حقائق ومواقف البرلماني الثائر أبو إسماعيل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أقسمت أن أروى ... حقائق ومواقف البرلماني الثائر صلاح أبو إسماعيل


بقلم: سعيد سراج الدين المحامى

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه ترجمة ليست بترجمة..

هذه ترجمة يغلب أن تكون قصة حياة , وأما هذه فأحرى بها أن تسمى صورة حياة. ولأن تكون ترجمة الشيخ صلاح أبو إسماعيل صورة خير من أن تكون قصة . لأن ترجمته لا تخرج لنا قصة نادرة بين قصص الواقع , أو الخيال , ,لكننا إذا نظرنا فى مواقفه وأثاره الموزعة بين الدوريات المختلفة وجدنا مرآة صادقة , ووجدنا فى المرآة صورة ناطقة , لا نظير لها فيما نعلم من مواقف السياسيين والدعاة والبرلمانيين, وتلك مزية تستحق من أجلها أن يكتب فيها كتاب .

والسبب أنها وقفات فريدة فى مجتمع نبغ فيه فريق فى ركوب الموجة. كل موجة يفطرون مع الشيوعون ويتغذون مع الاشتراكيين ويتعشون مع الرأسماليين يغيرون جلودهم فى كل فصل سياسى ويتلونون بلون كل حاكم , ويتحولون مع اتجاه الريح وهم يعتبرون هذا التذبذب خفة دم. وهذا النفاق شطارة , ويسمون المتمسكين بمبادئهم مجانين.

ومن أجل هذا تروج بضاعة المنافقين والمذبذبين فى المجتمعات المنحرفة . ويصبح لا مكان لرجل الشريف المتمسك بمبادئه والمؤمن بالمثل العليا . مثل هذا الرجل يوضع على الرف ولا يوثق به ولا يطمئن أصحاب السلطان إليه.

ولكن كل هذا الهوان مؤقت , فلا يلبس أن ينتهى الليل ويجئ النهار فيرى الناس ما أخفاه الظلام وفى نهاية الأمر تربح النزاهة .

شعوب كثيرة فى العالم حرمت من الحرية فى فترات مختلفة ولكن ما من مرة ذهبت الحرية إلا وعادت.

وما من مرة قام طغيان واستبداد إلا وكان فى داخله السوس الذى ينخره ويأكله ويقضى عليه.

فعندما قامت ثورة يوليو صدر قرار العزل السياسى فمنع عبد الناصر الإخوان المسلمين والسياسيين القدامى من ممارسة العمل السياسى وبذلك عطل قوى إسلامية عن العمل فى دفع حركة المجتمع – وعندما جاء أنور السادات وفتح الباب لمن أصابه العزل السياسى وفى ظل حكم السادات لمع فريق من المعارضين. وفى ظل الديمقراطية نشأت المعارضة. فالمعارضة هى صوت الحرية ويوم تغيب الحرية يموت صوت المعارضة . وفى الديمقراطية يستطيع معارض واحد أن يرفع صوته ليصل إلى نفس الدوى الذى يحدثه صوت الملايين.

ومن هنا كانت مواقف الشيخ الأزهرى البرلمانى الثائر صلاح أبو إسماعيل داخل المجلس وخارجه.

داخل مجلس الشعب سجلت مضابط الجلس أنه الوحيد الذى عارض أنور السادات فى مجلس الشعب حينما أصدر القرار الجمهورى بالقانون رقم 44 لسنة 1979 معارضة فقهية ودستورية ولم يرهبه حزبه ولا الدكتور بيصار شيخ الأزهر آنذاك ولا الشيخ جاد الحق على جاد الحق مفتى مصر آنذاك ولا الدكتور عبد المنعم النمر وزير الأوقاف آنذاك وقد سجلت مضابط المجلس اعتراضه على قول السادات ( لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة).

وكذلك سجلت مضابط المجلس معارضته لقوانين الطوارئ والأحزاب والقوائم المطلقة والنسبية واستجواباته المتعددة للسادات ورئيس الوزراء الأسبق ووزير الداخلية الأسبق والسابق ووزير السياحة والإعلام والنقل والعدل.

وقد سجلت مضابط المجلس رفضه لاتفاقية كامب ديفيد وزيارة السادات للقدس وتطبيع العلاقات مع الصهاينة وقد قدم استقالته من المجلس لتعنت المنصة والحزب الحاكم معه فى مصادرة حقه الدستورى فى رقابة المجلس سنة 1981. وقد هاجمه السادات أثناء إصداره لقرارات سبتمبر سنة 1981 فى مجلس الشعب .

وخارج المجلس كتاباته فى الدوريات المختلفة وتصريحاته الصحفية العديدة لكافة الصحف فى مصر وخارج مصر عن الصعوبات التى تواجه مصر والديمقراطية والحرية وتطبيق الشريعة الإسلامية . وقد كان السبب الرئيسى لدخول الشيخ صلاح أبو اسماعيل مجلس الشعب هو الدفع بالمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية التى كانت بداية مطالبه وأخر مطالبه وما يدور بعد ذلك من موضوعات كانت فى إطار الشريعة .

ربما يعيب علينا البعض الإلحاح فى هذا المطلب لحاجة فى نفس يعقوب.

أننا نعرف أن المفتونين بالحضارة الغربية لا يصدقون إلا ما يأتيهم من وراء البحار ولذا سنفاجئهم بأقوال عدد من خيرة المفكرين والفلاسفة والمشرعين الغربيين الذين تعمقوا فى دراسة الشريعة الإسلامية أو أتيح لهم التعرف على حقيقتها فى مظانها الأصلية: فأذهلتهم الكنوز الهائلة التى تنطوى عليها , واعترفوا لها بالتقدم والتميز على أفضل القوانين الوضعية الغربية القائمة على العلمانية التى يتباهى بها مفكرونا الثوريون.

يقول عميد كلية الحقوق فى جامعة فينا الأستاذ " شيريل": " أن البشرية تفخر بانتساب محمد إليها ذلك الأمى الذى استطاع أن يأتى بشريعة سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمتها بعد ألفى عام..".ويقول الفيلسوف والشاعر الألمانى " جوته":" أية شريعة فى الدنيا لا تستطيع أن تعلو على شريعة محمد , وسوف لا يتقدم عليه أحد. وإذا كان هذا هو الإسلام فكلنا مسلمون".

ويقرر المؤتمر الدولى للقانون الذى ضم كبار فقهاء الدنيا عام 1951:" أن الشريعة الإسلامية تنطوى على ثروة هائلة من الأصول الفقهية تجعلها لكل مطالب الحياة الحديثة".

ويقول المستشرق الفرنسى " جان برك" وهو من أكبر الفلاسفة المعاصرين .. يقول عن الواقع العربى اليوم :"إن حركة التحرر العربى الحالية ستعيد بشكل أو بآخر التاريخ الثورى الإسلامى فى عهده الأول . لقد كان الإسلام مرادفا للحضارة العربية وتعبيرا عن الذات العربية ومما لا شك فيه أن تلك القوة الحضارية هى التى أعطت الشعوب العربية الكثير من إمكانات المقاومة ضد المستعمرين, وفى تعبير آخر لقد كان الإسلام نائبا عن القومية ولا أجد تناقضا بين القيم الإسلامية والتكنولوجيا الحديثة".

لكن لماذا هذا العداء للإسلام من الذين ينتسبون إليه زورا ويحاربونه باطنا وظاهرا؟ ولماذا هذا اللدد فى الخصومة والإسراف فى الكراهية لهذا الدين وحده ؟

إن الدين وإن اختفى ظاهرا من مجتمعات أوربا الحديثة إلا أ،ه يشكل فى حياة هذه المجتمعات أخطر الأسلحة حين ترتفع للإسلام كلمة , أو تنصب له راية . والحروب الصليبية لم تزل قائمة, وأن اختلفت الجيوش والأسلحة , وتنوعت أسباب الحرب والعداوة. فلماذا يعاب علينا التمسك بالعقيدة والدعوة إلى الإسلام فى بلادنا المسلمة ؟

إن الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية كانت الشغل الشاغل لكل غيور على الإسلام وعلى رأسهم الشيخ صلاح أبو إسماعيل الذى كان له من المواقف فى هذه القضية ما يستوجب التسجيل.

كذلك بدأت الأنظار تتجه إلى الشيخ صلاح أبو إسماعيل لسبب آخر من حقه أن يجتذب أنظارهم وأفكارهم لأنه بات فى أيامهم هذه من التحف النادرة التى قلما يقعون عليها فى واقعهم, مع أنها من الخصائص الأولى لهذا الأمة التى ميزها الله بالخيرية المتمثلة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإيمان بالله.

ولعل نعظم هؤلاء الكثيرين قد فوجئوا لأول مرة باسم هذا الرجل يوم ألقى بقذيفته المدوية أمام المحكمة المنعقدة لمحاكمة من يسمونهم " جماعة الجهاد" فى القاهرة فانطلق صداها يتردد فى الصحف والإذاعات العالمية ثم لم يتوقف دويها حتى اليوم.. وحق لهم أن يفاجئوا , وحق لوسائل الإعلام العالمية أن تردد ذلك الصدى يرسلها مجلجلة ناصعة لا تخاف فى الله لومة لائم , حفاظا على قلبه لأنه كان نذيرا بأنه لا يزال بين علماء الإسلام من يؤثر مرضاة الله على النفس والحياة والمنصب, فيعلن شهادة الحق فى أحرج المواقف من أن يخالطه الإثم الذى أوعد الله به كاتمى الشهادة..

وأنها لعمر الحق لبطولة تفوق سائر البطولات التى ألف الناس أن يمجدوها وقد كان لفضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل كثير من المواقف التى تفوق الحصر والتسجيل , ولهذا حاولنا حصر القضايا الهامة وضمها فى هذا الكتاب . مع ترك باقى المواقف لمؤلف آخر بإذن الله.

وكان الأساس فى هذا له هو مجموعة الأحاديث والمقالات المنشورة فى الدوريات المختلفة .

وكان منهجنا فى العرض هو ترك الحديث لفضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل ما دامت المادة العلمية متوافرة , والتعرض بالتحليل والتعليق إن كان الأمر يحتاج إلى إضافة وربط بين القضية وموقف الشيخ صلاح أبو إسماعيل.

وكان الدافع الأساسى فى هذا المؤلف هو خطورة هذه القضايا. فتسجيلها خدمة للتاريخ. وبخاصة أننا نحن المصريعنوان وصلةين كثيرا ما نسسى .

وقد توفى الشيخ صلاح أبو إسماعيل يوم 28/5/ 1990 بأزمة قلبية فى مطار أبو ظبى أثناء انتظاره للطائرة المصرية للعودة إلى القاهرة . حيث كان فى زيارة لدولة الإمارات بدعوة من وزارة الإعلام لإجراء بعض التسجيلات الدينية.

وقد شهدت جنازة الشيخ صلاح أبو إسماعيل جمهورا غفيرا رغم التعتيم الإعلامى لم يكن له مثيلا سوى جنازة المرشد العام للإخوان المسلمين عمر التلمساني.

لقد أوذى الشيخ صلاح أبو إسماعيل من وزير أضاف إلى تاريخ مصر صفحة من الشتائم والبذاءات التى تترفع عنها ألسنة العوام ... والشيخ الداعية ملء السمع والبصر .. بينما الوزير السليط يجتر الأمة فى أكواخ النسيان والإهمال.

وكان الشيخ صلاح رحمه الله من أقرب الناس إلى الجماهير.. وأكثرهم خدمة... ليس لأهل دائرته فقط.. وإنما لكل من يسعى إليه طالبا العون والمساعدة والخدمة .. من أسوان إلى الإسكندرية وعندما وضع نظام القوائم النسبية اختار هو فى انتخابات 1987 المقعد الفردى .. وكان مفهوما أن الحزب الوطنى إذا أراد أن يتخلص من مرشح سيضعه فى مواجهة الشيخ صلاح أبو إسماعيل , وقد حدث بالفعل مع حسن حافظ الذى قال له المقربون إليه : إن الحزب الوطنى قد وضعك أما القطار ( يقصدون الشيخ صلاح) ونجح الشيخ صلاح بأعلى الأصوات ... ,كان أن انتقل حسن حافظ من الحزب الوطنى إلى حزب الوفد .. وقد أصبح الآن من أشد المعارضين للحزب الحاكم.

كان الشيخ صلاح رحمه الله على رأس القائمة التى تصدت لزكى بدر فى أشد لحظات بأسه وأكثر فترات تجبره وقف الشيخ بكل شجاعة وقوة وقال بأعلى صوته (ص) اخرجوا هذا لكذاب من تحت القبة) ومواقف الشيخ صلاح تدل على أنه كان بطلا على رأس الأبطال... فقد جمع الشجاعة فى الحق والعلم والعقل ... والوعى وسعة الأفق .., ولا نزكى على الله أحدا.

ومواقفه تعد نموذجا فريدا فى عالم الدعاة والسياسيين والبرلمانيين فى مواجهة أزمات العصر.

الفصل الأول: نشأته وتكوينه

مولده ونشأته

مولده:

إنه ولد فى بهرمس – مركز إمبابة – محافظة الجيزة بمصر , يوم السابع عشر من مارس عام 1927, فى بيت معروف بحفاوته بالعلم والعلماء فجده الأعلى كان إماما للخديوى اسماعيل وأنجب ولدين تخرجا فى الأزهر , ثم كانا عضوين فى مجلس النواب .

نشأته:

فالبيت بيئة وجاهة وعلم ويسار , ويصفه الشيخ بأنه كان منتدى لأهل العلم , يعمرون مجالسه بمحاوراتهم ونقاشهم وأسمارهم وفتاواهم كما كان مرتادا لذوى الحاجات يمكثون فى ضيافته الأيام حتى تقتضى مصالحهم .

وقد حفظ الناس لهذا البيت مودته أثناء الضائقة التى اجتاحته – فيما اجتاحت مصر – خلال الثلاثينات . فلا ينجح مرشح فى دائرته الانتخابية إلا بتأييد من أهله.

وقد توفى ووالد الشيخ بعد تخرجه فى جامعة القاهرة وهو فى ميعة الشباب , وحبست الوالدة نفسها عليه وعلى أخته فحاطتهما بأحسن الرعاية والتربية , فكان لهاذ بهذا وغيره – يقول الشيخ – أبلغ الأثر فى حياتهما.

تلك البيئة التى نشأ فيها الشيخ , فلابد أنها تركت أثرها عميقا فى نفسه وخلقه وسلوكه , فهناك الجو العلمى الذى يواجه من خلاله وجوه كبار العلماء يترددون على ذلك البيت , وهناك " المكتبة الحافلة بنوادر المطبوعات والمخطوطات" وهناك الأفواج من الضيفان تتوافد على شيوخه تلتمس الحلول لمشكلاتها والفصل فى خلافاتها ولا يستبعد أن يستشفع بهم لانجاز مصالحها لدى الجهات الرسمية عن طريق علاقتهم بالمقام الخديوى والمجلس النيابى.

دراسته

أنه بدأها فى مدارس التعليم العام , إذ التحق بمدرسة محمد على الابتدائية فى ميدان السيدة زينب بالقاهرة , ومنها نال الشهادة الأولى, ولكن القدر الحكيم حال دون متابعته المنهج العام هذا , لأن والده وجده قد اتفقا لى تحويله إلى الدراسة الأزهرية , حفاظا على طابع البيت , ورعاية المكتبة العلمية الكبيرة التى لابد لها من متخصص ينتفع بها وينفع , وهكذا عهدا به إلى مقرئ يحفظه القرآن الكريم , ويلقنه أحكام تجويده .

وبذلك أضيف إلى سنيه الدراسية ست سنوات , فقد كان أمامه تسع سنوات أخرى للحصول على المؤهل الجامعى فارتفعت المدة إلى خمس عشر سنة فى نطاق التعليم الأزهرى..

ويصف الشيخ رحلته الدراسية بأنها كانت موفقة بفضل الله ,إذ اجتاز أقسامها الأربعة الابتدائى فالثانوى فالكلية فمعهد التربية العالى للمعلمين بنجاح مستمر دون توقف , وكان قد أحرز بنهاية امتحان الثانوية العامة إلى كلية دار العلوم , ومع أنها الكلية المفضلة بنظر الطلاب , لما لخريجيها من الحظوة لدى وزارة التربية والتعليم .

فقد آثر عليها كلية اللغة العربية – شعبة الشريعة الإسلامية بالأزهر – وفيها تخرج عام 1954 وهو العام الذى واجه فيه الاعتقال للمرة الأولى عقب الحل الذى وضعه جمال عبد الناصر على جماعة الإخوان المسلمين .. وكان لهذا الاعتقال أثره النفسى فى نتيجة امتحانه للشهادة العالية بعد ذلك, فلم يتجاوز درجة " مقبول" وهو الذى لم ينزل عن مستوى التفوق طوال حياته الدراسية .

وبهذا حيل دون قبوله فى الدراسات العليا , فاضطر إلى التحول لكلية التربية للمعلمين , حيث حصل على الأولية فى دبلومها العالى للتربية وعلم النفس ومن ثم عين مدرسا للدين والعربية فى مدارس المتفوقين والمدارس النموذجية وقد أحب عمله فلم يفكر بتغييره قط .

ألا إن اشتعال الجو الإرهابى الناصرى فى منتصف الستينات على الإخوان المسلمين اضطره إلى قبول عرض بالنقلة من التدريس إلى أن يكون مديرا لمكتب شيخ الأزهر.

صوته الرخيم

ويذكر الشيخ من الأحداث التى رافقت رحلته الدراسية, أثر الأزمة التى مرت بها بلاده أثناء الثلاثينيات كما أسلفنا, فقد كان نصيب بيتهم منها أن ذهبت بالأخضر واليابس من ممتلكاتهم , وأبهظت كواهلهم بالديون الفادحة , ولكن شاء الله أن يحدث له موردا من الرزق الحلال فى هذه الغمرة من العسر, وذلك حين اكتشف فى نفسه , أو اكتشف فيه آخرون , ذاك الصوت الرخيم الذى يصلح لترتيل كتاب الله , فإذا هو واحد من مقرئى الإذاعة المشهورين ... ومن هذا الباب تدفقت عليه نعم الله بوفرة كادت تشغله عن مواصلة دراسته , وهو المكب عليها بكل طاقاته .

إلا أنه استطاع أخيرا التوفيق بين الدراسة والحاجة , فاكتفى من حصص الإذاعة بما يساعده على المضى فى سبيله.

صلته بالإخوان المسلمين

لقد عرف الطريق إلى مركز الجماعة من أيام الدراسة الابتدائية إذ كان مسكن أسرته فى الحلمية بنفس الحى الذى يقوم فيه المركز وقد اجتذبته أحاديث المرشد العام الأستاذ حسن البنا , فثابر على حضورها مساء كل ثلاثاء , دون أن يسجل انتماءه إلى الجماعة , على الرغم من وثيق ارتباطه بأفكارها وتقديره لإمامها , وإنما منعه من ذلك – فيما يقول – نسبته الأزهرية , والتى كانت تلقى فى روعه أن الأزهر هو المرشح أبدأ لإمامة الدعوة , فليس لمثله ن ينحاز إلى سواه من المؤسسات العاملة للإسلام ...وهكذا ظل منقسم الرأى بين الأزهر والإخوان فهو فى أعماق مشاعره إخوانى , ومن حيث الإنتماء أزهرى ... وقد استمر فى هذا التنازع حتى وقع القدر باستشهاد الإمام البنا واحتجاب الجماعة رسميا عن الساحة , ثم جاء دور البلاء فكان النكال الرهيب الذى صب على أقطابها وشبابها ولا سيما أولئك الأبطال الذين خاضوا ملاحكم الجهاد للدفاع عن الأرض المقدسة ويقول الشيخ : لقد رأيت من ذلك ما يثير الدهشة ويحير الألباب, إذ كيف يلقى مستحقو التكريم مثل هذا العذاب الأليم . وأدركت باقتناع تام أن وراء المحن أعداء الإسلام ومخالب الاستعمار , الذى لم يزل جاثما على صدر الكنانة.

ويتابع الشيخ : لقد كان لتلك الأحداث الشاذة أثر بعيد فى إعداد النفوس لقبول ثورة الضباط عام 1952, فلما استوت على سوقها وقضت على جميع الأحزاب السياسية , إلا جماعة الإخوان الذين سنحت لهم مجال العودة إلى نشاطهم بادرت إلى تجديد اتصالى بهم وفى صدرى أمل قوى بأن العهد الجديد سيقضى حتما إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق المجتمع المثالى الذى يحلم به الإخوان, وذات مساء , وفى أعقاب الحديث الإسبوعى , أعلن عن حديث خاص للمرحوم الأستاذ عبد القادر عودة وكيل الجماعة آنذاك يلقيه يوم الخميس فى المركز العام ... وحضرت ذلك الاجتماع وكان تقديرى السابق أن الدكتور عودة كاتب ومفكر أكثر منه محدثا, ومع ذلك فقد استهوانى حديثه ذاك وترك فى نفسى من التأثير ما جعلنى أعتقد أن تغيير الفكر أساس لتغيير السلوك ... وكان مما قاله يومئذ :" نحن فى بلد يحكمه نظام دستورى , أساسه سلطة الأغلبية , فإذا استطعنا أن نحشد الأكثرية تحت شعار " لا حكم إلا بالقرآن" فذلك هو السبيل الدستورى لتطبيق الشريعة الإسلامية.

خلاصة الصراع:

بهذه الكلمات الموجزات تحققت أن الأزهر يعلم ويفقه وينتشر دعاته ووعاظه وخطباءه فى كل مكان , ولكنه لا يهتم بمبدأ تجميع الأغلبية للمناداة بالمطلب الواحد الذى هو تطبيق النظام الإسلامى الحاكم , على حين يصب الإخوان الرأى العام فى قوالب دستورية أخذا بالأسباب الموصلة إلى ذلك الهدف , دون التفات إلى أهواء الناس , بل التزاما بقول الله تعالى ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) سورة النور 51.

فى هذه الليلة فقط أحسست أن ما مضى من عمر اتصالى بجماعة الإخوان المسلمين لم أكن فيه إلا سلبيا أسمع ولا أرى داعيا للانتماء إلى هذه الجماعة على الرغم من إعجابى الكبير بروحانية الإمام الشهيد أما الآن فقد تحولت طاقتى كلها للعمل على دعوة الناس للإنتظام فى سلك الجماعة , ووفقنى الله فأحدثت فى مركز إمبابة الجيزة أكثر من عشرين شعبة و وانتخبنى إخوانى رئيسا بمركز الجهاد بهرمس, واختارنى إخوانى فى كلية اللغة العربية بالأزهر مسئولا عن نشاط الجماعة فيها..

ثم يقول فضيلة الشيخ : فى هذا الجو المواتى لمسيرة الدعوة انفجرت صاعقة جمال عبد الناصر فى صفوف الجماعة .. وكان قد فرغ لهم بعد أن تخلص من الأحزاب الأخرى, فسلط عليهم ضروب الإرهاب فملأ بهم السجون والمعتقلات , ووكل عيونه وأجهزته فى كل موقع ثم لم يكتف بهذا فأصدر أوامره بمنع المعتقلين , منذ يوليه 1952 إلى يوم صدور دستوره ,من ترشيح أنفسهم لعضوية السلطة التشريعية ثم عزل من لم يشاء الاعتقال عن طريق اللجان المكلفة فحص طلبات الترشيح ... وبذلك عزله مرتين أولاهما بالقانون والثانية بأساليب المباحث وقد ترتب على ذلك شطب اسمي من دفاتر الناخبين فى بلدتى وعزلى سياسيا , وكل ذنبى أنى أنادى بتطبيق سريعة الله .

وقد عزمت مباحث الطاغية أنها لا تحارب الإخوان كدعوة بل كتنظيم , والواقع أنها أنما تحاربهم تنظيما ودعوة , ولا أدل على ذلك من تطبيق الشريعة ظل أملا يراود الجماهير حتى الساعة دون أن تستجيب له هذه الثورة , التى مازلت تتجر به وتدأب فى تقويضه ومطاردة دعاته , وحسبنا أن نتذكر أنها ضربت الإخوان عام 1954 وضربت القضاء الشرعى عام 56 ودمرت الأزهر باسم تطويره عام 61 واغتصبت أوقاف الأزهر ومساجده عندما قررت التحول الإشتراكى ثم ضربت الإخوان أخيرا تزلفا إلى روسية بقرار أصدره الطاغوت من موسكو(1) أما الموقف الأمريكى فقد اخترت لك مقتطفات من كتاب" لعبة الشعوب" لمايلز كوبلاند" مردونة بتصحيحات وتعقيبات لشاهد إثبات أحفظه ما تضمنه الكتاب , وشق عليه . وهو الدكتور محمد صادق فى كتابه :" الدبلوماسية والمكيافيلية فى العلاقات العربية الأميركية خلال عشرين عاما "( 19471967). عام 65 يقضى باعتقال كل من سبق احتجازه من الإخوان , ثم ضربت كل تجمع اسلامى بعد ذلك من مختلف العناوين والشعارات ومن ثم قبضت يدها فمنعت رواتب العاملين فى بعض العاهد الأزهرية ولم تبن معهدا أزهريا واحدا , بل ولم ترع ما بناه الشعب من مئات المعاهد الدينية, اللهم إلا على طريقة ذر الرماد فى العيون.

" يعترف الكاتب الذى عمل مدة طويلة فى جهاز المخابرات الأمريكية فى الشرق الأوسط الولايات المتحدة اتبعت منذ سنة 1947 فى هذه المنطقة وغيرها سياسة ذات وجهين ظاهر وخفى .. أما الظاهر هو التمسك بمبادئ حرية الشعوب واستقلالها وإيمانها بالنظم الديمقراطية والدستورية .. وأما الخفى فهو سياسة التدخل فى شؤون الدول الصغيرة خفية دون تقيد بالمثاليات والقيم الأخلاقية.. غن وثائق وزارة الخارجية الأميركية أو البنتاجون أو جهاز المخابرات الأميركية تعطى انطباعا بأننا كنا مثاليين فى الظاهر و" ميكيا فيليين" فى الباطن.. وهذه العملية الخفية لا يمكن أن تتم إلا بتواطؤ بين القائمين على السياسة الأميركية الخلفية التى يمثلها جهاز المخابرات الأميركية, وبين بعض حكام أو زعماء الشرق الأوسط والعالم الثالث الذين يقبلون التعاون معهم فى هذه السياسة ذات الوجهين وكان أول هدف لنشاط المخابرات,هو إيجاد هذا النوع من الزعماء المتعاونين الأذكياء , ولأسباب متنوعة كانت لعبتنا مع جمال عبد الناصر هى أحسن نموذج تاريخى يمثل كيف تنفذ إستراتيجيتنا ذات الوجهين من الناحية الأخلاقية".

لقد كنا نعتقد أن العرب يخافون من الاتحاد السوفيتى لا منا وعلى هذا كنا نعتقد أنهم سيرحبون بجهودنا لحمايتهم .. ذلك أن شركاتنا البترولية تجعلهم أغنياء وهم الذين يستفيدون بصفة رئيسية من الحل السلمى للمشكلة الفلسطينية.

أن رفض بعض قادتهم أن يفهموا الأمور على هذا النحو كان فى نظر مخططى سياستنا سببا كافيا ومبررا لكى نحطمهم , أو على الأصح نمكن مواطنيهم من تغييرهم , والتغيرات المطلوبة فى القيادات كان غرضها مساعدة القيادات الملائمة للسياسة الأميركية للوصول إلى الحكم"!

يقول " كوبلاند":" أن عبد الناصر لو لم يوجد ,فإن لعبتنا كانت تحتم علينا أن نخلقه خلقا, فنوجد النوع الضرورى من الحكام الذى تحتاجه طبيعة اللعبة اليوم أو غدا " لعبة المخابرات الأميركية فى الشعوب المتخلفة !

... وقد قيموا درجة عبد الناصر بالنجاح فى دروه بتسعين فى المائة, وهى درجة كما يقول كوبلاند لم يحصل عليها غيره!

وكانت خطة الانقلاب فى مصر تقوم على المبادرات التى أوضحها الكاتب الأمريكى كما يلى :" أن مهمة " كيم روزفلت" على وجه التحديد كانت أولا أن يحاول تنظيم ثورة سلمية فى مصر فيقوم فاروق بتصفية القديم وإقامة الجديد وبذلك يعطل المفعول الثورى للقوى التى اكتشفها عملاء المخابرات الأمريكية قبل سنتين سابقتين , وتيقنوا من وشك وقوعها وثانيا كان عليه إذا فشل فى ذلك أن يبحث عن حلول أخرى لإيجاد رجل جذاب يصح واجهة, أو رجل قوى , وصيغة تجمع بين الشخصيتين " ذلك لأن عملاء المخابرات الأمريكية كانوا يخشون من خطورة الثورة الشعبية التى كانت تعمل سنتى 1951و1952 فى نفوس الجماهير ويسيطر عليها الإخوان المسلمون .

ويقول "كوبلاند" بالحرف الواحد :" أن الحركتين الثوريتين الشعبيتين فى ذلك الوقت هما الإخوان المسلمون والحزب الشيوعى".

يقول " كوبلاند" أن محور كل تأييدنا لعبد الناصر هو أن يوجد فى الحكم فى بلد عربى ذى نفوذ حاكم قادر على إصدار قرارات غير شعبية, كعقد صلح مع إسرائيل مثلا.. أن الخطوة الأولى فى برنامجنا كما فى برنامج عبد الناصر كانت فرض النظام بالقوة عند اللزوم " لكن كوبلاند أخفى الغرض الأول والأهم من دعمهم لحركة الضباط , وهو ضرب حركة الإخوان المسلمين , بوصفها الحركة الهيئة للثورة التى تشكل الخطر الحقيقى ضد المصالح الاستعمارية وضد قيام إسرائيل.

وقد اعترف " كوبلاند " بأن الاتفاق السرى الذى تم بين رجال المخابرات الأمريكية وتنظيم الضباط الأحرار قد تضمن مادة واضحة كل الوضوح تنص على ضرب الحركة الشعبية التى يقودها الإخوان المسلمون !!

ثم قال :" فى مايو سنة 1952 استسلم" روزفلت" لرأى السفير كأفرى بأن الجيش وحده هو الذى يستطيع إقامة حكومة يمكن للدول الغربية أن تتفاهم معها.. لأنك تستطيع أن تحصل من الدكتاتور على كل شئ. متى أوصلته إلى درجة يصبح بقاؤه فى الحكم أو استمراره فيه متوقعا على مساعدتك وتأييدك".

ولذا كان لابد للرئيس جمال عبد الناصر إذا أراد تزعم حركة إسلامية موازية للحركة القومية من إخضاع حركة الإخوان المسلمين له , أو القضاء عليها وقد جرب الوسيلتين ففشل فى الأولى ونجح فى الثانية!

ولكن فشل عبد الناصر فى ترويض الإخوان لشكهم فى نوابه وأهدافه حملة على القضاء عليهم وشجعه على ذلك أن السياسة الأمريكية كانت واجفة من نمو نفوذ الحركة التى تتناقض مع المصالح الاستعمارية والوجود الإسرائيلي .. ولذا نجد المؤلف يعترف صراحة بأن وزارة الخارجية الأميركية كانت تخشى من حدوث ثورة شعبية يقودها الإخوان المسلمون الذين يتميزون " بالتدين المزعج" كما يقول الكاتب , ونجده يعترف أيضا أن الحكومة الأمريكية قد تعرضت لضغط دولى جعلها لا تستطيع أن تؤجل تدخلها فى الشرق الأوسط ضد تلك الحركة المتنامية لاعتقادها بأن الإخوان على وشك القيم بذلك .. وهذا ما دعاها إلى التعجل بإرسال " كيم روزفلت" إلى مصر أوائل عام 1952 للعمل على تفادى تلك المصيبة"!"؟

وبهذا التقييم اتفقت الدول الغربية والشيوعية على محاربة ذلك الاتجاه .

يضاف إلى ذلك موقف الصهونية المعادى لكى وعى إسلامى بعد الدور الباهر الذى قام به الإخوان وحدهم فى ميادين فلسطين سنة 1948.

ولقد استعملت الدعاية عندئذ شد الإخوان من كافة الجهات المعادية للإسلام استعمالا وقحا مشينا فعمدت أجهزة الإعلام الروسية سنة 1954 إلى مهاجمة فاشية عبد الناصر وامتداح الإخوان المسلمين لوقوفهم مع الشيوعيين فى وجه طغيان الحكم .. فعلت ذلك غدرا ومكرا وغيلة لتدفع الحكم المصرى إلى ضربهم , واعترف المؤلف بأن أجهزة المخابرات الأمريكية قد استغلت هذه الفرصة فأقنعت إسرائيل بأن تسير فى هذا المخطط المرسوم .. مخطط امتداح الإخوان المسلمين بقصد التشهير بهم لدى أنصارهم فى الرأى العام المصرى والعربى ... وعندئذ " تكاثرت الظباء على خراش" واتخذ العداء لحركة الإخوان وسيلة لتدمير الإسلام سواء من أعدائه فى الخارج او عملائهم فى الدخل ! حتى سامها كل تافه وكل ساقط وكل نذل؟

يقول المؤلف: لقد تمت عملية القضاء على الإخوان سنة 1957, ورافق ذلك دعاية مركزة مؤداها أننا فى حاجة إلى منظمة إسلامية سليمة على المستوى الدولى لأن الإخوان لم يكونوا يصلحون لذلك وأوهموا الناس أن القضاء على الإخوان هو ليس لأنهم ضد الحكومة , بقدر ما هم خطر على الإسلام نفسه وهكذا عمدت الحكومة المصرية فى الوقت الذى أجهزت فيه على الإخوان المسلمين إلى إنشاء مؤتمر اسلامى ولد هجينا ومات سقطا...

وقد فطن الرئيس عبد الناصر إلى لعبتهم تلك , لكنه واجهها مع الأسف بممارسة عملية شد الحبل بين العملاقين, غير أن ذلك لم ينطل على القوى الكبرى , والتى تختلف فى كل شئ وتتفق فى تدمير الحضارة الإسلامية والتى كانت ترصد كل حركة للزعيم الراحل فتعمل على إثارته فى الوقت الذى يناسبها لاتخاذ قرارات مرتجلة تنفس عن حقده المكتوم مع العجز عن مجابهة كل تلك التيارات الهدرة من حوله .. حتى ساقونا إلى شرك معركة الذل سنة 1967.

اعتقال 1954

وتتلاحق ذكريات الشيخ دون ترتيب حتى تطل به على تجاربه النفسية فى المعتقل الأول الذى واجهه سنة 1954 عقيب حل جماعة الإخوان...

لقد داولته سجون إمبابة بمحافظة الجيزة والسجن الحربى وغياهب العامرية .. فأحدث كل منها فى نفسه جراحات لا تندمل, وكان أكبر ما يعانيه منها ذكر والدته وشقيقتيه اللتين لبثتا وحيدتين فى المنزل , حتى أدركه الله ببعض العزاء حين قيض له أحد الحراس الطيبين ينقل إليهما بعض رسائله المختلسة , تذكرهما بما لقيه أولو العزم من الرسل, وما عاناه أمامهم , صلوات الله وسلامه عليه وعليهم, فى شعب أبى طالب وما تحمله من عدوان السفهاء , وما سبق ذلك من المحن التى ابتلى بها يوسف منذ قذف فى الجب , حتى سنوات السجن السبع... رجاء أن تسرى عنها من وحشة الوحدة وثقل الفراق.. ومع ذلك فقد وقع ما كان يحذر, إذ أصيبت الوالدة بمرض الفراق.. ومع ذلك فقد وقع ما كان يحذر , إذ أصيبت الوالدة بمرض السكر الذى زال يفاقم بها حتى لقيت وجه ربها .. على أن رحمه الله لم تتخل عنه فعلى الرغم من نعومة النشأة التى اكتنفت معظم حياته, فقد استطاع أخيرا أن يروض نفسه على قبول الواقع تأسيا بما يراه من عظم البلاء , الذى يواجهه إخوانه على أيدى مخلوقين ينسبون بهويتهم إلى الإسلام وهو منهم براء , واهتداء بمضمون الحديث النبوى القائل " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " ثم هبت عليه وعلى إخوانه النفحات الإلهية فأحالت ظلمات السجن فى معتقل العامرية نوعا من رياض الجنة ... إذ كان فى ذلك السجن ما يزيد على الألف من قادة الجماعة , فما لبثوا أن نظموا للمعتقلين برامج ثقافية ملأت فراغهم ووفرت لهم زادا كريما من الثقافة الإسلامية عن طريق محاضرات يلقيها منهم متخصصون فى مختلف الفنون .. وقد أستمر هذا الخير طوال المدة التى قضوها بعد مرحلة التعذيب التى توقفت على أثر صدور الأحكام التى أملأها الطاغوت على المحاكم الصورية ...

صلته بالإعلام

كان لصلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل بالإذاعة حينما دخلها مقرئا أسباب قوية لفهم خطورة الإعلام فى حياة الفرد والأمة .

وقد ساعدته الظروف أن يكون موجودا بالتليفزيون منذ نشأته ولهذا كان يتحدث فى التليفزيون إذا ما دعى ليكون ضيفا على أحد البرامج الدينية ولكن حينما اعتذر الأستاذ أحمد فراج مقدم برنامج " شريعة الله " وذلك بعد انتخابه أمينا عاما للإذاعات الإسلامية فى جدة . وقد عرض على الشيخ صلاح تقديم البرنامج فوافق على الفور . وقد كان تقديم الشيخ صلاح أبو إسماعيل لهذا البرنامج فى رمضان عام 1977 على القناة الثانية وكان وقتها عضو ورئيس لجنة بمجلس الشعب وحينما سئل الشيخ صلاح : هل كان يتمنى أن يكون مذيعا فى طفولته ؟

فكان جوابه : بأن الله منحه الصوت القوى والبيان منذ طفولته . وقد منعه حياؤه منذ كان عمره 12 عاما فى أغلب الأوقات أن يرقى المنابر وقد جلس إلى جواره خطباء مؤهلون.

وعندما سئل عن خطته لتقديم البرنامج فقال : بأنها تقوم على مناقشة لشبهات التى تعترض تطبيق الشريعة الإسلامية وأولها موصول بالوحدة الوطنية وثانيها أننا فى عصر الحضارة والمدنية وأننا فى القرن العشرين فكيف تطبق الشريعة الإسلامية التى نزلت منذ 14 قرنا وثالث الشبهات زعم البعض بأنه لابد من خلق المناخ المناسب لتطبيق الشريعة الإسلامية .

ويتم الشيخ حديثه فيقول : ومما هو جدير بالذكر أن الإعلام المصرى الذى قدمت من خلاله الكثير من الأعمال الدينية فى الإذاعة والتلفاز على مدى سنين , قد أدار لى ظهر المجن منذ دخلت مجلس الشعب و وارتفع صوتى بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية , فقد صدرت الأوامر بمنع التعامل معى فى الإعلام المصرى منذ العام 1978و بل إن التلفاز المصرى لا يسمح أن أشارك فى أى برنامج لأى دولة ترتبط معه باتفاق اعلامى... ولكن رحمه الله لا تنتظر أوامرهم وأصبحت تلك الدول هى التى تطلبنى مباشرة , وذلك الفضل من الله وما كان عطاء ربك محظورا.

وسرعان ما ردتنى هذه الكلمات إلى حديث كتبه المغفور له الإمام محمد أبو زهرة ذات يوم , وفيه يقول : أن بعض الفضلاء قد سأل مدير التلفاز المصرى عن السبب فى استبعاد أبى زهرة عنه فكان جوابه : لأنى لا أستريح إليه.. وما كان أبلغ رد الإمام على ذلك الجواب العجيب حين قال ... لقد نسى هذا المدير أن تلفاز مصر ليس ملكا له ولا هو غرفة من منزله ليستقبل فيها من يشاء ويقضى عنها من لا يشاء .

وأقول : إن رد الإمام أبى زهرة رحمه الله منطقا لا يفقه أولو الأهواء ...

إن العمل الذى بدأت به فى نطاق التعليم عقيب التخرج مضافا إليه تبعات الدعوة فى المحافل والمساجد ووسائل الإعلام كل ذلك قد استأثر بوقتي فلم استطع التفرغ لسواه إلا قليلا , ومن خلال هذا القليل أقدرنى الله على الكتابات التالية :

1- حلقات إذاعية فى تفسير القرآن لتلفاز أبى ظبى وهى مستمرة حتى الآن إلى آخر سورة الحجر وأول سورة النحل وبلغ رقمها المائة الخامسة...

2- تفسير سورة يوسف فى ثلاثين حلقة لتلفاز دولة البحرين .

3- مئات الحلقات لتلفاز قطر فى إطار البرامج الدينية.

4- عشرات المشاركات فى الحلقات الدينية لتلفاز سلطنة عمان.

5- ثلاثين حلقة فى التفسير لتلفاز المملكة العربية السعودية, وقد أهديت إلى مؤسسات التلفزة فى دول الخليج بعنوان " المصحف المفسر".

6- موضوعات متعددة سجلتها لإذاعة الكويت على نحو فريد انتظم كل منها ثلاثين حلقة أحدها بعنوان " أسلوب الإسلام فى بناء الإنسان" وآخر باسم " العدل فى الإسلام "ثم " الإسلام والقتال و" اليهود فى القرآن" وقد أخبرني معالى الشيخ يوسف جاسم الحجى أن " جمعية الشيخ عبد الله النورى " التى يرأسها قد تولت طباعة حلقات هذا الموضوع..

عمله

أثناء شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى قضية " الجهاد " سأله المستشار رجاء العربى ممثل النيابة قائلا : ما هى المناصب التى شغلتها حتى عضوية مجلس الشعب؟

فأجاب قائلا : عينت أستاذا للتربية الإسلامية واللغة العربية منذ تخرجى فى وزارة التربية والتعليم إلى أن نقلت إلى الأزهر بعد أن اشتغلت باحثا فنيا فى تفتيش اللغة العربية والتربية الإسلامية, ثم عينت مديرا لمكتب شيخ الأزهر .. ثم عينت باحثا فنيا بمجمع البحوث الإسلامية ثم عضو فى لجنة التفسير مع فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة فى مجمع البحوث.. ثم كان لى شرف تفسير القرآن الكريم بتليفزيون دولة الإمارات .. ثم رشحت نفسى لعضوية مجلس الشعب وانتخبني زملائى رئيسا للجنة الشئون الدينية , ثم عضوا باللجنة العامة لتقنين الشريعة الإسلامية و ثم انتخبني زملائى مقررا للجنة المرافعات .

ويتضح تأثير عمل الشيخ فى حياته فقد استعرض عمله فى التدريس ما بين العامين 1955, 1972 حتى تم نقله إلى مكتب شيخ الأزهر لكى يكون مدير مكتب الإمام محمد محمد الفحام لمدة عشرة أشهر . فقد أتاح وجوده بالمكتب فرصة الاطلاع على العجائب فقد اكتشف أن رجال الأزهر ليسوا سواء لأن منهم المجاهدين بحق ومنهم دون ذلك السلبيون الذين يعددون أياما ليقبضوا راتبا..

وقد أوضح فى شهادته أمام محكمة أمن الدولة فى قضية " الجهاد" دور علماء الأزهر الرسميين قائلا رأيه من خلال عمله.

سنة 1972 كنت أظن أن علماء الأزهر الرسميين لا يستحقون نسمة الهواء ,ولا شربة الماء ولا لقمة الغذاء .. وكنت أراهم غارقين فى التقصير إلى أن فوجئت باختياري دون أن أعلم , مديرا لمكتب شيخ الأزهر الأسبق المرحوم الدكتور محمد محمد الفحام..

فلما امتحنت بهذا الاختيار قلت عن نفسى , وأستأذن وأعتذر قولة الشاعر:

وأنى وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم تستطعه الأوائل

خططت لمكتب شيخ الأزهر ن يكون فيه إمكانية لاستصحاب الذين يسلمون كل يوم وهم لا يقلون عن عشرين كل يوم فى مصر .. أردت استحداث كتاب بعنوان " لهذا أسلم هؤلاء".

وأردت إمكانية ثانية , بتأليف كتاب يترجم بشتى اللغات , نسميه " رفيق المسلم ".. وأردت إمكانية ثالثة بإنشاء أرشيف للعالم الإسلامى يستقى من السفارات الإسلامية ,ومن مبعوثى الأزهر من العلماء ومن الوافدين على الأزهر من الطلاب ومن منابع ثقافية أخرى .. وأردت إمكانية رابعة, أن يعقد لشيخ الأزهر " مؤتمر اسلامى أسبوعى " يلقى فيه بيانا يذكر فيه حكم الإسلام فيما يشغل الرأى العام الإسلامى من قضايا .. وعقدنا أربعة مؤتمرات وتوخينا أن تكون موضوعاتها عادية جدا , مثل " مدى عناية الإسلام بالشباب ... أو المرأة" أو ما إلى ذلك ولكننى فوجئت بأنه لا نشر لكلمة قيلت فى هذه المؤتمرات وفهمت أنه لا ينشر للأزهر إلا ما طلب منه . أما ما نبع من داخله فإنه لا يرى النور للنشر .. وحينئذ بدا لى ما كان خافيا ؟..

فقد علمت أن الدولة صارت تختار لمشيخة الأزهر أساس الشيوخ قيادا, ثم رأيت الأزهر يدار من وزير الأوقاف , إذا كان هو وزير شئون الأزهر , أو وزير الشئون الاجتماعية .ز إذا كان هو وزير الأزهر.

فلما هالنى هذا الواقع اقترحت على شيخ الأزهر أن يطلب مقابلة رئيس الجمهورية السابق لنعرض الأمر عليه.... فماذا كان الرد؟؟ أقيل شيخ الأزهر, وطلب إبعاد مدير مكتبه..

ومضت الأمور على هذا النحو .. والواجب أن كل أمر يعلق على الأزهر يشترط له أن تسند إدارته إلى الذين يخشون الله ولا يشخون أحدا غير الله .. وهذا النوع موجود رسميا " وحسبنا الله ونعم الوكيل" والخلاصة .. أن الأزهر حاول أن يؤدى رسالته للشباب فلم يمكن وفرض عليه أن يسكت فسكت.

تكوينه الفكرى والروحى

حينما سئل فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل عن أعمق الرجال تأثيرا فى تكوينه الفكرى والروحى أجاب قائلا : لا أعلم – بعد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله – وخلفائه الراشدين ثم بعد شيوخ أسرتى – أحد أعمق أثرا فى تفكيرى وتصورى الإسلامى من ثلاثة رجال.

أما أحدهم فهو الإمام حسن البنا تغمده الله برحمته وقد كان له أثره فى رؤيتى الفكرية والروحية و ويأتى بعده خليفته الأول الأستاذ حسن الهضيبي ذو الشخصية الصلبة الباهرة والنظرة العميقة والإخلاص الذى جعله خير عوض عن الفقيد الشهيد , ثم نائبه المفكر العالم الدكتور عبد القادر عودة الذى أسلفت الإشارة إلى أثره الفكرى فى انتزاعي من التردد بين الأزهر والإخوان..

وإذا كان الإنسان ابن بيئته حقا فلا عجب أن تمنح هذه البيئة فضيلة الشيخ الكثير.

ولهذا سنحاول إلقاء الضوء بشكل موجز عن:

(أ‌) السر فى عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم مؤثر فكرى وروحى.

(ب‌) دعوة الشيخ حسن البنا

(ت‌) شخصية الأستاذ حسن الهضيبي.

(ث‌) فكر الأستاذ عبد القادر عودة.

وستكون معالجتنا لكل عنصر من هذه العناصر بشكل مستقل ثم نحاول تأثيرها على الشيخ صلاح فى مراحل الكتاب المختلفة .

(أ‌) عظمة الرسول

قد طوى الدهر صحائف وذهبت جميعا أدراج الرياح . أما محمد صلى الله عليه وسلم فإن حكمه ما زال ولن يزال باقيا على الدهر وأوامره نافذة مسننه متبعة فى كل زمان وفى كل مكان .. لقد عاشت تعاليم الأنبياء لأنهم كانوا قدوة وكانت حياتهم وقفا على تجسيد تعاليمهم فى الفرد والمجتمع والأسرة , وكان رسولنا محمد صلوات الله عليه هو المثل الأعلى لهذه الحقيقة.

لكن لماذا محمد بالذات هو النبى المختار للإتباع والأسوة ؟ لماذا كان النبى العربى صلى الله عليه وسلم هو وحده المرشح للقيادة؟.

ذلك... لأنه من أجل أن تقتدي بإنسان فلابد وأن تعرف كل شئ يتصل بهذا الإنسان . فكيف نشأ؟ وكيف عاش؟ وطريقته فى الحياة أسلوبه فى العمل .... نظرته إلى الناس . إيمانه بالدعوة .. وسيلته فى التطبيق حياته الخاصة أحواله فى البيت والأسرة سياسته فى الحكم والحرب والسلام ...

كم نبى عرف عنه كل ذلك؟ أنه محمد وحده.

لكن ... لماذا؟

موسى عليه السلام :

أن موسى عليه السلام لا نعلم عن حياته حسب الأسفار الخمسة من التوراة إلا قتاله وقيادته فى الحرب . أما النواحى الأخرى من حياته كالحقوق فى أمور الدنيا , والفرائض والواجبات فلا نكاد نعرف عنها القليل النادر.. ومن يحاول أن يقف على ما ينبغى أن تكون العلاقة بين الزوج وزوجه, والوالد ووالده . وشروط الصداقة بين الصديقين وشروط الهدنة بين المتحاربين وكيف ينفق المرء أمواله وكيف يعامل الفقراء واليتامى .. ومن يحاول أن يعرف شيئا من كل ذلك فلن يعرف شيئا ... مع أن موسى كان زوجا وأخا وكان له أقارب . وكان نبيا من أولى العزم وعاش مائة وعشرين سنة....

عيسى عليه السلام :

وعيسى عليه السلام الذى يبلغ إتباعه قرابة ألف مليون فى العالم ؟ لقد بذل العلامة الفرنسى " رينان" قصارى جهده ليقف على حياته كاملة . ومع كل ذلك لا تزال هذه الحياة سرا مكنونا فى ضمير الزمن لم يبح به بعد...

أن عيسى عليه السلام عاش فى هذه الدنيا ثلاثا وثلاثين سنة كما يقول الإنجيل وكل ما ذكر عن حياته فى هذه الأناجيل لا يكاد يتجاوز السنوات الثلاث الأخير من حياته فنحن لا نعرف عن حياته إلا أنه ولد .

وهاجر وأمه إلى مصر وأراه الله آية أو آيتين فى صباه ثم غاب عن الناس وظهر لهم وهو فى الثلاثين من عمره , فتراه قائما يعظ الملاحين وصيادى الأسماك على الشاواطئ وفى بعض الربوات. فصحبه جماعة من الحواريين وحاور اليهود وناظرهم فى بعض الأحيان حتى أثاروا عليه الرومان , ورفع أمره إلى محكمة يرأسها قاض من الروم فقضى عليه بالصلب , وبعد ثلاثة أيام وجد قبره خاليا من جسده عليه السلام .

هذا ما تقوله الأناجيل عن حياته , ولكن أين قضى عيس الثلاثين أو الخمس والعشرين سنة على الأقل من حياته ؟ وفيم قضاها ؟وبأي الأعمال شغل هذا الفراغ الواسع من عمره ؟ أن الدنيا لا تعلم عن كل ذلك شيئا ولن نعلم , والثلاث السنوات الأخيرة من حياته ماذا نعرف عنها: آيات ومعجزات معدودات وبعض اللحظات ثم المحاكمة ... ورفعه بعد ذلك إلى السماء ...

لقد ألقى" باسورت سميث" عضو التثليث فى جامعة اكسفورد 1947 محاضرات عن " محمد" والإسلام نقتطف منها هذه العبارات:

نحن لا نعلم من حياة " يسوع" إلا شذرات تتناول جانبا صغيرا من حياته المتنوعة ومن ذا الذى يستطيع أن يكشف لنا الستار عن شؤون ثلاثين عاما هى تمهيد للثلاثة أعوام الأخيرة من حياته فقط .. وما الذى نعلمه عن أمه ؟ وعن حياته فى بيته؟ وما الذى نعلمه عن أصحاب الأولين؟ وعن حواريه وكيف كان يعاملهم ؟ وكيف تدرجت رسالته فى الظهور؟ وكيف فاجأ الناس بدعوته وكم ؟ وكم من أسئلة تجيش فى نفوسنا ولن يستطيع أحد أن يجيب عليها إلى يوم القيامة ؟.

هذا هو الإسلام :

ويقول سميث :

أما الإسلام فأمره واضح كله , ليس فيه سر مكتوم عن أحد وليس فى حياة نبيه غموض لم يكتشف ولا تجد فيما كتب عنه أمورا مبهمة ولا أساطير ولا خرافات . والأمر كله واضح وضوح النهار كأنه الشمس يرى الناس أشعة نورها كل شئ ..

وقد كتب جون ديوى بروت سنة 1870 كتابا بالانجليزية فى سيرة النبى جعل عنوانه " اعتذار إلى محمد والقرآن".يقول فى مقدمة هذا الكتاب :

لا ريب أنه لا يوجد فى الفاتحين والمشرعين من يعرف الناس حياته وأحواله أكثر تفصيلا وأشمل بيانا مما يعفون من سيرة محمد " صلى الله عليه وآله وسلم " وأحوال .

يقول العلامة سليمان الندوى : كان الواعظ الذائع الصيت الأستاذحسن على – رحمه الله – يصدر فى ( بيتنا) قبل خمسين عاما مجلةنور الإسلام . وقد قال فى جزء منها . إن صديقا له من البراهمة قال له:

أنى أرى رسول الإسلام أعظم رجال العالم وأكملهم . فقال له الأستاذ حسن على وبماذا كان رسول الله عندك أكمل رجال العالم "

فقال الرجل الهندوسى : لأنى أرى فيه خصالا لم تجتمع كلها فى رجل واحده وفى آن واحد .. وبهذا الكمال والرقى , والرفعة والسمو....

لقد كان محمد ملكا دانت له أوطانه بالطاعة ومع ذلك فهو متواضع فى نفسه يرى أنه لا يملك من الأمر شيئا . وأن الأمر كله بيد ربه... وتراه فى غنى عظيم تأتيه الأموال بالخزائن إلى عاصمة ملكه ويبقى مع ذلك محتاجا ولا توقد فى بيته نار لطهى الطعام ولعدة أيام. وكثيرا ما يطوى على لجوع : نراه قائدا عظيما يقود الجند القليل العدد فيقاتل بهم ألوفا من الجند المدجح بالسلاح ويهزمهم شر هزيمة, نشاهده بطلا شجاعا يصمد وحده لآلاف من أعدائه غير مكترث بهم وهو مع ذلك رقيق القلب متعفف عن إراقة قطرة دم .

ونراه مشغولا بجزيرة العرب كلها بينما لا يفوته أمر من أمور بيته وأزواجه وأولاده. ولا أمر من أمور فقراء المسلمين ومساكينهم لقد كان إنسانا يهمه أمر العالم كله وهو مع ذلك متبتل إلى الله منقطع عن الدنيا فهو فى الدنيا وليس فيها لأن قلبه لا يتعلق إلا بالله وبما يرضى الله لم ينتقم من أحد قط لذات نفسه وكان يدعو لعدوه بالخير .

وتراه رسولا حصيفا ونبيا معصوما فى الساعة التى تتصوره بها فاتحا للبلاد ظافرا بالأمم وأنه ليضطجع على حصير له من خوص, وينام على وسادة حشوها ليف.. ويعيش أهل بيته فى فاقة فى الوقت الذى تتجمع فيه الغنائم العظيمة فى فناء مسجده – فيفرقها على الفقراء والمحتاجين ولا ينال أحد من أهله أو أهل بيته نصف درهم .

فإذا كانت شخصية الرسول العربى هى الشخصية النموذجية الكاملة , وكان – بحياته وأقواله وأعماله – مثالا يحتذى به فى كل خطوة .

فأين تقف رسالته من هذا الشمول الجامع ؟ وما هى أبعادها الفكرية والعقيدية فى هذا العالم المتصارع ..؟ يقول المرحوم العلامة سليمان الندوى:

لقد توزعت الدنيا – قبل بعثة النبى – عقائد باطلة . وأوهام سخيفة. كان أهل كلدين فى أية مملكة من الممالك يحسبون أن مملكتهم هى الدنيا فقط. فكان براهمية الهند ومنصوفوها يرون أن بلادهم هى أرض الله المختارة وما خرج عنها فلا نصيب له من رحمة الله ... وكذلك قال " زوادشت" الذى أ‘لن أن بلاده هى المقدسة دون غيرها من أرض الله. وكذلك قال بنو اسرائيل فهم أساتذة هذا النوع من الإدعاء والافتراء والزعم.....

والمسيح عليه السلام أعلن أنه لم يرسل إلا إلى خراف بنى اسرائيل الضالة.. وقد جاء فى الأصحاح السابع من انجيل مرقس أن امرأة بابنتها روح نجس سمعت به ( أى المسيح) فأتت وخرت عند قدميه وكانت المرأة أممية أى من أبناء الأمم غير الإسرائيلية .

فسألته أن - يخرج الشيطان من ابنتها وأما يسوع فقال لها : دعى البنين أولا يشبعون لأنه ليس حسنا أن يؤخذ خبر البنين ويطرح للكلاب . فأجابت وقالت. يا سيد, والكلاب أيضا تحت المائدة تأكل فتات البنين فقال لها : لأجل هذه الكلمة . اذهبى قد خرج الشيطان من ابنتك.

كانت دعوته عليه السلام إلى بنى اسرائيل .... وإلى خرافهم الضالة وفى حديثه مع المرأة الغير اسرائيلية يقرران ( الخبز) الذى يحمله إنما هو للبنين ( الإسرائيليين) أولا.. وإنه لا ينبغى أن يؤخذ خبر البنين ويطرح لكلاب.

ويقول العلامة سليمان الندوى:

إن من أكبر الجرائم التى أقترفتها الأمم , ولا تزال باقية فى بلاد لم تتشرق عليها أنوار الإسلام . أنهم جعلوا ثراء المال .

ونقاء الدم وشرف النسب. ولون البشرة أساس الكرامة وسنوا لذلك من القوانين والشرائع ما يجسد هذه العنصرية البغيضة حسب أهوائهم ومذاهبهم.

فى الهند يعتبر الهنادك كل من عداهم أنجاسا مناكيد , فإن لمسهم لا مس من غيرهم أو صحافهم وجب عليهم أن يغتسلوا ويتطهروا من هذا الأجنبى الذى يعتبر فى نظرهم رجسا وقذارة.

وبنو اسرائيل يعتبرون أنفسهم أبناء الله وأحباءه وما عداهم من الأمم فهم خدم لهم وعبيد وأوربا التى ترفع راية الإخاء والتقدم والحضارة تنظر إلى العالم الآخر فى أفريقيا وآسيا نفس هذه النظرة فالأبيض هو وحده المثقف, وهو وحده الإنسان المتقدم بل إن بعض البيض يترفع عن الركوب فى قطار يشاركه فيه رجل ملون .

وقد عزلوا الجنس الأسود فى أفريقيا الجنوبية وأمريكا المتحضرة . فبنوا لهم أحياء منعزلة عن البيض, ولم تنحصر هذه التفرقة فى الأمور الدنيوية فقط بل تجاوزت ذلك كله إلى دور العبادة فبنوا للبيض كنائس خاصة منفصلة عن كنائس الملونين والسود...

أما الإسلام فقد محا هذه الفوارق والعصبيات كلها وسوى بين بنى آدم كلهم . وهدم أسوار التفرقة بين الناس من ثراء المال ولون البشرة , وعراقة النسب .. فالناس سواسية كأسنان المشط كلهم من بنى آدم وآدم من تراب. فلا فضل الأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى وطاعة الله.

فى غزوة بدر سقط أبو جهل رمزالنقايص البشرية الذميمة. ونظر وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة برجل يضع قدمه على صدره , ويتأمل أبو جهل فى وجه هذا الرجل فيجده عبد الله بن مسعود فتتحشرج الكلمات فى حلق أبى جهل وهو يصرخ . عبد الله بن مسعود رويعى الغنم. لقد استكثر أبو جهل كلمة راعى فصغرها وقال رويعى. لقد ارتقيت مرتقى صعبا أى عاليا .. ورفيعا. فمن الذى رفعك ؟ فيقول عبد الله : إنه الإسلام يا عدو الله يرفع الله به أقواما ويرغم به أنوف آخرين .

وفى خلافة عمر يستأذن رجلان فى الدخول عليه... بلال العبد الحبشى وأبو سفيان الزعيم القرشى. فيأذن عمر لبلال فى الدخول أولا.. ويقف أبو سفيان على الباب مغيظا. حتى إذا أذن له عمر قال له معاتبا: تسمع لبلال العبد .. وتترك ابا سفيان السيد؟ فيقول عمر : كان ذلك فى الجاهلية شريعة هبل واللات ... أما فى الإسلام فالأمر يختلف يا أبا سفيان.

لقد سبقك بلال إلى الإيمان .. وهذا هو اليزان الذى يقوم به الإنسان أى إنسان...

والعدل فى البيئات الظالمة كالنور فى الليالى المظلمة , كالتوحيد فى الأمم المشركة , كل ذلك خروج عن المألوف , فهو ثورة تستنكر ويحارب أصحابها , وعلى الموسومين بأنهم ثوار أن يصبروا على هذه التسمية وما تسلتزمه من معاملات يفرضها ناموس الأوضاع القديمة إلى أن يأذن الله بزوال هذه الأوضاع..

وقد كان الرسول الكبير صبارا على مطالب رسالته , ناهضا بأعباء دعوته وهو يعالج أمة فى أخلاقها وحشة ورهبة , :أنها ظلال للصحراء التى تسكنها من قديم .

وفى كتف هذا الرسول تربى جيل من البشر هيهات أن يوجد مثله بلاء ووفاء وتقديرا لقيم الرسالات ووزنا للرجال بمعاييرها أنه دجيل لم ينكص أمام أى نوع من أنواع التضحية طلب إليه الصحيحة.. ... ضحى بكل شئ لكى يسلم له دينه فحسب.

خرج صهيب مهاجرا فاتبعه نفر من مشركى وقريش فنزل عن راحلته ونثر ما كان فى كنانته وقال : والله لا تصلون إلى أو أرمى بكل سهم معى ثم أضرب بسيفى ما بقى فى يدى .., وإن شئتم دللتكم على مال دفنته بمكة وخليتم سبيلى : فقالوا : دلنا ففعل فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فيه هذه الآية : " ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد".

ومن عمل العقيدة العميقة فى النفس أنها تهيج صاحبها حتى تجشمه فوق طاقته من عمل . فإن الله عزوجل عذر فى الهجرة من حدثته قوة الإيمان فى نفسه , وأوحت إليه الرسالة الصادقة التى يعمل لها, أنه أهل للهجرة فقال : والله ما أنا ممن استثنى الله عزوجل وأنى لأجد حيلة . ولى من المال ما يبلغنى المدينة وأبعد منها والله لا أبيت الليلة بمكة أخرجونى.

فخرجوا به يحملونه على سرير حتى جاوزوا قريبا من مكة فبرحت به العلة وحضره الموت فضرب بيمينه على شماله – كهيئة المبايعة – ثم قال : اللهم هذه لك , وضرب مرة أخرى وقال : وهذه لرسولك, أبايعك على ما بايع رسولك ثم مات..

وبلغ خبره أصحاب الرسول فتمنوا لو أن الرجل وافى المدينة فنزل الآية: " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ..."

إن الرجل صاحب الرسالة يؤثر فى الحياة ولا يتأثر بها ويوجه الأمة ولا يتدرج مع تيارها .

وكل عام يلوح هالة فى الأفق , يذكر المسلم الحر , بأن النفس والمال والأهل والوطن , فداء للإيمان الصحيح , والإخلاص لله ورسوله .

(ب‌) دعوة حسن البنا

لقد تعلمنا على يد حسن البنا استحالة الفصل بين العقيدة الراسخة فى قلب المسلم , العقيدة التى تعبدنا الله بها , العقيدة التى يجب أن نعيش عليها نحيا بها , العقيدة التى ميزت الإسلام بميزات لم يحظ بها دين سماوى سبقها , يستحيل الفصل بين هذه العقيدة الكامنة فى كل نبضة قلب و وبين الشريعة التى تحكم حياتنا وتصرفاتنا فى حياتنا . نعم. إذا تعامل المسلم مع غيره فبأى المعايير , معايير العقيدة التى يعبد بها الله , والتعامل مع الناس جزء منها , أم معايير يعينها له البشر مثله ؟؟ طبعا طبقا لما جاء فى كتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم .

فكيف أكون مسلما حقا مؤمنا بالله وقدرته وعلمه وحكمته و ثم لا أطبق شرعه فى التعامل مع الناس؟ إذا أكلت ؟ فهل لى كمسلم له عقيدة يتمسك بها , أن أكل من غير حلال ؟؟ وهذا شرع الله , فكيف أفصل بين عقيدتى وبين شريعتى؟ انه خلط فى الفهم واضطراب فى التفكير أنه لن يصلح حال المسلمين , وينقذهم مما هم فيه , ألا عودتهم إلى كتاب الله , فى كل ناحية من نواحى الحياة ولذلك كان الإمام الشهيد يقرن دائما بين القول والعمل , ويؤكد لنا أن الداعية الذى تقتصر مهمته على الكلام , داعية فاشل ,لن يصل مع الناس إلى شئ, أن أهم عامل فى نجاح الداعية هو القدرة , ولا خير فى داعية يقول , ولا يكون أول من يطبق على نفسه ما يقول , أنه بذلك يكون قاطع طريق , يقطع طريق الجنة على الذين يريدون السير فيه. لأنهم لا يرون فى عمله ما يطابق قوله فيقولون لأنفسهم لو كان ما يقوله حقا يؤمن به لكان أول من يعمل بما يطالب به الناس .

ولهذا المعنى جعل الله سبحانه لنا فى رسوله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة , والقدوة الطيبة . كان يكثر من التنبيه إلى أن إجمال لكلام , فى الدعوة إلى الله والتطبيق والحكم بما أنزل الله ومدارسة القرآن .

لم يعد كافيا اليوم لتأخذ الدعوة طريقها الصحيح قدما لابد من تهيئة محاضن أولية فى رياض الأطفال والمدارس الإبتدائية لإقامة الطفل منذ سنواته الأولى على مبادئ افسلام.

إن المهازل التى تجريها الحكومات اليوم فى دور العلم من تعلم الرقص والموسيقى والسينما والمسرح كلها موبقات فتاكة تفتك بلمعانى الإسلامية فى نفوس النش ما دامت السينما والمسرح والموسيقى على النسق الذى نلمسه ونراه .

إن الطفل بهذه الأساليب ينشأ غارقا فى المفاسد والمهازل والسخافات . كل البعد عن الجدية التى يدعو إليها الكتاب والسنة , أليس حقا ما يقول حسن البنا ؟ أليس هو الخير الذى يجب أن يعود الجميع إليه حتى تسعد الأمة الإسلامية بما تريد .

أنه يرى أن دوام النظم والتخطيط لن يكون إلا بمقدور ما تعمل هذه النظم والتخطيطات على توفير مطالب الناس . للناس مطالب ولهم رغبات والناس لا يمكن أن يعيشوا فوضى بلا نظم تحكمهم وبلا قوانين تحكم تصرفاتهم وتوفر لهم حاجياتهم وتنظم شئونهم وتوفر لهم الأمن والهدوء.

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهلهم سادوا

أدرك أستاذ الجيل هذا تمام الإدراك , وأيقن أن الإسلام هو خير ما يوفر كل ذلك , لا لنبيه فقط بل للدنيا من أولها إلى آخرها. فأقام دعوة الإخوان المسلمين على هذا الأساس.

وجعل قواعدها الراسخة هذه الأصول التى لا تتغير ولا تتبدل , ولا تؤثر فى سلامتها عاديات الزمن بأى حال من الأحوال . أنها ليست شعارات للإخوان المسلمين و ولكنها مبادئ نورانية تهدى الحيارى , أنها ينابيع الرى الذى ينقع غلة الظالمئين والهدى الذى لا يضل معه أحد من السالكين .

" من مبادئ الإخوان المسلمين "

الله غايتنا : هل وراء ذلك من غاية ؟؟ هل فى الوجود عاقل لا يرضى بهذه الغاية ؟؟ هل يرفض أن تكون غايته فى دنياه رضائ الله ؟؟ هل من ضعيف يرى الله قوة ؟؟ هل من محتاج يرى فى غير الله كفاية ؟؟ هل من حائر يجد عند غير الله هدى ؟؟ هل من مكدود يرى عند غير الله عونا ؟؟ وهل من محزون يلتمس من عند غير الله عزاء . وسلوى ؟؟ وهل من مقهور يبحث عند غير الله نصره ؟؟ هل وهل؟؟ فكيف لا يكون الله غايتنا؟

والقرآن دستورنا : ضلت القوانين إن لم يكن مصدرها كتاب الله وتعس الناس إن لم يكن القرآن دستورهم . إن القوانين دعامة من دعامات المجتمع , وكلما أحكمت مواد القانون لتكون وعاء لمطالب الناس ورغباتهم , كلما كان هذا القانون أقرب إلى قلوبهم , وأحبهم إلى التزامه وتنفيذ فأين نجد هذا ؟؟ لقد ثبت واقعيا وتاريخنا أنه ما من دستور أو قانون وضعى, إلا دخل عليه التغيير , زيادة أو حذفا , إضافة أو نقصا , مما يقطع بأن العقل البشرى لا يستطيع أن يصنع للناس تقنينا ثابتا شاملا . وحتى لو وجد مثل هذا الدستور افتراضيا, فقد يأتى طاغية فلا يقيم لهذا الدستور وزنا , فيعطله أو يلغيه بجرة قلم , بحجة مصلحة الشعب .

أما القرآن فهو القرآن لم يتبدل فيه حرف واحد , من يوم أن نزل منذ ألف وأربعمائه عام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دلت أحداث التاريخ أنه ما من أمة مسلمة تمسكت بكتاب الله وطبقته بحذافيره إلا عزت وسادت. فلماذا لا ندين بهذه الصلاحية كمسلمين,ونجعله دستورنا الذى نفزع إليه فى حل كل مشكلاتنا , وإصلاح حالنا . هذا واقعنا أن كنا نؤمن بالله واليوم الآخر . فحسن البنا لم يأت بجديد ليكون محلا للخلاف أو النقاش أنه تقرير الأمر المقرر, والأخذ بالواقع الملموس بل وتحصيل الحاصل.

والرسول زعيمنا : من يوم أن قامت على الأرض مجتمعات ولكل مجتمع مرجع أو حاكم أو حكومة يرجعون إليها . والحاكم أما أن يأتى عن طريق الشعب و وأما أن يغتصب الحكم اغتصابا . أما الذى يأتى عن طريق الشعب فلا يمكن أن يكون عليه إجماع . بل أتت به الأغلبية الساحقة أو النسبية . وأما المغتصب فلا رضاء عنه من أحد . أما محمد صلى الله عليه وسلم فلم يغتصب زعامة ولا حكومة كما أنه لم يأت به الشعب .

أنه هدية الله إلى الناس أجمعين " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" فنحن إذا نتزعمه عقيدة . ولا يحل لمسلم أن يرى فى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم زعيما زعيم الزعماء , أو حاكما أو قائدا . نعم تزعمناه دينا لأننا أمرنا بطاعته " وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بذن الله " وجعل الله طاعة هذا الرسول من طاعته هو عزوجل " من يطع الرسول فقد أطاع الله" وأمرنا الله أن ننفذ أوامر هذا الرسول وننبذ ما نهى عنه " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا, واتقوا الله إن الله شديد العقاب"

أننا نطيعه لا لأنه زعيمنا وحدنا , ولا رسولنا وحدنا ولكنه رسول الله إلى الناس جميعا على مختلف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم لا تفرقه دعوته بين إنسان وإنسان كلهم لادم وىدم من تراب قل يا أيها الناس أنى رسول الله إليكم جميعا الذى له ملك السموات والأرض . لا إله إلا هو يحيى ويميتوفآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ".

فهل لمسلم بعد هذا من رأى فى اتخاذ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم زعيما وقائدا وحاكما وحبيبا ؟؟ هل أتى حسن البنا فى هذا بجديد أو ببدعة ؟؟ أم أنه يعود بنا إلى كتاب الله الذى غفل الكثير من المسلمين عن روعة أحكامه وجلال نظمه.

والجهاد سبيلنا : هل ينكر أحد أن لكل نتيجة مقدمة , ولكل هدف سبيل نسلكه لنصل إلى الهدف . ولذلك اختار حسن البنا , والجهاد لاستعادة أمجاد المسلمين , منفذا بذلك حكمة الله التى جعلت الهداية لمن جاهد فيه . وهل يريد مسلم إلا الهداية التى أقوم سبيل " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأن الله مع المحسنين " وأطاع أستاذ الجيل ربه , فاتخذ من الجهاد سبيلا لتحقيق آمال المسلمين, لا للوصول إلى أمجاد الدنيا فقط ولكن للسعادة التى لا تفنى ولا تبيد فى جنات النعيم " ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون .

فرحين بما آتاهم الله من فضله , ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون , يستبشرون بنعمة من الله وفضل . وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين . الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم . الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل . فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله , والله ذو فضل عظيم , أنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين". فهل ابتدع حسن البنا فى اختيار الجهاد سبيلا نبيلا للمسلمين فيه بشريات وفيه نعيم, وفيه أمن , وفيه اعتماد على الله و وفيه صدق يقين , وفيه أرضاء كامل لرب لعالمين .

والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا:

هل بعد هذه الأمنية الغالية من سمو وارتقاء . إن المحب يبذل فى سبيل المحبوب كل ما يقدر عليه , وكل ما يستطيع , والمسلم لا يحب الحب الحقيقى إذا أحب إلا الله ورسوله . وإذا كان دليل صدق هذا الحب هو بذل النفس ذاتها , فليس لدى الإخوان المسلمين من يعمل لإعزاز دين الله إلا أن يقدموا أرواحهم طيبة بذلك نفوسهم فى سبيل الله " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة , يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم" ( التوبة الآية 111).

وهكذا يضع حسن البنا أيدينا على كل الذى فى كتاب الله وإذا كان الله قد جعل الجهاد فى سبيله والاستشهاد من أجله هو الفوز العظيم , فهل هناك من مسلم يرغب عن هذا الفوز العظيم ؟؟ فهل اتجر حسن البنا بالدين ؟ وهل أضل أو ضلل الإخوان المسلمين عندما حبب الجهاد إليهم وزينه فى قلوبهم وجعله سبيلهم , وإقامة جليلا على صدقهم ؟ أيها المغرضون أرعوا!! أيها المنكرون تبينوا, أيها الحائرون اهتدوا !! أيها الإخوان المسلمين تمسكوا واقتدوا.

(جـ) شخصية حسن الهضيبى

إن حسن البنا ومن ورائه جماعة الإخوان المسلمين , انتصروا فى جميع معاركهم الواحدة تلو الأخرى بيقين . أن الانتصار فى المعارك لا تقدر بعدد الضحايا والخسائر , بقدر ما يقدر بما حققته المعركة للطرفين ظن النقراشى أنه انتصر على الإخوان المسلمين يوم أن صادر أموالهم وممتلكاتهم وملأ بهم السجون والمعتقلات . فماذا كانت النتيجة " زال النقراشى وحزبه من الوجود .

وعلا قدر الإخوان المسلمين وفاروق الذى اغتال المرشد الأول , وظن أنه انتهى من الإخوان المسلمين , استقبل المرشد الثانى فضيلة المرحوم الأستاذ الهضيبي مرغما , فدخل عليه عالى الرأس منتصب القامة , غير منحن ولا منخضع وسلم بسلام المسلمين فى صوت ثابت رصين, هز قلب فاروق الذى اعتاد على الإنحناء والخضوع له من كل من يمثلون أمامه, لم ينحن الأستاذ الهضيبي , كما اعتاد كل المصريين , ولم يخرج بظهره ولكنه خرج رضوان الله عليه , موليا ظهره وجه ملك البلاد و لم يخرج بظهره كما كان يفعل الذين يملأون أفواههم اليوم بالشجاعة والنضال و فهل انتهت معركة النقراشى مع الإخوان , بما أراده النقراشى والإنجليز من ورائه ؟؟ أم انتهت بما أراده الله لجماعة الإخوان المسلمين ؟ الحقائق تتكلم, والواقع ييتحدث .

ثم معركة عبد الناصر مع جماعة الإخوان المسلمين , وعلى رأسها الطود الشامخ , والأشم الراسخ فضيلة الأستاذ الهضيبي رضى الله عنه , هذه المعركة التى لم يعرف لها التاريخ مثيلا فى تاريخ الطغاة والمجرمين لشراستها وضراوتها وخستها ودناءتها ومغالتها والتى استمرت قرابة عشرين عاما , ولم يدع فيها جمال عبد الناصر وسيلة من وسائل الافحاش والهمجية معه , أن جماعة الإخوان المسلمين قد أصبحت تاريخا قد زال من الوجود لا الخسائر الإخوانية كانت فادحة ماديا ومعنويا . فماذا كانت نتيجة هذه المعركة الدامية الضارية كانت نتيجة المعركة أن ذهب جمال عبد الناصر إلى حيث يذهب الطغاة , وفى غمضة عين , وفى ظروف مريبة كثرت حولها الإشاعات, حتى لقد شاع بين الناس بما يشبه الإجماع, أن جثته انحدرت مع مياه المجارى إلى حيث تنتهى تلك المياه.

وكان أن دخل الذين أعانوه على ظلمه مسخرين, كان أن دخلوا السجون مجرمين بعد أن قتل بعضهم فى مأسى مفجعة , وكان أن انهارت منظمة التحرير , والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى وكل التشكيلات التى أقامها على انقاض مصر وخرائبها .وبقى الإخوان المسلمين .

فالإمام البنا كان متحدثا بحكم عمله ومكانته . ولكن الأستاذ الهضيبي كان أميل إلى الصمت بحكم عمله ومكانته . فالقاضى يسمع أكثر مما يتكلم . كان البنا دائم الابتسام , ولكن الهضيبي فبطابع كرسى القضاء كان صارم المظهر , يحملك على ترك اللجاج فى حضرته , فإذا تخاصم لديه أخوان , بادرهما بعبارته المعروفة عنه " إذا كنتما عاجزين عن اصلاح ذات بينكما , فكيف تصلحان ذات بين الآخرين ".

كان من أكثر دعائه ( يا رب أهلنى لطاعتك) لقد كان فضل الله عظيما على الإخوان باختيار فضيلة الأستاذ الهضيبي مرشدا للإخوان فى تلك الفترة التى لا تحتاج إلى المهاترة وتحتاج إلى الصبر وإلى الصمود والتحمل.

لقد مرت الدعوة تحت قيادة الأستاذ الهضيبي بأقسى عواصف الظلم والاضطهاد. فكان صموده وعزوفه عن اعطاء الدنية من نفسه أعظم الأثر فى تماسك الإخوان ازاء تلك الرياح الهوج, واحتمالهم لكل ما نزل بهم من محن عظام . وخرج الإخوان من محنة 1954 أرفع الناس رؤوسا . وازداد انتشار دعوتهم فى كل مكان , رغم انقطاع ما بين الشباب وقيادتهم المغيبة فى أعماق السجون.

تم اختيار المستشار حسن الهضيبي مرشدا عاما للإخوان المسلمين عام 1951. وكان من المتوقع أن يطلب الأستاذ الهضيبي مقابلة فاروق للمشاركة فى انقاذ الوطن مما كان ينحدر إليه فى جميع نواحيه ولكنه رفض خشية أن يقال عنه أنه يسعى لمقابلة فاروق و ولأنه كان يرى أن وضعه كمرشد للإخوان المسلمين فوق ذلك يمراحل شاسعة وهو أحرص ما يكون على هذه الكرامة التى متعه الله بها فى مراحل حياته , وأخيرا استدعاه وهو لا يملك إلا أن يستجيب فذهب وخرج من تلك المقابلة وهو يصفها بأنها " مقابلة كريمة لملك كريم" ولو أنك أمعنت النظر فى تلك الكلمات الأربع , لعلمت كيف كان ذلك المرشد العظيم رضوان الله عليه يزن الكلمات فى إيجاز مع إعطائها كل المعانى المطلوبة , فهو قد بدأ فى تصريحه بالمقابلة الكريمة ولم يبدأها بالملك الكريم, هذه واحدة , وفى هذه المقابلة كان محل احترام الملك وتقديره فعبر عنها بأنها مقابلة كريمة وهو صادق فى قوله , ولم يقل : أنها مقابلة بناءة أو خلاقة , أو حلت الكثير من المشاكل , ولكن ما دام الملك قد قدره واحترمه فهى مقابلة كريمة ولا شك , أما وقد كان موقف الملك على هذه الصورة معه فليس من المنطق أو اللياقة ان يصفه بأنه ملك لئيم أو ما أشبه ذلك.

المعتاد فى مباشرة المستشارين لعملهم أن يبدأوه بيمين أمام الملك أو رئيس الجمهورية , أو الأمير, أو ما إلى ذلك من الألقاب , وكان رجال القصر يستقبلون المستشارين الجدد قبل لقائهم ليبينوا لهم مراسم اللقاء وكيف يكون الدخول والإنحناء والخروج بالظهر وأنهم لا يبدأون الملك بكلام وما إلى هذه التفاهات التى يحرص عليها الفارغون المتكبرون من الرؤساء والزعماء.

يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله فى كتابه ( ذكريات لا مذكرات ) لما عين الأستاذ الهضيبي مستشار وذهب إلى القصر مع زملائه لأداء اليمين المظهرية التى لا داعى لها على الاطلاق فى مجال القضاء ورجاله , وفى يوم من اليام كنت عائدا من محكمة بنها مع المرحوم المستشار السعيد رمضان ؤالسعيد فأخبرنى ونحن معا فى السيارة إلى القاهرة بالواقعة الآتية:

قال رحمه الله : ذهبت مع الهضيبي إلى القصر واستقبلنا رجال التشريفة وأفضوا إلينا بالتعليمات والشكليات التى يجب أن نقوم بها عند دخولنا على الملك وعند رخوجنا بعد أداء اليمين , وادينا جميعا ما طلب منا بالقدة إلا حسن الهضيبى فقد تصرف تصرفات تخالف كل ما طلب منه القيام به فبمجرد دخوله بادر الملك بالسلام قائلا : السلام عليكم ففزعنا وتوقعنا أزمة لها ما بعدها , وأن الهضيبي أوقفنا موقفا محرجا لنا جميعا , والغريب أن الملك رد السلام فى هدوء , وحمدنا الله أن الوقف مر بهذه السهولة , وبعد أن أدينا اليمين خرجنا جميعا بظهورنا إلا الأستاذ حسن الهضيبي فإنه ولى الملك ظهره وخرج من الحجرة الملكية بوجهه لا بظهره ,وهنا توقعنا أن السناء ستنطبق على الأرض, فهذه أول مرة تخالف فيها التقاليد عند مقابلة الملوك, ومرت أيام وأسابيع ولم يحدث شئ وتأكدنا أن كرامة الإنسان لا يستطيع توفيرها للشخص إلا نفسه وبذاته و الكرامة تنبع من دخيلة نفوس الرجال وليست الكرامة ما يفيض بها إنسان على إنسان , فمن يلبى نداء الكرامة ويعف عند المغنم تحترمه الجن والإنس , ولا كانوا معه على خصومه, وهكذا كان مرشدنا فضيلة الأستاذ الهضيبى فى كل مراحل حياته.

ثقافة الهضيبي :

وفضيلة الأستاذ الهضيبي كان وكيلا لمحكمة النقض , وقد قرأ كتب الفقه , ويعجب بأراء ابن حزم حتى أنه قرأ المحلى كله والوسيط وكان فقيها فى الشريعة. دائم الربط بين أحكامه قواعد الإسلام وكانت حيثيات أحكامه تمتاز بالأسلوب البلاغى البديع وكانت أحكامه على الأغلب مبادئ قانوينة يرتاح إليها القضاة من أقرانه.

ولما كثرت افتراءات عبد الناصر وصحفه على الإخوان ومرشدهم وهم فى معتقلهم فى السجن الحربى و لا يصرح لهم فى الدفاع عن أنفسهم , وهو حق من أبسط الحقوق الإنسانية , لما حدث هذا تمكن الأستاذ المرشد ن إرسال خطاب إلى جريدة " المصرى" وكانت لا تزال تصدر فى ذلك الحين – وفى هذا الخطاب دعا فضيلته رجال الثورة إلى المباهلة واحتاروا فى معنى المباهلة , إذ لم يكونوا يعرفون عنها شيئا , إلى أن أخرجهم من حيرتهم فضيلة الأستاذ الباقورى فشرح لهم معناها , الذى يطلب فيه المتخاصمان من الله أن يجعل لعنته على الكاذبين, وطبعا لم يستجب رجال " الانقلاب" إلى هذه المبارزة , مبارزة المباهلة بين يدى الله , من غير ما سيف ولا مزراق , ولم يكن من أخلاق الهضيبي أن يبيت على ضغن لأحد حتى أنه زار ابراهيم عبد الهادى فى أحد المناسبات التى تستدعى الزيارة شرعا. وكان أحرص ما يكون على الوفاء بمواعيده , إذا كان أول من يحضر جلسات انعقاد مكتب الارشاد وآخر من ينصرف منه وباستمرار.

ورع المرشد :

وفى السنة التى حج فيها منحة الملك سعود هدية فلما قال لرجال القصر : أننى لا أستطيع قبول مثل هذه المنحة قيل له : إن هذا الرفض سيسبب أزمة خطيرة لأن الملوك حريصون على أن هداياهم لا ترد , لأنهم يعتبرون فى الرد مساسا بمكانتهم الملكية , وراح رجال القصر يلحون عليه قبول الهدية انقاذا للموقف , فقبل أخيرا , ولكنه أودع الهدية فى خزنة الجماعة تتصرف فيها كما تشاء .

ولم يكن يرضى لنفسه أن تكون مكانته الدينية سببا لجنى المغانم الدنيوية . وحتى لا يفتخر أحد مهما كان مركزه انه منح مسؤولا إخوانيا مبلغا من المال تحت أى مبرر من المبررات ورغم ذلك فلا يزال هناك من يتهم الإخوان المسلمين بأنهم يتاجرون بالدين ألا خرست الألسنة التى تتهم الشرفاء كذبا وافتراء.

يواصل الأستاذ" عمر التلمسانى" حديث ذكرياته عن معارك سلفة المرشد " حسن الهضيبي " فيقول:

أم كلثوم فى السجن"

عندما كنا فى السجن الحربى كانوا يوقفوننا صفوفا صفوفا نردد مع أم كلثوم " يا جمال يا مثال الوطنية " وكان يقف على سطح مبانى السجن الحربى جنود بأيديهم المدافع الرشاشة ليحصدونا حصدا, لدى اية بادرة من توقف أو عصيان ... وفى مرة من تلك المرات طلب ضابط من فضيلة المرشد الأستاذ الهضيبي أن يضرب الأرض بقدمه بشدة. وبمنتهى الاستهانة بتلك العقلية الطفولية قال له : سأضرب الأرض بشدة لأخرج بترولا لا بطيخا ولا شماما.. وكم كان من المستحيل وفى مثل ذلك الموقف الخطير أن يسيطر إنسان على أعصابه وأن يتحدث مستخفا بالعقلية التى أمامه, مستهينا بخطورة الموقف, ولكنه " حسن إسماعيل الهضيبي" وكفى!.. الأنفة والشمم والصمود والأستهانة بالأخطار والثقة الكاملة بالقوى العزيز الذى لا يقع فى ملكه إلا ما يشاء .

إن الإنسان فى دنياه بين يومين , يوم قدر ويوم فيه قدره.. ويوم لم يقدر فيه ذاك القدر .. فما الذى يخافه المسلم الصادق الإيمان .. يوم لا يقدر فيه قدر . لا يرهبه الإنسان لأنه فى كنف من قدر المقادير . ويوم قدر فيه قدر فأين منه المفر , حيث لا حذر ينجى من قدر.

ولما أفرج عن فضيلته فى أوائل عهد السادات جاءه كل من كان مختلفا معه فى الرأى معتذرا ومقدرا ومقدما بعض مؤلفاته وكان لقاء بينه وبينهم تأكدت فيه مكانة الأستاذ الهضيبي فكان يلقاهم باسما فرحا بعودتهم إلى الحق بعدما تبين لهم , ولم يشر إلى الماضى بكلمة.

وظل الأستاذ الهضيبي رغم حل الجماعة ظل رمزا مشرفا لها, وعنوانا هاديا إليها , يعترف كل الإخوان المسلمين بأنه مرشدهم يرجعون إليه فى الكبيرة والصغيرة من أورهم ... وكأنما هذه الجماعة لم تحل إلا على الورق .

ودون تحد لقوانين البلد , ودون تنظيم مشهر أو غير مشهر ظلت أمور الإخوان تسير وكأنما شيئا لم يتغير .. أن الصلة بالله والحب فيه واجتماع المسلم بالمسلم , وجلوسهم لقراءة القرآن .. ومدارسته وقراءة كتب السيرة والفقه والتفسير ومدارسة أحوال الوطن والمواطنين . أمر لا يحرمه القانون بل مرعاة الدستور وإن كان رجال الأمن يتصورون أنه الخطر كل الخطر .

وليس لهذا الخطر فى حقيقة الواقع وجود فى برامج الإخوان المسلمين وطالما قبضت أجهزة المباحث الأيام والأسابيع من الإخوان لشبهة أو لأخرى وبعد أن تحتجزهم الأيام والأسابيع فى ضيافتها , ويالها من ضيافة حارة ! تقدمهم للنيابة التى تأمر بالإفراج عنهم بمجرد عرضهم عليها والاطلاع على ما يسمونه تهما منسوبة إليهم .

إذ ترى النيابة أنه ليس فى ما تقدم إليها من تحقيقات شبهة تستلزم ابقاء هؤلاء الإخوان لحظة واحدة فى قبضة المباحث التى تبقيهم بعد قرار النيابة بالإفراج عنهم أياما وأسابيع تسعد فيها برؤياهم فى ضيافتها الكريمة.

جذور التكفير

ويواصل المرشد العام السابق للإخوان المسلمين حديثه عن سلفه قائلا : وعندما كنا فى المعتقلات وكان عذاب زبانية عبد الناصر على أشد صورة فى قسوته ووحشيته تصور بعض المعذبين أن ما وقع عليهم لا يمكن أن يصدر من مسلم فى قلبه ذرة من إيمان . ولكنه يصدر عن أعداء المسلمين وأفحشهم ضاروة على الإسلام .

وفى غمار هذا الهول الشنيع نبتت فكرة التكفير عند بعض الشباب . وراحت تصرفات رجال السجون والمباحث تنمى معنى لتكفير فى عقول ذلك الشباب الذى يبيت على تعذيب ويصحو على تعذيب. دونه ما رواه التاريخ لنا عن محاكم التفتيش.. ورسخت فكرة التكفير فى ذهن بعض الشباب . وآمنوا بها فى اقتناع عجيب .. واتسع نطاقها فى معتقل مزرعة ليمان طرة, حتى بلغت أخبارها فضيلة المرشد الأستاذ الهضيبي رضوان الله عليه .

إذا كان معتقلا هناك فاستدعى رؤساءهم وناقشاهم فى الفكرة . وكانت الجلسة تنتهى بما يشعر باقتناعهم بكلامه . وما أن يخرجوا من عنده حتى يعودوا لما كانوا عليه , حتى يئس من اقلاعهم عن تلك الفكرة فكتب كتابه " دعاة لا قضاة" مستعينا بابنه الأستاذ مأمون الهضيبي المستشار فى محكمة الاستئناف العالى , والأستاذ مصطفى مشهور .

وكان الحق ما رآه فضيلته لأن تكفير المسلم ليس بالأمر الهين فى العقيدة الإسلامية مهما بلغ لمسلم فى انحرافه أو قسوته , ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا المعنى أحاديث صحيحة لا حصر لها , منها يقول معاذ بن جبل كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" الله ورسوله أعلم . قال : إن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا . قلت : يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟؟ قال :" لا تبشرهم فيتكلوا".

ثم حدث ما حدث مما نسب إلى جماعة التكفير والهجرة , وعلمه العام والخاص . وإن كنت فى شك حتى اليوم فى حقيقة مقتل الشيخ الذهبى رحمه الله.

(د) فكر الشهيد عبد القادر عودة

كان الشهيد عبد القادر عودة وكيل جماعة الإخوان المسلمين كان قاضيا مشهودا له بالعلم والكفاءة – لقد راح الشهيد عبد القادر عودة ضحية تهمة ظالمة ألصقت بأبرياء شكلت لهم محكمة ظالمة قضى عليهم فيها بالإعدام وبالأشغال الشاقة المؤبدة وبالسجن وبالتعذيب .. هذه الجريمة ظهر أنها ملفقة ..

وأعدم عبد القادر عودة وصحبه... وظل هذا الظلم مستمرا لأنه لم يجد الاستشهاد ... ولم يجد البذل... ولم يجد التضحية ولا حياة الأمة إلا بالتضحية ولا حياة لمجتمع إلا بالاستشهاد. وظل هذا الظلم حتى جاءت ما سموها بمؤامرة الإخوان وصدر الحكم بإعدام ستة من الإخوان سنة 1965 ونفذ فى ثلاثة وأعفى عن ثلاثة وأعدم محمد يوسف هواش الذى كان كل تهمته أن الشهيد سيد قطب قال لأخته الفاضلة السيدة حميدة قطب:

إذا مت أو سجنت فاختاروا هواش بدلا عنى!: أعدم محمد يوسف هواش بهذه التهمة.. لماذا لأن فرعون مصر لم يجد أحدا يرده بعد عبد القادر عودة وزملائه الذى أعدم هو أيضا بتهمة ظالمة ملفقة . ودليل براءته افكاره المنتشرة بيننا فى مؤلفاته.

من التشريع الجنائى:

تعالوا نقرأ عن حقوق البغاة . قبل الثورة على الحاكم .. وبعد الثورة عليه ... إذا اشتعلت الثورة أو قامت الحرب الأهلية كما سطرها الشهيد فى كتابه التشريع الجنائى فى الإسلام:

" حقوق البغاة ومسئوليتهم قبل الثورة : للبغاة أن يدعو إلى ما يعتقدون بالطريق السلمى المشروع ولهم الحرية فى أن يقولوا ما يشاءون فى حدود نصوص الشريعة وللعادلين أن يردوا عليهم دعوتهم ويبينوا لهم فساد أرائهم فإذا خرج أحد من الفريقين فى قوله أو دعوته على النصوص الشرعية عوقب على جريمته باعتبارها جريمة عادية فإن كان قاذفا حد وإن كان سابا عزر وإن ارتكب أحد البغاة أية جريمة عوقب عليها باعتبارها جريمة عادية .

وللبغاة حق الاجتماع إذا تحيزوا أو اجتمعوا فى أى مكان معين فلا سلطان لأحد عليهم ما داموا لم يمتنعوا عن حق أو يخرجوا عن طاعة وهذه أيضا سنة على بن أبى طالب فى الخوارج فقد اعتزلت طائفة من الخوارج عليا عليه السلام بالنهر وأن فولى عليهم عاملا أقاموا على طاعته زمنا وهو لهم موادع إلى أن قتلوه فانفذ إليهم على : أن سلموا إلى قاتله فأبوا وقالوا كلنا قتلة فلما خرجوا عن الطاعة وجاهروا بالمعصية قاتلهم على .

ويشترط مالك والشافعى وأحمد أن يبدأ أهل البغى بالقتال حتى يقاتلوا أهل العدل وفى هذه الحال تستحل دماؤهم .

أما أبو حنيفة فيكتفى بتجمعهم وامتناعهم ويرى فى ذلك ما يكفى لقتالهم " كان على ولى الأمر إن يقصد من القتال ردع البغاة لا قتلهم وفناءهم وأن يقاتل من قبل منهم ويكف عمن أدبر وهرب وأن لا يجهز على جريحهم ولا أن يقتل أسيرهم أو من ألقى سلاحه منهم وإن لا يصادر أموالهم وأن لا يستولى على نساءهم وأولادهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " منعت دار الإسلام ما فيها "! فإذا انتهت حالة الحرب وانطفاـ الثورة وجب على ولى الأمر أن يرد على البغاة أموالهم التى فى يد أهل البغى فىثائرة الحرب من نفس ومال فهو هدر وما اتلفوه على أهل العدل فى غير ثائرة الحرب من نفس ومال فهو مضمون عليهم وهم مسئولون عنه".

" والجرائم التى يرتكبونها قبل الثورة والحرب أو بعدها يعاقبون عليها بعقوباتها العادية لأنها جرائم عادية.

ويعلق الأستاذ شوكت التونى على كلام الشهيد عبد القادر عودة وما فعله فرعون مصر بقوله:

مش يعذبوا إلى حد الموت .. ويضربوا بالرصاص داخل الزنازين ويموتون وهم يتلقون الرصاص! لقد فعل جمال عبد الناصر بالشعب المصرى مالم يفعله الانجليز وما لم يفعله الفرنسيون ! اقرأوا ما كتبه زملاء عبد الناصر . أقرأوا ما كتبه زميله عبد الطيف البغدادى عن عبد الناصر وكيف كانوا يخشونه كلهم... لأنه كان حاكما سبيله القتل بالسم والتعذيب.. والقتل غدرا وغيلة!

مظاهرة عابدين... هى السبب!

إن عبد القادر عودة لم يكن متأمرا.. ولم يكن خائنا ولكنه كان صريحا فى الحق لا يجامل فيه لقد أعدم الشهيد عبد القادر عودة لسببين .. أولهمكا : أنه فى مظاهرة مارس التى توجهت إلى قصر عابدين وكانت موازين الحكم قد اختلت وحين اوشكت العواصف أن تقصف بالعصابة الحاكمة فى ذلك الوقت واستطاع المتظاهرون أن يخترقوا القصر وارتعتد فرائص الذين كانوا فيه ليصعد إلى الشرفة ويصرف الجماهير التى كانت تطالب بدم جمال عبد الناصر ... وصعد الشهيد إلى الشرفة وتحدث إلى الجماهير وطلب منها الإنصراف فانصرفت و أنقذ بذلك رقبة جمال عبد الناصر ... وكانت هذه منة على عبد الناصر الذى لم يكن يطيق أن يكون لأحد عليه منة – وثانيها لقد كانت هذه المظاهرة واستجابة المتظاهرين لحديث الشهيد عبد القادر السبب الرئيسى فى إعدامه.

وقال الأستاذ مختار عبد العليم المحامى فى الندوة التى أقامتها نقابة المحامين – أن ألعيرة النارية التى أطلقت فى المنشية كانت من مقاسات مختلفة مما يدل ‘لى أن أكثر من مسدس استعمل فى الحادث ..

هذا بالإضافة إلى ما تفضل به الأستاذ شوكت التونى عن القميص الواقى وأنه أصيب.

لقد اختلفت حادثة المنشية على هذا النحو الأسيف .. وقدمت إلى المحكمة ... وهنا يأتى السؤال التالى...

كيف قتلعبد القادر عودة وإخوانه؟

وروى الأستاذ مختار بعض ما دار بين الشهيد عبد القادر عودة ورئيس المحكمة جمال سالم ... وكيف أن المحكمة تخرج عن تقاليد الحاكمات فالمعروف أن المتهم هو آخر من يتكلم ولكنه أام مرافعة الشهيد عبد القادر لم يستطع أن ينطق بالحكم فطلب جمال سالم من

ميديا:عبد الرحمن صالح

الذى كان يمثل الادعاء أن يرد على الشهيد عبد القادر.

- أن المتهم بعد القادر عودة اتعبنا أيما تعب فاسمحوا لى أن أتعبه!!

- وروى كيف نفذ الحكم فى الشهيد عبد القادر وأنه حمل حملا إلى المشنقة ودعا الله أن يجعل دعاءه لعنه على جمال عبد الناصر وعصابته."

- من هذه البيئة . ومن النبع استقى الشيخ صلاح بو إسماعيل فكان لمبادئ [الإسلام] ولشخص رسولنا الكريم أبلغ الأثر فى تكوينه ونشأته ولمواقف الشيخ [حسن البنا] والأستاذ الهضيبي والشهيد عبد القادر عودة دفعات تعينه على فهم مبادئ الإسلام بعمق وجراءة وتجعله متحركا مع دينه ديناميكية قدر الاستطاعة .

الفصل الثانى: أسباب دخوله مجلس الشعب

- أسباب دخوله مجلس الشعب أزمة الإنسانية

- ماذا يجرى فى عالمنا ؟

- ماذا يجرى اليوم ... وبعد ربع قرن من اليوم ؟

- إن السؤال واحد ... ومع ذلك فالإجابات متعددة.

إحدى الإجابات مثلا على لسان الرئيس الفرنسى ديستان, حينما قال :"... لقد بدأنا نعيش الآن فى دنيا غير سعيدة بل وتعيسة , أنها دنيا غير سعيدة , لأنها لا تعرف إلى أين هى ذاهبة .. ولأنها تخمن أنها لو قدر لها أن تعرف و فإنها سوف تكتشف أنها تتجه إلى كارثة .. أن هذه الدنيا غير السعيدة هى التى يجب أن يقودها السياسى الآن, إن الأزمة لعالمية الحالية مزدوجة, فهى ليست مجرد قلق عابر... ولكنها فى الحقيقة ترمز إلى تغيير دائم.

إجابة أخرى جاءت على لسان الكاتب والروائى والوزير الفرنسى الأسبق " أندرية مالرو" حينما قال :" .. أنن بدأت أفقد إيمانى فى أنه يوجد الآن عصر من النهضة .. لأننى أؤمن بأنه إذا استمرت الحضارة التى بدأت مع نابليون هى الآن فى أزمة , ما فى ذلك شك".

بلادنا تئن من أزمة اقتصادية حادة ... هذه حقيقة لا شك فيها .. وقد انعكس ذلك على حياة الناس فأصبحوا يعانون من متاعب وصعوبات فى حياتهم اليومية.

الحل عند الشيخ صلاح

ويقدم الشيخ صلاح الدليل تلو الآخر على صحة ما يقول وأول ما يذكره فى هذا الصدد أن كل الدراسات التى دارت حول الرخاء أغفلت أن الخلاق العليم من وراء الإنتاج فى كل مجالاته .. حقا على الإنسان أن يتعب ويكدح ويعمل ولكنه لا يملك تحقيق نتيجة عمله بل يتوقف ذلك على إرادة الله سبحانه وتعالى .. وأوضح ما يكون ذلك فى الزراعة .. فالفلاح يزرع ولكنه لا يضمن نتيجة مجهوده .. وصدق الله العظيم القائل فى كتابه الكريم :" أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظللتم تفكهون" سورة الواقعة.. فالله سبحانه وتعالى هو مسبغ كل نعمة ولا شك أن التزامنا بالدين سيؤدى إلى أن يطرح الله فى كل شئ الخير والبركة وهذا ما يؤكد القرآن الكريم حيث يقول :" ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " سورة الأعراف.

الحد من الفساد ... وزيادة الإنتاج:

دليل جديد يقدمه الشيخ صلاح يقول : لو التزم المجتمع بالدين فلا شك أن ذلك سيؤدى إلى الحد من الفساد .. وهذا المرض من أكبر ما نعانيه .. وفى الإسلام الدواء والعلاج .. فحينما تمتلئ القلوب بحسن الصلة بالله فلن تجد تاجرا محتكرا ولا صانعا ملفقا ولا بائعا غشاشا.. ولا صاحب عمارة جشعا وإنما سيكون هناك الحب الذى قال عنه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " أكثر من ذلك سيكون هناك البذل والتضحية والإيثار من أجل الآخرين .. فهذه من صفات المؤمنين :" يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".

وتشكو بلادنا من قلة الإنتاج ويؤكد الشيخ صلاح على أن الالتزام بالدين قادر على التغلب على هذه المشكلة الخطيرة .. فالمؤمن المتدين ينظر إلى عمله على أنه نوع من أنواع التعبد وقربى إلى الله وهو يحب أن يتقن ما يفعله تطبيقا للحديث الشريف " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".

الإسلام الذى نريده

وفى ظل الإسلام تنطلق الأموال لتعمل وتبنى فى مجالات التعمير المختلفة فتحل كثيرا من الأزمات مقل أزمة الإسكان .

ويقول الشيخ صلاح أبو إسماعيل " أننى أطالب بالإسلام كروح سارية فى المجتمع تصنع العقيدة فى القلب .. وسديد القول على اللسان .. ومناهج التفكير القويم فى العقل .. وبناء العلاقات بين الناس على نحو ينشد رضوان الله.. وتصنع الحوافز . الحقيقية فى الأعماق على أداء الواجبات فى كل موقع.

اقتراح الدكتور إسماعيل معتوق :

ويروى فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل عن أسباب دخوله مجلس الشعب قائلا:

منذ شرفنى ربى بالنظر فى كتابه الكريم وفى سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأنا على يقين من أن الإسلام دين ودولة عقيدة وشريعة نية وعمل فيه عز الدنيا ونعيم الآخرة فيه أمثل الحلول لا عقد المشكلات فضلا عما سواها بدءا من المشكلة لاقتصادية إلى المشكلات الاجتماعية إلى القضايا السياسية إلى النظم العسكرية إلى الفرد فى كل موقع من مواقع الحياة .

ولذلك شغلت نفسى بالدعوة الإسلامية موقنا أنها شرف للعقل المفكر فيها وللسان الداعى إليها أحرص من وراء هذا الدور على عز الدنيا ونعيم الآخرة لنفسى وللمسلمين وسائر المواطنين فى مصر وفى العالم كله.

جربت المساجد ومازالت أعلو منابرها ورأيتها فريضة اسلامية تعبئ المشاعر وتصنع الرأى العام وتزيح عن حقائق الإسلام غبار الغفلات ولكنها فى النهاية لا تصنع القانون فى المجتمع الديمقراطى .

وجربت المقالات والندوات والمحاضرات إلى أن التقيت يوما بالمرحوم الأستاذ الدكتور إسماعيل معتوق وكان من رواد المسجد الذى أخطب فيه فى الدقى فتساءل قائلا إلى متى ستظل تدعو إلى تطبيق الشريعة الاسلامية ونظل نحن مستمعين .

فقلت له ماذا عسى أن أفعل أكثر ن ذلك.. فقال اكتب لى مشروع قانون لتطبيق الشريعة الإسلامية وأنا بدورى وباعتبارى عضوا بمجلس الشعب أقدم مشروع القانون الإسلامى وتولى أخوة أكرمون صنع هذا المشروع على رأسهم الأخ / العزيز الأستاذ/ الحمزة دعبس المحامى ووكيل حزب الأحرار حاليا ورئيس مجلس إدارة جريدة النور وتولى الدكتور إسماعيل معتوق تقديم مشروع القانون و أخذ المشروع طريقه فى تعثر وبطء شديد وغذا الدكتور إسماعيل معتوق يقول لى أن تطبيق الشريعة الإسلامية قضية لابد لها من محام متخصص يعرف كيف يعرضها وينادى بها ويقنع الآخرين ويذود عنها ويصول فى مجالاتها ويجول واقترح على أرشح نفسى لعضوية مجلس الشعب.

وقد نظر الشيخ صلاح إسماعيل فيما يحدث من حوله وما يتبدد من جهد وما يتعرض له من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية .

إن الحكومة وممثلها والجماهير ينظرون إليه على أنه محرك للمقاومة مثير للفتنة.

الوعى السياسى

إن " محرك " المقاومة وعرقها النابض ليست الجماهير الخطباء وإنما هو الفرد الذى يتذوق السياسة ويفقهها فلا تخدعه حيل السلطان فيقف له بالمرصاد .

إن الذى يقف للسلطة العامة بالمرصاد ليس ثائرا ولا مثيرا للفتنة وإنما هو على عكس ذلك يمثل روح النظام والإستقرار , وأنه يقدس القوانين والأوامر ولو كانت قاسية قيقبل أن يقرع بالعصا أن هى اقتضت ذلك , ولكنه إن لم يك ثورية فإنه حريص بمحض فهو لا يقبل أن يقرع بتلك العصا قبل أن يتحقق من أية شجرة قطعت , أنه حريص على احترام القوانين والأوامر بصرف النظر عن درجة قسوتها أو شدتها ولكنه أشد حرصا على تبين مصدرها والتأكد من شرعية السلطة التى أصدرتها وسندها فى الإصدار.

وهو إذ يحرص على ذلك لا يهدف إلى شق عصا الطاعة , وإنما هو لا يتطلب منه أن يجوب الطرقات متظاهرا ضد السلطة العامة فهذا التفكير والتبصير والوعى السياسى .

إن الأمر بالنسبة لمواطننا هذه من شأن غيره , لأن الذى يتظاهر ضد هذه السلطة كثيرا ما يتظاهر هو بعينه لسحابها وإنما يكفى المواطن المفكر المتبصر ذا الوعى السياسى الناضج أن يظهر أنه ليس بالبسيط الذى يخدع ولا بالمتساهل الذى يرضى بالأمر الواقع فيسلك بذلك مسلكا مناقضا لمسلك المواطن المتقاعد أو ميت الوعى الذى يرضى بكل نظام قائم يهونه على نفسه مهما كان جائرا با ويتكلف التبسم له أن طلب غليه ذلك.

إن تحكيم العقل والتمحيص والحكم الحر السديد هى من أهم مقومات الوعى السياسى لدى المواطن , وهى كذلك بالنسبة لمقاومة الحكومات الجائرة .

أنها هى التى تتولد عنها فكرة المقاومة , وهى التى تخرج هذه الفكرة إلى حيز الوجود , ثم تظل تلازمها وجودا وعدما , فتتوقف درجة نجاحها على درجة قوة هذه المقومات , وثمة نتيجة لذلك هى أن خصم السلطة الجائرة اللدود والمتمرد الحقيقى عليها ليس هو الذى يقيم المتاريس فى الطرقات ويرفع صوته بالهتافات العدائية ., وإنما هو ذلك الذى يستطيع أن يحكم على أعمالها دون تردد ولو أذاها , إن إزالة المتاريس أمر ميسور والقضاء على الهياج لا يكلف الحكومة الطاغية الكثير , بل وكثيرا ما تقوم على انقاض المتاريس وأشلاء الثوار سلطة أشد جورا وأكبر عدوانا .

ولكن حكما حرا لا تستطيع أن تقضى عليه القوة يظل صداه مدويا فى الأذان لا سلطان للطاغية عليه , أنه يظل قائما لا يتزحزح ولا يضعف حتى يزول سببه , وهكذا لا ترى فى مقاومة الحكومات الجائرة مجرد حركة جماهير وإنما هى أولا وقبل كل شئ ضرب من ضروب سلوك المواطن اليقظ ذى الوعى السياسى الناضج الذى لا ينظر إلى السلطة العامة على أنها شئ مقدس فى ميدانه , محرم على فكرة فلا يجوز له أن يخوض فيه , وإنما يرى فيها سلطة بشرية معرضة للزلل والخطأ ومن ثم يجوز الحكم على أعمالها دون تحرج ما .

وقد بدأ الشيخ صلاح أبو إسماعيل يفكر وينظر غلى الأمور بحسه الواعى.

ما هو دور الدعوة فى التغيير؟ما هى نتيجة المقالات والخطب فى التغيير من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية ؟

وعلى اقتراح الدكتور إسماعيل معتوق بدأ الشيخ صلاح أبو إسماعيل يتساءل ما هو قدر ومقدار دور مجلس الشعب فى التغيير؟

ما هو قدر ومقدار دور مجلس الشعب فى التغيير؟

التعريف بمجلس الشعب ووظائفه واختصاصاته

مجلس الشعب هو إحدى السلطات العامة فى الدولة ويعبر عنه بالسلطة التشريعية باعتبار أنه الجهة التى تختص بوضع التشريعات وقد أناط الدستور بمجلس الشعب – بالإضافة إلى هذا الاختصاص التشريعى – مهمة أقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموزانة العامة للدولة وذلك إلى جانب ممارسته للرقابة على أعمال السلطة التنفيذية على الوجه المبين بالدستور.

هذا وإلى جانب هذه الاختصاصات التى أوردتها المادة 86 من الدستور يمارس المجلس اختصاصات أخرى أهمها وأخطرها شأنا تعديل الدستور وترشيح رئيس الجمهورية وكذلك إقرار المعاهدات والموافقة على عقد القروض , وهى اختصاصات تناولتها نصوص متفرقة من الدستور .

وقد عرفت اللائحة الداخلية فى مادتها الأولى مجلس الشعب بأنه السلطة التشريعية , ويتولى الرقابة على أعمال الحكومة وذلك على مجلس الشعب أن للمجلس وظيفتين أساسيتين:

ويتبين من نصوص الدستور والمادة الأولى من اللائحة الداخلية الوجه المبين فى الدستور وفقا لأحكام هذه اللائحة.

الوظيفة الأولى: التشريع

أنه ولئن كانت المادة 86 من الدستور قد نصت على أن السلطة التشريعية يتولاها مجلس الشعب إلا أن اللائحة الداخلية قد فصلت طريقة ممارسة المجلس لهذا الحق الدستورى , فالقانون لا يكون نافذا ومنتجا لآثاره إلا بعد أن يقره مجلس الشعب ويصدره رئيس الجمهورية ويلى ذلك نشره فى الجريدة الرسمية حتى يعلم به الكافة ,ومع ذلك فإن لرئيس الجمهورية الحق فى إصدار قرارات لها قوة القانون وذلك فى الحالات الآتية :

الحالة الأولى:

وقد حدثتها المادة 74 من الدستور إذ نصت على أن " لرئيس الجمهورية " إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة أوطن ويعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستورى أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر , ويوجه بيانا إلى الشعب , ويجرى الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوما من اتخاذها"

واستنادا إلى هذا النص أصدر السيد رئيس الجمهورية القرار قم 2 لسنة 1977 فى أعقاب أحداث 18 و 19 يناير 1977.

الحالة الثانية:

وهى حالة التفويض التشريعى المنصوص عليها فى المادة 108 من الدستور , وهى أن يفوض مجلس الشعب رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون ويلزم – طبقا لنص المادة 108 – سالفة الذكر – بالنسبة إلى هذه القرارات بقوانين توافر ما يلى:

1- تحيد الموضوع أو الموضوعات التى يجوز التشريع فى شأنها والأسس التى تقوم عليها.

2- تحديد المدة التى يفوض فيها الرئيس فى إصدار قرارات لها قوة القانون خلالها.

3- ضرورة عرض القوانين التى تصدر – استنادا إلى هذا التفويض – على المجلس فى أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض , فإذا لم تعرض أو عرضت ولم يوافق المجلس عليها زال ما كان لها فى قوة القانون.

الحالة الثالثة:

حالة غيبة المجلس , ونصت عليها المادة 147 من الدستور حيث أجازت لرئيس الجمهورية إذا حدث فى غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير , أن يصدر قرارات لها قوة القانون , وقد جاء هذا النص لمواجهة بعض الظروف التى تستوجب المعالجة السريعة عن طريق إصدار قرارات كون لها قوة القانون , وسلطة رئيس الجمهورية هنا سلطة تقديرية , فهو الذى يقدر مدى ملاءمة الحالة التى تستوجب إصدار التشريع, هذا وقد اشترط الدستور فى المادة (147) عرض هذه القرارات بقوانين على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوما ن تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما وعرضها فى أول اجتماع له فى حالة الحل او وقف جلساته.

وبالنظر إلى أن المادة ( 147) من الدستور تنص على أنه " إذا حدث فى غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جار لرئيس الجمهورية أن يصدر فى شأنها قرارات , ورغم أن هذه المادة تعطى لرئيس الجمهورية الحق فى إصدار قرارات تكون لها قوة القانون فى غيبة مجلس الشعب إلا أنها قد أوجبت عرض هذه القرارات بقوانين على المجلس خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما وتعرض فى أول اجتماع له فى حالة الحل أو وقف جلسات المجلس و فإذا لم تعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك. وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر.

فإن هذا النص الدستورى يبرر – من وجهة نظرنا – بصورة قاطعة أن القانون لا يستمد قوته إلا إذا أقره مجلس الشعب وأنه حتى بالنسبة للقرارات بقوانين التى يصدرها رئيس الجمهورية أ‘مالا لحكم المادة 147 من الدستور , فقد أوجب الدستور عرضها على المجلس وأنه لمجلس الشعب أن يقرها أو لا يقرها بمعنى أن مجلس الشعب يملك تعديل القرارات بقوانين.

الوظيفة الثانية: الرقابة على أعمال الحكومة

ورقابة مجلس الشعب على أعمال الحكومة هى وظيفة سياسية بالدرجة الأولى تجعل لمجلس الشعب حق محاسبة السلطة التنفيذية عما تباشره من صلاحياتها , وتعتقد أن أساس هذا الحق ما قررته المادة الثالثة من الدستور التى نصت على أن " السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات , ويمارس الشعب هذه السيداة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين فى الدستور ".

فطالما أن الشعب هو مصدر السلطات فإن مجلس الشعب – من وجهة النظر السائدة – هو النائب عن الشعب ومن هنا فقد أناط به الدستور الرقابة على أعمال الحكومة تأسيسا على أن كل السلطات للشعب , وتتمثل رقابة المجلس على أعمال السلطة التنفيذية فى الأسئلة والاستجوابات التى توجه إلى الوزارة بالإضافة إلى طلبات الإحاطة وطلبات المناقشة وما إلى ذلك.

وخلاصة ما تقدم أن مجلس الشعب يقوم بوظيفتين أساسيتين هما : الرقابة والتشريع أعمالا لأحكام الدستور و وأن اللائحة الداخلية للمجلس قد نصت فى مادتها الأولى على ماتين الوظيفتين وهذا هو ما أوضحته أيضا أحكام اللوائح الداخلية لمجلس الأمة باسمه السابق ولمجلس الشعب باسمه الحالى.

حدث أن رأت اللجنة التى شكلها مجلس الشعب فى حلسته الافتتاحية المعقودة بتاريخ 23 يونية سنة 1979 لاعداد مشروع اللائحة الداخلية للمجلس , أن تعدل فى صياغة المادة الولى فى مشروع اللائحة بأن وضعت نصا يقضى بأ، " يمارس مجلس الشعب سلطاته واختصاصاته المبينة فى الدستور والقانون طبقا لأحكام هذه اللائحة" وعند عرض هذه المادة على المجلس بجلسته بتاريخ 15 أكتوبر سنة 1979 اعترض العضو حسن حافظ على هذا النص على أساس" أن المادة الأولى من اللائحة الداخلية المعمول بها , تنص على أن " مجلس الشعب هو السلطة التشريعية ويتولى الرقابة على أعمال الحكومة وذلك على الوجه المبين فى الدستور , ووفقا لأحكام هذه اللائحة " واستطرد العضو قائلا " ووفقا لهذا النص فإن للمجلس وظيفتين أساسيتين":

الوظيفة الأولى هى التشريع , والوظيفة الثانية هى الرقابة على أعمال الحكومة ووأنى أتساءل عن السبب فى عدم النص على ذلك فى أحكام مشروع اللائحة الداخلية المعروض ؟.. ولذلك فإنى أقترح إلغاء النص الوارد بالمادة (1) من المشروع كلية , والإبقاء على النص الحالى كما هو" وقد وافق المجلس على هذا الاقتراح الذى وجد قبولا من مقرر(كان مقرر المشروع هو العضو محمد عبد الحميد رضوان وكيل مجلس الشعب ورئيس لجنة إعداد مشروع اللائحة الداخلي, الفصل التشريعى الثالث , ودورالانعقاد العادى الأول). المشروع حيث قال " لا مانع لدينا من الأخذ باقتراح الزميل حسن حافظ ".

وهذه السابقة تشير إلى أن المجلس قد وافق بأغلبية آراء أعضائه أن يستمر النص فى لائحته على وظائفه واختصاصاته المتمثلة فى التشريع والرقاية باعتبار أن هذه اللائحة لها من الاحترام والتقدير نفس ما للدستور من هيبة وتقديس فى نفس أعضاء مجلس الشعب وإن جاز التعبير بأن اللائحة الداخلية للمجلس هى دستور أعضائه فى مباشرتهم لمهام العضوية.

وسلطتا التشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية المقررة لمجلس الشعب كفلتهما الدساتير على اختلاف فى النصوص.

فالمادة 86 من الدستور تنص على أن " يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ويقر السياسة العامة للدولة , والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة , كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية , وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور .(المادة 86 من الدستور مقابل المواد 47, 48 من دستور الجمهورية العربية المتحدة سنة 1964 نصوص المواد 65, 66 من دستور الجمهورية العربية سنة 1956)

وإلى جانب وظيفتى التشريع والرقابة يمارس المجلس الاختصاصات الآتية:

1- ترشيح رئيس الجمهورية.

2- اقرار السياسة العامة للدولة.

3- إقرار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

4- إقرار الموازنة العامة للدولة.

5- إقرار المعاهدات.

6- إقرار الحساب الختامى للدولة.

7- الموافقة على عقد القروض.

عوائق أمام الدعاة

وبعد رؤية الشيخ صلاح أبو اسماعيل لقيمة السلطة التشريعية الممثلة فى مجلس الشعب حاول استعادة مواقف أحد الصالحين ليقوى موقفه فوجد فى سيرة الإمام حسن البنا ما يدفعه لهذا العمل فقد رشح الإمام حسن البنا نفسه مرتين فى الاسماعيلية.

وقد شجع هذا الترشيح أيضا وجود مضايقات من جهات الأمن له تحول بينه وبين كثير من أمور الدعوة. والمادة 201 من قانون العقوبات تنص على أنه لا يجوز لأحد ولو كان من رجال الدين أن يقول ولو كلمة تتعارض مع النظام القائم وإلا فالحبس والغرامة لا تقل عن 500 جنيه.

وقد أوضح بعض صور المضايقات الأمنية للدعاة فى شخصه قائلا : أنا كنت أخطب وتستجوبنى المباحث عن كل كلمة ولا يشفع لى أننى أؤدى هذه المهمة كداعية متطوع من علماء الأزهر مؤهل للدعوة – نعم كنت أخطب الجمعة على مدى عشرين عاما متطوعا فى ميدان الدقى – نعم كنت أخطب الجمعة على مدى عشرين عاما متطوعا فى ميدان الدقى .. وما من جمعة إلا قضيت بعدها فى مباحث أمن الدولة بالدقى ساعات طويلة أحاسب حساب الملكين على ما قلت مع الفرق الكبير فإن الملكين يحاسبان على مخالفة الإسلام المباحث تحاسبنى على مخالفة سياسة الحكومة وأن اعتصمت بالإسلام واستمر الحال على ذلك إلى أن صرت عضوا فى مجلس الشعب فنقلت صلاة الجمعة إلى قرى دائرتى " المنصورية " مركز إمبابة محافظة الجيزة ... ثم استدعيت وأنا نائب سنة 76, 77 فرفضت أن أجيب بحجة أن وضعى الدستورى يعطينى حق مساءلة رئيس الوزراء فضلا عن وزير الداخلية , فكيف تستدعينى أجهزة الأمن وهى دون ذلك .. فصمتت أساليب الاستدعاء إلى أن كان فى أوائل هذا العام أو أواخر العام السابق لا أذكر , ألقيت خطبة عن " البار والجزار" ... وقصتها باختصار أننى وجدت المباحث تمشك بتلابيب جزار باع كيلو من اللحم مساء الأربعاء فحاولت أن اصرفه عنه فلم أفلح , وكان بجواره بار فسألت رجال المباحث : كم يوم يحرم بيع اللحمة فى الأسبوع فقالوا : أربعة أيام . ( الأحد والاثنين, والثلاثاء , والأربعاء). قلت : وكم يوما يحرم بيع الخمر فى الأسبوع ؟ قالوا: ولا يوم .

قلت لهم : ومن حرم بيع اللحوم أربعة أيام كل أسبوع ؟...؟ قالوا : وزير التموين.

قلت لهم : كيف أنتم إذا سألكم ربكم وقد أهدرتم أمره ونهيه بينما تحركتم لتنفيذ قرار عبد من عباده ..؟!!

وتناولت ذلك فى خطبة الجمعة التالية لهذا الحادث , فإذا باستدعاء جديد رفضته رفضا قاسيا , ورفضته رفضا كاملا.. فهل سأظل بمأمن أن زالت عنى هذه الحصانة البرلمانية ؟ أن ذلك غيب لا أعلمه.

الدعاة و السياسة

ويعرض الشيخ صلاح ابو إسماعيل لجانب خطير يخص علماء الإسلام فى العمل السياسى فيقول رحمه الدعاية الشيطانية التى حملها بعض أذناب الغرب فى هذا الصدد تحاول عزلهم فى ميدان الحكم ليخلو الجو للجهلة الكبار الذين لا يعرفون من غاية للسياسة إلا ترديد ما قرأوه وما سمعوه من أفكار التلموديين والصليبين, وما يتلى عليهم من وراء الستار , مع الغفلة المطبقة عن حقائق الإسلام.

والشيخ عندما يتحدث عن السياسة فحديث المجرب الذى اكتوى بنارها وعارك تقلباتها واكشف الخبئ من ألاعيبها , وبخاصة فى ظل ذلك الكابوس المليئ بالتناقضات . فالمفكر الذى سبق أن وثق بتلك المبادئ سرعان ما يعتريه التزق النفسى عند ما تفاجئه أجهزة الدولة بالحساب العسير على التزامه إياها وبذلك يدرك الحقيقة وهى أنه يعيش فى وجود مزيف لا صلة بين مقدماته وعواقبه , فينتهى إلى أحد الأمرين .. أما أن يتعامل مع الشعارات الجميلة على حذر فينال نصيبه الحتم من البلاء وأما أن يكون تعامله مع الواقع القبيح على علاته فيتخلى عن مقتضيات إيمانه , وأحلى الأمرين مر...

وقد كان فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل معارك واقتراحات واستجوابات ونشاط سواء تشريعى أو رقابى مضمونه تطبيق الشريعة الإسلامية .

ويقول رحمه الله عن هذا النشاط البرلمانى ودوره كعالم من علماء المسلمين ما يلى : اشتغال العلماء بالدعوة لابد منه لتوعية الجماهير, ولكن أثره لا يمتد إلى صنع القوانين, التى نرجو لها أن تكون قوالب للشريعة الإسلامية , وهذه القوانين لا تصنع إلا فى صميم السلطة التشريعية, وقد لا يرى معظم الناس ارتباط الرخاء بالإيمان وارتباط النعيم الأخروى بالإيمان و بل هناك من لا يرى ارتباط الإسلام بالحياة , ولذلك كان اعتقادى راسخا أن على علماء الإسلام أن يقتحموا هذا الميدان .. أما كيف وجدت هذه التجرية , فإنى أسوق ما يأتى على سبيل المثال :

(أ‌) خضت المعركة الإنتخابية فى المرتين الأولى والثانية سنة 1976, 1979 تحت شعار " أعطنى صوتك لنصلح الدنيا بالدين" وقلت لجماهير الناخبين : لو أن شيوخ الإسلام بعثوا من قبورهم وانضموا إلى المعاصرين , وملأوا الدنيا خطابة ومناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية , م ساتطاعوا غير تعبئة الرأى العام , وللرأى العام قوته وأثره, ولكن لا سبيل إلى تغيير القوانين الوضعية لتكون شرعية إلا عن طريق مجلس الشعب , الذى له وحده سلطة التشريع واستجاب الناخبون بما يشبه الإجماع المنقطع النظير وبحماسة متدفقة على الرغم من موقف السلطات التى كانت تستهدف اسقاطى فى الانتخابات بتخطيط ظالم.

(ب‌) ودخلت مجلس الشعب وقلت :" هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر " وكنت أتصوره المجتمع المسلم بعد أن نص دستوره على قداسة الإسلام , وأعترف أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع فى مصر , فيكفى أن أتقدم بمشروعات القوانين الاسلامية , وأدعو المجلس إلى الموافقة عليها .. فتقدمت بمشروعات قوانين تغطى النواحى الجنائية والمدينة والاجتماعية والاقتصادية وإجراءات التقاضى , وأحيلت إلى اللجان المختصة ألقيت بين يديها كلمات , قابلها المجلس بالاستحسان البالغ , وكان قد حدد لكل كلمة زمن لا تتعداه, ولكن المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب أعلن أن وقت الكلام قد انتهى و ففوجئ المجلس بهذا التنبيه , قرر الأعضاء بالإجماع منحى الوقت اللازم استثناء من القاعدة فكان هذا قرار مجلس وهو ثابت فى المضابط , واستبشرت خيرا, وقلت هذه فاتحة تبشر بتحقيق الأمل , جمعت بعدها ثلاثمائة وأربعين توقيعا من أعضاء المجلس البالغ " 360) وكان هؤلاء لعشرون بين غائب ومسيحى وأن كنت قد بينت فى كلمتى أنه لا ضمان لحقوق غير المسلمين إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا صحيحا.

فماذا جرى بعد هذه المقدمات الرائعة؟

(جـ) لعبت الثورة فى مصر بأجهزتها المختلفة دورا خطيرا جعل إرادة الأعضاء تابعة لإرادة القيادة الحزبية , ولو فى هذه الأمور التى ترتبط بالإسلام وسرعان ما تراجع هؤلاء الأعضاء عن التأييد باسم الالتزام الحزبى متناسين ما يجب من الالتزام الدينى ومع ذلك لم أيأس ومضيت فى محاولاتى حتى قرر ما يقرب من ثلاثمائة عضو القيام بعمرة وزيارة فى طريق عودتهم من الخرطوم للقاهرة فى يناير 1979, بعد انتهاء أعمال المؤتمر المشترك لمجلس الشعب المصرى والسودانى , فانتهزت الفرصة وبايعتهم هناك وبايعونى فى الحرمين الشريفين, على أن تكون أصواتهم لشرع الله , لا يغلبهم على ذلك انتماء حزبى ... وتمت البيعة قاطعة واضحة وفما كان من الرئيس أنور السادات , بعد أن ظفر بموافقة هذا المجلس باستثناء خمسة عشر عضوا – كنت أحدهم – على اتفاقيتى كامب ديفيد, ما كان منه إلا أن أصدر قرارا بحل مجلس الشعب بعد استفتاء ملفق , واسقط معظم هؤلاء الذين تعاهدنا معهم فى الحرمين الشريفين.

(د) :لجأت إلى سياسة الإستجواب , وهو اتهام لابد فيه من حشد الأذلة الدامغة لالجام الخصم وتعرية موقفه أمام الرأى العام وكان استجوابى لرئيس الوزراء عن تصريح السادات بألا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة, وقد جشدت فى هذا الاستجواب البيانات القاطعة على كمال السياسة الإسلامية وتفوقها على كل نظام فى تأمين العدالة والوحدة والأمن لأصناف البشر على اختلاف معتقداتهم وبلغت صفحاته العشرين , قدمته إلى رئيس مجلس الشعب ليدرجه فى أعمال أقرب جلسة , غير أنه جبن عن مجرد تقديمه, فذهبت به إلى القصر الجمهورى حيث قدمته بنفسى إلى الدكتور زكريا البرى – وزير الأوقاف آنذاك – ليبلغه إلى رئيس الجمهورية , وضمنته كذلك التنديد بقول السادات : أن قدوته مصطفى كمال أتاتروك ... ثم كان من تصادم مع الحزب الوطني والغالبية المؤيدة للحكومة بالحق والباطل.

وهناك استجواب آخر وجهته إلى جمال الناظر وزير السياحة والطيران المدنى عن تقريره الخمر فى المدرسة الفندقية التابعة لوزارته فى بلد دينه الرسمى الإسلام , والشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.

وكان لى استجواب كذلك ضد عربدة الاعلام , ومن قبل كان لى استجواب ضد الأستاذ عبد المنعم الصاوى وزير الاعلام عن تصريحه فى أمريكا بأن الشريعة الاسلامية لن تطبق فى مصر.

وكان ى استجواب موجه إلى الدكتور عبد المنعم النمر عن طريق كوزير للأوقاف فى استرداد نحو ثلاثة وسبعين ألف فدان , كانت البقية الباقية من أراضى الأوقاف المغتصبة من الأزهر والمساجد عام 1961 إبان التحول الاشتراكى , وقد قضى فيها القضاء بحكم نهائى وبات بردها لوزارة الأوقاف سنة 1973, وفرط وزراء الأوقاف المتعاقبون فى المطالبة بتنفيذ هذا الحكم .

وكان لى استجواب موجة إلى وزير العدل حين خالف المفتى الشيخ جاد الحق على جاد الحق آنذاك قرار مجمع البحوث الإسلامية , الذى يقضى بأن ثبوت هلال رمضان فى بلد يوجب على جميع البلاد الإسلامية المشتركة مع بلد الرؤية فى جزء ولو يسيرا من الليل أن تصوم وقد ثبت الهلال عاما من الأعوام فى العراق والكويت واليمن فلم يعتمد المفتى هذا الثبوت.

وكذلك شهدت قبة مجلس الشعب معاركى ضد قانون السادات للأحوال الشخصية , وهى معارك خضتها ضد الثلاثة الكبار محمد عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر السابق, وجاد الحق على جاد الحق مفتى مصر السابق, وعبد المنعم النمر وزير الأوقاف سنة 1979 .. هذه الاستجوابات وغيرها من المواقف البرلمانية , كانت تحتاج إلى مستمعين يقدسون الإسلام , وإلى أعضاء يعرفون للقرآن حرمته وللسنة حجتها , ولا يغلبهم على انتمائهم للإسلام انتماؤهم الحزبى .. ولكنى لم أجد فى مجلس الشعب إلا أعضاء يأتمرون بمر الحكومة ولا يأتمرون بأوامر الله , ومن هنا أقرر أنه يجب على العلماء أن يرشحوا أنفسهم لعضوية مجلس الشعب باعتبار أن الهيئة التشريعية هى المجال الدستورى الوحيد لتغيير القوانين , وإصلاح السلطة القضائية والتنفيذية , والحكم بما أنزل الله.

ولابد أن أشير إلى أن سلطة الرقابة التى وضعها الدستور فى يد عضو مجلس الشعب كفيلة باصلاح الأداة الحاكمة , لو كانت هذه السلطة فى يد عضو صالح , ولا أنسى أن استجوابى للأستاذ عبد المنعم الصاوى بسبب قولته فى أمريكا ." لن تطبق الشريعة الإسلامية فى مصر " كان سببا فى إخراجه من الوزارة اتقاء المخرج البالغ كانت ستعرض له الدولة لو نظر هذا الاستجواب , ومما هو جدير بالذكر أن الاستجواب يسقط إذا أخرج من الحكم الوزير المستجوب , كذلك المرحوم المستشار أحمد سميح – الذى كان وزير للعدل , أنذرته فى يناير 1977 , بأنه إذا لم يقدم ما عند وزارة العدل من تشريعات اسلامية خلال خمسة أشهر فإنى سأستجوبه فلما استجوبته, أجرى تعديل وزارى لم يخرج بمقتضاه من الوزارة سوى وزير العدل ليسقط الاستجواب , وقد لقينى رحمه الله وأخبرنى بالخلفيات التى وراء خروجه من الوزارة وهى تدل على اتجاهات غير اسلامية .

وقد وجد الشيخ صلاح أبو إسماعيل التضييق قد بلغ اقصاه عندما وجه ثلاث استجوابات اجهضوا جميعا فى يوم واحد, فقدم استقالته على أثر هذا التصرف مع أعضاء المجلس وكان هذا فى أبريل سنة 1981. ولكن لإلحاح أعضاء المجلس الذين توافدوا على منزله وتذكيرهم له بأن السبيل لتطبيق الشريعة الإسلامية لن يكون إلا عن طريق مجلس الشعب.

نـداء:

عاد الشيخ إلى المجلس مرة أخرى ولكن قضية الشريعة هى شغله الشاغل فى كل مناسبة وكل موقف لدرجة أنه امتنع عن التصويت عندما طلب الأعضاء إسقاط العضوية عن نائب رشيد المحكوم عليه بالإعدام فى قضية مخدرات , فنشر رسالة إلى مايو بتاريخ 19/4/82.

كان محتواها مقارنة بين حكم المخدرات والخمر فى الشريعة والقانون الوضعى وكان ختام هذه الرسالة هذه الكلمات الآتية:-

" لقد أحاطت بنا المشكلات من كل جانب لإعراضنا عن ربنا والله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فهل أن لمجلس الشعب ن يستوحى الإسلام فيما يصدره من تشريعات ؟ وما يؤخذه من مواقف ؟ وإلى متى يستبيح أعضاء مجلس الشعب لأنفسهم أن يتوقف تنفيذ حكم الله على مواقفهم . بل وإلى متى تستبيح السلطات فى مصر أن يتوقف على تنفيذ حكم الله على موافقة عباد الله؟ وهبهم حبسوا موافقتهم على تنفيذ أحكام الله فتعطلت شريعة الخالق لأن المخلوق ركب رأسه واتبع هواه وكان أمره فرطا فهجر القرآن ونحى بالإسلام ألا يكون ذلك قلبا للأوضاع ونسفا للمنطق فى مفهوم قوم نصوا فى دستورهم على تقديس الإسلام وأقسموا على احترام الدستور متى يصير الحلال حلالا فى مصر ؟ ومتى يصير الحرام شرعا حراما فى مصر ؟ وإلى متى يقول المشرعون فى مصر بالرأى الشخصى فيما قطع فيه النص الشرعى . أيها القارئ الكريم لهذا امتنعت عن التصويت تفجيرا لهذه القضايا أن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".

قد حرص فضيلة الشيخ صلاح أبو اسماعيل على بيان حقيقة الرسالة التى كانت فى دخوله مجلس الشعب وهى تطبيق الشريعة الإسلامية وكان يتحين الفرص المختلفة ليربط بينها وبين الشريعة وتطبيقها والعوائق التى تواجه تطبيق الشريعة .

فقد سجلت جلسة الأحد المسائية يوم 25 من شوال سنة 1407 هـ الموافق 31 من يونيه سنة 1978 عند مناقشة تقرير الرد على خلافا بين الشيخ صلاح ووزير الداخلية حينذاك اللواء زكى بدر ما نصه:

الديمقراطية و الإسلام

الديمقراطية التى تعرض لها السيد رئيس الحكومة اقترحت على لجنة الرد الموقرة أن توضع لها ضوابط وقدمت ورقة مكتوبة إلى السيد المستشار رئيس اللجنة وقلت له اقترح على ديمقراطيتنا أن تكون فى كتاب الله أو نصا فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأننا زى القوانين الوضعية – التى أقرت باسم الديمقراطية – كثرا ما تحل الحرام وتحرم الحلال , وتكسب بذلك شرعية قانونية تقف دونها السلطة التنفيذية لتفرضها فرضا على رغم الكتاب والسنة فالتفت السيد المستشار الأستاذ الكبير أحمد موسى إلى أستاذنا الدكتور عبد المنعم النمر وقال له تعقيب على هذا الكلام فقال : لا قوانين تهدر الدماء والأعراض :

وأقرت اللجنة الملحوظة ولكننى رأيت تقرير الرد على بيان جاء خلوا مما أقرته اللجنة من ضرورة أن توضع الضوابط للديمقراطية حتى لا تصادم أية فى كتاب الله أو حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم , واسمحوا لى أيها الإخوة وأنا أتذكر قول ربى سبحانه :" يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها . وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون . وضرب الله مثلا قرية كانت أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون".

ومن أجل أنعم الله علينا ما أنزله فى كتابه:

" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا".

إننى أحمل هذا المجلس الموقر بروح النصيحة الخالصة المخلصة إن القوانين التى نحن هنا منبعها قوانين تهدر الدماء وتهدر الأعراض . ( أصوات لا. لا. لا)

أسمعونى أيها الإخوة فإذا قال قائل لقد عاشرت هذه المرة وأعطيتها على ذلك أجرا فإنه فى ميزان الإسلام قد اعترف اعترافا كامى – والاعتراف سيد الأدلة – أنه ارتكب جريمة الزنا ثم قذف المرأة قذفا يستحق معه أن يجلد ثمانين جادة , ماذا تصنع القوانين الوضعية بهذا الإنسان الذى أقر بالزنا وقذف امرأة غافلة ربما كانت شريفة؟ إن القانون الوضعى يعتبره شاهدا ولا يلتفت إلى إقراره بالزنا ويؤاخذ المرأة لأنها زنت ولكن لأنها أخذت على زناها أجرا.

هذا قانون وضعى , ولقد قرأت فى بعض جرئدنا منذ شهر أو يزيد أن شابا فى بولاق الدكرور عاشر شقيقة زوجته التى فى عصمته وأنجب منها ثلاثة وبلغ أمره وكيل نيابة بولاق الدكرور...

( أصوات : هذا كلام لا يليق بالمجلس).

عاشرها وأنجب منها ثلاثة : فلما مثل الرجل والمرأة أمام وكيل النيابة قال لهما لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وما دام الأمر قد تم بالتراضى فى مكان مستور فلا جريمة ولا عقوبة , أنتم من وراء هذا القانون الوضعى الذى تحرسه السلطة التنفيذية على حساب شريعة الله والأمثل على ذلك أكثر من أن تحسى .

ثم أيها الإخوة كلمنى تسعة من الزملاء النواب من زملائكم هنا فى هذا المجلس ذهبوا إلى وزير الداخلية وقالوا له : إن المتعقلين فى سجن طنطا قد تبرموا بما يقع عليهم من ضغط وهو الضغط الذى قتل منهم اثنين فقال الوزير على مرأى ومسمع من التسعة لو كنت موجودا لقتلت مائة من هؤلاء المعتقلين وزملائى التسعة موجودون هنا ومستعدون أن يشهدوا على هذا الكلام , أننى استنكر الإرهاب سواء أوقع الإرهاب من أفراد معتدين أم وقع الإرهاب رد فعل من وزارة الداخلية.

اعتقال البرئ

إننى أومن بقول الله " ولكم فى القصاص حياة ".

وأنادى أن تنشط وزارة الداخلية لتأخذ بتلابيب القتلة وسفاكى الدماء ومرهقى الأرواح ولكننى فى الوقت نفسه أتذكر وأذكر بقول النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم " دخلت امرأة النار فى هرة حبستها حتى ماتت جوعا فلا هى أطعمتها إذ هى حبستها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض".

وأتذكر بقول النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفع عنه وأن هؤلاء البراء الذين عصبا أعينه وروعت أسرهم وحيل بينهم وبين حقهم فى الحرية وقضوا أياما وليالى فزعين وحيلى بين أحدهم وبين محاميه وبينه وبين ذويه وظل مدة ثم خرج أو . بقى كيف نطالب. هذا بالولاء ؟ كيف نطالب هذا بالانتماء ؟ كيف نطالب هذا بالاخلاص ؟ أننى أقول لا رحمة بمن يسفك دما ولا رحمة بمن ينتهك عرضا رد الفعل طائشا يعتقل البرئ ويأخذ بالشبهة ويجحد حقوق المعتقل.

كيف تمنح تراخيص الخمور:

لقد زرت بعض الذين افرج عنهم أخيرا فرأيتهم يشتكون من الظمأ وهم صيام وأن أحدهم فى شدة الحر ما كان يجد ما يبل به ظمأه وما يدفع به عطشه وإن الذين أ‘لنوا شعار شهيد لكل صندوق حينما وضعوا فى اعتقالات حكمت العدالة ل 28 فردا بالنجاح فى عضوية هذا لمجلس وكفى بحكم القضاء حكما ولو بقى هؤلاء بجوار الصناديق لما حيل بهؤلاء وبين حقهم فى مقاعدهم فى المجلس التشريعى و أننا فى الوقت الذى نحيى فيه الجهود المبذولة لمطاردة تجار المخدرات نتساءل بكل الحزن والآسى والأسف كيف تمنح تراخيص الخمور ؟ أين المنطق الإسلامى ؟ إن المخدرات حرام لكنها إنما حرمت بالقياس على الأصل المحرم بالكتاب والسنة فكيف استبحت أيها المجتمع المسلم أن تحرم فرعا مقيسا على أصل حرام وأنت تمنح التراخيص بالاتجار بهاذ الحرام ؟ لقد أردت أن أستأذن وزير الداخلية فى أن ألقى درسا فى التفسير فاقترح على أن أفسر سورة البقرة فوافقت على الفور وقلت له : يبدو أن معالى الوزير لم يقرأ سورة البقرة قال كيف؟ فقلت له أن الجزء الأول..

رئيس المجلس:

هل يمكن ونحن بصدد مناقشة بيان الحكومة أن نقول أن وزير الداخلية لم يقرأ سورة البقرة؟....

حق الصراخ غير مكفول:

الشيخ صلاح أبو إسماعيل : هذا عضو فى الحكومة التى تحكمنا.

رئيس المجلس : أنت اليوم تحاكم قراءته ومعرفته بسورة البقرة أم لا أن الأمر لك ولكن ما كذلك تكون المناقشة .

الشيخ صلاح : على كل حال إذا كان الأمر يضيق فيه على بهذه الصورة ..

رئيس المجلس : إن هذه ليست مناقشة بيان الحكومة أن يقال إن الوزير لم يقرأ سورة البقرة؟

الشيخ صلاح : أننى لم أختر رجلا فى بيته لأتحدث عنه , ولم أتكلم عنه من وراء ظهره وإنما أتكلم وهو يسمعنى ويرانى ولى عليه حق الرقابة , عموما إذا كنا نناقش بيان الحكومة فإن هناك جملة من القوانين التى لا تتفق مع الدستور ولا تتفق مع الديمقراطية ولا يشرف عهدنا هذا أن تستمر حاكمة فيه:

قانون نظام الإحزاب السياسية , وقانون حماية القيم من الغيب وقانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى , وقانون الاشتباه وقانون الطوارئ لقد قتل كيندى واعتدى على ريجان وقتلت انديرا غاندى ومن قبل اغتيل عمر وعثمان وعلى فما فرضت قوانين الطوارئ على النحو الذى نراه عندنا فى بلادنا قوانين تجعلنى عرضة للمخالب والأنياب يؤخذ بى من قاع بيتى لأرمى فى أعماق السجن, ثم لا يباح لى حق الصراخ شهرا كاملا وأسمع هذا الصباح أن هناك مقترحات ستدخل على هذا القانون لعلها تستهدف إلا ألا يصرخ المضروب ما دام حيا وأنى أعيذ مجلسكم الموقر من أن يقر مثل هذا.. أن الغرض من قانون الطوارئ كم قيل هو إجهاض الجريمة وأنا أعلم أن الإجهاض إنما يكون لمن فى أحشائها جنين .

ولكن كيف يتجه بالإجهاض إلى العذارى... أليس هذا ظلما ما يتصوره مخلوق إن المجتمع إذا رضى بالمنكر على هذا النحو وقننه ونسى يوم الحساب فهل ترون معى أننا وصلنا وقد استقر المنكر عندنا إلى قول الله تعالى :" وضرب الله مثلا قرية كانت أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " صدق الله العظيم .

زمن عجيب الأمر أن يخلو بيان الحكومة من كل إشارة صريحة أو ضمنية إلى موضوع الشريعة الاسلامية وكأنها صارت أملا قد ذبل وتبخر , وكأنها لم يعد لها وجود فى المجلس التشريعى , إننا إذا أردنا أن يزدهر الانتاج فإن منابع الانتاج عندنا إنما هى صناعة أو زراعة أو تجارة للإسلام فى كل مجال من هذه المجالات الثلاثة كلمة محكمة لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها لقد درسنا نبأ صاحب الجنتين فى سورة الكهف ودرسنا نبأ أصحاب الجنة فى سورة القلم , ودرسنا نبأ مجتمع سبأ , وعرفنا أثر الكفران فى الزراعة وأثر الزكاة فى المحاصيل وأثر الأعراض عن إرضاء الله فى الرخاء.

" لقد كان لسبأ فى مسكنهم أية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم وأشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فاعرضوا"... وتحت كلمة فأعرضوا يمكن أن يندرج ما شئنا وما تصورنا من المآثم.

" فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط واثل وشئ من سدر قليل , ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى إلا الكفور".

يرسل السماء عليكم مدرارا , والماء الذى تريده لرى 96% من أرض مصر " ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا".

أيها الأخوة:

إن حل أزماتنا إنما هو فى الإسلام على نحو ما بينا.

لقد تحدث بيان الحكومة فى التعليم ولست أدرى كيف يمكن أن نسكت سكوتا بينا منذ.

رئيس المجلس :


لقد انتهى الوقت المخصص ولكن سأعطى لفضيلتك خمس دقائق تعويضا عن تدخل الحكومة.

صمت على ما أصاب الأزهر من تدمير

السيد العضو صلاح أبو إسماعيل:

شكرا سيادة الرئيس

كيف نسكت سكوتا ظاهرا بينا على ما أصاب الأزهر من تدمير فى زمان نؤمن فيه بالتخصصات حتى لم نكتف بكليات الطب فأنشأنا للأسنان كلية , وبخلنا على الفقه بكلية , فبدل أ، ندخل الأزهر فى الجامعة أدخلنا الجامعة فى الأزهر وأصبحنا نرى كلية الشريعة والقانون ولم نر كلية الحقوق والشريعة , وفى كلية الحقوق دراسة للأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث وليس هناك وراء ذلك من الشريعة شئ وليس فى كليات الجامعات إذا استثنينا كلية دار العلوم وبعض الدراسات فى كلية الآداب لا يوجد اطلاقا ما يمكن أن نسميه دراسات وأحاديث الأحكام والمنطق والتوحيد والتفسير وضمننا فيه على لغة يعنينا عنها ما فى جامعاتنا من مثيلاتها.

إننا ضربنا الأزهر ثلاث ضربات : ضربناه فى منابعه إذ قضينا على الكتاتيب, وضربناه فى مصبه إذ استحدثنا كليات تنزع تيار الطلاب ليصب هنا وهناك فى غير الكليات المتخصصة , وضربناه حينما أخذنا أوقافه وجعلنا طلابه يجلسون على البلاط ولا يجدون الكتاب ولا المدارس ولا يجدون العناية الكافية. أننا نرى الأزهر فى البلاد – إذا شرقنا أو غربنا – كعبة علمية ارتبط بها عز مصر ومجد مصر وتاريخ مصر.

أيها الإخوة :

هناك كلام كثير فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ولقد التقيت بالأخ ياسر عرفات بعد هذه الزوبعة التى ثارت فى وجهة ورأيته يعتذر اعتذارا صادقا ويقول لا حرب ولا سلام إلا بمصر , ويعلن غير مرة أن هذه سحابة يرجو لها أن تنقشع.

(ضجة)

ويظن غير مرة أن أخواننا من أبناء غزة الذين يحملون جوازات سفر مصرية لا يسمح لهم أن يدخلوا مصر إلا بعد إجراءات لا يعلم مداها إلا الله ... إن الآية " ومن يتولهم منكم فإنه منهم" إنما تصدق على الذين طبعوا العلاقات مع الصهاينة فى الوقت الذى نطالب فيه بتطبيع العلاقات مع دعاة الإسلام فلا نجد لهذا الأمل سبيلا .

والسلام عليكم ورحمة الله .

دعــــــوة

ويربط الشيخ صلاح أبو إسماعيل باستمرار بين جهد الداعية وجهد البرلمان الداعية ومدى ما يعود على الأمة من نفع لوجوده فى هذا الموقع فيقول :

(أ‌) قبل دخولى مجلس الشعب لم يكن هناك نص دستورى على أن الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للقوانين و ولم تكن .

هناك لجان لتقنين الشريعة الاسلامية , وكان صوتى ينطلق فى مجلس الشعب فيجد الصدى ولا يجد القرار , ثم تجمعت عوامل أدت إلى النص فى المادة الثانية من الدستور على أن الإسلام دين الدولة الرسمى ,هذا ليس بجديد ولكن الجديد هو النص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع , وجزى الله الزملاء الذين أبلوا فى هذا بلاء خيرا الجزاء .

ولجنة تقنين الشريعة الاسلامية فى مجلس الشعب على الرغم من كل ما صدافها من عقبات قد أنجزت عملها تماما , بل وأتمت طباعته فى التشريعات الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والجنائية, وفى التقاضى ولم يبق سوى التطبيق . وهذا يؤكد علينا ضرورة المضى فى هذا الطريق , ويؤكد على العلماء ضرورة الاقدام لطلب عضوية مجلس الشعب لارغام المسئولين على الاستجابة المنشودة.

ولهذا كان انتقال الشيخ صلاح من حزب لأخر ومحاولة إزالته لعزلة الإخوان عن العمل السياسى . وقد ينجح فى هذا الأمر حتى تم تحالف الإخوان والوفد ثم التحالف الإسلامى بين الوفد والعمل والأحرار, وعند لقائه بالشباب كان يقول " لهم نريد أ، يكون أعضاء المجلس منكم يارواد بيت الله " وهكذا تبدو الغاية بوضوح من دخول الشيخ صلاح مجلس الشعب .

ولكنه لا يميل تكرارها وكثيرا ما كان يقرن الهدف بالتجربة فقد سجل هذه الرسالة لشعب مصر ونوابه والعلماء والعاملين ومن جملة ما جاء فيها ما يلى ثم لا أنسى أننى فى شهر أبريل سنة 1981 حينما اشتدت على وطأة أنور السادات فى مجلس الشعب وأنى استجوبه لما زعم فى قوله لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة.

أعطنى صوتك لنصلح الدنيا والدين

وقد كتب بخط يده على هامش هذا الاستجواب الذى شرحته شرحا استغرق عشر صفحات فلوسكاب كتب بخطر يده ( لدكتور صوفى أبو طالب) والدكتور زكريا البرى لمرمطة صلاح أبو إسماعيل فى مجلس الشعب .. واستشهد على ذلك بفضيلة الأستاذ الدكتور زكريا البرى وزير الأوقاف الأسبق ولم أكن أعلم بهذه العبارة يوم فوجئت باستجوباتى توأد وبالمحاصرة الإعلامية تزيد التعتيم على مواقفى وبحشد زملائى النواب باسم الالتزام الحزبى ضدى حتى لقد عطلوا حتى الدستور فى الاستجواب وأحبطوا استجواباتى فلم تنظر ويسعدنى أن هذا الموقف دخل فى رسائل للدكتوراة فى كلية الحقوق تشيد باستقالتى انتصارا لحقى الدستورى حينما صودر على هذا النحو نعم قدمت استقالتى لمجلس الشعب وأنا أقول للنواب لقد رشحت نفسى لعضوية هذا المجلس تحت شعار هو بمثابة العهد والعقد بينى وبين دائرتى أقول فيه لكل ناخب أعطنى صوتك لنصلح الدنيا بالدين وكنت أظن ن الطريق معبدا فى مجلس الشعب إلى هذه الغاية اعتمادا على المادة الثانية من الدستور وهو نظام مصر ولكننى فوجئت بالذين أقسموا على احترام الدستور يحبطون عطاء الدستور ويسدون الطريق أمام من يطالب بشرع الله ويأبون إلا أن يهيمنوا على المهيمن جلا علاه فلقد كان المفروض أنه إذا قال الله عزوجل فلا مقال لأحد ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) ولكننى وجدت الطريق بينكم إلى هذه الغاية مسدودا وما جئت لأعبد الكرسى أو المنصب وإنما جئت لقس رسالة تعذر على أداؤها لأن موافقتكم عليها عنصر خارج عن إرادتى لذلك أعلن أستقالتى من مجلس الشعب !!

وغادرت المجلس غلى الخارج وجاء على أثرى عدد لا يقل عن مائة نائب يناشدوننى أن أعود ويذكرون أن العضوية حصانة لك وأنها قوة تحاسب بها الدولة وتراقبها وأنه إذا عز عليك بلوغ غايتك فلا ينبغى أن تلقى سلاحك والتقت بالمرحوم الأستاذ صاحب الفضيلة الشيخ عبد الحليم محمود الذى رأى صنيعى بما عليه مجلس الشعب فقال أنى أسألك سؤالا محددا العلم الذى ترفعه فى مجلس الشعب وهو علم تطبيق الشريعة الاسلامية إذا سقط من يدك فمن يحمله غيرك.

العودة إلى مجلس الشعب

ثم واصل كلامه قائلا : إن يتعين عليك أن تظل رافعا علم الدعوة لتطبيق الشريعة الاسلامية ما وسعتك الحياة.

فقلت له لا أمل فى استجابة النواب أو الدولة فذكرنى بقول الله تعالى فى سورة الأعراف ( وأسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت أن تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم!! كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوا الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم .. ولعلهم يتقون .

فلم نسوا ما ذكروا به انجينا الشين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) إلى آخر الآيات البينات.

ومن هنا رأيت العودة إلى مجلس الشعب خيرا من الاستقالة وجميع الأحوال وجعلت همى أن أدعو زملائى العلماء وأخوانى من حملة الفكر الإسلامى ولدعاة إليه وفى مقدمتهم الإخوان المسلمون وأن أدعو الجماعات الاسلامية فى مصر إلى ما يأتى:

1- قيد الاسم فى سجلات الناخبين واجب مقدس أكثر منه حق من الحقوق .

2- التذكرة الانتخابية سلاح فعال فى صنع السلطة التشريعية .

3- نضج الرأى العام فى كل دائرة على ضوء الإسلام يحتم الاتفاق منذ الآن على ترشيح من تراه ذا بيان اسلامى وصاحب قدرة تشريعية لنبعث به إلى مجلس الشعب إن كان فقيرا.

اكتتبنا لنرتضيه محاميا عن قضيتنا بتحمل نفقات المعركة الانتخابية.

4- إذا تكون مجلس الشعب القادم من الإسلاميين فلن يلتزم بغير الإسلام ولن تبقى حكومة فى مناصبها لا تطبق شرع الله ولا تتمتع بثقة مجلس الشعب.

5- إذا صلحت السلطة التشريعية على هذا النحو صلحت السلطة القضائية الموقرين لا يحكمون إلا بالقوانين التى يصنعها مجلس الشعب .

6- وإذا صلحت السلطة القضائية صلحت السلطة التنفيذية لأنها لن تستخدم قوتها فى حماية قانون على حساب الدين وذلك لأن كل القوانين مستمدة حينئذ من الإسلام.

وبكل ما سبق نكون أهل إيمان وتقوى ونستحق بذلك وعد الله القائل ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) فالله عزوجل قد ربط الأمن بالإيمان والنصر بالإيمان والعز بالإيمان والوحدة بالإيمان والحياة الطيبة بالإيمان والوحدة الوطنية كذلك وربط عز الدنيا ونعيم الآخرة بالإيمان.

أيها التيار الإسلامى فى مصر

أيها العلماء لى رأس هذا التيار

أيها الإخوان المسلمون أبطال هذا التيار

أيها المستفسرون فى اشفاق تارة أيها المستفسرون فى شماتة تارة أخرى عن تنقلى بين الأحزاب.

أيها المسلمون جميعا هذا حصاد تجريبى فى المقام التشريعى أقدمه هدية أبتغى بها أولا رضوان الله ومثوبته وإعلاء كلمته وتطبيق شريعته وأدرابها عن نفسى ما فد يظن بى من تقلب عشوائى بين الأحزاب .

قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين . وهذا هو منهاج النبى حينما كان فى مكة وحينما ذهب إلى الطائف وحينما كان يلقى الوفود وحينما بايع الأنصار عند العقبة وحينما هاجر إلى المدينة وهو قدوتنا الحسنة وأسوتنا الطيبة نسأل الله أن يجعلنا معه فى جنات النعيم .

الفصل الثالث: ملاحم اعترضت ترشيحه لمجلس الشعب

العزل السياسى

يعرض الشيخ صلاح أبو إسماعيل ملاحم الاعتراض على ترشيحه لمجلس الشعب فيقول – الإخوان المسلمون دعاة الإسلام جاهدوا فى سبيله , وضحوا من أجله , وقاتلوا فى سبيل القضية الفلسطينية , إنقاذا للمسجد الأقصى , وطردوا للصهيونية وقاوم الاستعمار الانجليزي على أرض مصر فى المعارك التى درات فى عام 1951.

وهم هدف للشرق والغرب , أمريكا وروسيا كل يوجه سهام إلى الإخوان المسلمين , والله تعالى يقول " ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم " ذلك شئ طبيعى , وما دام الإنسان معتصما بالإسلام فلن تجد من الشيوعية الجاحدة ولا من الصليبية المعتدية ولا من الصهيونية العالمية إلا الفساد والإفساد.

ولقد امتحن الإخوان المسلمون , فاغتيل إمامهم الشهيد رضى الله عنه, الإمام حسن البنا , وأغتيل الأستاذ سيد قطب , رضى الله تعالى عنه وأرضاه واغتيل كثير منهم وحظر عليهم أن يكونا موجودين وأن يتمتعوا بالحقوق السياسة حتى إن جمال عبد الناصر فى سنة 1957 حينما فتح المجال الأول مجلس أمة فى عهدة , أصدر قرارا منع فيه كل الذين اعتقلوا من يوليو ( تموز) 1952 إلى يوم صدور الدستور من التشريع لمجلس الأمة والذين اعتقلوا فى هذا التاريخ هم الإخوان المسلمون . أذن فقد أراد أن تكون السلطة التشريعية فى عهده بعيدة كل البعد عن المشارب الإسلامية , ونحن لا زلنا نجنى المرارة من وراء هذا الاتجاه.

مرحلة جديدة

الإخوان المسلمون صاروا إذن إلى عزلة , وضيقت العزلة عليهم بقانون الأحزاب , الذى يمنع قيام حزب على أساس من العقيدة وعز على أن يصيروا إلى هذا ولقد خضت التجربة قبلهم فى سنة 1976 وبعد أن كنت معزولا سياسيا وبعد أن رفع العزل فى سنة 1971 هممت أن أرشح نفسى , ولكنى كنت فى يأس من جدوى رفع العزل .

ثم تغلبت على هذه النزعة , ودخلت انتخابات عام 1976 , ورأيت الشعب المصرى يتعاطف لنصلح الدنيا بالدين فأعطانى الناس عطاء بغير حساب فيما وعدتهم به , ولذلك أحمد الله تعالى على أنه متعنى بثقتهم .

أخوان وأحبابى فى دائرة المنصورية مركز إمبابة جيزة تلك التى صارت الآن دائرة قسم شرطة إمبابة , وأوسيم و الجيزة وقسم شرطة إمبابة منحونى ثقتهم الغالية وحاطونى بحبهم العميق برغم الظروف القاسية والمعارك العنيفة وتركونى مع النجاح الذى اختبرنى الله عزوجل به مع أعمق المشاعر أن رد الفعل لهذا العطاء الجماهيرى الواسع أننى ممتحن وأن نتيجة الامتحان يرتبها الله ورسوله والمؤمنون كان ذلك فى انتخابات سنة 1976 وبعد ثلاثة أشهر أو أقل أمنت أن شريعة الله يمكن أن يخدمها المستقل فى مجلس الشعب بعرضها والمناداة بها دون أن يثقله الالتزام الحزبى ولكن المستقل لا يملك صنع القرار بالموافقة على ما ينادى به من إعلاء كلمة الله وتطبيق شريعته.

موقف نعيم بن مسعود فى غزوة للأحزاب

بل ربما نظر حزب الأغلبية إليه مهما تكن قداسة رسالته على أنه معارض يجب ألا يفوز بمثل هذا المجد الدنيوى ويعلم الله أن الدنيا ليست من حساباتنا فى شئ وأنها عندنا فى حجمها الذى وضعه الله عزوجل فيه.

ولقد تعلمت من الإسلام ن هناك إلى جانب الحق سياسة تنفيذ الحق فمن الحق أن يكون مظهرى مؤمنا ومخبرى مؤمنا ولكن سياسة تنفيذ الحق اقتضت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون المظهر كافرا والمخبر مؤمنا أى والله فإن ذلك هو الواضح من موقف نعيم بن مسعود رضى الله عنه فى غزوة الأحزاب حينما أسلم وقد ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا فوصاه النبى أن يكتم إيمانه وأن يلعب صالح الإسلام والمسلمين دورا بوجه الكافر وقلب المؤمن وأدى نعيم بن مسعود دوره العظيم فى ظل هذه السياسة الراشدة التى اقرها النبى صلى الله عليه وسلم بل التى دعا إليها وأعطانا بها الضوء الأخضر لما هو أقل من ذلك شأ،ا حينما أعبر قنوات الأحزاب بقلب متعلق بتطبيق الشريعة لعلى أجد قناة مفتوحة أبلغ من خلالها غايتى والقياس كما ترون واضح جلى أضيف إليه أننى حينما دخلت حرب مصر سنة 1977 صاحب الأغلبية أن ذلك لم يكن لهذ الحزب على منة فيما ظفرت به بفضل الله من ثقة إخوانى الناخبين فى دائرتى بل أن هذا الحزب حاربنى ومع ذلك أردت غالبيته لصالح شرع الله.

الإنضمام لحزب مصر

والتقيت هذه الإرادة مع دعوة قادة هذا لحزب لى لا نضم إليه ووعدونى بأننى إذا دعوتهم إلى تطبيق منهاجهم وبرنامج حزبهم الذى نص على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية وأنه إذا انطلقت هذه الدعوة من داخل إطارهم وعدونى ا،هم سيستجيبون وحذرونى من أن هذه الدعوة نفسها سوف تكون مرفوضة بلغة الأحزاب إذا طرقت أسماعهم بصوت ليس من أصوات حزبهم فلم يكن بد وقد أشرقت فى ذهنى صورة نعيم بن مسعود فى موقفه الذى أسلفنا الإشارة إليه فى الاستجابة وللانضمام لحزب مصر ففرح بى الحزب وانتخبني نوابه رئيسا للجنة الشئون الدينية والأوقاف والشئون الاجتماعية واستجابوا لى حينما دعوتهم إلى التوقيع على مشروعات القوانين الاسلامية وعلى رأس انتهاء الدورة البرلمانية اولى فى سنة 1977 اتفقت مع زملائى النواب على موقف المطالبة الحاسمة بتطبيق شرع الله وصدق النواب فى التأييد لكننا فوجئنا بأحد قادة الحزب وهو الآن فى ذمة الله يناشد الغالبية أن تمنح الحكومة – وكان عضوا فيها – فرصة للمواءمات السياسية وكنت أنتظر أن يبقى النواب ثابتين على موقفهم ولكننى فوجئت بالذين وقعوا وهم غالبية ساحقة يتخلون عن توقيعاتهم ويستجيبون للوزير ويصفقون له فقمت على الفور أقول يا حزب مصر هذه قيادتك وتلك قواعدك وقد قبلت العضوية فى الحزب أملا فى الانتفاع بهذه الأغلبية لتأييد تطبيق الشريعة الإسلامية أما وقد تخليتم عن الواجب المقدس فلم تعد لى حاجة فى البقاء فى هذا الحزب وحينما أترك حزب مصر اتركه والدنيا بيده فهو صاحب الغالبية والحكومة حكومته وتلك ظروف تمنع أن اتهم بأننى مع الدنيا حينما تقبل على حزب أو تدبر عنه وأعتقد أن ذلك واضح لذى عينين بالنسبة لوقفى من حزب مصر فما دخلته إلا من أجل الشريعة وما تركته إلا من أجل الشريعة فى سبيلها أصداق ومن أجلها أفارق وهذا سبيلى أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى كما قال لرسوله الكريم وسبحان الله وما أنا من المشركين.

صفقوا للنقيضين!!

واستطعت خلال العام , أن أفعل بفضل الله تعالى الكثير مما لا يعلمه الناس" وكفى بالله عليما". انتهيت إلى جمع 324 توقيعا من الزملاء البالغ عددهم 360 عضوا فى مجلس الشعب ( 76 – 79) وقمت لا تكلم باسم هؤلاء أصحاب التوقيعات أنادى بتطبيق الشريعة الإسلامية وأيدونى وصفقوا لى... ولكن الدكتور فؤاد محيى الدين ( وزير شئون مجلس الشعب وقتها ) قام يقول للنواب : إن الحكومة لا تقل عنكم حماسا للإسلام وتشريعاته , ولكننا فقط نرجو منكم أن تعطونا فرصة للمواءمة السياسية). فصفق النواب له ويعتبر تصفيقهم هذا تخليا عن تصفيقهم الأول , إذ لا يمكن الجمع بين النقيضين.. قلت : أنا أطالب بتطبيق الشريعة الاسلامية فصفقوا لى... وقال الدكتور فؤاد محيى الدين أنه يطالب بإرجاء ذلك فصفقوا له !! فيعتبر التصفيق الثانى ناسخا للتصفيق الأول ! ووجدتها فرصة لتبرئى من حزب مصر فى عام 1978, بحجة قياداته وأنه خرج بذلك على مبادئه وبرنامجه وذهبت إلى حزب الوفد الجديد سنة 1978 فى بداية قيامه.

المصدر الوحيد

سألت فؤاد سراج الدين يومها أين الإسلام فى برنامجكم؟

مد سراج الدين يده إلى برنامج الحزب وفتح صفحة ووضع أصبعه على سطر فيها وقال : اقرأ هذا السطر .. فرأيت فيه هذه العبارة " ويرى الحزب – أى حزب الوفد الجديد – أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الوحيد للتشريع فى مصر "!! ولفت نظرى إلى كلمة " الوحيد " وأنهم لم يقولوا :" الأساسى" أو " الرئيسى" وإنما " الوحيد".

وبذلك يكون الوفد قد تميز عن سائر الأحزاب الأخرى.

وحينما تكون الشريعة الإسلامية هى المصدر الوحيد , فإن معنى ذلك أن القرآن صارا مصدرا . وأن السنة صارت مصدرا, وأن الإجماع صار مصدرا .

وأن القياس صار مصدرا , وأن الاستحسان صار مصدرا وأن ما رأه الناس حسنا فهو حسن صار مصدرا, وأن الحكمة ضالة المؤمن , أن وجدها فهو صاحبها كل هذه المصادر نستقى منها التشريعات على أنه لا رأى مع النص:" أنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم , أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ".

فسجلت نفسى فى الشهر العقاري عضوا مؤسسا لحزب الوفد الجديد سنة 1978, وتم للحزب النصاب المطلوب لإعلان ميلاده وولد الحزب وأخذ خطواته على الطريق . ثم جمد الحزب نشاطه لفترة ثم عاد مرة أخرى بعد زوال أسباب التجميد.

الوفد و الإخوان

وكان لى دور كبير فى ربط الصلة بين الوفد و الإخوان . وقلت أنا سفير الوفد فى الإخوان , وسفير الإخوان فى الوفد , و الإخوان هم أمناء على الدعوة الإسلامية , هى دم يجرى فى عروقهم وبنض تنبض به قلوبهم , هى حباتهم , و الإسلام هو طريقهم .. وكتاب الله دستورهم والله هو الآية , والنبى هو القدرة ... ومع ذلك اقتنعوا بضرورة الانضمام إلى حزب الوفد على أساس أنه قناة شرعية يعبرونها ليتخذوا أماكنهم فى السلطة التشريعية .

لو قطعنا الشيخ صلاح :

وأثناء المعركة الانتخابية الأخيرة فى مايو 1984 , كان سراج الدين يقول للجماهير فى كل مكان : لو قطعنا الشيخ صلاح أبو اسماعيل قطعا , ما استطاع أن يغطى الطلبات التى تلح فى طلبه فى المؤتمرات الشعبية التى تعقد فى شتى المحافظات بمناسبة قرب الانتخابات.

وفى أثناء المعركة , كان الناس يقولون لى : أنت رجل اسلامى والوفد حزب علمانى.

وكنت أقول لهم إن العلمانية تعنى الفصل بين الدين والدولة والوفد مجده القديم أنه كان دائما مع الدستور والدستور الآن فى مادته الثانية نص على أن الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للقوانين, فإذ استصحب الوفد الدستور كدأبة دائما فإنه لا يسعه ألا أن يعلن أنه مع الإسلام وأنه حرب على العلمانية وأن إيمانه بالوحدة الوطنية هو جزء من عقائدنا وجزء من تقاليدنا ولا نتخلى عن ذلك أبدأ هذا بالإضافة إلى أن برنامج الوفد ينص على أن الشريعة الاسلامية هى المصدر الوحيد للتشريع وهو ما سيطبقه الوفد إذا ما حصل على الأغلبية شكل الحكومة !.

ثبات على موقف

حين مات صالح عشماوى رحمه الله وكان عضو مكتب الإرشاد فى الإخوان وصاحب مجلة الدعوة قنن السادات وكان يقول أن الديمقراطية لها مخالب وأنياب .. فانظر إلى ما صنعه باسم الديمقراطية.. صنع قانونا يقول : الجرائد المملوكة لأشخاص يسقط الترخيص بها بموت أصحابها فلما مات صالح عشماوى سقطت مجلة الدعوة لأنها مملوكة لشخص وهذه مخالب الديمقراطية وأنيابها.

من قال أن هذه ديمقراطية .. ثم قالوا لا يحق للمستقلين ترشيح أنفسهم لعضوية مجلس الشعب ثم قالوا ليس لمن رفض كامب ديفيد أن يكون له حق إنشاء حزب .. ثم قالوا لابد لمن يريد ترشيح نفسه أن يرشح من خلال حزب , لا حزب على أساس العقيدة .

وأنا قلت للإخوان ماذا تنتظرون ؟ أنكم الآن قد تجاوزتم الأعمار التى عند متوسطها ينتهى الجل.. وعام الأغلب فماذا تنتظرون ؟ لا تنتظرون إلا أن تتساقطوا مع أجالكم .. جماعتكم محظور قيامها, الشعب التى تربون الأجيال الصاعدة محظور فتحها .. الجريدة سقطت بموت صاحبها .. لا تستطيعون أن ترشحوا أنفسكم كمستقلين .. لا تستطعيون أن تخدموا دعوتكم من خلال المساجد على المنابر لا تستطيعون شيئا لا باللسان ولا بالقلم .. فما الذى تفعلون ؟ طالما ناديتم وقلتم لا للحزب عملنا نحن للدين فداء .. ترفضون الأحزاب .. ولكن أرجوا أن تعيدوا النظر فى هذا النداء لأن مؤمن آل فرعون خدم موسى ودعوته , ورسالته بوجه فرعونى وقلب المؤمن.

قال تعالى فى سورة غافر " وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله هو الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم" إلى آخر المرافقة الرائعة التى سجلتها له سورة غافر فقد خدم الحق بوجه فرعون وقلب مؤمن.

كذلك فعل نعيم بن مسعود فى هوة الأحزاب حينما أسلم نعيم بم مسعود قال له النبى " صلى الله عليه وسلم " اكتم إيمانك وخذل عنا ما استطعت , فكتم إيمانه وادى دورا فى ضرب العهد الذى بين اليهود والمشركين ... وأدى دورا تعجز الجيوش عن فعله .. وقد خدم الإسلام بوجه المشرك وقلب المؤمن فلا بأس أن تخدموا الإسلام بوجه الحزبى وقلب الإخوانى .. ولا منافسة بين وجه الحزبى وقلب الإخوانى..

واقترحت عليهم أن يدخلوا الوفد .. ودخلوا الوفد سنة 84, ولكنهم لم يأخذوا برأيى .. وقد كنت أرى أن يملأوا استمارات حتى يكونوا غالبية فى الجمعية العمومية تؤثر فى الحزب ولكنهم قالوا لا.. الوفد وفد الإخوان أخوان ففرح بهم فؤاد سراج الدين لأنهم دخلوا ناخبين لا مرشحين .. فهم ممكن أن يدرج منهم سبعة أو ثمانية على قوائمه , ليضمن هذه الأصوات الهائلة التى تشكل التيار الجارف .. وبذلك لم تكن لهم فعالية لا فى المجلس ولا فى حزب الوفد .. إلى أن بدأت أحاسبهم على ما بينى وبينهم من عهود ومواثيق .

وقد اخترت حزب الوفد لأسباب ثلاثة .. الأول أنه الحزب الذى كان غائبا عن الساحة وقت نظر كامب ديفيد .. فلم يتورط بالموافقة لغيابه عن الوجود كحزب.

الثانى:أننى أخذت العهود والمواثيق على فؤاد سراج الدين أن يكون نجاحه لحساب الإسلام فى السلطة التشريعية ..

الثالث: أنه الحزب الذى نأمل أن يكون بشعبيته وبمعاونتنا له حاصلا على النسبة 8 بالمائة المشترطة لنجاح النواب أن هم رشحوا أنفسهم ونجحوا.. اشترطوا لنجاح النائب فى دائر ته أن أخذ حزبه نسبة لا تقل عن 8 بالمائة من عدد أصوات الناخبين .ز فما امتحنا ربنا بالنجاح رحنا نطالب فؤاد سراج الدين .

بالعهد الذى بيننا وبينه . قال لن يتحرك حزب الوفد مطالبا بالشريعة الإسلامية فى مجلس الشعب وقال نعمان جمعة السكرتير المساعد لحزب الوفد .. أن حزب الوفد مدرسة سياسية ولا شأن له بالشريعة الإسلامية, وهذا عيب الإسلاميين فى الحزب أنهم يطالبوننا بتطبيق الشريعة الإسلامية .. لم يقولوا لنا هذا الكلام وقت م كانوا بحاجة إلينا , ولكن قالوه غدرا بعهودنا فلم يكن شرعا أن نبقى معهم فنحن أصحاب رسالة .

وعلى هذا الأساس فإن الإخوان المسلمين الآن موجودون فى مجلس الشعب خلال حزب العمل .

إن الوفد كنت فيه عضوا مؤسسا وعضو هيئته العليا وعضو هيئته البرلمانية .. ولما رأيت غدره حاسبتهم بمنطقية مستوثقة على هذا الغدر .. ففصلونى وزعموا أننى مستقيل .. لا يقوون على إدعاء أنهم فصونى أمام الشعب .. ولذلك مضت هذه كان الناس خلالها يتساءلون أن كان الشيخ صلاح أبو إسماعيل على حق , فلماذا فصله الوفد ؟ وإن كان الوفد على باطل فلماذا بقى فيه الإخوان؟...

إلى أين جاءت الفرصة المناسبة وخرج الإخوان من الوفد وخرج د. عبد الغفار عزيز وخرج ستة من النواب وخرج د. إبراهيم عوارة وتقلصت شعبية الوفد ولم يبق له إلا جريدة .. جريدته قوية لأن فيها الأخ مصطفى شردى وهو صحفى موهوب وله قلمه ومستواه ونضاله وما الوفد الآن إلا جريدة .

أما تجربتى مع الحوار فحينما خرجت من الوفد كان لابد لى من حزب لأن حق المستقلين محجوب ... الإخوان المسلمون يبحثون عن حزب فاتفقنا أن نفاوض حزب الأمة .. باعتباره حزبا جديدا ليس له ماض وله حاضر ولا قوة .... ونحن لا نريد حزبا يستوعبنا ويبتلعنا وإنما نريد حزبا نستطيع أن نجد الطريق فيه إلى هدفنا وهو تطبيق الشريعة الإسلامية.

لسنا بحاجة إلى حزب إلا باعتباره القناة والسفينة والطائرة والمركبة التى توصلنا .. وسيلة .. والشعب المصرى كله وأنا بفضل الله , فالصباحى – رئيس حزب الأمة – علمت الحكومة أن الإخوان يتفاوضون معه فهدده فقال لهم أنكم تساعدون الأحزاب القائمة ولا تساعدونى .

قالوا له ماذا تريد ؟ قال أنا بحاجة إلى المال , فأعطوه عشرة آلاف جنيه من أربعين ألف جنيه وعدوه بها . قال لهم ليس عندى تليفون فركبوا له تليفون .. ثم قالوا إياك أن تقبل الإخوان المسلمين فى حزبك فلم يمكن التفاهم مع حزب الأمة.

الإخوان المسلمون كانوا ينظرون بحسرة إلى جميع الأحزاب .. الحزب الوطني يمكن له أن فى ارض الله وهو صاحب الغالبية ومنه الحكومة ولا يوافق على تطبيق الشريعة ولا يتصورا أن ينضموا إليه .. حزب الوفد أعلنها صراحة أنه حزب علمانى .. حزب التجمع ليس منا ولسنا منه .. حزب الأحرار ذهب قائده مصطفى كامل مراد مع السادات غلى القدس فى كامب ديفيد .. حزب الأمة أحتوه كما ذكرت .. حزب العمل وإن كان رئيسه رجلا طيبا فإنه مليئ بالناصريين, الذين ضربوا الإخوان المسلمين وذبحوهم ...

بعض الشر أهون

ولكن لابد من الاختيار .. وبعض الشر أهون من بعض .. فقلت لهم أنكم تريدون حزبا ضعيفا حتى لا يحتويكم وإنما تسيطرون أنتم عليه ... ليس هناك فى مصر أضعف من حزب الأحرار لأنه الحزب الذى نال سنة 84 نصفا بالمائه من عدد أصوات الناخبين .

فماذا كان مصطفى كامل مراد يعاب عليه أنه ذهب إلى القدس مع السادات فأنا سوف اشترط عليه أن يعقد مؤتمرا صحفيا يسحب اعترافه بكامب ديفيد.. ثانيا أطلب منه أن يحذف الاشتراكيين من اسم الحزب..

ثالثا أطلب منه أن يبعد محمود عوض الصحفى الناصرى من جريدة الأحرار , فذهبت إليه وطلبت منه الطلبات الثلاثة ... وعقد فى بيتى اجتماع بينه وبين الإخوان المسلمين بمقتضاه أن عرض عليهم برنامج الحزب ولائحته وقال أقرأو البرنامج واللائحة.. فما أعجبكم فأبقوه .. وما لا يعجبكم فأحذفوه ... وما تريدون اقتراحه فادخلوه ... ولكم نصف التشكيلات القائمة من حزب الأحرار .. و حزب الأحرار ليس له امتداد شعبى على مستوى الجمهورية كامتداد الإخوان فأتموا امتداد لجانه وفروعه منكم 100 بالمائة .. فإذا يكون لكم نصف ما هو قائم وكل ما تقيمونه فتصبحون أصحاب أغلبية , فانتخبوا لرئاسة الحزب من تشاؤون.

وكان العرض كريما ومغريا , لولا أن حمزة دعبس وكيل الحزب قال أرجو أن تعطونا موثقا بأن مصطفى كامل مراد رئيسا للحزب مدى الحياة معنى ذلك أنه يناقض اللائحة والبرنامج ويرجو أن يكون معينا مدى الحياة أساء آم آحسن فكانت هذه العقبة بمثابة الصخرة التى تحطمت عليها المفاوضات ورأيت آن ما لا يدرك كله لا يترك كله .

دخلت حزب الأحرار

ودخلت حزب الأحرار لا مهده للإخوان من الداخل ورحت أكتب فى الصحف تحت عنوان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .. يا أيها الإسلاميون فى مصر , طولا وعرضا , أن تطبيق الشريعة الإسلامية واجب أنه لا يدرك إلا من خلال غالبية فى مجلس الشعب و وهذه الغالبية لن تكون إلا إذا توحدتم فى حزب واحد , وأنا أناديكم أن تدخلوا حزب الأحرار ليكون منه مرشحون يخوض به المعركة المقبلة ومن وراءه الشعب المؤمن لعلنا نظفر بغالبية تقول الله نعم .. فانزعجت السلطات

وبدأوا يقولون لمصطفى كامل مراد : متى يتربع الشيخ صلاح أبو إسماعيل على عرش الحزب؟

وفوجئت بمصطفى كامل يتصرف تصرفات يتجاهل فيها وجودى فعاتبته مرات ومرات , ولكنه لم يتغير موقفه الذى يحرج وجودى فى الحزب , فلما , جلست معه جلسة حاسمة , فهمت منه أنه مهدد بقطع الدعم عنه والحكومة تعطيه دعما شهريا عشرة آلاف جنيه , فكيف يكون حزبا معارضا تحت تأثير دعم تدفعه الحكومة ؟ كيف يكون حزبا معارضا؟ إذا معارضة مستأنسة .

ثم علمت آن له قضايا فى الشركات فإن هم يستطيعون أن يوجههوا إليه وعدا وأن يوجههوا إليه وعيدا, فلما أحسست أننى دخلت مدخلا ظننت أننى تغلبت على عقباته الكبرى , بتغيير موقف الحزب من كامب ديفيد ومن كلمة الاشتراكيين.

لكنى رأيت هناك أمورا لا تجعل منه حزبا معارضا إلا ديكورا فحين رأيت بقائى به خدعة للأمة , والشعب المصرى يثق بى ثقة مشكورة غالية ويعلم أننى مقتل أغير مواقعى ولا غير غايتى متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة , فإذا كنت أتنقل فإنما أبحث عن قناة وعن أعوان ولا أبحث عن دنيا ولو أردتها لكان لى منها ما شئت أرقى المناصب ولقد عرض على ما يجعلنى أرقى ولكنى صاحب رسالة .

ولو صرت صاحب مذهب لصرت رجلا تنفيذيا يتجمل دورى التشريعى وينبعث دفاعا عن دولة علمانية . وأنا صاحب رسالة والنبى هو قدوتى وأسونى , كان يعرض نفسه على القبائل فى مكة فى المواسم والطائف , وظل يعرض نفسه حتى وجد الأنصار عند العقبة فنحن أصحاب رسالة ولسنا طلاب دنيا.

والحمد لله أن الشعب المصرى حين رشحت مستقلا فى أبريل سنة 87 ورشحت الحكومة ضدى اثنين نواب من الحزب الوطني ورشح الوفد ضدى أحمد ناصر , وهو نائب سابق ثم اختارت وزارة الداخلية مدير آمن الجيزة و محافظ الجيزة 46 مرشحا ضدى فى دائرتى وأنا مرشح مستقبل ووزعوا المرشحين توزيعا ضدى فى دائرتى وأنا مرشح مستقل ووزعوا المرشحين توزيعا جغرافيا حتى يستأثر كل نائب بقريتين أو ثلاث فتتمزق الأصوات فينجح مرشح الحزب الوطني لكن الله آراد برغم هذا أن نجح مستقلا وأن يكون الفرق بينى وبين مرشح الحزب الوطني 45700 صوت وبخلوا بهذه النتيجة فقالوا أننى أخذت ألف صوت ولكن رجال وزارة الداخلية أخبرونى أن الذى أخذته الفرق بينى وبين مرشح الحزب الوطني 45700 صوت برغم اضطهاد الأنصار وتزوير الانتخابات فالحمد لله رب العالمين.

وأنا على كل حال طالب رسالة ولست طالب دنيا , وأبحث عن الطريق وكل الطرق أمامى مسدودة وقد أجد الطريق مفتوحا غدا أو بعد .

وعن الهدف من تطبيق الشريعة .. قال أنه ليس وصول رجال الدين إلى السلطة كما يدعى وحيد رأفت .. فذلك كان شأن المسيحية فى عهود مضت .. وليس فى الإسلام رجال دين بل علماء دين ... وكل من يدافع عن الإسلام هو رجل دين سواء كان عالميا أو غير عالم .. وقد قال أبو بكر حين بويع بالخلافة"... أنى وليت عليكم ولست بخيركم .. أن أحسنت فأعينونى وإن أخطأت فقومونى .. أطيعونى ما أطعت الله ورسوله ... فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم " وبذلك لم ير لنفسه حقا ذاتيا فى أن يطاع , وإنما رأى لنفسه الحق فى أن يطاع طالما أطاع الله ورسوله .

عقبة فى فهم الدعاة

وقد صرح الشيخ أبو إسماعيل فى أخر حديث له بأن العلاج لمشكلة المجتمع هو: آن قانون الأحزاب قد واضعوه تفننا لإبعاد الإسلاميين عن مجلس الشعب واسمح لى فى عتاب مر فى قلب يمزقه الأسى والحزن لموقف بعض الإسلاميين ... أنهم يظنون أنهم يخدمون الإسلام بالبعد عن مجلس الشعب وما علموا أنهم بذلك قد أفسحوا الطريق للعلمانيين والماسونيين والإلحاديين والسلبيين والإمعات والمنافقين ليغلبوا الصالحين من الأعضاء على أمرهم ومرادهم وجهادهم وتخطيطهم ليجعلوا وجود الإسلاميين فى مجلس الشعب لتسجيل الرأى الآخر دون قدرة على صنع قرار أو إصدار قانون . فإن الرأى إنما يتحول إلى قرار أو قانون إذا وافقت عليه الغالبية ..

ولو قلت لأعضاء مجلس الشعب أنه لا رأى مع النص الشرعى لاستهزءوا بك وسخروا منك . فلا أثر مع رأى الغالبية للقرآن ولا للسنة ... وكم أحلوا من حرام وحرموا من حلال بعد الأصوات ضد المقدسات فهل العلاج لذلك أ، نترك مجلس الشعب .

إن العلاج هو خوض المعركة الانتخابية ببسلة مستميتة وإيجابية يقظة . ولا شك أن شعب مصر المسلم المؤمن الذى هزم التتار والصلبيين والذى ينعقد عليه الأمل لاقناع الصهاينة وإعلاء كلمة الله تعالى وتطبيق شريعته لم ينحنى عن مناصرة الإسلاميين إذا اعتصموا بالإيجابية واتحدوا وأحسنوا التخطيط ونبذوا الفرقة وسفاست الأمور وتطلعوا إلى معاليها وعظائمها ونفضوا عن أنفسهم غبار التعلق بالخلاف المذهبى والفقهى.

أنهم إذا ارتفعوا إلى هذا المستوى وجدنا فى مجلس الشعب غالبية تؤمن بالكتاب والسنة وتقديس الإسلام فإن سألتهم الرأى فيما قضى الله فيه بنص قالوا بملء أفواههم أن الحكم لله العلى الكبير .. وتلك الثورة الدستورية التى ادعوا بها

أننا لا نملك ثورة مسلحة وفى الدستور ما يسع آمالنا فلماذا لا تكون ثورتنا دستورية تحت الأسماع والأبصار ؟!

ويوم تكون الأغلبية لعباد الله الصالحين يبقى الإسلام حكم معطل ويومئذ يرى العالم وحدتنا الوطنية فى نموذجها الأعلى الذى يحاكى النموذج المحمدى ف المدينة إذ لم يعطل وجود اليهود فى المدينة تطبيق الشرع الشريف , كما أن تطبيق الشرع الشريف لم يشكل حيفا على حقوق اليهود مع أنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا .

وقد صرح الشيخ صلاح أبو إسماعيل للأستاذ جمال عبد السميع فى كتابه ( الكتاب الأسود) عن السبب فى إقلاله من حضور جلسات مجلس الشعب هو:

تعنت المنصة وسوء إدارة الجلسات .. إلا أنه يرى ضرورة الإبقاء فى مجلس الشعب حتى لا يشغل هذا المقعد شخصى آخر ليس من التيار الإسلامى , وعدم حضور الجلسات راجع أيضا لعدم جدوى أية معارضة يبديها هو وسائر لمعارضة طالما ظلت الأغلبية فى يد غير التيار الإسلامى . وبالذات الحزب الوطني.

الفصل الرابع: تطبيق الشريعة الإسلامية

القرآن والسنة: تحطمت على صخرتها تلك المحاولات الجبارة التى بذلها ملوك الغرب , فانحسرت هذه الموجة العاتية مخلفة وراءها شعورا بضرورة الحفاظ على التراث الإسلامى الضخم الذى خلفته لها الأجيال المتعاقبة المخلصة فى حفظ ذلك الميراث, الحريصة على أنمائه وإرسائه فى حياتهم , ثم خلفت من بعد ذلك خلوف استهترت بذلك التراث.

وكانت كالوارث السفيه الذى بذر ما تلقاه ميراثا عن أبائه وأجداده . فأضاعوا ما تلقوه من ثروة تشريعه ضخمة فذلوا وهانوا وتحطموا على موجات الاستعمار البغيضة واستسلموا للقوى الفكرية التى غزتهم من الغرب , وأصبحوا صنائع لتشريعات غربية عنهم ونبغ منهم أساطين كانوا كالببغاء يرددون بدون حياء أو خجل مآثر هذه التشريعات الغربية الدخيلة على حياتهم , وأعان على ذلك ما كانت هذه البلاد تزرح تحته من حكم أجنبى أو دخيل عليها فتمزقت رقعة الوطن الإسلامى وصارت شعوبا مختلفة متنافرة وانحطت مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية فى بلادنا حتى أصبحت عنوانها على التخلف الاقتصادى والاجتماعى ومضرب مثل فى التأخر .

ولقد قيضت مشيئة الله التى ترعى هذه الأمة نهضة شاملة جديدة لها وعيا صادقا ينحو إلى تحرير هذا الوطن الاسلامى خارجيا من الاستعمار وقواه وأذنابه , وداخليا من أفكاره وأنظمته , ولا يتسنى ما يتطلع إليه العالم العربى والإسلامى اليوم من تحقيق تلك الأهداف إلا بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية التى كانت عنوان مجده الأثيل وسبب نهضته العظيمة.

ولقد أصبح طابع العصر يحتم أن تبدو شخصية وطننا المسلم متميزة الملامح . واضحة المعالم المعالم , لا أن يكون الشعب المسلم ضعيفا هزيلا محتقرا على مائدة الغير فيكون أشبه بالأيتام على مأدبة اللئام ولئن كانت مصر قائدة الاتجاه الروحى والدينى منذ مئات السنين بقيام الأزهر الشريف فيها حارسا لرسالة الإسلام ومحافظا على تراثه المجيد , فإن هذه القيادة تضع على عاتقها واجبا هو السير فى طريقة الشريعة تطبيقا وتنفيذا لنقتدي بها شعوب المسلمين وتسير على نهجها ويتبعها فيما تأخذ به.

إن اعتبارات ثلاثة تلح على المصريين العودة إلى الشريعة الإسلام:

أولا: أن هذه الشريعة تربط بين الملك الفردى وحكم الجماعة بحيث يلزم أن يكون الضمير الفردى هو المسيطر على تصرفات الأفراد , قبل أن تطبق عليهم أحكام القانون , ومن هنا كانت الشريعة والتزامها فى حكم الوطن ضرورة لإصلاح شأن الفرد الذى لا ينبض المجتمع إلا بنهضته.

ثانيا : إن واجب القيادة الذى فرضته دواعى التاريخ على مصر للعالم الإسلامى والعربى يحتم أن تكون مصر هى البادئة بتطبيق أحكام الشريعة لتكون إماما وهاديا إلى غيرها من الشعوب.

ثالثا: إن واجب تبليغ هذه الرسالة إلى العالم , وتعريف الناس بما فى الشريعة من جمال وروعة تفرض وجوب تطبيقها لتكون مثلا تطبيقيا أمام الناس , على ما فى قواعدها من الخير والبر للبشر أجمعين .

لهذا كله كان منطقا أن تجمع على وجوب احترام الشريعة كمصدر للتقنين:

وبات هذا الأمر مقررا واضحا لا يحتاج إلى نقاش أو جدل فلقد أصبح لزاما على مجتمعنا أن يصدر فى تشريعاته وتقنيناته عن أحكام الشريعة وأوصلها , لوازم أن تطور كليات الحقوق والشريعة دراساتها بحيث تخرج لنا جيلا يؤمن بالشريعة مصدرا للتشريع بل وجب ان تلتزم معاهدنا سواء منها ا كان ابتدائيا أو عاليا هذا النهج الواضح لتخريج نشئ يؤمن بهذه الحقيقة ويدعو إليها ولا يكون ذلك إلا بتعهد الطفل منذ نعومة أظفاره بهذا التوجيه الصحيح .

وليست الحاجة غلى الشريعة فى حياتنا الاجتماعية والاقتصادية وحدها هى التى تدعونا إلى ذلك , بل إن الواجب يفرض علينا ذلك بحكم كوننا مسلمين مؤمنين بالله ورسوله وكتبه ورسالاته.

إن واجب إتباع الشريعة فى قانوننا وتشريعنا فرض كفاية لا نبرأ أمام الله منه إلا إذا اتبعناه , وكل فى هذا المجتمع من رئيس الجمهورية حتى أصغر واحد مسئول أمام الله عن تحقيق هذه الغاية :(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).

إن بين أيدينا كنزا لا ينصب من القواعد القانونية الأصيلة وعيب بل حرام أن نأخذ الفتات من موائد المتفضلين بينما تزخر شريعتنا بما تمتاز على سائر التشريعات.

ولأهمية هذه القضية نعرض لتطور التشريع الاسلامى فى مصر .

ولجهاد الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى هذا القضية وتطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان ورأيه فيما حدث بعد إعلان السودان تطبيقه الشريعة.

(أ‌) تطور التشريع من الفتح إلى الآن

كانت مصر قبيل الفتح الإسلامى تحت حكم الرومان تطبق فيها أحكام القانون فلما فتحها عمرو سنة 640م- 18هـ أصبح يحكمها وال يعينه الخليفة الاسلامى, واتبع فى مصر من حيث النظام القضائى ما كان متبعا فى غيرها من الولايات الاسلامية , وكان القضاة فى هذا الطور لا يتقيدون بمذهب معين , وكان الاستنباط موكولا إلى اجتهادهم أول الأمر.

وبقى القضاء على بساطته إلى عصر الدولة العباسية عندما أدى التسامح الدينى وانتشار العلوم بين المسلمين فى صدر الدولة العباسية إلى ظهور مختلف لمذاهب فى الشريعة الإسلامية , ولأول مرة فى عهد الخلافة العباسية يولى القضاة فى مصر من قبل الوالى لا من قبل الخلافة , كما كان من قبل , واشتهر فى مصر فى ذلك الوقت مذهب الإمام مالك , وما كان مذهبه ليحد من حرية القضاة فى استنباط الأحكام من الكتاب والسنة والتعويل على اجتهادهم وكانوا يختارون ممن يتوسم فيهم العلم بكتاب الله وسنة ورسوله , وكانت الثقة بهم كبيرة.

ثم تغيرت الحالة الاجتماعية وهر من القضاة من استغلوا الخلاف بين المذاهب فى العبث بالحقوق , ويحكمون بما تمليه أهواؤهم فتضارب أحكامهم وقلت ثقة الجمهور بهم . ورغب فى تقييدهم بمذهب معين تفاديا للتناقض وإقرار لعدالة , وساعد على تحقيق ذلك تدوين أحكام المذاهب من الأئمة واتباع السلاطين لبعضها.

وفى خلافة المهدى هارون الرشيد قلد من يقولون أبى حنيفة وفى عهد الدولتين الطولونية والأخشدية لم يكن القضاة جميعا تابعين لمذهب واحد , بل كان كل نهم المالكى والشافعى والحنفى .

إلى أن استولت الدولة الفاطمية على مصر فانتشر فى أول عهدها المذهب الاسماعيلى وكان علماؤه يقومون بتدريسه فى الجامع الأزهر , ولكن تعيين قضاة من الإسماعيلية لم يضعف مذهبى الإمامين مالك والشافعى إذ كانا قد حلا من قلوب الجمهور المكان الأول , حتى اضطر أبو أحمد بن الأفضل وزير المستنصر أن يعين أربعة قضاة يحكم كل بمذهبه, منهم قاض اسماعيلى , وسقط المذهب الاسماعيلى بسقوط الدولة الفاطمية , وإلى عهد الملك الظاهر كان قاضى القضاة شافعيا.

ولما فتح السلطان سليم مصر فى " سنة 923 -1516 م" أصبح المذهب الحنفى هو المعمول به فى البلاد. إلا أن المماليك لم يكونوا يعبئون بأحكام القاضى الحنفى , إذا لم توافق رغباتهم , وانتهى بهم الأمر إلى أن أعادوا ديوان القضاة الأربعة , ولما استولى الفرنسيون على مصر سنة 1212هـ انتخب الشرقاوى قاضى قضاة, وفى عهد محمد على شكا العلماء من تعدد المذاهب وتعدد الأقوال فى كل مذهب . وما يترتب على ذلك من أضرار بالحقوق .

فصدر فرمان يخصص القضاء بمذهب أبى حنيفة النعمان , إلا أن تعدد القوال فى هذا المذهب لم يكمن الشكاوى , فأصدرت الحكومة المصرية فى عهد الخديوي توفيق لائحة تتضمن نظاما للقضاة وأوجبت أن تكون الأحكام الصادرة من المحاكم الشرعية معينة على أرجح الأقوال فى المذاهب إلا أن لمصلحة اقتضت العمل فى بعض المسائل على بعض أقوال مذهب أبى حنيفة فنص فى القانون رقم 31 سنة 1911 على أن الأحكام الصادرة من المحاكم الشرعية تكون مبنية على أرجح الأقوال فى مذهب أبو حنيفة , وعلى ما نص عليه بذلك فى القانون كالأخذ برأى أبى يوسف فى حالة اختلاف الزوجين على قيمة المهر , وتلا ذلك تطورات عدة اقتضتها الظروف والضرورات, وأخذت أحكام كثيرة من مذهب الإمام مالك وغيره كأحكام الطلاق للغيبة والإعسار . وكعدم وقوع الطلاق الثلاث إلا واحدا .

وقد كانت الحكومة المصرية من الفتح العثمانى إلى زمن سعيد باشا لا دخل لها فى القضاء الشرعى , إذا كان السلطان هو الذى يعين قاضى القضاة , وهو الذى يعين قضاة المديريات والمحافظات ثم أصبح تعيين أولئك القضاة من اختصاص الحكومة المصرية , ثم صدر قانون رقم 12 سنة 1914 يلغى وظيفة قاضى القضاة وأحل دخله رئيس المحكمة العليا الشرعية .

عوامل قيدت الشريعة :

فتبين من ذلك أن الشريعة الاسلامية كانت منذ الفتح الاسلامى إلى عهد إسماعيل باشا, هى الشريعة العامة للبلاد : إلا أن عدة عوامل إلى عهد إسماعيل باشا , هى الشريعة العامة للبلاد : إلا أن عدة عوامل لا تمت إلى الشريعة بصلة لا شأن لها بأحكامها , وقد أدت بطريق مباشر إلى تضييق دائرة تطبيقها فى القطر المصرى , حتى قصرتها على الأحوال الشخصية , ومن أقوى العوامل التى قيدت الشريعة الإسلامية السماح للذميين باتباع أحكام دينهم , وقد كان ذلك نتيجة التسامح الإسلامى وتشبه بروح المسالمة واحترامه لحرية الأديان – ذلك التسامح الذى تجلى فى كتاب رسول اله إلى المهاجرين والأنصار . وادع فيه اليهود وأقرهم على دينهم وأموالهم ونسج على منواله من بعده الخلفاء الراشدون.

ومنذ الفتح الاسلامى صارت مصر ولاية عثمانية يسرى عليها ما منحته الحكومة للذميين بمقتضى الخط الهمايونى الصادر فى " 1856 – 1271هـ" الذى جاء مؤيدا لسنة التسامح الإسلامى مع غير المسلمين من سكان البلاد .

وقد رأت الدولة العلية بعد صدور ذلك الخط الهمايونى إنشا ء مجالس فأنشأت الطوائف التى لها ممثل بالقسطنطينية ومجالس ملية تتمتع بالامتيازات المعترف بها فى أنحاء تركيا و ثم امتد إنشاء تلك المجالس إلى مصر أيضا و وإلى الطوائف المصرية البحتة و وعلى ذلك أصبحت الشريعة الاسلامية هى الأصل ولا تخالف إلا فيما كان مرتبطا بدين الذميين ارتباطا كليا, كالزواج والطلاق .

والعامل الثانى , الذى أدى إلى تقييد الشريعة قريب الشبه بالتسامح الدينى وهو منح الأمان للحربيين الذين صيروه امتيازا لهم , ولقد كان الأمان يمنح ويعطى للذميين الذين يريدون دخول بلاد الإسلام, إلا أن الحروب بين المسلمين والمسيحيين انتهت بعد معاهدات بين المسلمين ومختلف الأمم المسيحية منح فيها الأمان لجميع أهل البلد المعاهد وبمقتضى تلك المعاهدات كان الحربى المستأمن كالذى يتمتع بحريته ويخضع لأحكام ملته,وانتهز الأجانب فرصة ضعف الدولة العلية , واعتبروا ما منحته لهم من الأمان حقا مكتسبا بل اعتبروه امتيازا و ولقد ذهب الأجانب فى مصر لأبعد من هذا إذا اعتبروه امتيازا قاضيا بعدم خضوعهم لقضاء المحاكم المصرية وأن القوانين الصادرة من السلطة المحلية لا تسرى عليهم وصار كل جماعة منها وعلى رأسها ممثل دوتهم يطبق داخل حدود مصر قانون دولته فأصبح بجانب القوانين المحلية 17 قانونا أجنبيا هى قوانين الدولة صاحبة الامتياز .

فعمت الفوضى إذ كان المتعاقدان لا يعلمان وقت العقد القانون الذى سيقضى بموجبه حال النزاع بينهما لأن المحكمة المختصة وهى محكمة المدعى والمدعى عليه لا تعرف إلا عند رفع الدعوى . وتعذر كذلك السير فى الدعوى استثنائيا لوجوب استئناف الحكم الصادر من المحكمة القنصلية أمام محكمة الاستئناف للدولة الأجنبية وكل ذلك أدى إلى تعطيل المعاملات ووجوب الاصلاح وانتهى الأمر بإنشاء المحاكم المختلطة – لتوحيد التشريع وتوحيد القضاء وطرق لتنفيذ .

والعامل الثالث: وظيفة النظر فى المظالم التى كانت تعطى من يتولاها حق الفصل فى أمور الناس وأعضاءها عجز القضاة عن إمضائه وطالما كانت تلك الوظيفة متفرعة من الخلافة لم تكن تعرض الشريعة الاسلامية أو تقال من أهميتها ولكنها عندما انقرض شأن الخلافة ,أصبح أمرها إلى السلاطين من الترك وغيرهم صارت من أخطر العوامل على الشريعة الإسلامية .

فقد قسم الترك الأحكام فى البلاد المصرية إلى سياسة شرعية , وذلك ما لم تعرفه الشريعة يوم ما وقصروا وظيفة قاضى القضاة على كل ما يتعلق بالأمور الدينية وأسندوا الفصل فى الأحوال الأخرى إلى الحجاب يقضون فيها طبقا لأحكام القوانين التنزية فلم يلبث أولئك الحجاب أن أغروا على اختصاص القضاة الشرعيين وخصوصا فى وقت لم تكن تعرف فيه نظم فصل السلطات عن بعضها.

عهد محمد على:

ولقد بذلت الحكومة المصرية خصوصا بعد اعتلاء محمد على العرض شتى الجهود لتنظيم القضاء بإنشاء مختلف المجالس , وإصدار القوانين , وحاولت أن تجعل الشريعة الإسلامية هى الشريعة العامة للبلاد فقد أنشأ محمد على عدة مجالس:

1- مجالس شرعية يتولى الفصل فيها قضاة شرعيون فى المواد الشرعية كالمواريث . الوصية والجنايات الكبرى التى تتصل بروح الشريعة السمحة , ولم يكن لها مصدر من القوانين الأوربية .

2- مجالس تعرف يومئذ بمجالس الأقاليم يتولى فيها كبار لموظفين الاداريين الفصل فى الشئون الادارية والمالية.

3- مجالس مختلطة من قضاة شرعيين وموظفين ملكيين للفصل فى بعض الموضوعات طبقا لأحكام الشريعة السمحة وبعض المواد القانون المعمول به فى ذلك الحين.

4- مجلس الحكام ويؤلف من كبار أصحاب المناصب فى الدولة ومن ولى اختصاص هذا المجلس النظر فى شئون القطر المختلفة والفصل فيها فصلا نهائيا بما يحقق رغبات الأهلين ويكفل اطراد المصالح العامة ومراجعة بعض أحكام المجالس الادارية إذا رفع بشأنها تظلم , ومقر هذا المجلس مدينة العاصمة وهو شبه مجلس الوزراء الآن .

5- ثم لما زادت حاجة الشئون التجارية إلى التنظيم أنشأ محمد على مجلسا مخالطا يتألف من أعضاء وطنيين وبعض الأجانب للفصل فيما يرفع إليه من المنازعات التجارية الحاصلة بين المصريين والأجانب على أن يصدر فى حكمه عن القانون الفرنسى مع مراعاة تطبيق أحكام الشريعة المنصوص عليها فى باب التجارة من كتب الفروع وقد سار سعيد باشا على نهجه فى الاصلاح فأحيا مجلس التجارة الذى كان أهمل بعد محمد على وقام بعدة اصلاحات فيعد عصره فاتحة الاصلاح القانونى فى مصر.

عهد إسماعيل:

وفى عهد إسماعيل : تم الاستقلال القضائى والإدارى بمقتضى فرمان الخديوية المصرية الصادر فى 14 جمادى الأولى 1890 هـ فأنشأ عدة مجالس لكل وجهته وهى:

1- أقلام الدعاوى فى مصر و الإسكندرية والأقاليم القبلية والثغور واختصاصها بالنظر فى الدعاوى المدنية التى لا تتجاوز قيمتها 1500 قرش.

2- مجلس مشيخة البلد ويختص بطائفة من الشئون الإدارية كملاحظة الأضرحة والمساجد والمكاتب وبعض أمور صحية كقيد المواليد والوفيات وحصر الأهليين.

3- مجلس دعاوى البلد ويختص بالحكم فى الحقوق المدنية التى لا تتجاوز 500 قرش وفى بعض المسائل الزراعية والجرائم التافهة كالمشاجرات والسرقات البسيطة وعليه السعى فى الصلح مهما كانت قيمة الموضوع المتنازع عليه.

4- المجالس المركزية وأهم اختصاصاتها الحكم استثنائيا فلا الأحكام الصادرة من مجلس دعاوى البلد وابتدائيا فى الدعاوى المدنية التى تزيد قيمتها على 500 قرش ولا تتجاوز 2500 قرش ثم امتد نطاق اختصاصها إلى أن بلغ 15000 قرش.

5- المجالس الابتدائية فى عواصم المديريات والمحافظة وتنظر فى الدعاوى المدنية مما يزيد قيمته على 25000 قرضو وكذلك فى الدعاوى الجنائية.

6- مجالس الإستئناف وكانت فى الوجهين البحرى والقبلى و القاهرة و الإسكندرية وتنظر استئنافيا فى أحكام المجالس الابتدائية.

7- مجالس التجارة فى أهم الثغور والبنادر وتنظر فى الخصومات التجارية وتستأنف أحكامها أمام مجلس استئناف مقره الاسكندرية .

8- مجلس الأحكام ومقره القاهرة ومن اختصاصه إعادة النظر فى أحكام مجالس الاستئناف فى الدعاوى التى تتجاوز قيمتها 25000, والقوانين المطبقة حينئذ كان بعضها مستمدا من الشريعة وبعضها من القانونين العثمانى والفرنسى فى الشئون التجارية والبعض الآخر بمقتضى اللوائح والتعليمات والمنشورات فيما يرفع إليه من منازعات بموجب تلك اللوائح والمنشورات مما يدل على عد وجود تشريع خاص للبلاد فى ذلك الحين وكانت المنشورات تتتالى بالإثبات والتعديل بالزيادة والنقص على هدى ما كان يراه مجلس الأحكام القديم ثم المجلس الخصوص الذى حل محله, ثم ديوان الحقانية الذى تلقى عنها ذلك الاختصاص فيما بعد .

وبقى الأمر كذلك حتى عمت الفوضى فى الأحكام والتطبيق لتعدد جهات الاختصاص , وهذه النتيجة لم تكن لنقص فى الشريعة الإسلامية ولكن لتقيدها ولتعدد جهات الاختصاص , ولم تقارن الشريعة الإسلامية بالقوانين الفرنسية غيرها عند إنشاء المحاكم المختلطة.

حتى يمكن القول بأنها لم تكن صالحة للتطبيق , وإنما أنشئت هذه المحاكم بعد مفاوضة الدول الأجنبية عندما عمت الشكوى من تعدد المحاكم القنصلية , وتعدد القوانين التى تطبقها , فكلف الأستاذ مونورى المحامى الفرنسى بالأسكندرية التى تطبقها , فكلف الأستاذ مونورى المحامى الفرنسى بالأسكندرية من الحكومة المصرية بوضع القوانين المختلطة.

وهو واضع القوانين المطبقة بواسطة المحاكم, وهى قوانين أجنبية , فاكتف باختصار القوانين الفرنسية وترجمها إلى العربية ترجمة مشوهة , والواقع أن الشريعة الإسلامية لم تغفل كمصدر تشريعى لقصورها عن أداء المغرض دائما, لأن القوانين إنما وضعت للأجانب قبل أن توضع لأهل البلد فلم يكن مستطاعا أرغامهم وهم أصحاب الامتيازات على الخضوع لأحكام الشريعة , والذى يؤيد هذا أن المحاكم المختلطة أنشئت قبل الأهلية , وأن اللجنة التى وضعت القوانين للمحاكم الأهلية كانت أغلبية أعضائها من الأجانب حتى لقد وضعت قوانينها باللغة الفرنسية كما قدمنا ثم عربت وجرى العمل فى المحاكم الأهلية عند اختلاف النصين العربى والفرنسى على تغليب النص الفرنسى.

ومما يدل على أن واضعي القوانين أغفلوا الشريعة أنهم نسوا أو تناسوا أ، فى البلد محاكم شرية من اختصاصها الحكم فى النفقات فوضعوا فى القانون المدنى مواد خاصة بالنفقات كالمواد 155, 156 , 157 ولقد بقيت البلاد وهذه حالها من تعدد فى جهات القضايا إلى أن كانت معاهدة مونترو التى ألغت المحاكم القنصلية والمحاكم المحتلطة و وبقيت المحاكم الأهلية والشرعية وبقى فى التضييق على تطبيق الشريعة الاسلامية التى كانت فى الأصل القانون العام للبلد إذ أن القوانين التى وضعت للمحاكم المختلطة لم تكن إلا للأجانب فنقلت إلى المحاكم الأهلية ولم يغير لك من حقيقتها شيئا , أنها للأجانب أيضا , وهناك نصوص فى قوانين المحاكم المالية غامضة حتى أن أهل المال أنفسهم لا يفهمونها , فذهب واضع القوانين إلى نقل قوانين أجنبية لمحاكمنا إلى وضع قوانين لا تلائم عاداتنا ولا تقاليدنا ولا العرف السائد بيننا , وإنما قد وضعت لأمم تختلف عنا فى الجو الذى نعيش فيه , وفى طبيعة البلاد وفى الذوق والدعادات والدين , بل كل ناحية نواحى الحياة لذلك كان فى بعض نصوصها ما لا يعرفه الدين الإسلامى ولا ترضاه طبيعتها كالنصوص الخاصة بجريمة الزنا .

وإذا قيل : إن الإصلاح قد تناول قوانينا فلا شك فى أنه كان اصلاحا قاصرا لم يحقق الغاية التى تنشدها البلاد الإسلامية فقد أغفلت الشريعة عند الاصلاح كما أغفلت تماما عند وضع هذه القوانين وكان الذين عهد اليهم أمر الاصلاح لم يعنوا إلا بمقارنة القوانين الأجنبية وإلا لما بقيت النصوص التى تعارض تقاليدنا كما هى لم يسمها تعديل أو إلغاء وإذا نحن اغتفرنا العجلة عند وضعها تحت الحاح الحاجة , فليس هناك ما يسوغها عند العمل على الاصلاح وما زلنا نذكر نقد احد النواب تخويل القانون للزوج حق قتل الزوجة فى حالة التلبس بجريمة الزنا دون الأب والأخ عند زنا البنت أو الأخت مع أن عادات بلادنا تحملهما من مسئولية الجريمة الأدبية مالا يتحمله الزوج.

وقد رد عليه أحد الوزراء بقوله : أنه لا داعى للنص لأن القضاء قد تكفل بسد النقص فهو بالأب أو الأخ بما يجعلهما على وجه التقريب كالزوج أفليس من المؤلم أن تكون مصر هى البلد الوحيد فى العالم التى يكون فى قوانينها نصوص يجمع القضاة بحكم عاداتهم وتقديرهم لعرف بلادهم على مخالفتها وتلافى نقصها ثم يأتى الشرع حتى عند الإصلاح إلا أن يغفل إجماع القضاة فيبقى النصوص كما هى .

لقد كان العرب فى دعايتهم للإسلام وعملهم على نشره يفتحون الاقطار فإذا لغة أهلها على قرب عهدهم بالفتح الإسلامى هى اللغة العربية ودينهم هو الإسلام وقوانينهم هى أحكام الشريعة الإسلامية العربية , ودينهم هو الإسلام وقوانينهم هى أحكام الشريعة الإسلامية لقد طبقت مصر الشريعة الاسلامية مدة طويلة على تعاقب الأعصار فإذا كانت هناك ظروف قد حدت من تطبيقها فقد زالت الظروف جميعا وبقى الشعب كما هى مسلما بدينه وبتقاليده وبعقيدته.

ونحمد الله إذ وفقنا بفضل الجهود التى تعاون فيها رجال القانون والشريعة حتى توج هذا الجهد المشكور بتوقيع معاهدة منترو سنة 1937 والتى انتهى الأمر إلى إلغاء التشريعات الأجنبية وقضى على القضاء المختلط وإن كان قد حددت لذلك فترة انتقال انتهت سنة 1949 , وفيها الغيت هذه المحاكم وما يحكمها من تشريعات نهائيا وبذلك زالت وصمة طالما لطخت جبين الحياة التشريعية من تشريعات فى مصر مدة سريان الامتيازات الأجنبية فيها , وتوجد ذلك كله فى جهة القضاء الوطنى التى خصصت دوائر من قضائها روعى فى اختيارهم العلم والإحاطة بما فى التشريعات التى تحكم الأحوال الشخصية للطوائف وكذلك فى القواعد المتعلقة بتطبيقات القانون الدولى الخاص , وبقى القضاء الوطنى والقضاء الشرعى والأخير ظل قاصا على نظر المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين وقضايا الأوقاف وفيما عدا هذه الأمور فقد أصبح القضاء الوطنى هو المضطلع بجميع النواحى الأخرى.

وبات الأمل فى ضرورة قيام تشريع قومى يستمد قواعده من ديننا , حتى لا نظل ضيوفا على موائد الغير فنأخذ عنهم التشريعت التى نشأت وتطورت فى بيئات تختلف كل الاختلاف عن بيئتنا وتقاليدنا وقد يكون لنا العذر فى ذلك لو أنا لا نملك من ماضينا وتراثنا ما يكفل وضع تشريع خاص بنا يصل إلى مستوى أعلى التشريعات الأجنبية أن لم يفقها جميعا فى إحالته وتقنينه.

دستور مصر

عرفت مصر النظام النيابى منذ سنة 1866حينما أصدر الخديوي إسماعيل أمرا فى 23 أكتوبر 1866 بإنشاء مجلس شورى النواب بقصد " التشاور والتعاون على توسيع عمارية ومدنية الوطن والاقتطاف من مآثر انضمام الآراء فى الأمور النافعة" وقد تطور نظامنا النيابى على مدى تلك الحقبة الطويلة من الزمن التى جاوزت قرنا من الزمن والتى يمكن القول بصفة إجمالية أنها مرت بثلاث مراحل : تمتد الأولي منها منذ 1966 حتي 1923 وقد كانت المجالس النيابية ذات اختصاص استشارى , أما دستور 1923 فقد أخذ بالنظام البرلمانى الكامل جعل اختصاص البرلمان باتا بالنسبة إلى التشريع مع إعطاء الملك حق الاعتراض على النحو الوارد فى ذلك الدستور كما حول البرلمان حق رقابة أعمال السلطة التنفيذية.

أما الدساتير التى صدرت عقب ثورة 23 يوليو 1952 فقد أخذت بالنظام البرلمانى مع تطعيمه ببعض مظاهر التقدم الرئاسى وإن كان دستور 1956 ذا طابع رئاسى غالب ويقوم النظام الدستورى الآن على الدستور الصادر فى 11 من سبتمبر 1971 مع التعديل الذى طرا عليه طبقا للإستفتاء الذى أجرى فى 22 مايو 1980 والذى تضمن إنشاء مجلس الشورى واعتبار الصحافة سلطة شعبية مستقلة.

مطلب شعبى

لما شرعت البلاد فى وضع دستور سنة 1971 – عقب التصحيح الثورى – انهالت البرقيات على مجلس الشعب مشيخة الأزهر مطالبة بأن تكون الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى أو الرئيسى للتشريع فأصدر الإمام الأكبر شيخ الأزهر – الشيخ محمد الفحام – بيانا نشرته الصحف فى 2 من يونيو 1971 بذلك .

وقد أثار هذا البيان حماسة وتبينت الارادة الشعبية العامة بالمطالبة بأن تكون الشريعة الاسلامية هى المصدر الأساسى أو الرئيسى للتشريع قاصدة من ذلك أن تكون هى المصدر الوحيد لذلك ( بدلالة التعريف لكلمة " المصدر") وساهم بعض المسيحيين فى هذه المطالبة.

وفى جلسات مجلس الشعب تناوب المعارضون لهذه الفكرة الحجج لضحدها بأسانيدهم المصطنعة .. وكان أكثر استنادهم على حجج مصاغة من العبارات الخلابة عن مبادئ الحرية والمساواة والأخلاق والإنسانية وأنها تغنى عن الدين.

ولكن مجلس الشعب أعرض عن ذلك وأصدر قراره واضحا بأن تكون الشريعة الاسلامية هى المصدر الأساسى ( يعانى الوحيد) للتشريع هكذا عرفة على سبيل القصر والحصر.

وفى جلسات المؤتمر القومى للإتحاد الاشتراكي – التى نوقش فيها مشروع الدستور – بذل أولئك المعارضون أقصى جهودهم وأما نيهم ونفوذهم لإحباط هذا النص ولكن المؤتمر وقف إلى جانب النص على أن تكون الشريعة الإسلامية هى وحدها المصدر الأساسى للتشريع وأصدر قراره بذلك وأصبح النص نهائيا.

لجنة الصياغة

فواقع الأمر أن هذه هى حقيقة النص وهذا هو التعبير الارادى الشعبى الصحيح الذى وضع به النص .

ولكن لجنة الصياغة – وكانت مكونة من : حافظ بدوى , و بدوى حمودة و محمد عبد السلام الزيات , و فتح الله الخطيب و محمد شلبى يوسف – غيرت هذا التعبير المحدد وأبدلته بالنص الذى جرى عليه الاستفتاء وهو أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر أساسى للتشريع بدون " أل" التعريف مصدر وبإضافة " مبادئ" إلى " الشريعة " وكان قد سبق أن صيغ الدستور الاتحادى على هذه العبارة ذاتها لأن من ضمن أعضاء الاتحاد – كما قيل – دول للإسلام فيها وضع خاص بسبب كثرة الطوائف.

ومع ملاحظة أن لجنة الصياغة ليس من وظيفتها تغيير الإرادة الشعبية ولا من اختصاصاتها أن تنال بل أ، قرارها فى ذلك لا يمكن أن يوجد قانونا , ومع ملاحظة أن الاستفتاء الشعبى ليس ف قدرته أن ينسب غلى الإرادة الشعبية الموافقة على تحليل قانونى دقيق إلى هذه الدرجة – بالفرق بين كلمة معرفة وغير معرفة – لأن هذا الاستفتاء إنما يجرى على مبدأ سياسى عام تكون إجابته جملة :" نعم " أو " لا" أو ما فى معناها فقط, مستمدا وقائما على الثقة فى وضع سياسى معين .

فهو فى الحقيقة استفتاء على الثقة بنظام الرئيس محمد أنور السادات بعد التصحيح الثورى , ولا يدخل فى نطاقه ولا يمكن أن ينسب له أن فد قدرته اعتمادا مثل هذه التفاصيل ز فهو لا ينسخ الموافقة الواعية التى صدر على أساسها قرار مجلس الشعب والمؤتمر القومى السالف الذكر بعد المناقشة واستيعاب حجج الخصوم.

فمع ملاحظة ذلك كله , فإن قرارها هذا فى نظرى لم يغير كثيرا من الجوهر , بل ربما يجعل بعض الفسحة, لأن الواقع أن العودة إلى تطبيق الشريعة كنظام كامل للحياة العصرية يحتاج لجهد شديد وزمن .

فإن الشريعة قد وقف الاجتهاد فيها منذ زمن طويل , وفى هذا الوقت استحدث أوضاع ونظريات برمتها لم تكن تعرفها الشريعة ولابد من تعرفها قبل التطبيق وذلك كنظرية الحرية ونظرية الملكية والاختلاف التام فى النظريات السياسية المعاصرة , وأوضاع المعاملات والحقوق والمؤسسات والمنشآت المالية التجارية العصرية , فكل ذلك لم تكن الشريعة الاسلامية تستطيع أن تستقل بتنظيمه يوم صدور الدستور وكان يتطلب وقتا للبحث وإن كنت ألاحظ أن الجهود المبذولة ليست كافية لمواجهة هذه الثورة التشريعية.

وسواء نص الدستور على أن الشريعة هى المصدر الوحيد أو هى إحدى المصادر فإن المعول هو أن يقوم العلماء بواجبهم الذى يجعل المشرع يضطر إلى الاقباس من الشريعة فجهدهم هو الذى يجعل المشرع يضطر إلى الاقتباس من الشريعة , كما كان جهد الفقه الفرنسى داعيا لاقتباسنا من تشريعات تلك البلاد دون دعوة تشريعية فهذه الدعوة التشريعية تحصيل حاصل متى كان المصدر قويا غنيا عن الدعوة إليه وهو أحراج وتأزيم متى أهمل فقهاء العلم تغذية المشرع بالموارد اللازمة للتشريع .

وقد قرر عبد الحميد متولى فى كتابه " الشريعة كمصدر أساسى للتشريع " (ص16) انه طالما ورد النص فى الدستور على أن الشريعة مصدر للتشريع ولم ينص على سواها فإنه ينبنى على ذلك أن الشريعة الإسلامية هى وحدها المصدر الرئيسى ذو المرتبة العليا , وبين أن سمو الشريعة الاسلامية من الأسباب التى تدعو إلى اتخاذها مصدرا وأنها كانت أساسا للحضارة العربية المعترف برقيها . وسد الفراغ التشريعى والثقافى.

مصدر رئيسى

وتفسر عبارة " مصدرا رئيسيا " فى النظام المذهبى بأنها المصدر الأول الذى لا يجوز الالتجاء إلى غيره إلا بصفة احتياطية وعند الضرورة القصوى وذلك بسبب أن النظام المذهبى يقتضى وحده الفكر ويعتمد على وسائله الخاصة المناسبة له – فإن لكل نظام وسائله كما قدمنا – وهذا يقتضى أن يكون الاعتماد الأول فى النظام الإسلامى على الشريعة الإسلامية , وأن المشرع لا يكون حرا – عند التشريع – فى التلفيق كيف يشاء من المذهب , وألا تعرض للتناقض والتضارب وبذلك فالواقع أن عبارة " مصدرا رئيسيا" تصارع عبارة " المصدر الرئيسى" وتقاربها إلى حد كبير فى النظام المذهبى بخلاف النظم الليبرالية فإنه نظرا لاتساع حرية المشرع فى التشريع فإنه يجوز أن يكون ثمة أكثر من نظام رئيسى فى وقت واحد , فيجوز للمشرع هناك أن يعتمد فى اقتباسه على المصادر اللاتينية والآنجلو ساكسونية والجرمانية وإسلامية على وجه المساواة كما حدث فى القانون المدنى المصرى ويخرج بشئ لا هو شرقى ولا غربى لأن الدولة نفسها نظامها حر غير مقيد بمذهبية معينة .

مبادئ الشريعة

كما تفسر عبارة " مبادئ الشريعة" بأنها " أصول الشريعة ":

فنحن لا نعرف فى الإسلام كلمة " مبادئ الشريعة " ولا دلالة لها . و أما أصول الشريعة فهى الادلة التى تستقى من مصطلحاتها ولا دلالة لها .

وأما أصول الشريعة فهى الأدلة التى تستقى منها الأحكام وهى الكتاب والسنة والقياس والإجماع والمصالح وسائر المصادر .

كما تنصرف أيضا إلى الكليات الشرعية والمصالح الكلية ,والتقيد بهذه العبارة على مفهوم واضح بدلا من إهمالها بإجرائها على معنى لا مفهوم له ولا دلالة وهو " مبادئ الشريعة" .

الإسلام دين الدولة

وأخيرا لا تفوتنا الدلالة لعبارة " الإسلام دين الدولة " فلهذه العبارة معنى آخر غالب فى النظام المذهبى . وهى أن الإسلام هو المذهبية العليا ( الأيديولوجية) فى هذا النظام ولها مكانتها كإيمان شعبى وعقيدة بحيث تؤدى الوظائف السابق ذكرها , وهى وحدة الفكر والتضامن الشعبى وإيجاد مشروعية عليا وإيجاد مشروعية عليا وإيجاد الدافع الذاتى , والضمير الاجتماعى والذاتى . ولها أيضا دلالة خاصة فى كل النظم : وهى أن الإسلام دين أغلبية الشعب , والشعب مصدر السلطات.

وبذلك فليست هذه العبارة ( تزويقا) أو شعارا أجوف كما يفهمه الذين يذكرون كلمة سخيفة قالها قانونى فرنسى منذ زمن بعيد فى القرن الماضى , وهى : أن الشخص المعنوى لا وجود له فى الواقع لذلك لا يقال أن لها ذي ناو عقيدة ! فهذا الكلام قد أصبح متخلفا مع جو النظامية المذهبية والموضوعية الذى ساد أفكار هذا القرن , ولم يعد من يردده يستحق بأن يوصف بأنه مثقف ثقافة قانونية عصرية . لقد تطلب وضع المادة ( 2) من الدستور المصرى قدرا كبيرا من الجهد والجهاد وهو الإسلام دين الدولة .. ومبادئ الشرعية الاسلامية مصدر رئيسى للتشريع.

البداية عام 1971

فى عام 1971 بدأ إجراء الدراسات القانونية والاطلاع على أمهات الكتب والأبحاث الفقهية واستعادة الأحكام الفقهية فى المذاهب الاسلامية الأربعة ... وما قال به أئمة الفقه الاسلامى .. ثم أعلن صوفى أبو طالب فى 4 نوفمبر 1978 عقب انتخابه رئيسا لمجلس الشعب أنه أن الأوان لأعمال نص لمادة الثانية من الدستور التى تقضى بان مبادئ الشريعة الاسلامية مصدر رئيسى للتشريع .. بحيث لا يقتصر الأمر على عدم إصدار تشريعات مخالفة لهذا النص بل بتعداده لمراجعة كل قوانينها السابقة على تاريخ العمل بالدستور وتعديلها بالاعتماد على الشريعة الغراء.

وفى 17 ديسمبر 1978 وافق مجلس الشعب على تشكيل لجنة خاصة بمشروعات قوانين الشريعة الاسلامية على أن تستعين بالدراسات والتقنيات والقوانين الخاصة بتطبيق الشريعة الاسلامية سواء فى مصر أو فى الخارج على أن يكون للجنة فى الاستعانة بمن ترى من الخبراء المتخصصين فى الشريعة الاسلامية والقانون.

الشريعة الاسلامية يراعى الوحدة الوطنية :

وقد تضمنت اللجنة التى اختصت بإعداد مشروع قانون العقوبات بين أعضائها مجموعة من علماء الأزهر الشريف وفى مقدمتهم الشيخ جاد الحق على جاد الحق مفتى الجمهورية آنذاك – وشيخ الجامع الأزهر حاليا.

كما ضمنت مجموعة من مستشارى محكمة النقض وأساتذة الشريعة الاسمية وقانون العقوبات فى كليات الحقوق.

وقد قامت اللجان الفنية بتقديم أبحاث عديدة خلال مدة وجيزة ولم يقتصر عملها على مراجعة مواد القانون الحالى لمعرفة مالا يتعرض منها مع أصول الشريعة الاسلامية فقط بل قامت أيضا بتأصيل مواد القانون وردها لأصولها الشرعية من كتاب وسنة أو اجماع أو رأى فقهى لربط التقنين بمصادره الشرعية.

وقد أكد الدكتور صوفى أبو طالب ن الشريعة الاسلامية إقليمية التطبيق وتراعى الوحدة الوطنية وتؤكد حقوق أهل الكتاب وقد أعلن إبراهيم الدسوقى وزير الأوقاف السابق فى 23 سبتمبر 1982 فى اجتماعات لجنة الشئون الدينية أنه " تم الانتهاء من 95% من قوانين الشريعة الاسلامية ويجرى تطويع النسبة الباقية وفقا لأحكام الشريعة للبدء فى تطبيق ما تم تقنينه فى أقرب فرصة ".

وقد قدم د. صوفى أبو طالب فى إحدى جلسات المجلس عام 1983 عرضا لما انجزته اللجنة الخاصة بدراسة الاقتراحات المتعلقة بتطبيق الشريعة الاسلامية – حيث أكد أن اللجنة قد عقدت أولى اجتماعاتها فى 20 ديسمبر 1978 برئاسته .. وانبثق عنها7 لجان فرعية هى لجان التقاضى والقوانين الاجتماعية والمعاملات المالية والاقتصادية القانون المدنى العقوبات التجارة التجارة البحرية .

وأضاف د. أبو طالب أن هذه اللجان أنجزت أغلب أعمالها وعرضتها على اللجنة الخاصة التى رأت الاستعانة برأى الأزهر والجامعات القضائية فأرسلت إليها ما انتهت إليه هذه اللجان لإبداء الرأى فى شأنها وتمت مراجعة بعض المشروعات المقترحة فى ضوء ما أبدته من أراء تلك الجهات واكتملت الصياغة النهائية لهذه المشروعات وأضاف د. أبو طالب أنه قد أصدر فى 16 إبريل 1979 قرار باستمرار اللجنة الخاصة فى عملها أثناء غيبة المجلس " وكان ذلك قبل حله ".

وأكد د. أبو طالب أنه أحاط المجلس فى 12 يوليه 1980 علما.. بما انتهت إليه لجان تقنين أحكام الشريعة الاسلامية وما أنجزته من أعمال .. كما أقر المجلس تشكيل اللجنة الخاصة ولجانها الفرعية فى 29 إبريل 1981 وذلك بعد إحاطته علما بما أنجزته اللجنة ولجانها الفرعية .. وفى 13 أغسطس 1981 .. عرض د. أبو طالب ما انتهت إليه اللجان.

إعادة تشكيل اللجنة الخاصة

وبعد أن قدم د. أبو طالب العرض السابق .ز اقترح على المجلس الموافقة على إعادة تشكيل اللجنة الخاصة مع " 7" لجان فرعية وتتولى اللجنة الخاصة وضع خطة العمل ومتابعة أعمال اللجان الفرعية والتنسيق بين ما تنجزه من أعمال .

واستنادا لنص الفقرة الثانية من المادة "82" من اللائحة الداخلية للمجلس فقد تم تشكيل اللجنة الخاصة من د. صوفى أبو طالب رئيسا و9 أعضاء هم حافظ بدوى , أحمد موسى, د. كامل ليلة. د. جمال العطيفى , د. طلبة عويضة , د. محمد محجوب, حنا ناروز , إبراهيم شكرى , وتم ضم بعض العلماء ورجال القانون وعلى رأسهم شيخ الأزهر و ووزير العدل والأوقاف , ورئيس جامعة الأزهر , المفتى أحمد حسن هيكل , رئيس محكمة النقض , ورئيس مجلس الدولة النائب العام , رئيس إدارة قضايا الحكومة رئيس محكمة استئناف القاهرة المدير العام للنيابة الادارية , عبد العزيز عيسى وزير شئون الأزهر الأسبق , عبد المنعم النمر , و زكريا البرى وزيرا الأوقاف السابقين, نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق.

رئيس إدارة قضايا الحكومة الأسبق , ورئيس مجلس الدولة الأسبق , نائب رئيس محكمة النقض الأسبق , 3 أعضاء من مجمع البحوث الاسلامية " عبد الله المشدعطية صقرإبراهيم الواقفى " . رئيس قسم الشريعة بحقوق عميد كلية الشريعة والقانون.

أما اللجان الفرعية رأس لجنة التقاضى المستشار ممتاز نصار وضمت 8 أعضاء ورأس لجنة القوانين الجنائية حافظ بدوى وضمت 7 أعضاء ورأس د. جمال العطيفى لجنة المعاملات المدنية وضمت 8 أعضاء , أما أحمد على موسى فقد راس لجنة التجارة البحرية وضمت 5 أعضاء ورأس د. كامل ليلة لجنة القانون التجارى وضمت 5 أعضاء ورأس د. محمد محجوب لجنة القوانين الاجتماعية وضمت 8 أعضاء .

اجتماع اللجنة العامة

وفى 17 فبراير 1983 اجتمعت اللجنة العامة لتقنين الشريعة برئاسة د. صوفى أبو طالب لبحث نقطة واحدة من موضوع تقنين الشريعة الاسلامية وهى التأمين بمختلف صوره وقد ضم الاجتماع مجموعة كبيرة من رجال القانون والشريعة الاسلامية وبعض المسئولين عن شركات التأمين حيث تمت مناقشة المشروع التمهيدى للقانون المدنى الذى يتضمن عدة نصوص بعضها مستحدث ولمناقشة بعض النقاط الشائكة التى كان لابد من استطلاع رأى الأزهر فيها وفى مقدمتها موضوع التأمين .. وذلك لاعادة النظر فى القانون المدنى.

قدم.د أبو طالب فى بداية النقاش عدة تساؤلات على التأمين حول مدى تمشى النصوص الحالية مع الشريعة الاسلامية ومدى كفايتها للتأمين .. وهل يتم تعديل هذه النصوص باستحداث صور أحكام جديدة .. والتصورات الخاصة بفكرة التأمين ... والتصور القانونى لعقد التأمين وقد تحدث فى هذه الجلسة الشيخ المشد عرض وجهة نظر الأزهر فى التأمين كجزءمن قانون المعاملات المدنية وتحدث احد رؤساء شركات التأمين وشرح المفهوم الحالى للتأمين وأنواعه.

وبعد ذلك تحدث الحاضرون حول تعريف التأمين وعقد التأمين ووثيقة التأمين الاسمية التى تتفق مع الشريعة التى تحدد النسبة حسب ربع الاستثمار الفعلى بعد خصم نسبة معينة للإدارة نظير القيام بعملية التأمين والباقى يوزع دون تحديد نسبة ثابتة.

اجتماع اللجنة الخاصة

وقد اجتمعت اللجنة الخاصة لتنفيذ أحكام الشريعة الاسلامية يوم 23 يولية 1983 برئاسة د. صوفى أبو طالب رئيس المجلس وضمت رؤساء اللجان الفرعية السبعة واستعرض د. أبو طالب فى الاجتماع ما أنجز فى موضوع تقنين الشريعة منذ تشكيل اللجنة الخاصة . وقدم كشف حساب لأعمال اللجان التى أنجزت التقنين فعلا نصوصا ومذكرة توضيحية وتأصيلا لأصولها الشرعية وكذلك أعمال اللجان التى مازالت بصدد وضع مذكرتها التوضيحية والتأصيل الشرعى للنصوص وأسباب تعثر بعضها لأمور خارجة عنها كالجنة الشئون المالية و الاقتصادية نتيجة لبحث موضوعات تثير جدلا فكريا بين رجال المال والاقتصاد

كالزكاة والسوائب وكيفية الاستثمار بصورة المختلفة .. وأوجه الخلاف بين القوانين المطبقة .. والقوانين المقترحة.

وقد اتبعت اللجان الفنية أسلوبا يتمثل فى اعتبار الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع .. وعدم ألأخذ بأى حكم فى القوانين الوضعية مخالف للشريعة.

وقد اتخذت اللجان أسلوبا " توفيقيا" حيث اتخذت من القانون الوضعى القائم أصلا من حيث الترتيب عدلت ما عدلت وأبقت على ما أبقت فى حالة اتفاقه مع الفكر الاسلامى واستحدثت ما استحدثته بما يقتضى الأمر تعديله أو تغيير و استحداثه ما استحدثته بما يقتضى قرآنيه أو أحاديث نبوية أو أقوال فقهية وترجح رأى بما يتفق مع المصلحة العامة.

انجازات اللجان:

وهكذا أصبح القانون البحرى الذى أنجزته اللجنة الفرعية من حيث الصياغة القانونية وتأصيله تماما نصا وتأصيلا ومذكرة إيضاحية كما تم انجاز والعقويات والحدود والتعزيزات ومواد القانون التجارى. أما القانون المدنى فقد تم تأصيل كل مواده لأصولها الشرعية وأنجز الباب التمهيدى والالتزامات والعقود والتأمين حيث تم التوصل لصياغات معينة فى الأسلوب الشرعى.

وقد أكد د. صوفى أبو طالب أن خطة العمل ى اللجان حيث أن المشروعات التى وضعت تم استطلاع رأى الأزهر فيها... وما زالت بعض المشروعات معروضة عليه.

وإن المشروعات الجاهزة ستعرض أمام اللجنة البرلمانية الخاصة التى ستقوم بعمل مذكرة عن كل مشروع تتقدم به اللجان الفرعية توضح فيها مضمون المشروع وما عدل فيه وما استحدث وما ألغى أى الخطوط والملامح العامة للمشروع وتنتهى المذكرة بإبداء رأى اللجنة فى صلاحية المشروع لعرضه على المجلس .. أو عدم عرضه وإذا أثبتت صلاحيته بعرض فى الأسبوع التالى .. أو عدم عرضه وإذا ثبتت صلاحيته للجنة التشريعية وعليها بعد فض الدورة عقد جلسات استطلاع للوقوف على رأى المواطنين فيه. وأكد أن الجهد الذى بذلته اللجان فى القانون المدنى هو جهد حقيقى حيث تم انجازه فى " 3" سنوات.

وفى 30 يونيو 1982 تقدمت لجان إجراءات التقاضى والإثبات بمشروع قانون حول المصالح المرسلة كمبدأ من مبادئ قضية الشريعة الاسلامية ومشروع آخر لقانون إجراءات التقاضى والإثبات , كما تقدمت لجنة المعاملات المدنية بمشروع قانون حول المعاملات المدنية ولجنة العقوبات بمشروع قانون للعقوبات ولجنة التجارة البحرية بمشروع قانون التجارة البحرية ... ولجنة التجارة عن مشروع قانون التجارة. وقد وافق مجلس الشعب على إحالة مشروعات القانون هذه إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية وذلك فى جلسة 1 يوليه 1983.

ومن يومها تقدم عشرات الأعضاء بطلبات لمناقشة مشروعات القوانين هذه .. لكن المحجوب يؤكد أنه لم يتم إعداد مثل هذه المشروعات ومن بين الذين تقدموا بذلك الشيخ صلاح أبو إسماعيل وآخرون.

(ب) دور صلاح أبو إسماعيل فى المطالبة بتطبيق الشريعة

فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل – من علماء الأزهر الشريف وعضو مجلس الشعب ورئيس لجنة المرافعات لتقنين الشريعة الاسلامية ومقدم المشروعات العديدة لمجلس الشعب ومن هذه المشروعات:

- الحدود الشرعية.

- الأحوال الشخصية.

- تطويع وسائل الإعلام لتوجيهات الدين.

- ترشيد ظواهر الحياة فى مصر.

- رعاية المعوقين .

- منع الربا مع تقديم الحل البديل .

يقول فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل :-

.... تطبيق الشريعة الاسلامية أمل الآمال وحلم الملايين فى مصر وفى العالم الاسلامى كله , وقد امتحننا الله سبحانه وتعالى بثقة الجماهير وهى أعز ما يمنح وهى الشئ الذى لا يشترى بمال وكنا نعلم منذ اللحظة الأولى أن الهيئة التشريعية هى الطريق الدستورى فى مصر للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية عن طريق الهيئة التى تملك حق النظر بالقوانين وحق إصدارها نجحت وصرت عضوا فى مجلس الشعب وقدمت مشاريع قوانين إسلامية عديدة وتجاوب الأعضاء وخضنا فى سبيل ذلك مرحلة طويلة مريرة من الصراع وكنت أدور مع هدفى فى تطبيق الشريعة الاسلامية فأغير مواقعى ولا أغير هدفى ولأول مرة فى تاريخ الحياة النيابية فى مصر منذ عام 1922 إلى اليوم لأول مرة يتقرر الحياة تحت قبة البرلمان أن تقنن الشريعة الإسلامية تمهيدا لتطبيقها فى يوم 18 ديسمبر 1978 كانت فرحتنا لا تقدر يوم طلب رئيس مجلس الشعب أن يوافق المجلس على تكوين لجنة من 15 عضوا كان لى شرف الانتماء اليهم لتقنين الشريعة الإسلامية واجتمعنا وتقرر أن ينطلق هذا العمل عبر لجان خمسة :

• لجنة الشئون الاقتصادية.

• لجنة الشئون الاجتماعية.

• لجنة الشئون المدنية.

• لجنة الشئون الجنائية.

• ولجنة المرافعات أو إجراءات التقاضى.

وكان لى شرف العمل مع لجنة إجراءات التقاضى مقرر لهذه اللجنة الموقرة التى ضمت أعلاما من رجال الفقه والقانون وعقدنا اجتماعات متواصلة وحملت اللجنة عبء الدراسات المستوفية وخصوصا فى نقطتين حساستين ترتطمان بما ينادى به من ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية فى مصر ذلكم هو موضوع تولى غير المسلمين القضاء على الوحدة الوطنية فى مصر ذلكم هو موضوع تولى غير المسلمين القضاء والشهادة واستمعنا فى هذا إلى آراء كثيرة وانتهينا بحمد الله تعالى ونعمته أن يشترط فى الفصل فى القضايا بين المسلمين بعضهم مع بعض أو بين المسلمين وغيرهم أن يكون القاضى متمتعا بالأهلية الشرعية أى أن يكون مسلما ويجوز أن يقضى قاضى غير مسلم فى القضايا التى أطرافها غير مسلمين ولهذا الرأى سند فى قول الله سبحانه وتعالى :" فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين وكيف يحكموك وعندهم التوراة فيها حكم الله " ثم قوله سبحانه وتعالى :" وليحكم أهل الأنجيل بما أنزل الله فيه".

ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب فى يونيه 1979 وأسفرت هذه الانتخابات عن تخلف الكثيرين لعوامل ليس هنا مجال الخوض فيها وظفر الآخرون وكان لابد من تنظيم الصف بناءا على هذه الانتخابات واقترحت على رئيس مجلس الشعب أن يطلب من مجلس الشعب تنظيم هذه اللجنة من أجل الوفاء بدورها والقيام بأعمالها ونتيجة لذلك عقد اجتماع فى مكتب رئيس المجلس يوم الخميس الموافق 6 من ديسمبر 1979 حضره شيخ الأزهر ووزير الأوقاف ومفتى مصر وكثير من العاملين فى لجان تطبيق الشريعة الاسلامية وكان من حسن الحظ أننا اللجنة الوحيدة التى أنهت عملها ولكن يؤسفنى أن هناك لجان قيل أنها ما خطت إلى الآن حرفا فأعلنت استعدادى باسمى وباسم اللجنة التى كان لى شرف العمل معها أن نحمل العبء وأن نسلم المطلوب عبر شهر على الأكثر وأسند العمل فى الجنة الاقتصادية.

ظلت الشريعة الاسلامية تحكم مصر منذ فجر الفتح الاسلامى إلى سنة 1882 حيث دهمنا الاستعمار الانجليزي الذى فرض علينا القوانين الوضعية والتخلف والجهل والفقر والمرض واستنزف ثرواتنا وأذل رقابنا وتحكم فى قوتنا ثم شاء الله سبحانه وتعالى بعد قرن من الزمان وبالتحديد فى 1/7/1982 أن يقرر مجلس الشعب المصرى تحويل مشروعات القوانين الاسلامية غلى لجنة الشئون التشريعية والدستورية لاستكمال إجراءات إصدارها تطبيقا للشريعة الاسلامية بعد أن ظلت اللجان المختصة المكونة من كبار العلماء ورجال القانون يعملون ليل نهار عبر أربعين شهرا من الزمان حتى أنجزوا التشريعات الاسلامية فى المدنى والجنائى والاقتصادى والاجتماعى والبحرى والتجارى والإثبات وقانون العقوبات والمرافعات وقد راجع مجمع الاسلامية هذا العمل وأبدى ملاحظاته عليه وتمت رعاية هذه الملاحظات والاستفادة منها وكذلك راجعت محكمة النقض هذا العمل واطمأنت إلى سلامة المصطلحات القانونية المألوفة.

وأحب أن اقول أن يوم 18/12/ 1978 هذا التاريخ الذى جاء فاصلا بين عهدين عهد المبادرات الفردية من بعض النواب إلى عهد العمل على مستوى مجلس الشعب كله حينما قرر تكوين لجنة عامة لتقنين الشريعة الاسلامية تستعين بمن شاءت من العلماء والخبراء ورجال القانون ووصلت هذه اللجنة عملها ليل نهار على مدى أربعين شهرا إلى أن أنجزت مهمتها وصبت شريعة الاسلام فى الجوانب الآتية :-

المدني – والجنائي – والاقتصادي – والاجتماعي – والمرافعات أو إجراءات التقاضي – والبحري والتجاري – وقانون الإثبات – الخ واستأنست هذه اللجنة برأي الأزهر فيما أنجزت فأننى شيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الاسلامية على هذا العمل العظيم بعد أن روعيت ملاحظات مجمع البحوث الإسلامية على هذا الانجاز الضخم كما أثنت محكمة النقض على هذا الإنجاز العظيم وبعد أن اطمأنت إلى حفاظ العمل على المصطلحات القانونية التى طال ألف القضاة لها وتعاملهم معها وفى يوم تاريخى مشهود قرر مجلس الشعب إحالة هذا الانجاز العظيم بتاريخ 1/7/ 1982 إلى لجنة الشئون التشريعية والدستورية لتكتب تقريرها الشكلى عن هذه المشروعات بقوانين , ولكى تستكمل إجراءات إصدارها وقد كنا قادر الدكتور صوفى أبو طالب سفينة هذا العمل بمهارة فائقة وإن كنا قد اختلفنا معه ونحن نستعجل تحقيق الأمل وندفعه بذلك دفعا إلى استعجال أهل لأذكر القائمين بالإنجاز ثم قدر لهذا العمل العظيم أن يدفن فى أدراج اللجنة التشريعية برئاسة المستشار حلمى عبد الآخر الوزير السابق لشئون مجلس الشعب ونحى الدكتور صوفى أبو طالب عن رئاسة المجلس ثم عن عضوية المجلس إذ لم يدرجه الحزب الوطني الديمقراطي فى قائمته التى ضمت مرشحيه فى الفيوم وجاء الدكتور كامل ليلة رئيسا لمجلس الشعب فتنكر تماما للأمل فى تطبيق الشريعة الإسلامية ثم جاء الدكتور رفعت المحجوب وفوجئنا به يجحد وجود مشروعات القوانين الإسلامية بعد كل هذاالذى سبق وينادى بعقبة القوانين المعمول بها حاليا مما يخالف شرع الله وينشئ لجان استماع للتعرف على رغبات الشعب وكان الدستور لم يصفح عن هذه الرغبات ثم انتهى الأمر غلى اتخذا قرار من مجلس الشعب بتنقية القوانين الوضعية مما يخالف شرع الله وفى ضمن هذا القرار انصراف عن الانجاز العظيم لشرع الله ثم سقط هذا القرار بانتهاء الدورة الماضية لمجلس الشعب وعدنا إلى درجة الصفر .

وأضاف الشيخ صلاح قائلا: أنه منذ 1/7/ 1982 وحتى الآن ونحن نلح فى إصدار هذه القوانين دون جدوى حتى انتهت مدة مجلس الشعب السابق وجاء مجلس الشعب الحالى فى شهر يونيه 1984 او أواخر مايو وإذا بالدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الحالى يعلن المرة تلو المرة بالحاح وإصرار أنه لا يوجد فى حوزة المجلس مشروعات قوانين اسلامية فأحببنا أن نتقدم بطلب مناقشة هذا الموضوع فى مجلس الشعب لاستجلاء الحقيقة فى هذا الأمر ولكن ما لنا أن نجد الدكتور رفعت المحجوب رئيس المجلس يصر إصرارا على وأد هذا العمل الكبير وجحد أن يكون فى مجلس الشعب شئ إسمه مشروعات القوانين الاسلامية.

الصـــدام

إلى أى شئ انتهى الأمر بينكم

انتهى الأمر إلى صدام بيننا وبينه انتهى غلى عرض الموضوع على مجلس الشعب عرضا ليس له جذور ولا أساس وليس من ورائه غاية سوى إضاعة هذا الأمل فى إعلاء كلمة الله .

فمن الطبيعى أن يدرج فى جدول أ‘مال الجلسة كل ما يعرض من موضوعات ولكن هذا الموضوع طرح فى الدقيقة الأخيرة من جلسة المجلس دون أن يدرج فى جدول أ‘مال الجلسة لينتهى إلى تأجيل النظر فيه بمعونة الأستاذ توفيق عبده إسماعيل وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب إلى الجلسات الأولى من جلسات المجلس فى سنة 1985 وذلك منذ يناير أن ينصرف الأعضاء قبيل انتهاء الجلسة ليعرض هذا الأمر الخطير عرضا لا يسمعه ولا يبصره سوى من تبقى فى أعقاب الجلسة من النواب.

اقتراح من 70 عضوا لم يدرج فى جدول الأعمال :

هل كان من الممكن تدراك الأمر ؟

لم يكن ممكنا تدارك هذا الأمر الخطير إلا يوم أن تعرض هذه المضبطة على المجلس للتصديق عليها تمهيدا لإقرارها وعرضت المضبطة يوم 11/ 3/ 85 للتصديق عليها وطلبت الكلمة لأتناول نقاطا ثلاثا:

1- الاحتجاج على عرض الاقتراح برغبة مناقشة موضوع الشريعة الاسلامية المقدم من حوالى سبعين عضوا دون أدراجه فى جدول الأعمال الأمر الذى فوت على المهتمين بهذه القضية معرفة ميقات عرضها أيضا فإن عرضها فى آخر دقيقة يعد انتهازا لانصراف الأعضاء وإبرام أمر قد بيت بليل..

2- الاحتجاج على الحكومة لتدخل وزيرها الأستاذ توفيق عبده إسماعيل لتقترح ان تكون مناقشة هذه القرارات فى مايو والذى يخصص عادة لمناقشة الميزانية ثم ترفع بعده الجلسة ليدخل المجلس فى إجازته السنوية وحتى لو أقر المجلس شيئا فإن لائحة المجلس تقتضى أن يسقط بانتهاء دورة من دوراته كل ما يتعلق بها وكأنه ضياع مقصود او تأجيل هو والعدم سواء".

3- استحضرت معى مشروعات القوانين الاسمية التى أنجزها المجلس السابق وقلت للدكتور رفعت أنك تزعم أن مجلس الشعب ليس فى حوزته قوانين إسلامية وهاهي ذى مشروعات القوانين التى أنجزها مجلس الشعب السابق وصرف من ميزانياته مكافآت للجان التى قامت بهذا العمل وهذه صورة لمكافآت التى جرت بين هذا المجلس ومجمع البحوث الاسلامية وكذلك المكاتبات التى جرت بين المجلس ومحكمة النقض وكذلك المشروعات وهذه هى جريدة مصر الرسمية تسجل ذلك كلها وتلك هى المضبطة رقم 70 لجلسة 1/7/ 1982 كل ذلك موجود وهو من أ‘مال المجلس السابق فكيف يسقط ؟ وكيف ينتهى ؟ وكيف يتبخر" إن كانت اللائحة تقول إن هذا العمل الضخم العظيم سقط فإن المجلس الحالى يستطيع أن يقول أنه يتبنى هذا الانجاز العظيم والمجلس سيد لائحته وبهاذ يكون قد أنقذنا هذا العمل ن الضياع ودفعنا به إلى التيار التشريعى , ولكننى فوجئت بالدكتور رفعت يصر على أنه ليس فى حوزة المجلس مشروعات المعارضة الوفدية على عدم إثارة موضوع الشريعة.

إن الغالبية من أعضاء مجلس الشعب والمعارضة اتفقوا على وأد الآمال المتعلقة بتطبيق الشريعة الاسلامية فى مصر وقام الأستاذ ممتاز نصار ليعلن أن ما ذكره رئيس المجلس من أنه طلب منه ألا يتحدث فى مشروع الشريعة وتطبيق أحكامها قد حدث فعلا ثم يضيف زعيم المعارضة أن كلام الشيخ صلاح أبو إسماعيل أصبح لا يمثل إلا نفسه بعد أن قررت الهيئة العليا لحزب الوفد قبول استقالته وفوجئت كذلك بصمت المجلس أغلبية ومعارضة وقد كان المفروض أن ينصروا مطالبتى بتطبيق الشريعة الإسلامية ولكن كانت المفاجأة مذهلة فأين إخوانى الذين وقعوا معى ووقعت معهم على طلب مناقشة مشروع الشريعة الاسلامية.

4- وأنا أعلم أننى حين أطلب بالشريعة الاسلامية لست وحدى ولو كنت وحدى لما التوت همتى ولا ضعفت عزيمتى فكيف لى والكل معى شعب مصر وشبابها يتحرقون شوقا إلى اليوم الذى يتقرر فيه تطبيق الشريعة الإسلامية حتى لقد أصبح هذا الموضوع ستارا تستخدمه الدولة حينما تريد أن تشغل به الرأى العام بأمله العريق عن أجسام من الأمور .

أن مجلس الشعب كان قد عقد جلسة مسائية فى هذا اليوم 18/12/ 1978 وقد استدعى الدكتور صوفى أبو طالب ليرد على الهاتف وبعد ربع ساعة جاء ليعلن أنه يقترح تشكيل لجنة لتقنين الشريعة الإسلامية من همسة عشر عضوا مكنت من بينهم ومع إحساسي الدفين بحقيقة الأمر فلقد بالغت بالترحيب بهذا القرار بكلمة ألقيتها فى مجلس الشعب ترحيبا له.

المؤامرة

- كيف بدأت مؤامرة مايو سنة 1985 وكيف انتهت؟

ظهر أن يوم 4/ 5/ 1985 هو الجلسة التى سيطرح فيها موضوع الشريعة فكان لابد من تخطيط شيطانى تمثل فى عقد لجان للاستماع لوجهات نظر المواطنين.

أضافوا إلى ذات قضية الدعوة الاسلامية وقضية وسائل الإعلام على أن يكتب تقرير بمعرفة لجنة الشئون الدينية يتضمن آراء المشاركين فى هذه اللجان لينتهي هذا التقرير إلى اقتراح بتنقية القوانين المعمول بها حاليا مما يخالف الشريعة الاسلامية وضمن ذلك تجاهل لما تم انجازه من مشروعات القوانين الاسلامية وبدء لمسيرة جديدة فى مضمار التشريع لا تعرف نهايتها واتفقت المعارضة مع الأغلبية على ذلك .

موقف حزب الوفد

- ما موقف حزب الوفد من هذا الصراع؟

عندما رأيت نشيج المؤامرة وهو يحالك فذهبت إلى الأستاذ فؤاد سراج الدين ووضعت يدى فى يده وبذلت ما بذلت من أجل النجاح الحزبى فى الانتخابات بعد أن ألجأتنا الحكومة بمنطق القائمة النسبية والقوائم الحزبية إلى الانضمام للوفد .

وكنت قد اتفقت مع الأستاذ فؤاد سراج الدين رئيس [[حزب الوفد] على أن الشريعة الاسلامية فى برنامج الحزب هى المصدر الأول للتشريع وطبع ذلك فى برنامج الحزب وأصدر بذلك بيانا فى الصحف يوم 11/3 /85 بل وجعل ذلك النقطة الأولى فى برنامج الحزب الانتخابى أواخر مايو 1985 ولكنه بعد الانتخابات تنكر فى غير صارحة لهذا الاتفاق .

فهى لولبية غريبة الشأن وقد قلت وأنا أتحدث إلى مؤتمر شعبى لأندد بموقف الأغلبية والمعارضة المتقاعدة من تطبيق الشريعة الإسلامية وأقول إن العمل الحزبى إذا تحول إلى عقبات فى طريق العمل الإسلامى فإنى أخلع رداء الحزبية , ولقد أعلن فؤاد سراج الدين ن الوفد لن يتحرك للمطالبة بالشريعة الإسلامية فى مجلس الشعب .

دار حول هذا الكلام جدل كبير قلت على أثره أتحرك أنا كما لو كنت مستقلا فقال إن حزب الوفد لن يسمح لك بالمطالبة بتطبيق الشريعة فى مجلس الشعب أبدأ , وبعد جدل حول هذه القضية أيضا قلت له إذا فلنحتكم إلى النواب لنرى رأيهم . فقال ولن نسمح بطرح هذه

القضية لمناقشتها .. إذا كان لابد ان تنزل إلى الشعب صاحب القضية الأصيل الذى منح ثقته لنوابه وهم يستدرونها فى الانتخابات على ضوء من العهد المبذول إذ أصواتهم ستكون لتطبيق شريعة الله والحمد لله اتفقت الكلمة فى إطار الإخوان المسلمين بعد موقف مجلس الشعب فى 11/12 / 1985 لتتبلور يوم الجمعة الأخيرة من شهر شعبان 1405 على النحو الذى أذاعته وكالات الأنباء فقد أصدرنا بيانا وقعه عشرة من النواب وقررنا أخطار وسائل الإعلام ووكالات الأنباء لمؤتمر ينعقد فى مسجد النور وقرروا أن أخطب الجمعة وأن يتحدث زملائى النواب من الإخوان المسلمين الذين هم وفديون فى ظاهر الأمر لكى يحيطوا الناس علما بما كان من أمر جلسة يوم 4/5/ 1985؟!

الحزب الوطني يجمع توقيعات

- ما موقف أعضاء مجلس الشعب من هذا كله؟

فوجئت بإخوانى النواب من أعضاء لجنة الشئون الدينية ثائرين لسببين:

الأول : أنهم وجدوا الأستاذ حسن حافظ عضو المجلس يجمع توقيعات النواب من الحزب الوطني لإغلاق باب المناقشة أو تفتح الجلسة.

الثانى: أن تقرير لجنة الشئون تمثلت فيه خيانة رئيس اللجنة الدكتور محمد على محجوب فبرغم إن اللجنة اتفقت على أن ينادى التقرير بتبنى مجلس الشعب للقوانين تطبيقا للشريعة الإسلامية فقد نكل عن ذلك الاتفاق وعدل عنه إلى المطالبة بتنقية القوانين المعمول بها حاليا مما يخالف الشريعة الإسلامية .

وأيضا فقد زعم فى التقرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عطل الحدود زمن الحرب ! وهذا كذب وافتراء وزعم كذلك أن عمر رضى الله عنه عطل الحد من المجاعة وما كان أمير أن يعطل حدا وجب تطبيقه ولكنه درأ الحد بالشبهة ولو قطع يد السارق مع قيام الشبهة لكان مخالفا لحكم الإسلام ومن عجب أن يقوم الأستاذ ممتاز نصار ليقول أن المعارضة الوفدية على علم بما نادى به التقرير وأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة فقلت له فى كلمتى أنك كنت رئيس لجنة من لجان تقنين الشريعة الإسلامية وقد أنجزت اللجنة عملها وأحيلت المشروعات وانجازات اللجان الأخرى إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية فكيف يتجاهل ما تم انجازه ونبدأ رحلة قد قطعناها وانتهينا وبلغنا من ورائها إلى الغاية .

المحجوب يصدر حقوق النواب

ما هو موقف د. رفعت المحجوب فى جلسة مايو سنة 1985؟

لقد كانت المفاجأة الثانية فى جلسة 4/5/ 1985 وهى أن رفعت المحجوب يصادر حقوق النواب فى الكلام ولا يعطى العلماء من الأعضاء فرصة الحديث فى الشريعة الاسلامية . فوجئنا به يعلن انه قد وصلته ورقة تطالبه بإغلاق باب المناقشة اضطر أعضاء اللجنة الدينية الذين هم أصحاب التقرير المعروض للمناقشة ( فيما هو المفروض) حين صودر حقهم فى الكلام أن يعلنوا احتجاجهم وانسحابهم من الجلسة .

ثم انتهت الجلسة أخيرا إلى الموافقة على إغلاق باب المناقشة وعلى ما نادى به التقرير فكان لابد مما ليس منه يد وهو أنه وقد فاتنا أن نحصل على قرار من المجلس يتبنى مشروعات القوانين الاسلامية قدمنا هذه المشروعات الاسلامية موقعا عليها من عشرة أعضاء وهو الحد الأعلى الذى حددته اللائحة لما يقدم على وجه الاستعجال من الاقتراحات بمشروعات القوانين وضمنا بذلك شيئا واحدا فقط هو أنه لن يستطيع رفعت المحجوب أن يقول أنه لا يوجد فى حوزة مجلس الشعب مشروعات قوانين إسلامية فقد أودعنا أمانة المجلس ولكن لا ندرى هل سيظهرها المجلس أم سيدفنها فى أدراجه , وعزاؤنا أن الله قال لرسوله " إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" وعزاؤنا من ناحية ثانية أن شعب مصر المؤمن لن يسكت عن المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية وسوف يحاسب نوابه فى الوقت المناسب حسابا عسيرا بعون الله.

مشروعات القوانين

- بعد هذه المحاولات المريرة ماذا فعلتم ؟

أولا : قدمنا مشروعات القوانين الاسلامية السابق ذكرها من جديد إلى مجلس الشعب فى الدورة الماضية كى لا يقول الدكتور رفعت المحجوب أنه لا توجد مشروعات قوانين اسلامية فى مجلس الشعب وبرغم ذلك فقد أهملها كل الإهمال وكأن شيئا لم يقدم.

ثانيا : جددنا تقديم هذه المشروعات من جديد فى مستقل هذه الدورة .

ثالثا: ننتظر انتهاء مجلس الشعب من مناقشة بيانى رئيس الجمهورية والحكومة على ضوء تقرير لجنة الرد على البيانين لنطالب تحديد موعد لمناقشة قضية تطبيق الشريعة الإسلامية.

رابعا: سوف نظل نناشد شعب مصر من خلال الخطب والمقالات والمؤتمرات لتضغط كل دائرة على نوابها ليكون لكل نائب موقف إيجابى فى موضوع الشريعة الاسلامية وهذا هو الطريق نسلكه ونحن نشعر أن قوة غريبة على ديننا ومقدساتنا لا تريد لهذه الخطوات أن تبلغ مداها وإذا كانت مصر اليوم تعانى من وطأة الديون وتسلط الصهيونية فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. وسوف نظل نشعر بالمرارة فى حلوقنا ونحن نقرأ مثلا ان القضاء أعمل القانون الوضعى فى حماية تاجر الخمر المتهم بدس السم فى الخمر بعد أن ثبت حسن نيته بالنسبة لموضوع السم فأطلق سراحه وإن يكن متورطا فى الاتجار بالخمر لأنه لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص ولا يكفى النصر القرآنى والمحمدى على أن الخمر حرام وأن شاربها يحد وأنه لا يجوز الترخيص ببيعها ولا صنعها وفى حلوقنا مرارة كذلك من هجمات العلمانيين والماسونيين والإلحاديين على الإسلام فى صحفنا المسماة بالقومية لأول مرة فى تاريخ مصر ولست أدرى كيف يحمل بعض هؤلاء شهادة الإسلام لقد قرأت أخيرا لفيلسوف كبير أنه يحتج لفكره ضد الإسلام بالقوانين الوضعية والتقاليد المنحرفة والشعوبية الأثيمة ولتعليمية المحدودة واقتتال المسلمين بعضهم ضد بعض ويتهم لائيمة بأنهم من ذوى أنصاف العقول ثم يرى أن تعدد السلام ونسى أن الله تعالى جمع هذه الملل والنحل فى آية واحدة قال فيها ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبى الذين أمنوا والله ولى المؤمنين) ولكن الماسونية التى تخدم الصهيونية تجعل انتماء شيخ الأزهر لإبراهيم كانتماء بيجن لابراهيم عليه السلام وهكذا تبلور الموقف إلى قاعدة شعبية عريضة تتمثل فى تيار اسلامى عارم جارف تعددت منابعه فى شتى محافظات مصر فأما وجد المجال إلى مصب كريم , وأما فاض وأشرف فى طريقة كل عنيد وأن أوى إلى جبل يزعم أنه يعصمه من أمر الله فالله متم نوره ولو كره الكافرون .. والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين"

مبارك وحق التشريع

الدستور أعطى رئيس الجمهورية حق التشريع , وأنا قد طالبت الرئيس مبارك من فوق منبر مسجد النور بأن يتقدم بمشروعات القوانين الاسلامية التى أنجزها مجلس الشعب السابق وراجعها الزهر ومحكمة النقض وأقروها .. ولو أنه تقدم بها فلن يسع حزبه إلا أن يستجيب . وهو الوحيد الآن الذى يملك تطبيق الشريعة الإسلامية إذا شاء... بحكم أن الله مكن له فى الأرض .. هو وحزبه..

(جـ) تطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان

يقول فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل إجابة على سؤال وجه إليه فى مؤتمر شعبى عقد فى المنصورة يوم 31/ 3 / 1986 ما نصه :-

أربعة عيوب فى التطبيق

أنا ذهبت إلى السودان فى سبتمبر 84 وكنت مدعوا للاحتفال بتطبيق الشريعة الإسلامية هناك فلما كان ما كان من أخطاء التطبيق وهى أخطاء يتنزه عنها الإسلام تلقيت من سوار الذهب دعوة حملها النائب العام الأخ المستشار عمر عبد العاطى وزير العدل هناك فذهبت وراجعت القوانين الاسلامية هناك – فراغبى وأدهشنى أن النميرى حبس سنة من رجال القانون فى مكتب وقال لهم فى 3 أيام اعملوا قوانين شريعة إسلامية فأخذت على هذا العمل 4 عيوب.

الثانى : أن المواد القانونية لم تكن محبوكة .

الثالث : أن المواد القانونية لم تقترن بها مذكرات تفسيرية .

الرابع: أن هذه القوانين أحيلت إلى اجتهادات القضاة هناك وهى قاصرة لأن قضاة هذا الزمان درسوا القانون الوضعى فكيف نحيل إلى من ليست عنده أهلية الاجتهاد – وكنت أتوقع ذلك فأخذت قوانين الشريعة الإسلامية التى أنجزناها فى مجلس الشعب خلال أربعين شهرا وقدمتها لهم وقلت لهم هذه قوانين أعدت على مهل وبأناة وعكف على إعداده علماء متخصصون ومستشارون راسخون وراجعتها محكمة النقض ثم راجعها الأزهر ثم أحالها مجلس الشعب إلى لجنة الشئون التشريعية وقبلوا هذا المنطق وعكفت على التليفزيون أبصر الرأى العام هناك الذى يمثله 49 حزبا ولم أسلم من بعض الألسنة المهم أن المسيرة الاسلامية فى السودان بخير.

حسنتان لنميرى

ومهما قيل عن النميرى فإن له حسنتين:

الأولى: أنه اقتحم هذا الطريق.

الثانية : أنه جعل علم القوات المسلحة فى السلم لا إله إلا الله محمد رسول الله وفى الحرب الله أكبر.

الفصل الخامس: الشهادتين

أولاً: ما هى الشهادة

الشهادة أهم ركن من أركان التحقيق القضائي ودائرة الشهادة فى المواد المدنية ومواد العقوبات واسعة وآفاقها بعيدة.

فالشهادة هى ما يقر به شخص ما أمام جهة قضائية عما يكون قد رآه أو سمعة أو أدركه بحاسة من حواسه متعلقا بالجريمة سواء فيما يتعلق بذات الوقائع المكونة لها, أو الوقائع السابقة عليه التى قد تفيد فى معرفة بواعث الجريمة , أو الوقائع التى تلت وقوعها وقد تتعلق الشهادة بما يعرفه الشاهد عن نفسية المتهم وشخصيته كذلك قد يكون موضوع الشهادة ما سمعه الشاهد من الغير , والشهادة على هذا النحو تحتل مقاما هاما من بين وسائل الإثبات الجنائية التى يستعين بها القاضى فى كشف النقاب عن الحقيقة ( نقص 6 فبراير سنة 1978 مجموعة أحكام محكمة النقيض س 29 رقم 25 ص 136).

ولذلك قال بنتام بأن الشهود هم عيون القضاء وآذانه .

ولكن على الرغم من هذه الأهمية لشهادة الشهود , فإن القضاء يجب أن ينظر إليها بعين الحذر إذ قد تكون غير مطابقة للحقيقة سواء عن عمد أو عن خطأ .

لذلك حرص المشرع على وضع قواعد استهدف بها ضمان جدية الشهادة وصدقها وجدواها فى الكشف عن الحقيقة , فقرر إلزام الشاهد بلف اليمين قبل أداء شهادته حتى تحثه خشية الله على التزام الصدق فى شهادته , وقرر أن تكون الشهادة شفهية ليتيح للقاضى السبيل إلى ملاحظة ملامح الشاهد وتعبيرات وجهه أثناء أدائه الشهادة فيستشف من ذلك مدى صدقه فيما يدلى به , وأخيرا قرر المشرع اعتبار شهادة الزور جريمة حتى يكون التهديد بالعقاب رادعا للشاهد عن تغيير الحقيقة بشهادته. وتجد الشهادة حدودها عند ما سمعه الشاهد أو رآه أو أدركه بإحدى حواسه , فلا يمتد نطاقها إلى إبداء رأيه فى الواقعة أو إلى تحديد مسئولية المتهم عنها.

وقد كتب النائب العام الفرنسى الأستاذ فرانسوا جورف مؤلف ضخم باللغة الفرنسية تحت عنوان ( نقد البينة) وقد ذكر فيه الأخطاء موضوع الشهادة .

ورسم الكتاب الخطط المثلى الموصلة غلى هذا التحليل وفقا لعلم النفس وحسبما تقتضيه طبيعة كل قضية.

والحق أ، علم نقد البينة قد أصبح الآن من أهم المواد التى تدرس فى كليات الحقوق والشرطة فى الخارج وأعتقد أن الوقت قد حان لأن نسير فى بلادنا على خطى هؤلاء الذين سبقونا فى هذا المضمار لكى نتجنب الوقوع فى أخطاء قضائية بسبب شهادة الشهود.

فالشاهد قد يكذب بحسن نية وهو لا يقصد ولا يدرى أنه يكذب وبعبارة أخرى يوجد نوع من الأكاذيب ينزلق إليه الشاهد وهو تحت مؤثرات خاصة لا يفطن إليها كالإيحاء الجماعى أو إيحاء الوالدين أو إيحاء من له الولاية أو السلطان عليه أو بسبب اختلاط الذكريات المتباينة فى ذهنه أو بسبب خداع الذاكرة أو خداع النظر وما إلى ذلك.

ولا يتسع هذا الكتاب – المحدود النطاق – لعرض القضايا الهامة التى وقع فيها القضاء فى أخطاء يؤسف لها بسبب عدم الالتفاف إلى واجب تحليل الشهادة ووزنها الفنى الصحيح فهذا كله مرجعه الكتب المطولة فى علم البينة وعلى رأسها كتاب الأستاذ ( فرانسوا جورف السابق الإشارة إليه .

وعنها كتاب الأستاذ ( بول وجولى) وهو بعنوان " المساواة فى الشهادة أمام القضاء الجنائى" ومنها كتاب " ج. بنتام " الانجليزي وهو مترجم إلى الفرنسية بعنوان " شرح طرق الإثبات القضائية ". ومنها كتاب الأستاذ " هانس جروس" الالمانى وعنوانه " الموجز العملى للتحقيق القضائى الجنائى " وكتاب الأستاذ السويسرى " لارجينة " الذى نشر فى مدينة لوزان بعنوان " علم النفس فى البينة".. وغيرهم وفى مصر كتاب الأستاذ محمد فتحى كتاب " علم النفس الجنائى " وكذلك المستشار تادريس ميخائيل تادريس كتاب " فحص وتحليل شهادة الشهود فى علم النفس والقانون المقارن".

هذا ومن حسن الحظ أن التشريع المصرى الحالى قد أخذ إلى حد بعيد بالرأى المؤسس على حرية القاضى فى الفحص والتحليل وقد أطلق عليها الأستاذ " فرانسوا حورف" عبارة " نظرية النقد الحر للبيئة" والنقد الحر له قواعد فنية أولها هو عدم خضوع القاضي ذاته لأي تأثير عليه اللهم إلا وحى ضميره وعقيدته.

ثانيا : الإستدعاء للشهادة

يقول فضيلة الشيخ أبو إسماعيل فى مقدمة كتاب " الشهادة" ما نصه:-

ذات ليلة وأنا عائد قبيل الفجر من جولة أسبوعية فى دائرتى وجدت جريدة الأهرام مع المباعة وإذا فى صدرها فى ذكر اسمى عنوانا على موقف ارتأته محكمة أمن الدولة العليا يقتضى استدعاء شهود نفى فى القضية التى عرفت باسم قضية الجهاد .. وزاد من دهشتى أن اسمى الذى اختير عنوانا لم يكن أكبر الأسماء المذكورة فقد استدعى للشهادة السادة فضيلة الأستاذ محمد متولى الشعراوى وفضيلة الأستاذ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر , الأستاذ عمر التلمسانى وغيرهم.

ولم يسبق لى طوال حياتى أن مثلت أمام القضاء لا مدعيا ولا شاهد إثبات ولا شاهد نفى .. وعلى الفور استشعرت جسامه التبعة وضخامة المسئولية وتصورت أننى لست شاهد وقائع يسأل عنها المتهمون وإنما أنا مستفتى فى فكر ينادون به وتذكرت كذلك أن الناس يسألوننى كثيرا عن قضايا مماثلة لقضية الجهاد . فكنت أقول لهم الحمد لله الذى لم يجعلنى قاضيا على ما فى القضايا من شرف لو كنت قاضيا ما نطقت بالحكم حتى استوعبت ما يقوله الادعاء وما يقوله الدفاع وما يقوله الشهود , أنكم تسألوننى وأنا لا أعلم إلا ما تنشره الصحف المسماة بالقومية دون أن أطلع على دفاع المتهمين ولقد أخذ الله نبيه داود عليه السلام لأنه قضى بعد سماع الادعاء وقبل سماع الدفاع وتزاحمت فى ذهنى أحكام الإسلام عن كل ما يتصل بالتحامل والمحاباة والصدق والكذب والحق والزور وما فرضه الله على الشاهد من التجرد من التحامل على عدو ومن المحاباة للصديق وتذكرت أن الشاهد فى حماية الله الذى حرم أن يضار كاتب أو شهيد ولم يكن استدعاء المحكمة لى قد وصلنى بصفة رسمية ولكن جاءنى بعض الإخوة المحامين يحملون إلى دعوة السيد المستشار رئيس المحكمة الأستاذ عبد الغفار محمد فإذا تأثيم الله لمن يكتم الشهادة قد أدركه قلبى تمام الإدراك فذهبت إلى ساحة المحكمة الموقرة وعبر أربع عشرة ساعة على مدى جلستين كننت أجيب عن الأسئلة التى ألقتها المحكمة الموقرة إلى وأحسست أننى بين الحق وتبعاته من جانب والسلطان وما يملكه من سيفه وعزه وماله من جانب آخر , فقررت دون تردد أن أكون للحق وأن أتحمل تبعاته وألا أبالى بسيف المعز وذهبه وليكن ما يكون فكانت هذه الشهادة.

ثالثا: أسباب الاستجابة

وقد استجاب فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل للشهادة للأسباب الآتية :-

(أ‌) استجابة لأمر الله.

(ب‌) لأنه نائب عن الشعب.

(ت‌) لأن القضية المدعو للشهادة فيها قضية عامة.

(ث‌) لأن القضية مكررة منذ قبل الثورة وفى عهد جمال عبد الناصر و أنور السادات , ويجب معرفة دوافع الجريمة.

(ج‌) لأن الشيخ صلاح أبو إسماعيل من العلماء.

(ح‌) لأن الإسلام غريب فى دياره.

وفيما يلى شرح لهذه العناصر من خلال أحاديث الشيخ صلاح أبو إسماعيل ومقالاته والتحليلات التى تساعد فى إيضاح الأسباب التى سبق ذكرها.

يقول فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل أثناء رده على تقرر اللجنة المكونة من شيخ الأزهر ما يلى :-

وتساءلت : كم فى نفس من معان وخواطر وأفكار .. فإن كانت خيرا فمن الله , أترجمها إلى سلوك . وأحرص عليها كحسنات . وأطمع من ورائها فى رضوان الله رب العالمين .. وإن كنت شرا فمنى ومن الشيطان : أقاومها وأحيها عن نفسى , وأستغفر الله عزوجل منها وذلك هو جهاد النفس الذى طمع من رائه أيضا فى رضوان الله رب العالمين.

ومع ذلك فإنه يبقى أن الإنسان مسئول تماما عما يكتم فى أعماق نفسه حين يصير الإفصاح واجبا, والكتاب إثما .. وذلك لا يكون إلا فى مقام الشهادة التى نجد نبأها قبل هذه الآية مباشرة فى قول ربنا عز وجل :" ولا تكتموا الشهادة .. ومن يكتمها فإنه أثم قلبه . والله بما تعملون عليم ".

فإذا تعين على الشاهد أن يفصح ولو أساء إلى غيره فإنه فى رحاب قول الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين..".

وفى ذلك متسع كبير يدفع إليه تأثيم ن كتم الشهادة ويدفع الله وعبد الله ورسوله لشاهد الزور.

ولقد دعيت للشهادة أمام محكمة أمن الدولة العليا كشاهد نفى طلب منى أن أجيب ‘ن أسئلة لم تكن فى حسبانى , كما لم أرتب لها قبل لقائها إجابة إلا بعد أن كان يلقى إلى السؤال .

فإذا تصورنا أن الأسئلة كانت مرتبة, فلابد أن نتصور الإجابة كانت مرتجلة .. غير أن القلب الذى صدرت عنه هذه الشهادة كان ملئيا بالإيمان بالواجب , فى الجهود بكلمة الحق , وبالواجب فى البعد عن الكتمان وبالواجب فى اجتناب قول الزور .. وبالإيمان بأن الله يسمع ويرى... حيث استغرقت أقوالى خمس ساعات فى الجلسة الأولى وتسع ساعات فى الثانية.

(ب‌) مسئوليته عن الشعب:

رشح فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل نفسه لعضوية مجلس الشعب لإعلاء كلمة الله جل علاه بتطبيق الشريعة الاسلامية إنقاذا للعباد من الضلالة وتخليصا لهم من الأساطير ودفعا لهم إلى رحاب العز والنصر والرخاء والأمن وكل لركائز التى تقوم عليها الحياة الطيبة " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ".

وقد ذكر فضيلة الشيخ فى تقديمه لكتاب الشهادة دوره كعضو مجلس الشعب فى الشهادة لأمرين فقال ما نصه :-

الأمر الأول :- إن عضويتى ساعدتى بكل ظروفها على استبطان الأمور التى استدعتها الأسئلة التى وجهتها إلى المحكمة الموقرة.

الأمر الثانى:- إن عضوية مجلس الشعب التى تعطى العضو حقه الدستورى وواجبه فى نفس الوقت فى التشريع والرقابة :-

هذه العضوية تكفل الحصانة البرلمانية لعضو مجلس الشعب وهذه الحصانة كانت بلا شك أنسا كسبب من الأسباب التى لولاها لما جاءت الشهادة على هذا الوجه . ومن يدرى ماذا فى الغيب لو زالت عنى هذه الحصانة يوما فى الغيب لو زالت عن هذه الحصانة يوما على كل حال . فإن المؤمن دائما على خير حتى ولو دفع حياته ثمنا للحق المبين".

(جـ) القضية عامة:

القضية المدعو فيه فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل إلى الشهادة قضية عامة وليست قضية خاصة . قضية موضوعها أفراد المجتمع جميعا أطراف فيه . والإنعزال عن هذا الموضوع . انعزال عن حال المسلمين " ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم". وقد استجاب للشهادة لأن شهادته ستوضح أمور ربما تخدم المتهمين فى إيجاد دافع عندهم لارتكاب جريمتهم وبذلك يخفف الحكم عنهم.

ومن الدفوع المعترف بها قانونا الدفع بوجود عنصر الاستفزاز وفى المجتمع عوامل كثيرة ساعدت على استفزاز المتهمين . وقد تقدم الشيخ صلاح أبو إسماعيل من دافع اسلامه بإيضاح هذه الأمور فى الشهادة.

ولم يكن له هدف من الشهادة سوى الإفصاح الذى يخدم الإسلام والمسلمين دون منفعة خاصة بل ربما كانت هذه الشهادة سببا فى أن تأخذ برقيته إلى المشنقة لولا عناية الله فقد سأله المستشار رجاء العربى ممثل النيابة قائلا:

هل لك صلة باى من المتهمين فى هذه القضية ؟

فأجاب : كثيرا ما تلقيت دعوات منهم فى كلياتهم وجامعاتهم فى ندوات مفتوحة . ولكن لا قرابة بينى وبين واحد منهم.

النيابة استثمرت خلاف الاجتهادات.

وقد كان من جملة الرد الذى قام به الشيخ صلاح أبو إسماعيل على تقرير لجنة شيخ الأزهر ما يلى:- " ومن البديهيات أن النيابة العامة .

وأن نيابة أمن الدولة العليا بخاصة ضد المتهمين.

وفى هذه القضية تطالب نيابة أمن الدولة برقاب 299 متهما .. فلابد أن تكون نيابة أمن الدولة العليا ضد شاهد النفى , لأنها ترى أن شهادته تعرقل ما تصبو إليه من رقاب هؤلاء المتهمين . وما تتعطش إليه ن رقاب هؤلاء المتهمين . وما تتعطش إليه من دمائهم على أساس أنها ترى أنهم فى نظرها يستحقون الإعدام .." وهذه واحدة"؟

لذلك كان عجيبا أن تلجأ نيابة أمن الدولة العليا إلى شيخ الأزهر رغم أ، هيئة المحكمة لم تضمن قراراتها العديدة التى اختتمت بها سماع شهود الإثبات ومرافعة النيابة و وشهادة شهود النفى , قرارا تطلب فيه تقريرا من الأزهر الشريف عن هذه الشهادة " وهذه ثانية".

(خ‌) القضية مكررة

1- قبل الثورة

لقد خاضت حركة الإخوان طاقات الشعب المصرى لتفتح أعينه فى طريق جديد من الجهاد والعمل لم يكن له بمثله فى عهد منذ حروب الصليبيين والتتار .. وكانت وخوف مجاهديهم لتحرير فلسطين صدمة هائلة لعملاء الغرب , أدخلت الخلل على خططهم الموجهة للقضاء على حيوية الإسلام , قدراته التى لا تنتهى على تحريك الخامد من همم المسلمين . وما هى إلا أيام مشحونة بالجد والصبر حتى زلزلت الأرض بأقدم يهود , وحتى بات الإخوان المسلمين هم البلاء الأكبر الذى لا يقف فى وجهه شئ .. ولم يكن بد من تدخل أميركا وروسيا ودول أوروبا ,لتدارك المصير المحتوم الذى سينسف إسرائيل من أساسها إذا استمرت دفقات الإيمان فى طريقها المنظور.

وتحركت " مراكز التخذيل " لإنقاذ اليهود .. فكانت الهدنة الأولى , التى فرضها النقراشي على حكومات العرب فى اجتماع " عالية" لقد أعلن النقراشي رغبة مصر فى إعلان الهدنة , ليتاح لوسطاء الخير أن يقوموا بمهمة التسوية فى جو مساعد , وحاول كثر الأعضاء مناقشة تلك الرغبة الخطرة على ضوء منطق الأحداث فرفض النقراشي الدخول فى أى مناقشة , وصرح بأن مصر قررت الانسحاب من المعركة منفردة إذا أصرت الحكومات العربية على متابعة الحرب .... وبذلك أكره الجميع على قبول العرض الذى أضاع الفرصة على كل عمل صحيح لمصلحة فلسطين .ز ثم جاءت الخطى التالية لتجريد مجاهدى الإخوان من سلاحهم الذى اشتروه وأمتعتهم ,وأعقب ذلك تجميعهم فى معتقل حاط بأسلاك الشائكة ليمنعوهم من أى حركة لا يريدها أ‘داء الإسلام .. وأتموا ذلك التطويق بمصادرة الحركة فى مصر كلها .

وكان مستحيلا أن تمر العاصفة بسلام .. وهكذا أقدم بعض شباب الدعوة على اغتيال النقراشي جزاء وفاقا على ما قدمته يداه بأمر فاروق لقضية فلسطين وللحملة الاسلامية .وما لبث أن جاء الرد على مقتل النقراشي باغتيال الإمام الشهيد بعد أنجرد من كل وسيلة يستطيع بها الدفاع عن نفسه . وكان طبيعيا أن تتخذ سلطات فاروق من هذا الجو فرصة لتحطيم بناء الإخوان كله. فساقت الآلاف منهم إلى منفى الطور وفى مقدمتهم أعضاء مكتب الارشاد.

2- عهد عبد الناصر

جاءت الثورة وحدث صدام بين جمال عبد الناصر و الإخوان فاعتقل الإخوان المسلمين وقد رافق فضيلة الشيح صلاح أبو إسماعيل الإخوان أثناء الاعتقال فى حجز مركز إمبابة فى يناير سنة 1954 وعام 1965 فى السجن الحربى وفى معتقل العامرية وفى سجن مزرعة طرة وفى زنازين القلعة وكان وقتها فى السنة النهائية بكلية اللغة العربية بالأزهر وقد حكم القضاء لضحايا التعذيب بتعويضات تستغرق عشرات الألوف من الجنيهات فيما بعد .

وقد قتل فى هذا الجو الكثير من الشهداء الأبرار مثل عبد القادر عودة و محمد فرغلى والشهيد سيد قطب وغيرهم الكثير.

وقد استخدم عبد الناصر من الوسائل والقهر ما يحول بين إنسانية الإنسان فمنع عنهم كثير من أسباب الإسلام.

جرائم عبد الناصر

إن كان الإخوان المسلون هم الفئة الوحيدة التى تحملت أقصى وأقسى عسف وجرائم جمال عبد الناصر . ومن ثم كانت محاربة جماعة الإخوان المسلمين واجهة لمحاربة الإسلام عموما وما " لجنة التحول الاشتراكى السداسية" ببعيد , والمكونة كلها من الشيوعيين ابتداء من عام 1961 عام انفصال الوحدة بين مصر و سوريا – وعام قرارات يوليو الاشتراكية . هذه اللجنة التى حولت كل نص ينشر أو يذاع أو يرسم أو يمثل إلى مادة ساخرة ناقدة للدين والعرف والعادات والقيم الاسلامية.

كان التعذيب نموذجا من جرائم عبد الناصر وزبانيته فحادث قتل الشهيد حسين شعبان حرقا بالنار حين صب عليه القتلة أ‘وان عبد الناصر كحولا وهو حى معلق على صليب وأشعلوا فيه النيران . رحم الله الأخ الشجاع فقد كان مثل الصبر والاحتساب .

حتى النساء . وليرجع من يشاء إلى ما كتبته زينب الغزالي وتعذيب الأطفال والأولاد أمام آبائهم وأمهاتهم لكى يجبروهم على الاعتراف بما فعلوه أو لم يفعلوه , وتعذيب الشباب الاستمرار فى التعذيب حتى تفيض روحه ومن ثم يلف فى بطانية ويدفن فى الجبل المجاور ثم الإعلان عن هربه ثم مهاجمة منزله للبحث عنه كما ذكر الأستاذ مصطفى لقد كان السفاح مصاص الدماء يحضر بعض فترات التعذيب هو و عبد الحكيم عامر وبعض أذنابه وكلابه هل يعقل أن يعذب إنسان حتى بعد صدور الحكم بإعدامه . هل يعقل أن تدبر وتنفذ مجازر جماعية لمن صاروا مسجونين مثل مذبحة طره .

إن خبراء التعذيب الشيوعيين والغربيين الذين استقدمهم السفاح الأكبر لم يذهبوا غلى هذا الحد من النذالة والسفالة فى معاملة الخصوم.

إن تعليق المعتقلين عرايا وبأساليب بشعة . إن الزنزانة رقم 24 والتى عمقها متر ملئ بالماء والتى يترك بها المعتقل أيام فيصاب بالإنهيار العصبى لعدم النوم .. النفخ . كما جاء فى كتاب " أقسمت أن أروى" لقد عشت هول المعركة " للكاتب اللبنانى , هتك أعراض النساء والرجال و تعذيب الرجال عن طريق امتهان آدميتهم ورجولتهم وكرامتهم وتسميتهم بأسماء النساء . تطبيق أساليب الحرب النفسية ونظرية بافلوف الشيوعى لغسيل المخ فى السجون والمعتقلات . كما ذكرها المجرم صلاح نصر رئيس مخابرات عبد الناصر اعتقال 120 فردا فى كل حجرة صغيرة بصورة لا إنسانية بل ولا حيوانية لشهور طويلة هذا قليل من كثير . استعمال الكلاب . والصعق بالكهرباء والبقاء فى الماء والتعليق بصورة مؤلمة والضرب البعصى والكرابيج وإرغام المعتقلين أن يضرب بعضهم بعضا ز وأن يسب بعضهم بعضا لقد ترتب على ذلك أن انتشرت الأوبئة الأمراض وأصيب البعض بالجنون وبعضهم بالصرع والأمراض النفسية وبعضهم بالشلل والقرح والأمراض المعدية.

كما ترتب على خسة ونذالة عبد الناصر وأعوانه فى حربة ضد الإسلام والمسلمين أن أدار هو وأذنابه فى خسة ونذالة حربه ضد أسر المعتقلين , فانهارت أسر وتشرد أطفال و وضاع مستقبلهم وكثرت حالات الطلاق . كما ترملت الكثير من السيدات لاستشهاد أزواجهم حتى أقارب المعتقلين لم يفتهم إرهاب عبد الناصر وأعوانه من اعتقال وفصل من وظائفهم نقل إلى جهات نائية وتهديدهم إن هم عاونوا أسر قريبهم المعتقل.

ولقد صدر فى هذا الموضوع الكثير من الكتب نذكر لك بعضها الرجوع إليها :-

1- يوميات سجين فى السجن الحربى للأستاذ كمال الفرماوى المحامى .

2- الموتى يتكلمون . الأستاذ سامى جوهر.

3- المؤامرة على الإسلام مستمرة الأستاذ جابر رزق.

4- الإخوان و الثورة الأستاذ حسن عشماوى.

5- الأسرار الحقيقية لاغتيال حسن البنا .. الأستاذ جابر رزق.

6- فى الزنزانة الأستاذ على جريشة.

7- المذبحة..... الأستاذ مصطفى المصيلحى.

8- مذكرات الشهيد يوسف هواش .. الأستاذ محمد يوسف هواش .

9- أقسمت أن أروى . عشت هول المعركة .. الأستاذ روكس معكرون.

10- مذبحة الإخوان فى ليمان طره الأستاذ جابر رزق .

11- مذابح الإخوان فى سجون عبد الناصر .. الأستاذ جابر رزق .

12- عندما يحكم الطغاة الأستاذ على جريشة .

13- شهداء وقتلة الأستاذ عادل سليمان .

14- محكمة الدجوى ... الأستاذ شوكت التونى .

15- سنة أولى سجن الأستاذ مصطفى أمين .

16- سنة ثانية سجن الأستاذ مصطفى أمين .

17- سنة ثالثة سجن الأستاذ مصطفى أمين .

18- لماذا اغتيل الشهيد حسن البنا الأستاذ عبد المتعال الجبرى .

19- الحكم وقضية تكفير المسلم الأستاذ سالم البهنساوى .

20- البوابة السوداء الأستاذ أحمد رائف .

21- الإسلام والداعية الأستاذ أسعد سيد أحمد .

ويترتب على فحوى هذه الكتب العشرين وغيرها وعشرات ملفات القضايا بل ومئاتها ويترتب على كل ما ذكره على صفحات الجرائد اليومية والأسبوعية .. أن يحاكم عبد الناصر وعهده إنصافا للحق وحفظا للعدالة التى هى أساس لكل مجتمع فاضل.

والله غالب على أمره .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

أنا المعتقـــل

وأثناء شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى قضية الجهاد سأله الأستاذ الحمزة دعبس المحامى قائلا : قررتم أن الإقرار طريق من طرق الإثبات فى الشريعة الاسلامية ما شكل هذا الإقرار؟

فأجاب : أنا سعيد بهذا السؤال .. وبجميع الأسئلة , وعلى الأخص هذا السؤال .. لأن قار قد ينبعث من ضمير المتهم , وقد ينتزع انتزاعا ولا عبرة بإقرار ينتزع ..

وأذكر يا سيدة الرئيس أنه فى عام 1965 وقد كنت ضمن المعتقلين فى سجن طره , فقالوا لنا : لن يخرج واحد إلا إذا كتب تأييدا للرئيس جمال عبد الناصر فقلت للإخوان ينبغى أن نمسك الأقلام ونقول : أنا المعتقل فلان , أؤيد الرئيس جمال عبد الناصر ( فأنا المعتقل) هذه الجملة فى صدر التأييد تعفيه أمام الله من تأييد الظالم .. وأننى مكره والإقرار الذى يعتد به شرعا كإقرار ( ماعز والغامدية) الذين أقرا بملء إرادتهما وبضمائر مذعنة لربها فى التطهير من ذنوبهما.

س: هل يشترط فى الإقرار التكرار؟

جـ: رأى هذا بعض العلماء, ولأن النبى صلى الله عليه وسلم لما جاء يعترف بجريمته أشاح النبى عنه بوجهه , وهو يلح عليه بالإقرار ويسأل النبى أبصاحبكم جنون؟ فلما استوثق من عقله , وراح يراجعه فى مفهوم الزنا عنده, ولما استوثق أنه يستحق الحد بعد تكرار الإقرار , أمر به فرجم ,ولما قيل له أنه حاول الهروب من الرجم, فمنعناه حتى قتلناه لا مهم النبى قائلا: هلا تركتموه فيتوب.. فيتوب الله عليه .

إذن الإقرار هو ما كان منبعثا بملء الارادة , ويلزمه التكرار كذلك عند بعض العلماء وأن يظل على هذا الإقرار حتى يتم تنفيذ العقوبة لامقررة شرعا.

س: هل يفهم من ذلك أنه ينبغى على المقر أن يصر على اقراره حتى تنفيذ العقوبة؟

جـ- نعم .. وله حق العدول . وحينئذ لا تكن لا قرارة لذى عدل عنه قيمة .

س: وما حكم إقرار عدل عنه

جـ: يعتبر كأن لم يكن.

الرخصة الشرعية

وقد أدلى الشيخ صلاح أبو إسماعيل بشهادته عام 1984 , ولكن عام 1986 أصدر الدكتور فرج فودة كتاب " قبل السقوط" وهو مهاجمة لتطبيق الشريعة الإسلامية , والدكتور فرج فودة سبق له دخول حزب الوفد الجديد , والشيخ صلاح أبو إسماعيل كان الفرملة التى أوقفت العلمانيين فى الحزب ( حزب الوفد) وقد نتج عن هذا خروج فرج فودة من حزب الوفد الجديد. وقد نتج فودة يتحين الفرص لمهاجمة الشيخ صلاح أبو إسماعيل وبخاصة عندما هاجمه وهاجم كتابه " قبل السقوط . فما وجد فى مهاجمة الشيخ سوى الوقيعة بينه وبين الإخوان المسلمين نقلا عن رسالة نشرتها جريدة المصور فى العدد ( 3110) فكان رد الشيخ صلاح أبو إسماعيل عليه فى الأحرار بتاريخ 23/9/ 1986.

جاء فى رد الشيخ صلاح أنه اعتقل عام 1954 وعزل كل من اعتقل عزلا سياسيا استمر من يوليه 1952 إلى 1971 حتى دخلا مجلس الأمة 1957 من كل اسلامى ويواصل كلامه فيقول " وكنت استدعى لمباحث الدقى والمباحث العامة ليلا ونهارا وأحاسب على كل خطبة كنت ألقيها فى المساجد وأسأل عن كل كلمة كنت ألقيها كمدرس وقد عنيت المباحث على بعض تلاميذى عيونا وآذانا حتى كتبت تحت هذه الضغوط ما أخذه على الدكتور فرج فوده والتهم حينذاك تكال لنا جزافا!!

يعيب على أنن استخدمت الرخصة الشرعية حين طلبت المباحث منى أن أكتبها وإلا.. ظلت حبيسة أدراج المباحث حتى أذاعها العلمانيون فى المصور أثناء المعركة الانتخابية فى مايو سنة 1984 ويرددها اليوم فرج فوده ليضرب العلاقة بينى وبين الإخوان المسلمين وقد كانت الانتخابات بما يسره الله من نجاح عظيم وتمزقت تماما بفهم الإخوان المسلمين لما علموه من رخص الله واستشعارهم وتذكرهم لما عانوه من ألوان الاضطهاد والتعذيب وإذا كنت تأخذ على شخصى أننى استخدمت رخصة شرعية تحت الضغط والقسر والإرهاب والإرغام فما الذى يبرره كفرياتك أنت فى ندواتك فى مجلة فكر وفى كتابك قبل السقوط اترمينى بدائك وتسمينا متسربلين بالدين وأنت متسربل بمعاداتك للدين.

3- فى عهد السادات

استهل السادات عهده بتشجيع التيار الإسلامى والإفراج عن المعتقلين وضرب الشيوعيين . وتنمية كثير من أسس الديمقراطية وإعادة إنسانية الإنسان إلى حد كبير. ومع ذلك ظهرت فى عهده وفى حياته .

1- جماعة الفنية العسكرية

2- جماعة التكفير والهجرة

وبعد وفاته كانت جماعة الجهاد التى تعتبر وليدة ذلك العصر لهذا سنعرض لكل من جماعة الفنية العسكرية وجماعة التكفير والهجرة فى مبحث ثم جماعة الجهاد فى مبحث آخر.

المبحث الأول: الفنية العسكرية والتكفير والهجرة

وقد تحدث الأستاذ الاجتماعي الكبير الدكتور سيد عويس عن هاتين الجماعتين فقال فى كتاب ( لا للتطرف) ما نصه:

كان من حظى أن أشترك فى إحدى الندوات التى قامت بإعدادها وحدة من وحدات المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى عام 1980 عن " الحركات الاجتماعية المتطرفة" فإننى أذكر أن تقرير هذه الندوة قد تبين أن لجماعتين من أولى الجماعات التى وصل فيها العنف الدينى إلى أقصاه فلقد ذهب صحية هذا العنف فى ط قضية الفنية العسكرية " نحو أربعة عشرا فردا من طلبة وحرس الكلية الفنية العسكرية . ويبدو هذا العنف أيضا جليا فى قتل " الشيخ محمد حسين الذهبى" فى قضية " التكفير والهجرة".

وقد تبين أن الأعضاء " جماعة الفنية العسكرية " صفات مشتركة تتمثل فى أن عددا كبيرا منهم فى مرحلة الشباب , وأن القلة القليلة منهم قد تجاوزت هذه المرحلة . وتبين أيضا أن أغلبيتهم من الطلبة الملحقين بمراحل التعليم الجامعى والعسكرى , وأن عددا قليلا منهم ملتحقون بمراحل التعليم المتوسط , وإن القلة القلية غير ملتحقين بالتعليم وإن كانوا يتمتعون بقدر لا بأس به من الاستيعاب لمبادئ التعليم وقد تبين كذلك أن أعضاء الجماعة الملتحقين بمراحل التعليم العالى من المتفوقين.

أما " جماعة التكفير والهجرة" فأعضاؤها ممن لم يتجاوزوا مرحلة الشباب وتبين أن مستوياتهم التعليمية فى نطاق مرحلتى التعليم الجامعى والمتوسط و وأنه لا يوجد بينهم أميون ويتميز أعضاء هذه الجماعة بوجود روابط قربى أو مصاهرة أو جيزة أو زمالة سابقة بينهم وقد أسهمت هذه الروابط فى توثيق روابط العقيدة وفى تجنب المخاطرة قى تجنيد أشخاص غرباء لا تكتمل عوامل الثقة بهم.

ويشترك أعضاء جماعة " الفنية العسكرية " فى الإهتمام والإستزادة من الثقافة الدينية معتمدين فى ذلك على الكتب والمجلات الدينية الشائعة ,وخاصة ما يصدر منها عن المجلس الأعلى للشئون الاسلامية ومجمع البحوث الاسلامية وبعض الكتابات الدينية الأخرى ككتابات " أبو الأعلى المودودى " فضلا عن الخطب التى تلقى بعض المساجد والناقشات الدينية التى تتم فى رحابها , وخاصة ما تعلق عنها بنقد الأحوال الاجتماعية والسياسية للمسلمين ( حكومات وشعوبا) والمطالبة بإصلاحها.

وقد نشئ أعضاء جماعة " التكفير والهجرة" فى بيئات تتسم بالالتزام الدينى أصلا. ويتمتعون بقدر من الثقافة الدينية , وهم يهتمون ثقافيا ودينيا , فى دعم العقائد والأحكام التى تؤيد فكر جماعتهم الذى يتضمن ضمن ما يتضمن الحماسة بالآيات والأحاديث التى تدعو إلى الجهاد وتكفير من يعارض هذا الفكر. وتراهم يدعون إلى الانعزال عن المجتمعات الراهنة لأنهم يرفضون أنظمتها وتشريعاتها وتلعب المناقشات بين أعضائها فضلا عن التوجيهات التى تصدر من " أمراء" الجماعة دورا ملموسا فى بلورة فكر أعضاء هذه الجماعة وفى تكوينهم الثقافى ومن ثم نجد المسئولين عن هذه الجماعة يوصون أعضاءها بترك الكليات والمعاهد التى ينتمون إليها بحجة عدم جدوى ما يتلقوم فيها من علوم فضلا عن مخالفتها لأحكام الدين . وهم أى أعضاء هذه الجماعة يقرأون أيضا الكتب والمجلات الدينية الشائعة وبوجه خاص تراهم يقبلون على مؤلفات " أبو الأعلى المودودى".

ويبرر أحد أمراء " جماعة الفنية العسكرية" ما اتخذته الجماعة من وسائل العنف الذى اتبعه أعضاء هذه الجماعة بأن الحوار مع السلطة كان قد فشل ويرجع ذلك إلى أن الذى كان يدير هذا الحوار ضابط الشرطة , ويتساءل الأمير قائلا : كيف يأتى اللقاء الفكرى بين عقلية ضابط الشرطة أى عقلية الموظف الروتينى السلطوى وبين عقلية المفكر المثقف العقائدي ؟ ثم أكمل حديثه قائلا: إن جماعة ( جماعة الفنية العسكرية ) تطرح هذا التساؤل لتثبيت أن هدفها لم يكن العنف وإنما هو توصيل الأمانة( يقصد الدين الاسلامى) إلى الناس وأنها ليست مجموعة من الشباب المضلل أو المغرور الذى ينساق وراء شخص معين نجح فى الاستخفاف بها ودلالة ذلك كما يقول هذا الأمير ,وجود المد الإسلامى رغم إن حسن البنا و سيد قطب و صالح سرية وشكرى قد قتلوا وانتهوا ويكرر قائلا : خاصة القول أ، فشل الحوار مع السلطة أدى بالجماعة إلى العمل " تحت الأرض" وإلى استخدام لعنف كبديل لحرية الكلمة وللوصل المعلن.

وأرجو من القارئ الكريم أن أقف عند هذا الحد ,وأرجوا أن أكون قد أبرزت فيما ذكرت بعض اللامح الموضوعية التى وصل فيها العنف الدينى من وجهة النظر الاجتماعية إلى أقصاه فى نطاق " جماعة الفنية العسكرية".

وأننى أذكر أنه عندما ظهرت " جماعة التكفير والهجرة" فى المجتمع المصرى ظننت إن التاريخ يعيد نفسه وهذا مالا أعتقده , ظننت أن الاضطهاد الوثنى الذى نكب به المصريين المسيحيون فى خلال الفترة من عام 384 -313 ميلادية واضطرهم إلى الفرار بعقيدتهم إلى الصحراء وكانت فيافى مصر وقفارها حصنا أمينا وملاذا لهؤلاء الفارين بعد إن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.

ومن ثم فإنى استبعدت أن تكون " جماعة التكفير" التى كفر أعضاؤها المسلمين من الناس فى المجتمع ويفرون إلى صحراء قد فعلوا " أو يفعلون" ما فعله أجدادنا المصريون مسيحيون من قبل وقلت لعل هذه الجماعة إحدى الفرق الاسلامية المتطرفة وقد تأكد لى ذلك عندما استعملوا العنف بألوانه فى تقل أحد رجال الأزهر أقصد " الشيخ محمد حسين الذهبى"؟

وليعذر لى القارئ الكريم إذا اكتفيت بالحديث عن فكر هذه الجماعة فيما يلى :

- تضع الجماعة قاعدة خطيرة تزعم فيها أن أية معصية يقع فيها المسلم هى بمثابة وقوع فى الشرك وفى رأيها أن المعاصى يقع فيها المسلم هى بمثابة وقوع فى الشرك . وفى رأيها أن المعاصى شرك بالله تعالى ويتساوى فى ذلك عند أعضائها أى معصية سواء أكانت صغيرة أم كبيرة فكلاهما شرك بالله تعالى.

- ويدعى أعضاء الجماعة أن عدم أداء الطاعة واحدة مفروضة تسقط بقية الطاعات الأخرى التى يؤديها المسلم , إذ لابد أن تؤدى جميع الطاعات المفروضة مجتمعة وإلا فكأنها لم تكن ويقولون إن الإسلام وفريضة الجهاد والتوكل على الله وكذلك فريضة أكرام الضيف وإكرام الجار ( لم تذكر فريضة صوم شهر رمضان المعظم) .. كل هذه الطاعات المفروضة شرط فى الإسلام وغياب أى طاعة منها محبط للجميع وكأنها لم تكن.

- وتقول الجماعة إن الإصرار على معصية واحدة كفر بالله العظيم ومحبط لكل أعمال البر وإن كانت كجبال تهامة.

- تحكم الجماعة بالكفر على كل مسلم تبلغه دعوتهم ثم لا ينضم إليهم .

- وقد وصل الأمر بالجماعة أن رفضوا الإقرار بأن الإمامين مسلم والبخارى من المسلمين وذلك ما تعتقده الجماعة أ، مدار نقل الخبر – أى خبر- يبنى على الصدق وليس على الإسلام .

- وترك الجماعة أن الكافر أصل الحكم فيه أنه حلال الدم والمال والعرض وأن الكافرين مستحقون للقتل سواء أكانوا جماعة أم أفراد.

- وفى صدد الحديث عن الهجرة نجد أن جماعة " التكفير والهجرة" تدعى أن أرض مصر هى أرض كفر وأرض حرب . وأنه تجب الهجرة منها إلى الجبال والكهوف للإعداد لمقاتلة أهلها من أجل إقامة الإسلام أى أن خطة الجماعة تتمثل فى ضرورة الهجرة ثم يبدأ القتال دفاعيا ثم هجوميا تبعا للواقع . أما الدليل الذى تعتمد عليه الجماعة فى ضرورة وجوب هذه الهجرة فهو قوله تعالى:

- " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا" ( 4م سورة النساء: أية رقم 97).

- وهم أعضاء جماعة التكفير والهجرة يرون أن هذه الآية تعنى أو وجود الإنسان فى أرض الكفار يدفعه إلى الوقوع فى المعصية وممارسة الفحشاء فيكون مأواه جهنم , ولهذا فإن الهجرة واجبة عليه تجنبا لذلك .

لماذا قتل الشيخ الذهبى

كتب الأستاذ مصطفى أمين معلقا على قتل المرحوم الذهبى فى أخبار اليوم يوم 9/ 7/ 1977 ما نصه:

( والذى حدث فى 18, 19 يناير سنة 1977, والذى حدث فى مصرع الشيخ الذهبى ليس نتيجة الحرية . وإنما هو نتيجة للاستبداد . فهؤلاء الصغار ولدوا فى عهد القهر والطغيان والكذب والخداع . ولدوا يرددون أناشيد تدعو إلى العنف والبطش . وعاشوا فى عصر يعتبر الكلام فيه جهادا والصراخ حربا ومانشيتات الصحف انتصارات فى ميادين القتال . فتحوا أعينهم فى عهد كان الاحتفال بمولد لينين أكبر من الاحتفال بمولد النبى صلى الله عليه وسلم . سنوات كان الإلحاد فيها هو الوطنية والإيمان بالله هو الرجعية والخيانة . فى زمن كانت كتب الدين تصادر من المكتبات وكتب الشيوعية توزع فى الشوراع زمن كانت عضوية المؤتمر الاسلامى فى مكة هى انضمام إلى الأعداء وعضوية المؤتمر الشيوعى فى موسكو هى الولاء للأصدقاء .

هذا هو التصوير الصادق للسياسة التى كان يحكم بها عبد الناصر مصر, وهاذ هو الاتجاه الذى كان يدفعها إليه , ورغم قسوة هذا الوصف لحكم عبد الناصر واتهامه فيه بالإلحاد فلم يجرؤ أحد ممن يهمهم أمر عبد الناصر, ورثة أو أصدقاء أو خلفاء أو حلفاء أن يكذب كلمة واحدة من هذا الذى قيل وكتب .

لماذا يضل الشباب

وكتب فى هذا المعنى الدكتور عادل صادق , الأستاذ بكلية عين شمس فى جريدة الأخبار الصادرة فى يوم الأربعاء 17 أغسطس سنة 1977 تحت عنوان ( لماذا يضل الشباب). كتب يقول الآتى:

وللأسف ان مجتمعنا ساهم فى خلق وتدعيم مثل هذه النوعيات من الشخصيات من خلال ما يلى:

أولا : أعلام ظل موجها لسنوات طويلة واقتصر على الدعاية لقلة معينة وتشجيع كل ما هو سطحى وتافه , ليصرف أنظار الناس عن الحقيقة وقتل تفكيرهم وإحساسهم بالمسئولية.

ثانيا: نظام تعليم أجمع كل المتخصصين على أنه تعليم فاشل كل وظيفته تخريج موظفين لا يفكرون.

ثالثا : قتل الإحساس بالانتماء غلى الوطن , وذلك بقصر النشاط السياسى على المنتفعين المتعاونين.

رابعا: قتل العقيدة من خلال إضعاف مراكز الدين.

خامسا: قتل روح الطموح فى نفوس أبناء هذا الوطن وتحطيم كل القيم الإنسانية , وإعلاء راية الانتهازية).

أجهزة مسجرة وخطة مرسومة

بربك ماذا ابقى حكم عبد الناصر وسياسته على خير أو نبل فى هذا الوطن . فقد سخر كل أجهزة الإعلام تطبل له وتزمر على الفارغ والمليان إن كان فى سياسته شئ من المليان سخرها تتحدث عن السفاسف وتبرز القشور والمغريات , ليشتغل الناس والشباب بهذه السيئات يشبعون بها نهمهم الجنسى , فلا يأبهون لما يجرى فى بلدهم من فساد تديره سياسة تعمل ليل ونهارا على إغراقهم فى التافه الحقير.

حرصه على أن يكون التعليم مصنعا يخرج آلات لا تعى ولا تفكر كل همها أن تؤدى ما يوكل إليها من أعمال الوظيفة , هذا إذا أدته على وجه سليم كل ذلك ليخلوا له الجو فيمتطى ظهور التافهين بلهيهم بلقمة العيش ولجام الوظيفة , وبردعة المرتب.

نسى المصريون شرف حب الانتماء إلى وطنهم , عندما رأوا أنه لا يخطى بخيرات الوطن إلا من يجيد لازلفى , ويتقن النفاق الذين يقبلون الأحذية ويضربون على أقفيتهم فيبتسمون قائلين شربك شرف ياسيادة الزعيم .

زعزع العقيدة فى نفوس الشباب بالسخرية بالدين , ورجال الدين الذين استحقوا هذه السخرية فعلا بسكوتهم عليها والرضاء بها وامتداح الهازئ بهم . يصور المشايخ المهزأة التى تظهر فى الأفلام مثيرة للسخرية والاستهزاء . بإغراق الأسواق بكتب الإلحاد والجنس تباع بأرخص الأثمان . وماذا يفعل الشباب الذين جعل بينهم وبين تعاليم دينهم ألا الاندفاع الكامل لكل مطالب الجسد .

بالقبض على كل متمسك بدينه وحبسه وتعذيبه , هو وأهله ومما يدون أثناء اختبار المقابلة فى إحدى الثكنات العربية كان بين الأسئلة الموجهة إلى الطلاب ما يلى بالحرف " لو دخلت على أمك أو أختك أو زوجك فوجدت رئيسا يضاجعها فماذا تفعل؟

أى الرجلين بنظرك أعظم ... محمد أو جمال عبد الناصر ( علماء ومفكرون عرفتهم جـ1 ص 331) وفى عدد (342) من مجلة المجتمع وفى صفحاته 40 – 42 صورة من مرافعة احد أعضاء الفنية العسكرية يقول فيها ( بعد التحاقى بالكلية رأيت.... الفسق والفجور موضعا للمدح والمباهات , ورأيت العفة والطهارة توضع فى قفص الاتهام.. رأيت مخلوقات قد نقلوا موجة السخرية والاستهزاء , بمنتهى الوقاحة إلى الخالق تعالى حتى بلغت بهم أن يتغنوا بالأشعار والزجل لعنا فى مالك الملك... وأخذت هذه الطائفة تزيد يوما بعد يوم حتى أصبح هذا الوضع الحقير يمثل طابع من حولنا .."

فإن من المؤكد أن يحدث هذا المزيد من الحيرة فى قلوب وعقول السذج من الشباب الباحث عن نفسه وحقيقته .

وعندما يفتح الشاب الصغير مجلة يتصفحها فيجدها تدعو إلى الإلحاد وينظر إلى شاشة التليفزيون , فيرى لقطة من فيلم تسخر من رجل الدين, ويذهب إلى السينما فيشاهد ما يهدم كل ما آمن به من مبادئ وما تمسك به من معتقدات فإن النتيجة الطبيعية لهذا كله هى دفع الشباب إلى التمرد ورفض ما يقرؤه ويراه ويسمعه.عندما يساق الناس إلى السجون والمعتقلات وتدبر ضدهم أبشع الاتهامات ويتعرضون لأبشع ما عرف من وسائل التعذيب على أيدى زبانية جهنم , من أمثال شمس بدران وحمزة البسيونى والروبى , فإن الشباب الحائر ز سرعان ما يرهق ذهنه ثمنا لتفسير ما يجرى أمامه.

إلى هذا المصير الرهيب كان حكم عبد الناصر يقود المسلمين إلى مصير الكفر والإلحاد والتنكر للإسلام لقد أفسد الشباب فى كل شئ: الأخلاق , المعتقدات السلوك, والتصور , المعاملة الذمة الأمانة. وهانحن اليوم نرى نتيجة كل هذا إلى الحد الذى صرح به السادات . أنه تسلم تركة مبهظة . وعملية فى غاية الصعوبة.

فكرة التكفير

لقد استخدموا كل ما عرفوا مما وصلت إليه النازية والفاشية والشيوعية , وزادوا على ذلك أساليب ابتدعوها فى إيذاء الأبدان وتعذيب النفوس وغسل الأمخاخ ,وإهدار الأدمية !

فى داخل هذا الأتون المحمى لتعذيب البشر ولد التطرف ونبتت فكرة " التكفير" ووجدت فى هذا الجو اللاهب عاملا مساعدا على الإستجابة لها.

السؤال الأول

لقد بدأ هؤلاء المعذبون بسؤال بسيط لأنفسهم: لم كل هذا العذاب يصب علينا؟ وأى جريمة اقترفناها , وإلا أن قلنا : ربنا الله ومنهجنا الإسم ودستورنا القرآن؟ وما نريد من أحد جزاء ولا شكورا إلا أن نؤدى واجبنا نحو ديننا , وأن يرضى الله تعالى عنا أيمكن أن يكون العمل للإسلام فى بلد اسلامى جناية ينكل بنا من أجلها كل هذا النكال؟!

السؤال الثانى

وانتقلوا من هذا السؤال إلى سؤال آخر : هؤلاء الوحوش الذين ينهشون لحومنا , ويضربوننا إلى أن نخر صرعى يدوسن إنسانيتنا بأقدامهم ويسبون ديننا وينتهكون حرماتنا ويسخرون من صلاتنا وعبادتنا ويجترئون أحيانا حتى على ربنا حتى قال كبير لهم يوما : ( هاتوا ربكم وأنا أحطه فى زنزانة!!) هؤلاء هل يعدون مسلمين ؟ وأين الكفر إذن إذا كان هؤلاء مسلمين ؟ لا. إن هؤلاء كفار خارجون من الملة ولا دين لهم.

السؤال الثالث

وانتقلوا من هذا السؤال إلى سؤال آخر : إذا كان هذا حكم هؤلاء الذين يعذبوننا إلى الموت فما حكم سادتهم الذين يأمرونهم ويوجهونهم ويصدرون غليهم القرارات ؟ وما حكم أولئك القادة والحكام الذين فى أيديهم سلطة الأمر والنهى والإبرام والنقض , الذين لم يحكموا بما أنزل الله ولم يكتفوا بذلك حتى حاربوا بكل شدة كل من يدعو إلى الحكم بما أنزل الله؟

هؤلاء بالنظر إلى أولئك , اشد كفرا وأصرح ردة عن الإسلام وحسبنا فيهم قول الله تعالى :ط ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ( سورة المائدة : أية 44).

السؤال الرابع

وبعد أن اقتنعوا بهذه النتيجة , وآمنوا بها انتقلوا إلى سؤال رابع وتوجهوا به إلى من معهم من السجناء , المعتقلين : ما قولكم فى هؤلاء الحكام الذين لم يحكموا بما أنزل الله , زادوا على ذلك التنكيل بكل من دعا إلى حكم الله ؟

فمن وافقتهم على تكفيرهم فهم منهم , ومن خالفهم أو توقف فى الأمر فهو كافر مثلهم لأنه شك فى كفر الكفار ,ومن شك فى كفر الكافر فهو كافر.

السؤال الخامس

ولم يقفوا عند هذا الحد, فقد انتقلوا إلى سؤال خامس : هذه الجماهير التى تطيع هؤلاء الحكام وتخضع لهم وهم يحكمون بغير ما أنزل الله وما حكم هؤلاء ؟

الجواب

وكان الجواب حاضرا عند هؤلاء : أنهم كفار مثلهم فقد رضوا بكفر هؤلاء الحكام وأقروه وصفقوا له , والرضى بالكفر كفر لا شك .

ومن هذا المنطلق انتشرت موجة التكفير  : تكفير الناس بالجملة , وتفرعت عن هذه الفكرة الأساسية أفكار فرعية متطرفة أخرى , وكانت البداية هناك فى السجن الحربى العتيد.

أنها سنة الحياة المشاهدية المجربة : إن العنف لا يولد إلا العنف وشدة الضغط لا يكون من ورائها إلا الانفجار.

وعندما أحس المستشار الهضيبي ببذور التكفير داخل السجن كتب مؤلفه( نحن دعاة لا قضاة) وهو مناقشة موضوعية لموضوع التكفير , ولكن أعرض كثير من شباب الجماعة ( التكفير) عن الأخذ برأى المستشار الهضيبي لما لمسوه من عنف السلطة . وقد اقتنعوا تمام الاقتناع بأن العنف لا يواجه إلا العنف.

المبحث الثانى: جماعة الجهاد

جماعة الجهاد شباب نشاء وترعرع فى ظل حكم السادات ورغم مساندة السادات للتيار الإسلامى فى بداية عهده إلا أنه قد ولدت فى عهده قضية الفنية العسكرية وجماعة التكفير والهجرة التى قامت بقتل الشيخ الذهبى وقد عز الكثيرون وجود الجماعتين السابقتين إلى مساوئ عهد عبد الناصر.ولكن جماعة الجهاد قد نسبت بالكلية إلى عهد أنور السادات وقد اشتهر فى عهد السادات شباب الجماعات الاسلامية الذى كان صورة حية لكثير من مظاهر الصحوة الاسلامية.وقد سئل الشيخ صلاح أبو إسماعيل عضو مجلس الشعب أثناء شهادته فى قضية الجهاد.

قوم يحبهم الله ويحبونه

س: ما هو رأى فضيلتكم فى شباب الجماعات الاسلامية؟

جـ: سيدى الرئيس.. كنت ألتقى بشباب الجماعات الاسلامية؟

فقلت لهم من أين أتيتم يا شباب ؟ .. آباؤكم وأمهاتكم يخافون عليكم فلا يمكن أن يكون البيت منبعا لكم... ووسائل الإعلام تغريكم لتغير ما أنتم عليه , فلا يمكن أن تكون وسائل الإعلام تغريكم لتغير ما أنتم عليه فلا يمكن أن تكون وسائل الإعلام منبعا لكم ... والدولة لا تشجع نشاطكم.... والشريعة الاسلامية مغرية .... والقرآن مهجور ... فمن أين أتيتم ؟... لست أرى لوجودكم منبعا إلا قول الله سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله, ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم).

,اذكر أن ذلك كان أيضا فى خطاب لى على سلم مسجد القائد إبراهيم فى رمل الإسكندرية فى أبريل 1981 .. وقد قرر الشباب أن يعتصموا بالصيام نهارا حتى لا يشاركوا فى عربدة الشواطئ وأن يجتمعوا على لقاء اسلامى ليلا .. وانتظم هذا اللقاء ما يقرب من مائة ألف شاب و اعتصموا بالله واعتصموا بمكارم الأخلاق ... وأحبوا الله ورسوله حتى لقد دعيت من وزارة الداخلية لأذهب إليهم فى المعتقلات مبصرا وداعيا فاستنكرت أن أعظ قوما بين الجدران أنا فى حاجة إلى موعظتهم وكلهم طهر ونقاء وتقوى.

فطلبت من وزارة الداخلية أن يفتح لهم الأبواب ليخدموا فى جو ى الحرية أهدافهم المقدسة لأن المعتقلات ليست مكانهم.

س: الدفاع : هل وصل إلى علمك أن السلطات منعت الصلاة فى الخلاء فى جميع أرجاء الجمهورية يوم عيد الأضحى سنة 1981؟

جـ: نعم... كان معنا اللواء نبوى إسماعيل فى مجلس الشعب واستقدم زعماء الشباب ودعاهم إلى الصلاة فى الأزهر وحذرهم من الصلاة فى عابدين .

س: الدفاع : بماذا تعلل الاعتقالات التى تمت بعد أحداث المنصة ؟

جـ: أعتقد أن التوسع فى هذا الاعتقالات سبب لما تعودناه من الدولة فى مصر .. نذكر أنه قد اغتيل كنيدى فلم تعتقل أمريكا أحدا, وتذكر أن أحداثا حدثت من قبل كمقتل عمر بن الخطاب فى المحراب فلم يعتقل أهل المدينة وكذلك قتل عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب فما اعتقل برئ ولكن مصر لها سماتها الخاصة.

س: الدفاع: ما تعليلك لاستخدام العنف من جهة سلطات الأمن لكل نشاط اسلامى؟

جـ: ليس عندى من تعليل لهذا سوى الإصرار على ضرب الروح الإسلامية ظلما وعدوانا.

الإسلام لا يسخر لطاعة الحاكم

س: الدفاع : بما تعلل ضم وزارة الأوقاف لبعض المساجد الأهلية بعد 3 سبتمبر رغم عدم وجود إمكانيات لوزارة الأوقاف ؟

جـ: عمدت وزارة الأوقاف للمساجد الناجحة ذات الخطباء الموهوبين والجماهير الكثيفة من المصلين فضمتها إليها لتحول بين المنبر ورجاله ولتغذى المسجد بخطباء تحت أمرها وسيطرها ولم تضم المساجد الأخرى المهملة وهى تعد بعشرات الألوف.

س: الدفاع : هل تعلم بعض مساجد الجامعات إلى أغراض أخرى مثل مسجد طب القصر العينى؟

جـ: تحول مسجد طب القصر العينى إلى غرض غير مسجدى كذلك المكتبة الاسلامية فى كلية الطب بالقصر العينى بعد أن حول المسجد إلى غير مسجد ليتاح فى الكلية للحفلات الصاخبة ان تقام بعد ضرب الجمعيات الاسلامية بالكلية.

نحتاج إلى صحوة

وقد نشرت جريدة الحوار التى أصدرتها اللجنة الثقافية بحقوق القاهرة فى أبريل سنة 1986 ( حوار مع فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل ) وحينما سئل عن:-

ما هو مفهوم سيادتكم للصحوة الاسلامية؟

فقال : نحن نريد أن نتفق على مفهوم فحين افتح جهاز التليفزيون فأرى فيع العرى والسفور وأرى فيه العناق والقبلات وأرى فيه الرقص والفجور , وأسمع دعوة إلى الصحوة, فأنا أتساءل عن المراد بمضمون كلمة الصحوة أو حين أرى السلطة التشريعية لا تقدس النص القرآنى ولا تحترم النص النبوى , وتحل ما حرم الله وتحرم ما أحل الله وأسمع الدعوة إلى الصحوة وحينما أرى السلطة التنفيذية تجند كل طاقتها وقواها لتنفيذ الحكام الوضعية مع مطابقتها لكتاب الله وسنة رسوله.

وأضاف سيادته قائلا : وحينما أرى محافظة ( بور سعيد ) كلفت حمامة السلام وهيكلها 57 ألف من الجنيهات فى الوقت الذى نجمع فيه من ديون مصر وندعو فيه للتبرع للأجهزة اللازمة لكلية طب عين شمس وأيضا تمثال ( طلعت حرب ) فى ميدان البنوك أقيم فتكلف ما يزيد عن نصف مليون جنيه . فى الوقت الذى ندعو فيه لسداد ديون مصر وحينما أرى مسرحية الحكيم والمسرح القومى تكلفت حوالى 4 ملايين من الجنيهات فى الوقت الذى نأن فيه من الديون.

فأنى أتساءل ... ما المراد بالصحوة؟

وحينما يهددنا قانون الطوارئ والقوانين سيئة السمعة , فإنى أتساءل ما المراد بالصحوة ؟ واستطرد سيادته الحديث قائلا : لا شك أننا فى حاجة إلى الصحوة وهذه الصحوة تحتاج إلى ضوابط وتحتاج إلى دستور ودستور الصحوة هو كتاب الله وسنة رسوله.

التطرف الدينى

يبدو من شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى شباب الجماعات الاسلامية والدعوة والصحوة أن هناك ضغط تمارسه الدولة على الشباب والدعوة ولهذا ظهر فى السنة الناس وفى وسائل الإعلام, حبذ لتأكيد ( التطرف الدينى) كثير من الكتاب والصحفيين والدبلوماسيين والسياسيين ولا يخرج فى حقيقته عن إن يكون من صنع أعداء الإسلام الذين يعمدون إلى بعض المظاهر الشاذة فيضعونها تحت المجاهر يوجهون إليها الأنظار , ويغرون بها الحكام والمتنفذين ,وكثيرا ما استخدم هذا المصطلح , ولا يزال يستخدم بهدف إيجاد حالة من الرعب والإرهاب الفكرى لشل حركة الدعوة إلى الله , والتشكيك بوسائلها وإحاطتها بجو من الإرهاب لتحنيطها وتعطيل مسارها , والدعوة الإسلامية تخضع لمعايير منضبطة ووسائل مشروعة من الله عز وجل لابد للإنسان فيها.

والأمر الملفت للنظر أن هذا الاصطلاح استعمل أول ما استعمل فى ( اسرائيل) عندما بدأ الشباب المسلم فى الأرض المحتلة يعى ذاته ويتعرف إلى طريقة بعد أن أخفت التجمعات كلها , وسقطت الشعارات جميعها وعجزت عن أن تقدم شيئا للقضية , هذه الشعارات التى لم تخرج فى حقيقتها عن أن تكون وسيلة من وسائل يهود لامتصاص النغمة , وتنفيس الطاقات للحيلولة دون انفجارها , والتسلل من خلالها إلى العالم الإسلامى من هنا بدأت توجهات للشباب من جديد لتلمس الشخصية الحضارية للأمة والعودة إلى الإسلام درع وقايته , وعدة كفاحه والاحتماء بالمسجد حصن ثقافته .. وخطورة ذلك على كيانها والعمل بكل وسيلة للقضاء على الصوت الاسلامى فى كل مكان .

والمشكلة الخطيرة فى معظم الكتابات السابقة عن ما أسمى بظاهرة التطرف أنها اكتفت بمعالجة أثار الظاهرة وأهملت البحث فى أسبابها غلا بعض لمسات خفيفة قد لا تسمن ولا تغنى من جوع.

النظرة المتكاملة إلى أسباب التطرف:

والحقيقة أن سبب هذا التطرف ليس شيئا واحدا ولكن أسبابه متعددة متنوعة , وليس من الإنصاف للحقائق أن نركز على سبب واحد ونغض الطرف عن الأسباب الأخرى, كما يصنع عادة كل منتقم إلى مدرسة معينة.

فأصحاب المدرسة النفسية يرجعون كل تصرف إلى أسباب نفسية خالصة كثيرا ما تكمن فى العقل الباطن أو الشعور وبخاصة مدرسة التحليل النفسى .

والمدرسة الاجتماعية ترد كل شئ إلى تأثير المجتمع وأوضاعه وتقاليده وما المرء إلا دمية يحرك خيوطها المجتمع ما تقول " دور كايم"!

وأنصار المادية التاريخية لا يقيمون وزنا للإعتبارات المادية والدوافع الاقتصادية فهى التى تصنع الأحداث وتغير التاريخ .

وأصحاب النظرة الشاملة المتوازنة يعترفون بأن الأسباب متشابكة ومتداخلة وكلها تعمل بأقدار متفاوتة , مؤثرة آثارا مختلفة قد يقوى أثرها فى شخص ويضعف فى آخر, ولكنها جميعا لها فى النهاية أثرها الذى لا يجحد .

فى ينبغى أن نقف عند سبب واحد يبرر أمامنا ويطغى لى غيره من الأسباب , فالواقع أن الظاهرة التى بين أيدينا ظاهرة مركبة , معقدة , ,أسبابها كثيرة ومتنوعة , ومتداخلة بعضها قريب وبعضها بعيد , بعضها مباشر وبعضها غير مباشر , بعضها ماثل للعين طاف لى السطح , وبعضها غائض فى الأعماق . من هذه الأسباب ما هو دينى , وما هو سياسى منها ما هو اجتماعي وما هو اقتصادى, ومنها ما هو نفسى , وما هو فكرى , وما هو خليط من هذا كله أو بعضه.

قد يكمن سبب هذه الظاهرة – أو السبب الأول لها – فى د\اخل الشخص المتطرف نفسه وقد يكون السبب أو بعضه عند البحث داخل أرسته و عند أبويه وأخوته وعلاقاته بهم , وعلاقاتهم بعضهم ببعض .

وقد يرجع السبب عند التحليل والتعميق إلى المجتمع ذاته ,وما يحمل فى طيه من تناقضات صارخة : بين العقيدة والسلوك.... بين الواجب والواقع .. بين الدين و السياسة .. بين القول والعمل ... بين الأمال والمنجزات .. بين ما شرعه الله وما وضع البشر.

ومثل هذه المتناقضات ان احتملها الشيوخ لا يحتملها الشباب وإن احتملها بعضهم , لا يحتملها كلهم وإن احتملوها بعض الوقت لن يحتملوها كل الوقت .

وقد يعود السبب إلى فساد الحكم وطغيان الحكام , وجريهم وراء شهواتهم , وتفريطهم فى حقوق شعوبهم . وإتباعهم أهواء بطانة السوء فى الداخل , والحاقدين على الإسلام فى الخارج مما جعل القرآن والسلطان , أو الدين والدولة فى خطين متوازين لا يلتقيان.

وقد أجاد وأبدع الدكتور يوسف القرضاوى حينما كتب مؤلفه ( الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف) وعالج هذا الموضوع معالجة أمينة ويجب على كل مهتم بهذا الموضوع قراءة هذا الكتاب .

(هـ) الشيخ صلاح أبو إسماعيل من العلماء :

الشيخ صلاح أبو إسماعيل من العلماء البارزين فى مصر والعالم العربى والإسلامى مواقفه التى يقفها فى كل موقع أساسها ما علمه من قواعد دينه وله من المواقف والمناقشات ما يجعل الجميع يشير إلى أنه عالم يوظف علمه فى خدمة دينه وأهل وطنه والشيخ صلاح أبو إسماعيل عضو بارز فى مجلس الشعب المصرى .ز يعتبر من ابرز لبرلمانيين العرب لما يتميز به من جرأة وشجاعة فى مواقفه الصلبة تجاه مختلف القضايا السياسية التى يستند فيها على تطبيق الشريعة الاسلامية .

ومن أبرز هذه المواقف الصلبة موقفه تجاه اتفاقية كامب ديفيد التى رفضها جملة وتفصيلا . وسجلت مضابط مجلس الشعب كثير من استجواباته منها أنه الوحيد الذى عارض قانون رقم 44 لسنة 1979 للأحوال الشخصية رغم صدوره من السادات نفسه . واستجوابه الشهير ( لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة ) ومعارضته لقانون الطوارئ وكثير من المواقف والاستجوابات التى كان دافعها دينه ووطنه.وتجعل الجميع ينظر إليه نظرة احترام بعيدة كل البعد عن نه من علماء السلطان . بل يعلم الجميع أنه إذا قال فقوله قول الحق .

ومن هذا المنطلق كانت ثقة الناس فيه . وكان دائما يردد قوله ( الإسلام قضيتى) فقد سجلت له جريدة الأهرام بتاريخ 28 / 1/ 85 ما نصه :

الإسلام قضيتى

قال الشيخ صلاح : إن الإسلام قضيتى وتطبيق الشريعة الاسلامية مهمتى . ذلك على سبيل الاستجابة لعقيدتى من ناحية وعلى سبيل الإخلاص لوطنى من ناحية أخرى.

فمصر تتطلع إلى الرخاء الاقتصادى والله تعالى يقول :" ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذهم بما كانوا يكذبون "

ومصر تتطلع إلى الاقتصاد العسكرى . والله تعالى يقول " يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم"

مصر تتطلع إلى وحدة جامعة تربطها بأخوتها وشقيقاتها العربيات والإسلاميات. والله تعالى يقول :" إنما المؤمنون إخوة".

مصر تتطلع إلى الوحدة الوطنية والله تعالى يقول :" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين".

مصر تتطلع إلى الأمن المرفرف .. والله تبارك وتعالى يقول " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ,أولئك لهم الأمن وهم مهتدون".

ولا شك أننى أشرك كل مصرى فى أى موقع يشغله فى الإيمان بأن هذه المتطلبات جزء من غاياتنا وأهدافنا التى نسعى إليها , الرخاء الأمن النصر العزة الوحدة .. الخ.

أختلف مع غيرى

ومع أننى أشارك غيرى فى هذه الغايات والسعى إليها و لكننى أختلف مع غيرى على الوسائل .. فأنا أرى أن الإسلام هو السبيل .ز" ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون".

وتطلعى لتطبيق الشريعة الاسلامية جعلها بالنسبة لى حلم ليلى وأمل نهارى ونبراسى وخطواتى والضياء الذى أمشى على هداه. من أجل المنابر اشتغلت معلما , ومن أجل ذلك ارتقيت المنابر فى أيام الجمع ومن أجل ذلك كتبت وحاضرت , ومن أجل ذلك عملت فى شتى المجالات , ثم انتهى بى المطاف إلى عضوية السلطة التشريعية على أنها صانعة القوانين ز فقلت إذا استطعنا أن نصل عن طريق السلطة التشريعية إلى القوانين الشريعة الاسلامية , فإن معنى ذلك أنا سندفع بالقوانين الإسلامية إلى السلطة الفضائية ثم نجد السلطة التنفيذية نفسها فى مضمار أداء واجبها فى جعل كلمة الله تعالى هى العليا.

( شباب مصر بخير)

وفى حوار مع الشيوخ صلاح أبو إسماعيل بجريدة الأهرام بتاريخ 16/ 7/ 79 جاء فيه ما يلى :-

وقد زار معظم بلاد الدنيا وسجل أحاديث إذاعية وتليفزيونية فى كل محطة تقريبا فى العالم وأينما يتحمس الشباب لنقاشه وتوجيه الأسئلة إليه وهو يرى شباب مصر بخير رغم كل ما نراه لا تهم هم مصر وليست مصر هى الملاهى المعربدة ولا البرامج التى تستباح مالا يباح من وسائل الاعلام ... مصر الحقيقة فى شباب الجماعات الاسلامية فى الجامعات هى شباب القرى و مصر الحقيقة فى أولئك الذين قالوا كلمتهم ففى دائرتى أنا شخصيا ولا أملك مالا وكان غيرى أكثر ثراء ومع ذلك آثرنى عشرات الألوف على منافسين لهم قدرهم ووزنهم وكفاءتهم اختارنى رغم كل ذلك أبناء دائرتى تحت شعار ( أعطنى صوتك لنصلح الدنيا بالدين).

(مسجد نور الإسلام)

وقد سجلت مضابط مجلس الشعب ما جاء فى كلام الشيخ صلاح أبو إسماعيل أثناء جلسة الأحد المسائية بتاريخ 21/ 6/ 87 جاء فيها ما يلى :-

( اللواء زكى بدر زرته فى مكتبه خمس مرات ناصحا أمينا لأننى رأيته متحفزا يريد البطش بكل دعاة الإسلام , وبادى ذى بدء ..

ذهبت إليه أقوله أن مصر أغلى وطن وأعز مكان وأن شعبها أحسن شعب وأن شبابها أطهر شباب ورأيتك تحمل على التطرف وأنا معك وتحمل على الانحراف وأنا معك . ولكنى أريد أن افهم ماذا تريد بكلمة " التطرف" فلم أجد فى ذهن الرجل معنى لهذه الكلمة.

فقلت له فلنتفق على أن كل مطالبة بالحق جهاد وعلى أ، كل مجاوزة للحق تطرف واتفقنا على ذلك . وذات أردت أن أذهب إلى مسجد نور الإسلام فى شبرا لألبى دعو الشباب إلى لقاء دينى فإذا باللواء زكى بدر يتدخل عن طريق مباحث الدقى ليمنعنى من هذا اللقاء فذهبت إليه وقلت له أننا جميعا كنا طلابا وحينما كنا شبابا كنا نلتقى بأساتذتنا فنسمع منهم ما يصحح لنا مفاهيمنا وما يثرى لنا معوماتنا وما ينضج لنا مفاهيمنا.

لماذا تمنعنى من الذهاب إلى مسجد أؤدى فيه واجبا دينيا ؟ وكان اللقاء أمام السيد اللواء مصطفى كامل فرأيت الرجل مصرا على منعى فقلت له:

أننى مصر على الذهاب وأن إمام المسجد قد استدعى فى قسم الشرطة وأكره أ إكراها وحمل حملا على أن يوقع هناك فى قسم الشرطة طلبا لا يريدنى أن أذهب إلى هناك فقال :-

أننا سنمنعك بقوة الشرطة فقلت له:

إنى ذاهب إلى المسجد ولك أن تمنعنى كيف تشاء فقال : اذهب وسوف ترى فى استقبالك رجال الأمن المركزى ورجال الكراتيه فقلت له أننى سأذهب إلى هناك وليكن ما يكون)

وفى حوار صحفى مع جريدة الأحرار بتاريخ 17 / 8/ 87 سئل هذا السؤال : حقا صلاح أبو إسماعيل يقود جماعة من المتطرفين كما يؤكد اللواء زكى بدر ؟

أجاب الشيخ صلاح أبو إسماعيل قائلا:-

لقد ذهبت إلى وزير الداخلية خمس مرات فى مكتبه وقلت له أنا معك ضد التطرف والمتطرفين لأن القرآن الكريم يقول " يا أهل الكتاب لا تعلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق " فما التطرف عندك؟ طرحت على زكى بدر هذا السؤال وأنا أوقع أنه سوافينى بمضمون الكلمة الذى فى ذهنه لأن رجلا يحارب التطرف لابد أن يكون للتطرف عنده معنى مفهوم . فوجئت بأنه عجز عن الجواب واستبان لى وهوو يزعم أننى طلبت من الشيخ " قاسم الدرويش" هذا المبلغ أنه فعلا رجل كذاب وأكررها وأؤكد أن زكى بدر رجل كذاب ... فلقد قلت له أن شباب مصر أنقى شبابوأتقى شباب هم شباب من صنع الله وهذا تمشيا مع قول الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه "... هذا شباب مصر الذى تحاول إفساده وسائل الاعلام فالله الذى جعله تقيا نقيا مضيئا رغم كل ما يحيط به : لذلك فزكى بدر ير كل متردد على المسجد متطرفا وكل ملتح متطرفا والذى دلنى على أنه لا يفهم أنه وجه آيات من القرآن لمهاجمة الإخوان فقال: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ثم التفت إليهم وقال لهم مرتين أفلا تعقلون أفلا تعقلون ما هذا الإنسان ؟؟ .. حقا لم يبق إلا أن يأتى بالسياط ليضرب النواب داخل المجلس ... ثم يقول لا إكراه فى الدين للذين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية فهل هذه الآية نزلت لتعطيل الشريعة الاسلامية؟

وبالتالى كان واجبا على أن أقول لهم أنه خطأ لأنك خلطت فى معنى الآيات التى تقولها.. وإذا لم أقل هذا الكلام لأثم المجلس كله.. لذلك فأنا متطرف بموازين زكى بدر لأننى أطالب بتطبيق الشرعية الإسلامية وأنا متطرف بموازين زكى بدر لأننى أخطب الجمعة .. هذا هو التطرف فى نظر زكى بدر .ز أنه يريد الناس سجدا ركعا ولن يحرك فينا شعرة ... والحمد لله لا أنا قائد لجماعة متطرفين وربما نار أظهرت جوهرا.

شباب مصر

هل حقا فى مصر شباب متطرف؟

الشيخ صلاح  : لا يوجد فى مصر شباب متطرف .إن التطرف هو فى الذين يبيحون شرب الخمر وبيعها .. والذين يبيحون جرائم الزنا لالتزامهم بالقانون الوضعى.. فإذا كان هذا تطرف فأنا خادم المتطرفين وأولهم وأمامهم على حد قول الشاعر :

إذا كان رفضا حب آل محمد

فليشهد الثقلان أنى رافض

إذا سموا الجهاد تطرفا فا،ا متطرف وإذا كان الدفاع عن المقدسات تطرفا فأ،ا واقف فى وجه وزير الداخلية!

لماذا أعرض الشباب عن العلماء

من الإنصاف أن نقول : إن بعض الشباب إنما اعتمدوا على الكتب لفقدانهم الثقة بأكثر المحترفين من رجال العلم , وخاصة المقربين من السلطان منهم فهم عندهم فى موضع الاتهام لأنهم يمالئون الحاكم رغم علمهم بأنه لا يحكم بما أنزل الله , وهم لم يكتفوا بأن يسكتوا عن أن يقولوا للظالم : يا ظالم , بل قالوا له : ما أعدلك وما أعظمك أيها البطل ! فليتهم إذ سكتوا عن الحق لم ينطقوا بالباطل فلا غرو أن وجدوا الأموات أوثق وآمن من الأحياء فلجؤوا إلى كتبهم يأخذون عنها دون وسيط .

قلت لأحد هؤلاء : يجب أن ـأخذوا العلم من أهله , وتسألوا أهل الذكر من العلماء فيما لا تعلمون. قال : وأين نجد هؤلاء العلماء الذين نطمئن إلى دينهم وعلمهم؟ أننا لا نجد إلا هؤلاء الذين يدورون فى فلك الحكام , إن أرادوا الحل حللوا ,وإن أرادوا الحرمة حرموا , إذا كان الحاكم اشتراكا باركوا الاشتراكية ووصلوا نسبها بالإسلام , وإذا كان رأسماليا أيدوا الرأسمالية باسم الإسلام ! العلماء الذين إذا أراد حاكمهم الحرب فالسلم حرام ومنكر و وإذا تغيرت سياسته فأراد السم صدرت الفتاوى بالتبرير والتأييد " يحلونه عاما ويحرمونه عاما".

العلماء الذين سووا بين الكنيسة والمسجد وبين الهند الوثنية و باكستان الاسلامية !

قلت له : لا ينبغى أن نحمل الكل ذنب البعض وأن نأخذ المحسنين بتقصير المسيئين فمن العلماء من رفض الباطل , ومن تصدى للظلم , ومن أبى الانحناء للطاغوت,ومن قاوم إغراء الوعد وإرهاب الوعيد واحتمل العذاب وصبر على البلاء ورضى بالسجن والتنكيل بل رحب بالشهادة فى سبيل الله ولم يقبل المساومة على دينه أو التهاون فى شأن عقيدته.

قال الشاب : لا أجحد هذا ولكن المسيئين هم الكبار المرموقون والقادة المسؤولون الذين بأيديهم مقاليد الفتوى والتوجيه والارشاد .

ولا ريب أن مع الشباب كثيرا من الحق فيما قالوا : فقد أصبح كثير من " العلماء الكبار " أدوات فى يد السلطان , إن شاء أن ينطقوا بما يريد من شأن نطقوا وأفصحوا وإن شاء أن يصمتوا صمتوا حيث يجب البيان , ويحرم الكتمان والساكت عن الحق كالناطق بالباطل كلاهما شيطان.

دعى أحد العلماء اللامعين إلى ندوة تليفزيونية فى أحد القطار , تدور المناقشة فيها حول موضوع " تحديد النسل" فى نظر الشريعة الاسلامية و وكانت دهشة الرجل المكلف بإدارة الندوة بالغة حين قال له هذا العالم : هل تهدف الندوة إلى تأييد التحديد أو معارضته حتى أهئ نفسى؟!

ورحم الله العلماء السابقين الذين قال أحدهم للباشا : إن الذى يمد رجليه لا يمد يديه !

وليت هؤلاء حين قل زادهم من اليقين والتقوى كثر زادهم من العلم والفقه!

كلا لقد أحتك هؤلاء الشباب الحريصون على التفقه فى دينهم بكثير من العلماء اللامعين فى سماء الخطابة أو الكتابة , فلم يجدوا لهم قدما راسخة فى علم الكتابة والسنة, ووجدوا عندهم من العلم لا يشفى علة , ولا يقع غلة , كتب بعضهم فى صحيفة سيارة ينادى بأن لا ربا بين الحكومة ورعاياها, وحجته التى خيل إليه أنه بها أتى بما لم تأت به الأوائل : القياس – فيما زعم – على أن لا ربا بين الوالد وولده , وهذا الحكم مختلف فيه , ولم يثبت بنص ولا إجماع فكيف يعتبر أصلا قياس عليه ولو صح أن يقاس عليه لكان هذا قياسا مع الفارق!

لقد كان الشباب معذورا حين يئن من أمثال هؤلاء الذين حرموا من العلم الورع معا.

لقد وجدوا أن من هؤلاء من يجنح بالأحاديث الموضوعة , ويرد الأحاديث الصحيحة المتفق عليها , رأوا منهم من يستشهد بالإسرائيليات ويستدل بالمنامات , وليس فى رأسه إلا القصص والحكايات ! رأوا منهم من يؤيد البدع الرائجة , ويرفض السنن الثابتة ويتملق أهواء العوام وشهوات الخواص ولا يلجأ فى العلم إلى ركن وثيق فلهذا نفضوا أيديهم منهم ولم يعد لهم ثقة بما يصدر عنهم .حتى بعض العلماء الذين كان لهم سمعة طيبة عند الشباب وقعوا فى شرك التأييد للسلطان الذى نصبته لهم الأجهزة الإعلامية الماهرة وحملوا على الشباب بشدة دون أن يسمعوا دفاعهم أو يعرفوا حقيقة مواقفهم .

ويكفى هنا أن أضرب مثلا لما قاله أحد العلماء المشهورين معلقا على ما حدث لشباب الجماعات الاسلامية فى مصر , بعد تجميد نشاطهم واعتقال أعداد كبيرة منهم وتقديمهم للمحاكمات.

قال : لو كان هؤلاء حقيقة أنصار إسلام ما خذلهم الله... ولو كانوا فعلا أنصار اسلام ,والله راضى عما كانوا فيه ويهدفون إليه , وما كانت قوة – لا بوليس ولا جيش – وقفت أمامهم ولكن لأنهم ليسوا كذلك هزمهم الله قبل أن يهزمهم البشر .

قال الشيخ هذا لاكلام ليقرر به قاعدة تتخذ مقياسا لمعرفة المحق من المبطل فمن خذل وانهزم دل على أنه على باطل , لأن الله لم ينصره . ومن كان النصر والنجاح حليفه دل ذلك أنه على الحق.

وهذا كلام مرفوض شرعا وقدرا , فإن للنصر أسبابا وشروطا قد لا تتوافر كلها لصاحب الحق , فيتخلف النصر عنه ... وقد تتهيأ للمبطل ظروف تمكنه من النجاح إلى حين .. قد يقصر او يطول.

وكم رأينا فى عصرنا من دعاة للباطل تغلبوا ونجحوا ومن دعاة للحق أخفقوا وهزموا لأن القوى العالمية كانت مع الأولين وضد الآخرين وأمامنا إسرائيل مثالا واضحا لما نقول.

ومن منا يجهل كيف سحق الشعب التركى المسلم – بقيادة علمائه أمام طغيان أتاتورك وزمرته ؟ وكيف طرد الإسلام من دار الخلافة وفرضت العلمانية اللادينية على شعب تركية بالحديد والنار؟ فمن كان من الفريقين على الحق ومن كان على الباطل؟

وبالأمس, لأنه قانون يتعلق بأحوال الأسرة , حاولت السلطة ان تفرضه على الشعب المسلم و فيه تبديل لشرع الله و فهو يحل ما حرم الله, ويحرم ما أحل اللهو ويبطل ما أوجب الله فلما قال العلماء : لا كان جزاؤهم الموت حتى يكونوا عبرة لغيرهم فلا يرتفع لأحد بعدهم رأس , ولا يسمع لمعارض صوت.

وانتصرت السلطة الطاغية وسكت صوت العلماء , ومعهم صوت الشعب . فهل كانت السلطة على حق , والعلماء على باطل ؟

وفى بلد اسلامى آخر , تتحكم الأقلية الكافرة فى الأكثرية المسلمة وتسوق الألوف من المسلمين والمسلمات إلى السجون حتى يخرس كل صاروخ ويستكين كل معاند , ولا يقول لأحد, " كيف؟ ,"ولم" فضلا عن " لا" فإذا ضاقت السجون بمن فيها خففوا أعداده بتوجيه الرشاشات إلى صدور من فيها , وإذا وجدوا الرجال المسلمين لا يبالون بالموت , اتخذوا معهم أسلوبا آخر لقهرهم وإذلالهم , أسلوبا لم يقدم عليه جنكيز خان ولا هولاكو ولا غيرهما من جبابرة التاريخ السفاحين : فى أن يعتدوا على أعراضهم أمام أعينهم.

فبالله, كم من دماء معصومة سفكت وكم من أعراض مصونة هتكت , وكم من حرمات مقدسة قد انتهكت وكم من مساجد عريقة هدمت , وكم من أموال نفيسة نهبت , وبيوت عامرة خربت مدن دمرت على أهلها قتل تحت أنقاضها من قتل و وشرد من شرد , ومن الرجال والنساء والولدان , لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا, وكم من أطفال برأة فى عمر الزهر , ودون سن التمييز لا يعرفون ولا يعرف أحد من الناس , من أى أسرة هم , ولا من آباؤهم وأماتهم؟

لمثل هذا يذوب القلب منكمد

إن كان فى القلب اسلام وإيمان !

لقد قهر الشعب المسلم أمام جبروت الطاغوت ! فمن منهم على الحق ومن على الباطل ؟

وفى سائر عصور التاريخ حدث هذا انهزم أبو الشهداء , وسيط البى , الحسين بن على رضى الله عنه أمام جيش ابن زياد وإلى يزيد وبقيت دولة بنى أمية لعشرات السنين ولم يكن لآل البيت حظ فى الخدمة حتى بعد قيام دولة بنى العباس أبناء عمومتهم .

فهل تتخذ من هذا دليلا على أن يزيد كان على حق والحسين على باطل وبعد سنوات انهزم العالم القائد الشجاع عبد الله بن الزبير – أحد العبادلة الأربعة – أمام جيش الحجاج جبار بنى أمية و بعد أن ظل فى الحجاز وما حولها بضع سنين ينادى بخليفة المسلمين وأمير المؤمنين.

بعد سحق القائد الثائر عبد الرحمن بن الأشعث ومعه مجموعة من كبار العلماء مثل سعيد بن جبير والشعبى ومطرف بن عبد الله وغيرهم , سحقهم الحجاج الطاغية وقتل منهم من قتل , مثل سعيد ابن جبير الذى قال عنه الإمام أحمد : قتل سعيد وما على الأرض مسلم إلا وهو ومحتاج إلى علمه .

فهل هزيمة هؤلاء وألئك أمام طغيان الحجاج برهان على أنهم على باطل والحجاج على حق ؟

أننا نذكر هنا ما قاله بعض المسلمين وقد انكشفوا أما م خصومهم فى معركة : والله لو نهشتنا السباع أو تخطفتنا الطير, ما شككنا أنكم على الباطل , وأننا على الحق.

وقال عبد الله بن الزبي وهو محصون مع قلة من أنصاره فى مكة " والله ما ذل ذو حق, ولو تمالأ عليه من بأقطارها : والله ما عز ذو باطل ولو طلع من جبينه القمر!

وقد أشار القرآن الكريم إلى أن عددا من الأنبياء قتلهم خصومهم كما قال تعالى فى خطاب بنى إسرائيل ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم , ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) ( البقرة 87) ومن هؤلاء نبى الله زكريا , وابنه السيد الحصور يحيى عليهما السلام .

فهل كان قتل النبيين ونمكن أعدائهم منهم دليلا على انهم لم يكونوا على حق فيما دعوا إليه ؟ وفى القرآن أيضا نقرأ قصة أصحاب الأخدود , الذين حفروا الأخاديد وأججوا فيها النيران , وألقوا بجماعة المؤمنين فى قلبها , وهم قعود حولها , يتلذذون بالنظر إلى ألسنة النار و وهى تأكل هؤلاء المؤمنين الصادقين ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) ( البروج :8)

فهل كان هؤلاء الطغاة على حق و لأنهم تمكنوا من أولئك الضعفاء من المؤمنين وأبادوهم ولم يبقوا لهم من باقية؟

وهل كان أولئك المؤمنين على باطل لأن نهايتهم كانت الإبادة والفناء فى هذه الدنيا؟!

الواقع أن منطلق الشيخ غير مقبول بحال و لا أدرى كيف غفل الشيخ عن سنن الله تعالى فى ابتلاء المؤمنين , واستدراج الطاغين فقد قال تعالى فى الأولين :

أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا , وهم لا يفتتنون , ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت: 1-2) وقال بعد غزوة أحد التى انكسر فيها المسلمون: ( يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله , وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ...) ( آل عمران 14- 14) وقال فى الآخرين : سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملى لهم إن كيدى متين ) القلم 44).

وغربة الإسلام فى ديار الإسلام :

من دوافع الشهادة عند الشيخ صلاح أبو إسماعيل وبعد هذا سبب آخر يعمل فى نفسية الإنسان المسلم الملتزم بتعاليم دينه فى هذا العصر , وخصوصا الشاب .

ذلك أنه يرى المنكر يستعلن والفساد يستشرى , والباطل يتبجح والعلمانية تتحدث بملء فيها , والماركسية تدعو إلى نفسها بلا خجل والصليبية تخطط وتعمل بلا وجل, وأجهزة الاعلام تشيع الفاحشة وتنشر السوء, ويرى النساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ويرى الخمر تشرب جهارا, وأندية الفساد تجعل الليل نهارا . يرى المتاجرة بالغرائز على أشدها , من أدب مكشوف وأغان خليعة , وصرة فاجرة وأفلام داعرة , وتمثيليات ومسرحيات ووو... كلها تصب فى نهر الإغراء بالفسوق والعصيان , والتعويق عن الإسلام والإيمان.

يرى المسلم هذا فى ديار الإسلام , ويرى معها التشريع الذى يجب أن يعبر عن عقائد الأمة فى صورة قوانين تحرس معنويات الأمة وتعاقب من يجترئ على حماها .. هذا التشريع للأسف يبارك المنكر ويؤيد الفساد لأنه لم ينبع مما انزل الله , بل مما وضع الناس فلا عجب أن يحل ما حرم الله, ويحرم ما أحل الله و ويسقط فرائض الله ويعطل حدود الله.

ثم يرى الحكام الذين حملهم الله المسئولية عن شعوبهم المسلمة يسيرون فى واد غير وادى الإسلام , يوالون من عادى الله ويعادون من والى الله ويقربون إليهم من بعد الله , ويبعدون من قرب الله , ويقدمون من أخر الإسلام , يؤخرون من قدمه , ولا يذكرون الإسلام إلا فى الأعياد والمناسبات , تمويها على شعوبهم , وضحكا على لحاهم !

ومن ناحية يرى الظلم الاجتماعي البين , والتفاوت الطبقى الفاحش أفراد يلعبون بالملايين , وجماهير الملاليم قصور تشاد وتنفق عشرات الملايين, وربما لا تسكن فى السنة إلا أياما معدودات, على حين يموت ملايين فى العراء و لايجدون ما يحميهم من حر الصيف ولا برد الشتاء , أناس تموج خزانئهم بالذهب كما يموج التنور باللهب و وأرصدتهم فى البنوك الأجنبية بأرقامها السرية لا يعلم مقدراها إلا الله والكرام الكاتبون , والخواجات الحاسبون , وساد الناس ليس فى خزائن إلا الجيوب التى كثيرا ما تشكو الإفلاس والخواء .. فهى قانعة بالقليل ولكنها لا تجده منشدة قول أبى العتاهية .

حسبك مما تبتغيه القوت

ما أكثر القوت لمن يموت!

ومع هذا لا تجد ما تشترى به القوت يسد جوعه الأطفال يصرخون , أو كبار يتألمون , ولو تبرع وجيه أو ثرى من أثرياء النفط أو أثريا الانفتاح , أو وسطاء الشركات العالمية ! بما يكسبه فى صفقة أو يخسره فى ليلة على المائدة الخضراء , أو ينفقه تحت أقدام شقراء لأغنى الكثير منه الفقراء , واشبع الكثير من الجياع , وكسبا الكثير من العراة .

وكيف لا , والثروات الضخمة تجمع بل تنهب , والأموال العامة تسرق بل تغصب , والرشوة لها سوق بل أسواق , والمحسوبية قائمة على قدم وساق , واللصوص يتمتعون بالحرية والتكريم , واللصوص الصغار وحدهم يتعرضون للعقاب الأليم وداء الحسد والبغضاء بين الأفراد والفئات – نتيجة لهذا التظالم – يفتك بالقلوب والعلاقات فتك الأوبئة بالأجسام , ودعاة المبادئ الهدامة يستغلون هذا المناخ وتناقضاته الصارخة ليؤججوا نار الصراع الطبقى , والحقد الاجتماعى , تهيئة لنشر مذاهبهم المستوردة فيجدوا فى هذا الجو الأذن التى تسمع , لا حبا فى المذهب المنشود , ولكن كرها للواقع المشهود .

أساس هذا كله: إن الإسلام – بشموله وتكامله وتوازنه – غائب عن الساحة فى أوطانه, منكور بين أهله, معزول عن الحكم والتشريع وعن توجيه الحية العامة , وشؤون الدولة فى سياستها واقتصادها وسائر علاقاتها بالداخل والخارج .. وفرض على الإسلام أن يتوقع فى العلاقة بين المرء وربه , ولا يتجاوزها إلى العلاقات الاجتماعية أو الدستورية أو الدولية .

ومعنى هذا أنه فرض على الإسلام ان يكون نسخه من النصرانية فى عهد انكماشها , أى يكون عقيدة دون شريعة , وعبادة دون معاملة ودينا دون دولة , وقرآنا دون سلطان.

فرض على الإسلام ان يحمل أوزار تاريخ غير تاريخه لامه غير أمته فى أرض غير أرضه , نتيجة ظروف لم يعرفها هو .

فقد حفل تاريخ الكنيسة الكاثوليكية فى الغرب بمآس ومواقف سلبية وقفت فيها إلى الجوار الجهل ضد العلم , وإلى جوار الاستبداد ضد التحرر , وإلى جوار الملوك والإقطاعيين ضد الشعوب والفئات الضعيفة , وقامت محاكم التفتيش تعذب كل ذى علم أو فكر جديد وتحرق العلماء أحياء وأمواتا , وتفرض الظلم والظلام على المجتمعات باسم الدين فلا غرو أن ثارت الجماهير عليها وعملت على التحرر من طغيانها وتسلطها.

ما ذنب الإسلام حتى يحمل نتائج هذا التاريخ الأسود ويحكم عليه بالعزل عن القيادة للأمة , والطرد من موقع التشريع والتوجيه والتأثير , وان يحبس فى خبايا الضمائر فإن خرج منها فليبق بين جدران المساجد والزوايا , على أن يظل فى المسجد أيضا قصير اللسان خيفض الصوت , حافظا لمثل القائل : سعادة جدك , وقفك عند حدك فهو مسجد " موجه" موضوع تحت مجهر المراقبة ليس له حرية الدعوة ولا الأمر بالمعروف أو النهى ‘ن المنكر .

المشكلة ترجع فى جوهرها إلى فرض " العلمانية" على المجتمع الإسلامى , وهى اتجاه دخيل عليه غريب عنه , مجاف لكل مواريثه وقيمه فإن محصلة " العلمانية" هى فصل الدين عن الدولة , وإبعاده من الحكم والتشريع , وهذا لم يعرفه الإسلام فى تاريخه قط , إذ كانت الشريعة هى أساس الفتوى والقضاء فى الأمة الاسلامية طول عصور تاريخها وكان الإسلام مصدر العبادات والمعاملات والآداب والتقاليد بين الناس.

قد يوجد من شذ عن ذلك من الحكام والمحكومين , من اتبع الهوى وانحرف عن الهدى ودين الحق , ولكن لم يوجد قط من يجحد الإسلام شريعة يرجع إليها المختصمون , ويتحاكم إليها المختلفون .

حتى الطغاة والجبابرة المتسلطون من أمثال : الحجاج بن يوسف وغيره إذا وجهوا بأحكام الشرع , ونصوص القرآن والسنة , ولم يملكوا إلا أن يقولوا : صدق الله ورسوله , سمعنا وأطعنا , غفرانك ربنا وإليك المصير.

وفرق كبير بين أن تميل عن صراط الشريعة وعدلها بدافع من شهوة أو غضب أو حسد أو غفلة أو نحو ذلك. وبين أن تجمدها ولا تعترف بها , ولا تقر بأن له السيادة , من حقها الحكم , لأنها تمثل كلمة الله , وحكم الله و وكلمة الله هى العليا ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) ( المائدة:50).

فلا غبوا أن تصدم هذه المشكلة بعنف وجدان الجيل المسلم , وتقلق ضميره , حيث يجد الأمم الأخرى تكيف حياتها وفقا لعقائدها وفلسفاتها وتصوراتها عن الدين والوجود وعن الله والإنسان , ويجد المسلم وحده مكتوبا عليه أن يعيش فى صراع بين عقيدته وبين واقعة , بين دينه وبين مجتمعه.

" إن العلمانية" قد تقبل فى مجتمع نصرانى ولكنها لا تجد قبولا عاما فى مجتمع اسلامى أبدا

أهؤلاء هم المتطرفون

وقد سطر الشيخ صلاح أبو إسماعيل مقال بخط يده بعنوان ( أهؤلاء هم المتطرفون) يحمل مضمون غربة الإسلام فى ديار الإسلام وكان هذا بجريدة الأحرار بتاريخ 10/ 8 / 1987 وجاء فيه ما يلى:

وزير الداخلية اللواء زكى بدر رمى نواب الشعب الذين ذهبوا إليه فى مكتبه بوزارة الداخلية بأنهم تطرفون!!! لأنهم يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية ,ويطالبونه بالإفراج عن المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم ويطالبونه بمعاملة المتهم كبرئ حتى تثبت إدانته.. !! كما رمانى تحت قبة البرلمان وأنا على منبر مجلس الشعب بالتطرف وقيادة المتطرفين فى محاولة فاشلة لنقل الموضوع من مناقشة نائب لبيان الوزير إلى تلفيق وزير تهمة لنائب وهو فى سلطته التشريعية والرقابية ثم راح يرمينا بألفاظه " المنتقاه" فى مجلس الشعب , وفى مجلس الشورى وفى مديرية امن القاهرة وفى أكاديمية ضباط الشرطة وفى كل مكان !!! متجاوزا حدوده كرجل تنفيذى أمام رجل تشريعى فى بلد دستورى!!

وكل ذلك ليجرنا من مجال محاسبته كوزير لنا عليه حق الرقابة إلى مجال يلفق لنا فيه التهم – وويل لغيرنا من تهمة – ويشغلنا بذلك عن مطالبته بالحق , ودعوته إلى العدل ونبذ الظلم , وتذكيره بواجب السلطة التنفيذية فى احترام أحكام القضاء الذى حكم بالبراءة للمعتقلين فأبى وزير الداخلية أن يخلى سبيلهم فهم فى قبضته برغم الدستور وأحكام القضاء وحقوق الإنسان ومحاسبة النواب ..!! كل ذلك والغالبية فى مجلس الشعب تقف موقف المتفرج أحيانا وموقف الإيجابى لصالح الوزير المتجاوز أحيانا كثيرة , وقاتل الله نظام القوائم الذى أذل الأعناق !!.

فمن هم المتطرفون فى مفهوم زكى بدر . وما معالم تطرفهم فى تصور هذا العهد ؟ أهو من يرتكب المنكر ؟ أم هو من يستنكر المنكر؟ أين المعالم التى تضمن لنا الطريق ؟ لقد حاولت جاهدا أن أعرف الصورة الذهنية لمعنى التطرف الذى يحاربه عهد الرئيس حسنى مبارك ويعهد بمهمة القضاء عليه إلى وزارة الداخلية كائنا من كان أو يكون وزيرها.

وفى سبيل هذه المحاولة استعرضت بعض المواقف والأمثلة فى واقع حياتنا فرأيت أن الدولة فيها خالفت شريعة الله تعالى مخالفة صارخة صريحة واضحة , وأصرت على موقفها برغم وضوح الحكم الشرعى الذى أعلن الدستور فى مادته الثانية أن شرع الله تعالى هو المصدر الرئيسى للقوانين فى مصر , ومع ذلك ومع القسم على احترام الدستور وقعت مخالفات الدولة لدين الله , واستقرت , وتأصلت ودخلت فى حماية القوانين الوضعية , وأعلن وزير الداخلية أنه يحميها وأن السلاح لن يرتعش فى يده ومن أبى إلا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والاستضاءة بأنوار القرآن فهو المتطرف الذى يقود المتطرفين ويتلقى التمويل من الخارج وهو السافل الوسخ المنحط ابن الـ... كما اجتمعت على ذلك الشهادة الشهود ف كل مكان !!

ما المخرج من الخلاف؟نحن إذن على خلاف مع الدولة .. وهو خلاف فى الرأى تحمل لواءه معارضة تؤدى واجبها خدمة للوطن حماية للدستور فى إطار من الوفاء مقدساتنا التى نفتديها بالنفس والنفيس ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض ) وقد شرع الله لنا المخرج من الخلاف إلى الوفاق فقال تعالى :" وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله " ونحن نقبل حكم الله ؟ وإن قبلته انتهى الخلاف وإن أصرت على مخالفة حكم الله فنحن مع الله والله أكبر إن وصفتنا الدولة بأننا متطرفون فالله يحكم بيننا يوم القيامة وهو خير الحاكمين .

إن الله تعالى يقول ( يا أيها الذين آمنوا ) وهذا نداء للحاكم والمحكوم ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) وهذا أمر للحاكم والمحكوم ( وأولى الأمر منكم ) وهذا أمر للرعية إن تطيع ولى الأمر المؤمن المطيع لله وللرسول ... فإن على ولاة أمورنا أن يطيعوا الله والرسول إن طاعتهم كما قال الصديق أبو بكر رضى الله عنه " اطيعوى ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لى عليكم" فذلك يا وزير الداخلية هو المخرج من الخلاف فهل أنتم مسلمون ؟!! وذلك هو الطريق إن كنتم مؤمنين! بل ذلك يا سيادة الرئيس هو المخرج من الخلاف لا مخرج غيره , وإن رميتونا بأننا متطرفون فإن حسبنا الله ونعم الوكيل والله عزوجل ميزان غير موازينكم فالسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا فى الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان " أننا نريد أ، نأخذ بكم فى رحاب العقيدة لا على خلافها . وفى ظلال الشريعة لا على خلافها وفى ظلال الشريعة لا على مخالفة !!( فإن تولوا فقل حسبى الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).

لم نهبط بعد ذلك على أرض الواقع, هذه بعض نقاط الخلاف بين الدولة ومخالفيها ممن ترميهم الدولة بأنهم متطرفون وما هم إلا متدينون معذبون العذاب والإيذاء فى سبيل الله يدعون إلى إعلاء كلمة الله تعالى لتطبيق الشريعة الإسلامية التى ربط بها وتبين النصر والقوة والوحدة والرخاء والأخلاق وحسن الجزاء , والنبى صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تزال طائفة ن أمتى قائمة على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر الله والله الذى خلق الحقيقة علقما .

والشاعر يقول :

ولذا لم يخل من أهل الحقيقة جيلا يلخص الأمثلة : رعاية الدولة الخمر صناعة وإنتاجا وبيعا وشراء واحتساء ...!! ولله حرم ذلك كله بالقرآن والسنة لأن الخمر والميسر من عمل الشيطان .. ولأن لما كان يريد أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن سبيل الله وعن الصلاة ... ومن خالف وشرب الخمر أقيم عليه حد الشرب حماية الأموال العقلية , وحماية لما يصيب المجتمعات من أضرار تنتجها الخمر والميسر منبع الشرور وأقرأوا فى تقارير العالم .

فنحن مع الله تعالى فى تحريم الخمر والميسر وإن خالفتنا الدولة فى ذلك فالدولة ضد الله تعالى فى تحريم الخمر والميسر!!!

سفك الدماء والأرواح أعلن اللواء زكى بدر أنه السلاح ثابت لن يرتعش فى يد رجال الأمن ضد الذين هم مع الله رب العالمين !!!

موقف قد تبلور على هذا النحو : القرآن برهاننا والسنة حجتنا , والعودة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة أسلوبنا ولا نملك سوى الحجة والبرهان والدليل وإعلان على سبيل الله .. والدستور فى صفنا وهو منبع القوانين لوضعية وأبوها وهو النظام الذى ارتضاه شعب مصر العظيم ولكن الدولة تخالف القرآن والسنة والدستور وتتوعد من خالفها وترميهم بأنهم متطرفون !!! وتشهر فى وجوههم سلاحا تعلن أنه لن يرتعش فى أيديهم ويصفق لها الحزب الوطني الديمقراطى الحاكم !!!.

الله أكبر ..!!! لقد عرفنا الآن الصورة الذهنية للتطرف فى تصور الدولة بعامة و زكى بدر بخاصة .. أنها أذن تصفية لتدين , وضرب للمدنين من وراء ستار مهلهل مفضوح اسمه التطرف ومحاربة المتطرفين!!

وترى الدولة أن الذين يرتادون البارات . ويشربون الخمر ويلعبون الميسر ويغشون الكازينوهات ويراقصون النساء ليسوا متطرفين فى نظر الدولة بل هم أسوياء معتدلون!! والذين يستنكرون شيئا من ذلك هم المتطرفون وإن كان القرآن برهانهم والسنة حجتهم والدستور سلاحهم ..!! وهؤلاء المتطرفون هم الذين تلقيهم الدولة حجتهم والدستور سلاحهم ..!! وهؤلاء المتطرفون هم الذين تلقيهم الدولة فى المعتقلات وتعذبهم ولا غنى عنهم القضاء ببراءتهم أنهم متطرفون أحكام زكى بدر على حقهم فى الحرية , ويصادر من أجل تطرفهم أحكام القضاء ! ونحن نقول للدولة :" ما لكم ؟ كيف تحكمون؟ هل ترانى بهذا متجنيا على العهد أو على وزير الداخلية ؟ أم ترانى بهذا متجنيا على العهد الرئيس أو على وزير الداخلية؟ أم ترانى متحدثا بغير دليل؟ أم ترى أن عهد الرئيس حسنى مبارك وعهد زكى بدر وزير الداخلية قد صار المتدين فيه يطارد بحجة انه متطرف ظلما وزورا , ومغالطة مفضوحة تبريرا لبطش والاعتقال والتنكيل والتعذيب!!

دخلت النار امرأة فى هرة حبستها حتى ماتت جوعا فلا هى أطعمتها إذ هى حبستها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض ) تلك حرمة الهرة فى الإسلام والسؤال الحائر هو : لحساب من يجرى كهذا فى مصر بل الأزهر ضد كل مرتبط بالإسلام ؟؟ وهل صار الوجود الشكلى للأزهر, وإذاعة القرآن الكريم , والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية, والمساجد و والمادة الثانية فى دستور مصر مجرد رماد يدر فى الأعين عند اللزوم وإن كان ستارا مهلهلا للواقع المفضوح ؟!!!

(ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد).

الربا

المثال الثالث : الربا ... إنه محرم فى كل دين سماوى , وتحرمه الشيوعية والاشتراكية ولا تبيحه إلا الرأسمالية و والربا هو الجريمة الوحيدة التى أعلن الله القوى العزيز أنه يحارب مرتكبها ويحاربه رسوله كما أعلن أنه تعالى يمحق الربا كأسلوب من أنماط المعاملات المالية ... وذلك واضح جدا من القرآن المجيد قال تعالى :" يمحق الله الربا , ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم " وقال تعالى " ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين " " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " وحسبنا القرآن فى هذا المقام.

شركات الاستثمار الإسلامية ((من الأشياء التى استند إليها دفاع المتاجرين بالعملة أثناء المحاكمة أنه لا يوجد تشريع اقتصادى للبلاد وحين تولى الدكتور عاطف صدقى رئاسة الوزراء أراد تدارك هذا الخطأ بتوفيق الأوضاع لشركات الاستثمار وفق القانون المستحدث لشركات الاستثمار ولكن هذا التصحيح الذى تقوم به الدولة فى جانب التشريع الاقتصادى, أخذ جانب الهجوم بكل أشكاله و فلو فرضنا حسن النية الدولة م هكذا يكون التصحيح., ولم تهاجم عصمت السادات وتوفيق عبد الحى و رشاد عثمان و عبد الخالق المحجوب و عبد الحميد حسن وتجار العملة والكثيرين , من الذين ثبت أنهم سرقوا وتاجروا بقوت الشعب مثلما هوجمت شركات الاستثمار الإسلامية , فقد كانت حرب شركات الاستثمار وعلى رأسها شركات الريان كانت حرب شديدة الغوادة , أثرت على الاقتصاد المصرى بشكل ملحوظ , ولم يثبت أن أخير مودع واحد فى شركة من شركات الاستثمار الإسلامية قبل تدخل الدولة . ولكن حين تدخلت الدولة كانت المشكلات العديدة حتى فى نهاية الأمر وبعد الصفقة المسماة " شراء الريان لم يثبت تبديد رأس مال المودعين من قبل القائمين على شركات الريان أو شركات الاستثمار الاسلامية الكبرى كالسعد والشريف))

وشعب مصر شعب متدين , فما إن وجدت المصارف الاسلامية وشركات الاستثمار الإسلامية ونشطت فى مجالات المشاركة والمرابحة والمضاربة المشروعة وبارك الله جهودها الاستثمارية فأقبل الشعب بمدخراته عليها حتى اشتعلت نيران الحرب والمقاومة من جانب الدولة ضد المعاملات الإسلامية حيث لا ربا ولا ريبة ..!!

وماذا على الدولة لو حولت مصارفها إلى إسلامية ؟؟!! وماذا على الدولة لو عدلت عن تحويل المحظورات الشرعية إلى قواعد للتعامل وإن لم تدع إلى ذلك ضرورة معتبرة شرعا ؟؟ وما هذا التلفيق الذى نراه فى بنك ما من البنوك إذ يعلن أن فرعه الفلانى اسلامى , وبقية فروعه شيطانية ربوية والإدارة واحدة !! فما هذا اللعب تارة على حبل الله وتارة على حبائل الشيطان ؟؟ " وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا أمنا وإذا خلوا إلى شيطانهم قالوا إنا معكم !! إنما نحن مستهزئون " الله يستهزئ بهم ويمدهم فى طغيانهم يعمهون".

ونسمع نائبا فى مجلس الشعب هو المستشار الدمرادش العقالى يدافع باستماتة عن الربا فى مصارف الدولة ويصفق له الحزب الحاكم تصفيقا طويلا متواصلا ويمنحه وقتا إضافيا ويعيده إلى المنبر التشريعى مرة أخرى لأول مرة فى تاريخ المتحدثين فى مجلس الشعب ويعتمد رأيه فى رفض الاتجاه إلى تقصى الحقائق فيما يتعرض له المعتقلون الأبرياء من تعذيب أن هذا النائب هو : المستشارالدمرداش العقالي الذى قال لى وأنا أعاتبه ما خلاصته : إن الدولة كالأب وإن الشعب كالأبن . والإبن وماله لأبيه فلا ربا بين الأب وولده ّّ أى أن الشعب وماله لدولة وأسأله أين هذه الأبوة من جانب الدولة حين تعطى المودعين المأزومين من هذه المصارف ؟!! أين هذه الأبوة؟! وإذا رأيت فى الإسلام على حد تفكيرك وتعبيرك سندا لما تبرره من ربا المصارف الحكومية الربوية فما رأيك فى القرآن عضين يؤمنون ببعضه ويهجرون معظمه وما موقفك من المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية والعهد يرميهم بأنهم :" متطرفون" ... فلا أجد منه إلا جدلا عقيما !! فأعرض عليه الاحتكام فيما اختفلنا فيه إلى أهل الذكر :" لجنة فتوى الأزهر ولجنة الفقه فى مجمع البحوث الإسلامية" فإذا رده أعجب رد !! يقول أ،ت من مبدأ الفصل بين السلطات ؟؟ نحن سلطة تشريعية أعلى سلطة فى البلاد !!

قلت له أنك تعطى حكما شرعيا فى قضية الربا ومجلس الشعب ليس من أهل الذكر فى فقه الإسلام ولم أستدع لك سلطة تنفيذية ولا أخرى قضائية حتى ترفض ذلك حفاظا على مبدأ فضل السلطات وإنما أدعوك إلى الاحتكام لأهل الذكر لأن مجلس الشعب ليس جهة للفتوى فى شأن الحلال والحرام فى الإسلام فيأبى هذا القول كل الآباء !! على أن عرض الموقف على هذه الجهات الثلاث : مجمع البحوث الاسلامية ولجنة الفتوى بالأزهر وفضيلة المفتى لا يتوقف على موافقة الدمرداش العقالي... وإنا لمنتظرون منهم إفتاء يشفى الصدور!!

والحزب الحاكم الذى صفق مرارا لهذا النائب الذى اقترح رفض تقصى الحقائق فى واقع المعتقلات أقر الربا ورفض البدائل الاسلامية الناجحة الطاهرة المطهرة هو هو الحزب الذى قاطعنى مرارا وتكرارا وشوش على كلمتى تشويشا ليرى القارئ كيف نشق جلاميد الصخر العنيد فى مجلس الشعب ونحن ندعو إلى تطبيق شريعة الله مع أن المضبطة قد تصرف فيها رئيس المجلس تصرفا كبيرا..!!.

وليت المستشار الدمرداش العقالي إذ دافع عن المصارف الربوية ترك البدائل الاسلامية ولكنه يريد أن يخلوا الجو تماما للمصارف الحكومية الربوية وأن تستأصل البدائل الاسلامية ومن ورائه غالبية تصنع القرار بحكم كثرتها العددية وأمامه معارضة أن قدرت على تسجيل الرأى فإنها تعجز عدديا عن تحويل رأيها إلى قرار بحكم منطق الديمقراطية التى تعطى عباد الله من أعضاء مجلس الشعب فى حزب الديمقراطية التى تعطى عباد الله من أعضاء مجلس الشعب فى حزب الغالبية من حق التقنين مالا تعطيه لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .. والآن أسأل الأستاذ كمال الشاذلي هل ما زلت عند رأيك فى أن الذين يبايعون الرئيس حسنى مبارك إنما يبايعون الله ؟! وتلك سياسة عهده ؟ إن المطالب بتنفيذ حكم الله فى الربا " متطرف " فى نظر العهد ومن ينفذون سياسة بينما المتعاملون بالربا يعيشون فى حماية القانون وأن أعلن الله ورسوله الحرب عليهم ..!! أليس هذا هو التطرف عندك يا وزير الداخلية ؟ّ!!

السكارى وأهل الميسر والربا أسوياء معتدلون والذين يستنكرون عليهم ذلك هم المتطرفون !! ما لكم كيف تحكمون ؟

وإذا أتضح أن هذه الدعوة إلى إعلاء كلمة الله هى التطرف عندكم!! ألا يجوز لنا أن نقول أنكم تخططون لتصفية التدين والمتدينين تحت ستار التطرف المزعوم ..؟ وفى عهد من ترون أن مبايعته مبايعة لله رب العالمين!!

يا قوم : قولوا للناس : أننا نحترم حكم الله فى الربا ومن أجل ذلك نحول المصارف الحكومية إلى إسلامية دون أن نزعج شركات الاستثمار الاسلامية والمصارف الاسلامية . وقولا للناس , نشكر الله القائل ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم) ومن أجل ذلك نأنس بالله ورحمته إذا ألجأتنا الضرورات لبعض المحظورات فى التعامل مع المقرضين الأجانب... ولنتفق على أن المحظور إذا أبيح للضرورة فليكن بالقدر الذى تفرضه الضرورة المعتبرة شرعا فى رأى فقهاء الدين لا فى رأى مجلس الشعب أما أن يتحول بنك الائتمان الزراعى مثلا فى تعامله مع الفلاحين إلى مصاص للدماء فلا يقنع بالثمن المؤجل المحدد فى ذمة الفلاح او الذى لا يزيده مرور الزمن كدين على المدين المعسر إلا تفاقهما ويأبى هذا البنك إلا أن يعتبر ثمن السلعة الزراعية فما الضرورة الداعية إلى ذلك يا قوم إن كنتم حقا مؤمنين؟! وإن لم تكونوا قد حولتم أشنع الحرام وهو الربا إلى حلال زلال؟!! إذا قلنا هذا الكلام نكون حين نحن المتطرفين نستحق الاعتقال والتشريد والتعذيب ؟!! حسبنا الله ونعم الوكيل ...! " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأ،ت خير الفاتحين " وعلى هذا النهج من التفكير والتعبير نتحدث عن موقف الدولة من أرباب اللحى من الشباب ومن المحجبات فى الجامعات , ومن المطالبين بشرع الله لنغير ما بأنفسنا على ضوء ديننا تغيير يرضى ربنا ليغير الله حالنا إلى أحسن حال .. ونتحدث كذلك عن سكوت هذه الدولة عن المتجازين بالفطر فى نهار زمضن وعن المذيعات السافرات المبالغات فى التزيين المتسابقات فى المساحيق والمكياج وعن تبادل العناق والقبلات على الشاشات وفى المسارح والملاهى.

محافظ الجيزة

ونتحدث عن ترخيص الدولة بالكازينوهات الليلية الراقصة المعربدة حتى فى القرى غير السياحية وعلم ذلك عند محافظ الجيزة الدكتور عبد الحميد حسن الذى يعاقب من أجلى بلدى بهرمس مركز إمبابة جيزة والقرى المجاروة لها فيبتلع قراره – منذ سنة 1983 – بالمرافقة على إنشاء مدرسة ثانوية فى بهرمس بحجة مضحكة تقول أن الأرض لا تتحمل بناء المدرسة عليها وشر البلية ما يضحك وأن عندى تقارير من جهات رسمية وغير رسمية تقول بعد التحليل للتربة وإن الأرض صالحة للبناء عليها خلافا لما زعمه المحافظ تبريرا لسحب قراره وصلحت أرض بهرمس فعلا لبناء المعاهد الأزهرى الثلاث : الابتدائى الأزهرى الدينى الإعدادى الثانوى الأزهرى الدينى كما صلحت لتحمل المدرسة الابتدائية والمدرسة الإعدادية والعمارة السكانية التى بنتها المحافظة والمركز الطبى والحدة الاجتماعية وغير ذلك على الأرض مساحة استبقيناها للمدرسة الثانوية فعاقبنا محافظ الجيزة لأننا تطرفون لقد عاقبنا الدكتور عبد الحميد حسن بالآتى:

(أ) سحب قراره بإنشاء المدرسة الثانوية سحبا قام على الحجة الملفقة التى ذكرناها وأنا هنا أتحدى أن تكن الأرض غير صالحة لإقامة المدرسة عليها والدليل تحت يدى ينطق بصلاحية التربة لإقامة البناء عليها.

(ب) ترك طريق ترعة ذات الكوم سنين عديدة لا يصلح للإستعمال وترك قرارات الإصلاح تمصى بها أحيانا سلحفاه نائمة كسول ولا عبرة بحقوق المواطنين دافعى الضرائب والرخص وقد طال عذابهم وتحطمت سياراتهم من سوء الطريق الذى انهار خلال سنتين مرتين بعد رصفه فى كل مرة نتيجة لسوء التنفيذ وانعدام الرقابة وموت الضمير.

(جـ) الدكتور عبدالحميد حسن يؤشر على طلبات نواب الحزب الوطني بكلمة أوافق على تخصيص شقة مثلا فى عمارة بهرمس " بلدى" فيتم التعاقد فورا وإذا رجوته أنا كتب على تزكيتى : أوافق وتنفذ عاجلا!! فأشكره على الاهتمام بنتيجة الموافق التى يمنحها لطلبات لجماهير المطحونة والمزكة منى ثم تمضى الأيام فلا يتم التعاقد مع من زكيته فاستفسر فإذا العجب لعجاب !!.. أن كلمة أوافق فقط معناها فى قاموس محافظ الجيزة تعاقدوا فورا وإن كلمة موافق ونفاد عاجلا معناها لا تتعاقدوا فإن تلك الموافقة حبرا على ورق, مع أننى عندما طلبت لا تتعاقدوا فإن تلك الموافقة حبرا على ورق !! مع أننى حينما طلبت موعدا مع لدكتور عبد الحميد حسن بلغ من عنايته الفائقة بلقائى فى ظاهر الأمر أنه استحضر الأخ الأستاذ مدحت دراز رئيس مركز إمبابة ومدينة أوسيم ليتسلم موافقات المحافظة فى دائرة السمع والبصر للأستاذ مدحت دراز فلا يكون فى شك من أن المحافظ قد افق فعلا ثم يدور الأيام فإذا شقق عمارة بهرمس – بلدى أنا – يتعاقد فيها على مساكن لمن زكاهم نواب الحزب الوطني , وتئول اللبات المزكاة منى إلى ( أوافق ونفاد عاجلا) ثم لا تنفيذ للمنطوق بل التنفيذ للمضمون السرى المتفق عليه بين المحافظ وأجهزته على نحو ما أسلفنا وكل ذلك لمعاقبة المتطرفين !!

الذين يطالبون بتطبيق الشريعة افسلامية !! ولقد شكوت هذا المحافظ العبقرى فى إرضاء من فوقه والضحك على ذقون رعيته شكوته على رئيس الوزراء السابق الدكتور على لطفى وإلى الدكتور أحمد سلامة وأشكوه اليوم إلى الدكتور عاطف صدقى رئيس الوزراء فهل من سميع من البشر أو من مجيب !! قبل أن نشكوه إلى الله الذى لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء ؟؟وهل من أنصاف لأمثالنا من المتطرفين المنادين بإعلان كلمة الله رب العالمين ؟!! 

وفى الوقت الذى صار التطرف فيه ستارا لضرب أرباب اللحى والمنادين بصلاة العيد فى الخلاء الأماكن العامة , والمحجبات والمطالبين بشرع الله بل والنائب المتحدث باسم الشعب إذا هو نادى بالمعروف واستنكر المنكر .

أقول فى هذا الوقت لا يؤاخذ المتجاهر بالفطر فى نهار رمضان ولا رواد البارات ولا من يتحلقون حول موائد الميسر ولا المتعاملون بالربا ولا رواد الكازينوهات ولا الزانية والزانى بالتراضى والاتفاق فى الأماكن المستوردة وإن حملت الزانية ووضعت لقيطها وتعهدته على مرأى ومسمع من الناس .. لأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فى قانون وضعى ولا عبرة بالنص الشرعى .. وفى الوقت الذى لا يؤاخذ فيه من أقر بالزنا والإقرار سيد الأدلة!!

ومن اعترض باسم الله على ضلال فهو المتطرف فى حكم الذين يحكموننا بالهوى فإذا لجأ المظلوم المعتقل المرمى بالتطرف إلى القضاء فبرأه فلا عبرة بحكم القضاء وإن تكرر له الحكم بالبراءة . فى عهد الرئيس حسنى مبارك الذى يقول عن مبايعته الأستاذ كمال الشاذلى ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) فهل بعد هذا من تجاوز فى معنى التطرف ومضمونه ؟ وهل بعد ذلك من تضليل وتلبيس؟؟

(وقل جاء الحق وزهق الباطل ؟ إن الباطل كان زهوقا)؟

إليك اللهم نشكو ضعف قوانا وقلة حيلتنا وهواننا على وزير الداخلية ورجال هذا العهد ومحافظ الجيزة ومن يستهينون بدورنا فى تطهير الحياة من المثالب والرذائل والأوزار !! إليك اللهم نشكو هؤلاء الذين يريدون أن نصلى ونسلم عليهم وإن اتخذوا هذا القرآن مهجورا .

نعاهدك اللهم على ألا نخشى فى الله لومة لائم ..

ونعاهدك اللهم على الجهاد بكلمة الحق التى لا نملك غيرا حتى نصير على إحجى الحسنين .. ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ..

رابعا : محاكمات السادات

جاء فى أقوال الشيخ صلاح أبو إسماعيل أثناء الشهادة ما يلى نصه :

" الإسلام هو العمل بفرائض الله , من النطق بالشهادتين وأداء الفرائض والابتعاد عما حرم الله ورسوله . فالإيمان تصديق قلبى .. فمن أنكر أو جحد شيئا مما وجب به فهو كافر .. قال تعالى ( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر فقد ضل ضلالا مبينا).

أما الإسلام فهو العمل والقول , عمل الجوارج ونطق اللسان .. وإذا ارتكب المسلم ذنبا من الذنوب بأن خالف نصا فى كتاب الله أو سنة رسوله لا يكون بذلك خارجا عن الإسلام ما دام يعتقد صدق هذا النص ويؤمن بلزوم الامتثال له .. وفقط يكون عاصيا وآثما لمخالفته فى الفعل والترك وقفت عند هذا المدى كمرحلة أولى من مراحل النظر ورأيت اتفاقا كاملا بين رد الفريضة الغائبة ورد المفتى فى تأثيم المخالف للقرآن والسنة . ورأيت أن الحاكم أهدر الحدود وأقر التعامل بالربا ولم يجرم كثيرا مما جرمه الإسلام بل إنه يدعى قانونا يقول (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ).. ثم لم يقم اعتبارا للنص الشرعى الوارد فى الكتاب والسنة وراح هذا الحاكم يحكم بهواه حينما يصور الدين فى غير صورته فيقرر إثما انه لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة , ورأيته يجترئ على الدين الإسلامي حين قدم قانون الأحوال الشخصية رقم 44 لسنة 1979 كما رأيناه يسجن أخيرا علماء المسلمين ويتوعدهم بأنه لن يرحمهم فى الوقت الذى ينادى فيه ببناء مجمع للأديان فى سيناء – مسجد وكنيسة وبيعة لليهود على ارض مصرية , ويعد الصهيونية بمد ما أسماه زمزم الجديدة إلى صحراء النقب وإلى إسرائيل ثم يطلب الرأى فى (كامب ديفيد) ولا يقف عند حدود النص الشرعى ولكنه يطلب الرأى الشخصى متجاهلا النص الشرعى ورأيناه يطبع العلاقات مع أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود .. ويزعم ا،ه حريص على الأرض والسيادة وقد قبل اليهود .. ويزعم أنه حريص على الأرض والسيادة , وقد قبل اتفاقيتى كامب ديفيد وبمقتضاها تحكمت الصهيونية فى حجم قواتنا فى شرق القناة وفى المجالات التى تتحرك فى حدودها هذه القوات على أرضنا وتحكمت الصهونية فى نوعية مطاراتنا فى سيناء , وقبل السادات تدويل خليج العقبة مع أنه بمقتضى عاهدة القسطنطينية أقل من أن يكون مياها إقليمية , وأباح لليهود ا، يدخلوا مصر وقتما يشاءون... وقبل من الشروط ألا يدخل فلسطينى أرضه إلا برضى اليهود. وقبل أن يكومن ( كامب ديفيد) الأرجحية على غيرها من الارتباطات عند التعارض, فهى أرجح من مثياق جامعة الدول العربية وأرجح من الروابط بيننا وبين المسلمين وأرجح من كل ارتباط بعهد من العهود عند التعاقد وهو بذلك خان دم الشهداء فإذا كان يعتقد حل ما صنع فهو كافر .. وإن كان يعتقد خطأ ما صنع فهو فاسق ظالم "

خامسا: رأى التلمساني فى الشهادة

كان من الشخصيات التى استدعيت للشهادة فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى وفضيلة الأستاذ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر والأستاذ عمر التلمساني ... وغيرهم .. وقد سجل كتاب الشهادة رأى الكثيرين فى الشهادة وعلى رأسهم إمام أهل السنة فضيلة الشيخ عبد اللطيف مشتهرى ومن ثنايا كتابا الشهادة تجد توافق الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق مع شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى الأمور الهامة الرئيسية غير أنه أوجز فيها وفصل فيما هو خلاف وزاد فى تفصيل الأمور الخلافية اللجنة التى كونها شيخ الأزهر للرد على الشهادة . وقد سئل الأستاذ الكبير عمر التلمساني المرشد السابق لجماعة الإخوان عن الشهادة فجاء هذا الحوار .

س كنتم احد الجهات المدعوة للشهادة فى قضية الجهاد الكبرى أن الظروف حالت دون حضوركم يومئذ ولو قدر لكم الحضور فما الفكرة التى كنتم تستدلون بها إلى المحكمة فى هذه القضية !.

جـ: ما كنت بزائد على ما قاله فضيلة الشيخ الجليل صلاح أبو إسماعيل عضو مجلس الشعب إلا أنى أضيف إلى ذلك إقرارى بأن الشباب أخطأ, وأن الحكومة أخطأت كذلك الشباب فى اتجاهه وأخطأت الحكومة فى تصرفاتها معهم . أنه شباب مسلم حقا و ولكنه أخطأ الطريق فى إقامة ما رآه من إعوجاج.

لقد فسحت الحكومة المجال لشرح وجهة نظرها , وحرمت الشباب حقه فى عرض مفهوماته , وليس هذا بالمنهج المنشود فى الإصلاح فالحجة والدليل بالدليل , وليس سوى هذا للإصلاح والتصحيح من سبيل, إلا أنى أصبحت مرتاحا وهذا الشباب ... والله هو المسئول أن يأخذ بيد الجميع إلى خير الإسلام والمسلمين.

س- وما مطالعاتكم فى شأن الحوار القائم بين لجنة الأزهر وفضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل حول شهادته فى هذه القضية...

جـ: أننى أميل إلى الأخذ برأى فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل لن ما فصله فى شهادته عن أوجه الانحراف الاجتماعى والفردى والحكومى هو من الواقع الذى لا مندوحة من أن يؤخذ فيه بالرأى الحاسم و والأجراء الفاصل لكى توضع الأمور فى نصابها .. وأنى لمع القائلين بعدم إسكات المتألم الباكى قبل أن أطلب من المتسبب فى هذه الآلام أن يقلع عن كل ما دعا إلى التألم والشكوى . وقد اعتبر عمر بن الخطاب نفسه مسئولا عن ضرر العاثر إذا لم يكن قد سوى له الطريق , فما بالنا نحن نرى الصراصير والنمال تتهاوى على مقدسات العقيدة والأخلاق!! أننى بطبيعتى لا أقر العنف أيا كانت صوره ولكنى أصرح فى الوقت نفسه بوجوب إزالة كل المسببات لطلقات المدافع والرصاص . إن قضية الجهاد بين يدى قضاء عادل أثبت نزاهته ومراقبته لله الذى يحول بين المرء وقلبه , وهو المسئول أن يلهمه الصواب , وأن يجرى الحق على لسانه أيا كان الحكم الذى سيصدره أنى لأذهب إلى أبعد من ذلك فأطلب بالتقويم وسيادة الألفة التعاون والتواد فى المجتمع, ولو افترضنا أن هناك إدانة فإن تصحيح المسيرة لا يزال فى يد السيد رئيس الجمهورية , لأن الدستور يمنحه العفو الشامل إذا ما قدر أن ذلك فى مصلحة الوطن . إن لمثل هذه الخطوة فاعلية رائعة فى نفوس الشباب, إذ يؤمنون حينذاك أن أزمة البلاد فى يد أمينة حانية , ولا مر لما حدث , أما الإبقاء على الأحياء بالعفو والصفح فقد يكون من ورائه خير كثير...

سادسا: استجواب وزير العدل

يقول فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى مقدمة الطبعة الثانية لكتابه ( الشهادة) ما يلى :-

(الاستجواب الذى قدمته على ضوء حيثيات الحكم بعد أن أهلنا مما تضمنته حيثيات الحكم من ملاحقة شجاعة ومطاردة مؤمنة للذين استهانوا بحرمة الإنسان وحقوق الإنسان فعذبوه وأذلوه وسفكوا دمه وانتهكوا عرضه بل لقد ذلت الحيثيات على أ وزير الحكم المحلى حتى كتابة هذه الكلمات ( يقصد اللواء حسن أبو باشا ) قد تورطا فى حوادث التعذيب للإنسان الذى كرمه الله قبل أن تثبت إدانته بل لقد ثبتت براءته. وكان لابد أن يبدأ دورى كنائب بعد أن أنتهى دورى كشاهد وكما أننا تعاملنا مع لحق جل علاه بالحق تعاملنا معه كذلك سبحانه حينما قدمت استجوابى إلى السيد المستشار ممدوح عطية وزير العدل أنهم وزارة العدل بأنها تقاعست عن تقديم هؤلاء المعتدين على حقوق الإنسان وحرمانه بعد أن دمغتهم هذه الحيثيات المشرفة بأنهم تورطوا فى التعذيب وأساءوا إلى البراء كنت أتمنى أن يكون أعضاء الحزب الوطني فى مجلس الشعب متجردين من التزاماتهم الحزبية لحساب الحق والعدل حينما ينظر فى مثل هذا الاستجواب الخطير ولكنهم كانوا حزبيين بنسبة مائة فى المائة حينما قام العضو حسن حافظ وكنت على سفر للخارج وفوجئت بأن حسن حافظ اقترح إسقاط الاستجواب بحجة أن الدعاوى المرفوعة من المظلومين المعذبين لا تزال منظورة أمام النيابة ووجدت الأغلبية من نواب الحزب الوطني فرصتها فى هذا الاقتراح فوافقت على إسقاط هذا الاستجواب فى مظاهرة حزبية تحت قبة البرلمان وتناست عن عمد ما يكفله الدستور للنائب من حق فى كثير منها وقضى لأصحابها بتعويض بلغ مائة ألف جنيه للواحد وتحمست المحكمة قائلة لو طلبتم أكثر من هذا لحكمنا به وكأنها تعتذر عن ترفق حكمها بالدولة الظالمة.

ولكن ماذا تفعل المحكمة بعد أن كانت استجابتها لطلب المعذبين فى قمة الموافقة على كل ما طلبوا من تعويض بل هناك قضايا كثيرة انتهى مكتب النائب العام من تحقيقها وعندى أرقامها وتواريخها وأصبح متعينا على وزير العدل أن يقدم للمحاكمة أسماء بعض الشخصيات التى تشغل اليوم مناصب كبرى بعد أن لاحقتهم التحقيقات وإدانتهم وبقيت محاكمتهم . ولكن الهروب من المسئولين فى حماية الأغلبية البرلمانية التى أسقطت الاستجواب بقرار حزبى غير دستورى لن يغنى فتيلا . فقد أعددت استجوابى من جديد مشيرا فيه إلى التواريخ والأرقام التى حددت مسئولية من قام بالتعذيب تحديدا قاطعا الأمر الذى يسقط حجة المتعللين بأن هذه القضايا لا تزال منظورة على أن كل استجواب يقدم من المعارضة لنعلم أ صاحبه فى حماية الدستور سيشرح استجوابه ويشرح فيه يشاء مما يدفع الظالمين ولكن الدستور الأرضي لا يلزم الغالبية بأن يكون حكمها ثمرة لمنطق الحق والعدل وإنما يأتى حكمها ثمرة للالتزام الحزيى بعد فراغ النائب ن شرح استجوابه ثم يأتى قرار من الغالبية بإغلاق باب المناقشة والانتقال إلى جدول الأعمال وتكون هذه هى النهاية المنتظرة والمعتادة لكل استجواب ولكن تبقى بعد ذلك ملاحقة التاريخ للعهد كله وفى مقدمتهم هؤلاء الظالمون ( ولعذاب الآخرة أشد وأبقى)

سابعا: الشهادة الثانية ( قضية الناجون من النار)

1- رد الشيخ صلاح على المستشار عمر العطيفى

وقد كان بعد ذلك الاعتداء على كل من الوزيرين السابقين النبوى إسماعيل وحسن أبو باشا والحصفى مكرم محمد أحمد وتفرع بعد ذلك ما عرف بقضية ( الناجون من النار) وكانت شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل أيضا وهى الشهادة الثانية بعد شهادته فى قضية الجهاد . ولكن حكم المحكمة وبيان المستشار عمر العطيفى دعا فيه الشيخ صلاح أبو إسماعيل للتوبة وكان رد الشيخ صلاح أبو إسماعيل عليه فى جريدة الحقيقة بتاريخ 30/9/ 1989 . بعنوان ( ويا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار .. وأنا أدعوك إلى التوبة يا سيدة المستشار)

وجاء نصع كما يلى :

لنا صديق عزيز هو الأستاذ المستشار : محمود عبد الحميد غراب استجاب لعقيدته , والتزامه بإرضاء الله عزوجل فحكم بما أنزل الله فى قضايا الربا – والربا حرام فى الإسلام والمسيحية واليهودية

فكتب التفتيش القضائى ضده مذكرات – انتصارا للقانون الوضعى ذد أديان السماء كلها واقترح إدانة المستشار المؤمن بعدم الصلاحية ومع ذلك ظل المستشار محمود عبد الحميد غراب على صراط الله المستقيم !! فحكم بجلد شارب الخمر , كما حكم على الزانية والزانى بحد الزنا ولم تنفذ أحكامه !! وإن ساندها الكتب والسنة وإن اتفقت أديان السماء على تحريم الزنا!! ذلك لأن أحكام الشريعة الإسلامية عندنا – بالرغم من المادة الثانية فى الدستور – ليست لها قوة ذاتية فى محاكمنا !! إلا إذا ناصرها القانون الوضعى مثل قوانين الأحوال الشخصية , كما ورد فى حيثيات محكمة أمن الدولة العليا " طوارئ"!!

وهذه من غير شك معركة بين التفتيش الفضائى والمستشار الملتزم بطاعة الله , والحق لا يتجزأ وفى مثل هذا النزاع يحكم لطرف على طرف فأى الطرفين أحق أن يحكم عليه بالإثم وارتكاب الذنب واقتراف المعصية والدعوة إلى التوبة إلى الله عزوجل !لو أننى وجهت سؤالى هذا إلى المستشار عمر العطيفي رئيس محكمة أمن الدولة العليا ( الطوارئ ) لحكم على المستشار محمد عبد الحميد غراب بأنه مذنب أثم مرتكب للمعصية!! ولحكم للتفتيش القضائى بجنات النعيم ومنحه صكوك الغفران !!

وعلى هذا النحو أدان المستشار عمر العطيفي شهادتى فى سبتمبر 1989 فى بيانه الصحفى !! ثم فى حيثيات حكمه التى أذاعها يوم 16/9/1989 كما ورد فى الصحف كلها أنه يدعوننى إلى التوبة إلى الله عزوجل وأنا أستغفر الله العظيم وأتوب إليه لأن كل ابن أدم خطاء وخير الخطائين التوابين ولكننى أؤكد للسيد المستشار عمر العطيفي أن شهادتى أمام محكمته لا تدخل فى باب الأخطاء بالمقاييس الشرعية بل وبمقاييس القانون الوضعى والدستور المصرى لأنها فكر شرعى مقدس والفكر وإن لم يكن شرعيا مقدسا غير مجزم فى القوانين, وفى الدستور كما ورد فى الحيثيات فلست أدرى الذنب الذى دعانى المستشار عمر العطيفي إلى التوبة منه!

إن المحكمة التى يرأسها المستشار عمر العطيفي مرتبطة كل الارتباط بالقانون الوضعى وإن تعارض مع شرع الله فالهيمنة " عنده" لقوانين البشر على شريعة الله الذى أنزل الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فمن الذى يدعو من إلى التوبة يا سيادة المستشار ؟! " ويا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار" وما جدوى دعوة العلماء للشهادة أمام المحكمة إذا كانت المحكمة لا تستجيب لشرع الله عند التعارض مع القانون الوضعى؟!!

وإذا كانت المحكمة مرتبطة بالقانون الوضعى عند تعارضه مع شرع الله إلى هذا المدى فهل يعتبر حكمها حكما بما أنزل الله ؟

وهل تعرف المحكمة حكم الله فيمن لم يحكم بما أنزل الله ؟

وهل تعرف أن الله وصفهم بأنهم كافرون , ظالمون فاسقون ؟!! وهل صحيح أن المحكمة ارتبطت بشهادة المفتى فى حكمها ؟! إن المفتى قد قال فى شهادته أمام المحكمة كما ورد فى الحيثيات إن واجب الأمة أو الشعب إذا حدث خطأ من الحاكم أو لم يلتزم بكتاب الله أن ينصح بإصلاح الخطأ وإن يداوم النصيحة بالأسلوب الذى أمر الله به وعلى مجلس الشعب هكذا يقول المفتى إن يلزم الحاكم بذلك فإذا لم يفعل كان مسئولا أمام الله وبالتالى فإن الأمة وقد بلغت رسالة الله تكون قد أدت ما يجب عليها نحو رئيسها ويقع الإثم عليه ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ,وإذا قصر الحاكم فى تغيير المنكر يكون عاصيا لأوامر الله لأنه المسئول عن ذلك أمام الله !! وقال المفتى أيضا : إن من أحل أمرا علم تحريمه من الدين بالضرورة فهو كافر لا شك فى كفره, تسقط ولايته , ولا تجب طاعته .

وإنى أسأل المستشار عمر العطيفي هل تجد فرقا بين شهادتى وهذا الكلام الذى قاله المفتى ؟!! وهل الدولة التى تبلغ بالدعوة الإسلامية مداها تحقيقا وتطبيقا كما ورد فى بيان العلماء الذى لقوه فى الأزهر فى يناير 1989 م هل تضيق بدعوتى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وهل تتعارض قضاؤها مع هذه الدعوة ؟ وهل يتنافر قانونها لوضعى مع شرع الله عزوجل ؟!!

أما موقف المحكمة من شرع الله فليس محتاجا منى إلى بيان بعد الذى ورد فى حيثياتها فقد قالت المحكمة ما خلاصته ( الواقع أن قصد المشرع فى نص المادة السابعة من قانون العقوبات لم يتجه إلى استبقاء عقوبات تقررها الشريعة الاسلامية لأن التنظيم الذى قرره التشريع الوضعى للعقوبات جاء مستبعدا للعقوبات الشرعية " أى لحدود الله "!!.

وقالت المحكمة:" إن من المتفق عليه إن كلمة القانون تصدق على فروع القانون المختلفة الصادرة من السلطة التشريعية أى الدولة وعلى كل قاعدة تنظيمية تقرر حقا , ولا تشمل كلمة القانون قواعد الدين ولا قواعد السلوك ولا أحكام الدين .

وقالت المحكمة إن كلمة الشريعة الورادة فى المادة ( 60) من قانون العقوبات لا تشمل من الشريعة الإسلامية إلا ما أقره التشريع المصرى القائم من أحكامها أى من أحكام الشريعة الإسلامية كالأحوال الشخصية!! وذلك هو الذى يعد قانونا أما الحقوق التى تقررها الشريعة الإسلامية والتى خرجت عن حدود القانون الوضعى فلا أثر لها فى قيام العقوبات ولا سند ولا قوة ولا حكام الشريعة الإسلامية التى لا تتفق مع التشريع المصرى القائم !!

وقالت المحكمة فى حيثياتها : إن كلمة القانون لا تشمل قواعد الأخلاق أو الدين وهذا هو حكم القانون الوضعى .

لست أدرى وهذا هو موقف المحكمة من شريعة الله وهو موقف التزم بالقانون الوضعى عند تعارضه مع أحكام الله وجاء هذا الالتزام بدرجة مائة فى المائة !! لست أدرى هل أنا مكلف بإرضاء هذه المحكمة وأما الملتزم بقول ربى جل علاه " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين "؟!! هل على أن أسارع فى هوى المحكمة على حساب دينى لترضى عنى المحكمة؟!!

يا سيادة المستشار إن أرضيتك أغضبت ربى وإن أرضيت ربى أغضبتك والله كبر!! والولاء لله وحده ولكن العجب فى أمر المحكمة وولاؤها لغير الله – إن تدعو علماء الدين لتطلب منهم حكم الله فى قضايا النزاع فإن راقها ما قالوا مدحتهم وإن تعارض ما قالوا مع ما تهوى شنت عليهم حملة شعواء !!

ومن غريب الأمر بعد هذا كله إن تقول المحكمة فى حيثياتها : إن غياب علماء الأزهر وراء اعتناق المتهمين للفكر الذى دفعهم إلى ارتكاب جرائمهم !! ولقد قلت فى شهادتى للمستشار عمر العطيفي رئيس المحكمة العليا : قانون العقوبات قد فرض نفسه على العلماء وهم فوق المنابر داخل المساجد وكانت الدولة تكتفى من قبل بالمباحث والمخابرات لكنهم أضافوا على ذلك المادة ( 201) فى قانون العقوبات وهى تقول لا حد ولو كان من رجال الدين داخل دور العبادة أن يقول ولو على سبيل النصيحة الدينية قولا يعارض به قانونا أو قرارا إداريا ومن يفعل ذلك فإنه يحبس ويغرم خمسمائة جنيه , فإن قاوم يسجن ويغرم ألف جنيه !!

ومعنى ذك أن من حمل من العلماء على الربا أو الخمر أو الميسر و حتى على المواعيد الصيفية أو الشتوية ولو على سبيل النصيحة ولو فى يده الكتاب والسنة فإنه يحبس ويغرم أو يسجن ويغرم يا سيادة المستشار !!

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم " فإن الله عذر من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولهذا ولقانون الطوارئ ولارتباطكم بالقانون الوضعى وإن تعارض مع أحكام الله لهذا وغيره غاب علماء الأزهر عن الساحة !! ومن غريب الأمر أننى قلت لك هذا فى شهادتى وأنك فوجئت بالمادة ( 201) فى قانون العقوبات وبعد ذلك تدعونى إلى التوبة!! لست أدرى من أى ذنب أتوب فى تقديرك الخاص يا سيادة المستشار!!

وأخيرا لا يملك أحد إن يحكم على أحد بالكفر غير أن الله قال ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون... والظالمون... الفاسقون .. وقال سبحانه وتعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما .

وعلمنا كتاب الله أن النطق بالشهادتين مع الخروج على مقتضيات الإيمان يجعل صاحبه كما قال الله سبحانه فى سورة النور :" ويقولون أمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين , وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفى قلوبهم مرض ؟ أم ارتابوا ؟ أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ؟ بل أولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون".

يا سيادة المستشار سيظل خلافنا قائما لاختلاف ارتباطنا فأنا مع الكتاب والسنة عندما يتنافر معهما القانون الوضعى !! وأنت مع القانون الوضعى وإن تنافر مع شرع الله !! وأنا بهذه المثابة أدعوك إلى التوبة "

أثار البيان الذى ألقاه رئيس المحكمة فى " قضية الاغتيالات السياسية " المسماه بـ( الناجون من النار) – الكثير من اللغط حينما اتهم القاضى المتهمين بأن دعوتهم ضالة مضلة كما اتهمهم بالإتجار بالدين والمزايدة بالشعارات.. ثم اتهم كذلك الشهود بأنهم يدافعون عن الأفكار الجانحة , ويطوعون بعض النصوص لتساند ظاهريا منطقهم الفاسد , وأنهم يفتونوهم ليسوا أهل فتيا , ويطوفون الدول العربية والإسلامية يعرضون بمصر وأهلها , ويقولون عنهم ما ليس فيهم بحثا عن مال زائل وعرض رخيص وقد ترددت فى أرجاء هذه المحكمة شهادتهم الباطلة ولجئوا إلى الإرهاب الفكرى !!.

ثم تحدث القاضى عن المحامين فقال : وللأسف جاراهم بعض السادة المحامين محاولين تسخير كفاءاتهم وطاقاتهم لخدمة أفكار لا يمكن مساندتها وتبرير أعمال لا يؤيدها منصف ... بل حاول البعض منهم جر نظريات قانونية بعيدة كل البعد توصلا إلى نفى الإجرام عن تصرفات المجرم وإبعاد العقوبة عنه.


2- بيان المحامين

لقدكان من نتيجة صدور بيان القاضى الذى أشرنا إلى بعض فقراته أن أصدر المحامون بيانا بتاريخ 3/ 9/ 1989 قالوا فيه :

" إذا كان الدفاع فى هذه الدعوى قد آلى على نفسه ألا يهتم بإحداث أو واقع تخرجه عن دائرة الجادة أو حدود القانون وهو يعلم وقد أدى واجبه ابتغاء وجه الحق – أن الحكم بيد الله , وأنه لا يجوز له والحال كذلك التعرض للأحكام طعنا أو وصفا أو تجريحا إلا أن الدفاع قد وجد فى البيان الصادر من هيئة المحكمة فى 2/ 9/ 1989 وهو الأخير لسلسلة البيانات التى سبق أن أصدرتها الدائرة ما يستأهل الرد دفاعا أو بيانا .. ثم قال البيان أولا وبعيدا عن رأى الدفاع فى مثل تلك البيانات التى استحدثتها بعض الدوائر فى الآونة الأخيرة , والتى قد تستغلها الجماهير بعلامات الاستفهام .. فإن الدفاع يقرر احترامه للأحكام والهيئات القضائية , وما كان يتمنى أن يسود أسلوب البيانات والخطب فى ساحات المحاكم المقدسة التى لا يحتاج فيها القاضى إلى مبرر لحكمه و أو سبب لقناعته .. ذلك أنه لم ولن يكون القاضى المصرى طرفا فى خصومة مع من وضعهم المجتمع أمانة بين يديه , وجعلهم رهن قناعته المتجردة , ويقينه الخالص".

وقال البيان أيضا:

" ولن تدخر هيئة الدفاع جهدا , ولن تترك سبيلا إلا وستطرقه احتجاجا على تلك الممارسات المستحدثة , كما أنهم يعلنون – ومن موقع المسئولية – أ،هم فى سبيلهم إلى اتخاذ إجراءات التقاضى فى مواجهة الدائرة الأولى . فضلا عن وضع الأمر بتفصيلية أمانة أمام السيد المستشار وزير العدل : والسيد المستشار رئيس المجلس الأعلى للقضاء ونادى القضاة , ونقابة المحامين لاتخاذ ما يرونه مناسبا " وقال البيان كذلك".

وقال البيان أيضا :

" وإذا كانت القواعد الشرعية , والأحكام القانونية قد أجمعت على ألا يضار شاهد بشهادته فإن ما تعرض له الشهود من اتهام أوردته المحكمة فى بيانها المذكور يعد هجوما تأسف له هيئة الدفاع, ويحزن له المدافعون عن الحق .. وإذا كناقد هال لدفاع ما أصابه وما أصاب الشهود من نعوت وأوصاف فإنهم يقفون محذرين أمام منعطف خطير نسعى وندعو الله ألا ينزلق إليه المخلصون من أبناء هذا البلد الحبيب "!!

موقف الشيخ صلاح أبو إسماعيل

ومن ناحية اعتبر الشيخ " صلاح أبو إسماعيل " عضو مجلس الشعب أ،ه كان المعنى بكلام القاضى واتهامه ... فرد على ذلك بأن أقام دعوى ضد رئيس المحكمة .

ومن قبل فقد انتقض " نادى القضاة" لأن الدائرة التى اختيرت لنظر دعاوى التعذيب التى رفعتها النيابة العامة على قيادات الشرطة أصدر القاضى فيها بيانا بنفسى الطريقة السابقة عقب الحكم , ولم يتناول المحامين ولا المتهمين ولا الشهود .. وإنما تناول النيابة واتهمها بسطحية التحقيقات فقال بيان نادى القضاة:


3- بيان نادى القضاة

منذ سنوات بعيدة يأخذ قضاة مصر بمراعاة مجموعة من التقاليد توارثوها جيلا بعد جيل , ووجدوا فيها عاصما من أن يصيبهم بعض ما يعصف بغيرهم من القوى المتصارعة فى المجتمع وذلك حفاظا على علو منصيتهم والتزاما بجلال رسالتهم , وحتى تبقى قرارتهم وأحكامهم موضع ثقة الناس وتقديسهم , فتطمئن إليها النفوس دوما ولا تجزع.

ولقد شق على القضاة ما طالعوه فى جميع الصحف الصادر بتاريخ أول يولية سنة 1988 , ونقلته كافة الإذاعات ,ووكالات الأنباء العالمية من أن الدائرة التى اختيرت لنظر دعاوى التعذيب التى رفعتها النيابة العامة على قيادات الشرطة برقم 1304, 1305 لسنة 1986 جنايات المعادى و 3522 لسنة 1986 عابدين – هذه المحكمة قدمت لحكمها الصادر بجلسة 30/ 6/ 1988 ببراءة جميع المتهمين , ورفض الدعاوى المدنية , ببيان تلاه رئيسها بالجلسة تضمن فيما تضمنه أن المحكمة سوف تودع خلال خمسة عشر يوما أسباب حكمها بالبراءة التى تزيد على 130 سببا !! وأن أبرز هذه الأسباب هو سطحية التحقيقات وعدم كفايتها بل كان هو العنوان الرئيسى لإحدى جرائدنا القومية شق على القضاة فى ذلك أمران :

أولهما : إن من تقاليدنا ألا تقدم لمحاكم القضائية لأحكامها بيانات وإنما تقيم أحكامها على أسباب والغاية الوحيدة لتحرير الأسباب كما يتطلبها القانون أن تدل على صحة استيعاب المحكمة لوقائع النزاع ودفاع الخصوم حتى تتمكن المحكمة الأعلى من مراقبة سلامة المنطق الذى أدى إلى النتيجة التى خلص إليها الحكم , وحتى يسلم القضاة من مظنة التحكم والاستبداد . ويوفوا بما عليهم من واجب التدقيق فى البحث وإمعان النظر لتعرف الحقيقة فيما يعلنونه من أحكام .. تلك هى الغاية الوحيدة لما يصدر عن القاضى من أسباب تخضع لرقابة المحكمة الأعلى , ولا يجوز له أن يقرن حكمه بغيرها من بيانات أو أن يستهدف غاية أخرى .. وإلا حق للناس أن يظنوا به الظنون وأن يتوهموا أن التوازن القانونى لديه قد اختل... أما لتقاء الثورة جمهور غاضب , أو طمعا فى رضا سلطان جائر .. وهو ما يفقده ثقتهم ويجرده من حيدته واستقلاله .. ذلك أن من طبيعة البشر أنهما إذا لاح لهم أن القاضى يلتفت لراى الناس أو السلطان أن يعقدوا الثقة فى عدله ,أن تثير أحكامه ظنونهم وهواجسهم .. وما شرعت الأحكام إلا لتبدد الظنون والهواجس , ولتطمئن به النفوس ولا تجزع .. ولقد علمنا أن نزداد تشددا فى التمسك بتقاليدنا وأعرافنا .. لذلك فلم يبلغ علمى أن محكمة ما فى نظامنا القضائي العريق قدمت لحكمها ببيان غير سابقة وحيدة من جهة استثنائية يكفى لإهمالها أنها تنتمى لجهاز وصفه رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق منذ أيام وفى خطابه الأخير لرئيس الجمهورية أ،ه " مسخ شأنه لا أعرف له مثير فى العلم "!

وثانيهما: أن البيان المعلن بكافة الوسائل المشار إليها وصف تحقيقات النيابة العامة فى القضية بالسطحية وعدم الكفاية وهو ما يسر على المحكمة أن تستخلص من هذه التحقيقات ما يزيد على 130 سببا للبراءة !! وليس فى هذا خروج على التقاليد القضائية فحسب .. بل فيه خروج على القانون .. فمن قبل أن تصبح النيابة العامة فى بلادنا شعبة أصيلة من شعب السلطة القضائية .. ومن قبل أن تستند إليها اختصاصات قاضى التحقيق : قضت محكمة النقض ومنذ 16/3/ 1933 بأنه " ليس للمحاكم أن تلوم النيابة بسبب طريقة سيرها فى أداء وظيفتها .. فإذا رأت عليها شيئا فى هذا السبيل فليس لها إلا أن تلجأ إلى رياستها .. على أن يكون ذلك بصفة سرية رعاية للحرمة الواجبة للنيابة العامة" .. ووعى القضاة الدرس منذ ذلك التاريخ فلم يرد فى أسباب حكم ما يمس عمل زملائهم .. حتى فوجئنا بأن عنوانا رئيسيا لإحدى الجرائد القومية .. ونحن نعلم أن العبرة إنما هى بالتحقيق النهائى الذى تجربه المحكمة نفسها .. وأنه بحسب الحكم أن يقوم على سبب واحد صحيح .. وأن أحد من أطراف النزاع لا يهمه عدد الأسباب التى توصل إليها القاضى بفطنته حتى لو بلغت هذا الرقم غير المسبوق طالما أهتدى للحكم الصحيح!!.

ثم ماذا بقى من الثقة فى القضاء ورجاله .. إذا كانت قضية ما هذه الأهمية , وحشد لتحقيقها صفوة من قضاة التحقيق تحت إشراف النائب العام المساعد الذى صار هو نفسه نائبا عاما بعد ذلك , واستغرقوا السنين الطوال , ثم توصف تحقيقاتهم بعد ذلك بعدم الكفاية .. بل بالسطحية ... ويخفى عليهم ما يزيد على 130 سببا كل واحد منها يفرض عليهم حفظ الدعوى!

وبعد.. فإذا كان للأحكام حرمة تفرض على الناس احترامها حتى عند الطعن فيها.. فهل لنا أن نسأل الناس احتراما لما سوف بصدر من بعض المحاكم من إعلانات وبيانات لا يعرفون من المخاطب بها , ولا المقصود منها , فيظنون بأصحابها الظنون؟!!.

أليس احترام القضاء لتقاليده,وما استحفظ عليه من قيم وقدرته على تصويب ما قد يقع فيه بعض رجاله من خطأ .. أليس كل ذلك شرطا الاحترام الناس له واطمئنانهم إليه !!

لقد سبق أن اتخذ أحدنا من مقدساتنا هزوا فحكم بقبول المبادرة شكلا وفى الموضوع بتأييد الرئيس فى جهوده وجهاده .. فلما تباطأنا فى تصويب الخطأ تجرأ علينا من يرفض الرفض ويؤيد المسرى ولأن من واجبنا أن نغرس فى سباب القضاة التقاليد التى ورثناها .

فكلنا أمل أن يولى مجلس إدارة نادينا هذا الموضوع اهتمامه , ويدعو أعضاءه إلى عقد جلسة طارئة لتدارس هذا الأمر , عسى أن يهدينا ربنا إلى سبيل يحفظ على قضائنا مكانته , وهيبته وثقة الناس فيه .

والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .. 2/ 7/ 1988.

( أحمد مكى)

المستشار بمحكمة النقض وعضو مجلس إدارة النادى


4-رأى الدكتور عصفور

وبعد هذه اللقطات من البيانات اتجهنا إلى أهل القانون لنعرف ما هى رؤيتهم لمثل هذه البيانات التى ظهرت مؤخرا فقال الدكتور محمد عصفور أستاذ القانون العام :

عندما أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمها ببراءة جميع ضباط الشرطة الذين اتهموا بالتعذيب – سبقت أسباب الحكم بإصدار بيان هاجمت فيه تصرفات بعض أعضاء هيئة الدفاع ,وكذلك بعض ما كتب فى الصحف عن ملابسات المحاكمة , وبعض ما جرى من تصرفات شاذة من بينها محاولات الاعتداء على المحامين الحاضرين مع المدعين بالحق المدنى .. وقد جاء فى هذا لبيان وقتئذ تكليف عضو اليمين بالدائرة للتحقيق مع الجهات التى اتهمت بالمساس بالدائرة , أو الاعتداء على استقلال القضاء .. وقد أزعج هذا الأسلوب غير المألوف الأوساط القانونية , حتى أن أحد السادة المستشارين بمحكمة النقض وجه إلى نادى القضاة خطابا مفتوحا ندد فيه بهذا الأسلوب الذى لا يأتلف إطلاقا مع نظامنا القضائى , ولا مع تقاليدنا الراسخة التى لا تسمح للقضاء بما يزيد على كتابة أسباب الحكم تتقيد بنطاق الجرائم المطروحة عليه !

ومن أسف أن محكمة أمن محكمة أمن الدولة ( طوارئ ) التى ففصلت فى دعوى الاغتيالات قد أصدرت بيانا صحفيا فى اليوم المحدد للنطق بالحكم وأعلنت فى هذا البيان أنها ستعلن أسباب الحكم يوم السبت 16 سبتمبر .. ولقد تضمن هذا البيان تجريحا شخصيا لبعض شهود النفى , وهجوما عنيفا على ما اعتبرته المحكمة فكرا مغاليا يصدر عن جهلة .. فضلا عن انتقاد المحامين الذين دافعوا عن المتهمين بحجة أنهم لجأوا إلى الانحراف بالقانون .. وكنا نتمنى على قضائنا العالى أن يحجم عن المضى فى هذا الطريق الشاذ ... وهو طريق البيانات الصحفية .. فإنه فضلا عن مجافاته لنظامنا القضائى المحافظ فإنه ينتقض التقاليد القضائية الراسخة فى شأن ما يجب للأحكام وأسبابها من حيدة وموضوعية , ولا يعترف بأية شرعية لأنه بيان ينفصل عن أسباب الحكم .. سواء كان معاصرا لإصدارها أو سابقا عليها .. وأننا نرجوا من السيد المستشار وزير العدل , ومن مجلس القضاء الأعلى أن يعالجا بمحكمة هذه الظاهرة الشاذة التى تسئ إلى القضاء إساءة بالغة .. خصوصا وأن السابقتين تنصبان على أمور سياسية وتتعلقان بوزارة الداخلية التى حظيت فى البيان الأخير بالمديح والتفريط .


5- رأى الدكتور عبد الحليم مندور

ثم اتجهنا إلى واحد من أبرز المحامين فى قضية الاغتيالات السياسية وسألناه عن رأيه فى قضية إصدار البيانات فى المؤتمرات الصحفية فقال الدكتور عبد الحليم مندور المحامى :

عن هذا البيان أولا يعتبر فى التقليد القضائى بدعة .. ولا أحب أن أكمل الحديث.. فهو معلوم.. وهى سابقة خطيرة لم يسبق للقضاء أن اتخذها , أو اتبعها قضاة حفرت أسماؤهم أوسمة على صدر التاريخ القضائى فى مصر .. والمعروف فى أبجدية القضاء والقانون أن القاضى تنتهى ولايته على الدعوى بمجرد إصدار الحكم , وأنه لا يجوز للقاضى تنتهى ولايته على الدعوى بمجرد إصدار الحكم وأنه لا يجوز للقاضى بعد إصدار الحكم أن يتناول موضوع الدعوى أو ما دار فيها من دفاع أو دفوع بأى تعقيب , ولأنه تنتهى ولايته على الدعوى بمجرد صدور الحكم فهو يعتبر أجنبيا أو غربيا عنها فيصبح فردا عاديا من آحاد الناس بالنسبة للدعوى .. فإذا تناول القاضى بعد إصدار الحكم أحد شهودها , أو أحد المدافعين فيها و أو حتى المتهم المحكوم عليه بعبارات تمس كيانه أو تمس اعتباره فإنه يسأل مسئوليته جنائية شخصية كفرد من آحاد الناس , ولا يمكن أن يتحصن فيما يأتيه من أفعال خارج نطاق الدعوى , أو ما يتفوه به من اقوال خارج أسباب الحكم بحصانة القضاة .. فإن هذه الحصانة تثبت للقاضى كقاضى جالس للفصل فى دعوى ... فمتى فصل فيها , وانقضت ولايته على الدعوى , وانقضت الحاجة القانونية للفصل فى الدعوى .. ولذلك فإن ما قاله قاضى الدعوى فى قضية ( الناجون من النار) فيما اسماه مؤتمرا صحفيا فإنه قد أتاه بصفته الشخصية , ويحاسب عنه كفرد من آحاد الناس فيما تضمنه من مساس بالمحامين أو المتهمين أو الشهود .. أما عن ظاهرة المؤتمرات الصحفية التى ابتدعها بعض القضاة بما يخالف تقاليد القضاة الراسخة فإننا نرى مع القانون ومع تقاليد القضاء أنها لا تليق بمقام القضاء, وتعتبر خوضا فى موضوعات كان يتعين أن يتكفل بها الحكم إذا كانت من ضرورات الفصل فى الدعوى .. فإذا لم ترد فى أسباب الحكم فإن معنى ذلك أنها لم تكن ضرورية للفصل فى الدعوى , ويكون الخوض فيها من قبيل خروج القضاء عن النطاق الذى رسمه له الشارع فى قانون الإجراءات الجنائية .. وهو نطاق الفصل فى الدعوى واحترام الدفاع والشهود وحريته فيما يبديه كل منهما فى الجلسة .

الفصل السادس: لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة

يتحدث الشيخ صلاح أبو إسماعيل عن الرئيس أنور السادات فيقول بالإخوان المسلمين لم يكتف بأنه سلط عليهم ضروب الإرهاب وملأ بهم السجون والمعتقلات بل وكل بهم عيونه وأجهزته فى كل موقع . وأصدر قراره بمنع المعتقلين منذ يوليه سنة 1952 إلى يوم صدور دستوره , ومن ترشيح نفسه لعضوية السلطة التشريعية و ثم عزل من لم يشمله الاعتقال عن طريق اللجان المكلفة فحص طلبات الترشيح ... وبذلك عزله مرتين .

أولهما: بالقانون .

والثانية : بأساليب المباحث.

وقد ترتب على ذلك شطب اسمى من دفاتر الناخبين من بلدتى وعزلى سياسيا وكل ذنبى أنى أنادى بتطبيق شريعة الله ! وقد زعمت مباحث الطاغية أنها لا تحارب الإخوان كدعوة بل كتنظيم والواقع أنها إنما تحاربهم تنظيما ودعوة ولا أدل على ذلك من أن تطبيق الشريعة ظل أملا يراود الجماهير حتى الساعة دون أن تستجيب له هذه الثورة . وعندما جاء أنور السادات الغى الحظر السياسى الذى يحول دون مشاركة السياسيين القدامى فى العمل السياسى.

وقد استطاع الشيخ صلاح أبو إسماعيل بعد إلغاء الحظر السياسى أن يكون عضوا فى البرلمان فى عهد السادات فى برلمان 1976, 1979.

ومع اعترافه الكامل لكثير من إيجابيات السادات ألا أن هذا لم يمنعه أن يقول عن السادات ما يلى :-

أنه استباح لنفسه أن يفسر بجهالة مطبقة دين الله بغير الحق, ودين الله ليس ملكا للحاكم أنه عقيدة فى قلوبنا نفتديه بأعناقنا , وما كنت أستطيع أن افعل شيئا أمام قوته وقهره , غير أنى قدمت استجوابا له لم يجرؤ على مواجهته فقلت فى ردى على بيان الحكومة أن هذا الرجل تضارب فقال مرة أن عمر بن الخطاب قدوته , وعمر نزل القرآن برأيه فى حجاب النساء وتحريم الخمر وغير ذلك فإن يكن " عمر" قدوته فأين هو من هذه القدوة ؟ وقبلات أئمة الكفر على وجوه بعض النساء البارزات فى مصر والخمر البارات ذات التصاريح الرسمية إلى غير ذلك؟

ثم أعلن أن أتاتورك قدوته , وأتاتورك علمانى اقتلع الإسلام من تركيا وقوض الخلافة الإسلامية , ولسنا نعرف للتناقض صورة أبشع من هذه الصورة بين بطليه عمر , و[مصطفى كمال أتاتورك] فإن أخطأه الصدق فى أن عمر بطله فبطله هو الآخر بدليل أنه أعلن علمانية صريحة فى قوله لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة .

وما كان مجال استجوابى غير هذا .. وحكم الشرع يدعونى إلى الإيجابية فى إنكار المنكر , وقد فعلت . والإستجواب اتهام ولابد فيه من حشد الأدلة الدامغة لا لجام الخصم وتعرية موقفه أمام الرأى العام , وكان استجوابى لرئيس الوزراء عن تصريح السادات بالا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة وقد حشدت فى هذا الاستجواب البيانات القاطعة على كمال السياسة وقد حشدت فى هذا الاستجواب البيانات القاطعة على كمال السياسة الإسلامية وتفوقها على كل نظام فى تأمين العدالة والوحدة والأمن لأصناف البشر على اختلاف معتقداتهم , وبلغ صفحاته العشرين قدمته إلى رئيس مجلس الشعب ليدرجه فى أعمال أقرب جلسة غير أنه جبن عن مجرد تقديمه و فذهبت به إلى القصر الجمهورى حيث قدمته بنفسى إلى الدكتور زكريا البرى – وزير الأوقاف آنذاك - ليبلغه إلى رئيس الجمهورية , وضمنته كذلك التنديد بقول السادات أن قدوته مصطفى كمال أتاتورك .. ثم كان ما كان من تصادم مع الحزب الوطني والغالبية المؤيدة للحكومة بالحق والباطل. كان تنقلى بحثا عن الفرصة لتطبيق الشرع , ولقد تركت منصبا فى حزب مصر عندما أحسست أنه مساومة على حساب رسالتى ومضابط البرلمان تثبت أننى أعلنت استقالتى منه فى أبريل ( نيسان 1981) لأنى أحسست أن الطريق أصبح مسدودا حين وقفت أمام السادات ويشهد الدكتور - زكريا البرى – وزير الأوقاف السبق – والدكتور صوفى أبو طالب - رئيس البرلمان السابق – بأن السادات كلفهما " بمرمطتى" فى المجلس ولكن البرئ وقف فى وجهه.

سياسة الدين

- كان أول من أطلق عبارة لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة أنور السادات عام 1979 , وقد تصديت له فى مجلس الشعب وفى جامعات مصر فى طول البلاد وعرضها .. فنحن لا نأخذ ديننا فى غير نبينا وربنا ... ولسنا بالذين ينتظرون أن يتعلموا الدين على يد السادات أو غيره ... وإجمالا أقول أن الدولة تحكم الدولة بسلطات ثلاث هى التشريعية والقضائية والتنفيذية ... وفى حياتنا .. سنجد إن السلطة التشريعية هى مجلس الشعب .. وفى الإسلام أساس للشورى والتشريع ... وقد تقرر فى باب الشورى فى الإسلام أنه لا رأى مع النص وهذا هو الفارق الخطير بين الشورى فى الإسلام والشورى فى الديمقراطية التى تجعل القرار ملكا للأغلبية بإطلاق ولو أحلوا حراما كالخمر والميسر , أو حرموا حلال كما جاء فى المادة 201 من قانون العقوبات التى تنص على ألا يجوز لأحد ولو كان من رجال الدين أن يقول داخل دور العبادة قولا يعارض به قانونا أو قرارا إداريا وإلا حبس وغرم .. وطبعا السلطة القضائية لا تحكم بما أنزل الله وإنما بما تعتقده السلطة التشريعية من قوانين , ومع أن سيد القضاة وهو الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحكم بقضاء الله . أما السلطة التنفيذية التى تملك القوة فهى مسخرة فى المجتمع الديمقراطي لخدمة الشرعية الوضعية وإن حاربت الشريعة الإسلامية.. ولقد كان للإسلام سلطته التنفيذية والقضائية.

وكانت حملتى ضد هذه الكلمة قوامها ما يأتى :

- الدولة تحكم الشعب بثلاثين وزارة فى مصر و ولكل وزارة توجيهات إسلامية فوزارة الدفاع .. الإسلام قال فى الجهاد والقتالى ما قال .. وقال أيضا فى وزارة التعليم والعلم ما قال , وقال فى وزارة العدل ما قال . ووزارة الإعلام وزارة الكلمة .. والإسلام حدثنا عن الكلمة الطيبة ورغبنا فيها وحدثنا عن الكلمة الخبيثة ونفرنا منها , بل أنه ربط ذلك بالإيمان " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".

وحدثنا عن الزراعة والرى وعن الصحة وعن التكامل الاجتماعى والشئون الاجتماعية وحدثنا الإسلام عن الخارجية والعلاقة بالمؤمنين والعلاقة بالمخالفين فى العقيدة.

كل هذه أمور تكلم فيها الإسلام :

وبما أنن ى من علماء الدين باعتباري خريج الأزهر , ومن رجال السياسة باعتباري عضوا فى السلطة التشريعية فى مصر , ومرشحا معارضا لرابع مرة على التوالى منذ عام 76 حتى عام 88 وإن شاء الله مستمر , فإننى أقول : إذا شاء الله ومكن لنا فى أرضه فسنطالب بتطبيق شريعته وإعلاء كلمته و فنحن لا نجد فرقا إطلاقا بين الدين و السياسة , لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى فى الناس بالمحراب وكان يتعامل معهم على أساس قوله تعالى :" أنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " وهو الذى كاتب الملوك وكاتب الرؤساء وهو الذى عقد معاهدة للحديبية وهو الذى عقد معاهدة مع يهود المدينة و فمن قال إن السياسة شئ والدين شئ .. يتكلم عن دين غير الإسلام أو يتكلم عن سياسة لا ترتبط بخلق ولا بعقيدة أو يتكلم سياسة منغلقة عن الطهر والنقاء والشرف .

الفصل السابع: قصة الخلاف مع زكى بدر

تسجيل صوتى لزكى بدر

كثير من وزراء الداخلية غير محبوبين , ولكن زكى بدر له وجه خاص, فإذا ذكر زكى بدر ذكر معه كثير من الفساد والتلفيق والكذب على كافة الشخصيات العامة مما استدعى الحكومة لإقالته حتى تسد باب من أبواب الفساد التى فتحها زكى بدر

وكان لزكى بدر خلافات مع الشيخ صلاح أبو إسماعيل كشفت كثير من جوانب الزيف فى شخصية اللواء زكى بدر والجراءة الواعية فى شخصية الشيخ صلاح أبو إسماعيل التى اكتسبها من تأثره بشخصية الشيخ البنا والمستشار الهضيبي والقاضى عبد القادر عودة , فى مواجهة الباطل . وقد بدأت قصة الخلاف مع اللواء زكى بدر وزير الداخلية للرأى العام منذ جلسة الأحد 21ذ يونيه 1987 المسائية ويقول الشيخ صلاح أبو إسماعيل عن هذا الخلاف ما نصه :

- لم يكن بينى وبين اللواء زكى بدر أدنى سوء تفاهم شخصى وإنما ذهبت إليه فى مكتبه خمس مرات قبل هذه الواقعة لأنصح تارة وأنتقد سياسته تارة أخرى .. وفى كل مرة كنت أقول له : يا معالى الوزير أنك تكثر من استخدام كلمة التطرف " ونحن ضده" وأؤكد لك أن شباب مصر من أطهر وأنقى الشباب ولكنكم حلتم بين هؤلاء الشباب وبين الرواد الذين يملكون النظر فيما هم عليه من فكر واعتقاد ليصوبوا لهم ما كان خطأ ويؤكدوا لهم ما كان صحيحا ... وأنا أهدف بهذا الإطمئنان على معنى التطرف فى ذهن الوزير .

- سكت ولم يرد

- كان يسكت ولا يرد .. وهنا قلت له : هيا نتفق على أن كل مجاوزة للحق تطرف ... وكل مطالبة بالحق جهاد.. فأظهر معالى الوزير علامات الرضا والسرور لهذا التفسير واتفقنا عليه , ولكنه عاد محاولا منعى من إلقاء درس إسلامى بمسجد النور الإسلام فى حى شبرا بالقاهرة .. وعندما ذكرته باتفاقنا عقب جدل استمر طويلا أصر هو على منعى هذا الدرس وأصررت أنا على إلقائه ... وأخيرا ألقيت الدرس تحت سمع وبصر رجاله من الأمن المركزى.

- الحقيقة .. أننى عندما اعترضت فى جلسة الأحد 21 يونيو بسياسة زكى بدر وحملت على مواقفه عموما فى أمور كثيرة فؤجئت به يطلب الكلمة ... والمذهل أن الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب أعطاه حق الكلمة.

- وهنا قلت لرئيس المجلس : أنا لا زلت أتحدث

- قال الدكتور المحجوب : اللائحة تعطى الحكومة حق الكلمة متى طلبتها.

قلت : حتى ولو كانت مقاطعة

قال : حتى لو جاءت مقاطعة للنائب المتحدث

- وهنا وقف زكى بدر وقال : لقد استمعنا على خطبة الأحد يقصد كلمتى – وأنا سأكشف لكم الشيخ صلاح أبو إسماعيل الذى كان يتحدث .

- كان مفروضا على الدكتور المحجوب أن يقول له أنك موجود هنا لتجيب على سؤال ... أو لتقلى بيانا حول طلب إحاطة ... فليس من سلطة الوزير أن يكشف نائبا فى البرلمان .. ولكن المحجوب لم يفعل ذلك.

- لماذا؟

- لأنه ما زال يذكر موقفى معه حول مطالبتى بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية , ويومها أرغمته على النزول على منصة رئاسة المجلس إلى صفوف الأعضاء باعتبارها خصما فى النزاع أمامى فترك المنصة لطرف ثالث يحكم بيننا . ولأجل هذا الموقف كان المحجوب مع الوزير ولم يكن معى . ولذلك – وعندما – سكت عن الوزير فاضطررت أن أدافع عن حقى .

الاتهام الأول بدأ يوم الأحد

يتوقف الشيخ صلاح أبو إسماعيل عن الحديث برهة ثم يعود بنا إلى يوم الأحد الموافق 21/6/ 1987 .. فيقول فى مجلس الشعب وقفت لأتحدث حول بيان الحكومة والخطة والموازنة وفى بيان وزارة الداخلية وهالنى فى هذا البيان لوزير الداخلية أن أعلن اعتداءه على الدستور والقانون حينما قال أنه لم يسمح للمعتقلين أن يزورهم أحد ولا أن يتصلوا بأحد والواقع أن الدستور والقانون ينص على حقوق الإنسان وحرياته وعلى حقوق المسجون والمعتقل ومن أبسط هذه الحقوق ألا يحال بينه وبين محامين وأن يمكنه من الاتصال بأهله حتى يعلموا أين هو ؟... وأن يعامل معاملة منصوص عليها فى الدستور والقانون ... رأيت الرجل يتلو الآيات القرآنية وهذا شئ غريب أن يكون للظالم علاقة بالقرآن رأيته يتلو الآيات القرآنية تلاوة خاطئة لا يستطيع أن يقيم الفهم فهو رجل لا يقرأ ولا يفهم فيما يتعلق بالقرآن إلى جانب موقفه من المعتقلين فلقد ذهب إليه تسعة من النواب يقولون له إن المعتقلين فى سجن طنطا استغاثوا من وراء الجدران من سوء المعاملة فسلطت عليهم زبانيته فتعاملوا معهم بالرصاص وبالذخيرة الحية فقتلوا منهم اثنين فقال الوزير والله لو كنت موجودا لقتلت منهم مائة أو ألف وراح يسب ويلعن فى رجال وزارته الذين اكتفوا بقتل اثنين ولقد زرت بعض المفرج عنهم لعدم علاقتهم بما حدث من حوادث اغتيال وعرفت منهم كيف عذبوا فى شهر رمضان وكيف كانوا يصومون عطشا لحرمانهم من جرعة ماء فقلت للوزير زكى بدر أننى أستنكر العدوان على اللواء أحمد وأستنكر إزهاق الروح وسفك الدماء ولكن بنفس الدرجة أستنكر التوسع فى ردود الأفعال تلك التى تتمثل فى القبض على الأبرياء والآمنين وأخذ الرهائن حتى يسلم المطلوب القبض عليه نفسه ما ذنب أبيه العجوز؟ ما ذنب أخيه غير المطلوب ؟ ما ذنب امرأته ؟ فى أى عهد يعيش وكيف يمكن أن يكون الأمن لعبة فى يد المسئول الأول عن الأمن ؟؟..

رحت أحاسبه بهذه اللغة فى مجلس الشيخ صلاح أبو إسماعيل سأعريه أمامكم سأفضحه سوف أبين حقيقته سوف أحيطكم علما بما لا تعلمونه عنه فقلت له أنى أتحداك.. أنى أتحداك وكنت وقتها على المنبر واستنكرت على المنصة أن تمكنه من مقاطعتى بهذا الأسلوب .. فقال جاءنى رجل عربى اسمه الشيخ (قاسم) يريد أن يتبرع بنصف مليون جنيه لمسجد النور فقال الشيخ صلاح أبو إسماعيل سلمنى هذا المبلغ فاعترضت على ذلك فقلت له :" أنت كذاب" لأن ذلك لم يحدث .. وهذا الأمر قيل بهذا المقدار نشر فى الصحف الخارجية ... وإذا الشيخ جاسم الدرويش يطلبنى وهو يعالج فى لندن مذعورا يقول من الذى قال أننى عرضت عليك هذا المبلغ ومن الذى قال أنط طلبت منى هذا المبلغ وكيف تكون وسيط خير فيلحقك هذا الأذى .

فقلت له أننى أطلبك للشهادة فقال ثق تماما أنط إذا طلبتنى للشهادة فإننى سأركب أول طائرة لأدلى بهذا الكلام رغم مرضى ثم قال سأرسل لك رسالة بالبريد السريع , وظل الرجل يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .. ما هذا الذى يحدث فى مصر لرجل من العلماء نحترمه ونكن له التقدير لذلك أقول لأنه لا الشيخ صلاح أبو إسماعيل ولا الشيخ حافظ طلبا منى ولا أنا عرضت على أى منهما وكل ما فى الأمر أننى آمنت بإخلاص الشيخ حافظ سلامة فى خدمة المساجد فأعلنت عن تبرعى على ضوء هذه الشروط ولا يزال المبلغ حبيس هذه الشروط المطلوبة ولن يفرج عنه إلا إذا وافقوا على هذه الشروط..

ثم يقول الشيخ صلاح أبو إسماعيل أن هذه القضية اختلقها الوزير حتى تكون بؤرة النقاش بعيدا عن قضية الأمن.

من يسأل من؟

من يسأل الآخر ويحاسب الوزير أم مجلس الشعب ؟

أجاب نائب الشعب الشيخ صلاح أبو إسماعيل قائلا .... الذى تسألاه هذا كلام به الدستور الذى أقسمت أنا كنائب على احترامه والوزير أيضا أقسم على احترامه فالوزير مسئول أمامى ولست أنا مسئولا أمام شعب مصر والوزير مسئول أمامى حينما أحاسبه بلسان شعب مصر أما الوزير موظف يتقاضى راتبه من دافعى الضرائب والجمارك ومن الشعب الكادح ومن حق الشعب أن يكون الوزير خادمه فإن خرج عن حدوده فأنا باسم الشعب أراقبه وأسأله بما أقدم إليه من أسئلة أو طلب إحاطة ومن اتهام يسمى استجوابا وأنا شخصيا أعددت له استجوابا عن حالات التعذيب وعن حالات الوفاة التى حدثت فى عهده منذ تولى الوزارة حتى الآن وخاصة التى وضعت يدى على ما يوجب تقديم الاستجواب وهو الدليل على التعذيب والقتل داخل المعتقلات حتى أحاسب مثل هذا الوزير.

والواقع أن المقادير أذنت للأحداث أن تمضى بسرعة والحمد لله أننى لم أفقد أترانى وعقلى فلقد وقفت باسم الأمة أحاسب وزيرا جائرا أطالب الرئيس مبارك بإقالته من الوزارة لأننى على يقين بأن الرئيس مبارك غيور على الدستور والقوانين واللوائح وعلى الكرامة وإن كل لحظة يقضيها زكى بدر على كرسى وزارة الداخلية إنما هى محسوبة لكل ضوابط التاريخ على الحزب الحاكم وعلى كل سؤال فيه .

ثم عاد بعد ذلك الحديث عن أسباب الصلح .. فقال .. رفض رئيس الوزراء طلب المجاهد إبراهيم شكرى بان يقوم ويلقى بيانا يندد عما بدر من الوزير رفعت المحجوب المعارضة وقال لهم لملم تنطقوا والشيخ صلاح أبو إسماعيل يقول للوزير ذمته وشرفه فهو يقول له أننى كذاب إذن فهى قضية لابد أن نعرف من الكذاب ومن الصادق ! أما إن يقول له الوزير وسخ... وسافل... منحط إلى آخر قاموس القذارة التى تعود عليها لسان هذا الرجل حتى مع بعض لواءات وزارة الداخلية.

ثم يقول أبو إسماعيل مضى يوم الأحد الذى أهاننى فيه الوزير حيث انسحب النائب العظيم علوى حافظ والشيخ محمد عطية والنائب الأستاذ طلعت رسلان . وشاء القدر أن يبقى الآخرون من زملائنا.

ما هى قصة التبرع

الشيح جاسم درويش فخر .. من أعيان دولة قطر . رجل بلغ به من حب الخير لدرجة أنه أنشأ للأزهر فرعا فى كراتشى واستضاف من ينيبه الأزهر ويوفده ليشهد يوم الافتتاح فأوفد الأزهر إلى هناك وكيله الحالى الدكتور رؤوف شلبى . رجل غيور على الإسلام وهو محب لمصر جاء على مصر وهو فى طريقه من المطار إلى حيث ينزل فوجد مسجد النور أسيرا وكم صلى فيه الجمعة خلف الشيخ الغزالي صديقه فلما وجد المسجد أسيرا وبجانبه الكاتدرائية لا تتوقف أجراسها ربما دار نفسه أنه يتمنى للمسجد فى مصر أن يسوى بالكنيسة.

اتصل بى وهو يعلم بأننى عضو بمجلس الشعب ومن السهل على أن أقابل الوزراء وقال لى لقد حاولت مع الدكتور الأحمدى أبو النور من قبل حينما كان وزيرا للأوقاف وكان د. الأحمدى مع شيخ الأزهر فى كراتشى وأنا كنت هناك وقد انتهى عهد د. الأحمدى بالوزارة وهو معنا فى كراتشى فى باكستان فأريد أن ألقى الوزير الجديد لأواصل رسالتى فى مسجد النور والتقينا بالوزير الصديق .محمد على محجوب واستحضرنا معنا الشيخ حافظ سلامة فى الزيارة الثالثة لنفس هذا الغرض لأن وزارة الأوقاف تريد من الشيخ حافظ سلامة أن يبنى المسجد وأن تبنى الوزارة أيضا المسجد ولكنها تشترط عليه للظروف الأمنية أن يكون غير مسئول عن المنبر وعن تعيين الموظفين فقبلنا هذا الشرط وربما كانت المسيرة الخضراء التى كان الشيخ حافظ يعتزمها وحيل بينه وبينها ربما كانت سببا فى هذا الموقف وعلمنا أن مسجد النور هو موضع اهتمام وزارة الداخلية إلى جانب وزارة الأوقاف معا اضطر د. محمد على محجوب أن يتصل باللواء زكى بدر وأن يعطيه الانطباع الذى يراه مناسبا عن هذا اللقاء واستكتبنا الشيخ حافظ سلامة تعهدا فكتبه بأنه لا يريد مساعدات مالية من وزارة الأوقاف ولا يريد منها أن تشرف على بناء المسجد لأن إشرافها على بناء مسجد الفتح عطله 22 عاما فقال لهم اجمعوا أموالكم ولا أريد منكم أموالا يقصد وزارة الأوقاف .. وعلمنا أن الوزارة كانت قد رصدت ثلاثة أرباع مليون جنيه لعمارة مسجد النور وبنائه فقال الشيخ حافظ لا أريد منكم شيئا أطلقوا يدى فقط لكى أبنى المسجد وأسلمه لكم وخذوا منى التعهد الذى تريدونه على بأننى لست مسئولا لا عن الخطبة ولا عن المنبر ولا عن تعيين العمال والموظفين لكم أنتم بعد ذلك كل شئ فقط مكنونى من عمارة المسجد وبنائه .. الشيخ جاسم الدرويش – والكلام للشيخ صلاح أبو إسماعيل – أعلن فى هذا الموقف أنه يتبرع بنصف مليون جنيه شرط أن تلبى طلبات الشيخ حافظ سلامة وللمقاولين العرب أن يتولوا الإنشاءات الثقيلة من القبة والمآذن لأنها تحتاج لإمكانات ضخمة ونترك المسجد وملحقاته ومنشآته بع ذلك للشيخ حافظ سلامة فإن استجيب لهذه الشروط فإنه متبرع على ضوء هذه الشروط بنصف مليون جنيه للمسجد قال هذا الكلام فى مجلس الدكتور محمد على محجوب وزير الأوقاف .. لا أنا طلبت منه المبلغ ولا الشيخ حافظ سلامة طلب منه المبلغ وإنما الرجل الذى عرض على ضوء شروطه .

هل كان الشيخ جاسم سوف يودع هذا لمبلغ بأمر وزارة الأوقاف أم كان سوف يسلمه للشيخ حافظ سلامة؟

قال الشيخ صلاح أبو إسماعيل .. هذا المبلغ مودع فى حسابه فى بعض البنوك التى لا نعرفها وما سألناه هو فى أى بنطك أطلقت يده به شيكا إذا تحققت شروطه ويسلمه للشيخ حافظ إذا أطلقت يده فى بناء المسجد وإذا لم تطلق باللواء زكى بدر ليعطيه فكرة عن كل ما دار وليبين له هدفنا من الانتقال إليه فى مكتبه باعتبار أن وزارة الداخلية لها رأى فى مسجد النور فذهبنا إلى اللواء زكى بدر ..

ماذا حدث فى مكتب الوزير

قال : سأتصل بوزير الداخلية لأعرض عليه الأمر .. وبالفعل ذهبنا لوزير الداخلية عقب اتصال وزير الأوقاف به .. فكنت أنا والشيخ جاسم الدرويش وتخلف الشيخ حافظ سلامة بعد أن كتب إقراره .

وفى مكتب وزير الداخلية استمرت الجلسة بيننا وبينه أربع ساعات لتنتهى بالموافقة .. فطلبت منه أن يعطى الضوء الأخضر لوزير الأوقاف لبدء العمل فى هذا المسجد . وقبل انصرافنا قلت للوزير زكى بدر بهذه المناسبة يا معالى الوزير أنا متطوع بدرس أسبوعى كل مساء أربعاء بمسجد ط صلاح الدين" أمام كوبرى الجامعة لإجابة الشباب عن أسئلتهم أسوة بما كان بما كان يفعله أساتذتنا الكبار خاصة وأننى ذهبت إى هذا المسجد لأتحدث فقال لى أمامه الشيخ عبد الرشيد صقر:

أنا أرحب بك ولكن هات لى بقصاصة ورق تفيد الموافقة .. ولقد طلبت هذا أكثر من مرة من وزارة الأوقاف المتعاقبة ولكن دون جدوى.. ويبدو أن هذا الأمر مفوض لوزير الداخلية ... فأرجوا أن توافقنى على هذا النوع من الجهاد سيما ومسجد صلاح الدين ليس فى دائرتى الانتخابية .

وهنا قال الوزير: أتختار مسجد صلاح الدين لقربه من الجامعة .

قلت : فلنعدل عنه إلى مسجد أسد بن الفرات بالدقى القريب من بيتى.

فقال : الله ... الله... أتختار هذا المسجد لأنه مسجد الإخوان المسلمين .

قلت له : فنعدل عنه إلى مسجد عبد الناصر بكوبرى القبة ..

فقال الوزير : إذا وافقنا على اختيار المسجد فأنا أقترح عليك أن تفسر سورة " البقرة" .

قلت له : أوافق على الفور .. ولكن يبدو أن معالى الوزير لم يقرأ سورة البقرة.

فقال الوزير : لا .. أنا قرأتها.

فقلت : ولكن سورة البقرة فى الجزء الأول تحمل حملة شعواء على اليهود وغدرهم بالوعود .. وبالتالى تعارض التطبيع .. والجزء الثانى من السورة يحث على القتال بقوله :" كتب عليكم القتال " أى أن حرب أكتوبر ليست آخر الحروب مع إسرائيل .. أما الجزء الثالث من نفس السورة ففيه إعلان الحرب على المرابين .. فما رأيك فى هذا ؟

قال الوزير: يا أخى بلاش.. هذا الكلام.

قلت : ولكنه فى سورة البقرة .

قال : لا تتحدث فى هذه الموضوعات .

ومكثنا عنده أربع ساعات .. وتكلمنا فى أمور كثيرة ورأينا الرجل متحاملا على التيار الإسلامى وعلى مسجد النور فأبسط الإتهامات عنده هو وليس فى ذهنه معنى لهذه الكلمة , أبسط الاتهامات عنده هو قلب نظام الحكم وليس عنده دليل على ما يقول ... وأخيرا اضطررنا أن نعطيه تعهدا كتابيا من الشيخ حافظ سلامة بأن صلته بالمسجد ستكون صلة الإنشاء والبناء والتعمير وليست صلة الدعوة فتلك مسألة يتركها لوزارة الأوقاف وبينما نحن كذلك إذ طلبنا د. محمد على محجوب وكان ذلك من تيسير الله فأخبره بموافقة وزارة الأوقاف على هذا التعهد وإسناد الأمر إلى المقاولين العرب وبعد ذلك لا بأس أن يعاون الشيخ حافظ سلامة على ضوء هذا التعهد إذا كانت وزارة الأوقاف سوف تتولى تعيين الخطيب والموظفين ولا شأ، للشيخ حافظ به من قريب أو بعيد إذا ما انتهى من تعميره فلا أنا طلبت هذا المبلغ ولا الشيخ قاسم الدرويش عرضه على و لا الوزير الداخلية سمع شيئا عن تسليم المبلغ لزيد أو لعمرو حتى يعترض !!

الخلاف لا يزال قائما

وفى يوم الاثنين دعونا لمؤتمر صحفى لنفضح هذه الأساليب واتفقنا على أن يكون المؤتمر الصحفى فى مقر حزب العمل بمبنى مجمع مجلس الشعب وحددنا للمؤتمر الساعة العاشرة صباحا وفوجئنا بأنه لم يحضر أحد فاكتشفنا أن حرس المجلس قد منع مندوبى وكالات الأنباء من الحضور وتذكرنا على الفور أن هذا حق رئيس المجلس الذى قيل أنه يحاول المصالحة وأنه لا يريد للأمور أن تتسع فاتصلنا بوكالات الأنباء ودعوناها إلى لقاء فى الساعة الخامسة فى مقر حزب العمل خارج المجلس وذهبنا إلى الجلسة الصباحية يوم الاثنين الموافق 23/6/ 1987 وبعد الجلسة فوجئت بالأخ يس سراج الدين وبالأخ كمال الشاذلي يطلباننى للقاء فى حجرة المعارضة فقلت لهم لا تفاوض على الصلح مع هذا الرجل ما دام وزيرا.. فقالوا نحن نبحث ونتكلم ورأيت الأخ الأستاذ مأمون الهضيبي والزملاء الأعضاء أجمعوا على ضرورة الحضور للدراسة والحظر فيما هو معروض فقلت لهم أيها الزملاء أننى بدأت موقفى وحدى وطوقتم عنقى بالإنسحاب بالتضامن والقيام بجانبى وإن كنت أعلم علم اليقين إن وقفتكم هذه بجانب الحق والمبادئ لكن هذا من جانبكم يفرض على أن أجعل القرار ملكا لكم وكرامتى بين أيديكم وقد كنت منفعلا لذلك تركت لكم تقدير الموقف وأنا واثق فى حكمتكم وقراركم لأنه بعد موقفكم معى فإن من حقكم ألا أخرج من أيديكم وألا أخالف الدراسة ألا رفضا لزكى بدر واستنكارا له . ثم قال كمال الشاذلي إن زكى بدر جاء للإعتذار فى بيتك الذى هو مجلس الشعب وينتظر موافقتك على قبول الإعتذار . فقلت له أننى أرفض الصلح وأرفض الإعتذار وإذا أراد أن يعتذر فليعتذر فى الجلسة ليتكافأ الإعتذار مع الإساءة .. وهنا نشط الحزب الوطني بضغوط مكثفة للمصالحة .. ولهذا كنت أمام حل من اثنين : أما أن أقول لا فأتجاهل موقف جماعة التحالف الإيجابي الذى كان يميل إلى الصلح بشرط الإعتذار .. وأما أن أقول نعم فأشعر بأننى فرطت فى كرامتى التى هى كرامة الشعب الذى انتخبني والمجلس الذى أتحدث تحت قبته.. ولذلك فوضت الأمر للجماعة وكانوا للحق أمناء فظللنا ساعات طويلة نرفض ويرفضون إلى أن أرسل إلينا رفعت المحجوب فى غرفة المعرضة وأخبرنا أن اللواء زكى بدر عنده منذ 5 ساعات ينتظر إذننا للصلح فاقترحوا جميعا أن نذهب إلى رئيس المجلس وليس إلى اللواء زكى بدر .

إذن فلنذهب لى مكتب رئيس المجلس لنرى لأنه أيضا فى انتظارنا .. وأجمعت كلمة الزملاء على ضرورة الانتقال إلى مكتب رئيس المجلس وهناك وجدت زكى بدر واقفا فى مكتب رئيس المجلس فما أعرته التفاتا أو اهتماما وما ألقيت عليه كلمة مما يسمى تحية ودخلت إلى الحجرة الخاصة برئيس مجلس الشعب الذى دعانا إليها ثم دخل زكى بدر وحضر هذا اللقاء الأساتذة إبراهيم شكرى و يس سراج الدين وعبد الفتاح الشوربجى والأستاذ مأمون الهضيبي وبعض النواب والأستاذ كمال الشاذلي والدكتور رفعت المحجوب..

وهناك قلت لزكى بدر أننى مازلت أتحداك وأننى ما زلت أؤكد أنك كذاب وما زلت أطالبك بأن تقدم الدليل على ما قلت وما زلت أؤكد بأنك ستفشل على إقامة الدليل وأنت زكى بدر وأنا صلاح أبو إسماعيل وسوف يكون بيننا حساب ما دام فى جسمى عرق ينبض وسوف يكون بيننا حساب يوم الحساب بعد ذلك .. كل هذا والإخوة يتحدثون ويدعوننى إلى الصلح على مدى ثلاث ساعات أخرى حتى جعلونى أفقد الثقة بأن قرارى سليم ولكننى مع ذلك ركبت رأسى ورفضت الصلح فاقترح أن يقوم زكى بدر من مكانه وأن أقوم من مكانى وخيرنا الذى يبدأ بالسلام ... فقلت لهم إن كلمة خيرنا تدل على أن الخير موزع بين الطرفين وأحدهما أكثر خيرا ولكننى رفضت أن أخطو إليه خطوة واحدة وأقسمت بالله ألا أتحرك من مكانى إليه فجاءوا به من مكانه إلى مكانى ومد يده وأنا أرفض فأخذوا يدى قسرا وعنوة ووضعوها فى يده وقالوا " الفاتحة" بالصفاء فقلت لهم لا أقرأ الفاتحة إلا إذا علمت كيف سيعتذر وطلبت أن يعتذر فى الجلسة المسائية ثم اقترح د. رفعت المحجوب أن يفوض إليه إلقاء بيان يحفظ على الطرفين ماء وجههما وكرامتهما وحيائهما وأن أعلن إذن المصالحة. فقلت تؤجل الفاتحة حتى أرى ماذا سيقول ورفض المحجوب فأرغمونى مجمعين على أن أقرأ الفاتحة حتى بدأ موقفى نشازا. وهذا ما حدث فأنا لم أتهاون فى كرامتى ولا فى كرامة الشعب أبدأ .. وهذا الصفح وأنا أعتبر صلحا فإنه لم يغير موقفى كنائب يجب أن يحاسب الوزير وإن يقدم استجوابا حول ما يحدث وما يتعرض له الشباب المسلم داخل سجون زكى بدر وأضاف أبو إسماعيل قائلا: إن زكى بدر اختلق ما اختلق ليشكك فى الذمم ليشدنا من قضيتنا الأصلية ولكننا أذكى منه ولن نترك حقا لمسلم يضيع مطلقا .. وللأسف الشديد فإننى لم أعاتب الذين اعتبروا أن ما حدث من وزير الداخلية أمر حزبى فرفعوا أيديهم وراءه ليشاهدهم ويعرفهم هؤلاء لا يصلحون نوابا والله لو كنت فى حل خلقى لذكرت أسماءهم حتى أفضحهم أمام دوائرهم !

الإتهام الثانى: اتهام بسرقة الريان

نشرت جريدة المساء ( 11/12/ 1988) فى الصفحة الأولى ما يلى :

أعلن اللواء زكى بدر فى لقائه بأعضاء الجالية المصرية فى لندن أن الشيخ صلاح أبو إسماعيل أودع 75 ألف جنيه فى شركة الهلال, وعندما اشترى الريان شركة الهلال ذهب إليه الشيخ صلاح أبو إسماعيل وأخبره أنه له فى الشركة 125 ألف جنيه وطلب استردادها فأعطاها له الريان . ولكن الريان اكتشف بعد ذلك أن الشيخ صلاح أبو إسماعيل ليس له إلا 75 ألف جنيه فقط وبذلك يكون قد أخذ 50 ألفا بدون وجه حق وقام الريان بتوسيط أهل الخير لاسترداد المبلغ الزائد لكنه لم ينجح ولدينا رقم الشيك وتاريخه ... هذا هو الخبر.

نشر الشيخ صلاح أبو إسماعيل ردا على هذا الاتهام بجريدة الوفد بتاريخ 13/12/ 1988 تحت عنوان " أنى أتحدى الوزير" أوضح فى مقاله عدة مواقف تبين اعتياد الوزير على الكذب عليه وعلى غيره وأغلب من اتهمهم تبين براءتهم بقرارات من النيابة والقضاء . وقد سبق إيضاح اتهام للشيخ صلاح فى واقعة الشيخ جاسم ومسجد النور . ولخطورة هذا الاتهام ننشر الجزء الخاص بهذا الموضوع من كلام الشيخ صلاح الذى نشرته الوفد بقلم الشيخ صلاح أبو إسماعيل تحت عنوان:

إنى أتحدى الوزير

إنى أتحدى اللواء زكى بدر وزير الداخلية وقد زعم أن لديه رقم الشيك وتاريخه بمبلغ 125 ألف جنيه أن يبرز هذا الشيك وما هو بفاعل لأن الواقعة مختلفة من أساسها وللجماهير العزيزة أسوق هذه الحقيقة : وخلاصتها أنه تجمع لى من مكافأتى عن عملى فى الإعلام غير المصرى مبلغ مائتى ألف جنيه مصرى . وأودعتها فى شركة الهلال للإستثمار بمقتضى أربعة شيكات ... قيمة كل شيك خمسون ألف جنيه وبعد فترة اضطرت لسحب مبلغ خمسين ألف جنيه من هذه الوديعة الاستثمارية وسلمت الهلال نظير ذلك واحد من الشيكات الأربعة المذكورة .. ثم اضطررت بعد فترة ثانية لسحب مبلغ خمسين ألف جنيه أخرى مما تبقى من هذه الوديعة الاستثمارية , فتفضلت شركة الهلال وأرسلت إلى المبلغ نقدا وسلمت مندوبها الشيك الثانى وقيمته مساوية للمبلغ النقدى فنسيه عندى مندوب الشركة فاتصلت بهم تليفونيا وأخبرتهم بان الشيك عندى ونظرا لأنهم بنعمة الله مطمئنون إلى أمنتى فقد تركوه مع أنهم سلمونى قيمته دون أن يحصلوا حتى على توقيعه بالاستلام .. ومضت الأيام .. وقد كتبت فى وصيتى حقيقة الموقف لأنه لا يجوز لمسلم أن تمر به ثلاث ليال دون أن تكون وصيته مكتوبة عنده . ومن مات مدينا حبست روحه حتى يؤدى عنه دينه ولا يرث وارث إلا من بعد وصية يوصى بها أو دين .

ثم أفلست شركة الهلال ولى عندها مائة ألف جنيه ولها تحت يدى شيك يجب تسليمه والدين أو الوديعة التى لى عند الهلال موثقة بشكين قيمة كل منهما خمسون ألف جنيه مصرى.

سألت عن محمد كمال عبد الهادى صاحب شركة الهلال لأرد إيه الشيك الذى نسيه مندوبه عندى فعلمت أنه سافر إلى أمريكا ولن يعود . إذن لا دليل على أنى استوفيت قيمة هذا الشيك سوى اعترافى أنا وإقراري بالاستلام فطلبت الأخ الأستاذ أحمد على حسن يونس باعتباره مدير الاستثمار فى الهلال سابقا وأعطيته إقرارا كتابيا بأنى استلمت من شركة الهلال خمسين ألف جنيه دون أن يحصلوا منى على توقيع بالاستلام ودون أن يسحبوا الشيك الموقع من الأستاذ محمد كمال ورجوته أن يسلم الشركة هذا الإقرار وذلك منذ بضعة أشهر عقب اتفاقي مع شركة الريان على استلام ما تبقى لى من حق قدره مائة ألف جنيه عند الهلال وقد اشترت الريان شركة الهلال فى مصر وفى قبرص وهون على أن أطلب حقى ما رأيته من سخاء الريان فى الإعلانات وكان عند حسن ظنى به فحرر لى شيكا بحقى دون زيادة ولا نقصان ودون خسائر ولا أرباح وسلمته ما تحت يدى من الشيكات الثلاثة التى وقع عليها محمد كمال صاحب شركة الهلال وأنما سلمته كل الشيكات لتقديرى انها لازمة لضبط الحسابات عند التصفية مع الهلال التى انقذت حقها بإقراري الكتابى سالف الذكر هو هو الحق . فماذا بعد الحق إلا الضلال؟

ومما يجدر ذكره أنى طلبت من الريان مبلغى قبل محنته التى تمثلت فى تجميد البنك المركزى لأموال الريان السائلة فى البنوك التى رفضت صرف شيكات الريان مع ماله عندها من رصيد يسمح برد الحقوق إلى أصحابها .. ومن قبل ومن بعد أشهد الله تعالى أنى لم اخذ فوق حقى مليما واحدا.

أما هذا السعار الذى أصاب زكى بدر فراح فى حماية هذا العهد يرتكب آثامه فبينى وبينه القضاء العادل فى تطاوله على ذمتى فى مجلس الشعب وفى لندن . وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون.

ويبدو أنه " وقد أجهد نفسه فى البحث عن مطعن ينفذ منه إلى بالحق فلم يجد" راح يركب متن الباطل عمدا مع سبق الإصرار وعزائى قول ربى " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا".

وقوله تعالى " وقد خاب من حمل ظلما".

ولك الله يا مصر من فرد سفاح دموى ينفذ سياسة عهد حالك الظلمات.

الاتهام الثالث: الاتجار فى العملة

لقد سبق للواء زكى بدر الصدام بينه وبين المعارضة وبخاصة التيار الإسلامى الذى كان يجيد تدعيم موقفه جيدا , مما كان يجعل من اللواء زكى بدر يقف موقفا ضعيفا أمام الرأى العام وبخاصة أن أعدائه يكثرون يوما بعد يوم نتيجة أسلوبه المليئ بالاتهامات وقد جاء اللواء زكى بدر إلى مجلس الشعب من أجل استجواب مقدم من الشيخ صلاح أبو إسماعيل ويوضح الشيخ صلاح أبو إسماعيل ما حدث من الاتهام ودفاعه الذى لم يستطع أن يبديه بسبب انفعال أعضاء مجلس الشعب ومنهم النائب الوفدى طلعت رسلان بمنع اللواء زكى بدر من الاستمرار فى اتهاماته الظالمة التى ينقلها التليفزيون ليشاهدها العام والخاص مما أحدث ضجة وهياج واضطراب نتيجة اعتداء النائب الوفدى على اللواء زكى بدر بالضرب وإنهاء الجلسة . وبالتالى شغل النواب فيما حدث للوزير ونسى الجميع اتهام الوزير للشيخ صلاح أبو إسماعيل .

ولكن الشيخ صلاح لم ينس الاتهام فا{سل رده إلى جريدة الوفد التى نشرته تحت عنوان " بيان من الشيخ صلاح أبو إسماعيل " بتاريخ 22/2/89 ما نصه :

لقد استجوبت وزير الداخلية اللواء زكى بدر فى جلسة مسائية يوم الأحد 19/2/ 1989. والاستجواب اتهام !! ولقد أقمت ما لا يحصى من الأدلة على صدق ما اتهم به الوزير , وكان على الوزير أن يدافع عن نفسه , ولكنه ترك الدفاع عن نفسه وراح بغير دليل يتهمنى بالاتجار فى العملة !! فسجد قلبى لله شكرا على أنها تهمة " لو صحت" لما اندرجت إلا فى قائمة الحلال الشرعى الذى حرمته القوانين الوضعية كما حرمت على الدعاة من فوق المنابر داخل المساجد أن يقول أحدهم ولو على سبيل النصيحة الدينية قولا يعارض به قانونا أو إقرارا إداريا!! وتتوعد من فعل ذلك بالحبس والغرامة والسجن والغرامة المضاعفة!! ولم تفزعنى التهمة الموجهة إلى بغير دليل!! لأنى كنت أظن أن هناك إثما ربما اقترفته , وربما سجلوه على كتجارة الخمر التى تمارسها الدولة, وترخص بها التجار , وتحميها , والله عزوجل قد حرمها وكلعب الميسر الذى تبيحه الدولة , وتحميه , والله عزوجل قد حرمه وكالرقص فى الكازينوهات الليلية , وما إلى ذلك , مما أباحته القوانين الوضعية وهو محرم شرعا!! فلذلك لم أرد فى الجلسة لصخبها , ولابد الوضعية وهو محرم شرعا!! فلذلك لم أرد فى الجلسة لصخبها , لاندهاشى لتواطؤ الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب مع الوزير المتهم بما ورد فى الاستجوابات من تهم قام عليها ألف دليل ودليل!!

أسلوب المحجوب

ويبدو أننى لن أمكن من الرد فى مجلس الشعب بعد ذلك , لأن رئيس المجلس قد اتخذ قرارا بإغلاق باب المناقشة على أصحاب الاستجوابات مع أن لهم بحكم الدستور حق التعقيب على الوزير . وللمجلس بحكم الدستور واللائحة حق المناقشة العامة فى موضوعات الاستجواب. وقد استشهدت ببعض النواب , والوزراء , والمفتى !! ثم لم يقف رفعت المحجوب عند هذا المدى , بل راح يسد الطريق على حق المعارضة فى اقتراع سحب الثقة من الوزير , وهو حق لا تأخذه المعارضة إلا بعد ثلاثة أيام من الاستجواب !! فطوقه رئيس المجلس بما اتخذه بوساطة غالبية المجلس من قرار الثقة بوزير الداخلية وسياسته لا تقلب الباطل حقا ولا تجعل الحق باطلا , وإن استوعبت الكثرة غالبية أهل الأرض كما قال تعالى:" وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله "!! وإنما يعرف عليه الحق بأدلته وبراهينه , لا بكثرة أتباعه !! فكم من قانون وافقت عليه الكثرة كقوانين الربا, والخمر, والميسر, وإهدار الحدود الشرعية, وإباحة الأعراض , والأموال والدماء , وغير ذلك مما حرمه الله وإباحته المجالس التشريعية فلم يصر الحق بذلك باطلا . ولا الباطل حقا . ولقد نسى الحزب الوطني أن التفريط فى حق عضو لأنه معارض مع مضى الغالبية فى سبيل مساندة وزير خاطئ لأنه من الحزب لا يعفيه من المسئولية أمام الله القائل :" يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين "!! ونحن لا نجزع لهذا النسيان أو التعمد وأن أسفنا لوقوعه,وإنما نرثى لهم !! وفى الذهن قول الله تعالى :" حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها آتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون . والله يدعو إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم".

قد اتهمنى الوزير بالتعامل مع تجار العملة ... ونسى الوزير أن المكالمة التى سجلها قد سجل من خلالها فضيحة له ولسياساته!! وبهذه المناسبة أقول :

حكم الشرع فى تجارة العملة

قال صلى الله عليه وسلم : " إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" ولذلك لا نستنكر أن نجد تجار العملة فى السعودية على جانبى الطرقات فى مواسم الحج يبيعون الريالات السعودية بأنواع تخالفها من العملات يدا بيد يعنى " خذ وهات " والسعر يختلف يوما عن يوم . وبلدا عن بلد !! ذلك مباح بنص الحديث النبوى:

واسألوا مشايخنا فى لجنة الفتوى أو علماءنا أصحاب بيان الأزهر عن حكم المباح بالنص , وحكم المباح الوارد – على الأصل فى الأشياء دون نص – فإن الأصل فى الأشياء أنها مباحة ما لم يرد دليل التحريم - فسيقولون لكم أن المباح بالنص لا يجوز للحاكم تحريمه ولا تحديده كتعدد الزوجات مثلا !!! فهو مباح بقوله تعالى :" فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث , ورباع . فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " فمن قدر على التعدد مع العدل الشرعى فليس لقوة على وجه الأرض أن تحرم عليه التعدد المباح بالنص الشرعى فى القرآن الكريم , والمباح بالآية نوع , ومثله المباح بالسنة , لقول الله تعالى :" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى كما قال تعالى " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى " أما المباح بغير نص كالترشيح لمجلس الشعب مثلا فللمجتمع تقييده بالسن وشرط القراءة والكتابة ونحو ذلك ... هذا ... وتجارة العملة مباحة بالنص المحمدى القائل ما معناه وقد سبق نصه :" إذا اختلف الحكم الشرعى ولا يجوز تغييره برأى شخص بمن حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله . ولا نملك قوة الخروج على القوانين الوضعية المخالفة للدين !! لذلك لم أنزعج حينما تمخض الجبل فولد فأرا ميتا !! وهو ما فعل وزير الداخلية حينما قدم تسجيلا لمحادثة تليفونية لا تدل على أنى من تجار العملة واستنبط منها ما لا تتجه , وفضح باطنه العدوانى المغيظ المحنق , حين قدم لذلك التسجيل بقوله عن مقدمى الاستجوابات.

أننا نستطيع أن نقول فيهم بالحق والعدل ما هو فيهم بالفعل ولدينا الكثير والكثير وكذب الوزير فلو كان لديه شئ ما أخفاه !! ثم واصل كلامه قائلا :" نستطيع أن نتحدث عن واحد من هؤلاء الذين قال فيهم الشيخ محمد عبده :" لبسوا الإسلام على أجسامهم ولم ينفذ منه شئ إلى ضمائرهم وعقولهم " أما دليله المزعوم على ذلك الكذب المفضوح لأنه يتحدث عن الضمائر والسرائر وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ولا يعلم ما فى الضمائر إلا الله .. فيتمثل فو قوله :

الوضع القانونى

نستطيع أن نتحدث عنه من خلال واقعة ضبطت أخيرا تتصل بالعملات الصعبة فى السوق السوداء " ثم أورد المكالمة التليفونية التى فضحته دون أن تمسنى بسوء من قريب أو بعيد !! حتى بمنطق القانون الوضعى !! أما أنها فضحته فدليل ذلك قوله " التسجيل لصلاح أبو إسماعيل لأن عنده حصانة .. التسجيل لتاجر عملة من تنظيم الجهاد يحادث صلاح أبو إسماعيل فى أمور العملة .." وأقول مرة أخرى : كذب الوزير !! لأن محدثى كما هو واضح من نص المكالمة كان يحدثنى من القاهرة لا من تليفون منزله فى بور سعيد فالتسجيل على تليفونى أنا على التيلفون الذى عليه محدثى الذى قال : " أنا بأتكلم من مصر يعنى القاهرة لا بور سعيد وبذلك انفضح الوزير المعتدى على حصانة النواب!!

وقال الدكتور رفعت المحجوب :" الوزير معه إذن النيابة وكل ورقة مختومة بخاتم النيابة !! وأنا أستشهد بالعاملين فى سنترال الدقى ليقسموا بالله وبكتابه مؤكدين أن أجهزة التسجيل على تليفونى أنا ومنذ عهد بعيد ومع ذلك أقول:" تمخض الجبل فولد فأرا ميتا" فاح نتنه وأزكم الأنوف !!

دولارات معلومة المصدر

ثم سؤال محدثى عن الدولار قائلا هل عندك دولارات ؟ وأقول أن وجود الدولارات عندى ليس جريمة !! لأنها دولارات معلومة المصدر , ولقد أثبتها على الإقرار الجمركى إن كانت نقدا وأنا فى المطار . أو هى معى بمقتضى شيك , أو هى محولة بالتلكس وكلها من الخارج وكل ذلك من الأساليب القانونية !! فأى باس بوجود الدولارات معى أو فى حسابى الجارى أو الاستثمارى وليس الاتجار بالعملة مصدرها ولست من تجار العملة كما زعم الوزير . إنما أنا رجل أبنى بفضل الله تعالى ونعمته فى بلدى بهرمس مركز إمبابة جيزة بهذه الدولارات معاهد دينية أزهرية ولقد بنيت معهدا أزهريا دينيا ابتدائيا ثم معهدا أزهريا دينيا إعداديا ثانويا للبنين والآن أبنى معهدا أزهريا دينيا إعداديا ثانويا للبنات بعد أن نهبت الدولة سنة 1961 وحتى الآن أوقاف المساجد والمعاهد الأزهرية فلم تبق للأزهر من أوقافه شيئا حتى لقد ذهبت لشيخ الأزهر الحالى أطلب منه تأثيث المعهد الإبتدائى بمقاعد فاعتذر بعدم وجود ميزانية !! ذلك اتجاهى ووزير الداخلية يجردنى من الإيمان بتطاول كذاب على ما فى الضمائر والسرائر والقلوب !! فإذا احتاج المقاول المبلغ من المال حسب نمو العملة وتقدمه فى بناء المعهد فهل أعطيه بالدولار أو بالجنيه ؟ وإذا احتجنا إلى شرءا شئ من مواد البناء كالحديد والأسمنت أوكأجور العمال أندفعه بالدولار أو بالجنيه ؟! وإذا بلغ طن الحديد اليوم ثمنا يجاوز الألف جنيه وهو تقريبا ضعف ثمنه الرسمى فماذا نفعل ؟ أننى أبيع ما جلبته من الخارج من دولارات للبنوك بلى لأنه وفى بورسعيد وهى منطقة حرة لا يحرم فيها بيع الدولار على الأرصفة ..!! فما الدليل الذى قدمه وزير الداخلية على أننى من تجار العملة أو حتى لى خروجى على القوانين ؟! وماذا يفعل أصحاب التحويلات من الخارج إذا وجدوا مثل هذا التضييق على الحلال بينما الخمر تدخل من باب المسموح بشروط أو بغير شروط حسب الكمية برغم النص القرآنى على أنها حرام يا سيادة الوزير الهمام يا من تحصى على الناس أنفاسهم ولا ستحى من أن " الجبل قد تمخض فولد فأرا ميتا قد تعفن"!!

إن عدتم عدنا

أما مسألة شركات توظيف الأموال فقد تحديتك فيها ببيان سابق أمام اتهام منك لى بالباطل فعجزت أمام التحدى ولمتنطق بكلمة ثم عدت تكرر الكلام نفسه وأحيلك على ما سبق نشره فى " الوفد" بتاريخ 13/ 12 / 1988 " وإن عدتم عدنا" ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسد ت الأرض " والحمد لله الذى مكننا من محاسبتك بحكم الدستور .. وإن جادل الحزب الوطنى عنك فى الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنك يوم القيامة أم من يكون عليك وكيلا؟!!

ومرة أخرى أقول أمام غيظك المتفجر , وتخبط سياساتك وتكرار عدوانك بالاتهامات الطائشة لكل من هب ودب فضلا عن العدوان بالتعذيب للأبرياء , والخروج على أحكام القضاء .

لك الله يا مصر من سفاح دموى ينفذ سياسة عهد حالك الظلمات وعزاؤنا قول ربنا عزوجل " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون".

الفتنة الطائفية

من الشخصيات التى تأثر بها فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ولرسول الله وصحابته من التعاليم والمواقف ما يجعل الجميع يشهدون للإسلام بالسماحة والعدل .

ولهذا سطر أحد كتاب النصارى الأستاذ نظمى لوقا عدة كتب منها " " محمد الرسول والرسالة " " محمد فى حياته الخاصة" أبو بكر من حوارى محمد , أنا والإسلام وغير هذا الكثير والكثير...

وقد كتب فى مقدمة كتابه " محمد الرسول والرسالة ":

إن من يغمض عينيه عن النور يضير عينيه ولا يضير النور شيئا وأن من يغلق غلقه وضميره عقله وضميره يضير عقله وضميره ولا يضير الحق شيئا وإنى حينما أكتب عن محمد لا أنتصف لمحمد وإنما انتصف لنفسى أنى من أصحاب الحق .. الخ

أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من عرفه وعلم تعاليمه . ومن هنا كان حرص المسلم على معاملة النصارى بالحسنى حبا فى دين الإسلام وتأدبا بأدبه .

ولهذا كان الشيخ صلاح أبو إسماعيل وعلماء المسلمين أول من سارع لإطفاء لهيب الفتنة الطائفية حرصا عل صالح الإسلام والبلاد , وكان هذا الجمع من العلماء يسمون المعسكر الدائم ... وكان رئيسهم الأستاذ عمر التلمساني الذى اعتقله السادات باسم الفتنة الطائفية .. ورغم ذلك وجه السادات الشكر لأعضاء المعسكر على جهدهم فى إطفاء الفتنة الطائفية وكان من هؤلاء العلماء الشيخ صلاح أبو إسماعيل.

يقول الشيخ صلاح أبو إسماعيل عن هذا الموضوع فى كتابه الشهادة ما نصه المعسكر الدائم :

لما بدأت أخيرا نذر حدث الفتنة الطائفية فى مصر , ذهبت إلى اللواء النبوى إسماعيل فى مكتبه وكنت واحد من حوالى عشرين من قادة الفكر الإسلامى .. واقترحنا أساليب لتهدئة الموقف , وإنهاء الفتنة الطائفية , وذلك أنه قد يأتى واحد من المسيحيين لمواطن مسلم فقير فيعطيه ما يشاء من مال .. ألف جنيه , أو ألفين أو ثلاثة على أن يوقع له عقدا بأنه قد باعه هذه الأرض , وهى أرض ملك للدولة فيقول له الفقير , ولكنني لا أملك هذه الأرض .ز فيقول له وقع وخذ ألفا أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة – ومالكش دعوة – فيوقع له الفقير .. ثم يقوم المسيحى برفع دعوى صحة عقد البيع ونفاذه ثم يقوم ببناء كنيسة ثم إذا سئل أظهر العقد لتضليل العدالة . وأسرف المسيحي ونفى عهد الأنبا شنودة فى هذا واستثمروا جوا سياسيا حريصا على الوحدة الوطنية حتى وضعوا المسائل إلى درجة الفتنة والاصطدام والاشتباك والضحايا .. مع العلم أن مصر منذ فجر الإسلام لا يجد هل الكتاب فيها أمانا ولا ضمانا إلا فى ظل الإسلام ... ولكن الأنبا شنودة لا يكتفى بهذا .

وقد تعرض الشيخ صلاح أبو إسماعيل لموضوع الفتنة الطائفية مرات عديدة وكان أخر موقف له هو يوم 26/8/ 1989 بعنوان " حوار بالتى هى أحسن مع الدكتور ميلاد حنا" فى جريدة الحقيقة فقال ما نصه :

(ثلاثة أسباب)

لقد تهيت الخوض مبدئيا فى هذا الحوار الموضوعى المنقى المتجرد !! وذلك لعلاقته بالوحدة الوطنية ! ولكن أنسنى اعتبارات ثلاثة :

أولها : إن مضابط مجلس الشعب تحفظ لى قولى : أننى أفتدى الوحدة الوطنية بعنقى , وقد قلت ذلك من منطلق ارتباطى بالإسلام !

ثانيها أن الصمت عن هذا الحوار خطر على الوحدة الوطنية حينما يتسنى لواحد من إخواننا أقباط مصر أن يجترئ على شريعتنا الإسلامية . وعلى شعب السودان فى شئونه الداخلية : فيقول لا محل لأى أحكام ترتكز على شريعة دينية – وذلك فى السودان !! وبما أن الكاتب مصرى استباح نفسه التدخل فى شئون السودان حتى تطاول على المقدسات فتدخله فى تقديره على هذا النحو فى بلده مصر من باب أولى!! وحينئذ يكون الخطر داهما حين يشعر المسلمون بمثل هذا التطاول من النصرانى على مقدساتهم !! ثالثها : إن الدكتور ميلاد حنا إذا كان قد كتب مقاله بعنوان احذروا تقسيم السودان وذلك فى جريدة الوفد مقاله هذا إنما هو رد فعل لابد منه لحماية مقدساتنا التى صانها دستور مصر باسم إجماع الشعب المصرى العظيم وسوف نرى أنها مقدسات تحمى حتى حقوق الكافرين بها وحرياتهم وحقهم فى المساواة بمواطنيهم فى الحريات والحقوق العامة حتى استقر فى شرع الله بمواطنيهم فى الحريات والحقوق العامة حتى استقر فى شرع الله أن مواطنينا من غير المسلمين لهم مالنا وعليهم ما علنا ماداموا مسالمين لنا غير معتدين علينا وعلى مقدساتنا!!

زيارة كارتر

وغير بعيد عن أذهاننا وصول الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر فى الأيام الأخيرة إلى السودان بإذن من حكومة السودان ومع ذلك أثبت كارتر أنه قد حضر ليشد على يد جون جارانج ويمده بالمال والسلاح ويعين المتمردين على الحكومة الشرعية فقائد المتمردين فى الجنوب أذن يجد المساندة ضد الشريعة الإسلامية من الصليبية العالمية وصدق الله العظيم إذ يقول (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ). ميزان الديمقراطية.

أخى الدكتور ميلاد حنا : تقتضى النظم الديمقراطية أن يكون الفرار ملكا للغالبية بعد الدراسات والمناقشات وسماع الرأى الأخير وعلى الأقلية المعارضة أن تؤدى واجبها بأمانة فى الدفاع عن الرأى الذى تؤمن به ثم على الأقلية بعد ذلك أن تذعن لقرار الأغلبية التى تستهدف المصلحة العامة فى تجرد وموضوعية وتتوقى الآثام والأضرار وذلك فى غير شئون العقائد.

ميزان العقائد

فإن أمور العقائد ليست من نوع القضايا التى يحكمها قرار الأغلبية وإنما هى ثمرة الدليل , ونتاج البرهان ونبت الحجة : وهى مما يفتدى بالنفس والنفيس فلا تخضع فيها الأقلية لرأى الأغلبية وأظنك يا دكتور ميلاد معى فى أنه من باب أولى لا تخضع فيها الأغلبية الساحقة لرغبات الأقلية ( لكم دينكم ولى دين) ولذلك كان من القواعد المقررة فى الإسلام أنه : ( لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ) ويتأكد ذلك بقول الله تبارك وتعالى .. ( ولو شاء ربك لأمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)؟! وبقوله سبحانه ( فذكر إنما أنت مذر لست عليهم بمصيطر) وبقوله جل ذكره ( إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) ومضى القرآن فى اتجاه تحرير العقائد حتى لقد أطلق الله عزوجل لعباده حرية الاختيار بين الإيمان والكفر وعلى كل من اختار طريقه أن يتحمل مسئوليته ما دام بالغا عاقلا حر الإرادة مستيقظا عالما بدعوة الرسول , وفى هذا يقول الله تعالى ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).

ولقد أحل الله للمسلم أن يتزوج الكتابية لأن لها دينا له أصل سماوى والمسلم بعقيدته التى تؤمن بموسى وعيسى كما تؤمن بمحمد أفضل الصلوات وزكى التسليمات – لا يضيق صدره بزوجته المسيحية أو اليهودية .. فهل بعد هذا من سماحة ؟! بينما حرم الله على المسلمة.

أن تتزوج غير المسلم موقفه من محمد وكتابه وشريعته سوف يدفعه إلى الضيق بزوجته المسلمة لأنه لا يؤمن بما تؤمن به زوجته – وبهذا التزواج يعقد الميثاق الغليظ بين الزوج المسلم والزوجة الكتابية على فراش واحد تحت سقف واحد خلف باب موصد .. وتربط بينهما المعاشرة بالمعروف والمعايشة وتتمتع الزوجة الكتابية فى عصمة زوجها المسلم بحقوقها الدينية والزوجية إلى أبعد الحدود المقررة فى دينها – تلك سماحة الإسلام على مستوى الأسرة . أما على المستوى العام فأنت يا دكتور ميلاد مسيحى وأنا مسلم, والعقيدة بيننا مختلفة فهل هناك معابر بر وعدل بيننا برغم اختلاف العقيدة؟! والجواب : نعم !! فإن مخالفينا فى العقيدة أما مسالمون لنا وإلا معتدون علينا فللمسالمين: البر والعدل , ونأكل من طعامهم إذا دعونا إلى موائدهم ونقدم لهم موائدنا كرمت وإخاء وتقوم بيننا روابط المصاهرة على نحو ما أسلفنا !!

وبيننا وبين مخالفينا فى العقيدة عدل يقدس حقوقهم حتى ولو كانوا ألد أعدائنا فى ذلك كله يقول الله تعالى ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) أما المعتدون علينا من أمثال الصهاينة فى فلسطين وما حولها . ومن أمثال جون جارانج الذى يريد أن يتسلط على الأغلبية المسلمة فى السودان فيشترط قطع كل صلة للمسلمين بشريعة الإسلام وإلا قطع رقابهم, ففى مثل هؤلاء ومن ظاهرهم ومن ناصرهم يقول الله تعالى ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) وذلك منطق الفطرة التى فطر الله الناس عليها فلكم دينكم لا نتسلط على علاقتكم به ,ولنا ديننا لا تتسلطون على علاقتنا به أما العدل يا دكتور ميلاد فليس له فى الإسلام حدود وأن أنتفع به غير المسلم فى قضية بينه وبين المسلم وفى ذلك يقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم – أى لا يحملنكم بغض قوم – على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).

حقائق تاريخية

ومن الحقائق التاريخية التى لا يجهلها أحد قضاء عمر للقبطى المصرى ضد حاكم مصر عمرو بن العاص وضد ولده , وموقف عمر أمير المؤمنين الذى يفيض حفاظا على كنيسة القيامة , وتوصية نبى الإسلام بحقوق أهل الذمة , وبأقباط مصر خاصة ,وموقف نبى الإسلام من يهود المدينة مع أن اليهود أشد الناس عداوة للذين أمنوا , ودفاع الإمام رضى الله عنه عن خصمه اليهودى الذى ناداه عمر باسمه المجرد بينما نادى عليا بالكنية !! فهل تعلم يا دكتور حنا حرصا من خصم على مبدأ المساواة فى ساحة القضاء مع خضم من غير ملته يبلغ هذا المدى والدولة يومئذ دول المسلمين ؟ وهل تعرف يا دكتور ميلاد دينا أطلق لرافضيه حرية الكفر به أن شاءوا . كما تجد ذلك فى قول الله تعالى ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).

ثم هل تجد يا دكتور ميلاد صورة لوفاء فى الإسلام أجمل من احترام الإسلام للمواثيق التى بيننا وبين مخالفينا فى العقيدة ما داموا محافظين من جانبهم على المواثيق التى تربطهم بنا ؟

تقنين الشريعة الإسلامية

ولقد وقفنا فى لجنة المرافعات من لجن تقنين الشريعة الاسلامية فى مجلس الشعب أمام موضوع الوحدة الوطنية فى شأ، إجراءات التقاضى وانتهينا إلى إنه إذا كانت هناك خصومة طرفاها أقباط فلهم الخيار بين أن يختاروا قاضيا قبطيا أو قاضيا مسلما وذلك لقول الله تعالى لرسوله عن أهل الكتاب من الذين هادوا ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وأن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وأن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين وكيف يحكومنك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ) بل إن الله تعالى راح يغرى اليهود والنصارى إغراء قرآنيا بالاحتكام إلى التوراة والإنجيل كما فى الآيتين ( 46 , 47) من سورة المائدة وفى الأخيرة يقول الله تعالى ( وليحكم أهل الأنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).

دعواك فى الميزان

أخى الدكتور ميلاد : جون جارانج قد خالف الديمقراطية بتسلطه على الغالبية , وخالف حقوق الإنسان بتحكيمه فى عقائد المسلمين وباشتراطه إسقاط الشريعة الإسلامية التى تضمن لغير المسلمين وباشتراطه إسقاط الشريعة الإسلامية التى تضمن لغير المسلمين حرية العقيدة وحرية العبادة وحرية التدين وإذا كان الإسلام لا يكره رافضيه على أن العبادة وحرية التدين وإذا كان الإسلام لا يكره رافضيه على أن يعتنقوه فكيف يكرهنا جون جارانج على التخلى عن مقدساتنا التى تضمن حريته وحقوقه حتى فى الكفر بها وأين كان الذين يظاهرون جون جارانج من عدوان الصهاينة فى فلسطين على العقائد والمساجد والكنائس إذ لم يرتفع لهم صوت !! وهل رأى الناس قبل ذلك أقلية تفرض على الأغلبية أن تتخلى عن دينها الذى كفل للأقليات ولمن كفر به سائر الحقوق وضمن العدل والحرية والمساواة حتى للكافرين به .

وإذا كان هذا هو موقف جون جارانج ومن ورائه كارتر وأمريكا والصليبية العالمية وحركات التنصير بل الصهونية العالمية كذلك ودول أوربا التى تستقبل جارانج استقبال رؤساء الدول فلماذا ودون مبرر من منطق سليم نجد مقال الدكتور ميلاد حنا على صفحات جريدة الوفد يوم 17/ 8/ 1989 بعنوان ( احذروا تقسيم السودان) وهو عنوان جميل ولكن ورد تحته قول الدكتور ميلاد حنا ( لا محل – يعنى فى السودان – لأى أحكام ترتكز على شريعة دينية)!! وبالطبع هذا رأى الدكتور ميلاد حنا فى شئون السودان وهو غير سوداني وبدهى أن هذا هو رأيه فى تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر برغم غالبيتها المسلمة ودستورها الذى أقسم هو على احترامه . يا دكتور ميلاد حنا: هذه عقيدتك وأنت حر فيها فهل ترى أن لنا على قدم المساواة معك حقنا وحريتنا فى عقائدنا وشرائعنا ولك منا العدل والبر ما سالمتنا ولكم دينكم ولنا ديننا؟!! أم تريدون الوحدة الدينية على حساب حياتنا؟؟!!

هل خطر ببالك ما سببه مقالك من إيذاء وأنت تجرد الإسلاميين فى السودان وعلى رأسهم الدكتور حسن الترابى من الوطنية والمصداقية وتتهمهم بخلط الأوراق وترمى الإسلام نفسه بما هو منه براء من الجور على حقوق الإنسان فى المساواة فى الحقوق والواجبات وفى الحريات العامة . وهل لا تزال ترميه بكل تلك السهام وقد قرأت ما قرأت ؟!!

أنك يا دكتور ميلاد تدعو إلى ما يدعو إليه جارانج من استبعاد الشريعة الإسلامية كشرط لاستقرار السلام فى السودان مع أن القرآن يقول( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) فانظر إلى أى مدى تجد الفرق فى الموقفين.

يا دكتور ميلاد : لك دينك ولنا ديننا وعلينا وعليك واجب الحفاظ على الوحدة الوطنية , ولا وحدة وأنت تؤذى عقائدنا بينما نحترم نحن حقك فيما تعتقد , لك كنيستك ولنا مسجدنا , ولك بحكم الإسلام أن ترفض الترافع إلى القاضى المسلم وأن تترافع إلى القاضى النصرانى كما تشاء ولكن ليس لك أن ترغمنا على التخلى عن الإسلام .

يا دكتور ميلاد : ما الحق الذى ترى أن الإسلام إذا حكم صادره وسلبه منك ؟! أنا واثق أنك ن تجد حقا واحدا من حقوقك كنصرانى يصادره الإسلام !! وإذا لم يعطل الإسلام لك حقا فلماذا تريد استبعاده عن إصلاح دنيانا نحن المسلمين وأين حقنا فى أن لنا ديننا كما سلمنا أن لك حقك فيما تعتقده من دين !! لقد قبل مؤمنوا النصارى من القوانين الوضعية فى مصر ما تأباه شريعة موسى وعيسى ومحمد برغم أنها قوانين تهدر الدم والعرض والعقل والعقائد والأموال فلماذا ترفضون من قوانين الإسلام ما لا يمس عقائدكم ولكنه يلتقى مع شريعة المسيح عليه السلام فى الحفاظ على الدم والعرض والعقل والعقائد والأموال ؟... أننا نريد الوحدة الوطنية دون أن نمس مقدساتكم فكيف يمكن أن يسلم لكم ادعاؤكم للحفاظ على الوحدة الوطنية وأنتم تشترطون استبعاد الشريعة الإسلامية دون مبرر منطقى معقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!!

أين حق الأغلبية فى مصر وفى السودان ؟ إذا أبيتم إلا أن يكون ألمر كما قال الله تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) فإن لا أملك إلا أن أضرع إلى ربى جل علاه بدعاء نبيه شعيب عليه السلام( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين).

أيها المسلمون فىمصر وفى السودان وفى العالم : عزاء وصبرا فنحن نضرب بأيدي المسلمين وبأديى غير المسلمين).

أفتدى الوحدة الوطنية بعنقى

إن مضبطة مجلس الشعب قد سجلت للشيخ صلاح قوله : إننى أفتدى الوحدة الوطنية بعنقى وقد قال هذا من منطلق ارتباطه بالإسلام وكثيرا ما سجلت محاوراته الفكرية حق غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى . ومن جملة هذه المساجلات ما دار بينه وبين فرج فودة ولكنه رفض معاهدة كامب ديفيد ومجمع الأديان لمخالفته لشريعة الإسلام . فحينما سئل عن رأى الإسلام فى دعوة السادات إلى إقامة مجمع للأديان الثلاثة قال ما نصه :

الواقع أن الرئيس السابق راح يلبس الحق بالباطل , ويكتم الحق وهو يعلم فقد راح يردد قول الله تعالى :( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) .. برغم أنه صاحب المبادرة وهو الذى جنح جنوحه للسلم ورجى الحرب دائرة , وهو أمر محظور شرعا .. وفى ذلك يقول تعالى :" فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون , والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) وإنما يقبل السلام بشروط أن جنح له العدو عدولا عن عدوانه علينا.

لقد راح السادات يتقرب إليهم بأساليب لا تتفق مع الشريعة الإسلامية , ومنها وعده ببناء معبد لليهود فى سيناء و وراح يزعم أن المسيح صلب هناك فى القدس , مع أن دينه يقول تعالى وما قتلوه وما صلبوه) فهذا رجل لعب على جميع الحبال ويكفى هذا .

قانون الردة

وكان الشيخ صلاح واضحا فلم تمنعه حمايته للوحدة الوطنية أن يكشف من يحاول تدميرها وكان هذا من منطلق دينه فقد بين حكم الإسلام فى حد الردة فقال حينما سئل عن حد الردة ما نصه :

هذا الحد من الحدود واضحا فلم تمنعه حمايته للوحدة الوطنية أن يكشف من يحاول تدميرها وكان هذا من منطلق دينه فقد بين حكم الإسلام فى حد الردة فقال حينما سئل عن حد الردة ما نصه :

هذا الحد من الحدود الشرعية الستة كان للمسيحيين فيه وفى تعطيله دور كبير , حتى لقد خلا مشروع القانون الحالى الإسلامى من حدة الردة.. ولقد ناقشت حد الردة وقدمت مشروع الحدود الستة , ومن باب الإنصاف أذكر أن الأخ الأستاذ الحمزة دعبس المحامى كان قد توفر على وضع مشروع قانون بإقامة الحدود الشرعية, وسلمناه للدكتور إسماعيل معتوق, وكذلك مشروع قانون لمنع الربا , واقترح الحل البديل .

ولكن الإخوة المسيحين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حول حد الردة , وكنت وقتها لا أزال أتحدث فى التيلفزيون , فناقشت الموضوع مع الأستاذ الدكتور المستشار جمال الدين محمود الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية , وقال وقتها كلاما طيبا .. قال : إن الإسلام يقر أنه لا إكراه فى الدين .. فسيبقى النصرانى نصرانيا ما أراد ذلك , واليهودى يهوديا ما أراد ذلك .. ولكننا نعالج بحد الردة المسلم أن ارتد فهو عضو فى بدننا أصابه المرض وهو لبنة فى بنائنا أصابها خلل , فماذا التمسنا طبا لبدننا وترميما لبنائنا دون أن نتعرض لغيرنا . فلم يقفون إذن فى وجه تطبيق شرع الله ؟ وحد من حدود الإسلام ؟ خصوصا أن المرتد عن الإسلام بعد أن اعتنقه لا حجة له على ردته بحال من الأحوال ؟ وهذا الكلام كلام طيب , ولكنهم برغم ذلك , وحتى وقتنا هذا لا يزالون يصرون ويغريهم بمزيد من الإصرار أن الدولة تستجيب لهم. وقد ضمن كتاب " الشهادة للشيخ صلاح أبو إسماعيل نماذج كثيرة لأسلوب النصارى فى مهاجمة الإسلام ومعارضتهم تطبيق الشريعة الإسلامية ومحاولات الأنبا شنودة التأثير على الحكومة فى مصر وتشويه صورة الحكم فى خارج مصر , والشيخ حين عارض هذا الأسلوب كان حريصا على الوحدة الوطنية التى يغذيها الإسلام .

القمص (متى المسكين):

إن الشيخ صلاح أبو إسماعيل كان حريصا كل الحرص لأن يلتزم أدب الإسلام فى معاملة أهل الكتاب فكان يتحدث مع إخوانه النصارى فى داخل المجلس وخارجه بأدب الإسلام , وفى رده على الأستاذ الدكتور ميلاد حنا ما بين أدب الإسلام .

وكان حريصا كل الحرص أن يعطى كل ذى حق حقه . وهذا لأن الحق أبلج ( واضح) لا لبس فيه .

وقد استشهد فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل أثناء رده على رد اللجنة التى كونها شيخ الأزهر للرد على شهادته بكتاب من كتب الهامة فى تاريخ مصر مع إسرائيل . وهو كتاب ( ما وراء خط النار) للقمص متى المسكين ونقل فقرات مطوله .

وقد فعل الشيخ صلاح هذا ولم يغمط المسيحى حقه ... رغم أنه يرد على اللجنة المكونة من أكابر علماء المسلمين وعلى رأسهم شيخ الأزهر . أن روح الإسلام يجتمع باستمرار للحق . والحق دائما وأبدا يقوى بعضه بعضا .. ويدفع الباطل دفعا . وقد كان دين الإسلام فى غاية الوضوح حين قال :-

(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

ومن نعم المولى أن جعلنا أصحاب حق حين قال :

(ولا يجرمنكم شنان قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى)

ولهذا كان الشيخ صلاح حريص على إظهار الحق الذى أبداه القمص ( متى المسكين) فى كتابه فكانت روح الوحدة الوطنية أساسها الإسلام وتعاليمه وقد سئل الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى حديث صحفى مع جريدة الأنباء 7/8/ 1986.

(لو دعانى قبطى)

ماذا ترى فى زيارة المرحوم عمر التلمساني ثم حامد أبو النصر المرشد الحالى للإخوان للأنبا شنودة على حين أنه لم يقابل هذه الزيارة بالمثل .. حين وفاة التلمسانى اكتفى بإرسال مندوب عنه فى تشييع الجنازة؟

فأجاب – النبى صلى الله عليه وسلم قبل دعوة المرأى اليهودية التى استضافته على غذاء فى المدينة وذهب معه أبو بكر أ‘مالا لقول الله تعالى :" اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم" فنحن المسلمون ... نفرق بما فرق به الله تعالى :" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراكم أن تولوهم .. ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"... وأنا أعلن لو أن قبطيا فى مصر دعانى إلى الغذاء وهو يسالم الإسلام والمسلمين فلا حرج على فى دينى أن ألبى والعكس صحيح ولكن العار كل العار هو أ، أدعوا لعلاقات مع أشد الناس عداوة للذين آمنوا .. ويتمنون أن يقيموا دولتهم على أنقاض دولة الإسلام... وهم إسرائيل.

الفصل التاسع: إحياء دور الأزهر

الأزهر مؤسسة تعليمية لا غنى عنها ولابد منها

فقد كان كل شئ فى حياة مصر الثقافية كان الجامعة والمسجد والمدرسة

أعنى بالجامعة , المعهد الأعلى للتعليم والتثقيف والتنوير , ثم المسجد أى جامع الصلاة والعبادة , والوعظ والإرشاد , ثم المدرسة , وهى مكان تحصيل المعرفة الأولية التى لا يستغنى عنها عامة الأفراد لتيسير شئون حياتهم وكسب أسباب معاشهم .

ولذلك قد لعب الأزهر دورا مثلثا أى متعدد الجوانب فى حياة المصريين زودهم بعلماء الدين , ومنحهم زعماء السياسة , وأخرج لهم أفرادا عاديين , يعرفون القراءة والكتابة ,والجمع والطرح يخرجون للحياة ليتجروا , أو ليعملوا فى دواوين الحكومة , كتابا ورؤساء أقلام و ثم يرتقون فى سلم الحكم والإدارة فيصبحون مديرين ورؤساء أو ليعودوا إلى الريف فيفلحون الأرض , ويجنون الثمر , ويعلمون الأولاد ويربونهم , ويكونون مصدر المعرفة المتاحة لأهل الريف , إذا احتاجوا القلم يكتب أو لحاسب يحصى ويعد .

ومن ثم فقد خرج من الأزهر قادة عسكريون كأحمد عرابي وزعماء دين كالشيخ محمد عبده شلتوت والمراغى , ورجال سياسة كالشيخ عبد العزيز جاويش و سعد زغلول , ورجال أدب كطة حسين وأحمد أمين الزيات والمنفلوطى . وشعراء كمحمد عبد المطلب , وعلى الغاياتى وخطباء كالقاياتى ودراز وأبى العيون وقراء قرآن كعلى محمود ومحمد رفعت والشعشاعى ومصطفى إسماعيل ومطربون وملحنون كالشيخ سلامة حجازي والشيخ سيد درويش ,وكالشيخ زكريا أحمد , ومحمد القصبجي والشيخ أبو العلا محمد و إسماعيل سكر و دوريش الحريرى , ورجال قانون ومحاماة كإبراهيم اللقاني وإبراهيم الهلباوي ومحمد أبو شادي , ومؤلفون ومترجمون ومربون كرفاعة الطهطاوي وعبد الله أبو السعود , وثوار كعبد الله النديم ورجال فقه وشرع كأحمد إبراهيم وزيد الأبياني و عبد الوهاب خلاف و محمد أبو زهرة وأستذة جامعيون كأمين الخولي وعبد الوهاب عزام وصحفيون كعلي يوسف ومحمد الههياوي ومحمد إبراهيم هلال . و زجالون كبيرم التونسى.

هذا فى العهد المعاصر أما فى العهد الحديث الذى بدأ بالحملة الفرسنية , وما حولها فقد سطع فى سماء الأزهر أسماء فقهاء وقادة للرأى العام وزعماء سياسة أمثال الشيخ الدمنهورى, والسجاعى البدراوى , ودردير , والشرقاوى ومع هؤلاء وقبلهم الشيخ حسن العطار الشاعر وواضع أساس النهضة التجديدية الذى أعلن " أن بلادنا لابد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها " فمهد الطريق لرفاعة الطهطاوي وعلى مبارك , وزاد فضله , وعظم دينه فى عنق الأزهر والأزهريين و مصر والمصريين , أن أنجب عبد الرحمن الجبرتي تلميذه الآخذ من فضله والمبدى بعلمه .

وقد قامت فى دول أخرى قديمة وحديثة جامعات لا هوت وعلن دنيوى كالسربون فى فرنسا , وقد أنشئت فى سنة 1253 على غرار الأزهر تماما , إذا بدأ بتعليم اللاهوت فقط أو كجامعة أكسفورد التى نشأت أقدم كلياتها المعروفة بكلية مرثون سنة 1264 أو جامعة كمبردج التى نشأت فى نفس القرن أى القرن الثانى عشر ولكنها جميعا عجزت أن تكون فى مثل جامعة الأزهر , اتساع أثر , تعدد نواحى نشاط شيوخه وتلاميذه وتباين ميادينهم وأساليبهم.

وقد بقى الطابع الأزهرى , فى مصر أقوى الطوابع وأظهرها, وأكثر لفتا للنظر فإذا كان تلميذه الذى حصل لعلم فيه حسن الاستعداد سليم الفطرة ذهب إلى أقصى الغاية فى قوة الحجة وصلابة الخلق والثبات على المبدأ , والصبر على المحن والبراعة فى الجدل والإلحاح على الفكرة , والقدرة على التطور , والدعوى إليه وإن كان سيئ الطبع والاستعداد ذهب إلى الحضيض و فى اللجاجة والمراء على الدنيا والالتصاق بأصحاب السلطان والدفاع عن باطلهم والترويج لزيفهم وضلالهم . وفى تاريخنا نماذج من هؤلاء وهؤلاء .

الأزهر هدف المستعمرين

والشيخ صلاح أبو إسماعيل خريج كلية اللغة العربية بجامعة الزهر , وهو دائم الحنين ويعتبر الزهر حصن الإسلام المتين ولهذا لا يمل من الحديث عنه وعن الكيد الذى يدبر له وفى حديث مع جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 18 / 3 / 1984 قال ما يلى :

أننى أذكر أن المبشرين حينما أعياهم أثر العلماء فى الأمة راحوا يشخصون ما يرونه من عقبات أمام رغبتهم فى تنصير المسلمين فقالوا : إننا لا يمكن أن نبلغ فى المسلمين مبلغا , ما دام كتاب الله بينهم , وما دام الأزهر قائما على دراسة قائما على دراسة كتاب الله , وما دام بينهم اجتماع الجمعة وما دام بينهم اجتماع عرفات .

شخصوا هذه العقبات فى نظرهم التى نراها نعما فى نظرنا وراحوا يوجهون الضربات القاتلة , فماذا فعلوا ؟ اتخذوا عملاء ضربوا الأزهر باسم تطويره , ففى العصر الذى ازدهر فيه التخصص فى أدق الفروع العلمية بخلوا بالتخصص على دراسة كتاب الله وسنة رسوله , واستحدثوا كليات موجودة فى شتى الجامعات فى المشارق والمغارب ليستقطبوا التيار الأزهرى إليها و فبدل أن كانت الكتاتيب منابع للأزهر أغلقت الكتاتيب وبدل إن كانت كليات الشريعة وأصول الدين واللغة العربية مصبت للتيار الأزهرى , استحدثت مصبات أخرى ككلية الطب والهندسة والتجارة وما إلى ذلك , أنعم بهذه الكليات فى جامعات أخرى ولكنلا أهلا بها ولا سهلا فى جامعة الأزهر , لأنها تستقطب التيار الإسلامى وتحرفه عن أن يواصل دراسته المتخصصة فى خدمة اللغة والدين , لكى يصب فى اتجاهات أخرى بعيدة.

والنتيجة لهذا كله أن عندنا فى مصر 50 ألف مسجد , ولكن بعد أن كانت مصر تجد العلماء والدعاة عددا يغطى هذه المساجد ,ويزيد زيادة تصدر إلى الدول العربية والإسلامية لكى تدعو العباد إلى صراط الله المستقيم , أصبحنا اليوم فى مصر , بعد تطوير الأزهر , وبعد مرور 23 عاما على التطوير الذى جرى فى سنة 1961 , وأصبحنا الآن لا نجد سوى خطباء يعمرون ألفين اثنين من خمسين ألفا من المساجد وعندنا 48 ألف مسجد لا تجد خطباء .

إذن الشباب يتطلع إلى الريادة فلا يجد . يتطلع إلى مصدر العطاء الذى يشفى صدوره مما يملأه من أسئلة حائرة, فلا تجد فأين العلماء؟

إنهم جيل يعيش فى العقد الخامس أو السادس . كنا قديما نقول عن العلماء :

وأنى من القوم الذين همو همو

إذا مات منهم سيد قام صاحبه

ولكننا اليوم نرى أن من سقط من هؤلاء العلماء لا يقوم صاحبه مقامه , ولا يخلفه على الدعوة أحد بل أقول إن بعض الخريجين اليوم من أبناء الأزهر الذين يحملون شعار العلماء يقفون على المنابر فيخطئون فى الآية , ويردهم أهل الريف إلى الصواب فى نطق الآيات بل إن أحدهم قد ينظر فى المصحف فلا يستطيع أن يقرأ قراءة سلمية.

أقول هذا وأرجوا اعتبارها صرخة , أنها صرخة فى وجه الخريجين وأرجوا اعتبارها استغاثة أريد من ورائها إدراك الأزهر ليرجع سيرته الأولى فى خدمة اللغة والدين , ومن أراد دراسات تجريبية فأمامه الجامعات المختلفة . لماذا ندخل هذا فى الأزهر ولماذا نفسد عليه مسيرته التاريخية فى خدمة اللغة والدين ؟)

وما يقوله الشيخ صلاح أبو إسماعيل عن تطوير الأزهر ليس حمية للأزهر وإنما هو واقع حقيقى تشهد به المحصلة الحقيقية للتطوير حيث انفصام الشخصية المصرية وانتشار الأمية والعلمانية وكثير من الأمور الثقافية الخطيرة.

انفصام الشخصية

لقد حقق نقل الآداب عن الغرب استعمارا ثقافيا هو الأساس للإستعمار السياسى . والذى كان يجب هو نقل العلوم فقط كما كان يفعل الزهريون أيام محمد على . وحققوا به تقدما سياسيا وحربيا . بل إن نفس التقدم العلى الذى حققه هؤلاء المترجمون الأزهريون شهدت به تفوق البعثات العلمى الذى حققه هؤلاء المترجمون الأزهريون شهدت به تفوق البعثات العلمية التى أوفدها محمد على إلى أوربا نفسها . فصلا عن أن نقل الآداب عن الغرب حقق تغلغل التجار والمبشرين والجيوش والفساد الخلفى من أوربا إلينا.

نقل الآداب عن الغرب خلق جيلا منفصم الشخصية . لا يعرف طريقة . بل أ، نفس الأمية فى الشرق ( 85%) بعد تطبيق نظام التعليم الغربى أضعاف أضعاف ما كانت فى ظل النظام الإسلامى القديم الذى لم ترد عن 1,5% فى أحلك عصور الظلام .

أسلوب التعليم الأزهرى

لقد كان نظام التعليم القديم قائما على نظام وصفه الشاطبى فى كتاب الموافقات جـ 2 من مرحلة أولى إجبارية من تحفيظ القرآن لكل طفل قبل السابعة . لأن الطفل قبل السابعة يصدق ما يقال له فيجب أن يكون ما يقال له منزلا وخاليا من النظريات المهضومة له على حق فيها أو على باطل فيها. وإن يعلم المتعلم العربية كلغة من القرآن نفسه وإن يصحب تعليم القرآن والعربية تدريبا عسكريا ,. ثم تبدأ مرحلة ثانية للمتفوقين فقط . حيث أن غير المتفوق يصير جنديا أو عاملا يدويا . المرحلة الثانية هى كما أوردها الشاطبى التفنن المحدود من كتبه ومساعدى مهندس وعامل فنى الخ .. أما المرحلة الثالثة فهى التى تحتاج إلى جهد شخصى من المتعلم ذاته وهى التى تؤهل الطبيب والمهندس الخ... الخ.

أم أسلوب التعليم نفسه والذى كان يمثله تعليم الأزهر – وهو أقدم جامعة فى العالم فنه موضع فخر حقق صمودا عجزت عنه كل جامعات العالم : ليس فيه مسلمات مهضومة إلا القرآن . ما خلا ذلك يناقش فرديا بين الأستاذ وتلميذه . وليس هناك امتحانات .. لمعلم يتعلم بالمناقشة فالامتناع بذاته هو نفسه فكان الأزهرى يوفد إلى أوربا فيشعر أنه كفؤ للغرب وأنه أسلم منه عقليا وأرقى نفسيا , وكان خاليا من عقد النقص وما يتبعه من خيانة وعمالة وسباق مادى ومالى وجنسى وحقد وتآمر .

كان الأزهرى يغزو الغربى فى عقر داره فى السوربون وفى ألمانيا وانجلترا ويتفوق عليه فى اللغة ذاتها ثم يعود متصوفا جمع بين الدين والدنيا وملك زمامهما معا.

حقق الأزهر إذن منجزات هامة : نقل كل تكنولوجيا وربا فى 4 سنوات فقط. حقق مبعوثوه تفوقا على أبناء الغرب فى عقر دارهم فى الحضارة العلمية نفسها . احتفظ الفرد بذاتيه كاملة حفظ القرآن لكل دارس مما جعل ذاكرة الطفل المطاطة تتسع لمقدرة من التذكير لا نهاية لحدودها مما أعانه بعد ذلك على استيعاب العلوم الوضعية فى برهة قياسية حتى كان التلميذ يزن الكتاب فى يده ويقرر حفظه فى كذا يوما , حقق تعليما مجانيا اشتراكيا لم يحققه الاشتراكات الحديثة من أول مرحلة تعليمية إلى نهاية المرحلة الجامعية .. خرج كل قادة الحركات الشعبية والوطنية فى المنطقة وتميز بأسلوب متميز : تحفيظ القرآن للطفل حرية المناقشة الكاملة لدرجة حرية التلميذ فى اختيار أستاذه واختيار المحاضرة . خلوه من الامتحانات السنوية والبرامج المعلبة التى تسحق فردية الدارس.


التغريب

هذا هو أسلوب التعليم الذى استبدلناه بتعليم لم ينقل إلينا من الغرب العلوم التى نرغبها ولكن العلوم التى يسمح الغرب بنقلها إلينا على أن نتقبل كثمن لهذا العلم التكنولوجى غزو ثقافيا أجنبيا وتبشيرا واستعمارا وفوق كل ذلك سحق كامل لفردية الفرد اعتزازه بذاته وكرامته ومقدساته . ومع خلق زوابع وأعاصير تهب علينا باستمرار وتخلع مقدساته وتتركنا بدون مقدسات .. لا تعرينا من ملابسنا ولكن تخلع عنا أعماقنا وقلوبنا وعقولنا وذوقنا وفنوننا.

أننا عندما نقلنا عن الغرب لم ننقل الطب والهندسة والكيمياء بقدر ما نقلنا فلسفتهم وأدبياتهم وانبهرنا بها وهى سقطة حاذر منها محمد على باشا . بل إن الغرب نفسه حاذر فى العصور الوسطى عندما نقل عنا حضارتنا المتقدمة ترجم القانون فى الطب لابن سينا مثلا ولكن لم ينقل عنا فلسفتنا الإسلامية ولا شعرنا العربى ولا عاداتنا العربية فى نظام الأسرة وعلاقة الرجل العربى بامرأته ولا طباعة العربية من كرم ومرؤة... الخ.

إ، مبلغ تأخرنا كمجتمع اسلامى فى القرن الأخير فاق مجموع درجات تأخرنا فى جميع القرون السابقة مجتمعة بفضل عملية التغريب أى الاقتداء بالغرب أو الأوربى أو التحديث . تلك العملية العاصفة التى خلفت أوتاد الدولة الإسلامية والتى كانت موضع ترحيب أعوان الاستعمار ممن مكنهم القدر من الوصول إلى مراكز القيادة بيننا فى مجال الثقافة والاعلام والتاريخ .


أوقاف المسلمين

وكان جهاد الشيخ صلاح أبو إسماعيل ونظرته الجدية للأزهر لخطورة ذلك على الدعوة : ولهذا كان جهاد الشيخ صلاح أبو إسماعيل كعضو مجلس الشعب لإنقاذ 72,000 الأوقاف فجاء فى شهادته " قدمت استجواب لإنقاذ أكثر من فدان هى التى بقيت بلا توزيع فى قضية استصلاح الأراضى وحكم القضاء بردها عام 73 بحكم نهائى بات ولكن الحكومة التى نهبت الأوقاف سنة 61 وعدت بأن تدفع الثمن الرسمى للفدان يسقط على ثلاثين عاما , لم تدفع قسطا واحدا حتى الآن فطالبت بأعمال حكم القضاء ورد الأوقاف على المساجد وإلى المعاهد الدينية والزهر الشريف .

وكان الاستجواب قوة دافعة , وأشبعته شرحا وتفصيلا , وسقت براهين قاطعة وحججا ساطعة , فماذا فعل مجلس الشعب ؟... قرر قفل باب المناقشة والانتقال على جدول الأعمال .. وأراه بذلك قد حنث فى قسمه إذ أقسم على احترام الدستور الذى يقدس الإسلام وهالنى وأسعدنى فى نفس الوقت أن تبقى أوقاف الكنائس موجودة لأن ديننا يحترم الحقوق ولكننى فى عجب تساءلت كيف تنتهى الأمور فى مصر بأن يقف رجل مثلى على منبر مجلس الشعب ليقول: أيتها الدولة أيها النواب أنا أطالب للمساجد فى مصر أن تسوى بالكنائس ... ولكنها صرخة فى واد)

وقد استجوب الشيخ صلاح أبو إسماعيل وزير الأوقاف عن نشاط محمد توفيق عويضة ونشاط المجلس الأعلى للشئون الاسلامية وقد نتج عن هذا الاستجواب التفات الأنظار إلى نشاط محمد توفيق عويضة ووضع قواعد للربط بين المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ووزارة الأوقاف وجعل الوزارة مهيمنة على المجلس رغم قوة نفوذ محمد توفيق عويضة التى أدت لعزل ثلاثة وزراء للأوقاف .

استجواب الدكتور فؤاد محيى الدين

وقد استشعر أهمية العلاج فى إحياء دور الأزهر عن طريق إنشاء معاهد أزهرية ساعدته شهرته فى اجتذاب أموال من الخارج فى القيام بهذا العمل على قدر الاستطاعة . وفى حديث مع الدكتور محمد المجذوب قال الشيخ صلاح أبو إسماعيل عن جهده فى المعاهد الدينية الأزهرية ما يلى :

إن المعاهد الدينية الأزهرية كانت قد أهملت من قبل الدولة وبدأت الشكوى من المعاهد الموجودة فى دائرتى , وهى ثلاثون معهدا دينيا أزهريا منها خمسة تئن من الإهمال , فلما اتصلت بإدارة المعاهد الأزهرية علمت ن الإهمال قد انتظم مئتى معهد على مستوى الجمهورية المصرية , فأعلنت فى جريدة " الأهالى" أننى سأقدم استجوابا لرئيس الوزراء الدكتور فؤاد محيى الدين باعتباره الوزير الذى يسأل دستوريا عن الأزهر , إلى جانب وضعه كرئيس للوزراء , وما أن ألن هذا الاستجواب فى جريدة الأهالى يوم 19/ 19/ 1983 حتى نشت الأهرام يوم 25/10 ما يفيد أن اللجنة الوزارية قد اتجهت إلى تحقيق الكثير من المطالب التى طالت مساعينا وراءها . وليس هذا التجاوب سوى الأثر الناطق بأثر الرقابة على الدولة . إذا استخدمها نائب حر لا يخشى فى الله لومة لائم )

خطاب مفتوح للدكتور عاطف صدقي

وقد وجه الشيخ صلاح أبو إسماعيل خطاب مفتوح إلى الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء من جريدة الأحرار فى 23 / 11/ 1987 وهذا الخطاب بسبب إهماله للتعليم الأزهرى فى بيان الحكومة فقال مانصه تحية وسلاما مع أطيب التمنيات وخالص الدعوات استمتعت بشغف وانتباه ولهفة إلى بيان الحكومة وأنتم تلقونه أمام مجلس الشعب صباح الاثنين 16/ 11/ 1987 م.

وجدت فى خطابكم عبقرية الفحص والبحث والدرس بمقدار ما وجدت فيه من الأدبار عن الأزهر والمساجد والدعوة الإسلامية فضلا عن أمل الآمال وهو تطبيق الشريعة الاسلامية تلك التى لم يرى لها ذكر فى بيانكم الطويل !!

ويعنيني بادئ ذى بدء أن أقرر ارتباط الرخاء والأمن والإخاء والاستقرار والعزة والوحدة الإسلامية والسلام الاجتماعى بالإيمان وكم كتبنا فى هذا الأمل وقد توافرت لنا فى مقام البرهنة عليه آيات الكتاب العزيز , وأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم حتى أصبحنا على يقين من أن عبقرية الأخذ بالأسباب مع الإعراض عن رب الأسباب لا تغنى عنا ولا عن الوطن فتيلا فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

إذا لم يكن عون من الله للفتى

فأكثر ما يجنى عليه اجتهاده !!

لقد تحدثت عن التعليم الفنى بأنواعه المختلفة و وتحدثت عن التعليم العالى وما يلزم له من التخطيط والتنويع وتطوير نظم الدراسة حتى لقد ناديت أن تكون هناك جامعة للزراعة وجامعة للصناعة !! ولم تكتف بكلية للزراعة حتى اقترحت لها جامعة وتحدثت عن إعداد المعلم وما يجب أن يتوافر له من شروط وصفات وتدريبات وتحدثت عن مناهج والكتب والامتحانات إلى غير ذلك مما أثلج صدورنا وأحيا أمالنا ورصدت للتعليم مئات الملايين من الجنيهات . وأنت يا رئيس الوزراء ووزير الأزهر , والأزهر اليوم يا رئيس الوزراء يتململ بعد أن أرهقه ثقل المعاناة أسقمه طول الصبر بعد أن ضربت حركة التدمير ولا أقول التطوير مناهجه وميزانيته , ومنابعه ومصابته , وبرامج التعليم فيه !!!

هل تعلم يا وزير الأزهر ورئيس الوزراء أن الشعب المصرى المؤمن الغيور حينما أحس أن ألأزهر يذبح سنة 1961 بالقانون رقم 103 الذى سمى ظلما وزورا قانون التطوير وما هو إلا قانون التدمير هل تعلم يا وزير الأزهر ورئيس الوزراء أن شعب مصر أدرك أن الأزهر حصن اللغة العربية التى وسعت الإسلام وقلعة الشريعة الإسلامية التى تتمثل فيها كلمة الله الأخيرة إلى الخلق , وحينما أحس هذا الشعب الذى قهر التتار والصليبيين ودافع عن الإسلام والمسلمين حينما أحس الشعب المصرى بالخطر الداهم ينزل على الأزهر فى ليلة ظلماء فيسرق أوقافه ويقتل مناهجه تطوع هذا الشعب على مدى بضع سنين حتى الآن فبنى فى طول البلاد وعرضها أكثر من ألف معهد أزهري للبنين والبنات لم تتكلف الدولة فى هذه المعاهد حجرا فى جدار ولا مقعدا لطالب بل تركت الجهود الذاتية تغطى الجوانب المادية وتبحث عن غطاء فنى للجوانب التخصصية فلا تجد إلى ذلك سبيلا ولعل فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جادالحق على جادالحق يذكر أننى ذهبت إليه يوما وقد يسر الله بأموال أهل الخير بناء معاهد أزهرية ابتدائى – وإعدادى – وثانوى فى بلدى بهرمس – مركز إمبابة – محافظ الجيزة . ذهبت إلى شيخ الأزهر ألتمس عنده مقاعد للطلاب والطالبات فلم أجد عنده مقعدا واحدا فيسر الله من منابع غير منابع الدولة والأزهر مقاعد يجلس عليها الآن ما يقرب من ألفين من الطلاب والطالبات لكن هالنا وأزعجنا أننا لا نجد المدرس المؤهل ولا الكتاب المقرر ولا العميد الخبير اللهم إلا شبابا لا ذنب لهم يحملون مؤهلات متوسطة يعملون فى التدريس " بأجر نظير عمل" وليسوا مدرسين تربويين.

وغنى عن البيان يا رئيس الوزراء ووزير الأزهر أن التعثر فى العملية التعليمية متمثلا فى هبوط مستو المعلم وتحير الطالب , وغياب المنهج , والكتاب و بل وغياب التفتيش والتوجيه الإشراف أيضا كل ذلك وما إليه يترك أسوأ الانعاسكات على العملية التعليمية فليس فى الأزهر يا وزير الأزهر ميزانية , ولا تخطيط , ولا تعليم , ولا تربية و بل ولا إحساس بالألم,ولقد استمرا شيخ الأزهر موقعه فأعجبه لقب الإمام الأكبر وأعجبه ما بقى للمنصب من جلال قديم فقنع بذلك لأنه يعلم أن الفرق هائل بينه وبين الأنبا شنودة أن شيخ الأزهر معين بقرار يومكن عزله بقرار أما الأنبا شنودة فقد عزله السادات وأكدت عزله محكمة القضاء الإدارى تلك التى أبطلت قرارات سبتمبر سنة 1981 كلها ما عدا قرار عزل الأنبا شنودة فقد أكدته . وبرغم قرار رئيس الجمهورية وحكم القضاء الإدارى بقى الأنبا شنودة بقاء تداركه بالمساندة قرار من الرئيس حسنى مبارك بإبقاء الأنبا شنودة فى موقعه أما شيخ الأزهر فجرة قلم تدينه وجرة قلم تقصيه !! وأذكر يا رئيس الوزراء ووزري الأزهر أن الإمام الأكبر الراحل الدكتور عبد الحليم محمود حينما كان وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر كان بيده كل ما يتعلق بالأزهر من إجراءات فلما صار شيخا للأزهر لم يبق بيده من إجراءات الأزهر شئ ولكنه استطاع بغيرته أن يفعل للأزهر الشئ الكثير أما غيره فقد رضى بما تيسر ولم يكلف نفسه مؤونة شئ وراء الميسور فتدهور الأزهر كمعهد وكلية وجامعة ودعوة وضرب فى منابعه فلم يعد فى معاهده اليوم طالب واحد يحفظ آية من القرآن الكريم بعد أن أكلت الدولة أوقاف الأزهر والمساجد ولم تجرؤ على المساس بأوقاف الكنائس فليتكم سويتم المسجد فى مصر بالكنيسة من حيث تقديس أوقافه وليتكم تركتم للأزهر أوقافه كما تركتموها للكنيسة وليتكم إذا اغتصبتم أوقاف الأزهر عاملتموه معاملة الوصى التقى للقاصى أو السفيه فى ولايته ولكنكم كما تحكمتم فى منابع الأزهر ممثلة فى الكتاتيب تحكمتم مرة أخرى فى مصب التيار الطلابى فبعد أن كان يصب فى كلية من كليات الشريعة وأصول الدين واللغة العربية شغلتموه عن هذه المصبات المتخصصة بما استحدثتموه من كليات الطب والهندسة والصيدلة والتجارة والأسنان والعلوم فبخلتم على الشريعة الإسلامية بجامعة متخصصة فى خدمتها ودراستها وتخريج العلماء المتخصصين فيها بحجة أنكم تريدون الطبيب الداعية والمهندس الداعية الخ... والحرية عماد الدعوة فكبلتموها بالقيود الغلال حتى فر الدعاة من العمل فى المسجد فى دولة أرادت تخريج الدعاة من كليات الطب والهندسة وما إلى ذلك فتبخر عدد الدعاة وتكاثر عدد المساجد حتى صار لدينا فى مصر سبعون ألف مسجد لا تجدى سوى ألفين فقط من الخطباء ! بعد أن كان الأزهر يغطى كل المجالات الدعوة ويبقى لدين فائض من العلماء نبعثهم إلى أشقائنا المسلمين فى المشارق والمغارب ومن المضحك لمبكى يا وزير الأزهر ورئيس الوزراء أن حكومتك الرشيدة أحالت فى أوائل نوفمبر 1987 القانون رقم 103 سنة 1961 الخاص بتطوير الأزهر لا عادة النظر فيه وتعديله فاستبشرنا خيرا ورحنا نمنى أنفسنا بإصلاح التعليم الأزهري كهذا الذى تضمن بيان الحكومة للتعليم العام على نحو ما ورد فى بيانكم فإذن كل ما أرادته الحكومة مجلس الشعب فى شأن قانون الأزهر لا يخرج عن تعديلات محدودة جدا فى شأن انتخاب بعض بعمداء الكليات ونوابهم !! ذلك بعد مضى أكثر من ربع قرن من الزمان على قانون التدمير!!"

وبعد خطاب الشيخ صلاح أبو إسماعيل إلى الدكتور عاطف صدقي بسبب إهماله للأزهر فى بيان الحكومة. وجه إليه هذا اللوم القاسى بعد أسبوع أو أكثر قليلا من رسالته الأولى من خلال جريدة الأحرار الصادرة يوم 30/11/ 1987 بعنوان ( صح النوم يا شيخ الأزهر ويا رئيس الوزراء ووزير الأزهر)...

وقد استعرض فى هذا المقال السلبيات العديدة لإهمال الحكومة للمعاهد الزهرية والأزهر وما ينتج عن ذلك . فكان طلب الشيخ فيه جراءة الحق وكان من جملة كلامه ما يلى :

ثلاثة أشهر برغم تكرار الطلب !! وأنا أعرف كيف أحاسبك أولا على صفحات الجريدة على مرأى ومسمع من الرأى العام وثانيا فى مجلس الشعب فقد استوي الموقف تماما لتوجيه الاتهام إليك عبر استجواب يا وزير الأزهر ورئيس الوزراء , يا من نسيت الأزهر فى بيان الحكومة .

وهذه حال معهد واحد هو موضع عناية مثلى ممن يستطيعون أن يدفع ببابكم بكلتا يديه أن أغلتموه .

نعم أنا عاجز عن فتح باب المنزل لحرمة المنزل السكنية, ولكننى أستطيع أن افتح بابك الذى أجد وراءه مكتبك شئت أم أبيت . لأخرجك من صمتك ولأحاسبك بسلطان دستورى أقسمت على احترامه كشرط لتوليك منصبك وإن كنت يائسا من جدوى دعوة مجلس الشعب إلى سحب الثقة منك لأن الحزب الوطني قد آل على نفسه أن يحرسك ويرعاك فأنت من قمم الحزب الحاكم وغالبية صانعة القرار.

ومع ذلك يشفى صدورنا أن يرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وأن تدخلوا التاريخ ومعكم هذا الكلام وهذه الهموم وهذا الاستجواب ولن يموت حق وراءه مطالب.

وراحمتاه للأزهر الذى سلخ من عمر الزمان أكثر من ألف عام حريصا على نور العلم حفيظا على علوم الكتاب والسنة , موطنا لتخريب العلماء والدعاة والمفكرين.

الفصل العاشر: العراق و إيران

سئل الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى أحاديث صحفية عديدة:

ما موقف الإسلام فى مسالة الحرب العراقية الإيرانية؟

فأجاب دعيت فى أبريل سنة 83 إلى بغداد . وحمل الدعوة إلى السفير سمير النجم, سفير العراق فى مصر , وكنت وقتها أشعر أن أهوى مع الخمينى وأنه صاحب ثورة إسلامية بصرف النظر عن الفروق المذهبية بين الشيعة والسنة , فهو رجل قام بثورته فطرد السفارة الإسرائيلية ومنع ضخ البترول للصهاينة وألغى الخمر ومكن للفلسطينيين من السفارة الإسرائيلية فى طهران ودعا إلى حجاب النساء إلى غير ذلك مما قيل عن الثورة الإيرانية .

فلما جاءنى الأخ سمير النجم , قلت له : كيف ينعقد المؤتمر على أرض بغداد ؟ يجب أن ينعقد على أرض محايدة, فقال أنه ليس مؤتمرا للتحكيم , وإنما هو مؤتمر تشهد الدنيا على أننا جانحون للسلام فقلت له : عظيم وانعقاده على أرض بغداد تجسيد لجنوح العراق للسلام فلما ذهبت على هناك وجاء صدام حسين وعرض القضية كان فيما قاله :أننى أنا رئيس العراق أعدكم – وهذا قرار جمهورى – بأن ما تنتهون إليه من رأى فى حل هذا الإشكال هو قرار العراق ولست بذلك مغامرا بالإحالة لمستقبل مجهود فإن الرسول الكريم يقول : " لن تجتمع أمتى على ضلالة" وأنتم علماء ستين دولة لا يقل عددكم عن 600 عالم فما تجتمعون عليه فهو قرار العراق.

واختارنى الحاضرون لأتحدث بلسانهم .. قلت : إن النص القرآنى هو سيد الموقف.. والنص القرآنى فى هذا يقول:" وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله أنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين" فلو فرضنا أن أهل العراق عبدة الأصنام – واعتذرت للرئيس صدام حسين ولأهل العراق من هذا الغرض الجدلى الذى أريد به أن أسلط الأضواء على حقيقة مشرقة – ولو فرضنا أن الحمينى من أنبياء الله ورسله – وأستغفر الله العظيم فلا نبى بعد محمد صلى الله عليه وسلم – فلو فرضنا ذلك وجنح أهل العراق للسلم أوجب على الخمينى أن يجنح للسلم إن كان صادقا فى أن ثورته إسلامية حتى لو افترضنا أن أهل العراق عبدة الأصنام فكيف وهم مسلمون؟!!

الخومينى كذاب

إذا فهى إذا حرب بين طائفتين من المسلمين إما حرب بين مشركين ومسلمين فإن تكن الأولى فلها فى قوله تعالى :" وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما وإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله و فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين".

هذه إذا كانت الحرب بين طرفين مسلمين نهى الله عن قتال وأمر بقتال ,وإن كانت بين مشركين ومسلمين فلا يجوز لمحمد بن عبد الله أن قاتله أبو لهب الذى نزل فيه القرآن بأنه سيصلى نارا ذات لهب , ثم جنح للسلم وهو البادئ المعتدى لما كان لمحمد بن عبد الله أن يرفض جنوحه للسلام لأن الله قال : وإن جنحوا فاجنح ... هذا حكم الله ".

ولذلك قلت لهم : اقترح أن تؤلف لجنة من تسعة , ثلاثة من العرب رعاية للجانب العراقى الحاضر وستة من غير العرب , ورعاية للجانب الإيرانى الغائب ليكون لهم وهم غائبون فى هذه اللجنة أغلبية الثلثين, ثم نذهب إلى الخمينى ندعوه ليجنح لسلام , فإن قيل انتهت الحرب وسويت المشاكل وإن لم يقبل فهو خارج عن ملة الإسلام.

استراحوا للكلام وانتخبوني رئيسا للجنة فلما رأيت فى المنتخبين للجنة الدكتور عبد الله التركي , ورئيس جامعة الإمام محمد بن سعود فى الرياض ود. معروف الدواليبي قلت لهم : معروف الدواليبي أسن منى وهو رئيس اللجنة وأنا عضد له.

وتكونت اللجنة واستدعينا القائم بالأعمال الإيرانى فى بغداد وحملناه رسالة تفيض توقيرا للخمينى , وقلنا له : رد علينا بعد يومين على الأكثر فرد بعد يومين بسؤالين للخمينى : قال من البادئ بالحرب؟ ومن الذى قتل محمد باقر الصدر @@@ فقلنا له : من البادئ بالحرب تساوى من الرافض للسلام , وما يشترط للجنوح للسلام أن يحدد من البادئ ..

إن جنحوا فاجنح

المهم أن جنحوا فاجنح وإن النبى لا يعتدى على نص ملزم , وأنتم يقولون إن ثورتكم إسلامية .

وأما من الذى قتل محمد باقر الصدر ؟ فما جئنا لنحقق فى قتيل ... وإلا فمن الذى قتل عندكم قطب زاده ؟ ما جئنا لنحقق فى قتيل... ولكن جئنا لنقر سلاما بين شعبين وكل هذه المشكلات تسوى .

وقلنا له : إن صدام حسين أعلن أن قرارنا هو قرار العراق وإنه إذا أعلن الخمينى موافقته على مبدأ السلام فإن ذل إيذان بوقف الحرب.

ولكنه رد علينا من خلال إذاعاته : إن هذا المؤتمر هو مؤتمر الشياطين الفسقة.

وهنا تبين لى أن لخمينى كذاب فى إدعائه أن ثورته إسلامية .

وإليك مواطن قرآنية ثلاثة لأنني أخذت بها إجماع 120 دولة فى أكتوبر 1987 فى السعودية على أن الخمينى خارج عن الإسلام .

أولا : يقول الله تعالى فى سورة النساء :" ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " تماما كما يزعمون فى غيران أن ثورتهم إسلامية .. طيب ما الذى ينعاه الله عليهم .. يقول تعالى :" يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"- وهو كل من حكم بغير ما أنزل الله - وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدود.

وتمضى الصياغة القرآنية فى التصعيد حتى تصل إلى قوله تعالى "وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهمم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا فيما قضيت ".

وبالله أقسم أنهم لا يؤمنون ما داموا قد رضوا تحكيم النص الشرعى فهى لا يؤمنون وإن زعموا أنهم يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك .

ثانيا: فى سورة النور يقول الله تعالى :" ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا – تماما كما تزعم إيران بأن ثورتها إسلامية – ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك " وهذا زعمهم . يقولون آمنا بالله ورسوله وأطعنا وهذا مسلكهم . ثم يتولى فريق من بعد ذلك فما حكم الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون " لكن هذا لم يعرض فقط هذا أعرض عن حكم الله واتهمنا بأننا شياطين فسقه وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين.

ويتساءل القرآن :" أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخالفون أن يحيف الله ورسوله , بل أولئك هم الظالمون . إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون" فهؤلاء لا سمعوا ولا أطاعوا.

خذ الثالثة من سورة البقرة يقول الله تعالى : " ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا .

ويشهد الله على ما قلبه . وهم ألد الخصام وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم وحسبه جهنم ولبئس المهاد".

الخمينى طرد الشاه وتعلق بمعاهدة الشاه, والشاه لوى ذراع العراق بمعاهدة الجزائر سنة 75 وأخذ بمقتضاه نصف شط الرب فالعراق قال للخمينى : أنتم طردتم الطاغية فحرروا لنا أرضنا التى اغتصبها منا بلى الذراع , فلم يجيبوه إلا بالحرب .

ومع ذلك لو فرضنا أن العراق بدأ ولأعلن الحرب من جانبه لكنه اليوم جنح للسلم منذ استرد أرضه , استرد الأرض وأعلن جنوحه للسلام ولا يزال والعالم كله بالإجماع أصدر قرار 598.

علماء المسلمين , مؤتمر الدول الإسلامية مؤتمر دول عدم الانحياز ومؤتمر رابطة العالم الإسلامى وأخيرا مؤتمر 120 دولة , فى أكتوبر 1978 , لاستنكار حوادث الحرم أجمعوا على أن الخمينى كافر مرتد خارج عن الملة , وخصوصا أن موقفه هذا ترتب عليه سفك الدماء وإزهاق الأرواح وتدمير الأموال وتوسيع رقعة الحرب واستقدام الدول الاستعمارية إلى المنطقة .. فماذا يريد هذا الرجل؟

أننى إذا كان لى من غضبة فإننى لا أخص الخمينى وحده , وإنما أصب غضبى على العالم الإسلامى لسلبيته وتمزقه وتفرقه, أين العالم الإسلامى الذى اجتمع فى أرض الكويت من ملوك ورؤساء ؟ فلم يستطع أن تقاتل التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله , وما هذا التخاذل التفكك ؟ وما هذا التفرق ؟؟

الواقع أن حرب العراق و إيران تسر العدو وتسوء الصديق .. الصهيونية ضربت المفاعل الذرى النووى العراقى الذى كنا نرتجيه لتحرير فلسطين واليوم الصهيونية تمد الخمينى بالأسلحة وفضيحة إيران ليست بعيدة عن الأذهان .

أما مسألة الخلاف بين السنة والشيعة فه خلاف مذهبى قديم .. فليذهب من شاء إلى الجنة وليذهب من شاء إلى النار , ولسنا هنا بصدد الحديث عن خلاف مذهبى , وإنما نحن هنا بصدد الحديث عن دين يدعونا إلى البر والعدل مع المخالفين فى العقائد لا فى المذهب . قال الله تعالى :" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولوهم فأولئك هم لظالمون ".

الفصل الحادى عشر: معاهدة الصلح مع إسرائيل

كان الشيخ صلاح أبو إسماعيل من القلائل الذين رفضوا معاهدة السلام جملة وتفصيلا فى عهد السادات وكان لا يمل من الاعتراض عليها فى كل مكان حتى هذه الكلمات فقد كتب الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى جريدة الحقيقة بتاريخ 21 / 10/ 1989 تحت عنوان ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ما نصه:

بنو إسرائيل – من قديم لزمان – لا يحترمون العهود ولا يقدسون الحقوق , ولا يكفون عن سفك الدماء , وكم قتلوا من النبيين بغير الحق !! كما قال الله تعالى " لقد أخذنا ميثاق بنى إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا , كلما جاءهم رسول بما بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون . وحسبوا أن لا تكون فتنة وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم , والله بصير بما يعملون " وكما حدثتنا سورة آل عمران أنهم يقتلون الذين يأمرون بالقسط نمن الناس !! أنهم لا يرون غير أهوائهم وأنهم لا عهود لهم ! وإن آخر حلقة فى سلسلة غدرهم أنهم يريدون اليوم أن يعشوا أمنين وفى سلام دون أن يتنازلوا عن شبر واحد من الأراضى التى اغتصبوها !! يريدون أن يجمعوا بين الأرض السلام !! وكانوا من قبل ينسحبون دعاياتهم العالمية على منوال أن لعرب لا يريدون البقاء لإسرائيل و وأنهم أعداء للسامية.

ومضت السنوات العشر بعد كامب ديفيد وبدأ أن السادات كما يقول مؤيدوه قد انتصر حيا وميتا وأخذ بالحرب وأخذ بالسلام !! وعادت العلاقات متينة بين مصر والعرب ! ومضى الجميع فى طريق السلام مع إسرائيل إلى درجة أن ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية قد أعلن اعترافه بإسرائيل وقدم يده للسلام !! وتشاورت مصر معه ! وقدمت المبادرة المصرية بنقاطها العشر تريد السلام مقابل الأرض وأيدها العالم ! وأيدتها أمريكا ! بل وأيدها نصف وزراء الصهيونية ! غير أن النصف الرافض فيه شامير رئيس الوزراء فترجحت كفة الرافضين !!

وسؤال الآن : هل لا يزال العرب والمسلمون مرتبطين بأمل أن تسالمهم إسرائيل وإن تتنازل عن شبر واحد من الجولان , أو الضفة أو غزة لتقوم دولة فلسطين على ارض فلسطينية؟

إن إسرائيل تتكبر وتتكبر حتى أنها لترفض التفاوض المباشر مع منظمة التحرير وتمضى الوقيعة بين الفلسطينيين فتشترط أسماء أخرى من غير المنظمة للتفاوض اسرائيل معهم كى تحدث خرقا كبيرا فى الصف ليقتلهم إخوانهم لتشغلهم بخلافهم عن عدوانها وراحت تستقطب عملاء ليقتلهم إخوانهم الفلسطينيون بينما هى تتولى قتل أبطال الانتفاضة وتحطيم عظام الأطفال : إذرعهم وسيقانهم ودفنهم أحياء !!!

وأنا أرقب ذلك كله وقد كنت أتمنى أن تنجح محاولات الحلول السلمية لما يأتى:

أولا: لأن الإسلام دين السلام لمن سالمنا.

ثانيا : لأنه أطلق الحرية لرافضيه وإن كفروا به ولهم ما يختارون من عقيدة ومصير.

ثالثا : لا بأس من عهد محترم بين المسلمين ومخالفيهم فى العقائد ولا مانع شرعا أن يكون بيننا وبينهم ميثاق أن هم حافظوا على منعى الوفاء ! وهيهات!

لكننا عبر ما يزيد عن أربعين عاما ما وجدنا فى خلق الصهاينة من الوفاء ما يساوى صفرا فهل يجوز لنا أن نظل مرتبطين معهم بعهد وهم رافضوه ؟ والله تعالى يقول على سبيل الاستنكار " أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ؟ بل أكثرهم لا يؤمنون , وحين ينبذون العهود والمخالفة لا هوائهم فإنهم ينبذونها وهى الحق الذى يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وفى بيان ذلك يقول " ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون " وحبذا أيها القارئ الكريم أن تنعم النظر وتطيل التفكير فى قوله تعالى مصدق لما معهم وفو قوله تعالى " :أنهم لا يعلمون" لترى أنهم كما أنهم كما يقول المثل العامى " يسوقون الهبالة على الشيطنة" ونحن الضحايا , دماؤنا فى صالحهم ومن ورائهم أمريكا رخيصة أراضينا منهوبة , الزمن فى صالحهم , ومن ورائهم أمريكا تمدهم بالمال والسلاح ! وروسيا تمدهم بالمهجرين ! ولا يضرهم إجماع العالم ضدهم ! فإن الفيتو الأمريكى يخرق الإجماع العالمى! والزمان فى صالحهم ؟ وما زلنا نحن العرب نتطلع إلى أمريكا لأن الحل فد يدها بنسبة مائة فى المائة كما كان يقول رئيس مصر وهى لن تلوى ذراع إسرائيل فما الحل يا عرب ؟؟! وما لحل يا مسلمون ؟ نعم ا الحل؟ وصندوق النقد جائم على صدورنا ! ومصر ترجوا أمريكا من الذرية ؟ وقد ضربت تونس من قبل ! وضربت مفاعل العراق ! وضربت لبنان ! وسيطرت على أرضها ! وسرقت منابع نهر الليطانى ! ونقلت فى سبيل ذلك الحدود بينها وبين لبنان مسافة 60 كيلو مترا عبر الجنوب اللبنانى لتسرق منابع النهر داخل حدودها المزعومة ! ولا وقت الأن! بل وقد فاتت المناسبة ! لتسليط الأضواء على الأضرار المادية والأدبية والعسكرية لاتى ترتبت على كامب ديفيد وأهمها تحجيم دور مصر فى التصدى لإسرائيل وإن سحقت العرب أجمعين ما الحل ؟! وقد أحيط بنا !!؟ الحل فى قوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"

وقد أعاد الكرة مرة أخرى فى جريدة الحقيقة لتناول نفس الموضوع بتاريخ 28/ 10 / 1989 تحت عنوان : كامب ديفيد سيف يذبحنا به العدو الصهيونى الأثيم . الخط الذى رسمته الصهيونية لنفسها على حساب العرب والمسلمين بمعونة الشرق والغرب يتمثل منذ سنة 1897 فى خطة قدروا لتنفيذها مائة عام لقيام " إسرائيل " الكبرى من النيل إلى الفرات !! فقد كانوا تحت الصفر دون أن تنطفئ وراحوا يخططون لدولتهم ونحن فى غفلة ساهون و وحددوا لإعلان دولتهم سنة 1948 . وبالفعل أعلنت دولتهم التى قامت على أساس من وعد بلفور , وساعدهم على تحقيق هذا الأمل : الانتداب البريطانى على فلسطين , والمهجرون اليهود من روسيا والأموال والأسلحة من أمريكا ومساندة الفيتو الأمريكى للصهاينة فى المنظمات الدولية العالمية , والأهم من كل ذلك لصالحهم : فرقة العرب , وتمزق المسلمين وتعدد القيادات والجيوش التى تحزبت إلى ثمانية!! كل حزب بمالديهم فرحون ! فلم يكونوا كالبنيان المرصوص! والله تعالى يقول " إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأ،هم بنيان مرصوص". والذين خاضوا هذه الحرب تعبيرا عن عقيدة استقبلهم عند عودتهم إلى مصر معتقل الطور! وفاحت رائحة الخيانة ! والأسلحة الفاسدة!

وقامت ثورة سنة 1952 تنادى بالوحدة فى سياستها الخارجية ! بالحرية والاشتراكية فى سياستها الداخلية ! ثم كان الصدام الداخلى سنة 1954 ! وقد أعقبته حرب العدوان الثلاثى سنة 1956 وقد سميناها نصرا ! بعد أن أغتصب الصهاينة منا خليج العقبة ! ثم كانت نكسة سنة 1967 بعد صدام داخلى سنة 1965 ! ثم كان حرب العاشر من عام بأساليب ليست من قريب ولا بعيد على صلة بقول الله تعالى " الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة , وأمروا بالمعروف , ونهوا عن المنكر , ولله عاقبة الأمور" وهذه ملامح الذين ينصرهم الله لأنهم ينصرونه كما وعدهم بقوله لينصرن الله من ينصره .. ينصره إن الله لقوى عزيز ".

فما أقمنا الصلاة التى تنهى عن الفحشاء والمنكر وإن صلينا بدليل ما نحن فيه من تحليل الحرام وتحريم الحلال وضرب المساجد بالقنابل وتعقب المتدينين , وتضيق الخناق على الدعاة , وتلفيق التهم للبراء, والاعتقال بالشبهة , والأخذ بالظن,مع أن الظن أكذب الحديث ! ومع أن الظن لا يغنى من الحق شيئا ومخالفة أحكام القضاء وتزوير الانتخابات , ووأد الحريات , والإستهانة بحرمات النساء والضرب فى المقاتل , وإزهاق الأرواح , وسفك الدماء ثم إقامتنا على معصية الله : بين إيجابي فى ساحات المعاصي , ومصفق لأبطال هذه الساحات الأثيمة : من الراكنين إلى الذين ظلموا , حتى جاءنا بأس الله !

فضربنا الله تعالى بسلاح الجوع والخوف , وجاءنا بأسه وانتقامه , فغلبتنا شقوتنا فما تضرعنا إليه سبحانه بل كنا كمن قال الله فيهم " فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا ! ولكن قست قلوبهم !ّ وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون !! فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا , والحمد لله رب العالمين " فها هو ذا الحزب الوطني الحاكم قد فتح الله له أبواب كل شئ : رئيسه رئيس الجمهورية , والدولة الحاكمة حكومته , وصناع القرار فى مجلس الشعب نوابه وحجم المعارضة العددى أقيله لا تصنع قرارا واستجواباتها لا تنصفها الأغلبية , بل إن الحزب الوطني يعلن ثقته بالظالمين, وتأييده للمعتدين , وتعطيله لأحكام القضاء ,وتقوم سياسته على أساس من تشجيع هواة الكرة ليل نهار والبطش بعمار المساجد وفى هذا الجو تأتى كامب ديفيد لتنقذ حقنا فى أرضنا لكن بثمن باهظ جدا!! دفعناه بالفعل ! وما زلنا ندفعه وخلاصة هذا الثمن أننا لا نستطيع أن تكون لنا قوة شرقى القناة داخل وطننا تجاوز فرقة واحدة ! ميكانيكية أو مشاة ! وهذه الفرقة الواحدة لها حرية التحرك بطول القناة طولا وبعرض خمسين كيلوا مترا فقط شرقى القناة ! وليس لها حق التحرك وراء هذه المساحة فى سيناء وهى أرضنا المصرية !ّ ومطاراتنا فى سيناء مدنية عسكرية ! وللصهيونية حق استخدامها ! وخليج العقبة الذى هو أقل من أن يكون مياها إقليمية جعلته كامب ديفيد مياها دولية ! بالمخالفة لمعاهدة القسطنطينية سنة 1888 ! وكل حبة رمل كانت حدا فاصلا بيننا وبين فلسطين صارت هى الحد الفاصل بيننا وبين إسرائيل وغيرنا الآيات التى كانت تذاع عقب كل أذان! حتى لقد محونا من الأشرطة نحو قول الله تعالى " لعن الين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيس بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" وأذعنا مكان ذلك نحو قوله تعالى " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب " فهل تؤمن الصهاينة بما أنزل إلينا ؟ اللهم لا ! ذلك الذى يجرى فى إعلامنا صورة من صور الوفاء لكامب ديفيد التى نصت على أن نحذف من ثقافتنا ما يمسهم فكان ما كان من نحو هذا التصرف حتى فى القرآن من أجل سواد أعينهم " الكحيلة " ثم كانت الطامة الكبرى إذ نصت كامب ديفيد على أن ارتباطنا بالصهيونية له الأرجحة إذا ما تعارض مع ارتباطنا بأطراف أخرى ! ومعنى ذلك أن علاقتنا بإسرائيل أولى وامتن من علاقتنا بالعرب عند التعارض! وبذلك عصفت كامب ديفيد بميثاق الدفاع العربى المشترك ! فاستباحت الصهيونية أشقاءنا بعد كامب ديفيد واحدا فى أثر الأخر بعد أن وضعتنا إسرائيل فى جيبها و ولذلك ضربت الصهيونية المفاعل النووى العراقى , وأبادت صبرا وشاتيلا , وطردت الفلسطينيين من الجنوب اللبنانى وسرقت منابع نهر اليطانى بنقل حدودها إلى داخل الأراضى اللبنانية ليس مترا ولا مترين ولكن ستين كيلو مترا ! عنوان وصلة وضربت المنظمة الفلسطينية فى تونس ! بل وخرجت على كامب ديفيد نصا وروحا ! فلم تسمح للاجئين الفلسطيني نفى المعسكر الكندى بالعودة إلى أراضيهم , ولن تتوقف عن بناء المستوطنات ولم تحترم تدويل القدس بل اتخذها عاصمة تقول أنها أبدية " لإسرائيل ونازعتنا فى طابا فلم تخرج إلا بعد أن أخذت من خزانتنا المرهقة عشرات الملايين من الدولارات وبذلك تهيأ الجو " لإسرائيل " لتنفيذ خطة الثمانينات! وهى خطة ترمى إلى عزل مصر , وضرب العرب وبناء القوة النووية فى إسرائيل وصرنا ننشد الحل من أمريكا ! ويقول السادات " لبيجين " أننى أريد أن أوصل مياه النيل غلى صحراء النقب ويستهدف السادات بذلك أن النيل قد وصل إلى حيث يقوم ملك " إسرائيل" فهو إذن ملك قد امتد إلى النيل فيقول" بيجين" فى صلف وعنجهية وغرور: إن أهداف " إسرائيل " الكبرى ليست محلا للمساومة ! أى أنهم يريدون أن يمتد ملكهم إلى النيل فى مواقعه ومجراه وغلى الفرات فى مواقعه ومجراه وهو ما خططوا لحدوثه قبل سنة 1997 ! وأدرك العرب أخيرا تلك الأخطار الداهمة فرأوا أنهم سيؤكلون فرادى بسلاح إسرائيل ! ودعايات " إسرائيل" فقرروا أن يرتفعوا إلى مستوى الخطر الداهم , والداهية والدهياء فكانت عودة مصر إلى الجامعة العربية وكانت مبادرة الملك فهد وكانت السياسة الجديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية وكانت حركة ألبطال المسماة بانتفاضة أطفال الحجارة ! وجن جنون " إسرائيل" لهذا التأييد العالمى الجارف لياسر عرفات وقررت إسرائيل أن تتحدى العالم ! وقال الرئيس حسنى مبارك أوراق اللعبة فى يد أمريكا بدرجة مائة فى المائة ! وقابل ريجان , ثم بوش , واقترح النقاط العشر وإذا اسحق شامير رئيس الوزراء الاسرائيلى يصعد حملته ضد جهود السلام ويؤكد أنه ليس على استعداد للتوصل إلى حلول وسط مع الفلسطينيين حتى ولو أدى ذلك إلى انهيار الائتلاف الوزارى الحاكم فى " اسرائيل" والدخول فى مواجهة ضد أمريكا فما يملك بيكر وزير الخارجية الأمريكى عن جهودها ! لأنها حريصة على مشاعر اسرائيل وأهداف اسرائيل ! وإلى هذا المدى بل وإلى أبعد منه!

والآن هل بقيت ورقة من أوراق اللعبة فى أمريكا أنا أقول نعم إذا أرادات أمريكا وكيف تريد أمريكا ذلك وهى التى أوجدت " إسرائيل " وشامير يؤكد أن أى سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية ضرب من المستحيل لأنه سيؤدى إلى قيام دولة فلسطينية وهذا هو الأمر الذى ستمنع إسرائيل حدوثه بكل الوسائل مهما كان الثمن على حد تعبير شامير ! ولا يسع بيكر إلا أن يعلن أنه على وشك أن ينفض يديه من محاولا دفع جهود السلام فى الشرق الأوسط ! ومن المطالبة ببدء الحوار الاسرائيلى الفلسطينى المقترح ! فهل أسفر الصبح لذى عينين ؟! وهل طلع فجر الحقيقة ؟! وهل استبان لنا الطريق ؟! وهل الله الذين يقاتلوكم ؟! وهل تذكرون أن الولايات المتحدة امتنعت عن منح تأشيره دخول للزعيم الفلسطينى ياسر عرفات لإلقاء خطابه فى الأمم المتحدة بنيويورك حتى لقد اضطرت المنظمة الدولية لأول مرة فى تاريخها أن تنتقل إلى مقرها الأوربى فى جنيف لسماع خطاب عرفات الذى ألقاه أمام مندوبى أكثر من مائة دولة, وأكثر من ستمائه صحفى وأبت " إسرائيل " أن تحضر خطاب عرفات فى جنيف وعرفات يناديها أن تعالوا لنضع سلام الشجعان بعيدا عن قعقعة السلاح !"وإسرائيل" ذلك كله وتبنى فى الأراضى لمحتلة معتقلات جديدة , وتدفن أطفالنا أحياء وتكسر عظامهم بالحجارة وتفعل أفاعيها بأرضنا وعرضنا ونسائنا وأطفالنا ! وكأن العرب والمسلمين صم بكم عمى لا يعقلون ! وليت أمريكا تنفض يدها نفضا كاملا شاملا لنحاسب " اسرائيل" ونؤدب من عملية السلام وتأبى علينا أن نتصدى لهذا العدوان فهل أن الأوان لننفض نحن يدنا من كل أمل فى أمريكا ونمد أملنا بصدق وإخلاص لنرتبط بولى النصر ومالك لملك , الله الواحد القهار ! أم أصبحنا لا نرى فى الوجود سوى الأمريكان والروس؟!

إن لنا فى أطفال الانتفاضة خير أسوة أولئك الذين لم يفت فى عضدهم ما تحملوه من تضحيات فى السنة الأولى من انتفاضتهم وقد استشهد منهم 418 وجرح منهم خمسة وأربعون ألفا وأبعد ثلاثة وثلاثون وشرد ألفان وخمسمائة ونسفت الصهيونية 278 بيتا فى هذا التوقيت واعتقلت 7000 واقتلعت 10,000 شجرة زيتون والأشجار المثمرة الأخرى , وأغلقت 26 مؤسسة تربوية وعلمية عربية , وعشر دور نشر وسبع مؤسسات اجتماعية وخيرية ثم تضاعفت التضحيات فى السنة الثانية ولم تنكسر عزمات الأبطال الأطفال الشبال !!

إن الزمن يمضى ونحن متثاقلون إلى الأرض فهل يغنى عنا ذلك فتيلا ونحن نتلقى الضربات تارة بأيدى " إسرائيل " وتارة بأيدى حكامنا , ويسألنا الشباب هل من سبيل إلى الجهاد فى سبيل الله ؟ ونحن لا نجد هذا السبيل فى تلك الظروف ! إننا حيارى فكيف يقوم الحائر بهداية الحيارى! وفاقد الشئ لا يعطيه! وكامب ديفيد صارت الآن سيفا مسلطا على رقابنا يذبحنا به الأعداء مع أنهم أطراف فى هذا الاتفاق فهل اتفقنا على هذه النتائج؟ هل اتفقنا على أن يذبحنا اليهود ونحن لا نملك إلا الشحب ثم الإعلام الذى يمتص كل غيرة وكل حماس ؟؟بالراديو تارة وبالتليفزيون ليل نهار؟

إن ربكم يقول : " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " وهذا هو الطريق وتبا لقوم لا يعلمهم نصف قرن إن هذا هو الطريق.