تاريخ الإخوان في محافظة الإسماعيلية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تطور تاريخ الإخوان المسلمين بمحافظة الإسماعيلية

إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين

محافظة الإسماعيلية

محافظة الإسماعيلية إحدى محافظات جمهورية مصر العربية وعاصمتها مدينة الإسماعيلية.

التقسيم الإداري

تنقسم محافظة الإسماعيلية إلى 5 مراكز و7 مدن و 25 وحدة محلية قروية المراكز والمدن هي:

الإسماعيلية - التل الكبير - فايد - القنطرة شرق - القنطرة غرب، بالإضافة إلى أحدث مدينتين بالمحافظة وهما: أبوصوير – القصاصين .

المساحة

تبلغ المساحة الكلية للمحافظة 5066 كم2 موزعة على مراكز المحافظة وتبلغ مساحة مدينة الإسماعيلية بمفردها 1323.5 كم مربع ويبلغ عدد سكان المحافظة حوالي 942,832 نسمة ومدينة الإسماعيلية 471,000. وتضم المحافظة جزءًا من شبه جزيرة سيناء (منذ عام 1979) بعمق 30 كم شرق القناة وبطول حوالي 80 كم.

نبذة عن مدينة الإسماعيلية

تعتبر الإسماعيلية البوابة الشرقية لمصر. يقع قسمها الغربي في قارة إفريقيا، والقسم الشرقى بقارة آسيا. وتحدها من الشرق سيناء وقناة السويس، وغربا الحدود الشرقية للدلتا على امتداد فرع دمياط، وجنوبا الطريق الواصل بين السويس والقاهرة، كما تحدها شمالا بورسعيد وبحيرة المنزلة. المساحة الكلية: 5066 كم2 عدد السكان: 776403 نسمة الكثافة السكانية: 190 نسمة / كم2 معلومات إضافية: ترجع نشأتها إلى عصر ما قبل الأسرات. كانت المقاطعة الثامنة في مقاطعات إقليم مصر السفلى، وكانت من أكبر المقاطعات في هذا العصر، وعاصمتها تسمى "برأتوم" بمنطقة تل المسخوطة، التي تعرف بمدينة أبو صوير حاليا.


الإخوان والإسماعيلية .. الفكرة والتأسيس

تمثل محافظة الإسماعيلية مركز تأسيس وانطلاق دعوة الإخوان المسلمين لجميع محافظات مصر ومعظم دول العالم فالمحافظة التى كانت مظاهر الاحتلال الانجليزي واضحة ومؤثرة بصورة فجة كانت دافع قوى للإمام البنا الذي قدر الله سبحانه وتعالى له أن يعين مدرس في هذه المحافظة لتكون هذه المحافظة محطة تأسيس وبناء الفكرة التي طالما حلم بها الإمام البنا وهى تأسيس جماعة الإخوان المسلمين.


مشاركة إخوان الإسماعيلية بمجالس شورى الإخوان

كان لإخوان الإسماعيلية بحكم نشأة الجماعة بها دور فعال ومؤثر في مجالس الشورى المختلفة .

أول اجتماع لمجلس شورى الإخوان

حرص الإمام الشهيد على إحكام بناء الدعوة منذ بدايتها وإحسان تكوين هيكلها، فرأى ضرورة إيجاد مجلس شورى عام يوجه حركة الجماعة ويناقش أنشطتها، ويرجع إليه في تقرير الأمور المصيرية للجماعة، فدعا فضيلته نواب فروع الجمعية بالقطر المصري إلى الاجتماع بمدينة الإسماعيلية يوم الخميس الموافق 22من صفر 1352هـ الموافق 15 من يونيو 1933م، وقد اشترك فيه كثير من الفروع واعتذر البعض، وكان كل فرع يمثل في مجلس الشورى بنائب الفرع وسكرتيره.

الفروع التي دعيت للمشاركة في اجتماع مجلس الشورى الأول:

1- القاهرة: وعنوان مركزها حارة نافع رقم 24 بعطفة عبدالله بك بالسروجية بالقاهرة، ونائبها الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي أفندي الموظف بهندسة سكة الحديد المصرية.

2- الإسماعيلية: ومركزها بشارع جومار ونائبها الشيخ علي أحمد الجداوي.

أعضاء المجلس:

تكون أول مجلس شورى للإخوان المسلمين من أعضاء مكتب الإرشاد بالإضافة إلى نواب وممثلي شعب الإخوان المسلمين في القطر المصري وهم:

1- حسن أحمد البنا .. مرشد الإخوان المسلمين.

2- محمد أسعد الحكيم .. سكرتير مكتب الإرشاد.

3- عبد الرحمن الساعاتي "شقيق المرشد" .. نائب القاهرة.

4- أحمد السكري .. نائب المحمودية.

5- حامد عسكرية .. نائب شبراخيت.

6- مصطفى الطير .. نائب المنزلة.

7- عفيفي الشافعي .. نائب الأربعين بالسويس.

8- عبد الفتاح فايد .. نائب شبلنجة بالقليوبية.

9- محمد مصطفى طيرة .. نائب بورسعيد.

10- محمود عبد اللطيف .. نائب الجمالية.

11- محمد فرغلي .. نائب البلاح.

12- عبد الله سليم .. نائب أبو صوير.

13- طه كراوية .. سكرتير الجمالية.

14- علي الجداوي .. نائب الإسماعيلية.

15- محمد حسن السيد .. سكرتير الأربعين.

16- سليمان عويضة .. عضو الأربعين.

17- حافظ عبد الحميد .. مراقب الإسماعيلية.


الإجتماع الثاني لمجلس شورى الإخوان العام

انعقد في بورسعيد في 2، 3 من شوال 1352هـ الموافقين 19، 20 من يناير 1934م مجلس الشورى العام الثاني للإخوان المسلمين، وكان أعضاء مجلس الشورى قد انتقلوا إلى بورسعيد في عصر يوم الخميس حيث أقام إخوان بورسعيد حفل شاي عصر ذلك اليوم، ثم عقدت في المساء الجلسة الأولى لمجلس الشورى ثم عقدت الجلسة الثانية صباح يوم الجمعة، وانتهى المجلس إلى بعض القرارات، وقد قام فضيلة المرشد العام الإمام الشهيد حسن البنا بإرسال صورة من القرارات التي اتخذها الإخوان وسجلوها في محضر جلسات المجلس إلى نواب الجمعية في الشعب المختلفة.

أ- أسماء حضرات الذين حضروا الاجتماع عن الإسماعيلية:

1- الشيخ علي الجداوي.

2- الشيخ محمد فرغلي وفا .

3- حافظ عبد الحميد أفندي .

4- الشيخ مصطفى أحمد سلمي.

5- عبد الرحمن حسب الله أفندي .

6- يوسف محمد طلعت أفندي .

7- ميرغني محمود أفندي .

8- عبد الحميد جودة أفندي .

9- أحمد الجداوي أفندي .

10- يوسف الشريف أفندي .

تميز شعبة إخوان الإسماعيلية

كان لأنشطة الشعب في تلك الفترة دور واضح في تطور جماعة الإخوان المسلمين في هياكلها التنظيمية وانتشارها.

فقد كانت شعبة الإسماعيلية هي النموذج الأمثل للشعب، تحتذي بها وتحذو حذوها، وقد بادرت الإسماعيلية كما نعلم إلى إنشاء فرقة الأخوات وفرقة الرحلات. وعندما استقر ذلك الأمر وأتت تلك الفرق أكلها عرض إخوان الإسماعيلية نتائج أعمالهم على مجلس شورى الإخوان في دورته الثالثة الذي رأى وجوب إنشاء تلك الفرق في جميع شعب الإخوان ومناطقهم.

وسنتحدث عن تلك الأنشطة ونقدم نماذج منها ومن غيرها بشيء من التوضيح:

أ- الإسماعيلية: فرق الرحلات والأخوات:

1- فرق الرحلات:

تأسست في الإسماعيلية فرقة للرحلات أشرف على إنشائها وتدريبها الإمام الشهيد بنفسه، ثم جاء من بعده الأخ محمد مختار إسماعيل، وكانت هذه الفرق محدودة ثم ما لبثت أن انتشرت في فروع الجمعية.

وكان أساس الفكرة: إدخال التربية النظامية الصحيحة في نفوس الإخوان.

وسبيلها: القيام بالرحلات وإنشاء المعسكرات.

أهدافها: أن تربي الشباب تربية إسلامية صحيحة، ويألفوا حياة الخشونة ويبتعدوا عن الميوعة وأن يستغلوا أوقات الفراغ في الخدمة العامة، وأن يكونوا على أهبة الاستعداد للعمل للصالح العام، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف: 4].

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب"، وقال عليه الصلاة والسلام: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق".

وقد نمت فرق الرحلات في منطقة الإسماعيلية وما حولها من الشعب، فأصبحت هناك فرق رحلات للإخوان في الإسماعيلية، ومن بعدها أبي صوير ثم بورسعيد، وقد شاركت شعبة من رهط الإسماعيلية في الاستعراض الذي تم في مجلس شورى الإخوان الثالث.

ومن الجدير بالذكر أن فرق الرحلات كانت تمثل في مجالس الشورى باعتبارها شُعبًا مختلفة عن الشعب الأخرى في نفس المنطقة.

وقد كان لفرق الرحلات بمنطقة الإسماعيلية الفضل الكبير في إنشاء فرق الرحلات في أنحاء مناطق الإخوان.

2- الأخوات:

كانت الإسماعيلية سباقة في مجال الاهتمام بالمرأة المسلمة ففيها أنشأت أول مدرسة للإخوان لتعليم الفتيات هي مدرسة أمهات المؤمنين، ثم استتبع ذلك إنشاء فرق للأخوات المسلمات ووضعت لائحة لها، وقد نشطت تلك الفرق وكانت على رأس تلك الفرق الآنسة المهذبة/ فائقة عبد العزيز التي كتبت مقالات متعددة في باب نسائيات سنشير إلى عناوين بعضها ومنها: "إلى أخواتي المسلمات"، و"بين الأمس واليوم" و"الكشف عن الحقيقة" وذلك في الأعداد 16، 19، 21 من مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية في السنة الثانية، وكان من نتاج ذلك أن قرر مجلس شورى الإخوان في دور انعقاده الثالث تشكيل فرقة الأخوات بكل منطقة، ووضع لائحة لهن وإن تأخرت صدور اللائحة إلى عام 1937م.

أ-اللوائح:

كانت الإسماعيلية مهد الدعوة الأول سباقة في نشر دعوة الإخوان المسلمين وتطورها، وفيها تكونت أول فرقة للأخوات المسلمات وتم وضع أول لائحة لعمل تلك الفرقة، وقد نشرت جريدة الإخوان المسلمين في عددها الثاني من عامها الأول في 28 من صفر 1352هـ الموافق 22 من يوليو 1933م نص تلك اللائحة ودعت الشعب والأخوات للاقتداء بالإسماعيلية وبأخوات الإسماعيلية والاستفادة من تلك التجربة.

أول لائحة للأخوات المسلمات:

1- في غرة المحرم سنة 1352هـ (26 من أبريل سنة 1933م) تألفت في الإسماعيلية فرقة أدبية إسلامية تسمى "فرقة الأخوات المسلمات".

الغرض من تكوين هذه الفرقة:

2- التمسك بالآداب الإسلامية والدعوة إلى الفضيلة، وبيان أضرار الخرافات الشائعة بين المسلمات.

وسائل الفرقة:

3- الدروس والمحاضرات في المجتمعات الخاصة بالسيدات والنصح الشخصي والكتابة والنشر.

نظام الفرقة:

4- تعتبر عضوًا في الفرقة كل مسلمة تود العمل على مبادئها وتقسم قسمها وهو: (عليَّ عهد الله وميثاقه أن أتمسك بآداب الإسلام، وأدعو إلى الفضيلة ما استطعت).

5- رئيس الفرقة هو المرشد العام لجمعيات الإخوان المسلمين ويتصل بأعضائها بوكيلة عنه تكون صلة بينهن وبينه.

6- كل أعضاء الفرقة، ومنهن الوكيلة، أخوات في الدرجة والمبدأ، وتوزع الأعمال التي يستدعيها تحقيق الفكرة عليهن، كل فيما يخصه.

7- يعقد أعضاء الفرقة اجتماعًا أسبوعيًا خاصًا بهن يدون فيه ما قمن به من الأعمال خلال الأسبوع الماضي وما يرونه في الأسبوع الآتي، وفي حالة ما إذا كثر عدد الأعضاء يصح أن يقتصر هذا الاجتماع على المكلفات بالأعمال منهن.

8- تقدر اشتراكات مالية اختيارية حسب المقدرة وتحفظ في عهدة إحدى الأخوات للإنفاق منها على مشروعات الفرقة.

9- يصح تعميم هذا النظام في غير الإسماعيلية في حدود هذه اللائحة.

10- يعمل بهذه اللائحة بمجرد التصديق عليها من أعضاء الفرقة التأسيسية والتوقيع منهم بما يفيد ذلك.

وقد عقبت جريدة الإخوان على ذلك الخبر بالآتي: "ننشر هذه اللائحة ونحن نأمل أن نجد في فتيات الإسلام الغيورات من يعملن على تحقيق هذه المبادئ في أنفسهن وأسرهن، ويقمن بتكوين فرقة الأخوات المسلمات في بيئتهن إن استطعن إلى ذلك سبيلاً، ولمن أرادت ذلك أن تكتب إلى حضرة الآنسة المهذبة ووكيلة فرقة الأخوات المسلمات بمدرسة أمهات المؤمنين بالإسماعيلية؛ لتقف منها على المعلومات اللازمة والجريدة ترحب بكل رأي صالح حول الاستفادة من هذه الفكرة".


المشاركة في المعسكرات التربوية

معسكرات صيف 1939م

شارك إخوان الإسماعيلية في المعسكرات التربوية ومن هذه المعسكرات معسكر صيف 1939م والذي أقيم بالإسماعيلية وكان مندوب المعسكر الأستاذ عبد الرحمن حسب الله . كما ذكرت (مجلة النذير الأسبوعية – السنة الثانية – العدد 18 – صـ26 – 1 جمادى الأولى 1358هـ / 20 يونيو 1939م).

قرر المركز العام لجوالة الإخوان المسلمين إقامة معسكرات صيفية إقليمية فى الجهات والمواعيد الآتية:

معسكر-صيف-الإسماعيلية.jpg


الأنشطة الدعوية والخدمية لإخوان الإسماعيلية

وقد قدمت محافظة الإسماعيلية جهود عظيمة ومنها:

اهتمام الإخوان بالمناسبات الإسلامية المختلفة

اهتم الإخوان المسلمون بالمناسبات الإسلامية المختلفة، كمولد النبي صلى الله عليه وسلم ورأس السنة الهجرية والإسراء والمعراج ورمضان وغيرها، وكان احتفال الإخوان المسلمون بتلك المناسبات مختلفًا عن غيرهم من طوائف الشعب المختلفة، حيث اتخذوا تلك المناسبات لتعليم الناس الخير وتذكيرهم بأيام الله، ونشر دعوتهم والالتقاء على طاعة الله، ونضرب لذلك مثالاً وهو احتفال شعب الإخوان المختلفة بالإسراء والمعراج، فقد نشرت جريدة الإخوان المسلمين تحت عنوان " الاحتفال بليلة الإسراء والمعارج " ما يلي:

في الإسماعيلية:

وقد كان الحفل رائعًا بهيجًا في الإسماعيلية الكريمة وأمَّه الأهلون من جميع الطبقات وألقيت فيها الكلمة والخطب المناسبة، وازدان الحفل بالأناشيد الإسلامية العذبة يلقيها طلبة معهد حراء الإسلامي التابع للجمعية وطالبات مدرسة أمهات المؤمنين التابعة للجمعية كذلك، وقد انصرف الجميع وكلهم ألسنة ثناء وشكر على همة الإخوان وحسن استعدادهم، وقد كان في العزم أن يحضر هذا الحفل فضيلة المرشد العام لولا ضرورة وجوده في شبين، فأبرق فضيلته إلى الإخوان برقية تليت في أول الحفل فأخذ الإخوان يدعون الله لفضيلته بالمعونة والتوفيق.

إنشاء مسجد ودار للإخوان

وفي إحدى الجلسات الخاصة للإخوان اقترح أحد الإخوان بناء دار خاصة بالجماعة، وذلك لضمان استمرار الدعوة بالإسماعيلية، لا سيما أن القائمين عليها من الموظفين، وهم عرضة للنقل، ثم اقترح الحاج أمين حجاب "النقاش" إنشاء مسجد، فأيد الإمام البنا الفكرة من حيث المبدأ، واشترط للتنفيذ إخلاص النية لله ثم توطيد النفس على المشقة والصبر والمصابرة، والكتمان، ودوام النشاط، وأن يبدأوا بأنفسهم في البذل والتضحية، وطلب منهم أن يكتتبوا فيما بينهم بمبلغ خمسين جنيهًا يودعونها عند الأخ سيد أبو السعود أفندي خلال أسبوع، على أن لا يذكروا ذلك لأحد ولا يتحدثوا عن هذا الأمر حديثًا خاصًا أو عامًا، وجمع في هذه الجلسة اثنى عشر جنيهًا، وكان عدد هؤلاء الإخوة بين العشرة والعشرين، وبعد مضي الأسبوع كان قد تجمع المبلغ المطلوب بالفعل.

ومما هو جدير بالذكر أن الأخ علي أبو العلا "الميكانيكي" كان حاضرًا لتلك الجلسة، وأراد أن يتبرع للمشروع فباع دراجته بمبلغ 150 قرشًا، وتبرع بثمنها، رغم أن المسافة بين منزله وعمله تبلغ 6 كيلومترات، ظل يقطعها ماشيًا حتى علم إخوانه بذلك فاكتتبوا واشتروا له دراجة جديدة قدموها له هدية.

وبحث الإخوان عن قطعة أرض يشترونها أو يتبرع بها أصحابها لإتمام مشروعهم، حتى وجدوا قطعة أرض مناسبة ملكًا للحاج علي عبد الكريم، كان يود أن يبني عليها مسجدًا فتحدثوا إليه في ذلك الأمر، فسروا به وكتبوا عقدًا ابتدائيًا بتنازله عن هذه القطعة، غير أن أصحاب النفوس الضعيفة والحاقدة ومروجي الإشاعات استغلوا سلامة صدر الحاج علي عبد الكريم وضيقوا عليه الخناق وأوغروا صدره على الإخوان، حتى انتهى الأمر بأن سلم الإمام الشهيد له ورقة التنازل عن طيب خاطر، ولما علم المرجفون بذلك أشاعوا فشل المشروع، وانتهز الإخوان الفرصة وقاموا بالاتصال بالناس لإزالة الشبهات والدعوة للمشروع، وكان الفارس المجلى في هذه الحلبة الشيخ حامد عسكرية، وقد ناصر المشروع الكثير من أهالي الإسماعيلية حتى إن الشيخ حسين الزملوط تبرع وحده بمبلغ 500 جنيه للمشروع، فزاد ذلك من طمأنينة الناس.

وتم تشكيل لجنة للمشروع كان أمين صندوقها الحاج محمد حسين الزملوط، وذلك بتفويض من الجمعية التي كانت حينذاك قد تشكلت بوضع الجمعيات القانونية، وصار لها نظام أساسي ومجلس إدارة وجمعية عمومية.

وبحث الإخوان عن مكان يكون خاصًا بهم، فاستأجروا شقة ثلاث حجرات وصالة بملك محمد عبد الوهاب بشارع فاروق بمبلغ (120) مائة وعشرين قرشًا في الشهر وانتقلوا إليها، وكتبوا عليها لأول مرة لافتة تحمل اسم "دار الإخوان المسلمين".

تأسيس المسجد:

وبعد فترة من الوقت بدأت بعض الشائعات حول مشروع المسجد، وكان الرد عمليًا حيث اشترى الإمام الشهيد مركبين من الأحجار، وتولى الإخوان حملها من المرسى إلى أرض المسجد، فتحركت الهمم، وبادر من اكتتبوا بدفع بقية اكتتابهم، وأعلن عن وضع حجر الأساس، وتم تحديد يوم 5 من المحرم سنة 1348هـ - الموافق 13 يونيو 1929م موعدًا لذلك، وفي الموعد المحدد أقام الإخوان سرادقًا فخمًا، ودعا الناس على اختلاف طبقاتهم لحضور وضع حجر الأساس، وكان اجتماعًا شعبيًا رائعًا، وتقدم الشيخ محمد حسين الزملوط الذي رشحه الإمام الشهيد لوضع حجر الأساس للمشروع، وذلك لمساندته القوية ماديًا ومعنويًا للمشروع فوضع حجر الأساس.

وفي الإجازة الصيفية وبعد وضع حجر الأساس لمشروع الإخوان المسلمين بالإسماعيلية، ونتيجة للمعاكسات والشكاوى الكيدية تم نقل الشيخ حامد عسكرية من الإسماعيلية إلى شبراخيت، وقد تفاءل الإمام البنا والشيخ حامد عسكرية بهذا النقل، وقال كل منهم لصاحبه: خير إن شاء الله، ستستفيد الدعوة من هذه الحركة ولا شك والمؤمن خير أينما كان.

وقد قضى الإمام البنا الإجازة الصيفية بين الإسماعيلية والمحمودية حيث صديقه أحمد السكري وجمعية إخوان الحصافية، حيث تدل أحداث المذكرات أنها في تلك الفترة تحولت إلى فرع جمعية الإخوان المسلمين بالمحمودية.

وبعد إتمام المسجد قام الإخوان باستكمال البناء فأنشأوا فوق بناية المسجد معهدًا سُمي بـ "معهد حراء الإسلامي" وكان الشيخ محمد سعيد العرفي قد اقترح على الإمام أن يسمي إخوانه وأصحابه بأسماء السابقين الصالحين، وأن يسمي المنشآت بأسماء الأماكن الإسلامية، فذلك أبعث للقدوة الحسنة والأسوة الصالحة ولذلك سميت تلك المدرسة بمعهد حراء الإسلامي ومن بعدها أقام الإخوان مدرسة أمهات المؤمنين للبنات.

بيت التائبات

عندما افتتح الإخوان مسجدهم في الحي الذي تنتشر فيه بيوت الدعارة نشر المسجد في الحي التعاليم الدينية، ورغب الناس في الإسلام، وابتعد الكثير عن الدعارة، مما دفع النساء العاملات في تلك البيوت من تكوين وفد منهن، وذهبن إلى الأستاذ البنا يشتكين له وقف الحال، وضيق الرزق حيث قل الطلب عليهن بعد تدين أهل الحي والتزامهم بالإسلام، فاقترح عليهن الإمام الشهيد أن يتبين، ويمتهن مهنًا شريفة، على أن يستأجر لهن مبنى مستقلاً تلتحق به كل من تتوب إلى الله تعالى وليس لها عائل، فتوافد عليه كثيرات ممن تاب الله عليهن.

وقد كلف الإخوان الشيخ علي الجداوي لتولي شئون هذا الملجأ والإنفاق عليه، وترتيب الدروس الدينية لهن، وقد وفق الله الكثيرات منهن فتزوجن وأصبحن ربات بيوت صالحات، ومن لم تتزوج منهن تعلمت فن الخياطة والتفصيل، أو فن الطهي، أو تربية الأولاد، وكان لهذا العمل الجليل أكبر الأثر في نفوس المسلمين جميعًا من أهالي الإسماعيلية وغيرهم.

إقامة المدارس

أقام الإخوان منذ فجر الدعوة المدارس لتعليم النشء ومحو أمية الكبار، فكان في كل شعبة من شعب الإخوان تقام المدارس الليلية لتعليم العمال والفلاحين ومحو أميتهم، كما قامت بعض الشعب بإنشاء المدراس الأولية للبنين والبنات لتربية النشء وتعليمهم وتعريفهم بمبادئ دينهم ومن تلك المدارس:

1- معهد حراء:

هو أول مدرسة بناها الإخوان المسلمون بالإسماعيلية، وكان مقرها فوق مسجد جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية، وقد قام الإمام الشهيد بوضع مناهج تلك المدرسة وفق أحدث طرق التعليم في العالم والتي استقاها الإمام الشهيد من مدارس بستالوتزي في بيتهوفن واستانزديرجدروف وفرويل في مدرسة جريسم وكليهم وطرق هربارت وينتسوري في صناعة التعليم، ولكنه وضع كل ذلك بما يتناسب مع الميول والآمال الإسلامية.

وكان زي التلاميذ المدرسي هو جلبابًا ومعطفًا وطربوشًا أبيض وصندلاً وكلها من نسيج وصناعة وطنية.

أما أوقات الدراسة فكانت تتمشى مع مواقيت الصلاة فتبدأ في وقت مبكر وتنتهي الفترة الأولى قبل صلاة الظهر، حيث يؤدي التلاميذ جميعًا الصلاة مع الجماعة في المسجد ويعودون بعد الغداء وقبيل العصر ليؤدوا الصلاة في جماعة أيضًا.

وكان منهاج المعهد التعليمي ذا ثلاث شعب:

  • القسم الأول: يتمشى مع منهاج المدارس الأولية الكاملة ليجهز التلميذ للأزهر والمعاهد الدينية.
  • القسم الثاني: يتمشى مع المدارس الأولية أول النهار ومع المدارس الصناعية آخره، فيتوجه الطلاب بعد الغداء إلى مصانع وورش أهلية يديرها إخوان تعهدوا بتعليم هؤلاء الطلاب الصناعة بإشراف المعهد ورجاله وفق نظام خاص.
  • والقسم الثالث: يتمشى مع منهاج المدارس الابتدائية الأميرية ليجهز للثانوية فالعليا وهكذا.

أما المصروفات المدرسية فكانت مناسبة ليس فيها إرهاق، وزيدت نسبة المجانية بحسب ظروف أولياء أمور الطلاب، واستقدم للمعهد نخبة من المدرسين والفنيين ذوي المؤهلات والشهادات العالية.

وكانت طرائق التعليم فيه مبتكرة تتمشى مع أحدث نظريات التربية، فكثير من الدروس كان يلقى في الهواء الطلق وبين خمائل الإسماعيلية وأفنان حدائقها الغناء، وكانت الحروف الهجائية ومبادئ الحساب تعلم بالمحسات من الطين أو الصلصال أو الكرات، وكان للتلاميذ أن يصارحوا المدرسين بكل ما يدور في أنفسهم من تعب أو إرهاق أو خواطر، وكانت الصلة بين الطالب والأستاذ وبين المدرسة والمنزل على أتم ما تكون من التعاون والوئام.

وقد تطورت هذه المدرسة بعد ذلك إلى مدرسة ابتدائية ولكنها لم تحظ بتشجيع وزارة المعارف بل كان لوزارة المعارف الدور الأكبر في معاكستها حتى عادت مدرسة أولية عادية.

2- مدرسة أمهات المؤمنين:

بعد استقرار العمل في معهد حراء للبنين أنشأ الإخوان مدرسة للفتيات سميت مدرسة أمهات المؤمنين، واستأجر الإخوان لها دارًا فخمة مناسبة ووُضع لها منهاج عصري إسلامي يجمع بين أدب الإسلام وتوجهه السامي للفتيات والأمهات والزوجات وبين مقتضيات العصر ومطالبه من العلوم النظرية والعلمية، وانتدب لنظارتها الأخ الأستاذ الشيخ أحمد عبد الحميد وقام بالتدريس فيها فتيات من الإسماعيلية ممن تخصصن في التدريس.


مواقف لبعض إخوان الإسماعيلية

ربى الإمام البنا الإخوان في الإسماعيلية على مبادئ الإسلام وزرع في نفوسهم العزة والتضحية والكرامة..، حتى ملكت عليهم نفوسهم؛ وتمثلت في أقوالهم وأفعالهم، وصاروا نماذج طيبة في التمسك بأحكام الإسلام الحنيف والتأثر بأخلاقه ومشاعره فيما يصدر عنهم، سواء كان مع بعضهم البعض أو مع غيرهم من الناس، وهناك مواقف لهم تدل على هذه المعاني سوف نسوق بعضها بمشيئة الله تعالى.

شيخ أم جنرال؟

طلب عمال شركة جباسات البلاح بالإسماعيلية أن تبني لهم مسجدًا، إذ كان عددهم أكثر من ثلاثمائة عامل، وفعلاً استجابت الشركة لمطلبهم وبني المسجد، وطلبت الشركة من الجماعة بالإسماعيلية انتداب أخ من العلماء يقوم بالإمامة والتدريس، فانتدب لهذه المهمة فضيلة الأستاذ الشيخ محمد فرغلي المدرس بمعهد حراء حينذاك.

وصل الأستاذ فرغلي إلى البلاح وتسلم المسجد وأعد له سكنًا خاصًا بجواره، ووصل روحه القوي المؤثر بأرواح هؤلاء العمال الطيبين، فلم تمض عدة أسابيع وجيزة حتى ارتفع مستواهم الفكري والنفسي والاجتماعي ارتفاعًا عجيبًا، لقد أدركوا قيمة أنفسهم وعرفوا سمو وظيفتهم في الحياة وقدروا فضل إنسانيتهم، فنزع من قلوبهم الخوف والذل والضعف والوهن، واعتزوا بالإيمان بالله وبإدراك وظيفتهم الإنسانية في هذه الحياة – خلافة الله في أرضه – فجدوا في عملهم اقتداء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" ثم عفُّوا عما ليس لهم، فلم تأسرهم المطامع التافهة ولم تقيدهم الشهوات الحقيرة، وصار أحدهم يقف أمام رئيسه عالي الرأس في أدب، شامخ الأنف في وقار، يحدثه في حجة ومنطق.

أحس الأجانب المسئولون في هذه الشركة بعد فترة أن عمال الشركة قد تغيروا تغيرًا ملحوظًا، فهم وإن زادوا في عملهم حتى ظهر ذلك في إنتاجهم إلا إنهم صاروا يعتزون بكرامتهم، ولا يقبلون إهانة من أي مسئول مهما علت مرتبته، ومهما كان وراء ذلك من ربح مادي لهم، وعلم الرؤساء في الشركة أن سبب ذلك هو هذا الإمام الذي ينشر بين العمال أفكارًا صحيحة، ونبيلة ومثالية، لكنها ستحد من سلطتهم على العمال، فخشوا على أنفسهم من هذا التغير الذي طرأ عليهم، وقرروا إقصاء الشيخ.

أرسل إليه رئيسه المباشر – المسيو فرانسوا – وأخبره أن الشركة قد استغنت عن خدماته، ومنحته مكافأة فوق راتبه المستحق، فكان جواب الشيخ: لو كنت أعلم أنني موظف بشركة جباسات البلاح ما قبلت العمل بها، ولكني موفد من قبل الإخوان المسلمين بالإسماعيلية، وأتقاضى مرتبي منهم محولاً عليكم وأنا متعاقد معهم على ذلك، ولن أترك عملي بالمسجد ولا بالقوة، إلا إذا أمرني بذلك رئيس الجمعية التي انتدبتني هنا، وهو في الإسماعيلية فاتفقوا معه.

واتصل الشيخ فرغلي بالإمام الشهيد، وأخبره الخبر، فأثنى على تصرفه وأقره على ألا يترك مكانه بأية حال من الأحوال، فحجته معقولة، ولا شيء لهم عنده.

وقد لجأت الشركة إلى الإدارة فاتصل مديرها بمحافظ القنال الذي اتصل بدوره بمأمور الإسماعيلية، وأوصاه أن يقوم على رأس قوة لعلاج الموقف وحضر المأمور بقوته، وجلس في مكتب المدير، وأرسل في طلب الشيخ الذي اعتصم بالمسجد، وأجاب الرسول: لا حاجة لي عند المأمور، ولا عند المدير، وعملي بالمسجد، فإذا كان لأحدهما حاجة فليحضر لي، وحضر المأمور إلى الشيخ، وألح عليه أن يستجيب لطلب المدير ويترك العمل، فأجاب بمثل ما تقدم وقال له: تستطيع أن تأتيني من الإسماعيلية بكلمة واحدة في خطاب، فأنصرف، ولكنك إذا أردت استخدام القوة فلك أن تفعل ما تشاء، ولكني لن أخرج من هنا إلا جثة هامدة لا حراك فيها، ووصل خبر الفصل إلى العمال فتركوا العمل وأقبلوا متجمهرين صاخبين، وخشي المأمور العاقبة، فترك الموقف وعاد إلى الإسماعيلية.

اتصل المأمور بالإمام البنا للتفاهم على الحل، فاعتذر له البنا بأنه مضطر إلى عقد مجلس إدارة الجمعية للنظر والتفكير ثم يجيبه بعد ذلك، وحاول الإمام البنا في هذه الأثناء أن يقابل العضو المصري الوحيد في مجلس إدارة الشركة، فوجد منه إعراضًا عن مصالح العمال وكل انحياز إلى آراء الشركة ومديرها وكل تجرد من أية عاطفة فيها معنى الغيرة الوطنية.

وقد قابل الإمام البنا بعد ذلك مدير الشركة، وسأله عما ينقمه من فضيلة الشيخ، فقال له: يا أستاذ حسن أنت لم ترسل لنا إمامًا للمسجد، وإنما أرسلت جنرالاً ينفذ علينا هنا أحكامًا عسكرية، فناقشه الإمام البنا في هذا الكلام وأفهمه أنه مخطئ، وأن الشركات هي التي تقسو على العمال وتنقص من حقوقهم وتستصغر إنسانيتهم، وتبخل عليهم وتقتر في أجورهم، في الوقت الذي يتضاعف ربحها ويتكدس، وإن من الواجب علاج هذه الحال بعلاج نظم هذه الشركات ووجوب قناعتها باليسير من الربح، واتفق معه أخيرًا على أن يبقى الشيخ فرغلي شهرين حيث هو، وأن تقوم الشركة بتكريمه عند انتهاء هذه المدة، وأن تطلب رسميًا من الإخوان من يحل محله من المشايخ، وأن تضاعف للشيخ الجديد راتبه وتعنى بمسكنه ومطالبه، وفي نهاية المدة عاد فضيلة الشيخ فرغلي وتسلم مكانه فضيلة الأستاذ شافعي أحمد، واستمرت الدعوة تشق طريقها في هذه الصحراء.

إيثار

ويذكر الإمام البنا أنه دخل على الأخ سعيد سيد أبو السعود – رحمه الله – تاجر الخردوات فرأى الأخ مصطفى يوسف يشتري منه "زجاجة ريحة" والمشتري يريد أن يدفع عشرة قروش، والبائع يأبى ألا يأخذ أكثر من ثمانية قروش، وكلاهما لا يريد أن يتزحزح عن موقفه، كان لهذا المنظر أعمق الأثر في نفس الإمام البنا وتدخل في الأمر فطلب فاتورة الشراء، فوجد الإمام البنا أن الثمن الأساسي الذي اشترى به الأخ سعيد سيد أبو السعود – رحمه الله – هو الذي يريد أن يبيع به لأخيه "الدستة بستة وتسعين قرشًا".

فقال الإمام البنا له: يا أخي إذا كنت لا تكسب من أخيك ولا يشتري منك عدوك فمن أين تعيش؟ فقال: لا فارق بيني وبين أخي، ويسرني أن يتقبل مني هذا العمل. فقال الإمام البنا للأخ مصطفى: ولماذا لا تتقبل رٍفْدَ أخيك؟ فقال: إذا كنت أشتريها من الخارج بهذه العشرة فأخي أولى بهذه الزيادة، ولو عرفت أنه يقبل أكثر منها لزدت. وبالتدخل انتهى الإمام معهم إلى تسعة قروش.

ليس الشأن شأن قرش أو قرشين، ولكنه شأن هذا المعنى النفساني الذي لو انتشر في الناس واستشعروه واستولى على أنفسهم لانحلت المشاكل الفردية والاجتماعية والعالمية، ولعاش الناس سعداء آمنين.

وعلم بعض الإخوان أن أحد إخوانهم متعطل عن العمل، فجاء أكثر من عشرة منهم كل واحد يهمس في أذنه على انفراد يعرض كل مدخر من مال ليكون رأس مال يعمل فيه أخوه المتعطل، واكتفى الإمام البنا ببعضهم وشكر الآخرين، فانصرفوا وهم آسفون لما فاتهم من فضل المساعدة.

عزة وكرامة

المسيو "سولنت استدعى" الأخ حافظ ليصلح له بعض أدوات النجارة في منزله وسأله عما يطلب من أجر فقال: 130 قرشًا، فقال المسيو "سولنت" بالعربي: "أنت حرامي"، فتمالك الأخ نفسه وقال له بكل هدوء: ولماذا؟ فقال: لأنك تأخذ أكثر من حقك، فقال له: لن آخذ منك شيئًا ومع ذلك فإنك تستطيع أن تسأل أحد المهندسين من مرءوسيك، فإن رأى أنني طلبت أكثر من القدر المناسب فإن عقوبتي أن أقوم بالعمل مجانًا، وإن رأى أنني طلبت أقل مما يصح أن أطلب فأسامحك في الزيادة، واستدعى الرجل فعلاً مهندسًا وسأله فقدر أن العمل يستوجب 200 قرش، فتأكد المسيو "سولنت" مما قاله الأخ حافظ وأمره أن يبتدئ العمل، فقال له: سأفعل ولكنك أهنتني فعليك أن تعتذر وأن تسحب كلمتك، فاستشاط الرجل غضبًا وغلبه الطابع الفرنسي الحاد، وأخذته العزة بالإثم وقال: تريد أن أعتذر لك ومن أنت؟! لو كان الملك فؤاد نفسه ما اعتذرت له، فقال حافظ في هدوء أيضًا: وهذه غلطة أخرى يا مسيو "سولنت"، فأنت في بلد الملك فؤاد وكان أدب الضيافة وعرفان الجميل يفرضان عليك ألا تقول مثل هذا الكلام، وأنا لا أسمح لك أن تذكر اسمه إلا بكل أدب واحترام، فتركه وأخذ يتمشى في البهو الفسيح ويداه في جيب بنطلونه، ووضع حافظ عدته وجلس على كرسي واتكأ على منضدة، وسادت فترة سكوت لا يتخللها إلا وقع أقدام المسيو الثائر الحائر، وبعد قليل تقدم من حافظ وقال له: افرض أنني لم أعتذر لك فماذا تفعل؟ فقال: الأمر هين سأكتب تقريرًا إلى قنصلكم هنا وإلى سفارتكم أولاً ثم إلى مجلس إدارة قناة السويس بباريس، ثم الجرائد الفرنسية المحلية والأجنبية ثم أترقب كل قادم من أعضاء هذا المجلس فأشكو له، فإذا لم أصل إلى حقي بعد ذلك استطعت أن أهينك في الشارع وعلى ملأ من الناس، وأكون بذلك قد وصلت إلى ما أريد، ولا تنتظر أن أشكوك إلى الحكومة المصرية التي قيدتموها بسلاسل الامتيازات الأجنبية الظالمة، ولكني لن أهدأ حتى أصل إلى حقي بأي طريق، فقال الرجل: يظهر أنني أتكلم مع "أفوكاتو" لا نجار، ألا تعلم أنني كبير المهندسين في قناة السويس، فكيف تتصور أن أعتذر لك؟ فقال حافظ: وألا تعلم أن قناة السويس في وطني لا في وطنك وأن مدة استيلائكم عليها مؤقتة وستنتهي ثم تعود إلينا، فتكون أنت وأمثالك موظفين عندنا، فكيف تتصور أن أدع حقي لك؟ وانصرف الرجل إلى مشيته الأولى وبعد فترة عاد مرة ثانية وعلى وجهه أمارات التأثر وطرق المنضدة بيده في عنف مرات وهو يقول: أعتذر يا حافظ سحبت كلمتي، فقام الأخ حافظ بكل هدوء وقال: متشكر يا مسيو "سولنت" وزاول عمله حتى أتمه.

وبعد الانتهاء أعطاه المسيو سلولنت مائة وخمسين قرشًا فأخذ منها مائة وثلاثين قرشًا ورد له العشرين، فقال له: خذها "بقشيشًا" فقال: لا، حتى لا آخذ أكثر من حقي فأكون "حرامي". فدهش الرجل، وقال: إني مستغرب لماذا لا يكون كل الصناع أولاد العرب مثلك؟ أنت "فاميلي محمد" فقال حافظ: يا مسيو "سولنت" كل المسلمين "فاميلي محمد" ولكن الكثير منهم عاشروا "الخواجات" وقلدوهم ففسدت أخلاقهم، فلم يرد الرجل بأكثر من أن مد يده مصافحًا قائلاً: متشكر، متشكر، كتر خيرك، كان فيها الإذن بالانصراف.


الفتنة الأولى في صفوف إخوان الإسماعيلية

طلب الإخوان في الإسماعيلية أن يرشح لهم الإمام الشهيد من يقوم بأعباء الدعوة خشية أن ينقل الإمام الشهيد إلى مكان آخر دون ترتيب أمر الدعوة، فرشح الإمام الشهيد الشيخ علي الجداوي، وعرض الترشيح على الجمعية العمومية للإخوان فوافقت على اختياره وكان يعمل نجارًا، وكان هناك مدرس يعمل بمعهد حراء يتطلع لذلك المنصب، لكنه سلك سبيل الدس والوقيعة للوصول إلى ذلك المنصب، فصادق بعض أعضاء مجلس الإدارة ممن يعتقد أن لهم نفوذًا عند الإخوان، ولما رأى أن الإمام البنا قد رشح غيره ليتولى أمر الإخوان وهو يرى نفسه أكفأ وأعلم وأقدر وأكثر أهلية من هذا النجار الذي لا يحمل العالمية مثله، وليس له مواهب مثله، فهو يحسن قرض الشعر ويجيد الخطابة والقول ويعرف الكثير، وينشر الدعوة ويحسن الاتصال بالناس، ولذلك لابد له من عمل، ولما كان هذا الشيخ لا يمكن أن يذكر ذلك كله أو يطالب بهذا الأمر لنفسه، لذا فقد احتال على ذلك بصداقة أحد أعضاء مجلس الإدارة وظل يتردد عليه آناء الليل وأطراف النهار، ويحاول أن يقنعه بأنه أكفأ من أخيه وأقدر على حمل تبعات الدعوة منه، وأن الأستاذ قد هضم حقه بتعيينه الشيخ علي الجداوي نائبًا ولم يختره هو رغم تضحياته وسبق جهاده في سبيل تلك الدعوة، فكيف يتخطاه الأستاذ فضلاً عن أن اجتماع الجمعية العمومية لم يكن قانونيًا، وأثار بعض الشبهات حول الشيخ علي الجداوي والجمعية ومنها: أن الجمعية مدينة والشيخ علي الجداوي يتقاضى مكافأة على إمامة المسجد تبلغ ثلاثة جنيهات في حين أن الشيخ يمكن أن يقوم بذلك العمل متطوعًا أو نظير خمسين قرشًا فقط وبذلك فقد امتلأ قلب هذا الأخ بوسوسة الشيطان واتخذه مطية لأغراضه، وقد أصغى الأخ لهذه الوسوسة وأفضى بها لبعض أصدقائه من الإخوان حتى فشا هذا القول في وسط الإخوان، فجمع الإمام البنا هؤلاء الإخوة عنده واطلع على مطالبهم التي كانت تتركز على تعيين أخ آخر غير علي الجداوي نائبًا للمرشد، فاتفق معهم الإمام على إعادة الانتخاب مرة أخرى ووجهت الدعوة لانعقاد الجمعية العمومية وأعلن فيها عن سبب الاجتماع وهو اختيار نائب للمرشد، وقد اقترح فضيلة المرشد على الشيخ علي الجداوي إن ظهرت نتيجة الانتخاب في صالحه أن يتنازل عن راتبه، وظهرت النتيجة وفاز الشيخ علي الجداوي بأغلبية ساحقة وبعد ظهور النتيجة تنازل الشيخ علي الجداوي عن المكافأة.

ولم ترض النفوس بتلك النتيجة وأشاعوا كيف يترك الأستاذ الجمعية والجمعية مَدينة بمبلغ ثلاث مائة وخمسين جنيهًا من بقية نفقات المسجد والدار، وهل يستطيع النائب الجديد أن ينهض بأعباء الجمعية ويسدد دينها، فما كان من الإمام البنا إلا أن وحد الدَّين لأحد التجار وعرض عليه أن يقسّط هذا الدين بواقع ثمانية جنيهات كل شهر، فقبل، وكتب الإمام الشهيد على نفسه كمبيالات بهذا الديْن وأخذ منه مخالصة تفيد بأنه ليس له عند الجمعية شيء وبذلك لم تبق الجمعية مدينة لأحد.

فما كان منهم إلا أن قرروا الاستقالة من جمعية الإخوان، ولما علم تجار الإسماعيلية بالأمر جمعهم الشيخ حسين الزملوط وقاموا بتسديد المبلغ عن الإمام الشهيد، وقد نشرت مجلة الشبان المسلمين تحت عنوان "النفوس المسلمة" ما يلي: "منذ عامين قامت جمعية الإخوان بالإسماعيلية بعمارة مسجد ومدرسة، وقد تم المشروع بحمد الله، وبقي على الجمعية من تكليفه وبعض لوازمه مبلغ 335 جنيهًا، فدعا حضرة الوجيه المحترم الشيخ محمد حسين المقاول بالإسماعيلية بقية أعيانها واجتمعوا بهذا الخصوص يوم الأربعاء الموافق 6من جمادى الأولى سنة 1351هـ، وقرروا الثقة التامة بحضرة المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ حسن البنا والثقة التامة كذلك بمجلس شورى الجمعية الحالي، ودفعتهم الأريحية إلى أن يتقاسموا الدَّين فيما بينهم حتى تكون موارد الجمعية وقفًا على مشروعاتها النافعة وكانت التبرعات لذلك كالآتي:

تبرعات-الإسماعيلية.jpg

وبذلك خلصت الجمعية من هذا العبء الثقيل.

فمجلس الشورى بكامل هيئته لا يسعه أمام هذه الأريحية الإسلامية والعاطفة النبيلة إلا أن يتقدم بأجزل الشكر لحضرات أعيان الإسماعيلية الغيورين سائلاً الله أن يكثر في المسلمين من أمثالهم، وأن يوفق الجميع لما فيه خير البلاد والعباد".

ولم يكتف هؤلاء بذلك بل قام أحدهم بتقديم بلاغ إلى النيابة؛ يتهمون فيه الإمام الشهيد ببعثرة أموال جماعة الإخوان في الإسماعيلية ويبعث بها إلى أخيه في القاهرة الذي يقول عنه: إنه رئيس شعبة القاهرة وإلى بورسعيد وإلى "أبو صوير" مع أن هذه الأموال جمعت من الإسماعيلية، ويجب أن تصرف في الإسماعيلية وهذا حق النيابة العمومية في حماية أموال الناس وأعراضهم، ودمائهم، ولذلك فهو يطلب أن تتدخل النيابة وتمنع إنفاق هذه الأموال على هذه الأوجه.

وكان وكيل النيابة الأستاذ محمود مجاهد رجلاً حصيفًا فسأله: هل أنت عضو في مجلس الإدارة؟ فقال له: كنت عضوًا وأقوم بأعمال الخزانة فاستقلت وقبلت استقالتي، فقال له: هل يقر المجلس هذه التصرفات؟ قال: نعم، ثم سأله: هل أنت عضو في الجمعية العمومية؟ قال: كنت عضوًا في كل شيء لكن الآن لا أعتبر نفسي عضوًا في أي عمل لهم، فقال: هل تظن أنه إذا عرض الأمر على الجمعية العمومية فهل تقبل ذلك وتقر تلك التصرفات؟ فقال: له إنها تقر جميع تصرفاته، ولو قال إنه أخذ هذه الأموال لنفسه لوافقوا على ذلك وكانوا مسرورين بذلك، فقال له وكيل النيابة: إن كان مجلس الإدارة يوافق والجمعية العمومية توافق وأنت لست عضوًا في هذا ولا ذاك، وأنهم أناس تبرعوا بأموالهم وأوكلوا بعضهم لصرفها في وجوه معينة ووافقوا على طريقة الإنفاق، فما شأن النيابة بهم، وبأي وجه تتدخل، ثم نصحه وكيل النيابة بأن يعود إلى جماعته، أو يقعد في بيته ويتصرف في عمله ويدع الناس يعملون.

وقد حاول الشيخ حامد عسكرية التوسط في الأمر، وإفهامهم إلا أنهم ركبوا رءوسهم وأبوا إلا العناد، فقال الشيخ حامد عسكرية: إن هؤلاء لا خير فيهم، فقد فقدوا إدراكهم لسمو دعوتهم، وفقدوا إيمانهم لطاعة القيادة، ومن فقد هذين فلا خير فيه في صفنا، فاحتسبهم وامضِ في طريقك والله المستعان، وجاهرهم برأيه هذا ثم عاد إلى شبراخيت.

ثم بادر هؤلاء بتقديم استقالاتهم من الجمعية وقبلها مجلس الإدارة، ثم أخذوا يطلقون الإشاعات ويرسلون العرائض المجهولة، ثم حاولوا صرف وجهاء الناس عن الإخوان بأن أشاعوا بينهم الأكاذيب، فذهبوا للشيخ حسين الزملوط وألقوا إليه بفرية مفادها أن هؤلاء الإخوان قوم خطرون، وأن لهم أعمالاً سرية، وأننا اشتركنا فيها ونريد أن تحتاط لنفسك قبل أن نبلغ عنهم السلطات، فنهرهم الشيخ وقال لهم: أنتم إما خائنون لإخوانكم أو كاذبون، وقام بطردهم من مجلسه، ثم ذهب إلى الإمام الشهيد وأبلغه الأمر، وقال له: إن كانت هناك مثل هذه الأعمال فأنا أتحملها عنك. فطمأنه الإمام البنا وقال له: نحن نعمل في وضح النهار ولو كانوا صادقين لأبلغوا عن ذلك من زمن طويل، ولكنهم رغبوا في إبعادك عن الجماعة وأن يظهروها بهذا المظهر السخيف.

وقد سأل وكيل النيابة بعد ذلك الشيخ الزملوط في عرائض قدمت بهذا الخصوص، فبين له الشيخ الزملوط أن الأولى إهمال كل هذه العرائض المجهولة التي لو كانت حقًا لما أخفى أصحابها أسماءهم ولواجهوا الحقيقة بأنفسهم.

ولمّا لم تُجدِ هذه الوسائل لجأوا إلى وضع تقرير لتشويه صورة الجماعة بين أتباعها وأمام الناس، ولما علم الإمام البنا بذلك التقرير ذهب إلى كبيرهم بمنزله، وذكر له علمه بأمر هذا التقرير، وحاول أن يتخلص من الإجابة، فأخرج له الإمام البنا صورة من ذلك التقرير فأقر به، وقال إنه في المطبعة، فقال له الإمام البنا: إنني لم آتِ إليك لكي تسحب التقرير وتكف حملتك عن الإخوان، ولكن جئت أسألك ماذا تنتظرون من ذلك التقرير؟ أهو إشباع شهوة الانتقام أم ماذا؟ فقال: نريد أن ننوّر الرأي العام، فقال له الإمام: وهل تظن أننا عاجزون عن الرد على ذلك التقرير وتفنيد ما فيه وإظهار الحق لاسيما ونحن نملك الوثائق والمستندات ونملك الوسائل ولا تملكون؟ ثم أردف قائلاً: ولكن الذي يؤلمني أني كنت أقدمك للناس كما يقدم الابن والده في توقير واحترام وأقدم من معك كخلاصات من الشباب المؤمنين، وموقفكم هذا سيضطرني مكرهًا إلى الرد عليكم والطعن فيكم وإظهار سوءاتكم للناس، وهذا ما لا أحبه، ويحز في نفسي ويؤلمها أشد الألم، والذي يضاعف الألم أنه لا نتيجة من وراء ذلك، أما إذا أردتم النصيحة فقد أبلغتم الناس وعرف ما تريدون، وإن أردتم رحمة الله، فالله عليم بذات الصدور، وقد تأثر الرجل ووعد بعدم نشر التقرير ووعد بسحب أصوله من المطبعة، وفي درس للإمام تحدث فيه عن إصلاح ذات البين وبعد الانتهاء منه قال: أنا أحق الناس بأن أجرب ذلك عمليًا وكتب خطابًا إلى كبير هؤلاء وقال له: إني مستعد إلى التصافي والتسامح ونسيان الماضي وتعودوا إلى صفوف الإخوان إما على قاعدة التسامح وإما على قاعدة التحاقق، وفي الحالتين فأنا مستعد أن أسامحكم وتسامحوني أو تختاروا حكمًا ليحكم بيننا ثم يكون التصافي، وذكر السبب في عرضه هذا وهو إصلاح ذات البين.

وقد حمله الإمام الشهيد إلى كبيرهم بنفسه، ولكن هذه المحاولة للإصلاح لم تؤدِ إلى شيء واستبدّ أحد الإخوان برأيه وقام بمفرده بطبع التقرير ونشره, وقد حصل الإمام البنا على نسخة من هذا التقرير وقام بتوضيح أهم ما جاء فيه، ثم قدّم رد الجمعية العمومية لجماعة الإخوان بالإسماعيلية على ما جاء بالتقرير سنشير إليه.

أولاً: التقرير:

كان هذا التقرير معنونًا بـ "تقرير مرفوع للرأي العام الإسماعيلي مبين فيه أعمال رئيس جمعية الإخوان المسلمين"، ومطبوع في المطبعة الحديثة بالزقازيق في عام 1932م، وملخص التقرير والأمور التي تناولها:

1- بدأ التقرير بمقدمة عن أسباب نشره وهي إظهار وجه الحق للرأي العام الإسماعيلي وشرح أسباب استقالتهم من جماعة الإخوان.

2- تحدث التقرير في بابه الأول عن أن الإمام البنا هو الذي دعاهم لجماعة الإخوان المسلمين، وأنهم أجابوه، كما يتحدث عن أن الأمور في قانون الجمعية وأعمالها كانت تسير بالشورى ثم تحدث عن مشروع بناء المسجد والمدرسة وتمام المشروعين.

3- في الباب الثاني تحدث عن الاختلاف مع الرئيس حول مرتب كل من الشيخ علي الجداوي والشيخ محمد الحصري الذي حدده لهم مجلس الإدارة برئاسة الوكيل عبد النبي سليمان 150 قرشًا للأول و90 قرشًا للثاني على التوالي، وأن الرئيس "الإمام الشهيد" قرر لهما بدون علم المجلس وبدون انعقاد المجلس مرتبين 3 جنيهات للجداوي و120 قرشًا للحصري، وأن الرئيس انفرد وحده بهذا العمل وعطل أعمال المجلس وقالوا إنه يشهد بذلك الأمر كل من إبراهيم أيوب أفندي والسيد ندا أفندي عضوي المجلس، وعندما عقد المجلس وجد أن الرئيس زور المحاضر وغير في المرتبات.

4- إرسال أموال إلى فروع الجمعية ولا يعلم المجلس عنها شيئًا كفرع القاهرة وفرع بورسعيد.

5- التصرف بالتسليف والاستلاف من مال الجمعية وبدون علمها، وكثرة المصروفات النثرية بدون علم المجلس.

6- شراء أدوات للمدرسة بدون علم المجلس وبدون مناقصات.

7- عمل انتخابات لاختيار من ينوب عن الرئيس في إدارة فرع الإسماعيلية على الرغم من عدم وجود من لا يصلح لذلك الأمر، مما أدى إلى أن يتولى الشيخ علي الجداوي هذا المنصب وهو غير أهل، وأن هذه النيابة تظهر الجمعية في صورة من الصغار والجهل وتضعف ثقة الناس بها، ثم بعد ذلك كان التعريض بالشيخ الجداوي.

8- مطالبة المفصولين برجوع علي الجداوي إلى منصبه الأول وإلغاء هذا المنصب الجديد ورفض الرئيس ذلك.

9- بعث كتبة التقرير إلى الشيخ حامد عسكرية للحكم بينهم، وقد حضر الشيخ حامد عسكرية لما علم بالموضوع ولكنه فشل في التوصل إلى حل، وقد برر أصحاب التقرير ذلك بأن فضيلته معين لفرع شبراخيت تحت رئاسة الأستاذ البنا.

10- عرضنا عليه أن يتحمل وحده المسئولية عن دَيْن الجمعية أو يجعل الدين على لجنة منتخبة من الجمعية تدير شئون الجمعية فتحمل وحده المسئولية، وكتبنا استقالتنا بعد ذلك وأعلناها للرأي العام.

11- وقام الأستاذ بالتجسس علينا ثم قام بفصل كل من له علاقة بنا من المعهد، فأقال حضرة الأستاذ عبد العزيز الحداد أفندي ناظر المعهد، وكذلك أقال عيسى أفندي السيد ضابط المعهد، كما أقال الأستاذ علي عبد الرحمن أفندي المدرس بالمعهد ولم يكتف بذلك، بل قام الأستاذ بتعيين أخويه وهم من طلبة المدارس كمدرسين بالمعهد وذلك لسد الفراغ، ونصّب المدعو سيد الهندي ناظرًا على المعهد وهو قريب من الأمية وكان يعمل مكوجيًا.

12- عندما علم الأستاذ بنشر التقرير حول أسباب استقالتنا موقعًا منا: عبد النبي سليمان وإبراهيم أيوب ومحمد الدسوقي ومصطفى يوسف ومحمود الجعفري وعبد العزيز غالي ومحمد إبراهيم وسليمان البيك اتصل بالأخ الأول محاولاً الصلح، وفعلاً تم الصلح، ولكن الأستاذ راوغ في تنفيذ شروط الصلح.

13- انتهى التقرير بتوجيه نداء لأهل الإسماعيلية للمحافظة على كيان الجمعية وإدخال العناصر المفكرة في إدارتها وبث روح الشورى فيها.

14- لم يحمل التقرير إلا توقيع شخص واحد وهو مصطفى يوسف.

كلمة الحق:

وقد ردت جمعية الإخوان المسلمين على هذا التقرير ببيان من مجلس إدارة الجمعية بعنوان "كلمة الحق" على النحو التالي:

1- بدأ مجلس الإدارة رده من واقع الصلح الأخير، وأورد صورة من بيان موقع عليه من الإمام الشهيد حسن البنا وكل من محمد دسوقي نور، عبد النبي سليمان، عبد العزيز غالي، مصطفى يوسف، إبراهيم محمد أيوب، مع إضافة أسماء كل من محمود الجعفري ومحمد إبراهيم وهما بقية المستقيلين، وقد وافقوا على تلك الورقة وكان ذلك جاريًا على لسان عبد النبي أفندي سليمان، ويتضمن ذلك البيان شروط الصلح المتفق عليها، ثم أردف بيان مجلس الإدارة بأن الأسطى عبد النبي تعهد بعد توقيع الصلح بإعدام التقرير والكف عن مناوأة الجمعية، ولكن المدعو مصطفى يوسف نقض اتفاقه مع جماعته واختلس نسخة من التقرير، وأضاف إليها حادثة الصلح ممسوخة مشوهة، وادعى فيها مخالفة الأستاذ للصلح ثم قام بطبع التقرير ونشره باسمه فقط، ويلاحظ عدم توقيع أحد معه على هذا التقرير ويأسف مجلس الإدارة للرد على ذلك التقرير.

وقد تضمن الرد دحض كل الشبهات التي أثارها التقرير المذكور، نوجزه في:

1- تعريف بالإمام الشهيد وتنويه بأعماله الفاضلة وعلاقاته الحسنة مع أهل الإسماعيلية وخدماته للإسماعيلية وأهلها وجهوده في مشروعات الخير.

2- تعريف بالسيد مصطفى يوسف وهجوم عليه وعلى أخلاقه.

3- تعريف بكاتبي بيان "كلمة حق".

4- تأكيد بأن الإمام البنا لم ينفرد بالعمل ولم يعطل مجلس الإدارة، ولكن الحقيقة أن المجلس تأخر بعض الوقت عن موعد انعقاده الشهري في جلسة من الجلسات، فطلب عقده كل من إبراهيم أيوب وسيد ندا عضوا المجلس، وتم عقد المجلس وما كان التأخير إلا لظروف طارئة ونترك الرد في تلك النقطة لـ سيد ندا أفندي عضو المجلس الذي كذب ذلك كتابة وقد أثبتنا صورة لما كتبه في نهاية هذا البيان.

5- إن التصرفات المالية التي يدعيها هذا التقرير والتي أوردها مشوهة لم تقع كما ذكر التقرير، وقد أقرتها الجمعية العمومية صاحبة السلطة الأعلى في الجمعية.

6- أما عن مرتب الشيخ علي الجداوي والشيخ الحصري وما قاله عنهما أنهما تقررا بدون علم المجلس، فكذب صريح فقد تقرر في جلسة المجلس رقم (23) بتاريخ 31 من مارس 1931 أن يكون المرتبين جنيهين للأول ومائة قرش للثاني وفي جلسة المجلس رقم (24) بتاريخ 19 من أبريل 1931 تقرر زيادة مرتب علي الجداوي إلى ثلاثة جنيهات ومرتب الشيخ الحصري إلى 150 قرشًا، وأن مرتب الشيخ الجداوي تقرر في مارس 1931م، واستمر في صرفه حتى مارس 1932 عندما تنازل عنه الشيخ الجداوي بعد انتخابه نائبًا عن الإخوان، فأين كان ذلك المفتون طوال تلك الفترة.

7- تضمن التقرير بعد ذلك تعريف بالشيخ علي الجداوي وإشادة بجهوده وأعماله.

8- وردًا على المعونة لفرع القاهرة وأن مجلس الإدارة لا يعرف عن هذا الفرع شيئًا فقد ذكر التقرير أنه بعد مراسلات لمدة عام تقرر ضم فرع القاهرة بقرار من مجلس الإدارة بمحضر رقم (26) بتاريخ 15 من يوليو 1931م، وكان أول من أرسل إعانة لفرع القاهرة هو الوكيل السابق عبد النبي سليمان.

ثم يكمل التقرير الفوائد التي جنتها الجماعة بانضمام فرع القاهرة إليها، ثم يقرون أنه من الناحية المادية البحتة قد استفاد فرع الإسماعيلية بانضمام فرع القاهرة إليه لأن مجموع ما حصل عليه فرع القاهرة حتى كتابة التقرير كان حوالي 30 جنيهًا مصريًا، وأن أثاث ومنقولات فرع القاهرة أكبر من ذلك المبلغ بكثير. وكذلك يمكن القول على فرع بورسعيد الذي لم يكلف فرع الإسماعيلية إلا ستة جنيهات خلال سنتين حتى استقل وأن معظم ما صرف عليه كان من جيب الأستاذ حسن البنا الخاص.

9- أما عملية التسليف والاستلاف فإنها إما تمت بقرار مجلس الإدارة ولعضو من الأعضاء وهذا حق للمجلس، أو قام بها الأستاذ حسن البنا من جيبه الخاص أو بضمانه وهو الأغلب في ذلك البند، بل إن الأستاذ البنا كان يقترض من الناس لنفسه وباسمه ثم يعطيها للجمعية لتستطيع القيام بالمشروعات النافعة، ولو علم من أقرض الأستاذ البنا أن القرض للجمعية لرفض أن يقرضها. وأن مجموع السلف التي قدمتها الجمعية لأعضائها في عام 19311932 لم يزد عن ستة جنيهات ونصف، أما زيادة المصروفات النثرية فهي دعوى لا دليل عليها ونقرر نحن مجلس الإدارة أنها لم تكن زائدة عن الحاجة، وقد اتفق على هذه المصروفات كل من مجلس الإدارة وكذلك الجمعية العمومية.

10- أما شراء الأدوات المدرسية بدون مناقصات وبدون علم المجلس فكذب وبهتان، لأن ما يحتاج لمناقصات لشرائه من هذه الأدوات تم عمل مناقصات له وصورها محفوظة في مجلس الإدارة أما ما لا يمكن عمل مناقصات له فنقر أنه بفواتير قانونية وبأسعار لا تقبل المنافسة ونحن نتحداه أن يثبت غير ذلك.

11- أما عن انتخاب الشيخ علي الجداوي فنحن وفقًا لقانون الجمعية المعد والذي وافقت عليه الجمعية العمومية وهو يعطي الحق للمرشد العام للإخوان المسلمين أن يختار نائبه، ولكن الأستاذ البنا رفض ذلك ورشح لهذا الأمر كلاً من الشيخ علي الجداوي والشيخ محمد الغزالي والأسطى عبد النبي سليمان، وفاز بها الشيخ علي الجداوي بأغلبية ستة أضعاف ما ناله كل واحد من زميليه، ثم يتساءل التقرير: ما هو الضرر في اختيار الجمعية لذلك النائب.

12- أما من فصلوا من المعهد فقد رأت الجمعية إقالتهم ولا تود ذكر الأسباب حتى لا تجرح نفوس أناس تركونا، أما تعيين الأستاذ لأخويه في المعهد فهذا كذب، لأن الأستاذ رأى بدلاً من تعطل المعهد في إجازة الصيف أن يشتغل بنظام صيفي حتى لا ينسى الطلبة دروسهم لا سيما حفظ القرآن ورغبة في الاقتصاد استدعى الأستاذ أخويه وأحدهما في نهاية القسم الثانوي بالأزهر والآخر متقدم إلى شهادة الكفاءة للقيام بذلك العبء مجانًا وبدون أجر، أما سيد الهندي فعين للقيام بالأعمال الكتابية في المعهد وضابطًا له وليس ناظرًا ولا مدرسًا رغم جدارته بالقيام بأعمال التدريس.

13- أما أمر تحكيم الشيخ حامد عسكرية فإنهم لما جلسوا إليه اتفقوا معه على أحد أمرين يفعلهما الأستاذ البنا حتى يعودوا إلى الجماعة مرة أخرى، وهما إما فصل النائب، وإما توقيع الأستاذ على كمبيالات دين الجمعية. فوافق الأستاذ على الحل الثاني، لأنه يمس شخصه أما الحل الأول فيمس اختيار الجمعية العمومية وحقها في اختيار النائب. وتم الصلح على ذلك وأعلن في جلسة ودية في ليلة عيد الأضحى المبارك إلا أنهم بعد هذا الإعلان بيومين أعلن الثمانية استقالتهم.

ومن الجدير بالذكر أن المدعو مصطفى يوسف قد تقرر فصله من الجمعية لسوء سلوكه وذلك بقرار من مجلس إدارة الجمعية وثبت ذلك في محضر رقم (3) الدورة الثانية بتاريخ 13 من أبريل 1932م.

14- لم يرد بيان السبب الحقيقي لاستقالة هؤلاء حفاظًا على من ظل متمسكًا بأمر الصلح الموقع منهم جميعًا إلا المدعو مصطفى يوسف.

15- أما بخصوص النداء الذي وجه لأهالي الإسماعيلية حول قانون الإخوان وروح الشورى فإن هناك قانونًا للإخوان ولائحة داخلية تحت طلب كل من يطلبها، ومعمول بها منذ نشأة الإخوان، وأن لدى الجمعية مفكريها الذين أدركوا غايتها ومراميها، والدليل المادي على ذلك ما وصلت إليه الجمعية من الديموقراطية والشورى فهما مطبقتان قولاً وفعلاً، ولا يتحكم في الجمعية رأي فرد إنما ينفذ ما تقره الجمعية العمومية ورأي الأغلبية معمول به ونافذ على الجميع.

16- تحدث البيان عن أثر نشر التقرير فكانت على صورة خطابات تأييد للجماعة مصحوبة بتبرعات مادية لمساعدة الجماعة، وكذلك خطابات من كل من حامد عسكرية يقر بأن ما ذكر عن التحكيم في هذا البيان هو الصحيح وليس ما ادعاه المدعو مصطفى يوسف، وكذلك خطاب من سيد أحمد ندا وهو عضو مجلس إدارة سابق في الجمعية ينفي فيه تعطيل الإمام الشهيد أعمال المجلس ويؤكد أن ما حدث هو مجرد تأخر عادي ثم أرفق بالخطاب صورة من بيان وزعه بذلك المعنى على أهل الإسماعيلية.

17- وفي ختام البيان جاءت قرارات الجمعية العمومية للإخوان المسلمين بالإسماعيلية كالتالي: "إنه في يوم الأحد الموافق 12 من ربيع الثاني سنة 1351هـ - الموافق 14أغسطس سنة 1932م اجتمعت الجمعية العمومية للإخوان المسلمين بدعوة حضرة نائب الجمعية الشيخ علي الجداوي وبرياسته، وسكرتارية حضرة عبد الرحمن حسب الله أفندي كاتم سر الجمعية، وحضور حضرة أحمد أفندي السكري نائب جمعية الإخوان بالمحمودية وبحضور الموقعين أدناه وعددهم 196 عضوًا، قررت ما يأتي:

  • أولاً: استنكار جميع ما ذكر في التقرير الذي يوزعه المدعو مصطفى يوسف المفصول من الجمعية، والذي تعرض فيه لحضرة المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ حسن أفندي البنا ولإدارة الجمعية والبراءة منه كل البراءة.
  • ثانيًا: مقاطعة هذا الشخص وكل من رضي بعمله مقاطعة إسلامية لارتكابه هذا الجرم الفظيع، جرم الادعاء الكاذب ولسعيه ضد الجمعية، وإن كان لم ينل من وراء هذا السعي خيرًا.
  • رابعًا: الموافقة على الرد الذي كتبه مجلس الشورى للإخوان بالإسماعيلية وبين فيه حقائق دعاوى هذا المدعي وإذاعة هذا الرد بين الناس.
  • خامسًا: الثقة التامة بمجلس شورى الجمعية ونائبها المحترم وتأييده في كل الشئون التي تتحقق بها غاية الجماعة.
  • سادسًا: الوحدة والأخوة الكاملة تحت لواء الجماعة وقانونها ولائحتها الداخلية والعمل على كل ما فيه خير الجمعية وانتشار دعوتها.
  • سابعًا: الشكر في النهاية لحضرة الأستاذ حسن أفندي البنا وحضرة نائب الجمعية الشيخ علي الجداوي وحضرات أعضاء مجلس الشورى لجهادهم المتواصل في خدمة الإسلام والمسلمين.

يطبع هذا القرار ويوزع على الجمهور ويرسل إلى الجرائد والمجلات حتى يعلم الجميع أن الجمعية كلها صف واحد، مرشدها، ونائبها، وأعضاؤها، ومجلس شوراتها تسير بخطى ثابتة إلى الغاية النبيلة لا يضرها من ناوأها حتى تقوم الساعة، هذا طبق الأصل كما في دفتر محاضر الجمعية وتوقيعات الأعضاء وعددهم 196 عضوًا.

مصير أصحاب الفتنة

أما الشيخ صاحب الفتنة ومغذي نارها الذي كان يريد أن يكون رئيس الإخوان بالإسماعيلية، فقد رآه الإمام البنا وسمعه وهو يرسم لهؤلاء المفتونين طريق الكيد والخصام، وكان ذلك مصادفة، وعندما واجهه الإمام بذلك أنكر في البداية ثم اعترف وأقر بجرمه، فطلب منه الإمام الشهيد أن يكتب استقالته ويعتذر عن العمل مع الإخوان، وخيره بين البقاء في الإسماعيلية ويبحث له الإمام الشهيد عن عمل آخر خارج محيط الإخوان، أو أن يعود لبلده ويساعده الإمام البنا في هذا الانتقال ويقوم على راحته حتى يصل بلدته. فاختار الثانية وطلب من الإمام الشهيد أن يسدد عنه دينه وقد سدد الإمام الشهيد عنه هذا الدين ولكنه لم يفِ بوعده وظل في الإسماعيلية، وشكل لجنة بإشرافه ورئاسته واشترك معه في لجنته أصحاب الفتنة ثم ما لبث أن رفع دعوى على الإمام الشهيد يطالب فيها بمكافأة عن المدة التي قضاها في مدارس الإخوان، وأقر الإمام الشهيد بتلك الدعوى ثم قدم للمحكمة من المستندات ما يؤكد حصوله على أكثر من المكافأة وأنه مدين للجمعية وحكم برفض الدعوى ولم تلبث مدرسته أن أغلقت أبوابها وقفل راجعًا إلى بلده.

أما الأخ "مصطفى يوسف" فعندما نُقل الإمام البنا إلى القاهرة في أكتوبر 1932م وجاء وفد من أهالي الإسماعيلية يسألون عن سبب النقل، فأطلعهم ناظر المدرسة على خطاب ورد بتوقيع ذلك الأخ وفيه شتم وتجريح، فتألموا لذلك ونقلوا الأمر إلى أهل البلد وبعد أن غادر الإمام الشهيد الإسماعيلية تربص بعض المتحمسين من أهلها بهذا الأخ وأوسعوه ضربًا حتى عجز عن السير على قدميه، وقد تقدم هذا الأخ بشكوى يتهم فيها بعض الإخوان بذلك، كما يتهم الإمام الشهيد بأنه محرض على هذا الأمر مستندًا إلى وجوده في البلد ولكن القضاء حكم بالبراءة للإمام الشهيد في الابتداء والاستئناف.

وبهذا الموقف ننهي مرحلة من أهم مراحل دعوة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية، تلك المدينة التي كان قد وصفها الإمام البنا بأنها: "هي زهرة العمر، وفجر الشباب، وباكورة الجهاد، وفاتحة النضال، ومشرق الدعوة، ومنزل وحي الفكرة".


زيارات الإمام البنا للإسماعيلية

كانت تلك الرحلة الثانية التي يقوم بها فضيلة المرشد العام لزيارة شعب الإخوان بعد استقراره في القاهرة، وكان جدول زيارة فضيلة المرشد للشعب كالتالي:

زيارات-الإسماعيلية.jpg


رحلة الإمام البنا إلى منطقة القنال

برنامج الرحلة:

في الإسماعيلية: وصل الإمام البنا إلى الإسماعيلية، حيث كان في استقباله فرق الجوالة بها التي أدت بعض الاستعراضات فى دقة ونظام، ثم صلى الإمام العشاء فى مسجد الإخوان المقام بدارهم، ثم ألقى محاضرة جامعة عن التشريع الإسلامي فى نادى العمال بالإسماعيلية، وتفقد منشآت الإخوان خلال ليلتي الجمعة والسبت، كما تابع أنشطة شعب الإسماعيلية وفرق جوالتها.


دور إخوان الإسماعيلية بمواجهة حركات التبشير

وقد كان للجمعية مواقف مشكورة في الدفاع عن العقيدة الإسلامية وإحباط مساعي المبشرين الدنيئة في سبيل النيل منها ووفقها الله إلى إنقاذ الكثير من البنين والبنات والفتيان والفتيات ممن كانوا سيذهبون ضحية هؤلاء المضللين، فقد آوت عددًا كبيرًا من هؤلاء الضحايا بعد إنقاذهم وفعلت مثل ذلك الإسماعيلية.

لجنة مقاومة التبشير في الإسماعيلية:

وكانت الإسماعيلية هي أسرع الشعب تكوينًا للجنة مقاومة التبشير، وبعثت بالتقرير التالي إلى المرشد العام الإمام حسن البنا:

" حضرة صاحب الفضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فتنفيذًا لقرار مجلس الشورى العام وبمناسبة تنصير المبشرين للشاب إسماعيل بكر السواق بالإسماعيلية وتسميته بجان بكر، تكونت لجنة لمقاومة التبشير بالإسماعيلية من حضرات الأستاذ الشيخ شافعي من العلماء وإمام مسجد الإخوان المسلمين رئيسًا، والأستاذ سلامة أفندي خاطر ناظر معهد حراء الإسلامي سكرتيرًا، والأستاذ عبد الحميد رجب أفندي والأستاذ محمد حسام الدين أفندي والأستاذ سيد الهندي أفندي والأستاذ عبد العزيز الغفاري أفندي المدرسين بمعهد حراء الإسلامي وعبد الرحمن حسب الله أفندي وحسن موسى أفندي وفؤاد إبراهيم خليل أفندي وإسماعيل عز أفندي وإسماعيل إبراهيم أفندي وزكي المغربي أفندي أعضاء جمعية الإخوان، أعضاء في اللجنة ثم قررت:

  • أولاً: عمل نداء للأهلين ببيان أخطار المبشرين وتحذيرهم من الوقوع في شراكهم.
  • ثانيًا: تشجيع مدرسة أمهات المؤمنين التي أسست خصيصًا لإيواء بنات المسلمين والحيلولة بينهن وبين مدارس التبشير، وكذلك معهد حراء الإسلامي الذي أنشأته الجمعية لذلك أيضًا.
  • ثالثًا: تكوين لجنة من فرقة الأخوات المسلمات المتعلمات للاتصال بالسيدات في بيوتهن، وإفهامهن خطر التبشير والمبشرات الجوالات.
  • رابعًا: التفكير في إنشاء ملجأ لإيواء البائسين والبائسات ومنعهن من الارتماء في أحضان المبشرين الذين يستغلون عوزهم وفاقتهن في سرقة الضمائر وإفساد العقائد.

ويرجع سبب ذلك إلى أنه في الإسماعيلية ألقى المبشرون عصا التيار بها منذ عهد بعيد، ولهم فيها مدرستان للبنين والبنات، ولهم مستشفى أقامته شركة قنال السويس تغلب فيه الصبغة الطبية صبغة التبشير التي تظهر عند اللزوم، وقد كان للمبشرين جهود موفقة في حمل بعض الفتيات والشبان الأغرار على ترك دينهم وفي استغلال بساطة عقول بعض سكان الضواحي وإدخال الشكوك والشبهات عليهم.

وتألفت جمعية الإخوان المسلمين ورأت ما يقوم به هؤلاء المضللون من وسائل الدعاية غير الشريفة والإغراء والخداع واستغلال المدارس والصدقات في غير ما وضعت له، فحاربتهم بمثل سلاحهم فأقامت المحاضرات الأسبوعية لتمحو بها أثر محاضراتهم.

وأُنشِئ معهد حراء الإسلامي للبنين يلجأ إليه من تنقذه الجمعية من مدرسة البنين عندهم، وأنشئت مدرسة أمهات المؤمنين للبنات، يلجأ إليها من تنقذه من مدرسة البنات التابعة لإرساليتهم، وقامت فرقة الأخوات المسلمات بمحو آثار المبشرات بغشيان المنازل التي يطرقنها وتحذير أهليها من الوقوع في حبائلهن وقامت فرقة الوعظ والإرشاد بالرحلة إلى الأسواق الريفية ونهى الناس عن الاستماع لهم أو تناول كتبهم.

وهكذا أرصدت الجمعية لكل سلاح من أسلحتهم آفة من جنسه تفل حده وتخضد شوكته، وفي هذه الحركة الأخيرة ألفت لجنة خاصة لدراسة هذا الموضوع ووضع العلاج الحاسم له بحول الله تعالى وقوته.

بيد أننا نلاحظ مع الأسف أن المبشرين يحاولون جعل الإسماعيلية وكرًا لتهريب البنات من مختلف الجهات، كما كانت المنزلة سابقًا، فعلى حضرات الأهلين الكرام ورجال الإدارة النشيطين أن يقوموا بنصيبهم من مؤازرة الجمعية في مهمتها من ناحية ومن الحيلولة دون هذه الغاية من ناحية أخرى، فليست الإسماعيلية الكريمة بأقل غيرة على الإسلام من غيرها من البلاد.


إنشاء دار التائبات بمدينة الإسماعيلية

عندما كان يبحث الإمام البنا وإخوانه بالإسماعيلية عن قطعة أرض ليقيموا عليها مسجدًا في عام 929م اهتدوا إلى قطعة أرض فضاء مناسبة مساحتها حوالي 80 مترًا تقريبًا، ولكن كانت قريبة من مكان للدعارة، فاعترض الإخوان جميعًا على هذا المكان، ولكن الأستاذ البنا جمعهم وقال إن هذا البلد بلد إسلامي ولا يستطيع أي إنسان أن يبعدنا عن أي جزء منه، وإننا بعون الله سنقضي على هذه البؤرة من الفساد، وسيرحلون حالاً من هذا المكان بمجرد أن نضع أيدينا عليه فوافق الإخوان، واشتروا قطعة الأرض بسعر جنيه للمتر الواحد.

فما هي إلا فترة يسيرة من بناء المسجد وإقامة الشعائر فيه وتحذير الناس من سوء عاقبة الزنا في الدنيا والآخرة، حتى بدأ الأهالي يمتنعون عن الذهاب لدار الدعارة، وبدأ بعضهن يفكرن في التوبة، عندئذ أعلن الإخوان المسلمون عن افتتاح ملجأ التائبات، وقد استأجروا لذلك مبنى مستقلاً تلتحق به كل من تتوب إلى الله تعالى من بيوت الدعارة وليس لها عائل، فتوافد عليه كثيرات ممن تاب الله عليهن، وقد كلف الإخوان الشيخ علي الجداوي لتولي شئون هذا الملجأ والإنفاق عليه وترتيب الدروس الدينية لهن، وقد وفق الله الكثيرات منهن فتزوجن وأصبحن ربات بيوت صالحات، ومن لم تتزوج منهن تعلّمت فن الخياطة والتفصيل، أو فن الطهي إلخ وكان لهذا العمل الجليل أكبر الأثر في نفوس المسلمين جميعًا من أهالي الإسماعيلية وغيرها.

وكان هذا النموذج العملي الذي قدمه الإمام البنا في هذه الفترة المبكرة من نشأة الدعوة بمثابة إشارة البدء لمحاربة الإخوان لظاهرة البغاء، ومعها أيضًا رسالة واضحة للمنهج الذي سيتبعه الإخوان للقضاء على البغاء خلال هذه الفترة.


الطلاب

تكونت رابطة للطلبة بجمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية، واجتمعت برئاسة الشيخ محمد فرغلى، وقررت بأغلبية الأعضاء انتخاب مجلس الإدارة من حضرات الأفندية: فضيلة الشيخ محمد فرغلي "رئيسًا"، حسن صادق "أمينًا للصندوق"، مصطفى أحمد علي الشال "سكرتيرًا"، سعد زغلول عثمان "أمين المكتبة"، عبد الرازق الحجي "مراقب أعمال ونائب الرئيس". ولقد كان من أهم القرارات تكوين لجان من الطلبة لجمع التبرعات لمنكوبى فلسطين، والدعاية لذلك بالنشر والإعلان، وإنشاء مكتبة للطلبة تحتوى على معظم الكتب الدينية للإطلاع عليها في أوقات الفراغ لتعم الفائدة على الجميع.


حل شعبتي الإخوان المسلمين في الإسماعيلية وبورسعيد سنة 1948

كان أول أمر عسكري أصدره النقراشي بحق جماعة الإخوان المسلمين هو حل شعبتي الإخوان المسلمين في الإسماعيلية وبورسعيد، ففي شهر نوفمبر من عام 1948م قام رجال البوليس والمباحث بغلق جميع الشُعب في هذه المنطقة والاستيلاء على جميع الأوراق الخاصة بالإخوان، وكان هذا الأمر بمثابة جس نبض لجماعة الإخوان، وصدر الأمر خلال تأدية الأستاذ حسن البنا الحج مع مجموعة من الإخوان في السعودية.

وهذا هو نص القرار:

أمر رقم 58 بحل شعبتي الإخوان المسلمين بمنطقتي الإسماعيلية وبورسعيد

نحن محمود فهمي النقراشي باشا

بعد الاطلاع على المرسوم الصادر في 13 مايو سنة 1948م بإعلان الأحكام العرفية وعلى المذكرة المرفوعة إلينا من إدارة الأمن العام في شأن شعبتي جمعية الإخوان المسلمين في منطقتي الإسماعيلية وبورسعيد وبمقتضى السلطات المخولة لنا بناء على المرسوم المتقدم ذكره تقرر ما هو آت.

مادة (1): تحل فورًا شعبتا الإخوان المسلمين بمنطقتي الإسماعيلية وبورسعيد ويغلق المكان المخصص بنشاط كل منهما، ويحظر على أعضائها والمنتمين إليها عقد اجتماعات من أي نوع كان وفي أي مكان كما يحظر على الجمعية المذكورة إنشاء شعبة جديدة لها في هاتين المنطقتين أو عقد اجتماعات فيهما أو تنظيمها أو الدعوة إليها.

مادة (2): يعاقب على كل مخالفة لأحكام هذا الأمر بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

القاهرة في 28 أكتوبر سنة 1948م


إخوان الإسماعيلية والقضية الفلسطينية

كان لإخوان الإسماعيلية دور كبير ومؤثر في دعم القضية الفلسطينية سواء بالتبرعات أو إقامة المؤتمرات وكذلك المشاركة بحرب فلسطين ومن هذه الأدوار مايلى:

تأليف لجان فرعية لجمع التبرعات

لم يكتف الإخوان بما قامت به قيادتهم من تأليف اللجنة المركزية ومباشرة عملها من أجل فلسطين، بل قامت شعب الإخوان في الجهات المختلفة بتأليف لجان فرعية لجمع التبرعات ونشر القضية بين الناس، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في العدد 8 من السنة الرابعة لجريدة الإخوان المسلمين وهي لجنة الإسماعيلية، وأبو صوير، والمنزلة، والمنصورة، وبور سعيد، وأسيوط، وغيرها.

ومما يلفت النظر أن شعبة الإسماعيلية كانت أول الشعب تحركًا وأن وكيل اللجنة في شعبة أبي صوير كان مسيحيًا، وهو السيد بطرس أفندي رزق ناظر المحطة، وكان بعض أعضاء اللجنة من المسيحيين، وقد نشرت جريدة الإخوان نشاط تلك الشعب في أكثر من مقال نذكر منها على سبيل المثال ما كتبته الجريدة فيه: "ورد اللجنة أنه قد تألفت لجان فرعية بالجهات الآتية:

أ- بالإسماعيلية: اجتمع مجلس إدارة جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية واستعرض حوادث فلسطين الشقيقة وما يلاقيه أهلها في هذه الآونة العصيبة وقرر ما يأتي:

  • أولاً: تأليف لجنة من أعضاء المجلس لجمع التبرعات.
  • ثانيًا: عمل صناديق مقفلة يمر بها بعض شباب الجمعية ليستطيع كل إنسان المساهمة في هذا الواجب.
  • ثالثًا: توجيه نداءات وإرسال احتجاجات للجهات المختصة.
  • رابعًا: موالاة الاجتماع وتتبع الحركة الفلسطينية والتفكير فيما يمكن عمله وغير ذلك.

وقد افتتح الأعضاء قوائم التبرعات كالتالى:

وكما قامت شعب أخرى بإعلان احتجاجها على ما يحدث في فلسطين، وتضامنها مع شعب فلسطين، ومع سماحة المفتي أمين الحسيني، خاصة بعد أن عمدت السلطات البريطانية على خلعه من منصبه بعد أن حاصرته في داخل القدس الشريف، وقد سجل أهالي الإسماعيلية احتجاجهم في جريدة الإخوان تحت عنوان: "من أجل فلسطين": "أهالي الإسماعيلية يحتجون على تقسيم فلسطين ويستنكرون أعمال القوة الغاشمة في نفي زعمائها وخلع سماحة المفتي، ويعتبرون ذلك تحديًا للعالم الإسلامي العربي وإهانة لشعوره ويعلنون تضامنهم مع شعب فلسطين في جميع مطالبه العادلة".


إخوان الإسماعيلية والجهاد بالمال

المال هو عماد الدعوات وسندها، ولا تبقى دعوة دون أن يضحى قادتها وجنودها بأموالهم في سبيلها.. وهكذا كانت دعوة الإخوان المسلمين التي قامت على تضحيات مؤسسها في بداية الأمر؛ حيث كان يقسم الأموال بين أهله ودعوته، ويكون الجانب الأعظم من تلك القسمة لدعوته. وقد ربى على ذلك إخوانه بالإسماعيلية؛ فكانت الإسماعيلية فى سنى الدعوة الأولى تنفق على غيرها من الشعب؛ فكانت بمثابة الأم التى تنفق على أولادها حتى يشبوا عن الطوق.

تبرعات-الإسماعيلية1.jpg
تبرعات-الإسماعيلية2.jpg
تبرعات-الإسماعيلية3.jpg


الإسماعيلية وأول مشاركة في الانتخابات

انتهت فترة حكومة حسين سرى باشا التى لاقى الإخوان فى عهدها صنوفًا مختلفة من التضييقات بإيعاز من الإنجليز لمصادرة الصحف ونفى المرشد واعتقال قادة الجماعة؛ وذلك يوم الأربعاء الموافق 17 محرم 1361هـ 4 فبراير 1942م، وفرض الإنجليز وزارة جديدة برئاسة مصطفى النحاس؛ وذلك بعدما شعر الإنجليز أن البلاد على وشك ثورة عارمة ضدهم نتيجة لسياستهم القمعية ورفض المشاركة فى الحرب، فلم يجدوا إلا الإتيان بحكومة وفدية ذات شعبية جماهيرية لتهدئة الوضع الثائر خاصة مع التقدم العسكري لدول المحور في الحرب.

وصدر المرسوم الملكى بتأليف وزارة النحاس في يوم الجمعة 6 فبراير 1942م، وبعد التشكيل مباشرة استصدرت الوزارة مرسومًا بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة، وبذلت مساعى عدة لإعادة الائتلاف والاتفاق بين الأحزاب على توزيع المقاعد النيابية، ولكن لم يتم الاتفاق والتفاهم المنشود وبمجرد الإعلان عن الانتخابات تقدم المرشحون للاشتراك فى الانتخابات.

وكان من قرارات المؤتمر السادس للإخوان المسلمين فى عام 1941م السماح لمكتب الإرشاد العام بالتقدم بالأكفاء من الإخوان إلى الهيئات النيابية المختلفة ليرفعوا صوت الدعوة وليعلنوا كلمة الجماعة فيما يهم الدين والوطن، وكان ذلك بمثابة الإذن للإخوان بالترشيح فى أى انتخابات نيابية. وإن كان مكتب الإرشاد العام قد حث الإخوان مبكرًا على الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات لأن الصوت أمانة وحق للوطن فى منشور رقم 2 لسنة 1355هـ - 1936م، ولذا فما أن أعلن النحاس باشا عن حل مجلس النواب وفتح باب الترشيح لانتخابات جديدة حتى تقدم الإمام حسن البنا بترشيح نفسه عن دائرة الإسماعيلية بناء على رغبة الإخوان؛ فمدينة الإسماعيلية مهد الدعوة الأول وذات مكانة خاصة لدى الإمام البنا، كما أن أهلها جميعًا -مسلمين ومسيحيين- يؤيدون الإمام البنا، وليس أدل على ذلك من أنهم ما أن علموا بنية الإمام البنا فى ترشيح نفسه حتى قاموا بدفع تأمين الترشيح له ليرشح نفسه نائبًا عنهم، وقد نشرت ذلك مجلة "الإثنين" التى كان يرأس تحريرها مصطفى أمين، كما نشرت فى العدد التالى تحت عنوان "مَنْ زعيم المعارضة فى البرلمان الجديد؟"،

وتجيب المجلة: "إنه حسن البنا؛ لأنه سينجح بلا منازع". كما ترشح من الإخوان فى هذه الانتخابات محمد نصير عن دائرة بنها، وسعد الإخوان فى كافة أنحاء القطر المصرى أيما سعادة عند سماعهم خبر ترشيح الإمام البنا نفسه لمجلس النواب، وتأكدوا أنه أصبح عضوًا فى المجلس لشعبيته الجارفة فى كل مكان، وقد عبرت عن ذلك كثير من الصحف؛ مثل جريدة البشرى التى هنأت الإمام البنا على ذلك، وأكدت أنه سيكتسح أمامه كل منافس وأنه سيفوز بالإجماع، وما كتبت الجريدة ذلك إلا وفاءً له، وإنه لخليق بمجلس نواب هو أحد أعضائه أن يفخر كل الفخر، لكن هذه الفرحة وهذا الأمل لم يدوما طويلا؛ فسرعان ما تبدد الأمل كأنه حلم، فلم يكن لقوى الشر التى كثيرًا ما وقفت أمام الإخوان تحجز نورهم، حتى وصلت إلى محاولة اغتيال مرشدهم أن تسمح له باعتلاء منصة مجلس النواب وإبلاغ دعوتهم للعالم من فوق أعلى هيئة تشريعية فى البلاد، ولذا فقد أسرع الإنجليز بمطالبة مصطفى النحاس بالضغط على الإخوان لإثناء الإمام البنا عن الترشيح بأى ثمن وإلا فسيتم إعلان الحرب على الإخوان بكل وسيلة، وذلك بعد أيام من ترشيح الإمام البنا، وعلى أثر ذلك أرسل النحاس باشا صهره عبد الواحد الوكيل يطلب منه مقابلته ليكون على بينة من أمر هذا الترشيح.


مقابلة الإمام البنا للنحاس

فى هذه الفترة انتهز اللورد كيلرن وجود صديقه النحاس باشا فى الوزارة فطلب منه حل جمعية الإخوان المسلمين، وقد دهش النحاس لاهتمام الإنجليز بهذه الهيئة الناشئة. وتكرر طلب اللورد كيلرن، وفى هذه المرة أضاف طلبًا جديدًا؛ وهو الحيلولة دون فوز الإمام البنا فى دائرة الإسماعيلية التى يعسكر فيها قوات الإنجليز، وبعد هذا الإلحاح من السفير البريطانى استدعى النحاس باشا الإمام حسن البنا.

وتمت المقابلة بين الإمام البنا ومصطفى النحاس بفندق مينا هاوس، وصارح النحاسُ الأستاذ المرشد بحرج الموقف، وطلب منه التنازل عن الترشيح لمصلحته ومصلحة البلاد، لكن الإمام البنا رفض ذلك وأعلن أن هذا حق دستورى يكفله له القانون، وأن هذا هو قرار الإخوان ولا يستطيع هو بقرار فردى أن يعدل عن ذلك، لكن النحاس أكد للإمام البنا أن هذا الأمر خارج عن إرادته، وأن الإنجليز جادون فى تهديداتهم؛ فهم يستطيعون أن يدمروا البلد فى ساعتين، كما سيقومون بحل الجماعة ونفى زعمائها خارج القطر إذا لم يتم التنازل. وترك للإمام البنا التفكير فى هذا الأمر على أن تتم مقابلة أخرى فى هذا الشأن، وأن يتعهد النحاس باشا بتنفيذ ما يريده الإخوان فى مقابل ذلك التنازل.

وقد عرض المرشد الأمر على هيئة مكتب الإرشاد فلم توافق الأغلبية على التنازل، إلا أنه شخصيًّا وافق عليه، لا خوفًا من النفى ولكن حرصًا على قيام الجماعة واستمرارها فى تنفيذ أغراضها، ورعاية لمصلحة البلاد فى هذه الظروف الحرجة؛ فالإنجليز أَمْلَوا على الملك إقالة علي ماهر رئيس الحكومة السابق حين أعلن حياد مصر فى الحرب خلافًا لرغبة الإنجليز، كما أجبروا الملك على تكليف النحاس رئاسة الوزارة تحت ضغط القوة. فلا توجد قوة فى البلاد تستطيع مجابهة الإنجليز فضلا عن تهديدهم بتدمير البلاد، وأخيرًا استقر رأى الإمام البنا على التنازل.

وتوجه الإمام البنا مرة أخرى لمقابلة النحاس بوساطة سليم زكي بك الذى أوضح للنحاس مدى انتشار دعوة الإخوان فى المدن والأقاليم، وقد أعلن الإمام البنا تنازله أمام النحاس، ولكن فى مقابل أن يترك للجماعة حرية مزاولة نشاطها بعودة الصحيفة والمطبعة، وتم الاتفاق على أمور كان من بينها:

1- إحياء الأعياد الإسلامية لا سيما مولد النبى (ص) وجعله عيدًا رسميًّا للدولة، وقد أصدر رئيس الحكومة حديثًا مستفيضًا تحية لهذه الذكرى الكريمة.

2- إلغاء البغاء فى كافة أنحاء البلاد.

3- إصدار قانون بوجوب استعمال اللغة العربية فى تعامل جميع الشركات والمؤسسات ومراسلاتها.

4- تحريم الخمر.

5- بذل جهد مشكور فى وضع أساس إنشاء الجامعة العربية.

وقد تعهد النحاس بالنهوض بهذه المطالب، ولكن ما تم تنفيذه هو إلغاء البغاء فى القرى، وتحريم الخمر فى المناسبات الإسلامية.

وقد كتب الإمام برقية بإعلان تنازله عن الانتخابات، لكن النحاس رفض ذلك، وطالب البنا أن يشير فى بيان تنازله إلى الجهد الذى بذله رئيس الحكومة لإقناعه بالتنازل وذلك مراضاة للإنجليز، فذكر الإمام ذلك حتى لا يخسر النحاس ويفوت الفرصة على الإنجليز ولكنه لم يخالف مبادئه، وكتب "إلى دولة وزير الداخلية نظرًا لظروف خارجة عن إرادتي أعلن تنازلي عن الترشيح فى دائرة الإسماعيلية".

وفى هذه الفترة خطب النحاس خطبة أشار فيها لخطوات الإصلاح المنشود، وطلب من الإمام البنا أن يعلن تأييده لسياسة الوفد في التعاون مع بريطانيا لتنفيذ معاهدة التحالف، لكن الإمام البنا رفض ذلك بشدة واكتفى بذكر فقرات من خطاب النحاس فى سياسة الإصلاح الديني والاجتماعي، وقد نشرت جريدة الوفد المصري إشادة الإمام البنا بنشاط وزير الصحة وقراره ببدء إلغاء البغاء فى القرى والبنادر من أول مايو.


الإسماعيلية تساند البنا في ترشيحه للانتخابات

كما ساندت مدينة الإسماعيلية الإمام حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين في ترشحه للانتخابات، فقد أقام أهل الإسماعيلية على نفقاتهم 60 سرادقًا للدعاية الانتخابية للإمام البنا، وتوافد على الإسماعيلية الآلاف من إخوان البلاد الأخرى تأييدًا للإمام البنا.


إخوان الإسماعيلية والأنشطة الرياضية

الملاكمة

اهتم الإخوان بالملاكمة، وأقاموا لها الحلقات؛ فأقيمت المسابقات فى المناطق المختلفة مثل السويس والقاهرة وغيرها من المناطق، وقد انضم إلى فريق ملاكمة الإخوان بالقاهرة ملاكم مصر الكبير عبده كبريت الذي تولى تدريب فرق منطقة شمال القاهرة، كما شارك بعض أبطال الدول العربية فى مباريات الإخوان فى الملاكمة مثل اللاعب عبد الوهاب الدكسى بطل سوريا الذي شارك مع فريق ملاكمة إخوان الإسماعيلية. كما زار الإخوان وشارك فى أحفالهم الرياضية بطل فلسطين أديب دسوقى، وكان من إخوان فلسطين، وقد أقام الإمام البنا حفل تكريم له ولأبطال العرب فى الملاكمة.

المصارعة: نشط الإخوان فى رياضة المصارعة، وكانت منطقة القنال من أنشط المناطق فى ذلك المجال، وقد نظمت بطولة القناة للمصارعة على ملعب الإخوان المسلمين ببورسعيد، وكانت نتائج تلك البطولة كالتالي:

رياضة-الإسماعيلية.jpg

وقد شارك في تلك البطولة العديد من الأبطال من خارج الإخوان.

وقد اهتمت إدارة الفرق الرياضية بالتواصل مع أبطال الألعاب المختلفة فى العالم العربى، فدعت أبطال المصارعة السوريين واللبنانيين الذين حضروا إلى القاهرة، وأقامت حفل تكريم لهم، حضره الإمام الشهيد، وألقى فيه كلمة، وُصفت بأنها دستور للرياضة والرياضيين.

تنس الطاولة

لم تكن تلك اللعبة كذلك منتشرة وسط الإخوان فى تلك الفترة، ولكن كانت هناك بعض الفرق من الإخوان التى واجهت فرقًا من غير الإخوان؛ مثل إخوان الإسماعيلية عندما واجهوا فرقة مدرسة تدريب الجيش البريطانى بالإسماعيلية، وكانت النتيجة فوز ستة من الإخوان مقابل واحد من المدرسة، كما واجه إخوان شبرا نادى الشباب النوبى، وتفوق عليه فريق الإخوان.


يوم الدعوة الخالد في الإسماعيلية

من فعاليات مؤتمر رؤساء المناطق والشعب ومراكز الجهاد والذي عقد في 2 شوال 1364هـ الموافق 8 سبتمبر 1945م عقد المؤتمرات والحفلات في عواصم المحافظات والمديريات والمدن الهامة لتنوير الرأي العام وشرح الموقف الحالي.

لذلك أقام المركز العام للإخوان المسلمين مؤتمرًا إسلاميًا جامعًا في مدينة الإسماعيلية بمناسبة مرور عشرين عامًا على تأسيس أول شعبة بها، وذلك في الساعة الثامنة من مساء يوم الخميس الموافق 6 ذو القعدة 1367هـ الموافق 9 سبتمبر 1948م.

وقد وجه المركز العام للإخوان المسلمين بالقاهرة الدعوة إلى رجال الصحافة وزعماء العروبة والإسلام وقادة الفكر والرأي بينهم:

لقد استقبل المركز العام كبار المدعوين من صفوف المركز العام بالقاهرة في عدد من السيارات يبلغ العشرين تتقدمهم عربة خاصة لرجال الصحافة ومصوريها كما كانت تقل ممثلي الأقطار العربية السالف ذكرهم.

كما أعد الإخوان دار منطقتهم وناديهم ومنازلهم كلها ومنازل أهليهم وأقربائهم وأصدقائهم وجيرانهم وحجزوا جميع اللوكاندات وبذلوا كل جهد مستطاع لاستقبال جموع الوافدين.

أما الجوالة فقد أشرفت فرقها على النظام وقاموا باستعراض اشترك فيه خمسة آلاف جوال أو يزيدون ...

وقائع الحفل:

افتتح الحفل باسم الله وعلى هدى قائد الدعوة الأول محمد صلى الله عليه وسلم وبتلاوة آيات الذكر الحكيم ثم ألقى الأستاذ عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للإخوان كلمة الافتتاح فرحب بالحضور الكرام ثم تقدم الأستاذمحمد أبو العلا المحامي فألقى كلمة الإسماعيلية ثم تلاه الأستاذ عبد المقصود راضي المدرس ببورسعيد فألقى قصيده ثم تلاه الأستاذ محمد الظاهر منير وألقى كلمة عن منطقة السويس ثم أعطيت الكلمة للشيخ محمد صبري عابدين مندوب الهيئة العربية العليا فحيّا فيها الإسماعيلية ورجالها وتعرض كذلك للقضية الفلسطينية ثم تحدث بعد ذلك الشيخ عبد المعز عبد الستار فألقى كلمة حماسية ثم تلاه السيد هارون المجددي مندوب الهيئة العربية فألقى كلمة عن أفغانستان، أما كلمة الصحافة فقد استهلها الأستاذ عوض قنديل المحرر بجريدة الزمان فحيّا الإخوان ودعوتهم وأشاد بمنهاجهم الإسلامي في الإصلاح الاجتماعي، ثم قدم الأستاذ السيد محيي الدين القليبي السكرتير الهام لجبهة الدفاع عن أفريقيا الشمالية فألقى كلمة عن البلاد الإسلامية وقدم الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري ممثل الإخوان في سوريا فتكلم عن القضايا الإسلامية باستفاضة كما ألقى الأستاذ محمود أبو النجا قصيدة رائعة بمناسبة الذكرى وتكلم عن فلسطين الشيخ نمر الخطيب فشرح قضية فلسطين وما يعانيه اللاجئون من أهلها ... وأعقبه الشيخ الشاذلي مكي سكرتير حزب الشعب الجزائري فألقى كلمة عن المغرب العربي.

وعلى الصعيد الإخواني تحدث كل من الأستاذ مصطفى مؤمن والشيخ أحمد حسن الباقوري والأستاذ عبد الرحمن الساعاتي والشيخ عبد اللطيف الشعشاعي والأستاذ صالح عشماوي وكيل الجماعة، ثم ختم الأستاذ المرشد المؤتمر بكلمته الوافية فحيّا فيها الحضور الكريم وحيّا الهيئة العربية ورئيسها سماحة المفتي الأكبر الحاج أمين الحسيني في شخص مندوبي الهيئة الحاضرين فضيلة الشيخ صبري عابدين وسعادة أمين عسقل بك ثم تحدث عن ذكرياته الأولى في مدينة الإسماعيلية حيث مكث فيها خمس سنوات قضى فيها زهرة عمره وفجر شبابه وباكورة جهاده فكانت الإسماعيلية بمثابة فاتحة النضال ومشرق الدعوة ومنزل وحي الفكرة فحيّا رجالها ونساءها وشبابها لمساهمتهم في بناء أساس هذه الدعوة ثم قدم لأهل الإسماعيلية زعماء العروبة والإسلام الحاضرين وأعضاء مكتب الإرشاد وأعضاء الهيئة التأسيسية.ورؤساء المكاتب الإدارية وزعماء رهوط الجوالة وغيرهم وممثلي الدعوة في مصر والأقطار الشقيقة ثم ذكر الإخوان المسلمين بالبيعة موضحًا لهم العقبات التي تعترض طريقهم داعيًا إياهم إلى الثبات والصبر ثم جدد البيعة معهم على العمل والجهاد والكفاح في سبيل دعوة الحق ...


قرار المركز العام بمناسبة احتفالات الإخوان المسلمين بمرور عشرين عامًا على تأسيس أول شعبة بالإسماعيلية

الأمام البنا و فرقة جوالة الإسماعيلية

بمناسبة ذكرى مرور عشرين عامًا على إنشاء أول شعبة لدعوة الإخوان المسلمين بمدينة الإسماعيلية، قرر المركز العام أن يحتفل الإخوان في جميع الوادي بهذه الذكرى بناء على التوجيهات الآتية:

أولاً: تقيم كل شعبة حفلاً جامعًا إذا أمكن في يوم السبت غرة ذي القعدة 1367هـ الموافق 4 من سبتمبر 1948م ، تدعى إليه الكافة من أبناء البلدة في سرادق أو في دار الشعبة أو في أحد المساجد الكبيرة وفق ما يتيسر لكل شعبة على حده.

ثانيًا: لا بأس بأن تقيم بعض الشعب إذا استطاعت حفل شاي خاصًا لبعض المدعوين، إلى جانب الحفل العام ولها أن تكتفي بأحد الحفلين في حدود ما تسمح به الظروف المحلية.

ثالثًا: في جميع الحفلات يتألف البرنامج الأساسي من: 1. قرآن كريم. 2. كلمة الشعبة عن تاريخها ومدى نشاطها في سائر الميادين والخدمات الاجتماعية. 3. قصيدة أو كلمة. 4. رسالة المرشد العام وسترسل لكل شعبة. 5. كلمة عما تعتزم الشعبة أن تقوم به بمناسبة هذه الذكرى.

رابعًا: يحسن في جميع الأحوال أن يدعى أهل البلدة في عصر هذا اليوم المحدد إلى زيارة المؤسسات والمنشئات ومظاهر النشاط البارزة التي تشرف عليها الشعبة ويكون الإخوان في خدمة الزوار واستقبالهم طول اليوم والنهار.

خامسًا: تتأخر شعب القاهرة ما تسمح به الأحوال والقوانين يومًا واحدًا لاستطاعة الإخوان بين أحفالهم الموضعية وحفل المركز العام فيكون موعد شُعب القاهرة يوم الأحد 3 من ذي القعدة 1367هـ الموافق 5 أغسطس 1948م أما حفل المركز العام فيكون بمشيئة الله يوم السبت غرة ذي القعدة 1367هـ.

سادسًا: يقام حفل المركز العام بمشيئة الله يوم السبت في الساعة الثامنة من مساء السبت غرة ذي القعدة ويسبقه حفل شاي قاصر على حضرات الصحفيين الذين يجتمعون في مؤتمر صحفي بفضيلة الأستاذ المرشد العام.

هذه النقاط التي ينبغي أن يرعاها الإخوان في احتفالاتهم التاريخية بهذه الذكرى العظيمة جعلها الله تعالى مفتاح الخير، ومنفعة اليمن والإقبال على الأمة الإسلامية والبلاد العربية، وحينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله والله أكبر ولله الحمد ...

السكرتير العام

عبد الحكيم عابدين


المراجع


للمزيد عن إخوان الإسماعيلية

من أعلام الإخوان بالإسماعيلية
أقرأ-أيضًا.png

وصلات داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

روابط خارجية

الموقع الرسمي لإخوان الإسماعيلية

وصلات فيديو