جدو أحمد العسال.. رحمك الله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جدو أحمد العسال .. رحمك الله
جدو.jpg

بقلم: إسلام توفيق

"بابا.. عايز أروح عند جدو أحمد علشان آكل عنب".. جملة لم أنسها ولا أظنني سأنساها طيلة حياتي، فقد كان اليوم الذي يصطحبني أبي فيه إلى "جدو" الدكتور أحمد العسال رحمه الله؛ يوم عيد بالنسبة لي، ليس لأنني سأجد عنده ما لذَّ وطاب من الفاكهة التي لا تنقطع من بيته، ولكن لأنني ورغم صغر سني وقتها إلا أني كنت أشعر بدفء وحب منه لي، وكأني حفيده الذي من صلبه.

كان عمري لا يتعدى 8 سنوات وقتها، ولكني أتذكر جيدًا كيف كان "جدو" أحمد يُحْضِر لي طبق العنب البناتي والتين لآكل حتى أشبع، حتى أصبح هذان النوعان من الفاكهة الأحب إلى قلبي، فكانا لا ينقطعان عن بيته.

ومرَّت الأيام والسنون، وبَدَأْتُ أكبر وأعي، وانشغلت في الدراسة كما انشغل أبي في العمل، ولم يعد ذهابي وذهابه لجدي كثيرًا، حتى انقطع اتصالي به أو رؤيته، ولكنه ظلَّ يتذكرني، فكان كلما رأى أحد يعرفني يقول له: "أبلغ إسلام مني السلام"، وكان لسلامه نوع من الفخر والعزة عندي، فمن أنا حتى يتذكرني من اعتبره د. يوسف القرضاوي في مذكراته رفيق دربه وأستاذه.

وما إن قابلته قَدَرًا أو بترتيب أنزل إلى يديه لأقبِّلُها فيرفض أو يهمّ هو بتقبيل رأسي؛ حتى إنه في إحدى المرات سقطت عصاه على الأرض، فأسرعت أن أحضرها له، فقال لي: "أنا لسه شباب.. أنا اللي هانزل أجيبها".

وفي عيد الأضحى قبل سنتين أو ثلاثة، تم تكليفي بعمل لقاءات مع قيادات الجماعة حول خواطرهم مع العيد، وصلاة العيد، وخروف العيد، والذبح، والأضحية، واتصلت به لأعرف ذكرياته، وما إن ذكرته بنفسي؛ أعاد معي ذكرياته معي بأشياء كنت قد نسيتها، وأخرى أتذكرها، وطلب مني بعدها أن يراني، وذهبت إليه فعلاً وجلست معه مدة ليست بالقصيرة، حكى لي فيها ذكرياته مع أبي ومعي.

وشاء الله بعدها أن أخطب، وأبدأ في ترتيبات العقد، وبدون سابق وأنا أتحدث مع خطيبتي عمن يحضر عقد القران ومن يعقد لنا، طافت بخيالها أن من يعقد لنا واحد من اثنين إما الدكتور يوسف القرضاوي أو الدكتور أحمد العسال ، فاستغربت لطرحها وخيالها أو بمعنى أوقع؛ تعجَّبت من معرفتها بالدكتور العسال الذي لم تره من قبل ولكنها تتمنى أن تراه، فطلبت منها أن أعرف السبب، فأخبرتني أن والدها كان يجلس معهم يقرأ لهم مذكرات الدكتور القرضاوي، فكانت تسمع عن الدكتور العسال، فأحبته دون أن تراه.

وتضيف أنها بحثت كثيرًا على شبكة "الإنترنت" عن مؤلفاته وكتبه، فوجدته مُقِلاًّ في الظهور الإعلامي، وليس له نصيب في الشهرة الإعلامية، فزاد إعجابها به، العجيب أن شقيقها الكبير- كما تحكي هي- كان يدعو الله أن يرى الدكتور العسال.

سمعت هذا الكلام، وتذكرت الماضي الجميل، فاتصلت بجدي، وطلبت منه المقابلة، وذهبت إلى بيته، فوجدت طبق العنب أمامي، وطلبت منه أن يحضر عقد قراني، وأن يقول هو صيغة العقد أمام الجميع، ورغم ضعف صحته وكبر سنه وافق الدكتور العسال وبارك لي، وقبل أن أنصرف نادى على زوجته، وأحضر لي قطعة قماش قال لي وقتها: "اصنع منها بدلة الفرح"، فكانت أحلى هدية.

ويوم العقد، كان من أوائل الحضور رغم أنه كان عند الطبيب قبل الفرح بيومين، وبمجرد أن رأيته بالقاعة هرولت إليه ونزلت إلى يديه وقبلتها، لأجد خطيبتي (زوجتي بعد ذلك) تفعل كما أفعل، ويُفاجأ الجميع من هذا الرجل الكبير الذي تهافت عليه العروسان وقبَّلا يده.. إنه الدكتور أحمد العسال.

وفي لحظة العقد، أجدُ يدَ الدكتور العسال فوق يدي، ويطلب مني أن أردد ما يقوله لي، وأجد نفسي أردد صيغةً للعقد لم أسمعها من قبل، عاهدت فيها الله على حياة زوجية متكاملة، وصَّاني فيها بزوجتي وأهلها وأولادي وأبي وأمي وبدعوتي، فكانت كلمات لا تُنسى.

لم ينته الأمر عند ذلك، بل أهداني كتبًا من تأليفه بعنوان "الأسرة والمجتمع"، وكتب لي فيها إهداءً بخطِّ يده، فكان أول كتاب قرأته مع زوجتي.

كان- رحمه الله- من الأوائل الذين أبلغتهم أن الله رزقني بطفل وأني سميته "يمان"، فتعجب في البداية وطلب مني تغيير الاسم حتى لا يكون صعبًا على من ينطقه، ولكنه عاد وبارك لي وقال: "سمه ما تشاء، بارك الله لك فيه".

ومن وقتها انقطعت أخباره، حتى وصلتني رسالة على هاتفي تخبرني بوفاته، فنزل الخبر عليّ كالصدمة، وأُفاجأ بالدموع تنهمر من عيني دون أن أشعر، وأجد أمي تحكي عنه الكثير والكثير، وكيف أنه لم يُرزق بأولاد، ويرفض الزواج من أخرى بدعوى أن كلَّ الإخوان أولاده، وأن كل الأخوات أبناء زوجته، وهو ما أكده لي أحد رفقاء دربه بعد وفاته بيومين، ويحكي عن د. العسال وعيناه مملوءتان بالدموع: "لقد ربَّى جميع الإخوان ، وكان يعتبر كلَّ الإخوان أبناءه".

رحم الله جدو أحمد العسال ، وأسكنه فسيح جناته، وأطلب من المولى عزَّ وجلَّ أن يجمعني معه في الجنة لآكل العنب البناتي والتين معه مرة أخرى، وحتى يرى صغيري "يمان" الذي دعا له وبارك اسمه دون أن يراه.

المصدر

للمزيد عن الدكتور أحمد العسال

وصلات داخلية

كتب متعلقة

متعلقات أخري

مقالات بقلمه

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

محاضرات صوتية للشيخ

وصلات فيديو