جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد .. حقائق من أسطر التاريخ

موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

الحالة السياسية المتذبذبة في مصر في العشرينيات

كانت مصر تمر بحالة خواء سياسي ملحوظ ، فبرغم تواجد العديد من الأحزاب السياسية غير الإسلامية إلا أنها جميعها كانت أحزابا ورقية لا تواجد فعلي لها على الساحة ، باستثناء حزب الوفد الذي كان له تواجد قوي ، و تأثير واضح في الشارع المصري من قبل العامة و الخاصة حتى أنه كان يعرف بحزب الأغلبية ، وأيضا بالحزب الجماهيري الكبير .

لكن يبقى العامل المشترك بين حزب الوفد و غيره من الأحزاب هو تلك الشعارات الزائفة ،و الكلمات الرنانة و الخطب الحماسية التي تلهب مشاعر الشعب ، أضف إلى ذلك التنازع فيما بينهم للوصول إلى الزعامة و كرسي الحكم .

يقول الإمام البنا عن هذا الغثاء الحزبي السياسي :

" إن نهضتنا لا تزال مبهمة لا وسائل لها ولا غايات ولا مناهج ولا برامج.

سل أي زعيم سياسي:رئيس الوفد أو رئيس الأحرار أو رئيس حزب الشعب أو رئيس حزب الاتحاد عن المنهج الذي أعده للنهوض بالأمة والسير بها إلى نوال أغراضها. لا شيء أبداً" .

وفي خضم كل هذا الغثاء الذي لا نفع فيه للإسلام و المسلمين .. ظهرت على الساحة جماعة الإخوان المسلمين بقيادة مرشدها الإمام البنا .

هذه الجماعة نأت بنفسها عن الدخول في صراعات الأحزاب السياسية .. فلم تكن أبدا حزبا سياسيا.. بل كانت جماعة لها برنامجها الواضح و الذي لم يتواجد لدى الأحزاب السياسية الأخرى بما فيها حزب الوفد . هذا البرنامج هو شمولية الإسلام للحياة ، وتحكيم شرع الله .

وانتشرت أطايب ثمار هذه الجماعة في كل حدب وصوب ، ووصلت إلى كل يد من أبناء الشعب الذين أدركوا صدق هذه الجماعة و إخلاصها ، فسارعوا بالانضمام تحت لوائها . وبدأ حزب الوفد يفقد المئات من أنصاره و مؤيديه ، خاصة بعد معاهدة 1936م فتراجعت على إثر ذلك شعبيته كثيرا .

يقول الأستاذ محمود محمد عبد الحليم واصفا الفراغ السياسي الذي كانت تمر به البلاد في ذلك الوقت برغم تواجد الأحزاب التي كان لها مآرب أخرى في الحكم و ليس في مصلحة البلاد :

" أما الأحزاب التقليدية وهى فى ذلك الوقت الوفد والأحرار والدستوريون والسعديون ، فهذه أحزاب أوجدتها ظروف معينه وانتهت هذه الظروف وكان يجب أن تنتهي هذه الأحزاب بانتهائها ولكنها تشبثت بالبقاء دون أن يكون لها برامج محددة أو أساليب إصلاحية معينة ، ولم يكن لها جميعا إلا هدف واحد تسعى إليه هو الوصول إلى كراسي الحكم لا يبالون عن أي طريق يصلون ، وفى غضون هذا التهالك على الحكم ضيعت مصالح البلاد ، وديست كرامتها ، وتمكن المستعمر من رقاب أهلها ، وفقد الشعب الرؤية الصحيحة بعد أن استطاعت هذه الأحزاب قلب المفاهيم لكلمات تتصل بالروح الوطنية ، فاختفت من قاموس هذه الأحزاب كلمة المستعمر وحل محلها الحليف ، واختفت كلمة الثورة وحل محلها المفاوضة ، وزفوا إلى الشعب معاهدة الإذلال والاحتلال فى ثوب معاهدة الشرف والاستقلال . هذه الأحزاب بعيدة كل البعد عن دعوة الإخوان المسلمين ولا يكاد يكون بيننا وبينهم وجه شبه فى حين أن بيننا وبينهم كل أوجه الخلاف فنحن فى واد وهم فى واد آخر ."

ويحلل الأستاذ جمعة أمين الوضع السياسي في ذلك الوقت فيقول :

" لكن سرعان ما انصرفت الجماهير عن حزب الوفد بعد معاهدة 1936م مع الاستعمار وبدأت تتطلع إلي قيادة جديدة وتنظيمات سياسية أخري .

ولم يكن لأحزاب الأقلية أي توجه شعبي علي عكس الإخوان التي حرص مؤسسها من أول يوم علي دعوة الجميع حتى أصحاب المقاهي من عامة الشعب إلي فكرته وتعريفها بحقها ، وإيقاظ الإيمان في قلوبها . فانتشرت الدعوة في أوساط فئات الشعب المختلفة ، وانجذب إليها العمال ، والطلاب والمثقفون الساخطون علي سياسة الوفد وأحزاب الأقلية معا ، مما أدي إلي توسيع قاعدتها الجماهيرية في وسط الشعب المصري .

وبتحليل الوضع السياسي لمصر إبان القرن العشرين يمكن أن نستخلص عدة حقائق منها :

1. ظهور الشيخ حسن البنا في وقت يسوده وضع سياسي متهرئ : محتل غاشم مستبد ، وملك متسلط لاه ، وأحزاب متناحرة نفعية ، وشعب ذليل جاهل ، وإن كان متدينًا بفطرته متطلعًا لرجل ف ذ يفهم ذلك الوضع ويقود الناس إلي طريق خلاصهم وسعادتهم .

2 . تأثر جماعة الإخوان بالقوى السياسية الفاعلة في مصر - مثل الإنجليز والأحزاب - وتفاعلها مع الأحداث مع الأحداثالسياسية المتجددة وقتذاك ، مما كان له أكبر الأثر في نشأتها وتطورها من حيث الأهداف والفكر والحجم .

3. دلالة ذلك الوضع السياسي علي أن نظام الحكم الإسلامي كان منعدما ، وإذا أضيف إلي ذلك إلغاء الخلافة الإسلامية نهائيا عام 1924م والذي كان له وقع شديد الأثر في مصر ، حيث أوجدت حاجة ملحة لأن يعمل الناس من أجل إعادة الدولة الإسلامية ذات الاستقلال ، والحكومة الإسلامية ذات السيادة ، والخلافة الإسلامية الضائعة .

4. برزت عدة قضايا أساسية تحتاج من يقوم بالتوعية بها منها قضية التحرر من الاستعمار ، وقضية الحكم الإسلامي ، وقضية الحريات ، وقضية فقدان الأمل في الحكومات والأحزاب لكي تقوم بهذه المهمة ، فأنبرت جماعة الإخوان من بين الصفوف تعرف الناس بذلك ، وتثبت صحة اتجاهها ."

حزب الوفد في سطور

هو حزب سياسي ليبرالي ، تشكل في مصر عام 1918م، وكان يسمى بحزب الأغلبية أو الحزب الجماهيري الكبير قبل ثورة 23 يوليو المصرية التي أنهت عهد الملكية، وحولت البلاد إلى النظام الجمهوري.

ولم يعد الحزب إلى نشاطه السياسي إلا في عهد الرئيس أنور السادات بعد سماحه للتعددية الحزبية، وقد اتخذ لنفسه اسم حزب الوفد الجديد سنة 1978م .

وقد تولى الوزارة معظم الوقت في مصر منذ عام 1924م وحتى عام 1952م .


من شخصيات حزب الوفد البارزة

سعد زغلول :

مؤسس حزب الوفد عام 1918م ، وعلى إثر ذلك نفي و أصحابه إلى جزيرة مالطة بالبحر المتوسط بمعرفة الإنجليز وذلك لتلميعه في مصر على حساب محمد فريد، فكانت ثورة الشعب عام 1919م والتي كانت من أقوى عوامل زعامة سعد زغلول ، و التمكين لحزب الوفد . وظل زعيما للحزب حتى أجبره الإنجليز على الاستقالة بعد مقتل السير لي ستاك قائد عام الجيش المصري على يد أحد المجاهدين، توفي عام 1927م.

مصطفى النحاس :

تولى زعامة حزب الوفد من عام 1927م حتى عام 1952م .وكان مسئولا عن المعاهدة المصرية البريطانية عام 1936م معاهدة الاستقلال والشرف والتي لا حققت استقلالاً ولا حازت شرفاً وتضمنت هذه المعاهدة شروطاً سبعة تحولت بموجبها العلاقة بين مصر وإنجلترا من علاقة أعداء إلى علاقة أصدقاء ومن احتلال إلى تحالف وتناصر وهكذا تهدر كل الجهود والتضحيات التي قام بها المجاهدون خلال خمسين سنة سابقة إلا أنه ألغاها لاحقا تحت ضغط الشعب حين لم يفي المحتل بوعده بالجلاء عن مصر.

تولى رئاسة الوزراء سبع مرات ومن المعروف أنه جاء في 4 فبراير عام 1942م ووزارته بعد ضغط الإنجليز على الملك فاروق وتهديده بنفيه إلا يتولى النحاس باشا، حيث أتو به للوزارة بدباباتهم ، ولما أدى ما هو مطلوب منه من تأييد للإنجليز في حربهم ضد الألمان ، أذنوا لفاروق بإقالته، توفي عام 1965م .وهو أحد المنتمين للماسونية .

فؤاد سراج الدين :

أصبح عضوا في الوفد المصري عام 1935م ثم سكرتيرًا عامًا للوفد عام 1949.وعين وزير للزراعة في عام 1942، ووزيرا للشئون الاجتماعية ثم وزيرًا للداخلية في سنة 1942.

اعتقل مرات عديدة في أعوام ( 1952- 1953- 1954- 1961- 1965).

أعاد حزب الوفد للحياة السياسية 1978 وأصبح رئيسًا له حتى 9 أغسطس 2000 حيث توفاه الله.

من مبادئ الوفد المعلنة السياسية والاجتماعية

ـ تحقيق استقلال البلاد وحريتها وتحقيق الوحدة بين مصر والسودان.

ـ التمسك بميثاق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

ـ التمسك بعروبة فلسطين.

ـ العمل على رفاهية الشعب وترقيته عن طريق النظام الليبرالي.

ـ دعم النظام الدستوري الديمقراطي.


موقف جماعة الإخوان من الأحزاب عامة

أثير حول جماعة الإخوان المسلمين تساؤلين في أمر الأحزاب:

الأول :ما هو أساس موقف الجماعة من تلك الأحزاب ؟ .

الثاني : هل تعد الجماعة حزبيا سياسيا ؟.

وفي مايلي الرد على هذين التساؤلين :

التساؤل الأول : ما هو أساس موقف الجماعة من تلك الأحزاب ؟

هناك من أورد هذا التساؤل كبطانة لشبهة يريد أن يثيرها حول الجماعة ، من هؤلاء فاروق عبد السلام الذى أفرد فصلا عن الإخوان المسلمين والمسألة الحزبية وقال : " إلا أنها ـ أى جماعة الإخوان المسلمين ـ وضعت نفسها موضع الشبهات بموقفها غير المدروس من قضية الحزبية وربما تعددت الأسباب وراء ذلك كله إلا أن ما يعنينا منها بالدرجة ا لأولى وما نعتقد أنه أهم الأسباب جميعا وراء هذا الموقف المتناقض هو اعتقاد الجماعة بأن الأحزاب السياسية لا تتفق وروح الشريعة الإسلامية وأن النظام الحزبى حرام ومرفوض من وجهة نظر الشريعة".

وهنا يرد الأستاذ عمر التلمساني فيقول :

"والذي يقرأ مذكرات الإمام الشهيد حسن البنا يجده قد حدد موقف الإخوان من هذه المسألة فلم يكن واردا فى تخطيط الإخوان المسلين الوصول لكرسي الحكم وهو أحد الأهداف الرئيسية لتكوين الأحزاب ونشاطها ولو كان الإخوان يريدون ذلك لدخلوا فى تحالفات سياسية أو انضووا تحت أحد الأحزاب ذات ا لشعبية الهائلة ولكن أمرا كهذا لم يحدث على مدى تاريخ الإخوان المسلمين .المسألة الثانية أن الإخوان أعلنوا مرارا معارضتهم لتشكيل الحزب لأن معظم الأحزاب قبلت ورضيت بالقوانين الوضعية وتنفيذها الأمر الذى لم يقبله الإخوان لأن حكم الله فوق كل حكم وهم كانوا يريدون أن تحكم مصر بشرع الله ولم يكن ذلك واردا فى أى برنامج حزبى موجود فى تلك الأوقات"

ومن قوله كذلك في رسالة المؤتمر الخامس عام 1938م :

"والإخوان المسلمون يعتقدون أن الأحزاب السياسية المصرية جميعا قد وجدت فى ظروف خاصة ، ولدوافع أكثرها شخصى لا مصلحى .

ويعتقدون كذلك أن هذه الأحزاب لم تحدد برامجها ومناهجها إلى الآن ؛ فكل منها يدعى أنه يعمل لمصلحة الامة فى كل نواحى الإصلاح ولكن ما تفاصيل هذه الأعمال وما وسائل تحقيقها ؟ وما الذى أعد من هذه الوسائل ؟ وما العقبات التى ينتظر أن تقف فى سبيل التنفيذ ما أعد لتذليلها ؟ كل ذلك لا جواب له عند رؤساء الأحزاب وإدارات الأحزاب ، فهم قد اتفقوا فى أمر آخر هو التهالك على الحكم ، وتسخير كل دعاية حزبية وكل وسيلة شريفة وغير شريفة فى سبيل الوصول إليه ، وتجريح كل من يحول من الخصوم الحزبيين دون الحصول عليه .

ويعتقد الإخوان كذلك أن هذه الحزبية قد أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم ، وعطلت مصالحهم ، وأتلفت أخلاقهم ، ومزقت روابطهم ، وكان لها فى حياتهم العامة والخاصة أسوأ الأثر . ." كما يعتقد الإخوان أن هناك فارقا بين حرية الرأى والتفكير والإبانة والإفصاح والشورى والنصيحة - وهو ما يوجبه الإسلام - وبين التعصب للرأى والخروج على الجماعة والعمل الدائب على توسيع هوة الانقسام فى الأمة ، وزعزعة سلطان الحكام ، وهو ماتستلزمه الحزبية ويأباه الإسلام ويحرمه أشد التحرم ، والإسلام فى كال تشريعاته إنما يدعو إلى الوحدة والتعاون . .. وإن الإخوان لايضمرون لحزب من الأحزاب أيا كان خصومة خاصة به ، ولكنهم يعتقدون من قرارة نفوسم ، أن مصر لا يصلحها ولا ينقذها إلا أن تنحل هذه الأحزاب كلها ، وتتألف هيئة وطنية عاملة ، تقود الأمة إلى الفوز وفق تعاليم القران الكريم "

ويقول الإمام البنا أيضا :

" لا ندرى ما الذى يفرض على هذا الشعب الطيب ، المجاهد ، المناضل ، الكريم هذه الشيع والطوائف من الناس التى تسمى نفسها الأحزاب السياسية !!! إن الأمر جد خطير ، ولقد حاول المصلحون أن يصلوا إلى وحدة ولو مؤقتة لمواجهة هذه الظروف العصيبة التى تجتازها البلاد فيئسوا وأخفقوا ، ولم يعد الأمر يحتمل أنصاف الحلول ، ولا مناص بعد الان من أن تحل هذه الأحزاب جميعا وتجمع قوى الأمة فى حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها " .

كما يؤكد الأستاذ عمر التلمساني على الموقف الثابت من الإخوان تجاه الأحزاب فيقول :

" أننا نقول بأعلى صوتنا وأوضح عباراتنا إننا دعاة للعودة الى تعاليم الإسلام الصحيحة فنحن أجناد لكل من يدعو الى ذلك نتبعه ونؤيده ولا نريد أن نكون رؤساء له أو زعماء . وكم فرحنا لما لجأت الأحزاب كلها عند الدعاية الانتخابية أن تجعل على رأس برامجها تطبيق الشريعة الاسلامية . وسيرينا القريب العاجل هل كان هذا دعاية انتخابية أو قناعة حقيقية وسيكشف هذا للرأى العام فتعرف ا لأمة كلها من ا لصادق الذى تحمل كل المتاعب فى سبيل هذا الهدف ومن غيره الذى لا يذكر الإسلام إلا عند حاجته الى تأييد شعبى . وإذا كان هذا هو مذهب الأحزاب حقيقة فما بال بعض صحفها لا تدع يوما يمر دون أن تلحق بالاخوان ما يسوء ولايسر .

إن مجال القول فى هؤلاء الناس طويل وفسيح ولكن الاخوان لا يضيعون أوقاتهم فى الرد على مثل هذه ا لترهات ولا يحبون أن يخرج من بين شفاههم أو أقلامهم لفظ نابى أو جارح حتى ولو كان ذلك حصنا لهم أو دفاعا عن نفس ، إننا حريصون على أن نكون خير ابنى آدم { لئن بسطت الى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك } ..

هذا موقفنا مع الناس جميعا لا نبدأ احدا بشر ولكن إذا هوجمنا واعتدى علينا بلا مبرر فقوانين السماء والأرض تبرر لنا الدفاع الشرعى عن أنفسنا لا عن طريق فتنة تأتى على الأخضر واليابس ثم تقضى على الجميع ولكن كما قال الامام الشهيد ( نستعين عليهم بسهام القدر ودعاء السحر ) ويالها من أسلحة فتاكة ثبت فعلها ولكن أكثر الناس لا يفهمون."

ونختم بهذا الكلام للإمام البنا والذي يدحض أي شبهة أثيرت حول علاقة الإخوان بالأحزاب فيقول :

" فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم وإن لجئوا إلى المواربة والروغان وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين."


التساؤل الثاني : هل تعد الجماعة حزباً سياسياً مستقلاً أم ضمن حزب ما أم ماذا ؟

أورد هذا التساؤل أيضا ليتضمن شبهة أخرى تجاه هذه الجماعة ، فهاهو صلاح عيسي يتقول على الاخوان حين يقول :

" وهم أى الاخوان ـ لا يقرون بأنهم فصيل سياسي بين فصائل أخرى ولكنهم يرون أنفسهم " حزب الله " حيث لا يجوز مع حزب الله أن توجد أحزاب أخرى"

ونتسائل من أين أتى صلاح عيسي بهذا التصور الغريب ـ إن فكرة الحزبية لم تكن واردة بشكل صريح أو متوارب فى دعوة الاخوان المسلمين وكون أنهم لا يرضون أن يكونوا جزءا من التحالفات السياسية لا يعنى أن يدخلوا ضمن ما وصفه الكاتب " بالانتهازية السياسية " .

تأمل أيها القارئ الأقوال الآتية ليتيقن في قلبك استقلالية هذه الجماعة فلا هي حزب ، ولاهي بالتي تسعى للانضمام ضمن أحزاب آخر . فهي جماعة عاملة لتمكين الإسلام دين الله في الأرض .

يقول الإمام البنا رحمه الله تعالى:

" إلى الآن أيها الإخوان لم تخاصموا حزباً ولا هيئة كما أنكم لم تنضموا إليهم كذلك ولقد تقول الناس عليكم فمن قائل إنكم وفديون نحاسيون ومن قائل إنكم سعديون ماهريون ومن قائل إنكم أحرار دستوريون ومن قائل إنكم بالحزب الوطني متصلون، ومن قائل إنكم إلى مصر الفتاة تنتسبون ومن قائل إنكم إلى غير ذلك من الأحزاب منتمون - والله يعلم والعارفون بكم أنكم من كل ذلك بريئون فما اتبعتم غير رسوله زعيماً وما ارتضيتم غير كتابه منهاجاً وما اتخذتم سوى الإسلام غاية. فدعوا كلام الناس جانباً وخذوا في الجد، والزمن كفيل بكشف الحقائق وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم."

وفي كلام آخر له يقول الإمام البنا رحمه الله :

" يظن بعد رجال الأحزاب أننا إنما نقصد بهذه التعاليم هدم حزبهم خدمة لغيره من الأحزاب و جريا وراء منفعة خاصة , و ليس أدل على خطأ هذه النظرة من أن هذا الوهم قد سرى إلى نفوس الأحزاب جميعا , فكثير من رجال الوفد من يتهم الإخوان المسلمين بأنهم يعملون لمحاربته و بأنه وحده هو المقصود بهذه النعوت و الأوصاف , و بأن الإخوان إنما يحملون الناس على محاربته و الانفضاض عنه , و بأنهم إنما يقصدون بذلك خدمة الحكومة و تقوية الأحزاب الممثلة فيها , و في الوقت الذي نسمع فيه هذه التهمة بعينها من أحزاب الحكومة أيضا ! فهل هناك دليل أصدق من هذا على أن الإخوان يقفون من الجميع موقفا واحدا , و يصدرون فيه عن عقيدتهم , و يعملون فيه بوحي من ضمائرهم و إيمانهم ؟

أحب أن أقول لإخواننا من دعاة الأحزاب و رجالها : إن اليوم الذي يستخدم فيه الإخوان المسلمون لغير فكرتهم الإسلامية البحتة لم يجئ و لن يجئ أبدا , و إن الإخوان لا يضمرون لحزب من الأحزاب أيا كان خصومة خاصة به , و لكنهم يعتقدون أن من قرارة نفوسهم أن مصر لا يصلحها و لا ينقذها إلا أن تنحل هذه الأحزاب كلها , و تتألف هيئة وطنية عاملة تقود الأمة إلى الفوز وفق تعاليم القرآن الكريم .

و بهذه المناسبة أقول إن الإخوان المسلمين يعتقدون عقم فكرة الائتلاف بين الأحزاب , يعتقدون أنها مسكن لا علاج , و سرعان ما ينقض المؤتلفون بعضهم على بعض , فتعود الحرب بينهم جذعة على أشد ما كانت عليه قبل الائتلاف , و العلاج الحاسم الناجح أن تزول هذه الأحزاب مشكورة فقد أدت مهمتها وانتهت الظروف التي أوجدتها و لكل زمان دولة و رجال كما يقولون .

وأعتقد كذلك أن هذه الأحزاب المصرية الحالية أحزاب مصنوعة أكثر منها حقيقية , وأن العامل في وجودها شخصي أكثر منه وطني , وأن المهمة والحوادث التي كونت هذه الأحزاب ويجب أن ينتهي هذا النظام بانتهائها.

لقد تكوّن الوفد المصري من الأمة كلها للمطالبة بالاستقلال على أساس المفاوضة وتلك هي مهمته."

ولما سقطت وزارة محمد محمود باشا وألف علي ماهر باشا الوزارة في أغسطس سنة 1939، فاستقبلته مجلة النذير لسان حال الإخوان المسلمين بافتتاحية في العدد 27 بتاريخ 6 رجب سنة 358 1 بقلم الأستاذ صالح عشماوي رئيس تحريرها بعنوان: وزارة جديدة وموقف قديم.وقد جاء فيها ما يأتي:

" واليوم تقبض على أزمة الأمور وزارة جديدة على رأسها رفعة على ماهر باشا يعاونه فيها وزراء سعديون و آخرون مستقلون، واعتذر الأحرار الدستوريون عن الاشتراك في الوزارة مع وعدهم بتأييدها والتعاون معها. وقد يتبادر إلى ذهن القارئ هذا السؤال: ما موقف الإخوان المسلمين من الوزارة الجديدة؟ وقبل أن نجيب على هذا السؤال نود أن نمهد بالحقيقة الثابتة، وهي أن الإخوان المسلمين ليسوا حزبا من الأحزاب يؤيد أو يعارض تبعا لمصلحة حزبية أو جريا وراء منفعة شخصية، ولكن الإخوان المسلمين دعوة إسلامية محمدية اتخذت من الله غايتها ومن الرسول صلوات الله عليه وسلامه قدوتها ومن القرآن دستورها، ولها برنامج واضح الحدود، ظاهر المعالم، يرمى إلى تجديد الإسلام في القرن الرابع عشر، وصبغ الحياة المصرية بالصبغة الإسلامية، وهيمنة تعاليم القرآن على جميع مظاهر الحياة: من تشريع واجتماع وسياسة واقتصاد، كما يرمي إلى تحرير كل شبر في الأرض فيه نفس يردد"لا إله إلا الله محمد رسول الله" صلى الله عليه وسلم وأخيرا نشر الإسلام ورفع راية القران في كل مكان حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. هذا برنامج ضخم لا يدانيه برنامج من برامج الأحزاب إن كان لها برامج ومناهج. وهو في نظر الكثيرين لون من ألوان الخيال وضرب من ضروب الخيال، ولكنا نؤمن به، ونثق في أنفسنا معتمدين على تأييد الله.

فموقفنا إذا من وزارة علي ماهر باشا هو موقفنا من أية وزارة، موقف قديم لا يتغير بتغير الوزارات، ولا يتبدل بتبدل الوزراء، فمن أيد الفكرة الإسلامية وعمل لها واستقام في نفسه وفي بيته وتمسك بتعاليم القران في حياته الخاصة والعامة كنا له مؤيدين مشجعين، ومن عارض الدعوة الإسلامية ولم يعمل لها بل وقف في سبيلها أو حاول التنكيل بها كنا له أعداء وخصوما، ونحن في كلتا الحالتين إنما نؤيد ونعارض ونحب ونكره في الله " .

بداية العداء الوفدي

ابتدأ عداء حزب الوفد لجماعة الإخوان المسلمين منذ أن رأى شعبية الإخوان المتزايدة، ومن جميع طبقات الشعب، بل ومن شباب الوفد ورجاله أيضا.. من هنا أحس الوفد أن هناك من سينازعه على كرسي السلطة والحكم حسب وجهة نظره، وعلى سحب البساط من تحت قدمه، وما كان يدري أن هذه الجماعة الإسلامية لها غاية أسمى وهدف أنبل تعمل من أجلهما ، ألا وهو تحقيق شمولية الإسلام في جميع جوانب حياة الفرد والمجتمع. تمهيدا لعودة الخلافة الإسلامية من جديد . وهو الأمر الذي جمع قلوب الناس حولها وألف بينهم .. فلم يسمع عن خلافات بين الإخوان بعضهم البعض أو تنازع على المناصب على غرار ما كان يحدث في دهاليز الحزب بغية الوصول للزعامة .

يقول الأستاذ محمود عبدالحليم حول هذا المعنى:

"الوفد يتصور الإخوان جماعة دينية بالمعني المبتور للدين الذي استقر في أذهان الناس من أنه " دروشة " وعلي رأس هذه الجماعة شاب طموح يريد أنم يستغل هذه الجماعة ليبرز حتى يصل إلي كرسي البرلمان ، وأن هذا الشاب من السهل علي الوفد احتواءه وإرضاء طموحه بصورة أو بأخرى . والإخوان يتصورون الوفد ثروة شعبية ضخمة اختلسها مؤسسه سعد زغلول وورثها من بعده مصطفي النحاس ، وكان ذلك كله قد تم في غفلة من صاحب هذه الثروة الأصيل وهو الدعوة الإسلامية .. وأنه مادام صاحب الثروة الأصيل قد استيقظ من غفلته وثاب إلي رشده فقد وجب أن يسترد ثروته .. والإخوان لا يرون اللجوء إلي القوة وسيلة هذا الاسترداد بل يرون انتهاج وسيلة سلمية ملخصها أن نعلن الدعوة الإسلامية عن نفسها ، وتثبت للشعب أصالتها ، وفي هذا الإعلان وحده ما يكفي لإثارة الحنين في قلوب الأبناء الذين اغتصبوا والذين طالت غربتهم للالتقاء بأبيهم والرجوع في حضن أمهم ، وعلي هذين التصورين سارت الهيئتان كل في سبيلها ، فالوفد لا يريد أن يري الإخوان أكبر من الصورة التي رسمنا إطارها ، والإخوان يعلمون الإطار الذي وضع الوفد صورتهم فيه ، وقد أسعدهم هذا التصور لأنه أباح لهم الفرصة العمل الدائب للاتصال بالجماهير وعرض دعوتهم عليها دون أن يتعرض لهم الوفد بالمعاكسة أو التعويق .. وظل ذلك سنوات اكتسبوا خلالها مكانة مكينة في قلوب كثرة غالية من الشعب .

واستيقظ الوفد أخيرًا من غروره ، فرأي ثروته للدعاة والتي كان يتيه بها فخارًا قد تسرب أكثرها، والتفت فوجد هذه الثروة المتسربة وقد اجتمعت عند الإخوان المسلمين ... فجن جنون الوفد لأنه قد أتي من مأمنه ، فهو لم يكن يحذر هذه الناحية التي كانت يراها أهون أن يعيرها اهتمامًا أو يوليها حذرًا .. فكيف استطاعت هذه الجماعة أن تسحب الأرض من تحت قدميه" .

ويثبت نفس المعنى الأستاذ عمر التلمساني فيقول :

" ولكن حزب الوفد كان حزب الأغلبية وأحس أن الاخوان امتد نفوذهم الى الشباب واصبح الكثير من هؤلاء الشباب يتسللون من الوفد الى صفوف الإخوان وطبعا حرص رئيس حزب الأغلبية أن تظل أغلبيته كما هى فلا بد أن يفتعل المواقف للصدام مع الهيئة التى تنافسه الزعامة على الشعب " .

ويتابع بقوله :

" لقد عاصرت الوفد منذ نشأتي وكنت علي مقربة من كبار رجاله، ورأيت بنفسي كيف كان القصر وكيف كانت الأحزاب الأخرى تكيد الوفد وتفعل به وبأتباعه الأفاعيل فكانت تنكل بتابعيه كبارًا وصغارًا بل إنها حاولت اغتيال رئيسه .. ورأيت كيف كان الوفد يهاجم القصر ويهاجم الأحزاب في صحفه وفي خطب رئيسه وفي صفحاته ونواديه ... ولكني لم أر هجومًا كهجومه علي الإخوان المسلمين . لقد كان هجوم الوفد علي القصر وعلي الأحزاب ردًا لهجومهم عليه .. هم بأدنى إهانة أو اعتداء فلم إذن هجومه الضاري عليهم هجومًا لم يسبق له مثيل . لقد خلع العقار في هجومه علي الإخوان وتخل عن الأخلاق والآداب والمثل واندفع كالمجنون الذي فقد عقله .. ونسي أن له أعداء أذاقوه ألوان الهوان والإذلال ولازالوا يذيعونه .. ترك هؤلاء جانبا وتفرغ للإخوان يهاجمهم بكل ما يملك من وسائل ، فسخر لمهاجمتهم صحفه الجاد منها والهازل وألسنته سواء ألسنة الزعماء وألسنة الأتباع ، واستباح في ذلك الكذب والتمويه والزور والاختلاق ... ولم يقبل الإخوان هذا الهجوم الغادر بمثله بل تذرعوا بالصبر وواصلوا مسيرتهم في هدوء ... " .

ولو وقف الوفد مع نفسه وقفة صادقة لعلم علم اليقين السبب الحقيقي في ترك الناس له وانتمائهم للإخوان ..

وعن هذا يقول الأستاذ عمر التلمساني :

" هذه الصورة جعلتنى بالفعل متأثرا بالدين وأمارس شعائره عن اقتناع لا عن تقليد وما ضاعت منى والحمد لله فريضة فى يوم من الايام منذ شببت عن الطوق وأدركت واجباتى الدينية وظللت على هذا الى التحقت بكلية الحقوق فكانت أعلى الدرجات التى أحصل عليها فى مواد الدراسة هى درجات الشريعة الاسلامية وكنت محل تقدير من هذه الناحية عند المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم عليه رحمة الله .. هذه الصور وهذا الاتجاه جعلنى أنظر الى نشوء الأحزاب وتصرفاتها فى حذر كنت حقا أعتقد أن " سعد زغلول " كان زعيما وطنيا ولكننى كنت أراه ـ بمنظورى ـ فى رمضان لا يصوم ويدخن السجائر علنا .

فكان يبدو هذا فى ذهنى غريبا . كيف أن زعيما مسلما ومصريا مفطر فى رمضان وما كنت أظن أن حالته الصحية تتيح له هذا لأنه كان فى حالة صحية جيدة وكل رجال الأحزاب أو زعمائها كانوا تقريبا على هذه الوتيرة فكانت ثقتى فيهم مهزوزة وإن كنت أميل ما أكون الى الوفد متأثرا بالرأى العام فى البلد حتى أننى طلب منى أن أكون عضوا فى اللجنة المركزية فى مديرية القليوبية ودخلت بالفعل وظل هذا الوضع يتأرجح فى ذهنى الى أن ظهرت دعوة الاخوان فى عام 1928 ما كنت أعرف عنها شيئا ولا قرأت عنها الى أن زارنى اثنان من الاخوان وعرضوا الفكرة واقتنعت بها وصرت مع الإخوان من ذلك اليوم ولكنى لم أكن أقاطع الوفد كانت صلتى بهم سائرة الى ان تبين لى تماما أن الوفد يظن بالإخوان المسلمين أنهم ينافسونه فى الزعامة أو الشعبية وبدات مظاهر القطيعة من جانب الوفد وبدا يهاجم الإخوان فتحدد الموقف فى نظرى بصورة واضحة تماما واعتزلت جميع الأحزاب وسرت فى طريقى مع الاخوان المسلمين الى يومنا هذا .. ولقد كان التزامى جانب القرآن الكريم منذ طفولتى له بالغ الأثر فى حياتى حيث قرأت أجزاء كبيرة منه وحفظتها حتى مرحلة الدراسة الثانوية ثم انقطع التزامى وفتر حفظى له وتسرب الكثير مما حفظت ولكن منذ عام 1940 عاودت ملازمة."

ويتابع الأستاذ عمر التلمساني حديثه في إطار هذا المعنى قائلا :

"وقد عايشت فى هذه الفترة أحداث ومظاهرات ثورة 1919 وما بعدها ولعلى اشتركت فى جميع المظاهرات ولم تفتنى واحدة منها فى القاهرة مناديا بشعارات الوفد لقد كانت ثورة حقيقية نابعة من أعماق الشعب لأن كل أفراد الشعب وطبقاته كانوا متجاوبين ومتفاهمين مع الاتجاه الوطنى ومحاولة التخلص من الاستعمار وآثاره فكانت مشاركتى فى هذه الأحداث مشاركة فعلية ما كنت أكتفى بالقراءة عنها ولكنى كنت أشارك فى هذه المظاهرات وأذهب الى منزل سعد زغلول وأستمع الى خطبة وكنت فى ذلك الوقت معتقدا أن كل الأعمال تعمل خالصة لوجه الله والوطن الى أن تكشفت لى الحقيقة شيئا فشيئا فلقد أخذ على سعد زغلول أنه عين كثيرا من أقربائه فى الوظائف العليا ويوم أن كان رئيسا للوزراء صرح أنه لو استطاع أن يجعل الحكومة كلها زغلولية عظما ولحما ودما لفعل .. فتبين لى أن الغرض هو حب الزعامة واكتساب المظاهر الشعبية خاصة وأن كل المصريين يعلمون أن سعد زغلول نشأ فى صالون الاميرة " نازلى " وكان هذا الصالون يضم كل الأسماء اللامعة فى ذلمك الوقت وكان معروفا عن تلك الأميرة أن لها صلات بالسفارة أو دار الحماية البريطانية كما كانت تسمى فى ذلك الوقت وشيئا فشيئا رأيت كبار رجال الأحزاب يتنافسون على الحكم وقرأت ما كان يكتبه بعضهم ضد بعض من تشنيع واتهامات حتى أ نه إذا قرأت ما كتب فى تلك الفترة عن سعد زغلول وعن عدلي يكن وعبدالخالق ثروت وإسماعيل صدقي والنحاس لا تكاد تصدق أن واحدا منهم كان نظيفا كل النظافة ومخلصا كل الاخلاص لأن كل واحد من هؤلاء كان يطعن فى الآخرين ويتهمهم بالعمالة ويتهمونه بعدم الاخلاص فاستقر رأيى أخيرا على أن فكرة قيام دستور وإنشاء أحزاب أصلا كانت فكرة استعمارية قصد منها الوقيعة بين أبناء الوطن الواحد وجعلهم يتشاحنون ويتقاطعون بغية ا لوصول الى ا لحكم وذلك مما أساء الى الحركة الوطنية لثورة 1919 بعد أن كانت أسمى وأنظف الحركات الوطنية فى العالم " .


سياسة تعامل الوفد مع الإخوان

كانت سياسة الوفد في تعامله مع الإخوان محكومة بعاملين مهمين :

الأول : مصالح الوفد الشخصية كحزب سياسي.

الثاني : علاقة الوفد بالإنجليز.

وتفصيل ذلك كما يلي  :

العامل الأول : مصالح الوفد الشخصية كحزب سياسي:

وعلى أساس هذا العامل تكون العلاقة بين الحزب والجماعة علاقة ذات تناسب طردي ، بمعنى أن الوفد حين تكون له مصلحة سياسية معينة يريد لها النجاح سارع من فوره بتهدئة الأوضاع مع الإخوان لكسب تأييدهم وذلك لمعرفته بقوة تأثيرهم على عموم الناس، والأحداث التاريخية تصدق هذا الأمر ..

العامل الثاني : علاقة الوفد مع الإنجليز :

وعلى أساسه تكون علاقة الحزب مع الجماعة علاقة ذات تناسب عكسي ، بمعنى أنه حين تكون العلاقة بين الوفد وبين الإنجليز جيدة و المصالح المشتركة بينهما غير معطلة ، يصعد الحزب الهجوم على الجماعة ، وخاصة إن كانت الحكومة وفدية فالخطب حينها على الإخوان أدهى وأمر حيث يكون التصعيد عمليا.

أما إن تباطئ الإنجليز في مد يد العون للحزب وبدؤا في مراوغته ، مباشرة يبدأ الحزب في تحسين العلاقات مع الإخوان و تأييدهم كما فعلوا بعد إلغاء معاهدة 1936م .

وما ذكرناه سابقا حقيقة تاريخية ثابتة ومعلومة لدى الجميع نوردها في طيات حديثنا الآتي عن علاقة الوفد مع الجماعة عبر عصور مرشديها الثلاثة الأول .


الإخوان المسلمون والعلاقة بالقصر والحكومات

وقد استمر الموقف بين الإخوان وحكومة الوفد في أطوار مختلفة، فتارة تدع الحكومة للإخوان حريتهم، وأخرى ترهقهم بالتضييق، فيصبر الإخوان على كل حال، ويتقدمون للحكومة بالنصح، ويبينون لها وجهة الحق سواء بالكتابة أو مشافهة. ويمكن أن نقرر حقيقة حول تلك الحكومة وعلاقتها بالإخوان، وهي أن الإخوان لم يسيروا في ركب الحكومة، ولم يكونوا أداة في يدها في أي ناحية من النواحي، كما أنها لم تحاول ذلك من جانبها، وبالنسبة للمساعدات المادية أو الأدبية فإن الحكومة لم تمنحهم أكثر من حقوقهم العادية، والتي تمنح لجميع الجمعيات الأخرى، بل يمكن القول: إن الحكومة أعطتهم أقل مما منحت غيرهم من الجمعيات.

أ‌-زمن الإمام الشهيد حسن البنا :

تأثير عامل المصلحة الشخصية ( تصعيد ، و تهدئة ):

تصعيد واضح في كلام الأستاذ محمود عبدالحليم الذي فيه يقول :

" وقد سبق لي أن ذكرت أن بدء شعور الوفد بخطورة الإخوان عليه كان في تجربة حكومة إسماعيل صدقي حين قرر الوفد إسقاط هذه الحكومة إبان توليها الحكم وحشد كل قواته الشعبية ووسائله الإعلامية لذلك ولكنه عجز عن إسقاطها حين أعلن الإخوان تأييدهم لها .. وقد تولت هذه الوزارة الحكم في فبراير سنة 1946 .. ويعتبر هذا التاريخ هو الوقت الذي أخذ الوفد يراجع فيه خططه ويعدلها علي ضوء هذه المفاجأة التي أذهلته وطارت بصوابه وقد اتخذ تعديلها الأسلوب الآتي :

أقدمت زعامة الوفد أعضاءه بأن خطورة الإخوان المسلمين عليه تفوق خطورة كل أعدائه لأنها تنازعه الزعامة الشعبية نفسها التي هي رأس ماله .. وإذن فلابد من حشد كل الوسائل المتاحة للوفد ضد الإخوان المسلمين .. وهذه الوسائل نوعان : نوع تقوم به فروع الوفد في أنحاء البلاد ضد شعب الإخوان بها من التحرش بهذه الشعب وتوجيه السباب والألفاظ النابية إلي أعضائها وإثارتهم بمختلف وسائل الإثارة ومحاولة جرهم إلي معارك وقد قدمت فروع كثيرة من فروع الوفد بهذه المهمة في مختلف البلاد ولكن تعليمات الأستاذ المرشد كانت عاصمة لهذه الشعب من الاستجابة لهذه المحاولات حيث اعتصموا بالصبر - وهم قادرون علي المواجهة والتأديب - ففوتوا علي هذه الفروع تحقيق ما كانوا يأملون".

ومع هذا نجحت مساعيهم وما أحداث دمنهور، وبور سعيد بخافية على أحد .. يحكيها لنا الأستاذ عباس السيسي فيقول :" حتى المسجد انتهكوا حرمته: عقد الإخوان المسلمون مؤتمراً شعبياً بالقاهرة لمناصرة القضية الوطنية وتلاه مؤتمر آخر بالإسكندرية (سبق ذكر وقائعهما) .. وعقب انتهاء مؤتمر الإسكندرية دعا الإخوان بدمنهور فضيلة المرشد كى يؤدى بهم صلاة الجمعة فى مسجد الزرقا، وحاول فضيلته الاعتذار نظراً للظروف والمشاكل التى بين الإخوان فى دمنهور وبعض الوفديين، ولكن الإخوان أصروا على تلبية دعوتهم، فاستجاب لرغبتهم.

وغادر فضيلة المرشد وصحبه الإسكندرية إلى دمنهور، وعند المسجد كان المشهد مثيرا حيث حاصرت قوات الأمن المسجد من كل مكان، ودخل الأستاذ المرشد مع نهاية الاذان، وفوجئنا بمعركة بين الإخوان والوفديين بالأيدى مع ضجيج الهتافات. ولم يتنبه الإخوان لخطورة الموقف وما يترتب على ذلك من مخاطر على حياة فضيلة المرشد فى هذا الزحام الذى يختلط فيه من نعرف بمن لا نعرف.

ولكن الأستاذ لم ينتظر، فقد صعد المنبر فى الحال وصاح بأعلى صوته: يا أبناء الإسلام.. يا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام.. يا من جئتم لعبادة الله وحده .. وظل الأستاذ ينادى بمثل هذه المعانى إلى أن جلس الناس جميعا وهدأت الثائرة وخيم الصمت الرهيب على الجميع: ثم بدأ يخطب الجمعة محلقا بالمصلين فى سماء الحب والأخوة فى الله تعالى، وتناول كيف وحد الإسلام بين الأوس والخزرج وبين الأبيض والأسود وبين العربى والعجمى، وتناول الآيات والأحاديث النبوية الشريفة فى هذا الباب حتى تجاوبت القلوب ودمعت العيون.

وبعد أداء صلاة الجمعة أسرع فضيلته إلى إلقاء كلمة أخرى، حتى لا يدع فرصة للشقاق والخلاف واستمر حديثه أكثر من ساعة حتى انفض الناس فى هدوء وخرجوا من المسجد وقد ظهر عليهم الألم والحزنلما أوقعهم فيه الشيطان، واستطاع الأستاذ المرشد بما وهبه الله تعالى من قوة العزيمة وسرعةالحركة والمبادرة أن ينقذ الموقف ويرد إلى الجماهير رشدها ووعيها دون أن يشير فى خطبته إلى أى إتهام أو تجريح أو مفاضلة ولكن رد الناس جميعا إلى أصل عقيدتهم الإسلامية التى من الله عليهم بها حيث يقول : (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا)"


عداوتهم فى بور سعيد

ولم تمض شهور على هذا الحادث، حتى سافر الأستاذ المرشد إلى مدينة بور سعيد، بعد زيارته للإسماعيلية، فاستقبله الإخوان هناك ومعهم فرق الجوالة استقبالا شعبيا كريما، وبينما كان موكب الجوالة يشق طريقه فى قلب المدينة إذا بشباب حزب الوفد يهاجم الإخوان ويلقى عليهم الحجارة ويصطدم بهم فى معركة.. ثم لم يقنع شباب حزب الوفد بهذا فتوجه إلى دار شعبة الإخوان وحطم زجاج نوافذها وأتلف بعض أثاثها، وقاموا بحرقها على من فها. وحضر مدير الأمن فى الحال وسيطر على الموقف وطلب من فضيلة المرشد أن يساعده على ذلك، وقال له الأستاذ المرشد: إنه قد أمر كل الإخوان أن يلتزموا الهدوء والسكينة، وأنه شخصيا قد اعتزم السفر إلى القاهرة وسوف يوفد بعض الإخوان لتصفية الجو بين الإخوان والوفد.

وغادر فضيلته بور سعيد، ولم يلبث أن أوفد الأستاذ عمر التلمساني وفوضه بالتصرف فى الموضوع. وقابل الأستاذ عمر مدير الأمن الذى أدهشه كيف أن الإخوان وقد اعتدى عليهم يسعون للصلح مع اللجنة الوفدية فى بورسعيد فرحب بهذه السماحة. وعقد الإخوان فى دار اللجنة اجتماعا للمصالحة وعندما أراد العقلاء من اللجنة الوفدية الذهاب إلى دار الإخوان لرد الزيارة اعترض على ذلك زعماء الحزب، ولكن برغم هذا الاعتراض ذهب وفد منهم إلى دار الإخوان واستقبلوا هناك أحسن استقبال، ومع هذا هاجم بعض شباب الوفد دار الإخوان وقت وجود وفدهم فى ضيافة الإخوان، ولكن الإخوان لم يلتفتوا إلى ذلك وتجاهلوه تماما."


عداوتهم في شبين الكوم

لقد طال الحقد والبغضاء قلوب الصغار والبراعم فى المجتمع، حيث العنصرية ضد بعضهم البعض، ففي شبين الكوم وخاصة مدرسة المسعي المشكورة كان الطالب صادق مرعي (أحد طلبة الإخوان والذي كان مشهود له بالتفوق وحسن الخلق) زعيم الإخوان في المدرسة، مما دفع بعض الطلبة الوفديين إلى التربص به وقت دخوله المدرسة وأخرج سكينة من بين طيات ملابسه وطعنه بها فأرده قتيلا وقبض على الجاني وقدم للمحاكمة حيث شهدت عليه المدرسة كلها انه كان يتربص بصادق.

وبعد أن حدثت جريمة مقتل (صادق مرعى ) احد الطلبة الإخوان بالمنوفية على يد أحد الطلبة الوافدين كتب الإمام البنا نداء إلى الطلاب يستحثهم على ضبط النفس, وعدم التصرف بطريقة لا تليق مع أخلاق الإسلام وجاء في كلمته تحت عنوان:-

نداء إلى الإخوان الطلاب عامة و[الإخوان] الطلاب بشبين الكوم خاصة.

(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)

وبعد. فالآن وقد انتهت أجازتكم وعدتم إلى معاهدكم أحب أن أتقدم إليكم بالوصية بعد جميل العزاء في شهيدنا المبرور وفقيدنا العزيز الطالب النجيب (صادق مرعى أفندي) عوضنا الله فيه الخير وأجزل له ولأسرته الكريمة ولنا الأجر والصبر... أمين فأوصيكم بثلاث فاذكروا دائما:

(1)- إنكم في دور العلم ومعاهده طلاب قبل أن تكونوا منتسبين إلى أحزاب أو هيئات, وإنكم أسرة واحدة تجمعها كرامة العلم وقدسية الزمالة, فاحفظوا على أنفسكم وحدتها, واحذروا كل فتنة وأعرضوا عن اللغو, ولا تشغلوا أنفسكم إلا بالنافع المفيد.

(2)-ولا تنسوا أبدا أن خير ما تكسبونه لأنفسكم وتعتدون به لأمتكم في هذه المرحلة من حياتكم أن تنهلوا من العلم الذي بين أيديكم, وان تستزيدوا منه ما وسعتكم الاستزادة ولا يكن قصارى همكم أن تملأوا قلوبكم ورؤوسكم بما يقيم مجد هذه الأمة على أساس متين.

(3)- والثالثة يا شباب أن تكونوا أمناء على النور الذي تحملونه في قلوبكم ,وعلى معادن الخير التي أقرتها يد الله في حنايا ضلوعكم , واعلموا أن الأمل فيكم بقدر ما تحفظون من أخلاق وليكن جهادكم لأنفسكم أول شعيرة وطنية ترضون بها ربكم ,وتعزون بها أوطانكم ,فا والله ما أودى بمجد هذا الوطن العظيم سلاح ولا رهبة إلا هذا الصغار في الخلق والعبث في الضمائر ,والدنس في النفوس الرخيصة.

أما انتم يا طلاب شبين الكوم فوصيتي لكم خاصة أن تحتسبوا فقيدكم الكريم لله عز وجل,وأن تتركوا للقضاء ما يعين له من الحكم الرادع ان شاء الله ,وان يكون استشهاد فقيدكم العزيز عبرة تلمون بها شعثكم ,وتجمعون بها شملكم تقطعون بها الطريق على فتنة يراد بها التفريق بين صفوفكم, وصرفكم عما انتم بسبيله من طلب العلم والتفرغ له هذه وصيتي أزجيها إليكم وكلى فيكم أهل وثقة والله على قلوبكم نعم الخليفة والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

حسن البنا ..المرشد العام للإخوان المسلمين

ولم يكتفي الحزب بذلك ، بل كان يتربص بالجماعة الدوائر ليستغل كل نائبة قد تمر بها الجماعة في الهجوم الإعلامي عليها . مستخدمين في ذلك صحيفتي صوت الأمة ، والمصري.

فكيف كانت هذه الحرب الإعلامية غير الشريفة ؟ وكيف تعامل معها المرشد معطيا من نفسه القدوة الحسنة لجماعته ؟ هذا ما نتعرف عليه من حديث الأستاذ محمود عبدالحليم وفيه يقول :

" وأخذت " صوت الأمة " تخرج علينا كل صباح بسيل من الشتائم والسباب وألفاظ يعاف القلم أن يثير إليها تحت عنوان أوحي إليهم به ما يحتمل في صدورهم من حقد هو " هذه الجماعة تهوي " ويبدلونه في بعض الأيام بالعنوان " هذه الجماعة تسقط " .

وقد استخدمت " صوت الأمة " إخواننا الذين أشرنا إليهم قبلا والذين صنعوا الفتنة الثالثة ورتعوا فيها ، استخدمتهم بعض الوقت حتى إذا استنفدوا أغراضهم ألقوا بهم في سلة المهملات وبدأوا في أسلوب جديد من أساليب الافتراء بنشر قوائم طويلة بأسماء أعضاء من مختلف البلاد استقالوا من الإخوان وكان هذا برهانًا جديدًا علي كذب ما تنشر هذه الجريدة فكل بلد من هذه البلاد التي نشرت أسماء المستقبلين منه يعرف أن هذه الأسماء لم تكن في يوم من الأيام أعضاء في الإخوان وإنما هم من الوفديين . وقد يظن القارئ تعبيراتي عن بذاءة ما كانت تنشر " صوت الأمة " بعض المبالغة ، ولكن أعداد هذه الجريدة مازالت تحتفظ بها المكتبات العامة في القاهرة والإسكندرية وبعض العواصم فليرجع إليها من شاء .. وأنا ذا شخصيًا - وقد كنت ملامسًا للأحداث وأعرف الناس بكذب ما تنشره الجريدة - قرأت ما نشرته " صوت الأمة " في صبيحة أحد الأيام وكان بأسلوب تعف العاهرات عن النطق به فأثارني حتى إنني ذهبت إلي الأستاذ المرشد وسألته منفعلا : هل قرأت ما كتبته " صوت الأمة " اليوم ؟ فأجابني مبتسما : نعم قرأته إنها ليست " صوت الأمة " إنها " صوت آلامه " وكان الأستاذ المرشد يشير بذلك إلي ما يشتعل في صدور هؤلاء الناس من الحقد وما يتميز به جحيم حقدهم من الغيظ لفداحة ما ألحقه الإخوان بهم من خسائر شعبية تعويضها .

علي أن سفه هذه الجريدة وإسقاطها لم تسلم منه جريدة " المصري " وهي لسان حال الوفد والتي لولاها لما وصلت آراء الوفد وتوجيهاته إلي الشعب فهي وحدها من جرائده التي تصل كل صباح إلي كل بيت وإلي كل يد أما جرائده الأخرى فهي محدودة الانتشار ، ومع ذلك فإن " صوت الأمة " في نفس الوقت الذي كانت تهاجم فيه الإخوان كانت تهاجم " جريدة المصري " فتقول في عددها الصادر في 12-5-1947 تحت عنوان " جريدة المصري وأخبار اليوم إخوان " : ليس عجيبًا أن تمضي جريدة " المصري مع سنن " أخبار اليوم " في محاولة إلصاق كل اتهام إلي الوفديين خدمة للحكومة وللعهد الحاضر ، لأن الجريدتين شركة واحدة وأغراض واحدة ... ولا يغرن القارئ محاولة هذه الجريدة الإبهام بأنها وفدية " معتدلة " فذلك زعم واضح الكذب ومنهار من تلقاء نفسه وإن كان أصحابه يتعلقون بأهدابه لأن لهم فيه مآرب أخري" ويكمل الأستاذ محمود عبدالحليم حديثه مبينا لنا نماذج من عفة لسان الإخوان في الرد على هذه الحملة المسيئة لهم فيقول :

" (1) بعد عدة أشهر من بدء الحملة الوفدية الأثيمة وفي أوائل شهر مايو سنة 1947 كتب الأستاذ المرشد خطابًا إلي النحاس باشا حزب الوفد سلمه إليه الأستاذ عبده قاسم السكرتير العام للإخوان في ذلك الوقت جاءت فيه الفقرات الآتية :

" إن الوفد يعلن خصومته للإخوان ويحاربهم بأسلحة وأساليب غريبة عجيبة لا تتفق مع خلق أو دين أو مصلحة ... وصحفه تفيض أنهارها بألفاظ جافية تشمئز لها كل نفس مهذبة " .

" إن الوفديين لا يزالون يفكرون بعقلية سنة 1920 فيقولون : إن الأمة هي الوفد والوفد هو الأمة وإن الشعب قد منحه توكيلا لا نقض فيه ولا إبرام ، ويسقطون من حسابهم ربع قرن في حياة هذا الوطن ، تبدلت فيه الأرض غير الأرض وتغيرت النفوس .. وانتقل إلي الدار الآخرة أكثر الوكلاء والموكلين علي السواء .. وهذا التفكير تختلف عن ركب الحياة .. وعلي هذا الأساس يحارب الوفد الإخوان كما حارب الشبان وكثيرًا من الجماعات".

" إن الوفد في أيامه الأخيرة قد تحققت صفوفه طوائف وأفواج من ذوي والآراء الخطرة والمبادئ الهدامة الذين لا يدينون بغير الشيوعية .

" وهل ترون أن الوفد قد أدي واجبه بهذا الموقف السلبي الذي يقفه في هذه الساعات العصيبة في تاريخ الوطن مع أنه كان ولا يزال في وسعه أن يعمل الكثير لو أراد . وأية فائدة تعود علي الشعب من مهاجمة صدقي باشا في سهوم جيا توتي وشغل الناس بهذا الهراء أو من مهاجمة حافظ رمضان باشا بغير الحق وهو الرجل العف اليد واللسان ... إنه في استطاعته أن يرسل الوفود إلي عواصم الدول الأجنبية وإلي مقر هيئة الأمم المتحدة تناضل عن حق مصر ".

(2)وعقب هذا الخطاب أخذت جريدة الإخوان اليومية تنشر سلسلة من المقالات تحت عنوان " بطلان التوكيل " تأتي فيها بحيثيات كثيرة تثبت أن التوكيل الذي منحته الأمة المصرية للوفد المصري سنة 1918 قد أصبح باطلا بطلانا أكيدًا .

(3)وفي أواخر شهر يونيه سنة 1947 نشرت جريدة الإخوان اليومية مقالا للأستاذ المرشد جاء فيه : " والخصومة بيننا وبين القوم أي الوفديين ليست خصومة شخصية أبدًا ، ولكنها خصومة فكرة ونظام . هم يريدون لهذه الأمة نظامًا اجتماعيًا ممسوخاً من تقليد الغرب في الحكم والسياسة ونحن نريد لها وضعًا ربانيًا سليما من تعاليم الإسلام "

تهدئة ثم هاهو الحزب يعود مرة أخرى ليستميل الإخوان من أجل مصلحته الشخصية يقول الأستاذ عمر التلمساني :

" استدعى النحاس باشا الأستاذ حسن البنا وقابله فى " مينا هاوس " وألح عليه أن يتنازل عن ترشيح نفسه للانتخابات فى الإسماعيلية عام 1943م بحجة ان موقفه هذا وتصميمه على المضى فى الانتخابات أمر لا يفيد الإخوان المسلمين بقدر ما يضر البلد نفسها لأن الإنجليز لا يريدون أن يدخل البنا مجلس النواب ولأن الأستاذ البنا كان يقدر دائما مصلحة البلد فاستجاب الى هذا الرجاء وتنازل عن ترشيح نفسه ولكن الوفد ظل على موقفه من الاخوان لأنها الهيئه الوحيدة التى كان يستجيب المواطنون لها ولم يكن لحزب الأحرار الدستوريين أو السعديين أو غيرهم أى اثر فى نفوس الشعب لأنها كانت احزاب أقلية لا تنجح فى الإنتخابات إلا إذا كان هناك تأثير من الحكومة القائمة لتستبعد الوفد عن مجلس النواب وحلت الشعب تقريبا ولم يبق غير المركز العام وحاول الوفد بمختلف الوسائل شأنه شأن غيره فى ذلك الوقت أن يشكك الناس فى دعوة الاخوان المسلمين واتهمهم بأنهم يسعون الى الحكم وفى كل هذه الأطوار لم يقل الإخوان كلمة واحدة تجاه النحاس باشا أو غيره ولكنهم كانوا يستمعون الى الاتهامات والاشاعات بدون اكتراث لأنها تموت من تلقاء نفسها ولأنها لا أساس لها من الصحة ولما عجز الوفد عن أن يحتوى الإخوان المسلمين أو أن يضمهم الى صفوفه أسفر عن حقيقة نواياه وأغلق الشعب والمركز العام " .


تأثير عامل العلاقة مع الإنجليز

تأمل أيها القارئ الحصيف موقف الوفد مع الإخوان بعد مؤتمر مونترو ، وبعد إلغاءمعاهدة 1936م .. وتأمل أيضا كيف تناسب هذا تناسبا عكسيا مع علاقة الوفد بالإنجليز !!

فحين كانت العلاقات جيدة بين الوفد والإنجليز كان التصعيد مع الإخوان يقول الأستاذ عمر التلمساني :

" إن حكومة النحاس باشا التى جاءت الى الحكم فى حادث 4 فبراير 1942 بمساندة الدبابات الإنجليزية أبت أن يقلق مضجعها وجود شعبية تقارب شعبيتها وأن تقلق النفوذ الإنجليزى الذى حرصت تلك الحكومة الوفدية ألا تثير قضيته وسادت موجة من التوتر وعدم استقرار العلاقات بين حزب الوفد وجماعة الاخوان ثم أغلق النحاس باشا جميع شعب الاخوان عدا المركز العام فى نهاية عام 1942 وعقب زيارة لمجموعة من كبار رجال الوفد تغير الموقف ثم عاد للتدهور وهكذا كان " ترمومتر" العلاقة بين الاخوان والنحاس باشا مرتبطا بالإنجليز .. وهكذا ظل التوتر قائما بين الجماعة والحزب وسرعان ما تحول الى صراعات عنيفة لم يكن الإخوان المسلمون بمثيريها .

وخاصة بعد أن أتوا بوزارة النحاس باشا الوفدية للحكم بالدبابات الانجليزية فى حادث 4 فبراير 1942".

ويقول الأستاذ عباس السيسي واصفا موقف الحكومة الوفدية من الإخوان بعد مونترو وقد كانوا حينها على علاقة جيدة بالإنجليز:

" بعد توقيع معاهدة سنة 1936 مع انجلترا توجه مصطفى النحاس باشا رئيس الحكومة وزعيم حزب الوفد إلى فرنسا لحضور مؤتمر مونترو لبحث إلغاء الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة وقبل أن يغادر ميناء الإسكندرية كان هناك وفد من شباب الإخوان المسلمين يقدم له مذكرة من فضيلة المرشد العام، تفيد بأن إلغاء الامتيازات الأجنبية هى مرحلة وفرصة سانحة لاستقلال القضاء المصرى استقلالا يبعده عن الاستمرار فى جعل القوانين الضريبية هى مصدره فى الأحكام.. تلك القوانين التى فرضها علينا المستعمر تبعاً لأهدافه فى تحطيم عقيدة المسلمين. أما وقد أعطينا الفرصة للاختبار فينبغى أن نختار التشريع الإسلامى الذى ينبع من عقيدة الأمة وتاريخها المحيد، وهو تشريع مجمع عليه من جميع المسلمين وأقرته جميع المؤتمرات الدولية التى اعتبرت التشريع الإسلامى معطياً ومستجيباً لكل متطلبات التغير فى المجتمعات الإنسانية فى كل زمان ومكان .


عودة النحاس باشا من مؤتمر مونترو

وعاد النحاس باشا من رحلته إلى فرنسا بعد قرار إلغاء الامتيازات الأجنبية وأقام له رجال حزب الوفد حفل إستقبال كبير فى حديقة انطونيادس بالنزهة بالاسكندرية خطب فيه رفعة النحاس باشا خطابا مذاعا نوه فيه عن مضمون الرسالة التى بعث بها إليه الأستاذ المرشد العام - فقال : إن جماعة لا وزن لها ولا قيمة تطالب أن يكون القرآن دستور الأمة - والإسلام عال الجنبات وليس فى حاجة إلى هذه الصيحات - أو هكذا قال .

وفى الأسبوع التالى صدرت (مجلة النذير) لسان حال ((الإخوان المسلمون)) بخطاب مفتوح إلى صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا رئيس الحكومة وزعيم حزب الوفد - جاء فيه :

يا صاحب المقام الرفيعنحن حين نكتب إلى رفعتكم هذا الخطاب لا نطلب منكم مصلحة شخصية ولا منفعة ذاتية وإنما هى النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

يا رفعة الباشا : لقد جاء فى خطابكم بمناسبة إلغاء الامتيازات الأجنبية والذى أنعقد فى حديقة انطونيادس بالاسكندرية - كلام يتصل بجماعتنا وكان لزاما علينا أن نرد الحق إلى نصابه - فقد قلتم إن جماعة لاى وزن لها ولا قيمة تطالب بأن يكون القرآن دستور الآمة - والإسلام عال الجنبات وليس فى حاجة إلى هذه الصيحات!!

... أما أن هذه الجماعة لا وزن لها ولا قيمة .. فهذا أمر متروك للزمن يقول فيه كلمته … ونحن لا ندعى لأنفسنا فضلا ولا منة - فلله وحده الفضل والمنة أما أننا نطالب أن يكون القرآن دستور الأمة - فذلك ما عاهدنا الله تعالى عليه نعمل له ونجاهد فى سبيله ما وسعنا الجهاد وهو مطلب شعبى يتمناه كل مسلم فضلا عن أنه عقيدة كل مسلم لا يتم إسلامه إلا به.

أما أن الإسلام عال الجنبات وليس فى حاجة إلى هذه الصيحات . فإنى أقول أن واقع المسلمين من وجود الإحتلال على أرضهم فى كل البلاد العربية والإسلامية - فضلا عن أنهم يحكمون فى بلادهم بغير شريعة ربهم .. دليل على أن الإسلام فى حاجة شديدة وملحة لكل صيحة بل ولكل يد تبنى صرح الإسلام من جديد.

وكيف يكون الإسلام عال الجنبات يا رفعة الباشا وقد عقدتم مؤتمركم هذا قبل صلاة المغرب وانتهى بعد صلاة العشاء فأهدرتم فريضة إسلامية على الآلاف من المسلمين الذين حضروا هذا المؤتمر وعلى رأسهم زعيم أمة تدعى الإسلام.

وإنى لازلت أذكر تصريح رفعتكم لمراسل إحدى الوكالات الأجنبية حين قلت إنك معجب بلا تحفظ بكمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.. لقد تعجبنا كيف يكون إعجابك برجل حارب الإسلام بإنهاء الخلافة وتغيير اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية ومنع الآذان باللغة العربية وإغلاق المساجد وإحالتها إلى متاحف .. وأخيراً إلغاء التحاكم بالشريعة الإسلامية.

يا رفعة الباشا : يجب أن تعلم أن ضمير مصر لا يزال حيا مفعما بالإسلام وأن الشعب المسلم لا يرتضى بغير الحكم بالقرن شرعة وبديلا ."

وفى الخطاب المشهور باسم ((من مدرس إلى رفعة الرئيس الجليل))، وهو الخطاب الذى بعثه المرشد إلى حزب الوفد يشكره وأعضاء حزبه على تقريرهم مساعدة إخواننا الأبطال المجاهدين عرب فلسطين فى ذلك الوقت وأيضاً على دعوتهم ممثلى الشعوب الشرقية المظلومة إلى حضور مؤتمر الحزب ومما جاء فيه قول فضيلة المرشد :

" والآن وقد فكرتم فى الاتجاه إلى الناحية الإسلامية العربية فأصدرتم فراركم بخصوص فلسطين الباسلة وبخصوص دعوة ممثلى الأمم الشرقية.

الآن والأمر كذلك - هل لنا أن نأخذ من هذا أن الوفد جاد فى تعديل موقفه الماضى من الإسلام أم لازالت هذه المظاهرات مناورات سياسية إقتضتها الظروف والحوادث يراد بها الانتصار السياسى على خصوم والوفد والعودة إلى قيادة الرأى العام ثم إلى الحكم، حتى إذا تم عاد سيرته الأولى من الإغضاء والتجاهل والإهمال لكل إصلاح يمت بصلة إلى الإسلام - ثق يا باشا بأنه إذا كانت هذه الغاية فإن الله لا يؤيد إلا من أخلص له وصدق توجهه إليه ولن ينال الوفد شيئا مما يفكر فيه أو يتطلع إليه فإن الله أشد غيرة على دينه من أن يكون سلما للمطامع ومطية للأهواء والشهوات وإن كانت الأولى فندع الماضى جانبا ولننسه بخيره وشره ولنضع منهاجا للمستقبل فذلك هو الذى يعنى الأمة ويؤدى إلى النجاح وليكن هذا المنهاج مرتكزا على قواعد الإسلام مستمدا من تعاليمه السامية وأصوله النبيلة الدقيقة . ولذلك - إن صح العزم عليه - علامات ودلائل نطالبكم بها ونحاسبكم عليها فلا قيمة لدعوى بغير دليل وبرهان. ومن هذه الدلائل :

أولاً : أن يكون أعضاء الوفد والهيئة الوفدية وعلى رأسهم رفعتكم نماذج صالحة للاستمساك بالإسلام فى أنفسهم وبيوتهم وكل مظاهر حياتهم فيؤدون الفرائض ويؤمون المساجد ويمتنعون عن غشيان الأندية الفاجرة والذهاب إلى الصالات الخليفة ويصدرون عن هذه المسالك فى تصرفاتهم العامة والخاصة وتزد أن اجتماعات الوفد ومؤتمرات الوفد بملاحظة الأوقات وأداء الصلوات ويبنه على ذلك تنبيها جادا فى كل اللجان الوفدية صغيرة أو كبيرة ويراقب أعضاؤها فى هذا ويؤخذون به على أن القدوة الحسنة من جانبكم وجانب أعضاء الوفد البارزين فيها الكفاية فى التأثير وحمل الأنصار على إنتهاج هذه الخطة القويمة والتمسك بآداب الإسلام وشعائره ومظاهره.

ثانياً : أن يعلن الوفد منهاجه الإصلاحى مستمدا من قواعد إسلامية متضمنا لما يأتى :

العناية بإصلاح التشريع وتوحيد المحكمة المصرية فى ظل الشريعة الإسلامية .

العناية بإصلاح التعليم وتوحيد المدرسة المصرية فى ظل الشريعة الإسلامية كذلك .

العناية بتجنيد القادرين فى الأمة جميعا تجنيدا تطوعيا لا يكلف الحكومة شيئاً باسم الواجب الدينى المفروض على كل مسلم؛ واجب الجهاد المقدس الذى يدوى به النفير العام فى قوله تعالى ((انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سيل الله)).

محاربة الموبقات التى يحرمها الله والتى أفسدت أخلاقنا وهددت مجتمعنا والقضاء عليها قضاء تاما كالبغاء والقمار والخمور والتهتك والمراقص والصالات والأندية الداعرة ... إلخ، وأخذ كل خارج عن أداب الإسلام بالعقوبة الرادعة.

العناية بمشروعات الإصلاح الاقتصادي والاستعانة فى تحقيق ذلك بتنظيم الزكاة جباية ومصرفا.

مقاومة روح التقليد الأوربى وتعويد الشعب الاعتزاز بكرامته وقوميته.

العناية بإصلاح الادارة والأسرة والقرية وتطهير ذلك كله من كل ما يتنافى تمهيدا لعودة ((الخلافة)) وتوكيدا للوحدة التى فرضها الإسلام.


فترة المستشار حسن الهضيبي

يقول الأستاذ محمود عبدالحليم:

" جاءت وزارة الوفد عام 1950 فوجدت أمامها الإخوان المسلمين أقوى مما كانوا . ووجدت الشعب حولهم أكثر التفافًا ، وبمبادئهم أشد تمسكًا .. فلم تجد مفرًا من مد يد الود لهم .. ورأت - تقربًا إلي الشعب - أن تسارع بإلغاء قرار الحل الذي لم يكن إلغاؤه إلا تحصيل حاصل ؛ حيث كان الإخوان قد استردوا كل شيء لهم إلا دورهم . ثم رأت حكومة الوفد أن تزداد تقربًا إلي الشعب فأقدمت علي ما لم تكن تجرؤ علي الإقدام عليه من قبل فأعدت إلغاء معاهدة 1936 .

وكان إلغاء حكومة الوفد لمعاهدة 1936 دافعًا قويًا ألجأ الوفد إلي التقرب إلي الإخوان المسلمين وخطب ودهم ؛ لأنه فوجئ بأن إلغاء المعاهدة قد أوجد فراغًا لا يملؤه إلا قوة شعبية أخذت نفسها بأسلوب التضحية والجهاد .. ولم تكن هيئة في مصر قد أخذت نفسها بهذا الأسلوب غير الإخوان المسلمين ، وقد جربوا أنفسهم في ذلك الأسلوب في فلسطين وأبلوا بلاءً حسنًا .. ورأت حكومة الوفد شهداء الإخوان من طلبة الجامعات وغيرهم يتساقطون في ميدان الجهاد ضد المستعمر وأخرج الوفد من الحكم عقب حريق القاهرة وهو يعلم من هم أصحاب النفوذ المتغلغل في نفوس الشعب ، ومن هم القادرون علي مواجهة المستعمر وأذنابه .."

وعمل الإخوان على عودة جماعتهم مرة أخرى وحكمت لهم المحكمة بعودة الجماعة عام 1950م غير أن سراج باشا رفض تنفيذ الحكم وتحايل عليه.

حيث جاء في بحث الوجود القانوني للإخوان المسلمين: " ولقد أراد الوفد أن يجعل الجماعة جمعية خيرية كغيرها من الجمعيات؛ فأصدرت حكومة الوفد القرار بقانون رقم (50) لسنة 1950م الذي مدَّ العمل بالأحكام العرفية لمدة عام، أو للمدة التي تنتهي فيها الحكومة من إصدار قانون الجمعيات؛ لأن إلغاء الأحكام العرفية كان يعني سقوط القرار بحلِّ الإخوان، الصادر من الحاكم العسكري مستندًا فيه لتطبيق الأحكام العرفية، كما حاول «فؤاد سراج الدين» بيع المركز العام في المزاد العلني، وحوَّله إلى قسم شرطة الدرب الأحمر، ثم أصدرت حكومة الوفد بعد ذلك قانون الجمعيات في 26 أبريل من عام 1951م، وهو القانون (66) لعام 1951م بشأن الجمعيات ذات الأغراض الاجتماعية والدينية والأدبية، وكان الغرض من هذا القانون تحويل الإخوان إلى جماعة دينية بعيدة عن السياسة، إلا أن قرار محكمة القضاء الإداري الصادر في 17 سبتمبر 1951م لم يمكِّن حكومة الوفد من تنفيذ مخططها؛ إذ قرر أن جمعية الإخوان المسلمين تكوَّنت في ظلِّ الحقِّ الأصيل في تكوين الجمعيات الذي أعلنه دستور 1923م، وقرر قيامه، فاكتسبت صفتها القانونية، كما تمتعت بشخصيتها المعنوية من تكوينها وفق المبادئ المقررة من إسناد هذه الشخصية إلى كلِّ هيئة استوفت عناصرها، وتوافرت لها مقوماتها من إرادة خاصة ونظام تبرز به هذه الإرادة وتظهر.

وجاء الحكم في الموضوع في القضية (190) لسنة 3 قضاء إداري ليؤكِّد الحكم السابق، ويؤكِّد أن الإخوان هيئة إسلامية جامعة، وأن الإخوان وفقوا أوضاعهم وفقًا للقوانين المعمول بها، ومما يجدر الإشارة إليه أن الحكم اعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين تستند في وجودها إلى ما تستند إليه الأحزاب السياسية، وهو المادة 21 من دستور 1923م".


فترة الأستاذ عمر التلمساني

بدأت العلاقات تتحسن بين الجماعة ممثلة في مرشدها الأستاذ عمر التلمساني وحزب الوفد ممثلا برئاسة فؤاد سراج الدين ، وذلك على خلفية الاتفاق بين المرشد و زعيم حزب الوفد و اللذين ترافقا في السجن على خلفية أحداث 1981م ليكون من نتاج ذلك أول مشاركة رسمية للإخوان في الإنتخابات .. وكان ذلك عام 1984م الذي يعد علامة مميزة في تاريخ العمل السياسي للجماعة ،

وهكذا وبرغم الاختلاف البين بين حزب ليبرالي وجماعة إسلامية إلا أن ما وضعته السلطة من قيود على انتخابات البرلمان تتمثل في اشتراطها إجراء الانتخابات بالقائمة المطلقة للأحزاب الرسمية، والتي اشترطت الحكومة حصولها على نسبة 8% على مستوى القطر المصري للفوز بمقاعدها بالبرلمان ، فالوفد كان متأكدًا أنه لن يحوز على نسبة الـ 8% من الأصوات، كما أن فرصة مشاركة (الإخوان) في الإنتخابات دون التحالف مع حزبٍ رسمي تكاد تكون معدومة الأمر الذي أدى لمثل هذا التحالف الذي وصفه المستشار "محمد المأمون الهضيبي"- المتحدث باسم (الإخوان المسلمون) وقتها- بأنه تعاون، وليس فرضًا لرأي أحد الطرفين على الآخر" .

وانتهت الانتخابات بفوز هذا التحالف ، ونجح ستة من جماعة الإخوان وهم: "حسن الجمل"، و"محفوظ حلمي"، و"محمد المراغي"، و"محمد الشيشتاني"، و"حسني عبدالباقي"، و"عبدالغفار عزيز"، و قد مارسوا نشاطهم البرلماني تحت اسم حزب الوفد، ولكن كان لهم أداؤهم المميز والمستقلعن الحزب مؤكدين هويتهم الإخوانية؛ ولكن دون إعلان."


شبهات وفدية .. و براءة إخوانية .. حقائق تاريخية

إضافة إلى ما سبق و أوردناه مما أثير حول الإخوان في مسألة الأحزاب من شبهات وكيف دحضت هذه الأباطيل بشهادة التاريخ ، نورد أيضا شبهات أخر أطلقها الوفد على هذه الجماعة العفيفة ، وكيف برأ التاريخ الإخوان من هذه الفريات .

الشبهة الأولى :

استخدام الملك للإخوان المسلمين لضرب قوة الوفد ذو الشعبية الكبيرة ومعاونتهم لتحجيم دوره.

وهذا كلام باطل لأسباب ووجوه منها :

أولا :لم يكن حال الإخوان في عهد أية حكومة من الحكومات المتعاقبة آنذاك إلا المعاناة من بطش تلك الحكومات وهذا يؤكد أن ترصد الإخوان للوفد خصوصا غير منطقي فها هو حسين سري وبضغط من السفارة والقيادة الإنجليزية تصادر حكومته مجلتي التعارف والشعاع الأسبوعيتين، ومجلة المنار الشهرية، ومنعت طبع أي رسالة من رسائل الإخوان ، أو إعادة طبعها، وأغلقت مطبعتهم وحرمت على الجرائد أن تذكر شيئًا عنهم، كما منعت اجتماعاتهم، ثم عمدت إلى تشريد رؤساء الجماعة، فنقلت الأستاذ البنا من القاهرة إلى قنا، ونقلت الوكيل إلى دمياط، ثم أعادتهما بضغط من الحملة البرلمانية، وكذلك حكومة ماهر الأعنف والأشد، فاعتقلت الأستاذ البنا مرة ثانية، كما اعتقلت السكرتير العام فضلا عما حدث من حكومة الوفد .. كل ذلك يدل على أن الإخوان كانوا دائما في شدة ولو كان هناك دعم لهم من الملك لكانوا هم من يشكلون الوزارة ويعملون على مصادرة صحف ومراكز الوفد والسعديين وغيرهم وليس العكس

لقد كان موقف الإخوان من الملك و الحكومات واضحا و ثابتا.. يقول الإمام حسن البنا :

" . و أذكر أنني كتبت في إحدى المناسبات خطاباً لأحد الباشوات جاء في آخره :

والإخوان المسلمون يا رفعة الباشا لا يقادون برغبة ولا برهبة ، ولا يخشون أحداً إلا الله ، ولا يغريهم جاه ولا منصب ، ولا يطمعون في منفعة ولا مال ، ولا تعلق نفوسهم بعرض من أعراض هذه الحياة الفانية ، ولكنهم يبتغون رضوان الله ويرجون ثواب الآخرة ، ويتمثلون في كل خطواتهم قول الله تبارك وتعالي : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الذريات:50)

فهم يفرون من كل الغايات والمطامع إلى غاية واحدة ومقصد واحد هو رضوان الله ، وهم لهذا لا يشتغلون في منهاج غير منهاجهم ولا يصلحون لدعوة غير دعوتهم ، ولا يصطبغون بلون غير الإسلام : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (البقرة:138) ... فمن حاول أن يخدعهم خدع ، ومن أراد أن يستغلهم خسر ، ومن طمع في تسخيرهم لهواه أخفق ... ومن أخلص معهم في غايتهم ووافقهم على متن طريقهم سعد بهم وسعدوا به ، ورأى فيهم الجنود البسلاء والإخوة الأوفياء ، يفدونه بأرواحهم ويحوطونه بقلوبهم وجهودهم ، ويرون له بعد ذلك الفضل عليهم.

أكتب لكم هذا يا رفعة الباشا لا رجاء معونة مادية لجماعة الإخوان المسلمين ولا رغبة في مساعدة نفعية لأحد أعضائها العاملين ، ولكن لأدعوكم إلى صف هؤلاء الإخوان بعد دراستهم دراسة جدية صحيحة تقنعكم بمنهاجهم وتنتج تعاونكم معهم في إصلاح المجتمع المصري على أساس متين من الخلق الإسلامي وتعاليم الإسلام .. و (للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ , بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم:4-5) .

بمثل هذا الأسلوب نخاطب الناس , ونكتب لرفعة النحاس باشا ومحمد محمود باشا وعلي ماهر باشا وحسين سري باشا , وغيرهم مما نريد أن نعذر إلى الله بإبلاغهم الدعوة وتوجيههم إلى ما نعتقد أن فيه الخير والصواب لهم وللناس .

ثانيا :أن الشعبية المدعاة للوفد كانت في تناقص مستمر وحدثت انشقاقات كثيرة فمن خروج أحمد ماهر والنقراشي لتكوين حزب السعديين إلى تشكيل حزب الكتلة الوفدية المنشق أيضا عن الوفد إلى خروج رموز كبرى كثيرة من الوفد للانضواء تحت لواء هذين الحزبين وغيرهما الأمر الذي يبين أن الوفد نفسه كان يحمل في طياته عوامل الخفوت ويبدو أن الحال لم يختلف كثيرا حتى الآن والمتابع الراصد يرى ذلك بوضوح في مشاكل الوفد القضائية بين أقطابه .

ثالثا :أن الشبهات لو دارات عن شيء ما فسيكون هذا الكلام للوفد وليس الإخوان فقد أجبرت سلطات الاحتلال الانجليزى الملك فاروق على تنصيب مصطفي النحاس رئيسا للوزراء باعتباره زعيما للأغلبية حتى يمكن تهدئة البلاد أثناء خوض الانجليز المعارك الحربية فى الحرب العالمية حتى إن أحمد ماهر قال لمصطفي النحاس : لقد جئت لرئاسة الوزارة على أسنة الحراب الانجليزية .. ومثل هذه الأفعال فضلا عن معاهدة 1936 التي رفضها كثير من السياسين أدت إلى خروج الكثيرين من أبناء الوفد..وتحميل غيرهم لهذا الأمر تنصل غير مبرر.. وهذا كله فضلا عن النزعة العلمانية الكبرى التي كان عليها زعماء الوفد فكانوا كما يخبر الأستاذ عمر التلمساني غير محافظين على الصلاة ولا الصيام برمضان وغير ذلك مما حدى بطبقات الشعب المصري المحب للدين في جملته للابتعاد عن الحزب ..


وأخيرا من الذي كان يتملق الملك ويسترضيه من أجل مصالح حزبية وشخصية يقول الأستاذ أحمد عادل كمال:

" حين يختلف الوفد مع الإخوان فما أسهل على أبواقه وصحافته أن تزعم أن جماعة الإخوان تسترضى الملك, والشيوعيون معهم بعضهم لبعض ظهير. أما حين يصطاف الملك فى كابرى ويخطب النحاس باشا زعيم الوفد فيقول" إن أبصارنا لترنوا إلى تلمك البقعة المباركة من أرض كابرى".. قلنا لعلها تهكم وسخرية, ولكن يعود جلالته من كابرى فيستقبله الباشا مقبلا يده... هذا كله لم يكن استرضاء للملك!!"

أما ما فعله الإخوان من استقبال للملك في 1937م ، فلم يكن أبدا تملقا أو وسيلة لنيل مآرب شخصية وإنما السبب كان كما أخبر الأستاذ عمر التلمساني حيث يقول :

" وأراد الأستاذ البنا أن يشعر الملك فاروق بقوة الجماعة كما أراد أن يفهمه من طريق خفى أن عليه أن ينصرف عن المنكرات التى يرتكبها والاستهتارات التى يقوم بها وأن فى مصر شبابا مستعدا لحماية هذا ا لدين حماية فعلية ففى أعقاب عودته من الخارج عام 1937 استقبلته جوالة الاخوان المسلمين استقبالا رائعا أدهشه هو نفسه وما كان الاستقبال احتراما للملك أو ترحيبا به وإنما كانت الفكرة من وراء هذا الاستقبال أن يبشعر الملك وعن رؤية واقعة بمدى قوة هذه الجماعة وأنها تستطيع ان تفعل الكثير .. وليست كما يقول ريتشارد ميتشل * إنها لعبت خلال الاحتفال باعتلاء فاروق العرش أول أدوارها الهامة كقوى " للنظام والأمن " ـ وحقيقة لو أراد الأستاذ البنا كما يشيع المغرضون أن يحدث حدثا لفعل ولكنه كما هو مكتوب فى رسائله أنه لا يلجأ الى العنف ولا الى الثورات وأنه يريد أن يربى الشعب تربية إسلامية حتى يتم وعى الشعب الكامل عن طريق الشعب نفسه لأنه إذا كان الشباب الذى يتخرج من الجامعة كله أو غالبيته يدين بمبادىء الاخوان المسلمين فهم الرجال الذين سيتولون شئون هذا ا لبلد ومختلف المؤسسات من قضاء الى طب الى وزارات وغيرها فما دام الاخوان أو جيل مصرى قد تربى تربية إسلامية سيتم التغيير بسهولة ."

الشبهة الثانية :

أن الوفد فترة الحرب العالمية الثانية ساعد الإخوان وفتح شعبهم واصدر صحفهم .

وهذا الأمر كان له سببه فالوفد أراد أن يحول دون ظهور الإخوان لا العكس ..فقد رغب الأستاذ البنا أن يرشح نفسه نائبًا في البرلمان عن دائرة الإسماعيلية، مهد الدعوة ليمثل الإخوان، وينطق بلسانهم، ولكن النحاس رجاه أن يعدل عن الترشيح وكان الشيخ البنا كعادته حريصا على النفع الدعوي العام لا المنصب الشخصي فعدل عن الترشيح مقابل بعض المطالب الإسلامية، والتي كان منها إلغاء البغاء الرسمي ، وبدأ النحاس بعد عدول البنا يسمح لهم بالاجتماعات، وأعاد إليهم المجلة والمطبعة، لكن هذا الأمر لم يدم كثيرا فقد ضغطت السفارة الإنجليزية مرة أخرى، فعادت المحنة في صورة أشد من الأولى إذ قامت الحكومة بتقديم بعض الإخوان إلى محاكمة عسكرية بحجة إعداد جيش للترحيب بروميل، فكانت الجنائية العسكرية العليا 883 لسنة 1942م والتي حكم فيها ببراءة الإخوان، ثم ضغطت الحكومة البريطانية على النحاس باشا ثانية وطالبته بحل الجماعة، لكنه بدلاً من ذلك قام بإغلاق جميع شعب الإخوان إلا المركز العام الذي ظل يراقبه على مدار الساعة وضيق عليهم في اجتماعتهم ومطبوعاتهم، وسائر نواحي نشاطهم، وقابلوا شدة الحكومة بالصبر، فعدلت الحكومة النحاسية عن شدتها، واستمر الموقف بينهما يتقلب، تارة تدع الحكومة لهم الحرية فيعملون، وطورًا تراهقهم بالتضييق فيصبرون، ولكنهم ظلوا على عادتهم في تقديم النصح كتابة ومشافهة، إلى أن أُقيلت الوزارة سنة 1944.

الشبهة الثالثة:

انسحاب الإخوان من اللجنة الوطنية بعد الحرب الثانية والتي كانت تضم الوفد والشيوعيين وذلك بهدف إضعاف هذه اللجنة.

ويدحض هذه الشبهة تماما الأستاذ أحمد عادل كمال في كتابه النقط فوق الحروف فيقول :

" نعى بعض الكتاب الشيوعيين فى كتب هزيلة حقا على الإخوان المسلمين أنهم حطموا اللجنة الوطنية وآثروا السير منفردين فى محاولة لتصويرهم إلى جانب الملك حينا أو إلى جانب الإنجليز حينا آخر . وليس أعرق فى الكذب المتعمد والبهتان من هذه المزاعم, ويكفى لدحضها ما تعرض له الإخوان من محن لم يتعرض لمثلها أحد على أيدى حكومات الملك والإنجليز. وبالرغم من أنه ليس لهذه الكتب وزن فى علم التاريخ إلا أن المتأخرين حين يدرسون حركة الإخوان فإنهم يجمعون من كل حدب وصوب ما كتب عنهم, ولا اعتراض على ذلك, إنما الاعتراض أن يحدث دون تمييز بين الغث والسمين. فليس كل من كتب صادق فيما كتب.

لاسيما إذا كان شيوعيا اجتمعت لدية الخصومة والعداوة مع الانحلال واللا أخلاق. إن إصدار كتاب لا يحتاج إلى أكثر من كاتب يكتب وجهة تمول وتوزع , وليس فى ذلك ما يؤهله لأن يصير مرجعا ومصدر للمعلومات. وحين نطالع كتاب " الإخوان المسلمين" وهو الدراسة التى حصل بها ريتشارد ميتشل على درجة الدكتوراه من جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية نجده زاخرا بالأخذ عن تلك الهلاهيل المفتراه بما يبعدها فى كثير من أجزائها عن مستوى الدراسة التى تستحق درجة الدكتوراه.

يتعين لاعتماد أى مصدر أن يكون كاتبه معروفا موثوقا به فى صدقه وأمانته أو على الأقل معروف الهوية والاتجاه. فإذا أخذ ميتشل عن مصدر اسمه " الإخوان فى الميزان" للمدعو محمد حسن أحمد - أن طلاب الإخوان قد انسحبوا فى شهر أكتوبر 1945 من اللجنة الوطنية فحصلت هذه اللجنة على تفويض من الطلاب وغيرت اسمها إلى اللجنة التنفيذية بما يعنى أن الحركة الطلابية واصلت مسيرتها دون الإخوان, فإنما هو مجرد إدعاء. لا كانت هناك لجنة وطنية ولا لجنة تنفيذية! وأى معاصر يعلم علم اليقين أن كل ذلك كان أسماء بلا مسميات."

ويضيف الأستاذ جمعة أمين في كتاب أوراق من التاريخ سببا هاما لابتعاد الإخوان عن هذه اللجنة المزعومة فيقول:

" لقد تزعم اليهودى الايطالى المليونير هنرى كورييل الحزب الشيوعى المصرى.فإذا تصدى هؤلاء ليتزعموا المسار الوطنى فسحقهم الإخوان صار الإخوان خونة؟! بكل وضوح.. لقد تزعم الإخوان المسلمون جهاد الطلاب دون منازع فى تلك الفترة. وكان الشيوعيون يعارضون الإخوان على طول الخط, وقد تابعوا موسكو فى الاعتراف بإسرائيل عام 1948, وأعلنوا أنه لا شأن لنا بفلسطين وأن قضيتنا هى مصر. وكذلك فعل الوفد حين أعلن الإخوان لمنع الاحتفال بدعوى أننا فى مصر ولسنا فى سوريا ووقع اشتباك بين الطرفين أوضح لمن كانت الأغلبية. كان الإخوان مسلمين, مسلمين فى مشاعرهم, مسلمين فى عواطفهم, مسلمين فى اتجاهاتهم, مسلمين فى سياستهم. وحين رفضوا أن يضعوا يدهم النظيفة فى أيد ملوثة بالشيوعية فهذا أمر طبيعى. كانوا مسلمين يرفضون ماليس إسلاميا فرفضوا الذيلولة لموسكو. وفى ذلك يتمثل الأستاذ حسن البنا بقول الشاعر:

ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالميين أو القبر

على الجانب الآخر يسجل التاريخ أن الوفد هو الذي سعى بكل قوة لشق الإخوان وما حادثة السكري عن هذا ببعيد فقد قام السكري ببث الفتنة حيث عمد إلى صحف الوفد وأذاع أخبار خاطئة كاذبة وحقائق محرفة عن المرشد العام وسياسة الإخوان, وأنه صاحب هذه الدعوة ، لكنه آثر الأستاذ البنا بها.

ومد له الوفد يد الاتصال, فقام بإعطاء معلومات للصحف الوفدية كاذبة كخبر اللجنة السياسية ،وهى فكرة عرضت على بعض الشخصيات لتكوين لجنة استشارية فقهية قانونية .

ولقد استطاع فؤاد سراج الدين استقطاب أحمد السكري بصفة داخل اللجنة,وحصل منه على تقارير سرية للإخوان, ونشرها في صحف الوفد, فجمع الأستاذ البنا الهيئة التأسيسية, وعرض الأمر عليهم وتبين أن الأستاذ أحمد السكري هو المتسبب في ذلك, فطالبته الهيئة بكتابة مقال يكذب ما ورد في الصحف الوفدية , غير أن أحمد السكري رفض ذلك, وأخذ في الهجوم على الجماعة من خلال جريدة صوت الأمة الوفدية .

لقد ذكر الأستاذ أحمد السكري من ضمن الأكاذيب التي يروج لها البعض أن الأستاذ البنا أغرق الجماعة في الحزبية, وكون اللجنة السياسية وتأرجح بالجماعة بين الأحزاب ، لكن الناظر في تاريخ الإخوان يجد أن سياسته ثابتة منذ نشأتها, وحدد لها الأستاذ البنا مبادئها وأهدافها , ونأى بها عن الحزبية,واعترض على الأحزاب والحكومات التي تعاملت مع الانجليز.

حتى إن جريدة أخبار اليوم تثبت هذه المساعي الوفدية وتقول" وأخيرا رأى حزب الوفد أن خير طريق لتحطيم الإخوان هو تمزيقهم من الداخل, وتولى السكرتير العام هذه المهمة فنجح فيها نجاحا كبيرا فقد استطاع بفضل اتصاله بالأستاذ أحمد السكري وكيل الجماعة أن يحدث انقساما فى الإخوان, وحصل السكرتير العام على تقارير سرية للإخوان نشرها في صحف الوفد)... هذا هو واقع الأمر الذي شهد به غير الإخوان أنفسهم ثم يأتي زمان تقلب فيه الحقائق ويصبح الجلاد ضحية ..إن الذي يحدد طبيعة العلاقة هي المواقف المتبادلة بين الإخوان والوفد والتي يظهر فيها من هو المعتدي .."

الشبهة الرابعة :

دارت حول مصادر الموارد المالية لجماعة الإخوان وقد ألقم الإمام البنا أفواه المشككين حجرا برده الواضح الجلي :

" لا زالت موارد الإخوان وتنظيمهم المالي ومصادر نفقاتهم لغزا أمام كثير من الذين لم يتصلوا بهم ولم يحاولوا أن يتعرفوا الأمور على وجهها وكثير من الناس حين يرى هذا النشاط الدائب والعمل المتواصل والثروات الكثيرة والمطبوعات المتوالية والحفلات الضخمة والاجتماعات الحاشدة يسأل نفسه من أين للإخوان كل هذا وكيف يحصلون على المال ومن أية جهة يجلبونه وهم قوم معظمهم إنما يجد ما يكفيه فقط وليس فيهم كثير من الأغنياء أو الأثرياء، وخصوصا إذا كان هذا المتسائل من رجال الأحزاب أو الجماعات التي تنفق الكثير في مثل هذا النشاط ولا تجد القليل من البذل في الأعضاء والأنصار. وقد يذهب الكثير من هؤلاء المتسائلين في الظن إلى درجة الاتهام بالباطل فيقول يأخذون من الدول الفلانية أو الهيئة العلانية أو تنفق عليهم هذه الجهة العالية أو تلك الناحية الخفية، وكل ذلك وهم باطل وظن فاسد واتهام جريء وقول مفترى لن يقوم عليه دليل ولا شبه دليل.والأمر أهون من كل ما يتصور هؤلاء فإن الإيمان إذا سكن القلب وملأ الفؤاد وانطوت عليه الجوانح دفع صاحبه دفعا إلى أن يبذل كل ماله وكل دمه وكل نفسه في سبيل عقيدته التي آمن بها وعالق من أجلها. وتاريخ العقائد والرسالات والدعوات حافل بهذه الشواهد التي تعتبر من البدهيات.

والإخوان المسلمون ليسوا إلا أبناء دعوة آمنوا بها وأخلصوا لها وتربوا في أحضانها، فهان عليهم أن يبذلوا من قوت أولادهم ومن ضروريات" ونختم هذه الفقرة بكلام الأستاذ محمود علد الحليم الذي فيه يقول :

" وليست هذه أول فرية ولا آخر فرية تفتري علي الإخوان المسلمين ولكن الله تعالي كان للمفترين بالمرصاد ففضح افتراءهم وكشف سوءاتهم وخرج الإخوان وصفحتهم ناصعة البياض وذهب هؤلاء بما تكشف من زورهم وافترائهم وإجرامهم إلي الجحيم " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " .


القول الفصل في عداء الوفد لجماعة الإخوان

وبعد فقد بات الأمر واضحا جليا بشأن عداء الوفد للإخوان .

فالوفد حزب ليبرالي لا يستمد مبادئه من الشريعة الإسلامية ، وهو يعمل على سياسة إن لم تكن تناوئ أصول الإسلام فهى على الأقل لا تعنى بشأنه ويسرها أن تتخلص من تبعاته .

و الإخوان جماعة إسلامية قلبا وقالبا ، مظهرا وجوهرا . تعمل على تمكين دين الله تعالى في الأرض . وقد أعلنت ذلك منذ بدايتها حين بينت خصائص هذه الدعوة و التي هي :

أ ـ البعد عن مواطن الخلاف .

ب ـ البعد عن هيمنة الكبراء .

ج ـ البعد عن الأحزاب والهيئات .

د ـ العناية بالتكوين والتدرج فى الخطوات .

هـ ـ إيثار الناحية العملية على الخطب والاعلانات

وهكذا الصراع المعروف بين الحق و الباطل لابد و أن ينتهي بانتصار الحق و أتباعه ، حتى ولو كان للباطل جولات رابحة فالعبرة دائما بالخواتيم .

يقول الإمام البنا :" ذكر.. فى سورة الأنعام " قد نعلم إنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين * وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغى نفقاً فى الأرض أو سلماً فى السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين"( الأنعام : 33 - 35).

وكذلك الناس فى كل زمان ومكان ، هل يظن أحد فى هذا الوادى أن دعوة الإخوان التى ترتكز على أصول الإسلام الحنيف وهو دين الدولة والأمة دعوة باطلة أو كاذبة ؟ لا ، ولكن الأحزاب المستفيدة ، والحكومات المتعاقبة ، وأهل الجاه والسلطة يكرهون أن تقوم فى الناس دعوة تعلم الجاهلين ، وتنبه الغافلين ، وتأخذ بحق المظلومين من الظالمين ، وتقر العدالة باسم الله رب العالمين ."

ويقول أيضا :

" نحب بعد هذا أن نقول كلمة صريحة لأولئك الذين لا زالوا يظنون أن الإخوان يعملون لحساب شخص أو جماعة : اتقوا الله أيها الناس ، ولا تقولون ما لا تعملون . واذكروا قول الله تعالي : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58) ... وليعلموا تماماً أن اليوم الذي يكون فيه الإخوان المسلمون مطية لغيرهم أو أداة لمنهاج لا يتصل بمنهاجهم لم يخلق بعد."

ولا أبلغ و أوضح من كلام البنا في هذا الأمر وبه نختم البحث ، يقول فضيلة المرشد الإمام حسن البنا :

" وفوق هذا كله فقد كانت دعوة الإخوان في الحقيقة وحدة جامعة للعناصر الحية العاملة المخلصة في كل بلاد العروبة ومواطن الإسلام وكانت بذلك تمثل أحسن تمثيل الجامعة العربية الشعبية أو الجامعة الإسلامية بعبارة أوسع فهي حلقة الاتصال بين الهيئات والجامعات الإسلامية في كل هذه البلاد والتواصل والتراسل دائم بينها في كل وقت وبخاصة أمام الظروف الطارئة والأحداث الجسام ومن هنا ساهمت الدعوة في كل الحركات التحررية للبلاد العربية والإسلامية فاتصلت بسوريا ولبنان في محنتهما حتى جلا عنها الفرنسيون وتم لهما الاستقلال وأبلت في قضية فلسطين أحسن البلاء وشاركت الباكستان في شعورها وأملها وألمها حتى ظهرت إلى الوجود وكان لها في الحركة الإندونيسية الأثر المحمود حتى أن الحزب الإسلامي أعلن انضمامه للإخوان وظلت الدعوة كذلك تناضل مع أحرار شمال أفريقيا في سبيل حقهم المغصوب إلى الآن فضلاً عن تنبيهها الأذهان إلى حقوق الأقليات الإسلامية في مختلف الأوطان فكانت بذلك وحدة بين المسلمين أينما كانوا أساسها وحدة الألم والأمل ولحمتها العمل والإيمان. هذا بعض ما قدم الإخوان المسلمون للأمة خلال كفاحهم المبارك فهل من الأحزاب والهيئات من سلك هذا السبيل أو قدم مثل هذا المنهاج والإنتاج ويا ويح أمة تقدر على الهدم ولا تحسن البناء وإنا لله وإنا إليه راجعون."


المراجع

1-كتاب: مذكرات الدعوة والداعية للإمام حسن البنا ، لتحميل الكتاب Pdf.png.

2-كتاب: رسائل الإمام الشهيد حسن البنا.

3-مقالات متنوعة للإمام البنا دار البصائر.

4-كتاب: قضيتنا ،آخر ما كتب الإمام الشهيد حسن البنا

5-كتاب: ذكريات لا مذكرات ،للأستاذ عمر التلمساني

6-عمر التلمساني شاهدا على العصر ,حوار مع إبراهيم قاعود

7-كتاب: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ،محمود عبدالحليم ،للتحميل Pdf.png

8-مواقف في الدعوة والتربية ،للأستاذ عباس السيسي ،للتحميل Pdf.png

9-كتاب: وسائل التربية عن الإخوان ،على عبد الحليم محمود

10-كتاب: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين ، جمعة أمين

11-كتاب: الإخوان المسلمون تنظيم (1965) الزلزال ... والصحوة ،محمد الصروي ،لتحميل الكتاب Pdf.png

12-كتاب: النقط فوق الحروف ،أحمد عادل كمال ،لتحميل الكتاب Pdf.png

13-بحث: الإخوان المسلمون والمجتمع المصرى ، Pdf.pngمحمد شوقى زكى ،إخوان ويكي

14-بحث: الإخوان في البرلمان ،إخوان ويكي

15-مقال: حزب الوفد ،ويكيبيديا الموسوعة الحرة.

16-مقال: رسالة علمية تكشف أسرار الماسونية في مصر ،عرض : عمر محمود ، إخوان أون لاين

17-مقال: إلغاء معاهدة التحالف المصري الإنجليزي – معاهدة1936 ،موقع مفكرة الإسلام

18- مقال: التلمساني وسراج الدين يقودان تحالف الوفد والإخوان ،الموقع الرسمي للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين

19 -مقال: الوجود القانوني للإخوان المسلمين .. دراسة تاريخية قانونية ،إسماعيل تركي.

20- كامل الشافعي: الوفد والإخوان في الميزان، بدون ناشر.

إقرأ المزيد

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

وصلات خارجية

مقالات خارجية