خليل الله "إبراهيم" (عليه السلام)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خليل الله "إبراهيم" (عليه السلام)

15-01-2004

نسبه ونشأته

هو إبراهيم (إبراهام في التوراة) وأبوه "تارح بن ناحور"، وينتهي نسبه إلى "سام بن نوح"- عليه السلام- وهي سلالة من الأنبياء والصديقين، ويلتقي نسب أمه مع أبيه، فهي "ليوثا"، وينتهي نسبها إلى "سام بن نوح" أيضًا، وكنيته "أبو الضيفان"، ولقبه: الخليل.

وُلد ولأبيه من العُمُر خمس وسبعون سنة، وله أخوان "ناحور" و"هاران"، وهو أوسطهما.

ورد ذكر اسم أبيه في القرآن "آزر"، وكلمة (أب) عند العرب تطلق على الجد والعم، فلا يُستبعد أن يكون "آزر" عمًّا لـ"إبراهيم"، وربما كان هذا الاسم قد ورد من باب الذم، فمعناه بالعبرية "المخطئ" أو "المعوجّ"، فهو وصف له، وذكر "الثعلبي" أن اسمه "تارح"، وكان يعمل مع "النمرود" قيِّمًا على خزائن الآلهة، فسمَّاه "آزر" على اسم صنم كان لهم.

ومن الممكن أن يكون "آزر" بمعنى "القوي" أو "الناصر"، وهو الأنسب؛ لأن "إبراهيم"- عليه السلام- كان حريصًا على ألا يواجِه أباه بكلمات فيها تحقير أو عيب أو زجر، وكان مؤدبًا جدًّا معه، رغم كفره وغلظته مع "إبراهيم".

وقد ولد "إبراهيم" في عصر "النمرود" في بابل، وكان "النمرود" يعبد الأصنام، ثم دعا إلى عبادة نفسه، وأخبره كُهَّانه أنه سيولد غلام يكون تقويض ملكه على يديه، فأمر بذبح كل غلام يولد، ولما حملت أم "إبراهيم" به خشي عليها أباه، فانطلق بها إلى أرض بين الكوفة والبصرة ووضع عندها ما يصلحها، وأخذ يتعهَّدها حتى وضعت، ومن رحمة الله أن شبَّ "إبراهيم" بسرعة غريبة حتى أصبح بعد سنة كأنه ابن ثلاث سنين، فلم يخشَ أبوه أن يُظهره بين الناس.

من إرهاصات النبوة

وظهرت عليه الكرامة منذ مولده، وكان أحسن الناس وجهًا يلمع النور من جبهته، وقيل: خرَّت الأصنام منكّسةً على وجهها حين ولد، وخاطب أمه بعد أن خرج من السرب، قائلاً: من ربي؟ قالت له: أنا، قال لها: ومن ربك؟ قالت: أبوك، قال: ومن رب أبي؟ قالت: "النمرود"، قال: ومن رب "النمرود"؟ فلطمته، وأدركت أن هذا الولد هو الذي سيكون ذهاب ملك "النمرود" على يديه، ودل حواره مع أمه في سنه المبكرة على أن بصيرته مفتحة على الخير، وأن الله قد منحه عقلاً واسعًا لا يقتنع بما عليه الناس من أفكار ضالة.

وكان قومه أهل أوثان، وكان أبوه نجارًا، ينحت الأصنام ويبيعها، فكان يعجب أن يسوي الإنسان صنمًا بيديه ثم يسجد له!! فكان ينادي في صباه عندما يأمره والده ببيعها: من يشتري ما لا يضر ولا ينفع، فلقد أنار الله بصيرته، وهداه إلى الرشد.. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ (الأنبياء: 17).

موقفه مع أبيه

كان "إبراهيم" حزينًا لما كان عليه والده من ضلال، وكان يتمنَّى أن يأخذ بيده إلى طريق الرشاد الذي هداه الله إليه، فأخذ يناقشه ويحاول إقناعه بالحسنى وبأدب جمٍّ، ويلفت نظره إلى خطأ ما يفعله من عبادة أصنامٍ لا تنفع ولا تضرُّ، ويذكِّر نفسه بهذه العلاقة والعاطفة السامية التي تربطهما معًا.

بهذا اللُّطف في الخطاب يتوجَّه لأبيه ويسأله: كيف يوجه بالعبادة لما هو في مرتبة أقل من مرتبة الحيوان؟ لا يسمع ولا يبصر، ولا ينفع ولا يضر، والأصل في العبادة أن الإنسان يتوجه بها لمن هو أعلى منه وأعلم وأقوى: ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا﴾ (مريم:من الآية 42)، وهذا السؤالُ هو اللَّمسة الأولى، التي بدأ بها "إبراهيم" دعوته لأبيه، ثم أخذ يبرِّر له دعوته لترك هذه العبادة، رغم أنه أقل سنًّا وتجربة؛ لأن المدد العلوي والهدي الإلهي قد جاءه، فأخذ بيده للخير، وهو يرجو أن يتبعه أباه في هذا؛ ليصل إلى طريق الرشاد وطريق الرحمن، بدلاً من طريق الشيطان، فهو يخاف من أن يغضب الله عليه فيكون من أتباع الشيطان.

ولكن بالرغم من دعوة "إبراهيم" أباه بأحب الألفاظ وأرقِّها، فإنَّها لم تصل إلى ذلك القلب المشرك المظلم، فيرده مستنكرًا متهددًا، متوعدًا بإنهاء حياته- عليه السلام- ولكن "إبراهيم" قابَل قسوة أبيه باللين، وجهالته بالحلم، وكان ردُّه عليه ردًّا مهذَّبًا بارًّا.

قال له: إني لن أجادلك، أو أرد على تهديدك ووعيدك، بل سأدعو الله أن يغفر لك فلا يعاقبك، وأن يرحمك ويرزقك الهدى، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا* يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا* يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا* يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا* قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا* قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ (مريم: 42- 47).

ولم ينسَ "إبراهيم" لحظةً احترامَه لأبيه رغم كفره، واعتزل "إبراهيم" والده وقومه وما يعبدون من دون الله، فأنعم الله عليه وعوَّضه عن الأهل والديار، وجعله أبا الأنبياء.

فكان من نسله عدد كبير من الأنبياء، آخرهم هو خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا "محمد"- صلى الله عليه وسلم- وهو دعوة أبيه "إبراهيم": ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ (البقرة: من الآية 129).

صبره وطاعته (عليه السلام)

مضت الأحداث بسيدنا "إبراهيم"، فحطَّم الأصنام؛ ليعلم قومه أنها لا تنفع ولا تضر، وينبههم إلى ضلال ما هم فيه؛ فكان عقابه أن أُلقِيَ في النار، ولكنه لم يجزع، ولم تهتزّ ثقته في خالقه.

حين أشعلت النار وقُذف فيها، ضجَّت السماوات والأرض، وهتفت الملائكة ضارعةً إلى الله: ربنا ليس لنا في الأرض أحد يعبدك غير "إبراهيم"، وإنه الآن يُحرَق، فأذن لنا يا رب في نصرته، فقال الله جلَّ وعلا- وعينه ليست غافلة عن خليله وصفيه-: إن استعان بأحد منكم فليُغِثه، وإن لم يدعُ غيري فأنا وليُّه وناصرُه.

فجاء خازن الماء وملك الرياح كلاًّ منهما يسأله أن يخمِد له النار، فيأبَى، ثم يرفع رأسه للسماء، قائلاً: لا اله إلا أنت سبحانك، أنت رب العالمين، لك الحمد ولك الملك، لا شريك لك، حسبي الله ونعم الوكيل، واستقبله جبريل قبل أن يُقذف في النار، فقال له: ألك حاجة؟ قال "إبراهيم"- عليه السلام-: أما إليك فلا، قال جبريل: فاسأل ربك، فقال "إبراهيم": حسبي من سؤالي علمه بحالي.

إنها قمَّة التوكُّل والتفويض إلى الله تعالى، إنه الرضا بقضاء الله وقدره، فقال الله للنار: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ (الأنبياء: 69).

فبقي في النار سبعةَ أيام، لم يقدر أحد أن يقترب منها لشدة لهيبها، ثم جاءوه فوجدوه قائمًا يصلي لله تعالى.

زواجه (عليه السلام)

مكث "إبراهيم" في (حران) بالعراق ما شاء الله له أن يمكث، ثم رحل إلى مصر مع زوجته "سارة"، التي تزوَّجها بعد أن آمنت به، ومكثَ بها زمنًا، ثم رحل إلى فلسطين ومعه زوجته وجاريته المصرية "هاجر"، التي وجدت في ظل العقيدة الصحيحة ما كانت تتطلَّع إليه من أمن وهداية، وأقام "إبراهيم" في (وادي سبع)، وهو ما يُسمَّى "بئر سبع" الآن في جنوبي فلسطين.

عزَّ على "سارة" أن يبقى زوجها- عليه السلام- لا ولد له، يكون عضدًا له، ويؤازره في دعوته إلى الله، وهي العجوز العاقر، فوهبته جاريتها "هاجر"، وتفضَّل الله عليه بأن وهبه "إسماعيل" قُرَّة عين أبيه، ورضاء نفسه، ومثار أُنسه.

إلى أرض الله الحرام

ثم يأتي الابتلاء من الله أن يأمُره بأن يرحل بزوجه وطفله إلى مكة، وهي التي لا زرع فيها ولا ماء؛ صحراء قاحلة، لا حياةَ فيها؛ فهل يتردد في إجابة خالقه؟! لا والله.

رحل الخليل- الذي تعدَّى التسعين- بابنه الوحيد الرضيع وزوجته إلى هذه الصحراء، وتركهما دون أي سبب من أسباب النجاة، إلا التعلُّق برحمة الله تعالى.

﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ (إبراهيم: 37).

فيمنُّ الله عليهما، ويستجيب دعاء الخليل، ويفجِّر بئرَ (زمزم)، وتعمُرُ مكة، ويشبُّ الولد ليصبح ملءَ السمع والبصر، ويصبح سندًا لأبيه الشيخ، وسعد به "إبراهيم" سعادةً كبيرةً.

رؤيا خليل الله

ولكن أشد الناس بلاءً هم الأنبياء، وقد أراد الله أن يختبر "إبراهيم" اختبارًا آخر.. ولا عجب، فهو أبو الأنبياء، وهو قدوةٌ لهم وللمؤمنين في التأسي والصبر والاحتساب.

لقد كان الاختبار الجديد أشد مما مرَّ.. لقد رأى "إبراهيم" في نومه- ورؤى الأنبياء حق- أنه مأمور بذبح "إسماعيل" قربانًا لله، وتذكُر بعض الروايات أن "إبراهيم"- عليه السلام- قام من نومه مرتاعًا خائفًا، وحُقَّ له ذلك؛ أليس بشرًا، وقد جبل الله الناس على حب الأبناء؟!

وفي الليلة الثانية رأى نفس الرؤيا، فتروَّى وتريَّث، ثم رآها في الثالثة، فعرف أنه الحق، ولم يكن "إبراهيم" بالذي يعرِض عن أمر ربه، فاستجاب لأمره، ولبَّى نداءه طائعًا، وقصَّ على ابنه الأمر، فلم يكن أقل استجابةً وطاعةً لله من أبيه، بل تقبَّل أمر الله بالرضا والتسليم: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: 102).

حقًّا.. إنه البلاء المبين؛ وهل هناك أعظم من الابتلاء بذبح الابن؟!

ولم يكد يضع السكين على عنق ولده حتى نودي من السماء بالكفِّ: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ (الصافات: 104- 105).

ونزل الملك من السماء بكبش عظيم؛ فداءً لإسماعيل- عليه السلام- وذبح "إبراهيم" الكبش وسطَ فرحةٍ عظيمةٍ شملت الأب والابن والأم على السواء، وسجَدوا لله شكرًا على هذه النعمة العظيمة والمنَّة الكبيرة، وجعل الله هذا اليوم عيدًا للمسلمين إلى قيام الساعة.

وأخيرًا أيها الشباب

ما أعظم حياة نبي الله "إبراهيم"!! لقد كانت حياتُه سلسلةً من المحن والاختبارات، خاضَها بإيمان عميق، وصبرٍ جميلٍ، وعزمٍ قويٍّ، وفي كل تجربة من تجاربه تمتد يد القدرة الإلهية لتنقذه في اللحظة الحاسمة، فيكون إنقاذه معجزةً تُدهش العقول، وتَأخذ بالألباب، وتدفع البشر إلى الإيمان بقضاء الله وقدره.

إن حياتَه سلسلةٌ من الآداب والأخلاق السامية؛ برٌّ مع الآباء، ودعوةٌ بالحسنى، وتفكُّرٌ في خلق الله، وتقبُّلٌ لقضاء الله، وطاعةٌ لأمر الله، وغيرُ ذلك كثير؛ وكيف لا وهو خليل الرحمن؟! فمن تخلَّق بخلقه سار على درب رشاده إلى جنة الرحمن.

فتأملوا إخوتي حياته، وادرسوا سيرته، واستشعِروا ما مرَّ به من مِحَن، ولا تنسَوا أنه، وإن كان نبي، فإنه بشر، ولكنَّه خليل الله، فهو قدوه تحتذى وأسوة تتبع، فاقتدوابه.. تهتدوا.

المصدر