دولة هداية لا جباية .. الشيخ سعيد حوي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
دولة هداية لا جباية ..

بقلم:الشيخ سعيد حوي

الداعية سعيد حوى

... أخرج ابن سعد عن سفيان بن أبي العوجاء قال : قال عمر بن الخطاب - t - الله ما أدري خليفة أنا أم ملك ؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم .

قال قائل : يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقاً ؛ فإن الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق ، وأنت بحمد الله كذلك ، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا فسكت عمر .

... وقال عمر لسلمان : أملك أنا أم خليفة ؟

فقال له سلمان : إن أنت جبيت من أرض المسلمين ( أي أرض الدولة الإسلامية وإن كانت لذمة غير مسلم ) درهماً أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حق ، فأنت ملك غير خليفة .

... هذه هي الثمرة المقصودة ، أن رسول الله - r - قد شرع بأمر من الله للناس في شأن المال شريعة لا يمكن أن يوجد أعدل منها ، فلا يؤخذ من أحد مال إلا بعدل ، ولا يتملك إنسان ملكاً إلا بحق وعدل ، وقبل ذلك لم تكن في الأرض نظرية للتملك صالحة ولا عادلة ، ولا نظرية للجباية صالحة أو عادلة ، وكان شعار الحكومات قبل الإسلام : الجباية ، فأصبح شعار حكومة الإسلام : الهداية .

... يقول الدكتور الفرد ج . ميكر عن الحكم الروماني في مصر :

... " إن حكومة مصر ( الرومية ) لم يكن لها إلا غرض احد وهو أن تبتز الأموال من الرعية لتكون غنيمة للحاكمين ، ولم يساورها أن تجعل قصد الحكم توفير الرفاهية للرعية أو ترقية حال الناس والعلو بهم في الحياة ، أو تهذب نفوسهم ، أو إصلاح أمور أرزاقهم فكان الحكم على ذلك حكم الغرباء لا يعتمد إلا على القوة ولا يحس بشيء من العواطف على الشعب المحكوم .


... ويقول مؤلف إيران في عهد الساسانيين عن الوضع في إيران :

... " كان الجباة لا يتحرزون من الخيانة ، واغتصاب الأموال في تقدير الضرائب وجباية الأموال .

... إن ما قام به كسرى أنو شروان من إصلاح النظام المالي كان في مصلحة مالية المملكة أكثر منه في مصلحة الرعية .

فلم تزل العامة يعيشون في الجهل والضنك كما كانوا في السابق .

... كان الفلاحون في شقاء وبؤس عظيم ، وكانوا مرتبطين بأراضيهم ، وكانوا يستخدمون مجاناً ، ويكلفون كل عمل

. يقول المؤرخ : أميان مارسيلينوس : إن هؤلاء الفلاحين البؤساء كانوا يسيرون خلف الجيوش مشاة كأنه قد كتب عليهم الرق الدائم ، ولم يكونوا ينالون إعانة أو تشجيعاً من راتب أو أوجرة وكانت علاقة الفلاحين بالملاك أصحاب الأراضي كعلاقة العبيد بالسادة "(1) .

... أين هذا مما حدث ببركات رسول الله - r - مما نرى نماذجه هنا :

... أ – أوصى عمر بن الخطاب وصية لمن يلي أمر المسلمين بعده منها :

... " وأوصيه بأهل الأمصار خيراً فإنها ردء الإسلام ، وجباة الأموال ، وغيظ العدو ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم " . " وأوصيه بذمة الله وبذمة رسوله ، أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفهم إلا طاقتهم " .

... ب – وأخرج ابن زنجويه عن رجل من ثقيف قال : استعملني علي بن أبي طالب –t – على عكبرا فقال لي وأهل الأرض عندي : " إن أهل السواد قوم خدع فلا يخدعنك فاستوف ما عليهم " ثم قال لي : رح إلي فلما رجعت إليه قال لي : إنما قلت لك الذي قلت لأسمعهم ، لا تضربن رجلاً منهم بسوط في طلب درهم ، ولا تقمه قائماً ، ولا تأخذن منهم شاة ، ولا بقرة إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو أتدري ما العفو ؟ الطاقة .

... وفي رواية البيهقي " ولا تبيعن لهم رزقاً ولا كسوةً شتاءً ولا صيفاً ولا دابة يعتملون عليها ولا تقم رجلاً قائماً في طلب درهم قال :

... قلت : يا أمير المؤمنين إذاً أرجع إليك كما ذهبت من عندك .

... قال : وإن رجعت كما ذهبت ويحك إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو يعني الفضل .

... جـ - وأخرج أبو عبيد عن يزيد بن أبي مالك قال : كان المسلمون بالجابية وفيهم عمر بن الخطاب - t - فأتاه رجل من أهل الذمة يخبره أن الناس قد أسرعوا في عنبه فخرج عمر - t - حتى لقي رجلاً من أصحابه يحمل ترساً عليه عنب فقال عمر : وأنت أيضاً ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ! أصابتنا مجاعة فانصرف عمر - t- وأمر لصاحب الكرم بقيمة عنبه .

... د – وأخرج الحاكم عن إبراهيم بنعطاء عن أبيه أن زياداً أون ابن زياد بعث عمران بن حصين - t - ساعياً فجاء ولم يرجع معه درهم فقال له : أين المال ؟ قال : وللمال أرسلتني ؟ أخذناها كما كنا نأخذها على عهد رسول الله - r - ووضعناها في الموضع الذي كنا نضعها على عهد رسول الله - r - .

... هـ - وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عروة بن محمد :

... " أما بعد فإنك كتبت إلي تذكر أنك قدمت اليمن فوجدت على أهلها ضريبة من الخراج مضروبة ثابتة في أعناقهم كالجزية يؤدونها على كل حال إن أخصبوا أو أجدبوا ، أو حيوا أو ماتوا ، فسبحان الله رب العالمين ، ثم سبحان الله رب العالمين ، ثم سبحان الله رب العالمين إذا أتاك كتابي هذا فدع ما تنكره من الباطل إلى ما تعرفه من الحق ثم ائتنف ( أي خذ ) الحق فاعمل به ، بالغاً بي وبك ما بلغ وإن أحاط بمهج أنفسنا ، وإن لم ترفع إلي من جميع اليمن إلا حفنة من كتم فقد علم الله أني بها مسرور ، إذا كانت موافقة للحق والسلام " .

... و – وأخرج ابن عساكر والواقدي عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي : - رضي الله عنهما – قال : لما قدمنا مع عمر بن الخطاب - t - الجابية إذا هو بشيخ من أهل الذمة يستطعم ، فسأل عنه فقال : هذا رجل من أهل الذمة كبر وضعف فوضع عنه عمر - t - الجزية التي في رقبته وقال : كلفتموه الجزية حتى إذا ضعف تركتموه يستطعم ؟ فأجرى عليه من بيت المال عشرة دراهم وكان له عيال " .

... وفي رواية أبي عبيد وابن زنجويه والعقيلي عن عمر - t - أنه مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب المساجد فقال : ما أنصفناك كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه .

... ز – " وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال : أراد عمر - t - أن يأخذ دار العباس بن عبد المطلب - t- فيزيدها في المسجد فأبى العباس أن يعطيها إياه فقال عمر : لآخذنها قال : فاجعل بيني وبينك أُبي بن كعب - t - قال : نعم .

فأتيا أبيّاً فذكرا له فقال أُبي : أوحى الله إلى سليمان بن داود – عليهما الصلاة والسلام – أن يبني بيت المقدس وكانت أرضاً لرجل فاشترى منه الأرض فلما أعطاه الثمن قال : الذي أعطيتني خير أم الذي أخذت مني ؟

قال : بل الذي أخذت منك قال : فإني لا أجيز ثم اشتراها منه بشيء أكثر من ذلك فصنع الرجل مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً فاشترط عليه سليمان – عليه الصلاة والسلام – أني أبتاعها منك على حكمك فلا تسألني أيهما خير ؟

قال فاشتراها منه بحكمه فاحتكم اثني عشر ألف قنطاراً ذهباً فتعاظم ذلك سليمان أن يعطيه ، فأوحى الله إليه : إن كنت تعطيه من شيء هو لك فأنت أعلم وإن كنت تعطيه من رزقنا فأعطه حتى يرضى ففعل .

قال : وأنا أرى أن عباساً أحق بداره حتى يرضى قال العباس : فإذا قضيت لي فإني أجعلها صدقة للمسلمين .

... وفي رواية : فقال أُبي لعمر : ما أرى أن تخرجه من داره حتى ترضيه .

فقال له عمر : أرأيت قضاءك هذا في كتاب الله وجدته أم سنة من رسول الله - r - ؟

فقال أبي : بل سنة من رسول الله - r- فقال عمر : وما ذاك ؟

فقال : إني سمعت رسول الله - r - يقول : إن سليمان بن داود - r - لما بنى بيت المقدس جعل كلما بنى حائطاً أصبح منهدماً فأوحى الله إليه أن لا تبني في حق رجل حتى ترضيه فتركه عمر فوسعها العباس رضي الله عنهما – بعد ذلك في المسجد .

... وأخرج ابن جرير الطبري عن زياد بن جزء الزبيدي فقال : افتتحنا الإسكندرية في خلافة عمر - t - فذكر الحديث وفيه : ثم وقفنا ببلهيب وأقمنا ننظر كتاب عمر حتى جاءنا فقرأه علينا عمرو - t - وفيه :

... " أما بعد فإنه جاءني كتابك تذكر أن صاحب الإسكندرية عرض أن يعطيك الجزية على أن ترد عليه ما أصيب من سبايا أرضه ولعمري لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحب إلي من فيء يقسم ثم كأن لم يكن فاعرض على صاحب الإسكندرية أن يعطيك الجزية على أن تخيروا من في أيديكم من سبيهم بين الإسلام وبين دين قومهم ، فمن اختار منهم الإسلام فهو من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، ومن اختار دين قومه وضع عليه من الجزية ما يوضع على أهل دينه ، فأما من تفرق من سبيلهم بأرض العرب فبلغ مكة والمدينة واليمن فإنا لا نقدر على ردهم ، ولا نحب أن نصالحه على أمر لا نفي له به .

... قال : فبعث عمرو إلى صاحب الإسكندرية يعلمه الذي كتب به أمير المؤمنين قال : فقال : قد فعلت .

قال : فجمعنا ما في أيدينا من السبايا واجتمعت النصارى فجعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا ثم نخيره بين الإسلام والنصرانية ، فإذا اختار الإسلام كبرنا تكبيرة هي أشد من تكبيرنا حين نفتح القرية قال : ثم نحوزه إلينا وإذا اختار النصارنية نخرت النصارى ثم حازوه إليهم ووضعنا عليهم الجزية وجزعنا من ذلك جزعاً شديداً ، حتى كأنه رجل خرج منا إليهم قال : فكان ذلك الدأب حتى فرغنا منهم وقد أتى فيمن أتينا به بأبي مريم عبد الله بن عبد الرحمن قال القاسم : وقد أدركته وهو عريف بني زبيد قال : فوقفناه فعرضنا عليه الإسلام والنصرانية وأبوه وأمه وإخوته في النصارى فاختار الإسلام فحزناه إلينا ووثب عليه أبوه وأمه يجاذبوننا حتى شققوا عليه ثيابه ثم هو اليوم عريفاً كما ترى فذكر الحديث .

... إن نقل الدولة من دولة جباية ظالمة ، إلى دولة هداية كاملة ، مع مبادئ في التملك والحقوق في الملك لا مثيل لها في تاريخ العالم ، ثمرة من ثمار محمد رسول الله - r - فرسم طريق التملك العادل الذي ليس فيه ظلم ولا حيف ولا حرام ، والحقوق في هذا الملك للفقراء والمساكين والغارمين ... بحيث تقوم قضايا المال على العدل الذي لا باطل معه .

ثمرة من ثمار النبوة ؟

إن محمداً رسول الله لا شك في ذلك ولا ريب .

الهوامش

(1) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين .

الرجوع الى فهرس براهين سعيد حوى

المصدر