د. سيف الدين عبدالفتاح يكتب:عجائب ومهازل الاتهامات فى زمن الانقلابات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. سيف الدين عبدالفتاح يكتب:عجائب ومهازل الاتهامات فى زمن الانقلابات


(8/24 / 2015)

د. سيف الدين عبدالفتاح

تمارس المنظومة الانقلابية أقصى درجات استخافافها حينما تقوم بإلقاء اتهامات لمخالفيها وتلفيقها بناء على ما أسموه تحريات للأمن الوطنى ثم يلقى بعض الكلام المرسل على عواهنه لتقام القضايا وتشرع فى محاكمات انتقائية وانتقامية.

ومن عجيب أن ترى المحاكم هنا وهناك تعقد جلساتها ويقوم القاضى بفض أحرازها المفتعلة وربما المعدومة، ورغم يواصل القاضى الجلسات ويواليها بالتأجيلات، وإمعانًا فى ذلك لاصطناع شكل قضية أو محاكمة، فإنه يستمع لشهادة شهود مفترضين وتحت الطلب ليكونوا بزورهم وتزويرهم شهود زور يلقون بالروايات الخائبة والفاشلة التي تحركها تهويمات لا تحريات ومن غير أى سند يذكر ليؤكد المحامون وحتى المبتدئين منهم أنه لا أساس لاتهام ولا تتوافر فى الأمر أى شبهة لقضية مكتملة الأركان أو محبوكة البنيان، يتحرك هؤلاء فى ذلك المشهد وكأنهم يواصلون عملا أقرب ما يكونون لتمثيل الأدوار وتشييد المسرحيات والهزليات.

يزين هؤلاء باطلهم ويقيمون القضايا والمحاكمات وهى مسائل أقرب ما تكون من الهزل الواضح والخروج على كل قواعد المقبول والمعقول، وها هو جهاز النيابة العامة يقوم بخطب ركيكة فى هذا المقام لا تمت لأساليب للغة عربية ينطقون مفراداتها خلوًا من أى معنى حقيقى هو أقرب ما يكون إلى فائض الكلام ولا يجيدون النطق بأى أشكال أو تشكيلات العربية يعبرون فى عملهم هذا عن تلميذ بليد لا يقيم لقواعد العربية وزنًا يستخف بمفراداتها وقواعدها.

لما لا وهو يستخف بأى قاعدة قانونية ولا يقيم اعتبارًا لأى من إجراءات التقاضى وحقوق المتهم ليضم إلى بلادته فى اللغة والأساليب والمعانى بلادة أخرى قانونية تنبىء عن القيام بأدوار سخيفة فى هزلية دنيئة تجعل القاصي والداني وكأنه أمام مسرح اللامعقول وحالة من هزلية المشاهد والشهود يمكن تسميتها وبكل اطمئنان هزليات التخابر التى تنعقد على غير أساس من قانون أو قضاء.

والأخطر فى عملية الاستخفاف فى مثل هذه القضايا محتوى هذه القضايا، وعناوينها فتارة هذه قضية للتخابر مع حماس وأخرى للتخابر مع قطر، وها هو أحد قيادات الإخوان يُتهم بتهمة التخابر مع النرويج أى والله "النرويج" لتعبر عن فصل من فصول الهزلية الفاضحة، فهل يعقل أن علاقات رئيس جمهورية مدنى منتخب ببعض الكيانات أو الدول أن يترجم ذلك وبتلقائية إلى تهم تخابر.

وهل يُعقل كذلك أن يكون لقاء بعض المصريين بشخصيات أجنبية تحت بصر وسمع كافة الأجهزة أن يُسمى ذلك تخابرًا، وكيف أن تهمة التخابر على هذا النحو صارت مدخلًا لممارسة الهزل فى أسخف صوره، وسنرى فى قابل الأيام اتهامات أخرى بالتخابر لشخصيات وطنية شتى، ستلفق الاتهامات والقضايا وستصفى الحسابات وسينعت هؤلاء بالخونة والعمالة لدولة أجنبية، ما هذا الهراء بالله عليكم.

وها هى الشروق تورد على صفحاتها خبرًا عجيبًا تكتمل بها عجائب وغرائب هزليات ما يسمى بالتخابر، فبحسب معلومات «الشروق» فإن قضايا ستشمل أسماء عدد من النشطاء الشباب الذين يتم توقيفهم بصورة متتالية دون الحصول على إذن مسبق من النيابة – وهى العمليات التى يشير إليها الشباب من المعنيين بالشأن العام بأنها «عمليات اختطاف»، وتشير إليها المنظمات الحقوقية بأنها «اختفاء قسرى» وكذلك عدد من «الشخصيات ذات الباع الطويل فى مجال العمل الحقوقى العام وبعضهم يزيد عمره على الستين عاما».

كما ستشمل القضايا عددا غير قليل من المنظمات التى تتلقى ما تصفه التقارير الأمنية بأنها «أموال أجنبية مقابل بث معلومات عن الوضع فى مصر بغرض إثارة البلبلة». وبحسب تقارير الأجهزة الأمنية الداعية إلى تحريك قضايا تخابر، فإنه يجب وضع حد لتحركات هذه المنظمات كخطوة أولى يمكن أن تشمل فيما بعد القبض على صحفيين لهم تواصل مع السفارات الأجنبية ويشاركون فى موتمرات تعقد فى عدد من البلدان التى تناهض نظام الحكم فى القاهرة.

هذا عن التبشير الخطير لإرهاب الجميع المعارض والحقوقى ومنظمات المجتمع المدني، ووضعهم تحت مقصلة اتهام هزلى وترويعى بالتخابر، والتى قد تصل عقوباتها إلى الإعدام.. أى هزل هذا فى مواضع الجد، وأى استخفاف هذا بالعقول وبالنفوس.

وها هى ذات الجريدة «الشروق»، وفى نفس الخبر تخرج من تلويح الاتهامات بالتخابر إلى الموقف السياسى والذى هو بيت القصيد فى محاولة شرعنة النظام الانقلابى "أن رئاسة الجمهورية تلقت تقارير تطالب بالتمهل فى تحريك أى قضايا تخابر ضد شخصيات عامة أو عاملين فى الدولة أو حتى ضد منظمات حقوقية فى الوقت الراهن مع ضرورة تكثيف التواصل مع الرأى العام العالمى من خلال وجوه جديدة يكون لديها مصداقية أكثر من تلك الشخصيات التى سعت خلال العام الماضى وبنجاح محدود لتبييض صورة النظام.

ويقول أحد مصادر «الشروق» الحكومية: "أظن أننا سنشهد تغييرًا فى أسماء الوفود الشعبية التى تجوب عواصم غربية مع أو بدون الرئيس لشرح وجهة النظر المصرية (الداعمة للرئيس) إزاء الوضع فى مصر" وبحسب مصدر رفيع المستوى، فإن الرئاسة ستبحث الملف فى ضوء الاعتبارات الأمنية، إلى جانب رأى مستشارة الرئيس للأمن القومى فايزة أبو النجا ومشاوراتها مع الأجهزة والشخصيات المعنية فى هذا الصدد، قبل اتخاذ قرارها بشأن الأسلوب الأمثل للتعامل مع الملف.

قل لى بالله عليك ما هذه الصحف ذات الصبغة الأمنية، والتى تقع فى قلب الإعلام الأمنجى لتكتب خبرًا بهذه الطريقة، وفى إطار سياسات الترويع بالاتهام بالتخابر والعمالة لدول أجنبية.

ثم تختتم الصحيفة الأمنجية خبرها الزاعق الفاضح والمفضوح "وتقول المصادر الدبلوماسية الغربية فى القاهرة إن هناك إدراكا متزايدا أنه من غير المجدى الافتراض بأن نظام الحكم فى مصر معنى كثيرا بلمف الحريات وأن الحل الأمثل هو تقديم الدعم الاقتصادى المقرون بمطالب بتحسين ولو نسبى فى أوضاع الحريات فى مصر".

إنها الرسالة التى يريد هؤلاء أن تصل لكل من يعارض، سنستمر فى الانتهاكات، معارضتكم لا أثر لها، الغرب معنا ويساعدنا، إثارة كل ما يتعلق بحقوق الإنسان لا طائل من ورائه ولا وزن له، معارضتكم فى النهاية تورطكم فى اتهام بالتخابر ينتظركم..

فهل وصلت الرسالة من نظام استبدادى فاشى عسكرى قمعى أمنى يسوغ بطشه وطغيانه ويلوح لمعارضيه تهمة التخابر تنتظركم؟!

غاية القول فى هذا المقام.. أضحت تهمة التخابر مع جهات أجنبية في مصر تهمة من لا تهمة له كما تقول "عربى 21" فى تقريرها المهم، وفقدت التهمة التي من المفترض أن تنتهي بصاحبها إلى حبل المشنقة رونقها؛ بعد أن بدأت السلطات المصرية بإلصاقها بأي معتقل، إذ يكفي أن يكون أجرى اتصالا دوليا أو غادر في زيارة رسمية ليحمل صفة "متخابر".

ويذكر مشهد توجيه تهمة التخابر للمعتقلين - ومنهم الدكتور محمد علي بشر - بمشهد الممثل المصري عادل إمام في مسرحية "شاهد ماشفش حاجة" حين دفع فاتورة الهاتف "علما إنو معندوش تلفون"، فبحسب مراقبين، سيدفع المتهمون بالتخابر ثمن اتصال لم يجروه وتآمر على مصالح الدولة لم يكونوا طرفًا فيه.

والأمر المؤكد أن التهمة صارت من الخفة والاستخفاف بمكان فبعد أن كانت هذه التهمة تشير إلى التجسس لحساب إسرائيل وتغنت المسلسلات ببطولة أحهزة المخابرات، صارت الاتهامات تصفية حسابات واستهانة حتى بمعنى الاتهام والأحراز بما تقدمه من سند للاتهام.

ومن فرط هزلية الاتهام بالتخابر ما تندر به البعض من أن وزارة الداخلية المصرية أصدرت بيانًا قالت فيه إنها ألقت القبض على مواطنين مصريين بحوزتهما شهادات تخابر مع "حماس" صادرة من إدارة "متخابرون مع حماس"، علمًا أنها حملة ساخرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد توجيه تهمة التخابر مع حماس للرئيس المدنى المنتخب والمختطف محمد مرسي.

وفى تحليل دقيق وإشارات مهمة للناشط الحقوقي المصري، ومدير مركز "ضحايا لحقوق الإنسان"، هيثم أبو خليل قال لـ"عربي21" إن تهمًا مثل التخابر والتحريض على العنف هي تهم معلبة وجاهزة يرسلها جزافا "المتخابرون الحقيقيون"، إن أصحاب التهمة هم "الذين يقتلون في سيناء من أجل إسرائيل، ويعملون لمصالح إقليمية خليجية، ويخربون الزراعة المصرية لصالح مزارع القمح الأمريكي، ويغضون الطرف عن سد النهضة بإثيوبيا".

وتهدف تهمة التخابر بحسب أبو خليل إلى خلق حالة من التشويه بحق المتهم، ومخاطبة اللاوعي عن المغيبين من الشعب المصري، ولتخويف الشعب ليقبل بالحكم العسكري، مشيرا إلى أن ما يجري في مصر مسرحية هزلية ينتحر فيها المنطق وتلعب أدوارها الأجهزة المخابراتية الكرتونية، على حد تعبيره.

ولم يستغرب الناشط الحقوقي دخول النرويج إلى مجموعة الجهات الأجنبية (حماس، وحزب الله، وإيران، وقطر، وتركيا)، لافتا إلى أن الأجهزة الأمنية في عهد مبارك وجهت تهمة التخابر مع الشيشان وأفغانستان لبعض المعتقلين.

يتساند مع ذلك كلام شديد المنطقية أورده الكاتب والمفكر فهمي هويدي إنه في الوقت الذي اتهمت السلطات المصرية الرئيس الأسبق محمد مرسي بالتخابر مع حركة حماس، كتبت الصحف لاحقا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي - كان برتبة فريق وقتها - أجرى 17 اتصالًا هاتفيًا مع وزير الدفاع الأمريكي قبل الإطاحة بمرسي.

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" تصريحات لرئيس المخابرات المصرية اللواء محمد التهامي قال فيها إنه على اتصال دائم برئيس المخابرات المركزية الأمريكية. وتابع هويدي في مقاله المنشور في صحيفة الشروق في نوفمبر 2013 أنه "لا شك في أن ذلك المستوى من التخابر يدخل في نطاق المهام الوظيفية لكل منهم، ولكن الحسابات السياسية جعلت من تخابر الدكتور مرسى تهمة، وتخابر الآخرين من مقتضيات تحقيق المصلحة الوطنية العامة".

بناء على كل ما تقدم وهزليات الاتهام بالتخابر، فإنني أتهم رأس النظام الانقلابى "عبد الفتاح السيسى" بأنه تخابر وبشكل متكرر وبعمل متعمد بالتخابر مع الولايات المتحدة وروسيا والإمارات ولدينا من الأسانيد ما تفوق أحرازهم الساخرة والمسخرة.. إنها عجائب ومهازل الاتهامات فى زمن الانقلابات.

المصدر