دين ودنيا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٢:٣٣، ١٧ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
دين ودنيا


بقلم / الأستاذ صالح عشماوي

الأستاذ صالح عشماوي

في هذا الأسبوع احتفل المسلمون بذكرى غزوة بدر الكبرى، وكم في هذه الغزوة من عظات وعبر، ولكن أبرز هذه العبر في عامنا هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل ثلاثة عشر عامًا في مكة يذكر بالقرآن من يخاف وعيد ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فما آمن له إلا قليل من أصحاب النفوس النقية والعقول الزكية، حتى جاءت غزوة بدر، وتكلم المؤمنون بسيوفهم في رقاب الأعداء كلامًا بليغًا يفهمه الأذكياء والأغبياء وأدرك معناه أصحاب النفوس الزكية والقلوب النقية كما أدركه المغرضون وأصحاب القلوب المظلمة على السواء.

وقد ظلت مصر تطالب بحقها في الحرية التامة والاستقلال الكامل منذ نكبت بالاستعمار البريطاني فلم نظفر بعد سبعين عامًا بأكثر من وعود مزيفة بالجلاء! ولم يفهم الإنجليز حجتنا الواضحة في حقنا في السيادة على كل شبر من أراضينا سواء أكان في قناة السويس أو في أسوان، ويوم يتكلم المصريون في القناة باللغة التي تكلم بها المسلمون في بدر، فسيفهم المحافظون والعمال، وسيدرك الاستعماري المتغطرس "تشرشل" كما أدرك لورد ستانسجيت والمستر بيفان، أن الجلاء الناجز بغير قيد ولا شرط، حقنا لا نساوم عليه، ولكن نفتديه بالدماء.

أما العبرة الثانية التي أذكر بها خريجي مدرسة الاستعمار من الحكام والسياسيين السابقين فهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم الناس أمور دينهم، كما كان يرأس حكومتهم، وكان يؤم صفوفهم في الصلاة، كما كان يقود كتائبهم في القتال، فهو إذن إمامهم الديني، وزعيمهم السياسي، ورئيس حكومتهم والقائد العام لقواتهم المسلحة.

هذه المعاني الواضحة في الإسلام اندرست أو كادت، وقد ظل الإخوان المسلمون منذ ربع قرن يذيعونها في الناس، ويشرحونها في الناس، ويشرحونها للمسلمين ويجمعونهم عليها، وقد بدأت دعوتهم – بفضل الله وتأييده – تؤتي ثمارها.

ففي يوم الجمعة الماضي سافر البكباشي حسين الشافعي عضو مجلس قيادة الثورة إلى طنطا، وتوجه إلى الجامع الأحمدي، فلما أذن المؤذن أدى صلاة السنة ثم اعتلى المنبر وألقى خطبة الجمعة، وقد جاء فيها عبارات رائعة استوقفت نظرنا، قال البكباشي الشافعي: هل نسيتم قول الله في أمتكم "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، لقد وجدناكم على حال غير هذه الحال، وجدناكم أمة حائرة بين حاكم ضال وعالم منطو، ولم يغب عنا السبب في ذلك، إنه الاستعمار قاتله الله عمل على فصل القوة المعنوية عن القوة المادية فعزل الجامع الأزهر عن حياتنا العامة، وأقام وصاية على التعليم حتى ينشأ جيل من الناس يفكر بطريقة تتمشى مع سياسة المستعمر، ويكون هؤلاء حكام البلاد وهم لا يعرفون كثيرًا من أمر دينهم، حتى أن بعضهم رأى في الدين تأخرًا، كما صور له الاستعمار وأفهمه أن في تعاليم القرآن رجعية لا تتمشى مع التقدم العلمي، فانكمش العلماء وطغى الحكام السابقون وبذلك أصبح الحكام لا يعبدون الله والعلماء لا حول لهم ولا قوة" ثم استطرد قائلا:

"هكذا كنا، فنهضنا من نومنا مذعورين، وانبعثنا لنتدبر أمرنا فنسعى لنعود أنفسنا على الأوضاع الصحيحة التي تضمن انسجام القوتين الروحية والمادية".

ثم تحدث عن تشرشل "الذي استبد به الفزع عندما رأى تقارب قوى الشعب الروحية والمادية، وسمع عن الضابط يعتلي المنبر، والعالم يطلق المدفع ويجيد العمل بالخنجر، والفدائيين ينفرون بعد صلاة الفجر إلى المعسكر" وانتهى البكباشي الشافعي إلى قوله: آن الأوان أن نعلم جيدًا أن ديننا إيمان وقوة، وأن تاريخنا فتح وحضارة، وأن حربنا جهاد وشهادة، وأن شرعنا دين ودنيا".

وليس هناك شيء أدعى إلى سرورنا من سماع هذا الكلام من أحد قواد الثورة، فهو يدل على إيمان عميق وفهم دقيق للإسلام، ولعله ينسخ كل كلام قبله عن الإمامة السياسية والإمامة الدينية، فإذا صح هذا في الغرب، وإذا قام هذا النزاع بين البابا والإمبراطور، فإن الإسلام لا يعرف هذه التفرقة، ولا يقر إلا إمامة واحدة للدين والدولة.

وأن ما يردده البكباشي حسين الشافعي من أن "ديننا إيمان وقوة، وشرعنا دين ودولة" لهو نفس ما قاله الإمام الشهيد حسن البنا في خطبه ورسائله من أن "الإسلام مصحف وسيف، دين ودولة" إذن فقد التقينا على فهم صحيح للإسلام، وعلينا أن نسير معًا جنبًا إلى جنب، لنعمل متعاونين متكاتفين لتطبيق هذا الفهم السليم للإسلام الحنيف "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله".


المصدر : مجلة الدعوة – العدد (120) – 20رمضان 1372هـ / 2يونيه 1953م.