حوار مع الناطق الرسمي لجماعة الأخوان المسلمين في ليبيا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حوار مع الناطق الرسمي لجماعة الأخوان المسلمين في ليبيا
حول رؤية الجماعة لمشروع الإصلاح الوطني
الامين بلحاج.jpg

أجرى موقع ليبيا المختار حواراً مطولا مع الناطق الرسمي لجماعة الأخوان المسلمين في ليبيا الدكتور الأمين بالحاج هذا نصه :

ليبيا المختار : لا تخطىء عين الراصد لمسيرة الإخوان توجهاتهم الإصلاحية في مختلف أنحاء العالم فهل للإخوان في ليبيا نفس المنهجية أم لهم نظرة تختلف، وما هي ملامح الفكر الإصلاحي الوطني الذي تطرحونه؟

ابتدأً منهجية الإخوان المسلمين تجاه مأزق الفساد الإقتصادي والإداري وأزمات الإستبداد السياسي في أي دولة وجدوا فيها منهجية إصلاحية صميمة تقوم على أسس من عقيدة أصيلة مستمدة من المصادر الإلهية هو نفس منطلق الأنبياء الإصلاحي حين صدعوا برسالات الله في أقوامهم ومجتمعاتهم بالقول "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه، توكلت وإليه أنيب" وكما نص على ذلك الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بقوله" إنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق". لذلك فإن فكرة الإصلاح الوطني عند الأخوان المسلمين تنبثق من المباديء وليست هي مجرد تكتيك سياسي مرحلي. وأدبيات الجماعة جملت بالكثير من المعاني التي تؤكد على ضرورة وأهمية الإصلاح وتدعوا له، وتبين جوانبه ومضامينه.

أما مفهوم الإصلاح عندنا نحن الأخوان المسلمين في ليبيا فنعني به :

( العمل السلمي التراكمي المتدرج والدؤوب لإحداث تغييرات حقيقية وشاملة لجميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو إصلاح ذاتي مصدره ديننا الحنيف وينسجم مع هوية وتراث شعبنا) مفهونا هذا للإصلاح يختلف بالتأكيد عن المفهوم السائد للإصلاح عند بعض الأنظمة العربية والذي يقف فقط عند الشعارات أو مجرد تقنين لبعض الإجراءات. وكذلك يختلف مفهومنا للإصلاح عن مفهوم الإصلاح الذي تنادي به بعض القوى الغربية والذي يسعى لإيجاد أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية من أجل ضمان مصالح تلك الدول على حساب ثقافة وهوية وثروات الشعوب.

ليبيا المختار : لماذا اخترتم هذا الوقت بالتحديد للإدلاء بهذه التصريحات حول فكرة الإصلاح الوطني؟

إن الدعوة والمطالبة بالإصلاح الوطني من قبل جماعة الأخوان في ليبيا ليست وليدة اليوم، فالإصلاح مكون أساسي في فكر وحركة الجماعة، وبنظرة سريعة لبيانات الجماعة وتصريحاتها تجد أنها كثيرا ما كانت تطرح وتطالب بضرورة البدء في عملية الإصلاح المنشود. أما اليوم فلاشك أن موضوع الإصلاح أصبح لا يُطرح من فراغ، فهناك تداعيات داخلية وخارجية تحتم طرح هذا الموضوع بل المطالبة بالإسراع به.

فعلى الصعيد الداخلي، وباعتراف النظام نفسه، نقرأ أن حالة الاحتقان السياسي الداخلي وتردي الوضع الاقتصادي وانهيار القطاعات الخدمية كنتيجة طبيعية للفشل في إدارة الدولة، أدى إلى زيادة التذمر الشعبي ورغبة ملحة للتغيير، تزامن هذا مع زيادة في الوعي السياسي لدى المواطن الليبي للمطالبة باطلاق الحريات والمشاركة السياسية الحقيقية.

وإلى جانب ذلك، نحن نقرأ ما يصرح به بعض القيادات السياسية من الاعتراف بانتهاكات لحقوق الإنسان، وانتقاد لأفكار وممارسات كانت بالأمس تُعد من الثوابت والمساس بها يعتبر جريمة. إن مثل هذا الحديث وإن لم نتحسس مصداقيته بعدُ على أرض الواقع، إلا أنه من الممكن أن يُعتبر مؤشرا أوليّاً لإمكانية وجود أرضية يقوم عليها مشروع الإصلاح. هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فإننا اليوم نشهد بروز مشروع يهدف لاستعمار المنطقة وتغيير ثقافتها وهويتها وسلب ثرواتها، ويطرح أيضا مشروعا خاصا به للإصلاح.

ولكي تقوم الجماعة بدورها مع الآخرين من القوى الوطنية في ترشيد فكرة الإصلاح، رأينا أن الحاجة ملحة لأن تعرب الجماعة عن رؤيتها وفهمها للإصلاح الوطني الحقيقي حتى تتبين الفكرة ولا يتم تشويهها من قبل أي جهة داخلية أو خارجية.

ليبيا المختار: إذا كان الإصلاح الوطني الذي تدعو إليه الجماعة إصلاحا شاملا، فما هي جوانب هذا الإصلاح الوطني التي تطالبون به تحديدا ؟

نحن نؤمن أن الإصلاح يجب أن يكون شاملا لجميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هذا من حيث العموم، أما من حيث جوانب الإصلاح التي نرى ضرورة البدء بها دون أي تأخير فهي:

1. محاربة الفساد السياسي

محاربة الفساد والتخلف السياسي والإداري الضارب بجذوره في كل مؤسسات الدولة يعتبر الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها كل الأركان الأخرى لمشروع الإصلاح. فبدون مواجهة للفساد الرسمي المؤسسي لن تتحقق الأهداف المرجوة من الإصلاح الوطني. إن النتائج الهزيلة التي نراها في المجتمع الليبي اليوم في كل الجوانب - والتي أدت إلى التدهور في جميع مناحي الحياة - ليست منفصلة عن طبيعة تلك المؤسسات التي تدير البلاد، والتي هي نفسها ثمرة اختيارات سياسية خاطئة. إن هذه الأوضاع هي نتيجة لسبب رئيسي هو غياب حياة سياسية سليمة وانتشار الفساد بفعل الاستبداد الذي أدى إلى إقصاء الكفاءات بل وهروبها عن المشاركة في تحمل المسؤولية، وكذلك غياب أي نوع من الرقابة والمحاسبة عبر مؤسسات قانونية.

2. إشاعة الحريات العامة واحترام حقوق الانسان.

الحرية غريزة فطرية ومفهوم إنساني سامي، وكلمة شرعية، بل هي حاجة ملحّة وضرورة ماسّة من ضرورات الإنسان، باعتبارها تعبيراً حقيقياً عن إرادته وترجمة صادقة لأفكاره. فبدون الحرية لا تتحقق الإرادة وعدم تحقيق الإرادة يعني تكبيل الإنسان ووأد كافة طموحاته وتطلعاته، وهذا ما أشار إليه الفاروق عمر رضي الله عنه في قوله: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟).

إن "الحريات العامه" التي نطالب بها هي مجموع الحقوق والامتيازات التى يتوجب على الدولة أن تؤمنها لمواطنيها، والتي يجب أن يشير إليها دستور الدولة وتوضع الضوابط التى تصونها ضد التجاوزات سواء من جانب الأفراد أو من جانب الدولة نفسها. ومن أهم هذه الحريات حرية الرأي والتعبير، وحرية الاختيار السياسي، وحرية الصحافة، وحرية التملك، وحرية العمل المدني المؤسسي. لقد تكرر اعتراف النظام بانتهاك الحريات العامة، والآن نعتقد أنه قد حان وقت التصحيح، وأوله الغاء القوانين الجائرة التي تحد من حرية الإنسان في ليبيا مثل قانون الشرف وقانون تجريم الحزبية وما شاكلها من القوانين.

3. سيادة القانون

الدولة الحديثة هي الدولة التي يشيع فيها مبدأ سيادة القانون والذي يعني وجود سلطة قضائية تتمتع باستقلال مؤسساتي ولا تعتمد على قوة السلطة التنفيذية. ومن البديهي أن أهم ركائز تحقق سيادة القانون هو وجود دستور وطني مجمع عليه ينبثق من عقيدة المجتمع وثقافته وهويته ويكون الإطار العام الذي تصدر عنه كل القوانين والمرجعية لكل خلاف. إننا نعتقد أن مبدأ سيادة القانون هو أساس العدالة، وهو قمة الضمانات الأساسية لاحترام حقوق الإنسان والحريات العامة. ولا شك أن مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يتحقق في أوضاع يغيب فيها الدستور والقوانين ويحاكم الناس في محاكم استثنائية مثل محكمة الشعب.

4. تفعيل دور المجتمع المدني

المجتمع المدني هو جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها التخصصية من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمع المحلي وفي استقلال عن سلطة الدولة. ولا يعني الحديث عن المجتمع المدني تصور وجود معارض للدولة أو مناقض لها، فالمجتمع المدني والدولة، طرفان متكاملان. نحن ندرك أن هناك بعض القوانين صدرت مؤخرا في ليبيا بغية تكوين مؤسسات المجتمع المدني، ولكننا في الوقت ذاته لسنا متفائلين أن تؤدي هذه القوانين لإيجاد مؤسسات أهلية مستقلة ومنفصلة عن السلطة في ظل هيمنة الدولة على جميع مناحي الحياة مما يفقد هذه المؤسسات دورها.

ليبيا المختار: ألا ترون أن مطالبتكم بمثل هذه الإصلاحات الشاملة تعتبر غير واقعية وربما لا تكون مقبولة من قبل النظام وتتعارض مع دعوتكم إلى التدرج في مشروع الإصلاح؟

لابد من البيان أن المطالبة بالبدء في عملية الإصلاح ضمن رؤية واضحة والاستجابة لمقتضيات الإصلاح لا تعني انقلابا جذريا على الواقع، فنحن نتفهم ضرورة التدرج في التنفيذ ونقدر الظروف الموضوعية لواقع البلاد نظاما وشعبا. لكننا في نفس الوقت نؤكد أن متطلبات الإصلاح التي ذكرناها مستحقة شرعا وعقلا، وممكنة فكرا وواقعا، ولا تحتاج إلا إلى نية صادقة وإرداة قوية، وإحساس عال بالمسؤولية.

ليبيا المختار: لاشك أن عملية الإصلاح الوطني تحتاج إلى مقومات وشروط حتى تُكلل بالنجاح، فما هي هذه المقومات التي تراها جماعة الأخوان المسلمين في ليبيا والتي تضمن نجاح مشروع الإصلاح الوطني؟

إن عملية الإصلاح المنشود عملية حيوية تحتاج إلى بذل الجهد الكبير الذي يقترن بالنية الصادقة، ومما نؤكده بداية أن نجاح مشروع الإصلاح في هذه المرحلة مرتهن باستجابة النظام لمقومات عملية الإصلاح التالية:

أولا: قرار سياسي جاد وحقيقي دون تردد

إن عملية الإصلاح لا يمكن أن تكون حقيقية إلا إذا كانت نتيجة إرادة سياسية جادة وغير مترددة، ذلك لأن مجرد التصريحات من قبل السلطة بأهمية الإصلاح وضرورته، أو نقد الوضع القائم بشيء من التعميم، أو حتى إحداث بعض الإجراءات الجزئية لا يمكن أن تؤدي إلى إصلاح حقيقي لأن المجتمع الذي عاش في ظل الاستبداد والقهر والتهميش لأكثر من ثلاثة عقود لا يمكن أن يسهم في عملية الإصلاح إلا إذا كانت الإرادة السياسية هي التي تدفعه وتوجهه لذلك. إن السلطة بما تملكه من هيمنة على القرار السياسي وعلى ثروات الشعب وعلى التحكم في التفاعلات الاجتماعية هي الوحيدة القادرة على الاسراع بمسيرة الإصلاح الوطني أو تهميشه وتشويهه.

ثانيا: مشروع إصلاحي شامل

على القيادة السياسية إذا أردت التوجه إلى الإصلاح الوطني بكل صدق أن تطرح ذلك ضمن رؤية واضحة لمشروع إصلاحي متكامل وشامل لجميع المجالات لأن العفوية واللامبالاة وعدم التخطيط الواعي سوف يجعل عملية الإصلاح مجرد شعارات بعيدة عن تحقيق المنشود. إنه من الخطأ الكبير أن تفكر السلطة فقط في بعض الإصلاحات الإدارية أو الاقتصادية الجزئية دون التفكير الجاد في جوانب الإصلاح الأخرى وخاصة في المجال السياسي.

ثالثا: ضمانات قانونية ودستورية

عملية الإصلاح تحتاج إلى آليات عمل متعددة داخل مربع السلطة وفي ثنايا المجتمع، ولا يمكن أن تحقق تلك الآليات أهدافها إلا إذا توفرت ضمانات قانونية تحمي مشروع الإصلاح من الانتكاس أو التشويه.

رابعا: إشراك الجميع في عملية الإصلاح

الإصلاح مطلب لكل مواطن مخلص لبلده، ولا يمكن لهذا المطلب أن يتحقق إلا إذا شارك فيه كل أبناء الوطن. إن الإقصاء المتعمد للقوى الوطنية واعتبارها غير شريكة في مشروع الإصلاح الوطني يشكك في مصداقية الإصلاح.

على أصحاب القرار أن يدركوا أن التعاون مع كافة القوى الوطنية مهما كانت انتمائاتهم السياسية هو السبيل لنجاح مشروع الإصلاح الوطني وضمان تغلبه على الصعوبات والعقبات التي تواجهه.

ونحن ننتهز هذه الفرصة لدعوة جميع النخب السياسية والأكاديميين والمثقفين ورجال الدولة في الداخل والخارج للمطالبة بتحقيق مشروع الإصلاح والمشاركة الإيجابية في كل ما يمكن أن يدعم هذه المسيرة.

خامسا: أن يكون الإصلاح وطنيا خالصا

إن مفهوم الإصلاح يجب أن يكون منبثقا من عقيدة الشعب الليبي وهويته وتراثه وملبيا لاحتياجاته ومطالبه، ولذلك وجب التحذير من أن ننطلق في عملية الإصلاح وفق مشروع خارجي يستغل مطلب الإصلاح من أجل تحقيق مآربه ومصالحه الذاتية.

ليبيا المختار: ألا تعتقدون أن مشروع الإصلاح حسب ما طرحتموه سيواجه عقبات ربما تعيقه أو تجهضه ؟

نعم إن عملية الإصلاح الوطني أمر ليس بالسهل، لذلك من البديهي أن تواجهه الكثير من العقبات والتي منها: 1. ثقافة الإقصاء والتهميش

من أصعب الأمور التي من المتوقع أن تعيق مسيرة الإصلاح هي الثقافة المسيطرة على عقلية القيادة السياسية التي حكمت البلاد بنمط استبدادي شمولي لأكثر من ثلاثة عقود. إن هذه الثقافة الاحتكارية الإقصائية لا تنسجم مع ما تتطلبه عملية الإصلاح من تقدير للآخر ونفسية إيجابية ترضى بالتنازل من أجل التعاون مع الغير، لذلك نتوقع أن تكون هذه الثقافة عقبة كؤود أمام مسيرة الإصلاح الوطني.

2. المستنفعون من استمرار حالة الإنسداد والإقصاء في البلاد

لاشك أن من بين المتنفذين مَن ترتبط مصالحهم باستمرار الفساد السياسي والمالي الذي تعيش فيه البلاد وسيسعون لعرقلة أية تحولات قد تؤدي إلي فقدانهم مكانتهم وامتيازاتهم. إن هذه الفئة المتغلغلة في مراكز النفوذ تتقن اقتناص الفرص والتصيد والتسلق - ولأن فكرة الإصلاح أصبحت أمرا واقعا لا مناص منه- فسوف تعمل على إجهاض أي محاولة للاصلاح الحقيقي وتعمل على الترويج لفهمها الخاص للإصلاح الذي يضمن لها مصالحها ويحقق لها أهدافها.

ليبيا المختار: هل تعتقدون أن فكرة الإصلاح ستجد قبولا في أوساط القوى الوطنية الليبية ؟

إن فكرة الإصلاح تشهد اليوم تناميا بين أوساط القوى الوطنية في الداخل والخارج، فمن حين لآخر نقرأ كتابات ونسمع نداءات تطالب بضرورة الإصلاح. نحن نقدر أن هناك بعض فصائل القوى الوطنية التي لم تقتنع بفكرة الاصلاح بعد، ونعذر إعراضهم عن ذلك بسبب شكوكهم في مصداقية النظام في طرحه لعملية الإصلاح، وكذلك قناعاتهم أن عملية الإصلاح المتدرج لا يمكن أن تؤدي إلى إصلاح عام وشامل في ظل الظروف الحالية، إلى جانب ذلك من المبررات الأخرى التي نقدرها. نحن نحترم هذا الرأي ولكننا مطمئنون أنهم إذا رأوا مشروعا صادقا للإصلاح سوف ينظمّوا للمسيرة ويشاركوا فيها بكل إيجابية.

ليبيا المختار: ما هي الظروف الموضوعية – في رأيكم – التي تجعل مشروع الإصلاح قابلا للنجاح؟

كلنا أمل أن مسيرة الإصلاح سوف تنجح بإذن الله تعالى إذا خلصت النية وبذل الجهد اللازم، ولعل من أهم عوامل نجاح مشروع الإصلاح في هذه المرحلة بالذات:

1. الظروف الموضوعية لنظام الحكم

لاشك أن نظام الحكم اليوم قد بدى أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بأن طريقة الحكم التي انتهجها طيلة الفترة الماضية قد ثبت فشلها، لذلك لم يعد أمام النظام اليوم إلا أن ينتهج سبيل التغيير والإصلاح.

2. وعي الشعب الليبي

إن الشعوب لا يمكن أن تبقى دائما غائبة الوعي لا تدري ما يحاك لها وخاصة مع انتشار سبل الثقافة العامة في عصر المعلومات. لذلك نحن على ثقة أن الشعب الليبي الذي يعاني ظروفا اقتصادية صعبة تقترن بإخفاق النظام في معالجة هذه الأوضاع، أصبح اليوم في درجة من الوعي تجعله يطالب بعميلة الإصلاح الحقيقي ولا يرضى أن يساق في مفاوز دعوات الإصلاح الزائفة.

3. الظروف الدولية

لعل من أهم سمات عالمنا المعاصر اليوم هو التقارب والتأثير المتبادل وخاصة فيما له علاقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان. فمن الملاحظ جليا أنه ليس بإمكان الأنظمة اليوم الاستفراد بشعوبها وحشرها داخل حصن منيع تفعل بها ما تشاء حيث أصبح احترام حقوق الإنسان أمرا مجمعا عليه، والمطالبة بإحداث إصلاحات عامة تعزز الديموقراطية هو الخيار الذي لا يمكن أن يتُجاهل، فهذه الجوانب لاشك أنها سوف تدفع الأنظمة نحو إحداث إصلاحات حقيقية.

ليبيا المختار: من المعروف أن دعوات الإصلاح والتغيير متعددة، وأحد تلك الدعوات هو اقحام العامل الخارجي وخاصة أمريكا في قضية التغيير في ليبيا، فما هو موقفكم من ذلك؟

نحن ندرك أن العامل الخارجي له التأثير الكبير في هذه المرحلة التي اتسمت بأحادية التمحور التي سادت بعد سقوط المعسكر الشرقي، ولكننا ندرك أيضا أن دعوات الإصلاح المرفوعة من قبل أمريكا خاصة إنما هي دعوة من أجل تأمين المصالح الأمريكية على حساب الشعوب. لقد أيدت أمريكا الديكتاتوريات ودعمت الاستبداد يوم كان ذلك يصب في مصلحتها، واليوم وبعد أن وعت الشعوب وتغيرت الظروف رأت أمريكا أن سياسية البقاء على استقرار الوضع الحالي التي انتهجتها في السابق لم تعد صالحة، لذلك هي تغير سياساتها رافعة شعار الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي. نحن نؤكد على ضرورة أن تبقى عملية الإصلاح وطنية محضة وفق عقيدتنا وتراث شعبنا، ولا نرضى بأية حال أن نسمح للخارج الدخيل أن يفرض علينا أجندته للإصلاح.

ليبيا المختار: تناقلت العديد من المصادر خبر حوار دار بين الجماعة والنظام، فما هي صحة هذه المعلومات، وهل لذلك علاقة بمشروع الإصلاح؟

إننا ننتمي إلى فكر يؤمن بالدعوة والإصلاح السلمي نهجا للتغيير وعلى هذا فإن الحوار من أهم وسائلنا، ونحن نقر بمبدأ الحوار مع كل الليبيين بما فيهم النظام، والعبرة عندنا بمضمون الحوار ومآلاته، ولقد حاورنا مسؤولين في النظام الليبي من أجل المصلحة الوطنية العليا وليس من أجل مصالح تخص الجماعة وحدها.

إن الحوار عندنا مبدأ مستلهم من شريعتنا وسيرة نبيا عليه الصلاة والسلام وهو مبدأ أصيل شرعا وسياسة وعقلا. وعلى هذا الأساس نعتبر الحوار أحد أدوات العمل السياسي، وإنه لمن الخطأ والأسف أن يتم تخوين هذا المبدأ والملتزمين به. إننا نرجو من المخلصين من أبناء الوطن عدم الانشغال وإشغال الناس بجزئيات تعتبر من آليات العمل لكلٍ اجتهاده فيها. كما إننا نأمل تجنب الخلط في الأحكام على بعض الأمور كالخلط بين الحوار والمصالحة، وبين المطالبة بالإصلاح والتنازل.

وفي هذه المناسبة نؤكد على أن قرار الدخول في حوار مع النظام الليبي كان قراراً خاصا بجماعة الأخوان المسلمين في ليبيا تم اتخاذه داخل مؤسسات الجماعة الشورية وليس لأي تنظيم آخر علاقة بذلك، فالعلاقة مع التنظيمات الأخوانية الأخرى هي علاقة فكرية حيث أننا كلنا ننتمي لفكر جماعة الأخوان المسلمين التي أسسها الإمام البنا رحمه الله، ولا تزيد العلاقة عن مستوى التنسيق في المواقف التي تهم الأمة والاستفادة والتشاور .

ليبيا المختار: هل من كلمة أخيرة للقارئ ؟

نود التأكيد أن من حق أبناء وطننا علينا أن نتقدم إليهم بأفكارنا وتصوراتنا بينة وواضحة، وسنعمل قريبا بإذن الله وتوفيقه على الإجابة والتوضيح لكل الجوانب الأخرى التي يتساءل عنها ممن لهم علينا حق الأخوة في الدين والوطن. كما نؤكد أننا نرحب بكل نقد هادف أو تساؤل بنّاء حول تصورات الجماعة سواء في موضوع الإصلاح أو غيره. نسأل الله تعالى أن يوفق شعبنا للسير في مدارج الإصلاح الوطني الحقيقي الراشد الذي يجعل من ليبيا الحبيبة نموذجا واقعيا على الأرض، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر