لتشكيل جناح عسكري للقيام بالكفاح المسلح ضد الحكم الإنجليزي الاستعماري، ورفض البعض طاعة قيادة الإخوان المسلمين، والمساهمة في صدامات منعزلة مع البوليس، وشعر المرشد العام للإخوان حسن البنا، شعر أن التنظيم ليس مستعدًا للتورط في حملات عسكرية، وأن أولئك الذين رغبوا في فعل ذلك إنما سلكوا الطريق الخطأ وفقدوا الهدف. ووضع خطة بعيدة المدى، أكثر حذرًا لتكوين مجموعات من الأعضاء يسمون الكتيبة تلقوا تدريبًا روحيًا وبدنيًا صارمًا، وبمجرد أن أصبح هؤلاء الأعضاء كافين، شعر البنا أنه يجب إعداد الكتيبة للانخراط في شئون الحرب، وذلك ينبغي ألا يشمل الإرهاب أو تصرفًا ثوريًا الذي رفضه البنا تمامًا (وفقط كملجأ أخير إذا فشلت جميع الوسائل السلمية)، أعلن بوضوح الحرب على الاحتلال، ومع ذلك، فقد فشل نظام الكتائب في تطوير النمط الذي تمناه البنا، وازداد الصراع المسلح ضد الانجليز، وفي عام 1939، تطورت الأزمة الداخلية في التنظيم إلى أزمة كبيرة، ترك خلالها معظم الكوادر الأكثر نشاطًا تركوا الجماعة ليكونوا منظمة ثورية تسمى شباب محمد. وفي العام التالي، ونتيجة لهذا الصراع، كون التنظيم جناحًا عسكريًا يسمى الجهاز السري، الذي استمر غير نشط خلال سنوات الحرب.

كان رأي الجماعة أن تمتنع مصر عن المشاركة في الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1940، ومن أجل تأكيد تدعيم مصر لجهود الحرب، والتي بدأت بإرسال جنود للحلفاء، بدلت بريطانيا الحكومة المصرية بحكومة أخرى يكون تعاونها أكيدًا. وفرض الحكم العسكري، وفي عام 1941، تم اعتقال بعض الشخصيات العامة اعتبرتهم بريطانيا هدامين، وسُجن حسن البنا مرتين (وكان يطلق سراحه بعد أسابيع)، وصودرت صحافة الإخوان، وحظرت اجتماعات الجماعة، ومنع أي إشارة لها في الصحافة.

كانت قيادة الإخوان حريصة على تجنب المواجهات التي يمكن أن تعطي الحكومة ذريعة لقمع الجماعة كليًا، وأثناء سنوات الحرب تغيرت الجماعة لتتجنب القضايا الحساسة حماية لكيانها، وركزت الجماعة على الحفاظ على/وتوسعة قاعدة أعضائها، وتوسعة برامجها الاجتماعية الخيرية، التي تضمنت المساعدة الإنسانية لضحايا حزب الحلفاء للمدن المصرية، وفي عام 1943، بدلت الجماعة نظام الكتائب بشكل من تنظيم داخلي يسمى "الأسر" وهو نسيج مغلق من خمسة أعضاء لكل أسرة يلتقون بشكل منتظم في منازلهم، وفرضوا مسئوليات لخير الجميع.

ساهم العجز والتفجيرات في خلق وضع سياسي، وبعد مظاهرات ضخمة من الطلبة في فبراير 1942، استقالت الحكومة وحاصرت القوات الإنجليزية قصر الملك، وأجبرته على قبول حكومة يرأسها حزب الوفد (مما دمر مصداقية حزب الوفد في عيون المصريين) واستمر الوفد مواليًا كلية للإنجليز أثناء الحرب، كما فعلت ذلك حكومة السعديين التي تبعته في فبراير عام1945.

كان أول تصرف لحكومة الوفد التي نصبها الإنجليز عام 1942 هو حل البرلمان، والدعوة إلى الانتخابات، وعندما أعلن البنا ترشحه، ضغط عليه النحاس باشا لينسحب، ووافق ولكن في المقابل حصل على وعد من رئيس الوزراء بأن تستأنف الإخوان أنشطتها المعتادة، وأن تأخذ الحكومة موقفًا لمنع الزنا، وبيع المشروبات الكحولية، وبعد ذلك بقليل جعلت الحكومة الزنا غير قانوني، وقيدت بيع المشروبات الكحولية، خاصة في العطلات الدينية، وسُمح للإخوان بمتابعة بعض أنشطتهم، ولكن على مدى السنوات العديدة التالية تراوحت الحكومة بين القمع والمصاحبة تجاه الجماعة. خلال الأربعينات أخذت العضوية في الجماعة تتزايد، وبحلول عام 1948، كان للجماعة ألفي (2000) فرع، ويعتقد أن أعضاءها قد وصلوا إلى أكثر من مليون عضو.


الوطنية بعد الحرب

في الانتخابات عام 1945، هُزم الإخوان حتى في أقوى معاقلهم في الإسماعيلية نتيجة التزوير، وأدى إقصاء الجماعة من السياسة، أدى إلى تقوية أولئك الأعضاء الذين أيدوا مواجهة أكثر أصولية مع الدولة، وجعلتهم غير راغبين بشكل متزايد الخضوع لإصرار البنا على السلوك الغير عنيف. تواجد قوات الحلفاء خلق العديد من الوظائف، وأدى إلى إنشاء الاتحادات التجارية بعد الحرب، وأدى مغادرة معظم هذه القوات إلى خلق طبقة من غير العاملين، وارتفع التضخم واتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتدنت الرواتب، وفي أثناء الحرب، تدفقت الدعاية في مصر من كافة الجوانب. وكان الصراع يتشكل في: الدعاية البريطانية والأمريكية عن الديمقراطية والاستقلال الوطني من النازية، والقمع السوفيتي، والدعاية الألمانية حول تحرر مصر والعرب من الاستعمار الغربي، والدعاية الروسية حول قوة الاقتصاد السوفيتي، والعدالة الاجتماعية. واحتلال بريطانيا ل مصر، والصراع في فلسطين، والإحباط المستوطن مع الوضع السياسي والاقتصادي، والأفكار الشيوعية كل ذلك وجد أنه من السهل أن يجذب أعضاء جُدُد.

في سبتمبر من عام 1945، تبنت الجماعة دستورًا جديدًا. اعترف رسميًا بالكيانات التي قامت خلال إعادة تنظيم الجماعة عام 1938، كما أنها أخضعت سجلاتها لإشراف وزارة الشئون الاجتماعية، كما يطالب بذلك القانون، وتم تصنيف الجماعة كمؤسسة اجتماعية سياسية دينية، وكان ذلك يعني أن المساعدة الحكومية التي تعطي للجمعيات الخيرية يمكن أن تتاح فقط لبعض أنشطتها، وكانت أنشطة الجمعية الخيرية قد انفصلت بمديرها الخاص وهيكلها الهرمي الخاص، من أجل توفير حماية أفضل لهم من التداخل السياسي. خلال سنوات ما بعد الحرب نمت جماعة الإخوان بسرعة، واستمرت في توسيع أنشطتها الخيرية، وذلك بإقامة المستشفيات والعيادات والصيدليات، والمدارس التي تقدم مقررات فنية وعلمية للصبية، والبنات والكبار، وإقامة المصانع الصغيرة للمساعدة في علاج البطالة التي حدثت بعد الحرب. كانت الصفوة الحاكمة في مصر رافضة بشدة للشيوعية، وبذلك تتفق مع الإخوان كلية، وقامت الحكومة بناء على ذلك بمحاولات لاستخدام الإخوان كأداة ضد خصومها الشيوعيين، ومع ذلك كانت الأزمة بين الصفوة والإخوان حتمية، لأن الإخوان شأنهم شأن الشيوعيين، فهم ناشطون، وقادرون على توسعة رقعة عدم الرضا عن الوضع الاجتماعي الموجود، وكانوا تواقين للقيام بتغييرات كبيرة لعلاج ظلم المجتمع المصري.

عبرت منشورات الإخوان عن عداء شديد تجاه الحكومة وسياساتها، وكان الإخوان يشكلون قوة رئيسية كبيرة في الإضرابات والمظاهرات الوطنية، وفي أكتوبر عام 1945، نظمت الجماعة مسيرات في القاهرة ومدن أخرى من أجل الحرية الوطنية، وكان الإخوان والوفد الحزبان المعارضان الرئيسيان، وكان الوفد خارج السلطة وكان متشوقًا لنصرة قضية الوطنية، وكان مدعومًا في هذه القضية بالشيوعيين، ووجد الإخوان أنفسهم في منافسة مباشرة مع الوفد لقيادة الحركة الوطنية ورغم عدم الثقة العميق المتبادل، إلا أن المجموعتين اشتركتا في نفس المظاهرات الكبيرة، وقد رفض الإخوان التعاون مع الشيوعيين، مما أدى إلى انهيار الجهة الموحدة، ورفضت الجماعة بشدة هذه التحديات، ونظمت إضرابات بمفردها مما أصل علاقاتها السيئة مع الحكومة، وأصبح الإخوان هدفًا لإزعاج البوليس وللاعتقالات، وتعرض شباب الإخوان و الوفد للصدامات عام 1946، وكاد البنا أن يُقتل بهجوم بقنبلة، وبعد هذه الصدامات عقد ممثلين من الإخوان و الوفد اجتماعات سرية على أمل الوصول إلى تفاهم مما خفَّض بشكل كبير التوترات بين الجانبين.

في نفس العام، رجع صدقي باشا من محادثات في لندن بمسودة معاهدة لم تقبلها المجموعات الوطنية مطلقًا، وانفجرت مشاغبات الطلاب العنيفة، وبدأ أعضاء من إخوان الجهاز السري في تنفيذ هجمات على البريطانيين، وعلى مراكز البوليس المصري، واستمروا في عمل ذلك عبر السنوات القليلة التالية. واستجابت الحكومة لذلك العنف المتصاعد بمعايير قمعية قاسية، بما في ذلك موجة من الاعتقالات بين صفوف الإخوان والمجموعات الوطنية الأخرى، واستمرت المشاغبات خلال عام 1946، ثم استقالت الحكومة في ديسمبر.

في يوليو عام 1947، كونه صاحب رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا إلى الأمم المتحدة ممثلاً عن الإخوان، قاطع مصطفى مؤمن مناقشات مجلس الأمم المتحدة عن مصر لعمل حديث عن بهو المتفرجين رافضًا جميع المناقشات مع البريطانيين، وداعيًا إلى انسحاب كامل وفوري للبريطانيين من مصر، ومع ذلك لم يفعل مجلس الأمن شيئًا.

في مصر، وبين العرب والمسلمين، استمرت القضية الفلسطينية في استلهام تعاطفات قوية، وأعطى حل عام 1947 من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، أعطى القضية تسارعًا أكبر، وأرسلت جماعة الإخوان متطوعين للحرب في فلسطين عام 1948، وأثناء الحرب كان هناك العديد من الهجمات بالقنابل على اليهود في القاهرة، وفي قضية الجيش التي سوف تناقش فيما بعد، ظهر أن أعضاء من الجهاز السري للجماعة كانوا مسئولين عن بعض تلك الأعمال.

في مارس عام 1948، اغتال أعضاء من الجهاز السري قاضيًا مصريًا هو أحمد الخازندار بك، الذي حكم بعقوبة السجن على أخ مسلم لمهاجمة أحد العساكر البريطانيين، وأعرب البنا عن اشمئزازه من الاغتيال.

في ديسمبر عام 1948، أصدرت الحكومة مرسومًا يأمر بإعادة حل الجماعة، واكتشف البوليس مخابئ للقنابل وأسلحة أخرى مجمعة بواسطة الجهاز السري، ورغم أن الإخوان أصروا على أن هذه الأسلحة كانت للاستخدام في الحرب العربية الإسرائيلية، إلا أن الحكومة شكَّت بأن الإخوان كانوا يخططون لثورة، وكانت أيضًا حريصة على إزاحة ما يعتبر أحد الأسباب الرئيسية للقلق السياسي العام، الذي أخذ شكل العنف، ويهدد سلطتها بشكل متزايد ضد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك فإن وجود جيش في شكل جهاز سري، اعتبرته الحكومة كدولة موازية محتملة، ربما يراها المصريون حكومة أكثر شرعية من الحكومة الرسمية.

وغير الاتهام بالهجمات العنيفة ضد البوليس والأجانب، اتهمت الحكومة النظام بتشجيع العمال على القيام بإضراب للمطالبة برفع الأجور، وامتلاك الأراضي الزراعية، وتم اعتقال العديد من أعضاء الإخوان، وبقي البنا تحت المراقبة التامة من البوليس، بعد ذلك بأسابيع، ومع تمزق التسلسل في كوادر الإخوان واتصالاتها، اغتال أحد أعضاء الإخوان رئيس الوزراء النقراشي.

أدان البنا الاغتيال، وحاول دون نجاح أن يتحاور مع الحكومة الجديدة، في يناير 1949، أفشل البوليس محاولة من أحد أعضاء الجهاز السري لتفجير قاعة محكمة، وكتب البنا خطابًا مفتوحًا يتنصل من هذا التصرف مقررًا أن المقترفون ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين، ودعا أعضاء الإخوان للتبرؤ من العنف والإيذاء، حاول رئيس الوزراء الجديد عبد الهادي، حاول قمع أي معارضة بإرهاب الشعب بتصرفات قاسية قمعية، بما في ذلك الاستخدام النمطي للتعذيب في السجون.

كتب البنا بيانًا رفض فيه الهجوم ضد الإخوان وأدان مرة أخرى تصرفات العنف المرتكبة على يد أعضاء من الجماعة، بما في ذلك الهجمات على اليهود، وقال إن قادة الجماعة يدينوا هذا العنف، وأنهم قد أصبحوا غير قادرين على منعه بسبب الاعتقالات والترصُّد الذي جعل ذلك مستحيلاً بالنسبة لهم ليمارسوا سلطتهم، ومع ذلك، فقد ناقش أن تلك الأحداث كانت في جزء منها نتيجة لسلوك الحكومة، والحرب في فلسطين، وأنكر قيام الجماعة بالتخطيط للقيام ب ثورة، مؤكدًا أسلحة الإخوان للاستخدام في فلسطين فقط، في مشاركتها المشروعة للجامعة العربية، وفي فبراير عام 1949، تم اغتيال البنا بيد البوليس السياسي، وعلى الأرجح بأوامر من رئيس الوزراء والقصر.

في مايو من عام 1949، بعد موجة من الاعتقالات قامت مجموعة من الإخوان بمحاولة غير ناجحة لاغتيال رئيس الوزراء عبد الهادي، مما أدى إلى مزيد من الاعتقالات، وبحلول يوليو كان عدد المعتقلين من الإخوان قد وصل إلى 4000 (أربعة آلاف) حيث استمروا في الإبقاء على منظمتهم، وتبع ذلك عدة محاكمات في إحداها أدين قاتل النقراشي الذي حكم عليه بالإعدام، وحاولت المقاضاة إظهار أن البنا كان مسئولاً عن الاغتيال، بينما ناقش الدفاع أنه لم يصبح قادرًا على السيطرة على المتطرفين من الجهاز السري، وقد بدا أن المحكمة قد اقتنعت بوجهة نظر الدفاع.

في المحاولة الأخرى، فقط للوصول إلى نتيجة، فهناك قضية الجيب حيث اتهم 32 من الإخوة بالتآمر للإطاحة بالحكومة بوسائل إرهابية، مستخدمين المخزون الاحتياطي من الأسلحة، وتنظيم اغتيالات القاضي الخازندار، ورئيس الوزراء النقراشي ومحاولة المحاكمة إظهار أن الثورة كانت الهدف الحقيقي للجماعة، يخفيها المظهر الكاذب لأنشطتها الأخرى.

اعترف بأن أعضاء من الجهاز السري شكلوا تنظيمًا إرهابيًا، وقد خالفوا بذلك قادة الإخوان وانتهكوا مبادئهم، وناقش أن أنشطة التنظيم وأهدافه كانت سلمية بالدرجة الأولى، وأن أسلحته والتدريب العسكري كانا موجهين فقط للدفاع المشروع عن العرب والمسلمين ضد الاحتلال البريطاني لمصر، وضد الصهيونية في فلسطين وحكمت المحكمة لصالح الدفاع، وحصل معظم المدعى عليهم على البراءة وحكم على الآخرين بأحكام رفيقة.

بعد عودة الوفد إلى السلطة، حاول الإخوان التحاور مع الحكومة الجديدة ليحصلوا على التصريح للجماعة بالعمل مرة أخرى، ولكنهم لم يصلوا إلى اتفاق. وانتهى الحكم العسكري، وألغيت جميع تدابيره. عدا تلك المطبقة على الإخوان، ومرر البرلمان قانون الجمعيات، وهدف بصفة خاصة إلى الإخوان دون ذكر اسمهم، متطلبًا وصفًا وصورة فوتوغرافية لكل عضو يقدم للسلطات، وأعلن وزير الداخلية أن الوزارة اعتزمت شراء مراكز الجماعة، واستخدام المباني كنقاط للبوليس، وتمكن الإخوان عن طريق القضاء من حل كل هذه القضايا حاصلين على الحق في العمل قانونًا، وعودة ملكياتها المصادرة.

الثورة وآثارها

بينما كان الإخوان غير مصرح لهم قانونًا، أصبحت المنافسة لخلافة حسن البنا شديدة، وأخيرًا في عام 1951 في حركة انتهكت دستور الجماعة، اختير شخص من خارج الجماعة: حسن إسماعيل الهضيبي، قاضي ذو خبرة معروف بكراهيته للعنف، استشعر أنه قد يضفي على الجماعة احترامًا أكثر رغم أنه لم يكن عضوًا فيها، إلا أن الهضيبي عُرف عنه أنه كان معجبًا بالبنا، واستقال من القضاء ليصبح المرشد العام للجماعة، ولكنه سرعان ما تحقق أنه كان مقصودًا به أن يكون مجرد رئيس صوري، وأن الأعضاء القدامى ممتعضين من محاولاته لممارسة السلطة، وتحدث صراحة عن الجهاز السري، وحاول حله، إلا أنه لم يفلح إلا في تحييد أعضائه، الذين اعتبروا أنفسهم محاربين في قضية نبيلة.

في 8 أكتوبر 1951 ألغى رئيس الوزراء النحاس باشا المعاهدة المصرية – الإنجليزية لعام 1936، وأثار ذلك مظاهرات ضخمة لدعم استقلال مصر، وبدأت أعداد ضخمة من الناشطين الوطنيين بما في ذلك أعضاء من الإخوان، وبمساعدة الجيش، بدأوا في الإعداد للصراع المسلح مع البريطانيين في منطقة قنال السويس، ومع استمرار الهضيبي في معارضته للعنف تنصل علانية من هذه الترتيبات، وظهر أنه يؤيد نوايا القصر في كبح الحركة الوطنية، وعمق ذلك الصراع بين الهضيبي ومعارضوه في التنظيم خاصة أولئك في الجهاز السري.

عبر الشهور القليلة التالية، أضرب المعارضون للحكومة معبرين عن إحباط الحركة الوطنية من فشل الحكومة في متابعة إلغاء المعاهدة بتصرف قاطع، وفي يناير عام 1952، هاجمت القوات البريطانية نقطة بوليس في منطقة القنال ونتج عن ذلك معركة مدوية، في اليوم التالي، في القاهرة، سار الطلاب والبوليس والضباط، ساروا معًا إلى البرلمان مطالبين بإعلان الحرب على إنجلترا، أثناء ذلك أشعل آلاف من المشاغبين النار في المدينة ودمروا معظم وسط المدينة وأحالوه أطلالاً، لم يشارك الإخوان كتنظيم، وأصدر الهضيبي بيانًا تنصل فيه من أعمال الشعب، في 23 يوليو استولى الضباط الأحرار بقيادة محمد نجيب على السلطة وأطاحوا بالملكية، وتم الترحيب بالانقلاب الجديد بحماس شديد في أنحاء مصر.

لعب الإخوان دورًا مساندًا ولكن ليس حرجًا في الثورة، وكان أعضاء من الضباط الأحرار بما فيهم جمال عبد الناصر (الذي أصبح قائدًا للنظام الجديد)، وأنور السادات كانوا قد قطعوا صلتهم بالإخوان المسلمين منذ الأربعينات. وبعضهم كانوا أعضاء في الجماعة (ربما يكون ناصر واحدًا من هؤلاء) وكان أعضاء من الإخوان قد حاربوا جنبًا إلى جنب مع الضباط في فلسطين، وتسلحوا وتدربوا على أيديهم للانتشار في منطقة القنال في العام الذي سبق الثورة. ورغم ازدواجية الهضيبي، إلا أن الإخوان قد وافقوا على مساعدة الثورة، غالبًا بالحفاظ على النظام، وحماية الأجانب والأقليات، وتشجيع الدعم الشعبي للانقلاب العسكري.

بعد الثورة، كانت العلاقات بين الإخوان ومجلس الثورة هادئة ولكن سرعان ما تعكَّرت ومن بين أسباب ذلك عدم رغبة الجيش مشاركته في السلطة، وإصرار الإخوان على إعلان دستور إسلامي، وعدم ثقة الهضيبي العميقة في ناصر، وحلت الحكومة جميع الأحزاب والجماعات السياسية ما عدا الإخوان المسلمين. كونت الثورة حزبًا جديدًا، وهو هيئة التحرير، وقصدت كسب أولئك المصريين الذين ظلوا على شكَّهم في الثورة، واقترح النظام الإخوان إلى هيئة التحرير، وكون النظام قد حيد جميع المجموعات السياسية، لم يستطع النظام أن يتجاهل الإخوان إلا أنه كان غير راغب في إعطائهم دورًا أكبر في الحكومة. كان الهضيبي عرضة للنقد القاسي في التنظيم، جزئيًا بسبب جهود الحكومة في إذلاله، وشعور ناقديه بأنه قد حوَّل الجماعة إلى حزب أرستوقراط، وحركة أقوال وليس أفعال، وأدى ذلك إلى نقاش حول السلوك الفاشستي لمؤسسات الجماعة. فالبعض شعر أن نظامًا قائمًا على الطاعة والولاء للقائد كان مقبولاً في ظل البنا لأنه كسب ثقة الأعضاء، وحيث أن الهضيبي أصبح غير قادر على فعل ذلك، بدأ الهضيبي في الضغط من أجل مزيد من الهياكل الديمقراطية، ورغم هذه الانتقادات إلا أن الهضيبي جمع دعمًا قويًا من قادة الإخوان وكذلك من صفوف الإخوان وتم حل الجهاز السري رسميًا وفُصل قادته من التنظيم. في يناير 1954، أرسل النظام أعضاءً من هيئة التحرير ليفرق تجمع لطلاب الإخوان المسلمين مستخدمًا مكبرات الصوت، وتحولت المواجهة إلى معركة، أصدرت الثورة قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين على أرضية أن الهضيبي ومعاونوه كانوا يخططون لقلب نظام الحكم. واعتقل الهضيبي مع مئات آخرين، واستخدمت مجلس قيادة الثورة معايير قمعية ليحمي نفسه، وقد رؤي أنها سياسة ناصر بصفة خاصة. بسبب تهاوي شعبيته، مما أدى إلى مظاهرات ضد ناصر وصراع على السلطة بينه وبين محمد نجيب، وظهر أنه يهدد بإنهاء الثورة ويستعيد الوضع السياسي السابق، ووقف الهضيبي مع ناصر ومع الثورة مكتسبًا إطلاق سراح معظم الإخوة السجناء، وإبقاء تخويل النظام بالعمل بشكل قانوني، ومع ذلك أثارت أحداث يناير العديد من الأعضاء الذين شعروا الآن بأن الجهاز السري يجب عدم إلغاؤه، وبناء على ذلك أعيد بناؤه تحت قيادة جديدة دون معرفة الهضيبي.

فشل النظام في الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه للجماعة (مثال: فيما يتعلق بإطلاق سراح السجناء)، مما أدى بالعلاقات أن تفسد مرة أخرى، وفي خطاب موجه للحكومة، دعا الهضيبي إلى رفع القانون العسكري، والعودة إلى ديمقراطية برلمانية، وإنهاء مراقبة الصحف، أثناء ذلك. استأنفت بريطانيا مصر محادثات تتعلق بقناة السويس، وأُعلنت اتفاقية على أساس بنود المعاهدة الجديدة انتقدها الهضيبي فورًا على أنها كريمة جدًا تجاه الإنجليز، وتهدد سيادة مصر، بدأت الحكومة بعد ذلك في استخدام البوليس لإثارة المواجهات العنيفة مع الإخوان في التجمعات السلمية في المساجد وأماكن أخرى، وغزو عيادات الإخوان ودمروها، وفي كل حالة كانت الحكومة تلقي باللوم على الإخوان في التحريض على المصادمات، واختفى الهضيبي، وبدأت الصحافة في حملة لاذعة، وأعلنت أن إخوانًا عديدين كانوا يسافرون إلى الخارج مدانون بالخيانة وسحبت عنهم الجنسية المصرية.

وصلت عدم موافقة الجماعة على انتقالات الهضيبي للحكومة إلى ذروتها، وبذل ناصر شخصيًا جهودًا نشطة ليقنع قادة الإخوان بإزاحة الهضيبي عن موقعه، وكان لهذا النزاع أثره في نزع الثقة ليس فقط من الهضيبي ولكن أيضًا من بقية القيادة.

وقعت المعاهدة مع بريطانيا في 19/10/1954 وشعر قادة آخرون من الإخوان أنها أفضل بكثير من التي أُعلن عنها من قبل، إلا أن الجهاز السري الغير ظاهر الآن ومسئولين آخرين رأوا المعاهدة كخيانة لمصر، وصمم الجهاز من جانبه على التصرف، وأطلق عضو في الجهاز السري النار علىناصر في يوم 26 أكتوبر 1954، عندما كان يلقي حديثًا إلا أنه لم يُصب، ووقف ناصر ثابتًا وأنهى حديثه، معلنًا أنه كان مستعدًا للموت من أجل بلاده. إلا أنه توجد مؤشرات على أن ناصر والمقربين إليه مثلوا محاولة الاغتيال.

المحاولة التي استهدفت حياة ناصر أعطته شعبية كان في حاجة إليها، ومكنته أن يسود في معركة السلطة مع نجيب وزودته بالفرصة المحكمة للقضاء على الإخوان، وكان التنظيم رسميًا محلول، وأحرقت الحكومة مراكز عمل الجماعة، واعتقلت الآلاف من أعضائها، ونظمت محاكمات صورية مع قليل من الاعتبار لإعمال القانون، بينما اتهمت الصحافة الرسمية الهضيبي ونظامه بكل نوع ممكن تصوره من التآمر، وتم شنق ستة إخوة، وحكم على ستة آخرين بما فيهم الهضيبي بالسجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة. الإخوان في ظل ناصر (1954-1970)

خلال حكم جمال عبد الناصر في مصر، كثير من أعضاء الإخوان المسلمين كانوا معتقلين في معسكرات مكثفة، حيث كانوا يعذبون وبعضهم مات في الحبس بما فيهم 21 قُتلوا في زنازينهم في يونيو 1957، وكان سيد قطب أحد هؤلاء المعذبين، وكان قطب محرر سابق لمجلة التنظيم، وكاتب واسع الخيال، وكان يكتب في النقد الأدبي، وفي القضايا السياسية والاجتماعية، وهو مؤلف (كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام) الذي سجل أحسن المبيعات. وأرسى دعائم الاشتراكية الإسلامية، وأصبح قطب لفترة من الوقت أعظم مفكر في الإخوان، وفي عام 1959 أعطاه المرشد العام للإخوان حسن إسماعيل الهضيبي، أعطاه المسئولية عن الإخوان المحتجزين في السجون والمعسكرات المكثفة، وحاول قطب أن يفسِّر الوضع في المعسكرات على ضوء الإسلام، هذه الانعكاسات التي تداولها كتعليقات على فقرات من القرآن، شملت تحليلاً للنظام. بدأ الإخوان الذين انسحبوا للعمل تحت الأرض خارج السجون بدأوا في إعادة التنظيم، وفي عام 1956 أطلق سراح الذين سُجنوا ولم يحاكموا، ونظمت زينب الغزالي رئيس جمعية المرأة المسلمة نظمت عملاً خيريًا لمواجهة الاحتياجات الأساسية للإخوة الذين أفقروا، ومع عبد الفتاح إسماعيل أحد قيادي الإخوان، ذهبت لتلعب دورًا أساسيًا في إعادة بناء التنظيم. وبينما كان تركيز زينب الغزالي على التعليم الإسلامي، ظهرت أيضًا مجموعات أخرى من الإخوان، وكانوا تواقين للثأر من قمع الإخوان عام 1954، ووجدوا الإطار التحليلي، والبرنامج السياسي الذي كانوا يبحثون عنه في كتابات قطب، التي كانت تنشرها زينب الغزالي وكان فيها تقييم لنظام ناصر وللطريقة التي يمكن هزيمته بها.

في عام 1964، أطلق سراح قطب لعدة أشهر، ونشر كتابه (معالم في الطريق) وأعيد طباعته خمس مرات، ناقش فيها أن الإنسانية كانت في غمار أزمة عميقة سببها الفشل في تبني نظام القيمة. وكان تهديد الحرب النووية عرضًا لهذا المرض، نُظُم القيمة التي هيمنت على العالم فشلت في تحقيق عيش البشرية في انسجام وحتى في الوفاء بما وعدت به، مفهوم العالم الغربي للديمقراطية القائم على الإيديولوجية الفردية، أدى إلى ظلم اجتماعي ضخم وأدى إلى هيمنة البشرية برأس المال.

في الكتلة الشرقية، فشلت الأيديولوجية الجماعية كذلك، ورأى قطب أن الإسلام هو الحل للأزمة البشرية، وكان العالم بأكمله بما فيهم مصر، يعيش في حالة من الجاهلية، التي يمكن ترجمتها كأسلوب حياة متميز بالعداء الجاهل تجاه إرادة الله، وبصفة خاصة خطأ البشر في السماح لأنفسهم بإقامة أنظمتهم القيمية الخاصة، بدلاً من قبول هيمنة إرادة الله.

رغم أن مسألة فشل كل من الرأسمالية والشيوعية لم يكن جديدًا في حديث الإخوان، إلا أن تطبيق مفهوم الجاهلية على المجتمع المصري قدم ابتكارًا تحركه تجربة قطب الشخصية في جزء منه من القسوة التي أصبحت حالة ديكتاتورية.

من أجل القيام بدوره الصحيح، احتاج الإسلام أن يجد تعبيرًا ملموسًا في الأمة، مجتمع من البشر تمتلئ حياتهم بالأخلاقيات الإسلامية، وكان مطلوب طليعة من المؤمنين لبدء خلق هذه الأمة، التي يمكن أن تنمو بعد ذلك حتى تشمل العالم بأسره، وكان قطب يعني بكتابه تقديم معالم تحدد الطريق الذي يجب أن تتبعه هذه الطليعة. وكون هذه الطليعة مواجهون بدولة ديكتاتورية، نصحهم أن يُعدُّوا للجهاد، الذي ذهب جانبه العسكري إلى ما بعد الدفاع، وهدف إلى الإطاحة بأولئك الذين استولوا على السيادة التي ينبغي أن تكون لله وحده، كانت وجهة نظر قطب أن هذا الإعداد قد يستغرق خمسة عشر عامًا. أشعل كتاب (معالم في الطريق) النقاش بين الإخوان بين شباب ناشطين فضلوا الانقلاب العسكري، والأعضاء الأكثر خبرة مثل زينب الغزالي التي أخذت وجهة نظر أن على النظام أن يجدد نفسه في العمل التعليمي لعقود حتى يكسب 75% من الشعب إلى جانبه، في أغسطس 1965، ادعت الحكومة أنها اكتشفت أن الإخوان كانوا ينظمون مؤامرة انقلابية ضخمة، واعتقل حوالي 18.000 شخص، سجن منهم 100-200، وقُتل منهم 38 في الحبس، وأثناء التحقيقات، واستخدم البوليس التعذيب خلال التحقيقات، والعديد ثم تعذيبهم لشهور منهم زينب الغزالي وسيد قطب، ودمر البوليس قرية كرداسة حيث اعتقد اختبار أحد المشتبه بهم فيها، واعتقل وعذب جميع سكانها، صاحب ذلك هجومًا من الصحافة على الإخوان، وعلى أساس الاعترافات التي حصلوا عليها تحت التعذيب ثم إعدام قطب وأخوان آخران في أغسطس 1966، وظهر أن المؤامرة تم فبركتها على الأرجح بواسطة رجال الأمن كجزء من الصراع بين مختلف الزمر داخل النظام.

بعد موت قطب، بقيت أفكاره مؤثرة إلا أنها ظلت خلافية بين الإخوان، بعض الإخوة الشباب فسروا تحليل قطب ليعني أن أي شخص فشل في الثورة ضد النظام الاستبدادي الذي كانت حكومته ليست قائمة على القانون الإسلامي، يجب اعتباره كافرًا، ورأوا في ذلك تبريرًا لسياسة ثورية. لم توافق قيادة الإخوان التي فضلت المدخل الإصلاحي، لم توافق على هذا التفسير مشيرة إلى أنه يكفي النطق بالشهادتين ليصبح المرء مسلمًا، وأنه رغم وجود مسلمين مخطئين فلا يعتبر ذلك ذريعة للتكفير. وعلى النقيض من هؤلاء الشباب الذين أيدوا الثورة، احتفظت القيادة بوجهة نظر أن التنظيم يجب أن يعتمد على العمل التعليمي من أجل إصلاح المجتمع المصري، وهذه السياسة ميزت الإخوان منذ ذلك الحين، وأكسبتها احتقار المجموعات الإسلامية المسلحة الثورية الأخرى.


الإخوان في ظل السادات 1970-1981

خليفة ناصر، أنور السادات، أدخل سياسة تحرير الاقتصاد، وأدخل الحرية السياسية إلى مدى أقل بكثير، وفي عام 1971، أغلقت المعتقلات المزدحمة، وبدأ النظام تدريجيًا في إطلاق سراح السجناء رغم بقاء الجماعة غير قانونية، واستعاد الباقون حريتهم في العفو العام لسنة 1975، لم تعين الجماعة رسميًا مرشدًا عامًا جديدًا بعد موت الهضيبي عام 1973، وأصبح عمر التلمساني هو المتحدث البارز باسم النظام، ورغم أن التنظيم رفض إعطاء ولاءه للسادات، إلا أن انتقادات السادات على اليسار المصري، منعتهم من اتخاذ موقف واضح ضد النظام وضد عدم المساواة الاقتصادية، وشمل بعد ذلك النظام رجال أعمال ناجحين استفادوا من سياسات اقتصاد السوق الحر الذي أحدثه السادات. كان المطلب السياسي الرئيسي للإخوان خلال تلك الفترة هو تطبيق الشريعة، واستجابت الحكومة ببدء مراجعة طويلة للقوانين المصرية لتقرر أفضلية انسجام تلك القوانين مع الشريعة، وفي عام 1980 عُدِّل الدستور ليقرر أن الشريعة مصدرًا رئيسيًا للتشريع.

هناك هدف آخر هام للإخوان، كان إقناع الحكومة لتسمح لهم بالعمل قانونًا، وأن يعملوا كحزب سياسي، يستطيع ممثلوه الترشيح للبرلمان، إلا أن هذا الطلب لم يستجاب له، وقانون الأحزاب السياسية لعام 1977 حظر قيام الأحزاب على أسس دينية، ومع ذلك فقد كان مسموحًا للإخوان إلى حد ما بالعمل، وفي عام 1976، سُمح لهم بنشر جريدتهم الشهرية الدعوة، حيث وصل توزيعها إلى حوالي 100.000 نسخة، قبل إغلاقها عام 1981.

ركزت الدعوة على مشكلة فلسطين، ولم يوافق محرروها على معاهدات كامب ديفيد لعام 1978، واتفاق السلام الموقع بين مصر وإسرائيل عام 1979، مناقشين أن إسرائيل لا تقبل مطلقًا بحل سلمي وعادي للمشكلة، وكانت مقالات في الدعوة ترسم كل يهودي سواء كان إسرائيليًا أم لا أنه غير جدير بالثقة ومذنب فيما تحمله الفلسطينيون من ظلم، وكرروا الأساطير المناهضة للسامية، كما أدان المحررون أيضًا المسيحية الإنجيلية والشيوعية والعلمانية.

اختلف العلماء في تأثير الإخوان على السياسة المصرية في السبعينات، ولكن من الواضح أن هناك حركات إسلامية أخرى جاءت لتعلب دورًا أكثر أهمية، فبعد هزيمة مصر عام 1967، في حربها مع إسرائيل، اعترض الطلاب والعمال لفشل النظام في تحمل المسئولية عن الهزيمة، وبدءوا للدعوة إلى إقامة نظام سياسي أكثر ديمقراطية.

كانت حركة الطلاب العريضة التي تشكلت في البداية علمانية في طبيعتها، ولكن الطلاب المسلمون قفزوا تدريجيًا إلى الطليعة، نظرًا لقدرتهم على توظيف شعارات عملية للمشاكل التي يواجهونها في حياتهم اليومية، وذلك عن طريق اتحاد الطلاب الذي كانوا ينتخبون في أماكن المسئولية فيه بشكل متزايد، وعندما تسببت سياسات السادات الاقتصادية في زيادات هائلة في الأسعار خاصة أسعار الاحتياجات الرئيسية الضرورية للمواطن، وتفشي الذل في الخدمات العامة (مما أدى إلى ثورات ضخمة في يناير 1977)، حصلت تلك المجموعات على النفوذ خارج الجامعات كذلك، ودُعي قادة من الإخوان للحديث في التجمعات الهائجة التي كان ينظمها مجموعات من الطلاب في الأعياد الدينية، وعندما بدأت الحكومة في قمع حركة الطلاب، ومهاجمتها باستخدام بوليس الشغب، تحمضت علاقات الإخوان بالحكومة.

رفض المتحدثون باسم الإخوان بشكل ثابت العنف الثوري والإرهاب الذي تقوم به الجماعات الإسلامية المسلحة التي ظهرت في مصر خلال السبعينات (مثل الجهاد التي اغتالت السادات في أكتوبر 1981) في نفس الوقت أدانوا اضطهاد البوليس القاسي مما أدى إلى ظهور التطرف، وأنه إذا كان الإخوان مسموحًا لهم بالعمل قانونًا، فقد تكون قادرة على المساعدة في منع التطرف بتوفير التعليم الإسلامي للشباب، إلا أن هذا الحديث وقع على آذان صماء، وفي الشهور التي سبقت اغتيال السادات، بينما كانت شعبيته تهوي أمر السادات باعتقالات واسعة بين القوى المعارضة، بما في ذلك الإخوان، إلا أنه قد تم إطلاق سراح الإخوة المعتقلين في يناير 1982 بعد تبرئتهم من أي تصرف خطأ.


الإخوان في ظل مبارك 1981 حتى الآن

خلال رئاسة حسني مبارك، الذي خلف السادات عام 1981، واستمر في السلطة منذ ذلك الحين وحتى الآن، فإن علاقة الإخوان بالحكومة مازالت كما كانت عليه أيام السادات، مسموح للإخوان إلى درجة ما إلا أنها محظورة رسميًا، وغير مسموح لهم بتوزيع منشورات أو التجمع والتجمهر علنًا. وعرضة لاعتقالات دورية، ومع ذلك فقد كانوا ينشرون صحيفتين (لواء الإسلام، والاعتصام) واحتفظوا بمكاتب إقليمية، وأصدروا تصريحات، وبيعت كتب لبعض الإخوة البارزين في المكتبات، وتمسك الإخوان بنظرتهم الإصلاحية، متبعين مدخلاً متدرجًا طويل المدى لإقامة دولة إسلامية بموافقة شعبية، بإصلاح المجتمع من القاع إلى القمة، باستخدام الإقناع ووسائل أخرى غير العنف.

رغم كون الجماعة غير مقننة، إلا أنهم كانوا قادرين على أخذ ميزة التطورات الاجتماعية والسياسية في مصر مما زاد في عضوية الجماعة ونفوذها وبفرض قانون الطوارئ في مصر وتقييد المعارضة السياسية المقننة، والقطع بأن الانتخابات تزور بشكل روتيني لصالح الحكومة، مع ذلك فالجمعيات الخيرية الإسلامية، والمساجد الخاصة ازدهرت، رغم أن العديد من هذه الجمعيات غير سياسية، إلا أن هذه الشبكة اللامركزية من الجمعيات التي تتبع أجندات مختلفة، وتتمتع بدرجات مختلفة من الاستقلالية عن الدولة، مما أتاح للمعارضة التعبير، كما أن هناك ما يثبت أن الناشطين الإسلاميين قد حققوا بعض النفوذ خلال بيروقراطية الدولة، وأن هناك مؤيدون كُثُر منهم الأطباء والمدرسين والمديرين، واستفاد الإخوان من هذه التطورات أكثر من أي مجموعة أخرى سياسية إسلامية، ويرجع ذلك لطبقة من النشطين في عمر الثلاثين والأربعين الذين شحذوا مهاراتهم في الحركة الطلابية في ظل السادات والتحقوا بالإخوان بعد التخرج.

لقد أصبح الإخوان ناجحين في تجنيد الشباب بصفة خاصة، بما فيهم شباب الجامعات والخريجين الجدد، وأصبح من الصعب الوصول إلى الأعمال، والسلع التموينية، وتكاليف الزواج التقليدي، كل ذلك أصبح الوصول إليه صعبًا، أضف إلى ذلك الفساد المستشري، والنظام البوليسي الاستبدادي المغلق، مما ولَّد اغترابًا ويأسًا، ويقدم إحياء الإسلام طريقة في الحياة يحترم فيها الشباب إيمانه وتقواه ويقدر أن التعليم الإسلامي أفضل من الألقاب والثروات، ومما يثير الإعجاب فيه أن يعيش الإنسان ببساطة، كما تعمل وجهة النظر التي تقول أنه واجب على كل مسلم أن ينشغل بالإصلاح السياسي والاجتماعي (هذا ما يؤكد عليه الإخوان) يعمل كترياق للاغتراب السياسي والانهزامية، والنساء من الطبقات الدنيا والوسطى وجدن أن المراقبة الدينية المقيدة تعطيهن مزيدًا من الاحترام، وتساعدهم على عدم اعتبار المعايير الاجتماعية الأخرى التي قد تحدد اختياراتهن في مجال مثل التعليم والوظيفة والزواج.

ويشمل عمل الشباب في الإخوان تنظيم ندوات وألعابًا إسلامية، ومساندة مرشحي الإخوان في الاتحادات الطلابية، والنقابات المهنية وفي البرلمان، والمشاركة في المظاهرات.

في الثمانينات وأوائل التسعينات، كان المزيد والمزيد من أعضاء النقابات المهنية القيادية من خريجي الجامعات، كانوا معوقين اقتصاديًا، وساعدت أصواتهم الانتخابية مرشحي الإخوان في الحصول على أغلبية كبيرة في المجالس التنفيذية للعديد من هذه النقابات، مثل نقابة المحامين والأطباء والصيادلة، والمعلمين والمهندسين، هازمين الحكومة والعلمانيين، ومرشحي الجماعات الإسلامية المسلحة في انتخابات تنافسية مفتوحة، ووضعت العديد من النقابات تحت قيادة الإخوان وضعت برامج للمساعدة في علاج الصعاب العملية التي يواجهها الخريجين الشباب مقدمين تأمينًا صحيًا، وقروضًا منخفضة الفائدة، وتدريبًا لملء الفجوات التي خلفتها المقررات الجامعية الغير كافية، ومع ذلك، فهذه البرامج يرجع نجاحها إلى فطنة الناخبين لمرشحيهم كأمناء ومتحركين بشعور الواجب المدني، على النقيض من الفساد الذي تميزت به غالبًا النقابات المهنية، وقد أعطت هذه النقابات للإخوان منبرًا تنتقد منه حرمان مصر من البرلمان الحر، والانتخابات الرئاسية، واستخدام التعذيب في السجون، والدعوة إلى إنهاء قانون الطوارئ.

أعطت الانتخابات البرلمانية، رغم انغلاقها بدرجة كبيرة أمام المعارضة، أعطت بعض المؤشرات عن شعبية الإخوان المسلمين في ظل حكم مبارك، ففي انتخابات عام 1984، كان مسموحًا للإخوان تقديم مرشحين من خلال حزب الوفد، وفي عام 1987، كان مسموح إعادة التجربة من خلال حزب الأحرار، في كلتا الحالتين تلقى الحزب المنحاز للإخوان مزيدًا من الأصوات أكثر من أحزاب المعارضة الأخرى مجتمعة.

بدءًا من عام 1992، لجأت الحكومة مرة أخرى إلى المعايير القمعية لوقف نفوذ الإخوان المتزايد، وفي عام 1993 وضعت الاتحادات المهنية تحت السيطرة المباشرة للدولة، وفي عامي 95، 1996 تم اعتقال أكثر من 1000 أخ، العديد منهم حكم عليهم بواسطة محاكم عسكرية لعدة سنوات من الأشغال الشاقة، وكانت التهمة الرئيسية أن المتهمين كانوا أعضاء في تنظيم غير قانوني. خطط لقلب نظام الحكم، في نفس الوقت، وجهت الدولة حملة إعلامية ضخمة ضد الإخوان، متهمة إياهم بأنها جماعة إرهابية، وكان المقصود منع الإخوان المشاركة في الانتخابات.

وشبيه بذلك حدث في عام 1998، حيث تم اعتقال المئات من الطلاب الناشطين إسلاميًا قبيل انتخابات اتحاد الطلاب، وكان الإخوان بصفة خاصة عرضة لهذه الهجمات بسبب نقص الدعم بين الطبقات المتوسطة العليا، والعمال الصناعيين والقطاعات الأفقر والأقل تعليمًا من المجتمع المصري.

المزيد من القمع الحكومي أدى إلى أزمة بين الحرس القديم من الإخوان الذين هيمنوا على مكتب الإرشاد وبين قادتها من الجيل المتوسط، الذين فضلوا التعاون مع التيارات السياسية الأخرى وثار نقاش داخلي أكثر انفتاحًا على القضايا السياسية، وبذل مجهود أكثر تنسيقًا من أجل تقنين التنظيم ومزيد من التفسير الليبرالي للإسلام.

في عام 1996، ترك مجموعة من القادة البارزين من جيل الوسط – تركوا الإخوان وانضموا إلى العديد من الأقباط ليكونوا حزبًا سياسيًا جديدًا يسمى حزب الوسط، ويقصد إلى تمثيل منبر مدني قائم على العقيدة الإسلامية، يؤمن بالتعددية وتبادل السلطة وكسب حزب الوسط دعم المثقفين العلمانيين المعروفين جيدًا، إلا أن طلباته المتكررة لتقنينه رفضت.

بعد فترة من البحث عن الذات، أصبح الجيل الوسط من الإخوان أكثر نفوذًا في صفوف النظام، وفي عام 2000، قدم الإخوان 76 مرشحًا في البرلمان كمستقلين (منهم امرأة واحدة – جيهان الحلفاوي- التي لم يعترف بانتصارها في دائرتها عندما ألغت الحكومة الانتخابات هناك) وربح الإخوان 17 مقعدًا (مقدار ما حصلته أحزاب المعارضة الأخرى مجتمعة). رغم حملة الإعلام النشطة ضد الإخوان، واعتقال العديد من مرشحيهم قبيل الاقتراع.

في عام 2001 عقدت نقابة المحامين انتخابات مفتوحة لمجلس إدارتها التنفيذي للمرة الأولى منذ خمس سنوات، ومن أجل تجنب إحراج النظام اختار الإخوان الفوز بثلث المقاعد، وكسبوها.

في تصريحاتهم العامة، حرص الإخوان على التسامح الديني، ومناهضة السامية، معبرين عن ذلك في صحفهم في السبعينات، وفي السنوات الأخيرة قال المتحدث باسمهم أن الأقباط مرحب بهم ليلتحقوا بالتنظيم (يلاحظ أن حسن البنا كان له مساعدان من الأقباط وكان معروفًا عنه عدم الإجحاف تجاه الأقباط) وأصبح محمد مهدي عاكف مرشدًا عامًا للإخوان عام 2004 في عمر يناهز الـ 75 عامًا.

وقال عاكف: إن الإسلام يبجل المسيحيين واليهود، ونحن نأمل أن يعاملوننا بنفس الطريقة، فجهل الناس هو ما يسبب الضغينة بينهم وليس ديانتهم.


في السنوات الأخيرة، دعا الإخوان كثيرًا إلى مزيد من الديمقراطية، في الشرق الأوسط، وصرح عبد المنعم أبو الفتوح أحد قادة جيل الوسط ومحل احترام بين الإخوان وحزب الوسط، صرح لمجموعة الأزمات الدولية عام 2004.

إن غياب الديموقراطية هي أحد الأسباب الرئيسية للأزمات هنا في مصر وفي الشرق الأوسط، والإخوان المسلمون يعتقدون أن الحكومات الغربية أحد الأسباب الرئيسية لنقص الديمقراطية في الإقليم، لأنهم يساندون الدكتاتورية في الإقليم العربي والإسلامي بصفة عامة، رغم حقيقة أنه ثبت أن غياب الديمقراطية والحرية هو سبب الإرهاب والعنف.

في عام 2005، بدأ الإخوان في المشاركة في المظاهرات المؤيدة للديمقراطية مع الحركة المصرية للتغيير (كفاية)، وتم اعتقال العديد منهم، والآن يوجد أكثر من 700 معتقل في مايو 2005 فقط.