جهود الإمام البنا في إعداد وتربية الأشبال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


جهود الإمام البنا في إعداد وتربية الأشبال

موقع إخوان ويكي

تمهيد

الإمام الشهيد حسن البنا المعلم والمربي

تواجه الأمة الإسلامية حقبة من أصعب حقبات تاريخها ،فقد تداعى عليها الأعداء والخصوم من كل حدب وصوب كما تداعى الأكلة على قصعتها ... فلما أن أرادت المواجهة كانت الكارثة ! وهي عدم وجود رصيد لديها من النشء القادر على المواجهة بانتمائه لدينه وجديته ومسؤوليته .

بل لقد وجدت الأمة ناشئها وقد أحاطتهم الانهزامية والتخلف إحاطة السوار بالمعصم ، فإذا هم قد تربوا تربية رخوة لا تحقق الغاية المأمولة .

ولقد أدرك الإمام حسن البنا –رحمه الله – هذا الأمر إدراكا جيدا بثاقب نظرته وحسن بصيرته، ومن أجل هذا أولى الإمام اهتماما خاصا بالناشئة والأطفال يهدف إلى إعداد قيادات واعية ونشيطة وفعالة وبذلك يضمن للأمة الإسلامية عودا حميدا إلى سالف مجدها بإذن الله تعالى يقول الإمام البنا - رحمه الله - في ذلك: "يجب أن نحدد غايتنا من تربية النشء تحديدًا دقيقًا واضحًا حتى يمكننا معرفة الوسائل المؤدية إلى هذه الغاية، وما لم نحدد غاية فإننا نسير بالأمة على غير هدى."

ومن أدل الدلائل على اهتمامه بالناشئة أنه في صياغته لمراتب العمل جعل مرحلة البيت المسلم هي المرحلة الثانية ، لأنه يدرك جيدا أن البيت المسلم هو الحاضن الأول و الرئيسي للنشء ، فبصلاحه أو فساده تتحدد نوعية النشء المربى .

ولقد تكونت وتبلورت هذه الرؤية الثاقبة و هذا الإدراك العظيم لأهمية تربية الناشئة عند اللإمام نتيجة للعوامل الآتية :

أولا  : نشأته و تربيته :

حرص والديه على غرس القيم الإسلامية فيه ،فعملا على تحفيظه القرآن الكريم ، وتعليمه العلوم الشرعية ، و تربيته برعاية إسلامية ؛ فأكسبه هذا كله ثقة بنفسه ، واعتزازا بشخصيته ، وفخرا بإسلامه .

ثانيا : ثقافته الإسلامية :

نتيجة لهذه التربية الواعية ، تكونت لدى الإمام ثقافة إسلامية غزيرة ، فراح ينميها بقراءاته في شتى المجالات ولكن بمنظور إسلامي . لا كما يفعل ناشئة اليوم من استقاء ثقافتهم من روايات غربية أو من كتب علمانية أو نظريات إلحادية ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ثالثا : حمله لهم الدعوة و مسؤولية النصرة :

في هذا المحضن التربوي النافع تولدت في نفس هذا الناشئ الصغير المسؤولية تجاه الدعوة فحمل الهم ، وبدأ العمل ،لتخليص الواقع من شوائب المحتل ، ليعود إسلاميا خالصا كما كان. ومن دلائل ذلك : إنشاؤه لجمعية تهدف إلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وكان لايزال وقتها طالبا في المرحلة الإبتدائية.

من أجل كل ما سبق ، كان الإمام يدرك تماما أهمية تربية و إعداد النشء ، وكونهم الأساس لنصرة الأمة وتمكينها في الأرض ، و السلاح الفعال لإفشال خطط العدو و هزيمته ومن ثم القضاء عليه تماما ، فبدأ أولا بدراسة واقع هذا النشء المسلم ، ثم وضع له ثانيا خطة عمل وفق منهج إسلامي عملي و ثالثا كانت تطبيقات هذه الخطة على أرض الواقع من قبل الإمام و إخوانه .

وفيما يلي بيان ذلك :

أولا : دراسة واقع النشء المسلم في ذلك الوقت

وقف الإمام البنا على واقع النشء المسلم آنذاك فوجده مرا أليما.. ليس فيه العناية الكافية بتنشئة الطفل المسلم تنشئة إسلامية ... فقد كانت صورة الأطفال حينها خالية من عوامل الجدية وبعيدة عن السلوك القويم إلا من رحم الله تعالى.. فالشوارع ملأى بالمشردين ، ولن تخطئ العين في ذلك الوقت أطفالا شغل ذويهم الكدح و السعي عن تحصيل صفات النشء المسلم القويم ، وأما النوادي فتجمع بين جنباتها الاطفال العابثين اللاهين من أبناء طبقة المترفين ..أصناف شتى فرقتهم الأماكن و المشارب و لم يجمعهم إلا كونهم أبعد ما يكون عن هدي الإسلام العظيم .

لقد أرقت تلك الأحوال الإمام المرشد ..فبدأ يخطط لتغيير هذا الواقع المحزن ....

ثانيا : خطة العمل المنهجية التي سار عليها البنا

كان الإمام البنا يعلم تماما أن نسبة كبيرة من العملية التربوية تقع على عاتق المربي ، من أجل ذلك أخذ على نفسه العهد لبذل كل ما في وسعه من أجل إصلاح التربية الخاطئة للناشئة ،و من ثم إعادة تربيتهم وفق منهج إسلامي شامل ، ليصنع من أشبال الإخوان رجالا كالجبال تقود العالم للخيرية و الفلاح . بدأ الإمام في إعداد خطة عمل منهجية إسلامية شاملة للناشئة ، لها أهدافها ، ووسائلها ، وتطبيقاتها ...

أهداف الخطة

1-العمل على تكوين البيت المسلم لكونه الحاضن الأول و الأساسي للطفل ...

يقول الإمام البنا : "يتأثر الناشئ في حياته بعوامل كثيرة وإصلاح تربيته وقفٌ على إصلاح هذه المؤثرات وتوجيهها نحو الغاية الخاصة. وأهم هذه المؤثرات: المنزل".

ويقول أيضا : "وإذا كان للمنزل كل هذا الأثر في حياة الطفل وجب ـ تحقيقا للغاية السالفة ـ أن يحاط بكل ما يغرس في نفسه روح الدين والفضيلة ."

2-أهمية إعداد القدوة الصالحة لتكون مرجعا للناشئ الصغير في أي مشكلة يمر بها ، قد تكون هذه القدوة في محيط اللأسرة ، أو في المسجد ، أو في المدرسة ، أو حتى في محيط عائلة هذا الناشئة الصغير .

3-إعداد نشء سليم العقيدة ، صحيح العبادة ، رباني يتعلق قلبه بالله تعالى تعلقا كاملا ، ليسهل على جوارحه بعد ذلك تطبيق دين الله عز وجل .

4-غرس أخلاق الإسلام الحميدة في قلب الطفل ، مثل خلق الحياء و الشجاعة و الصبر و قوة الإرادة و الحلم و الأناة .....وغير ذلك .

5-تربية الناشئ الصغير على أن الإسلام منهج حياة شامل ؛ يعلمه كيف يتعامل مع حياته في كل تفاصيلها.

6-ضرورة اكتشاف ومن ثم تنمية وتوجيه مواهب الناشئة لخدمة الدعوة .

7-توعية الناس بدور النشء في نهضة الأمة الإسلامية و صناعة مجدها عبر التاريخ، ومن ثم ضرورة أسلمة تربيتهم .

وسائل تحقيق هذه الأهداف

1-أهم الوسائل في تكوين البيت المسلم :

الإمام الشهيد حسن البنا مع أبناءة

أ- حسن اختيار والدي الناشئ المسلم ، فالأب لابد وأن يكون صالحا ، تقيا ، غيورا على دينه. والأم يجب أن تكون ذات خلق كريم و حياء و دين .

يقول الإمام البنا في حديثه عن هذه الوسيلة :

"والأم إذا صلحت فانتظر من ابنها أن يكون رجلاً بكل معنى كلمة الرجولة، وأنت إذا استقرأت تاريخ العظماء وجدت أن السرَّ في عظمة الكثيرين منهم ما بثته فيه الأم من المبادئ الصالحة القويمة بحكم اللبان والتلقين .

وما كان علي بن أبي طالب- كرَّم الله وجهه- في حُبِّه للحق وغيرته عليه ومناصرته للرسول- صلى الله عليه وسلم-، ولا معاوية في حلمه ودهائه، ولا عبد الله بن الزبير في شجاعة نفسه، ولا الزبير نفسه في ذلك إلا سرًّا من أسرار فاطمة بنت أسد، وصفية ابنة عبد المطلب، وأسماء بنت أبي بكر وهند بنت عتبة .

وحري بمَن يسمع في مهده- لأول عهده بالحياة ترنيمة أمه :

ثكلتُ نفسي وثكلتُ بكري

إن لم يَسُدْ فِهراً وغيرَ فِهْرِ

بالـحَسَبِ العَدِّ وبذلِ الوَفْرِ

حتى يُوَارَى في ضَرِيحِ القَبْرِ

أن يكون سيدًا تتفجر الحكمة من جنبه، وتنطوى السيادة في برديه، كما كان عبد الله بن عباس بتأثير أمه أم الفضل بنت الحارث الهلالية وحري بمَن يطرق سمعه لأول مرة تلك الأغاني الخليعة والترنيمات الغثة التي يُداعب بها أمهات هذا العصر أبناءهن أن ينشأ ماجنًا خليعًا فاتر الهمة ضعيف النفس..

الأم أستاذ العالم والمرأة التي تهزُّ المهد بيمينها تهزُّ العالمَ بشمالها، فلأجل أن نصلح المنزل يجب أن نُصلح الأم التي هي رُوحه وقوامه ولئن كان الولد سر أبيه، فكل إناءٍ ينضح بما فيه "

ب- حماية الوالدين لفكر وعقل الناشئ المسلم ، فيربيانه على حفظ القرآن الكريم ، وعلى حفظ الأحاديث النبوية ، وعلى قراءة السيرة و الغزوات ،و الاطلاع على تاريخ الخلافة الإسلامية على مر العصور ، حتى يكون في مأمن و منأى عن قصص اللهو و المجون ، وأفكار التغريب والإساءة للدين .

وذلك يكون كما يرشدنا الإمام في قوله :

"أن يحول الأبوان دون تسرب الكتب الهازلة والصحف الماجنة إلى ابنهما لا بالمنع والتهديد؛ فإن ذلك مما يزيد شغفه بها وإقباله عليها، ولكن بصرفه إلى كتبٍ نافعةٍ مغرية وإثارة الميل فيه إلى هذه الناحية الصالحة.

وهنا أذكر شدة حاجتنا إلى كتبٍ في القصص العام الإسلامي للأطفال، تجمع بين تشويقهم إلى المطالعة وملاءمتها لمداركهم وقواهم العقلية، وتزويدهم بالشعور الإسلامي، والقصص الإسلامي غني بذلك من سير الصحابة والتابعين وأمثالهم رضوان الله عليهم ..

وأذكر كذلك ضرورة احتواء المنزل على مكتبةٍ مهما كانت يسيرة، إلا أن كتبها تُختار من كتب التاريخ الإسلامي، وتراجم السلف، وكتب الأخلاق والحكم، والرحلات الإسلامية والفتوح ونحوها.

ولئن كانت صيدلية المنزل ضرورية لدواء الأجسام، فالمكتبة الإسلامية في المنزل ضروريةً لإصلاح العقول.

وما أجمل أن أذكر هنا قول سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه-: "إننا لنروي أبناءنا مغازي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما نرويهم السورة من القرآن ".


ج- ضرورة تكامل دور الأبوين في إصلاح هذا الناشئ المسلم ، وهذا التكامل لا يكون إلا بتواصل الحوار و الجهود و التواجد من كلا الوالدين ، فإن كانا أحدهما بعيدا عن الآخر لسفر فحبذا لم الشمل وتيسيره من أجل تكامل بناء . وهذا ما حرص عليه الإمام حين كاتب والده في 5 أكتوبر عام 1928م يطلب منه ارسال اولاده له إذ كان البنا على سفر آنذاك وأولاده مع جدهم يقول:

"فى إرسالهم مصلحة لى، فإنهم سيوفرون كثيرا من النفقات الذاهبة هباء منثورا، وسينظمون أوقاتى ويريحوننى من عناء كبير، ومصلحة لهم هى تدريبهم وتهذيبهم وتربيتهم تربية أراها راقية جيدة صالحة تحجزهم عن أبناء الشوارع وعطلة السبل. وإذن يكون إرسالهم من صالح الطرفين فلعلكم تقدرون ذلك وتتصرفون فى إحضارهم فى أقرب وقت ممكن ولو بدرجة وصول هذا إليكم."

2-الوسيلة الخاصة بتكوين القدوة تتم بإصلاح النفس

فالوالدين لابد لهما من إصلاح نفسيهما بالكيفية التي يخبرنا عنها الإمام البنا بقوله :

" أن يحرص الأبوان على أن يكونا خير قدوةٍ لابنهما في احترام شعائر الدين، والمسارعة في أداء فرائضه وبخاصة أمامه وعند حضوره يؤدون الصلاة ويقصون عليه من نبأ الصالحين، فأيقظ غرائزه في هذه السن غريزة التقليد، والمثل الأعلى أمامه أبواه ومن يحيط به من ذويه .

فعليهم أن يكونوا كما كتب عمر بن عتبة لمؤدب ولده: "ليكن أول إصلاحك لولدى إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت ".

والمعلم لابد وأن يستشعر المسؤولية و يصنع من نفسه القدوة الطيبة ، فهو لا يؤثر في طفل أو اثنين ، ولا في جيل أو جيلين ، بل في أجيال تلو أجيال ، لذا لابد من أن يكون مشربه إسلاميا كما وضح الإمام ذلك بقوله عن مناهج المعلمين :

"أيسرها وأقربها إلى التحقيق مطالبة الوزارة بإصلاح مناهج مدارس المعلمين بأنواعها، وجعلها غنية بالتعليم الديني والتاريخ الإسلامي وفلسفة العقائد وأسرار التشريع ونحو ذلك، يلي هذه الوسيلة ....... فتح فصول ليلية، وفي الإجازات الطويلة كإجازة الصيف- مثلاً- لمَن يحب من المعلمين وطلبة مدارس المعلمين من الأعضاء وغيرهم أن يدرس فيها هذه المواد على أيدي كبار حضرات الأعضاء المستطيعين لذلك " وهذا المعنى الذي صاغه الإمام البنا يؤدي بالمعلم إلى أن يكون تربويا في معاملة طلابه وهو ماأشار إليه التربويون المعاصرون من أبناء الحركة تقول الأستاذة وفاء مشهور من خلال تجربتها في عملها المهني في التوجيه التربوي :

ولابد أن يكون قادرا في تعامله مع التلاميذ على رصد الظواهر السلوكية وطرق علاجها وكيفية تعامله" معها تربويا . "

3- وسيلة إعداد النشء روحيا لكي يكون جيلا ربانيا

من أهم ما كان يتميز به الإمام البنا هو حرصه على بناء شخصية قوية وسوية للناشئ المسلم أساسها الإيمان بالله و مراقبته في السر و العلانية ، وذلك بتعليمهم مبادئ التوحيد،مثل(تعليمهم الشهادتين ومعناهما ، وتعليمهم أركان الإسلام ، وأركان الإيمان، وما هو الإحسان ) من أجل سلامة عقيدتهم .

وتعليمهم الكيفية الصحيحة لبعض العبادات التي تتناسب وأعمارهم مثل (حب الله عز وجل بذكر نعمه وأفضاله علينا ، وحب النبي صلى الله عليه وسلم من خلال رواية سيرته لهم بأسلوب مبسط ، و الأذكار المشروعة لكل أحداث الطفل اليومية" كأذكار النوم و الاستيقاظ ،والطعام والشراب ،ولبس الثياب وخلعها ، والخروج والدخول من وإلى البيت و المسجد ،و غير ذلك ." ، والصلاة على أول وقتها ، وحب الجنة بذكر نعيمها ومن ثم حب العمل الصالح المؤدي إليها ، وبغض النار بذكر عذابها ومن ثم بغض العمل السيئ المؤدي إليها ) وغير ذلك من أجل صحة عبادتهم .

وفي ذلك يقول الإمام حسن البنا :

" أن يضع الوالدان نصب أعينهما، أن يشبعوا أبناءهم بروح الدين والشعور الإسلامي في كلِّ الفرص المناسبة، يتحدث إليهم عن عظمته ورجاله وفائدته وأسراره، ويصطحبهم إلى المساجد والمنتديات الدينية، ويشعرهم المخافة من الله تعالى وهيبته باستخلاص العبر من الحوادث، وأن يعنى بتحفيظهم شيئًا من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم."

وهذا الوسائل التي أشار إليها البنا أيدها التربويون من أجل تحقيق هدف الإشباع الروحي الديني للناشئة ، تقول الأستاذة وفاء مشهور( العاملة بمجال التوجيه التربوي )مخاطبة الأم :

اربطي توجهاتك دائمًا بالعقيدة، ولقد كان هذا هو أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولنتأمل معا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه, ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".

إن أولادنا في حاجةٍ شديدة إلى غرس العقيدة في قلوبهم، واستشعار مراقبة الله، فيتربون على الخوف والحياء من الله عز وجل ..

4- وإعداد النشء نفسيا بغرس أخلاق الإسلام وشيمه له وسائله التي من أهمها وجود القدوة للطفل

وقد أشرنا إليها في الوسيلة رقم (2) الخاصة بتكوين القدوة .

ومن الوسائل أيضا ما أشرنا إليه في الوسيلة الأولى الفقرة (أ،ب ) ، فصلاح الوالدين وحمايتهما لعقل الناشئ يزرع في نفسه مكارم الأخلاق وحميد الخصال .

تقول أ.وفاء مشهور عن هذه التربية الإسلامية مصداقا لدعوة البنا :

(وهي التي تنمِّي في الطفل الفضائل النفسية؛ كالحلم والحياء والشجاعة ومجاهدة النفس فيصير متين الخلق، ومنظم في شئونه، وهذه جميعًا تحتاج من الوالدين اصطحاب الأبناء في رحالات وزيارات، وتكليفهم ببعض الأعباء، وتدريبهم عمليًّا على تحمل أعباء الحياة وتوجيه طاقاتهم فيما يمكن إنجازه، وبتشجيعهم والتدرج معهم ينمو الأبناء، وقد اعتادوا الاعتماد على النفس وتحمل المسئولية.

لقد حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على تقوية إرادة الصبي بتعويده على حفظ السر، كما فعل عليه الصلاة والسلام مع أنس وعبد الله بن جعفر؛ حيث أسرهما سرًّا، وفعلاً كتما السر، فإذا تعوَّد الصبي كتمان السر فإن إرادته تقوى، وبالتالي تكبر معه ثقته في نفسه، ويتحقق ذلك أيضًا بتعويده على الصيام والسير مسافات أو بتسلق الجبال وتعليمهم ترشيد الاستهلاك وعدم الإسراف ).

وتقول أيضا :

(انشغال الآباء والأمهات بالعملية التعليمية أصبح أكثر مما يجب، وكان على حساب فقدان الأبناء بعض القيم والصفات؛ فتغيرت أولويات تربية الأبناء، وغابت سلوكيات وقيم مثل: تحمل المسئولية، احترام الكبير, الاهتمام بصلة الرحم، الترابط الأسري ).

5- الإعداد الاجتماعي للنشء ، وذلك بوسائل منها

أ- حسن اختيار الإخوان و الأصدقاء ،وتبيان المنهج الإسلامي في ذلك له

وقد أحسن الإمام البنا حين قال :

"يجب أن نرشد الناشئ إلى مصاحبة الأخيار، ونُبين له فضيلة ذلك، وننزعه ونحول بينه وبين مخالطة الأشرار، مع شرح ما يستهدف له من الخطر إذا صاحبهم وعرف بصداقتهم، وعلينا أن نُفهم الآباء ذلك بالنشرات والمحاضرات والإرشادات وبكل وسيلةٍ ممكنة وقد أرشد الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك بحديثه المشهور : (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما أن تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثة )

كما أرشد إليها القرآن الكريم في قول الله تعالى :

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِى يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾- الكهف 28

ب- حسن اختيار الأماكن التي يرتادها ، فيجنب كل ما لا يليق به كناشئ مسلم ، ويعود ارتياد الأماكن الطيبة مع شرح أسباب ذلك له .

وهذه الوسيلة واضحة في كلام الإمام البنا الآتي :

"الأندية والمحال العمومية: وهذه لها عظيم الأثر في نفس الناشئ، فيجب أن يعرف منها بكل خلق ديني، ويبعد عن كل ما يضم مفاسد الدين والخلق كالمسارح الهازلة والمراقص الخليعة والقهاوي الموبوءة، ويرشد إلى أمثال أندية الجمعيات الإسلامية "

ج- اصطحابه إلى التجمعات في المناسبات الإسلامية كمثل صلاة العيدين ، و صلاة التراويح في رمضان ، والعمرة و الحج لمن يتيسر له ذلك ،ومجالس الإخوة و العلماء، وغير ذلك .

وقد أشار إلى ذلك الإمام بقوله :

"يجب أن يصحب الناشئ' ولي أمره إلى محال ...... تتجلى فيها مشاهد جلال الإسلام وروعته كالجمعة، والعيدين.... "

بحيث يستقر في نفس الناشئ عظمة هذا الدين ، و شموله لكل جوانب الحياة ، وصلاحه لكل زمان ومكان ، فيتربى بناء على ما وضعه الإمام من وسائل جيل تصفه الأستاذة / وفاء مشهور بأنه جيل :

"يفهم الإسلام على أنه نظام حياة، فكما يلبي مطالب الدين يلبي مطالب الدنيا "

"جيل تربى تربيةً شاملةً متكاملةً فأصبح متين الخلق، نافعًا لغيره، قادرًا على الكسب، جيل تعلم كيف يتعايش مع كل مَن حوله سواء أفراد الأسرة أو العائلة أو المجتمع، ويعرف دوره جيدًا تجاه الآخرين, وكما أشرنا سابقًا أن نظام التعليم بصورته الحالية أفقد الأبناء الثقافة المجتمعية، بل شغل الأسرة عن الدور الاجتماعي التي يجب أن تقوم به كأسرة مسلمة؛ ولذلك من المهم أن يكون هناك أهداف اجتماعية يتربى عليها النشء"

6- اكتشاف المواهب ومن ثم تنميتها و توجيهها لخدمة الدعوة هدف عظيم

يؤيد هذا المعنى كلام البنا حيث يقول :

"أرأيتم بقعةً من أديم الأرض أهملت فأنبتت الشوك والسعدان، وصارت قفْرًا بورًا، لا تُنبتُ زرعًا ولا تُمسك ماءً.. وأخرى تعهَّدها زارعٌ ماهرٌ بالإصلاحِ والحرث، فإذا هي جنةٌ يانعةٌ تُنبت من كل زوج بهيج.. ذلك مثل الأفراد والأمم إذا أهملها رجال التربية ولم يعنوْا بوسائل إصلاحها ورقيِّها، وهذا مثلها إذا قاموا عليها بالرعاية وساروا بها إلى غاية.. فالتربية الصحيحة تهيئ الفرد للمعيشة الكاملة، وتصل بجسمه وروحه إلى الكمال الإنساني، وترشده إلى حقوقه وواجباته، وهي لهذا أكبر مؤثر في حياة الأمم، وعليها يتوقف مقتبلها، وعنها تنتج عظمتها وسقوطها."..

ويقول الإمام البنا أيضا :

الإمام البنا ورجال ألفهم بعبقريتة التربوية

" أنا مشغول بتأليف الرجال عن تأليف الكتب "

وهذا يدلنا على أن صناعة رموز الأمة تبدأ من رعاية و توجيه موهبة الناشئ لذا كانت للإمام وسائله الخاصة لتحقيق هذا الهدف منها التشجيع المستمر ، وتحفيز الهمة ، و مخاطبة وجدان الطفل وعقله الباطني من خلال الدعاء له بأمر يرى الإمام بثاقب نظرته أن هذا الناشئ مؤهل له .

وقصته رحمه الله تعالى مع الشيخ سيد سابق ، ومع د. حامد ربيع خير مثل ، وسوف نتعرض لذلك عند ذكر التطبيقات العملية لهذه الوسائل في حياة الإمام .

وجدير بالذكر أن هذا الهدف ووسائله التي أحياها الأمام والتي استقاها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم خير مرب عرفته البشرية ،تنادي وتطالب بها النظريات التربوية الحديثة للنشء.

تقول أ. وفاء مشهور :

"هذا وإذا استعرضنا ما ينادي به دعاة التجديد في تربية النشء؛ نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم سبق كل هذا وطبَّقه مع أشبال الإسلام؛ فمثلاً من الوسائل الحديثة لتنمية المواهب والمهارات الآتية :

1- مخالطة الأبناء ومعايشتهم في وقت الفراغ حتى يسهل على الآباء اكتشاف مواهبهم

2- تشجيع الموهوب واختيار مداخل الحديث معه لتنمية مواهبه

3- بث روح الثقة في روح الموهوب وعرض إنتاجه في معارض أو جرائد أو تقديمه بموهبة أمام تجمع عائلي.

4-احترام إنتاجه مهما كان مستواه كمًّا وكيفًا، وتقبل أي قصور فيه

5-تقديم الزاد المادي والمعنوي الذي يعين الموهوب على الارتقاء والتحسين.

6- تهيئة الموهوب لمواجهة الصعوبات والفشل

7- تذليل العقبات وحل المشكلات من أجل الاستمرارية والعطاء"

8- توعية الناس بأهمية تربية النشء إسلاميا من أجل نهضة الأمة واستعادة مجدها التليد تتم بوسائل أشار إليها البنا بقوله :

"أما واجب ..... في ذلك فهو إيجاد هذه الروح في الشعوب الإسلامية وتشجيعها بكل وسائل الإمكان ، ومن هذه الوسائل:

".... إقناعهم بأن هذا من أهم الأغراض التي ترمي إليها ... والتي تؤدي إلى تكوين نشء إسلامي فاضل ، ثم هم بعد ذلك يقومون بدعوة غيرهم، الإكثار من المحاضرات في شئون الأسرة والطفل وتوزيع النشرات لترويج هذه الدعاية."

فتكوين ثقافة عامة لدى الناس بأهمية وخطورة هذا الأمر يحفز كل فرد أن يعمل ما بوسعه لرعاية هؤلاء الناشئة رعاية إسلامية .

وفي ختام كلامنا عن الوسائل المتبعة التي تحقق الأهداف المرجوة من أجل تربية إسلامية متميزة في لنشء ينهض بالأمة ويقودها إلى المجد والنصر، نقول إنه من أنجع الوسائل و أتمها و أكملها و أشملها إلحاق الناشئ المسلم بحلقات القرآن الكريم وما يكون فيها من تلاوة ومدارسة وحفظ...

والإمام البنا يدرك تماما تأثير هذه الوسيلة ، كيف لا وهو الذي ما صيغت شخصيته ، ولا تحددت أهدافه ، ولا وضحت غايته إلا من خلال حلق القرآن . فقد التحق حسن البنا بمدرسة الرشاد الدينية وهو في الثامنة من عمره ، وقد درس فيها البنا وحفظ فيها الكثير من سور القرآن الكريم بالإضافة إلى قيام شيخه محمد زهران بتناول كل أسبوع شرح حديث ويحفظه للصبيان ، حتى ينتهي العام وقد حفظ كل منهم كثيرًا من الأحاديث النبوية .

ودرس البنا كذلك في مدرسة الرشاد الدينية الإنشاء والقواعد والتطبيق والأدب والمطالعة والإملاء والمحفوظات النثرية والشعرية وقد توطدت علاقة حسن البنا بشيخه محمد زهران لعلاقة والده به ، فكان كثيرًا ما يصحبه إلي مكتبته ويطلعه علي ما فيها من فنون العلم ينهل ما يشاء منها ، ويحضر مجالسه العلمية مع أصحابه فيستمع البنا إلي ما يدور بينهم من مناقشات علمية .

وقد استفاد حسن البنا من تلمذته للشيخ محمد زهران استفادة ثقافية كبيرة حيث كانت معظم محفوظات البنا من الحديث الشريف ترجع إلي ما حفظه من شيخه محمد زهران ، إضافة إلي قراءته في مكتبته وحضور مجالسه ، واستفاد كذلك من أسلوبه التربوي في التدريس وعلاقة المدرس بتلميذه .

وقد ترك البنا مدرسة الرشاد وهو في الثانية عشر من عمره بعد أن حفظ نصف القرآن ليلحق بالمدرسة الإعدادية ، محملا بحب شيخه وتقديره .

لذا نؤكد أن حلقات القرآن تهيئ للنشء:

الإمام الشهيد حسن البنا ومجالس العلم وحلقات القرأن

القدوة الحسنة فيروا أخلاق القرآن وآدابه ، تتجسّد فيمن يتلقّون عنهم القرآن ، ليأخذوا عنهم العلم والعمل معاً .

الصحبة الصالحة "إحدى وسائل إعداد النشء اجتماعيا" فقد يحار كثير من الآباء والأمهات في الكيفية التي يوفرون بها رفقاء صالحين لأبنائهم وسرعان ما يجدون مبتغاهم على أحسن وجه في حلقات القرآن .

الإعداد الروحي للناشئ : ففي حلقات القرآن يتعلم العقيدة السليمة ، والعبادة الصحيحة ،فيكون عقله و قلبه في منأى عن الانحرافات الدخيلة على المسلمين ،والتي قلما ينجو منها الناس ، فكيف بالبعيدين عن العلم والعلماء ؟

الإعداد النفسي للناشئ :فهي المحضن التربويّ لغرس قيم الإسلام ومبادئه وآدابه ،فالطفل حين يربى على أخلاق القرآن و آدابه يكتسب حينئذ سلوكا تربويا رائعا ، فيتعود على الجدّ وعلوّ الهمّة ، و على تنظيم حياته وحفظ أوقاته ، ويتربى على الشعور بالمسئوليّة ، والقدرة المبكّرة على تحمّلها ، فلا عجب أن كان شباب القرآن رجالاً مكتملين ، وهم في أعمار الزهور ، وفتياناً ناضجين وهم أبناء بضع سنين ..

تكوين المواهب وتنميتها ورعايتها : فانتساب الناشئ إلى حلقات القرآن الكريم وانتظامه فيها سببٌ من أهمّ أسباب تفتّح مداركه العقليّةِ ، ونموّه المعرفيّ المبكّر ، وظهور طاقاته الإبداعيّة ، وتفوّقه الدراسيّ على أقرانه ، كيف لا وهو الكتاب المعجز الذي فيه من العلوم والمعارف الدينيّة ، والأخلاقيّة ، والاجتماعيّة ، والحضاريّة ما ليس في سواه .

وخلاصة القول : أن من أراد لأبنائه النموّ اللغويّ المبكّر، والذوق اللغويّ السليم فدونه كتاب الله تعالى ، ومن أراد لهم العلوم والمعارف ، والثقافات والآداب على اختلاف أنواعها ، وتعدّد مناحيها واتّجاهاتها فدونه كتاب الله ، ومن أراد أن يتّصلوا أوّلاً وأخرا بسبب من عناية الله تعالى وثيق ، وباب لا يغلق من أبواب العطاء والتوفيق فدونه كتاب الله .

فهدايةَ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ تفرض على كلّ مؤمن ومؤمنة أن يجعلَ أولاده قريبين من هَذه الهدَاية الإلهيّة يحظون ببركاتها وخيراتها ، وتفيض عليهم أنوارها رحماتها .

التطبيقات العملية لهذه الوسائل في حياة الإمام البنا

1- في مجال تكوين البيت المسلم

أ‌-أحسن البنااختيار الزوجة : إنها ابنة الحاج حسين الصولي ،صاحبة الحياء والدين والصوت الخاشع في تلاوة القرآن الكريم الذي ما إن سمعته والدة الإمام حتى علمت بفطنتها أن هذه الفتاة هي مطلب الإمام،يصف الإمام بركة هذا الزواج الإسلامي فيقول :

" كأنما أراد الله أن يخفف عن نفسي وقع هذه الفتن، فأتاح لي فرصة الزواج، وتم الأمر في سهولة ويسر وبساطة غريبة، خطوبة في غرة رمضان تقريبًا، فعقد في المسجد ليلة السابع والعشرين منه، فزفاف في العاشر من ذي القعدة بعده وقضي الأمر والحمد لله".

و يصف "عبد الرحمن" شقيق الإمام البنا هذا الزواج قائلاً: "وكان حفل القران قد جرى بالمسجد، وجاء الإخوة بأجولة التمر التي وُزعت على الحاضرين، وكان الاجتماع حافلاً بالعاطفة الدافئة والمشاعر المتأججة"

ب-حماية الوالدين لعقل و فكر الناشئ : تروي ابنته سناء موضحة اهتمامه هذا الأمر فتقول :

"عندما اشتري سيف بعض الروايات الأجنبية عن المغامرات لم ينهه عن قراءتها ولكنه أبدله خيرًا منها مثل قصة الأميرة ذات الهمة .... ، وبعض روايات البطولة الإسلامية""

وتقول أيضا :

"وكان يعطي ابنه سيف الإسلام مصروفا شهريا إضافيا قدره نصف جنيه لشراء الكتب وتكوين مكتبة خاصة به ،وكان الإمام يتابع كل ما يقرؤه أبناؤه رغم مشاغله الدعوية".

ج- تكامل دور الأبوين : كان يقوم بدوره على خير وجه ،ويصدق ذلك ما ترويه ابنته سناء قائلة " وفي شهور الإجازة الصيفية والتي كان يقضيها مع الإخوان في محافظات الصعيد والوجه البحري كان لا ينسانا أو يتركنا بلا رعاية ، بل كان يصطحبنا إلي بيت جدي وأخوالي بالإسماعيلية لنقضي إجازتنا هناك ونستمتع ونمرح حيث المزارع الخضراء والحدائق الغناء ، وكان أخي سيف يمارس رياضة ركوب الخيل " .

وتقول أيضا : " " وكان عند عودته ليلا إذا وجدنا نائمين يطوف علينا ويطمئن علي غطائنا ويقبلنا ، بل يصل الأمر أنه كان يوقظ أحدنا ويصطحبه إلي الحمام "

ويحي الأستاذ جمعة أمين مؤكدا هذا المعنى فيقول :

" فقد كان لكل أبن من أبنائه دوسيه خاص يكتب فيه الإمام بخطه تاريخ ميلاده ورقم قيده و تواريخ تطعيمه ، ويحتفظ فيه بجميع الشهادات الطبية التي تمت معالجته علي أساسها ، وهل أكمل العلاج وكم أستغرق المرض إلي آخر هذه التفاصيل ، وكذلك الشهادات الدراسية ويدون عليها البنا ملاحظاته ."

2-في مجال ضرورة إعداد القدوة: كان يملك القدرة الرائعة على التأثير في سلوك الأبناء نتيجة للخلق الطيب معهم كوالد قدوة ، فالتوجيه بالحب والقدوة من أهم سمات المربي الصالح ..

يقول عنه ابنه أحمد سيف الإسلام:" إنه كان عطوفًا إلى أقصى درجة، يراعي مشاعر الطفولة في أبنائه بشكل كبير، وكان لديه القدرة على جعلنا نطيعه دون حاجة إلى أمره "

3-وأما في مجالات الإعداد الروحي والنفسي والاجتماعي

تقول ابنته سناء : "وكان في رمضان يجلس مع سيف الإسلام وابنته الكبرى وفاء قبل الإفطار لكي يسمعا له القرآن وكان ذلك بغرض تعليمهما ولكن ذلك تم في بعض الأحيان في غير رمضان ." وتقول أيضا :

" فقد دفع بابنه الوحيد سيف الإسلام إلي مدير مطبعة الإخوان ليعلمه فن الطباعة".

تحكي سناء البنا عن والدها فتقول: "كنا لا نحس فيه الغلظة، يغمرنا بالمودة والرحمة والعطف، ينادينا بأحب الأسماء إلينا، يدخل البيت يطمئن على غطاء كل الأبناء، يتناول عَشَاءه المعد له سلفًا على المائدة دون إيقاظ الوالدة، أو أحد من أهل البيت"

4-وفي رعايته للمواهب الناشئة وتوجيهها

كانت له بصمات جد مؤثرة ، من ذلك ماحكاه د. حامد ربيع أن والده أخذه للقاء الإمام البنا ومصافحته ،وكان عمره وقتها 12عاما ،فطلب والده من الإمام أن يدعو لولده قائلا : "ادع الله لابني يا مولانا" ، فقال حسن البنا: أسأل الله أن يجعله ممن يخدمون الإسلام في مجالِ السياسة ،وشب الصبي وبلغ مبلغ الرجال ليصبح وقد حصل على أكثر من دكتوراه في السياسة . فتأمل أخي كيف فطن الإمام بحسن بصيرته لموهبة هذا الناشئ في المجال السياسي ، فوجهها للسياسة الإسلامية ، ورعاها بحث العقل والنفس على بلوغ هذا الهدف و النبوغ فيه من خلال الدعاء .كيف ذلك ؟

استقبل الناشئ الصغير الدعاء على أنه تكليف من طرف خفي ، بأن الإسلام ينتظرك لنصرته سياسيا ،فهل يكون لك مع الركب خطى مؤثرة ؟ فتأمل فطنة الإمام التي بها علم نبوغ الفتى سياسيا.

وكذلك انتباهه لموهبة الشيخ سيد سابق فوجهه لملئ الفراغ الموجود في الكتابة الفقهية ، فكان كتابه "فقه السنة " الذي قلما يخلو منه بيت مسلم في مشارق الأرض و مغاربها .

5-وفي توعيته الناس بأهمية تربية النشء إسلاميا أعمال كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر رسالته التي بعنوان " "

وأما ما فعله من أجل إعادة الإهتمام بتعليم القرآن وتحفيظه للنشء فمجهود عظيم ومشكور من ذلك


الثمار التي جنتها الأمة الإسلامية من هذه الخطة المنهجية التي وضعها الإمام البنا

إن ثمار هذه الجهود العظيمة التي بذلها الإمام حسن البنا من أجل تقديم رعاية إسلامية شاملة للنشء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، فاللذين كانوا بالأمس نشأ تربوا على يديه ، غدوا رجالا عظاما تحركوا في أماكن شتى في العالم ناشرين دعوة الإسلام ، وارثين لهذا المنهج التربوي الذي سار به الإمام البنا ، ومورثين له لعقبهم من بعدهم ...

ومن أبرز هذه النماذج على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله تعالى إذ يقول داعيا لنفس المنهج الذي تعلمه من شيخه الإمام حسن البنا وموضحا لأهمية تربية النشء:

إن دور الزوجة والأم المسلمة في حقل الدعوة لا يقل خطورة وأهمية عن دور الرجل فهي مربية الأجيال وصانعة الرجال فعليها أن تحسن رعايتهم وتجنبهم قرناء السوء وتعلمهم أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور الحياة اليومية وعند الاستيقاظ وعند تناول الطعام والفراغ منه وعند قضاء الحاجة والفراغ منها وعند لبس الملابس وخلعها وهكذا فالذرية إذا أحسنت تربيتها تكون نعمة وقرة عين ويدعون لوالديهم بعد وفاتهم (ويرعونهم عند تقدمهم في السن ) أما إذا حدث تقصير في التربية فإنها تتحول إلى نقمة ومصدر إعنات لوالديهم وعلى الزوج والزوجة العمل على إحياء المناسبات الإسلامية في نفوس الأبناء

خير ختام نختم به هوماأشار له الأستاذ مصطفى من أن العملية التربوية غايتها أن تصل بالطفل إلى تعلم معنى يجب أن يلازمه طوال عمره بعد ذلك ألا وهو شمولية العبادة يقول:

ونتزوج لنعف أنفسنا ونقيم البيت المسلم الدعامة القوية فى بناء الدولة الإسلامية ولننجب الذرية الصالحة التى نتعهدها بالتربية على قواعد الإسلام ليعز الله بها دينه فيتحول هذا الزواج إلى عبادة و التعب فى تربية الأولاد إلى عبادة وننال على ذلك ثوابا من الله. بل ونتريض لنقوي أجسامنا لنستطيع القيام بأعباء الدعوة و الجهاد في سبيل الله فتصير الرياضة عبادة. و هكذا تصير الدنيا محرابا كبيرا نتعبد فيه الى الله بكل عمل نزاوله فيها بفضل هذه النية الصادقة لله.

و هكذا فى هذه المرحلة ينضبط الفرد المسلم فى حياته وحركاته وسكناته مع شرع الله والتعبد إلى الله بكل هذه الأعمال بدلا من قصر مفهوم العبادة على الفرائض الأربعة المعروفة.

المراجع

  • كتاب أوراق من تاريخ [[الإخوان]-------------------- جمعة أمين
  • مكاتبات البنا ------------دار البصائر
  • موسوعة التربية العملية للطفل ------ هداية الله أحمد شاش
  • مقال البيت في حياة البنا –موضوع يستحق الدراسة - --------------- أمل صبري/إخوان أون لاين
  • أثر حلقات التحفيظ القرآن الكريم في تربية النشء-----د.عبد المجيد البيانوني / موقع حلقات
  • محاضرة تربية النشء للإمام البنا
  • وفاء مشهور تكتب: تربية الأبناء أصول وثوابت 3 /إخوان أون لاين
  • مقال الإمام البنا وصناعة الرموز ------ عصام تليمة / إخوان أون لاين