رواد الإصلاح والتغيير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رواد الإصلاح والتغيير في العصر الحديث (الكتاب الثالث)

حسني أدهم جرار

الشيخ/ عبد اللطيف أبو قورة

الأستاذ/ محمد عبد الرحمن خليفة

المهندس/ أحمد قطيش الأزايدة


تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما تدلهم الأجواء، وتتراكم الفتن كقطع الليل المظلم ويرفع الواحد يده فلا يكد يراها، ويصبح الحليم حيرانا، وتغيب معالم الطريق، وتكثر الأوهام، فلابد أن يهرع العامة إلى الرواد أولئك النجوم الذين عاهدوا الله على الثبات على الحق ووقفوا على مفارق الطرق وأيديهم تقبض على المصباح لإنارة الدروب وهداية السالكين إلى الجادة وقد استنارت قلوبهم بهدى الله وقوله: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا اتَّبعنيِِ﴾ ويحدرون الضالين بوضوح صارخين: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ .

لقد اختار مركز الأمة للدراسات أن يتعاهد الأجيال الباحثين عن الطريق المستقيم بتقديم جهده للعناية بالمنارات التي اختارها الله عز وجل على مار السنوات وتعاقب الأزمان، من أجل بيان الطريق وإلقاء الضوء على المفارق الصعبة التي تتيه عندها مواكب المسافرين.

لقد وقع الاختيار في هذا الكتاب على ثلاث شخصيات عظيمة ممن ينطبق عليهم وصف الريادة، وتركوا بصمات واضحة على طريق الإصلاح والتغيير، وأولهم الشيخ المجاهد عبد اللطيف أبو قورة، تلك الشخصية الأردنية الفذة التي كانت تتمتع ببعد النظر وبالغ الحكمة وعميق الوعي في النصف الأول من القرن العشرين الذي استفاقت الأمة فيه على غياب سلطة المسلمين العامة التي كانت تلم شعوبهم وأقطارهم في دولة وإمارة واحدة لمدة خمسة قرون.

فأصبحوا دولا وشعوبًا كثيرة متعددة تزيد على الخمسين وفي الوقت نفسه برزت معالم نشوء مشروع صهيوني غربي صليبي في قلب العالم الإسلامي ليقود عملية تفريق أمة الإسلام وإضعافها وقيادة عملية تضليل كبرى للأجيال الجديد فهرع للبحث عن الفكرة المستنيرة الكفيلة بوضع الشباب على جادة استئناف دورها الحضاري فسارع للاتصال بالأمان البنا الذي ظهرت دعوته المدوية في مصر فكان الأول الذي رعى تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في الأردن متفرعة عن أصلها في مصر، مع كوكبة من رجالات الأردن الأوائل الذين استأثروا بهذا الفضل الكبير والمجد الأثيل ليسجل التاريخ أن عبد اللطيف أبو قورة أول مراقب عام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن.

أما الشخصية الثانية فهي الشيخ محمد عبد الرحمن خليفة المنحدر من إحدى عشائر البلقاء الأصيلة الذي تسلم الراية من سلفه أبو قورة وأخذا الكتاب بقوة، ليقود عملية بناء الجماعة بشكل مؤسسي ويأخذ على عاتقه نشر الدعوة في جميع ربوع المملكة الأردنية الناشئة لتواكب نشوء الدولة الحديثة بهدوء وروية وثبات والتقدم خطوة خطوة وسط العواصف الهوجاء التي مرت بها الدولة لمدة تصل إلى أربعين عامًا،

حتى أصبحت قوة كبيرة وحالة وطنية راسخة، ورقمًا صعبًا في الحياة الأردنية وعلى جميع الصعيد السياسية والاجتماعية والتعليمية والصحية وأصبحت جماعة منظمة من الطراز الأول تملأ السمع والبصر، وتحظى باحترام الشعب الأردني بكل فئاته، وجميع قواه السياسية وأصبحت نموذجًا سياسيًا متميزًا، يستحق التوقف والدراسة والبحث وأخذ العبرة، وأصبح الإخوان المسلمون في الأردن مدرسة، تهتدي بهديها الحركات الإسلامية في كل الأقطار.

أما الشخصية الثالثة فهو المهندس القائد أحمد قطيش الأزايدة، أحد أبناء مدينة مأدبا الأردنية العريقة التي تميز بفهم جماعة الإخوان المسلمين فكرًا ومنهجًا راسخًا واضحًا، يستلهم سيرة المؤسس حسن البنا في بعد النظر ودقة التعامل مع الحدث وحسن ترجمة الأفكار والأقوال والشعارات إلى برامج وخطوات عملية تطبيقية في ميدان الحياة.

أحمد قطيش استطاع من خلال ترؤسه لبلدية مأدبا أن يكون النموذج العملي لخدمة الناس والسهر على مصالحهم من خلال إطار فكري إخواني مثالي فنجح أيما نجاح، وأصبح قائدا للمجتمع المحلي، يحظى بثقة الجمهور من أصدقاء وأعداء، وحاز على إعجاب الخصوم وضرب مثلا رائعا بالعدالة والنزاهة والاستقامة فخدم الجماعة وفكرها من خلال تجربته العملية.

ولكن تجربة أحمد قطيش الناضجة كانت من خلال قيادته لكتلة الحركة الإسلامية في مجلي النواب الحادي عشر لعام 1989 م التي سجلت حضورًا منقطع النظير، فحاز رحمه الله على إعجاب المجلس كما حاز على إعجاب الجهات الشعبية والرسمية واحترام أعلى مستويات القرار في الأردن، فأصبح الشخصية الإخوانية الأردنية التي تجمع بين سلامة الفكرة وحسن العمل والقدرة الصالحة والشخصية القيادية التي تحظى بالقبول والاحترام والتقدير.

إن هذا الكتاب يأتي من باب رد الجميل أولا لهذه الشخصيات الثلاثة التي كان لها دور كبير وواضح في صياغة تجربة الحركة الإسلامية الحديثة في المشاركة في بناء الدولة الأردنية الحديثة، كما يأتي في سياق تقديم خدمة كبيرة وجليلة للأجيال الباحثة عن الحكمة في سياق العمل والدعوة والمشاركة والبناء ليلقى بعض الضوء على كيفية تحويل الأفكار العظيمة إلى أعمال وبرامج وثقافة عملية وترسيخ اتجاهات اجتماعية وتجارب ميدانية في خدمة الجماهير والتقدم بها نحو حياة فضلى، فكرا وثقافة وسياسة وتعاونا وتسامحًا وتراحمًا، تستلهم روح الإسلام بهدوء وروية وقبول.

إن هذه الشخصيات تستحق منا ما هو أكثر من ذلك من توثيق لتجاربهم العملية الفذة التي أصبحت ملكا للأمة وحقا للأجيال ونطلقها دعوة لكل الباحثين والدارسين أن يخدموا أمتهم من خلال تسطير حياة أولئك النفر من الأمة الذين خطوا طريقهم في الإصلاح والتغيير في مجتمعاتهم وخاضوا ناجحة ومثمرة، وأن يغنوها بالبحث والتحليل والدراسات المعمقة.

وأسأل الله عز وجل أن يجزل الثواب والأجر للكتاب الأستاذ حسني جرار الذي بادر في توثيق سيرة هؤلاء النفر الأفذاذ ونسأل الله عز وجل أن يمد في عمره وأن يمده بالقوة والعزيمة من أجل الاستمرار في خدمة دينه وأمته وخدمة الأجيال القادمة في هذه التجربة المميزة.

ونسأله تعالى أن يحفظ دعوتنا ويسدد قادتنا لإعلاء كلمة الله في الأرض إنه على ما يشاء قدير والحمد لله رب العالمين.

مدير مركز الأمة للدراسات والأبحاث
د. رحيل غرايبة

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الدعاة ورائد المصلحين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن الإصلاح مهمة الرسل والأنبياء وأبتاعهم على مدار التاريخ والأيام، في كل عصر وفي كل مكان وشعارهم الدائم المعبر عن جوهر رسالتهم ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88]

والإصلاح عملية دائبة مستمرة في التطوير والتجديد والتغيير الإيجابي تستغرق جهود كل المخلصين من أجل إنقاذ الأجيال وحماية الأوطان عملية تنطلق بقوة وعزيمة نحو الوحدة والقوة والبناء متسلحة بالإيمان بالله وبشريعة الإسلام ومستنيرة بهدي النبوة، ومستوعبة لواقع الأمة الخاص والعام والإصلاح لابد أن يكون شاملا، أساسه بناء الإنسان، الفرد والأسرة والأمة ومفتاحه تغيير الأنس فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وقد تتابع على تجديدي دعوة الإسلام وإحياء سننه وإنهاض أمته، والدعاة المصلحون في كل عصر، يصدعون بأمر الله ويأخذون بحجز الأمة عن التردي في مهاوي الضياع، والسقوط والانحلال والهلاك ويبثون في العقول والقلوب من نور الإيمان وحقيقة الإسلام وما يصرف عن التقليد والتواكل والعجز والكسل ويدفع إلى الاجتهاد والتجديد وإثراء الفكر وعمارة الأرض والتحرر من كل أنواع القهر..

ولابد من إبراز هذه الحقيقة من واقع سيرة وتاريخ أولئك الدعوة المصلحين وهذا مما يعين أهل الحاضر والمستقبل على تدبر عبر الماضي ودروسه ففي دروس الماضي ما يعين على التعرف على سنن الله ونواميسه في حياة المجتمعات والدعوات كما يعين على تجنب مزالق الغرور واليأس وعلى رؤية التاريخ متواصل الحلقات مترابط العلاقات.

وشهد التاريخ لهؤلاء القادة والدعاة الذين ملأوا الأرض كفاحًا وبذلا وعطاء، وكانوا صمام الأمان للإسلام يردون عنه كيد الكائدين ومغالاة الغالين وأكاذيب المبطلين والمضلين فكانوا بحق حماة للدين وحراسًا للعقيدة.

والمصلح ليس له مقياس خاص فقد يكون المصلح عالما مجددًا، أو أديبا مريبًا، أو قائدا مجاهدا، أو زعيما سياسيا واجتماعيًا، ولكن أجد المصلحين الاقتداء هم الذين يبنون الأمم، وينشئون الأجيال ويغيرون مجرى التاريخ.

وفي العصر الحديث قيض الله تعالى لأمتنا دعوة مصلحين، شدوها إلى الإسلام وعملوا على إعادتها إلى طريق الحق وكشفوا النقاب عن وجهها المشرق وانطلقوا بها من جديد يوحدون كلمتها ويجمعون شتاتها ويرفعون رايتها.

وإن من حق هؤلاء الدعاة الذين اعتمدوا الإصلاح الفكري والدعوي، والتربوي، والتزموا الشورى، والقيادة الجماعية والاعتدال وغرسوا بذور الصحوة الإسلامية الراشدة، من حقهم ومن الوفاء لهم أن نذكرهم وأن نكشف عن جوهر فكرهم ومسيرة حياتهم، ومجالات نشاطهم في الإصلاح ليقتدي بهم الشباب، وتتربى على نهجهم الأجيال فهم مشاعل متقدة على طريق الصحوة، ومصابيح مضيئة تبعث في النفوس الأمل.

هؤلاء الدعاة استمدوا نشاطهم من المنهج الإسلامي الفكري والتربوي والإصلاحي هذا المنهج الذي اعتمد الإصلاح الشامل، أساس لبناء الإنسان كل الإنسان الفرد والأسرة والأمة وأقاموا المؤسسات التي تربي روح الإنسان بالعبادة والسمو وقلبه بالإيمان واليقين وعقله بالعمل والثقافة، ونفسه بالتركية والتقوى، وجسمه بالقوة، والنظافة وتعلي شأنه بالإعداد والجهاد.

هؤلاء الرواد كثيرون والحمد لله وفي مقدمتهم الإمام حسن البنا والإمام عبد الحميد بن باديس، والإمام أبو الأعلى المودودي، والشيخ عمر المختار والشيخ عز الدين القسام، واليخ أمجد الزهاوي، والشيخ أحمد ياسين والشيخ محمد محمود الصواف والأستاذ حسن الهضيبي، والأستاذ سيد قطب، والدكتور مصطفى السباعي والدكتور عبد الله عزام، والشيخ عبد الله المطوع، والشيخ سعيد النورسي، والشيخ عبد اللطيف أبو قورة، والأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة، والمهندس أحمد قطيش الأزايدة، والأستاذ يوسف العظم.

وفي هذه السلسلة من رواد الإصلاح والتغيير في العصر الحديث سوف أكتب عن هؤلاء الرواد مجموعة تلو مجموعة إن شاء الله ... وهذا هو الكتاب الثالث عن ثلاثة منهم هم:

1- الشيخ عبد اللطيف أبو قورة.

2- الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة.

3- المهندس أحمد قطيش الأزايدة.

وأرجو الله تعالى أن يسدد الخطى، وأن يتقبل هذا العمل في طاعته إنه نعم المولى ونعم النصير والحمد لله رب العالمين.

المؤلف

الشيخ عبد اللطيف أبو قورة

(1324- 1386هـ) (1906- 1967)

  • تقديم
  • مولده ونسبه
  • نشأته ومسيرة حياته.
  • مجالات نشاطه:

- في المجال الاجتماعي والخيري

- في المجال الثقافي والتعليمي.

- قضايا الوطن الإسلامي الكبير.

  • كلمات تقدير ووفاء:

- كلمة الأستاذ حسن التل

- كلمة الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة.

- كلمة الأستاذ جمعة حماد

- مقتطفات وآراء لعدد من عارفيه.

  • الهوامش.

تقديم

الشيخ عبد اللطيف أبو قورة.. علم من أعلام المسلمين وأحد رجالات الحركة الإسلامية المعاصرة كان يرحم الله في مقدمة الذين أسسوا جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بل كان المؤسس الأول لهذه الحركة الإسلامية الرائدة..

كان من القادة الذين أحيوا فريضة الجهاد في هذا الزمان فكان في مقدمة المجاهدين ومن السباقين إلى الجهاد في فلسطين عام 1936 م، ورابطت في ضواحي بيت المقدس وقامت بواجبات الجهاد.

كان صاحب همة عالية في أعمال البر والبذل والجهاد بالمال والنفس وكان رجل مواقف وداعية إصلاح ورائد خير.

مولده ونسبه

ولد عبد اللطيف بن عبده بن صالح أبو قورة في مدينة السلطة 1324هـ/ 1906م وعائلته أبو قورة التي ينتمي إليها الحاج عبد اللطيف عائلة عريقة ينتسب معظم أفرادها إلى جدين هما صالح وابن أخيه خير أبو قورة ويعود بداية استيطانهم في السلطة إلى النصف الأول من القنين الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي حيث شكل القورات (آل خير أبو قورة) جزءا من عشيرة العواملة كبرى عشائر السلط حينئذ .

وقد قدم أجداد آل أبو قورة إلى السلطة ثم عمان من مدينة دمشق عاصمة ولاية سورية العثمانية والتي ضمت تاريخيا وجغرافيا إقليم بلاد الشام سورية والأردن ولبنان وفلسطين) قبل تقسيم الاستعمار الغربي الصليبي للإقليم إلى كيانات سياسية وحدود مصطنعة.

ولعائلة أبو قورة أقارب منتشرون في شمال بلاد الشام وجنوبها من دمشق و حماة إلى الرملة وغزة) وأقارب في مصر في محافظة الشرقية والمنصورة وعتز آل أبو قورة ويتشرفون بانتسابهم إلى آل البيت من جدهم القطب الرباني العارف بالله عبد السلام بن مشيش والذي يتصل نسبه بالإمام الحسني المثنى ابن الإمام الحسن السبط من الإمام علي كرم الله وجهه والسيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى محمد (صلى الله عليه وسلم)

نشأته ومسيرة حياته

نشأ الحاج عبد اللطيف في أسرة كريمة متدينة وتلقى علومه الدينية وتخرج من مدارس الكتاتيب على يد فضيلة الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني إمام وخطيب مجسد السلط الكبير وقاضي السلطة الشرعي

ثم أكمل تعليمه من خلال مجالس العلم العديدة في الأردن وخارجه وخاصة في القاهرة ودمشق وكان الحاج عبد اللطيف ذا بصيرة نافذة وعلى قدر كبير من الوعي وقد استفاد لكثير من علاقاته مع قادة الحركة الإسلامية ومفكريها مثل الإمام حسن البنا والدكتور مصطفى السباعي وأبو الأعلى المودودي و أبو الحسن الندوي و البشير الإبراهيمي وغيرهم من العلماء وقادة الفكر كما اعتمد على نفسه بالدراسة المتعمقة وفي بناء قاعدة علمية راسخة وثقافة إسلامية واسعة من خلال قراءته ومطالعته لأمهات الكتب ومصادر العلوم الدينية والدنيوية في مختلف فروع المعرفة والتي حوتها مكتبته الضخمة التي تعلم منها الكثير وعلم بعلمها وأورثها لأبنائه من بعده.

ويجدر بنا هنا أن نورد معلومة تبين أن الحاج عبد اللطيف كان على درجة كبيرة من الوعي والفهم والإدراك فقد كتبت مجلة لواء الإسلام مقالا بعنوان روح وريحان من ذكريات الدعوة بقلم الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد يقول فيه ومن الذكريات التي تميز الدعوات والدعاة عن غيرهم من العلماء والوعاظ أن الأخ عبد اللطيف أبو قورة رحمه الله رئيس إخوان شرق الأردن اتصل هاتفيا بالمركز العام وأجابه عبد الحكيم عابدين رحمه الله وكان ذلك في شهر رمضان وقد طلب الأخ أبو قورة من المركز العام داعية إخوانيا يقوم بنشر الدعوة وأحكام الدين بمناسبة شهر رمضان فاتصل الأخ عابدين ب المرشد العام واتصل المرشد بشعب القاهرة ثم شعب الأقاليم ليعثر على الداعية المطلوب المتفرغ فلم يظفر به

وأخيرا اهتدى واعظ قدير محب للإخوان ولما عرض عليه القيام بمهمة الدعوة في عمان ولم يكن مرتبطا بالدعوة في جهة من الجهات كدعاة الإخوان استجاب هذا الأخ الواعظ شاكر مشكورا وتوجه بعد أيام إلى عمان واتصل هناك بالإخوان وقام هذا الأخ بمهمته خير قيام في عمان وما حولها من مراكز وفوجئ المركز العام بمكالمة هاتفية من الأخ أبو قورة وهو يحدث الأخ عابدين حين سأله عن رأيه في الواعظ المرسل إليه،

فقال الحاج أبو قورة إنه واعظ قدير ولكنه ليس داعية من دعاة الإخوان كما طلبت منكم فنظر إلى الأستاذ عابدين نظرة ذات معنى وقال لي: ما كنت أنتصور أن الحاج عبد اللطيف يفطن بهذا العمق والإدراك إلى الفرق بين الواعظ والداعية فقلت له متجاهلا وما الفرق ينهما في نظرك؟ فقال: إن الواعظ يتكلم بلسان العلم والفقه، والداعية يفيض بروح الدعوة والعقيدة..

الواعظ يقدم للسامعين كلاما طيبا يصل إلى الآذان والعقول، والداعية يوحي للسامعين معاني ربانية تهز المشاعر والقلوب.

وقد أثبت صورة لرسالة من الإمام الشهيد حسن البنا أرسلها مع الواعظ الشيخ مصطفى الرفاعي إلى الحاج عبد اللطيف أبو قورة، وهي موجودة في ملاحق الكتاب، ص205.

وصورة أخرى لرسالة الإمام البنا إلى الحاج عبد اللطيف يطلب منه فيها إرسال برقيات إلى حاكم اليمن في ذلك الوقت تأييدا للشعب اليمن ي في مطالبه من حكامه فقد كان الإمام البنا يرحمه الله يتابع أحوال شعوب الأقطار العربية والإسلامية حرصا على مصالحها ويطلب من قادة الدعوة في البلدان العربية المشاركة في تأييد مصالحها ويطلب من قادة الدعوة في البلدان العربية المشاركة في تأييد مصالح هذه الشعوب والكتابة إلى حكامها بذلك لإصلاح تلك الأوضاع.

وصورة الرسالة موجودة في ملاحق الكتاب، ص206.

وكان الحاج عبد اللطيف قد انتقل من السلطة إلى عمان في مطلع شبابه في الثلاثينيات من القرن الماضي القرن العشرين واشتغل بالتجارة والإعمار والأعمال الحرة واستمر في عمله هذا إلى أوائل الأربعينيات إلا أنه أخذ يعطي معظم وقته وجهده وماله للعمل الوطني والنشاط الإسلامي الذي تربى عليه منذ نعومة أظفاره فما.. لبث أن شارك بنفسه وماله وجهده في مختلف الميادين في ثورة 1936م فاشتغل بجمع السلاح وإذكاء الهمم وإثارة النفوس وحمل السلاح بنفسه وشارك كتائب المجاهدين في محاربة الإنجليز والصهاينة منذ أن بدأت طلائع الشر تغزو المنطقة.

أبو قورة... مؤسس دعوة

إن المتتبع لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لابد أن يبدأ بمؤسسها الأول الحاج عبد اللطيف أبو قورة الذي تعود علاقته بجماعة الإخوان المصرية إلى عام1943م جمعية الفضائل الإسلامية بهدف إقامة مؤسسة تعليمية إسلامية لمواجهة الغزو التبشيري الوافد مع الاستعمار البريطاني.

إلا أنه أعجب بما قرأ عن الجماعة في مصر فسارع إلى الاتصال بهم وسافر إلى مصر وقابل الإمام الشهيد حسن البنا يرحمه الله مؤسس جماعة الإخوان في مصر والذي كانت والدته من آل أبي قورة في مصر وظل على علاقة مستمرة مع الإمام الشهيد، وأخذ موافقته على تأسيس فرع الجماعة في الأردن وقد سجل من وقتها عضوا في الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان في مصر

وعاد إلى الأردن وقد سجل مستمرة مع الإمام الشهيد وأخذ موافقته على تأسيس الجماعة فيها في أواخر عام 1945م وأوائل عام 1946 وكان سيتقدم الدعاة من إخوة مصر ويستضيفهم في بيته ليقوموا بتعريف جماهير الناس بالجماعة وأهدافها.

وكان الحاج أبو قورة قد طلب من المرشد العام أن يرسل دعاة إلى الأردن ويذكر الأستاذ محمود عبد الحليم أن عبد الحكيم عابدين أحد قادة الإخوان الأوائل زار بلاد الشام في عام 1942 م وقابل الملك عبد الله الذي أبدى إعجابه بدعوة الإخوان وقيادتهم وأنه ينتظر الخير للأمة الإسلامية على أيديهم.

وبعد عودة الحاج عبد اللطيف إلى عمان بفترة وجيزة أرسل الإمام البنا الأستاذ سعيد رمضان زوج ابنته، والأستاذ عبد الحكيم عابدين إلى الأردن ليساعدوا الحاج عبد اللطيف في نشر الدعوة وكانا من نشطاء حركة الإخوان فقاما بجولات عديدة لإلقاء الخطب والمحاضرات والدعوة للجماعة وكان المسجد الحسيني المحطة الرئيسية التي انطلقا منها لشرح حقيقة هذه الدعوة التي تريد أن تنهض بالأمة وتسعى لتطبيق الإسلام في كل نواحي الحياة.

وحتى يكون لهذه الجماعة صفة رسمية، فقد تقدم الحاج عبد اللطيف وإخوانه الذين عملوا معه على تأسيس هذه الجماعة في عمان تقدموا إلى رئاسة الوزراء بطلب يدعون فيه الحكومة الأردنية السماح لهم بممارسة عملهم تحت مظلة إسلامية تحمل اسم جمعية الإخوان المسلمين وجاء في الجزيرة في عددها رقم 1074 الصادر سنة 1945م أمر السماح لهذه الجماعة بممارسة عملها ما يلي:

قرر مجلس الوزراء العالي في جلسته المنعقدة في تاريخ 9 كانون الثاني السماح لوجيه إسماعيل بك البلبيسي وإخوانه السادة عبد اللطيف أبو قورة، إبراهيم جاموس، راشد دروزة قاسم الأمعري، بتأسيس جمعية في شرق الأردن تدعى جمعية الإخوان المسلمين.

يقول الأستاذ يوسف العظم يرحمه الله ومن الرواد المؤسسين مع الشيخ عبد اللطيف أبو قورة من التجار والمحسنين والدعاة والعلماء.

- السيد عزمي الجميل... وهو من التجار القادمين إلى الأردن من الشام.

- الشيخ يوسف البرقاوي من برقة نابلس وهو عالم فقيه أزهري جليل كان من أشهر العلماء الموجودين في عمان.

- السيد إسماعيل البلبيسي وقد تبرع بقصره الذي كان من أشهر قصور عمان وهو فيلا جميلة وأنيقة جدرانها مرصعة بالآيات القرآنية الكريمة، ليكون مكانًا يبيت فيه الدعاة الضيوف الذين يفدون من خارج الأردن.

- السيد صبري الطباع وكان ممن يتبرعون بالمال لأنشطة الجماعة.

- السيد محمد علي بدير... الذي أنشأ مدارس العلوم الإسلامية وكان مربيا فاضلا ألف بعض الكتب، وأصدر صحيفة الجزيرة التي كانت تناصر الإخوان.

- ويقول الشيخ منصور الحياري: وكان من قيادات ما قبل عام 1950 في مرحلة التأسيس بالإضافة إلى الحاج عبد اللطيف أبو قورة: أحمد الطروانة (سكرتير المكتب العام) إبراهيم منغو، بديع دروزة، هزاع المجالي

وتم افتتاح أول مقر لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن في البناية التي استأجرها الحاج عبد اللطيف من الحاج محمود أبو قورة في أول طلوع جبل عمان برعاية وحضور جلالة الملك المؤسس عبد الله بن الحسين (يرحمه الله)

بعد تأسيس الجماعة انتخب الحاج عبد اللطيف ليكون المراقب العام للجماعة في الأردن، وامتازت مرحلة التأسيس في أثناء توليه الحركة منذ عام 1945م- 1953 م بدعوة الناس لاستئناف حياة إسلامية عن طريق إيجاد المجتمع المسلم وشارك الإخوان في الحياة العامة والسياسية فكان للحاج عبد اللطيف وإخوانه ممن قامت الدعوة على أكتافهم وعواتقهم الفضل في التبرع لشراء وتأسيس وبناء دور ومدارس ومساجد ومراكز وجمعيات خيرية إسلامية لخدمة الشعب والوطن والأمة في كافة المجالات الإنسانية.

وفي عام 1947م أجرت جماعة الإخوان المسلمين انتخابات الهيئة الإدارية المكتب العام وهي أول انتخابات تجريها الجماعة في الأردن وقد فاز فيها.

1- الحاج عبد اللطيف أبو قورة نائبًا للشعبة.

2- أحمد بك الطراونة: وكيلا لنائب الشعبة.

3- الحاج بديع دروزة: أمينا للصندوق.

4- ممدوح الصرايرة: سكرتيرا.

5- مسلم النابلسي: مديرا للقلم.

6- ممدوح سبتي كركر: مراقبا.

7- الشيخ يوسف البرقاوي: عضوًا.

8- رياض الجقة: عضوًا.

9- الحاج عبدو صبحا: عضوًا

أما تأسيس شعب الإخوان في المدن الأخرى خارج عمان.. فيبدو أن الأستاذ سعيد رمضان الذي زار الأردن عدة مرات كان مكلفا بمتابعة تأسيس الإخوان في الأردن، فقد كان يطوف مع الحاج أبو قورة على المدن الأردنية (عمان وأربد والكرك ومعان والسلط وغيرها) ويلتقي المجموعات التأسيسية التي شكلت نواة شعب الإخوان في الأردن.

يذكر الشيخ أحمد الخطيب أن أول نواة للإخوان المسلمين في إربد تشكلت بإشراف الحاج أبو قورة، وسعيد رمضان مبعوث المرشد العام في مصر.. وكانت المجموعة الأولى للمؤسسين في إربد تتكون من أحمد الخطيب، وشفيق أرشيدات، وحسن الغرايبة، ومحمد جرادات ومفلح السعد رئيس بلدية إربد.

وفي عام 1946 م تم افتتاح شعبه في السلط وكان من المؤسسين لهذه الشعبة الشيخ عبد الحليم زيد، وعبد الحليم بدران، وسري العالم البسطامي، وزهدي النابليسي، ومحمد علي السعيد، وحسين عبد الله الحياري.

وبهذه الطريقة وهذا النشاط تم تشكيل نواة لكل شعبة في البلدان الأخرى.

وبعد نكبة 1948 وضم الضفة الغربية إلى الأردن، أصبحت فروع جماعة الإخوان المسلمين في الضفة تتبعه المركز العام في عمان.

وفي عام 1950م جرت انتخابات كانت بداية لمرحلة جديدة ومهمة في مسار الجماعة وأصبح المكتب العام (قيادة الجماعة) يتكون من اثنى عشر عضواً، هم :

1- عبد اللطيف أبو قورة (رئيس المكتب العام)

2- منصور الحياري (سكرتير المكتب)

3- ممدوح كركر.

4- مشهور الضامن (نابلس)

5- توفيق جرار (جنين)

6- شكري أبو رجب (الخليل)

7- حسن البرقاوي.

8- إبراهيم التلي أبو الوليد (القدس)

9- ممدوح الصرايرة.

10- محمد سعد الدين خليفة (إربد)

11- زكي محمد سعيد (عقبة جبر)

12- جمال عصفور.

وبعد تاسيس الجماعة وافتتاح المقر (المركز العام) في عمان نشرت الجماعة في جريدة الجزيرة نص مبادئها الأساسية، ووسائلها التي تسعى من خلالها إلى تنفيذ هذه المبادئ وجعلها واقعا ملموسًا... ومن المبادئ الأساسية للجماعة ووسائلها العامة التي نشرتها الجزيرة.

1- العمل على تكوين جيل يفهم الإسلام فهما صحيحا ويطبقه على نفسه ويدعو إليه.

2- الدعوة إلى قيام النظام الإسلامي أساسًا لنهضة البلدان العربية.

3- نشر الثقافة الإسلامية.

4- الدفاع عن العقائد الإسلامية وآداب الإسلام وتاريخه وحضارته.

ومن وسائلها:

1- تأسيس ناد في عمان وإنشاء فروع وشعب في مختلف مدن الإمارة.

2- تنظيم المحاضرات الثقافية وإقامة الحفلات في المناسبات الإسلامية ودعوة الأدباء والعلماء لإلقاء المحاضرات وإصدار النشرات.

3- تأسيس المدارس الإسلامية.

4- السعي إلى أن يكون الخطاب والوعاظ في المساجد من العلماء العاملين، ذوي الأهلية التامة، لبث الفضائل والأخلاق الإسلامية.

وأخذ الإخوان يقيمون الاحتفالات في المناسبات الدينية ليعبروا من خلالها عن أفكارهم ومبادئهم وحقيقة دعوتهم ... واهتموا بإلقاء المحاضرات خاصة في الوسط الشبابي مستخدمين في إيصال أفكارهم وتبليغ دعوتهم كبار قادتهم ومفكريهم ودعاتهم والبارزين كسعيد رمضان وعبد الحكيم عابدين و عبد المعز عبد الستار، وغيرهم من إخوان مصر... وتبنوا منذ ظهورهم على الساحة المحلية قضايا الناس ومشكلاتهم والاطمئنان على أ؛والهم والبحث عن حلول لها في جميع المجالات.

وكان الحاج عبد اللطيف يستقدم دعاة من الإخوان في مصر وغيرهم ويستضيفهم في بيته ليقوموا بتعريف جماهير الناس بالجماعة وأهدافها.

يقول الشيخ أبو الحسن الندوي في مذكراته أنه نزل ضيفا على الحاج أبو قورة و قاسم الأمعري وأنه كان يلقي المحاضرات في مركز الإخوان وقد زار الكلية العلمية الإسلامية التي أنشئت بمبادرة من أبو قورة ومجموعة من الأعيان والتجار وكان يديرها محمود العابدي.

ويروي الشيخ منصور الحياري، عن تجربته عن تجربته مع الحاج أبو قورة فيقول: عملت فترة طويلة مع الحاج عبد اللطيف أبو قورة، وكنت كأحد أبنائه وكان رجلا مجاهدا ضحى بكل ثروته في سبيل الله وكان على صلة وثيقة بالشيخ حسن البنا وقاد بنفسه كتيبة الإخوان المسلمين في حرب 1948 م وكان يستقبل مبعوثي الإخوان ويستضيفهم في بيته.

وقد كانت فترة التأسيس التي تسلم فيها الحاج عبد اللطيف قيادة الجماعة من (1945- 1953 م) يغلب عليها الطابع التثقيفي وأسلوب العمل الاجتماعي القائم على التضامن وفعل الخير، والدعوة إلى الإسلام القويم بوسائل سليمة ومشروعة مما أضفى على توجيهاتها سمة الاعتدال....

فقد نهج الإخوان الأردنيون نهجًا معتدلاً في المجتمع الأردني، وفي علاقاتهم مع الدولة، فلم يكفروا المجتمع أو يجهلوه كما فعلت بعض الجماعات الإسلامية واكتفت الجماعة باعتبار المجتمعات العربية القائمة شعوبًا مسلمة أصابه الانحراف والتشويه، ولابد من التعامل معها من منطق إصلاحي تربوي بهدف إعادة ارتباطها الكامل مع الإسلام عقيدة ومنهاج حياة .. وعلى هذا الأساس اختارت أسلوب الإصلاح التدريجي.

مجالات نشاطه

تميزت شخصية الحاج عبد اللطيف بحبها لعمل الخير والدعوة إليه، ونشر الإسلام والعمل على إحيائه في نفوس المسلمين والاهتمام بالعمل الاجتماعي والخدمة العامة فقد كان نبعًا من ينابيع الخير في هذا البلد المرابط.

لقد كرس حياته ونذر نفسه لخدمة هذا الدين آمن به عقيدة ونظام حياة وشارك مشاركة جادة وفعالة في بناء بيوت الله في مختلف أرجاء الأردن،

وبذل الكثير من وقته وماله في سبيل ذلك، وعمل جاهدًا في سبيل إنشاء وتقوية الجمعيات الخيرية والروابط الإسلامية، والمراكز والكليات العلمية وكن نصيرا للحق ولقضايا الأمة ولهموم الناس وحل مشكلاتهم وحتى في الخدمة العامة نراه يراسل الملوك والزعماء يحثهم على بذل الجهد وتذليل العقبات في سبيل نشر الخير فيبرق إلى الملك سعود ملك العربية السعودية من أجل إعادة تسيير خط سكة حديد الحجاز ويبرق إلى مجلس الجامعة العربية لمتابعة الكفاح من أجل تونسومراكش لدفع العدوان الفرنسي الغاشم عنهم ويدعو الحكومات الإسلامية لاتخاذ الإسلام أساسا في سياساتها الداخلية والخارجية والعمل على مقاومة العادات والتقاليد الغربية ويدعو إلى تحقيق الوحدة الإسلامية واعتبار القضية الفلسطينية قضية الأمة المركزية.

وقد كان للحاج عبد اللطيف أنشطة كثيرة، دعوية واجتماعية وخيرية وثقافية وتعليمية فقد نذر وقته وجهده ماله لدعوته ولأمته العربية والإسلامية وكان يشارك في كثير من الجمعيات والمؤسسات:

في المجال الاجتماعي والخيري

كان في مقدمة رواد العمل الاجتماعي في الأردن، وكان صاحب همة عالية، وبارعا طويلا في البناء والعطاء وعمل الخير وجمع القلوب، والاهتمام بشئون الناس، وكان معينا للمحتاجين وكافلا للأيتام والأسر الفقيرة ويقدم المساعدات للجمعيات الإسلامية والخيرية وكان مؤسسًا أو عضوًا بارزًا لكثير من الجمعيات والمؤسسات منها:

• كان من مؤسسي جمعية المركز الإسلامي الخيرية.

• ومن مؤسسي الجمعية الإسلامية في السلط وجميعة السلط الخيرية.

• ومن مؤسسي جمعية البر بأبناء الشهداء في عقبة جبر.

• ومن مؤسسي رابطة آل خير أبو قورة العائلية في عمان.

• ومن مؤسسي جميعة رعاية شئون المساجد في الأردن.

• وكان عضوًا في جمعية الهلال الأحمر الأردن...

• وعضوا في رعاية المقبرة الإسلامية في أم الحيران.

• وعضوا في أمانة العاصمة في عمان..

• وعضوا في الجمعية الخيرية في مدينة الزرقاء

• وعضوا في الجمعية الخيرية في وادي الأردن.

في المجال الثقافي والتعليمي

كان الحاج عبد اللطيف مؤسسا أو مشاركًا في عدد كبير من المؤسسات الثقافة والتعليمية وكان من أبرزها.

1- جمعية الفضائل الإسلامية: أسسها عام 1943 م مع عدد من تجار عمان ورجالها بهدف إقامة مؤسسة تعليمية إسلامية لمواجهة الغزو التبشيري الوافد الاستعمار البريطاني.

يقول الدكتور عزت العزيزي لقد كان هم هذا الرجل الصالح الحاج عبد اللطيف العمل للإسلام ورفعته في الدفاع عنه ضد الغزاة من المستعمرين والمنصرين سمعت باسم هذا الرجل لأول مرة عام 1943 في لقاء كبير نظمته جمعية الفضائل الإسلامية في عمان بهدف إقامة مؤسسة تعليمية لمواجهة الغزو التبشيري للمدارس الوافد مع الاستعمار البريطاني وقد أعلن عن ذلك للقاء فتح باب التبرع من قبل الحاج عبد اللطيف أبو قورة بمبلغ ألف دينار كان رحمه الله قد وفرها لبدء مشروع البناء الوحيد الذي ملكه في عمان.

2- جمعية الثقافة الإسلامية.. تأسست سنة 1947 م وكان من أهم مؤسسيها الحاج عبد اللطيف أبو قورة وكان تشرف على الكلية العلمية الإسلامية التي هي من أهم وأوائل المدارس الخاص في الأردن. يقول الدكتور عزت العزيزي تداعي عدد من التجار في عمان لتأسيس مدرسة شرعية وعقد اجتماع كبير، وتم جمع مبلغ اثنى عشر ألف دينار في جلسة واحدة،

وكان مبلغًا كبيرًا جدًا في ذلك الوقت وكان المشرفون على هذا العمل مجموعة من التجار الصغار من أصحاب الغيرة والرغبة في العمل للإسلام من خلال تأسيس مؤسسة تربوية وأذكر منهم والدي خليل العزيزي والحاج عبدو صبحا، وتيسير ظبيان وعزمي الجميل والحاج عبد اللطيف أبو قورة حيث تبرع بأكبر مبلغ وتم تشكيل لجنة أنشأت جمعية الثقافة الإسلامية وانبثق عنها الكلية العلمية الإسلامية وأسسوا معهد العلوم الإسلامية في جبل اللويبدة.

3- جمعية العروة الوثقى الإسلامية الخيرية: أنشئت في عام 1952 م وممن شاركوا في تأسيسها الحاج عبد الطيف أبو قورة رئيس الإخوان سابقًا تهدف الجمعية إلى نشر الثقافة الإسلامية والتنسيق مع المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي والمشاركة في أعمال المؤتمرات والدراسات الإسلامية وقد تضمنت برامجها إقامة ندوات ومحاضرات ومساعدة الفقراء وأبناء الشهداء ودعم العمل التطوعي والاجتماعي في فلسطين وإيواء الطلاب القادمين من فلسطين وإقامة مصلى لأداء الصلوات.. وشاركت الجمعية في تأسيس مجلس المنظمات الإسلامية في الأردن.

ومن أهم مشروعات الجمعية المشاركة في تأسيس الجمعية الإسلامية لرعاية الكفيفات التابعة لوزارة التربية والتعليم وتوفر المؤسسة التي أنشئت عام 1982 م التعليم والتدريب المهني للكفيفات إضافة إلى تعليمهن القدرة على الحركة والتصرف بالاعتماد على أنفسهن.

4- كان الحاج عبد اللطيف أحمد مؤسسي كلية الشريعة في عمان.

5- وأحد مؤسسي جمعية التربية الإسلامية في الزرقاء.

6- وعضو رابطة العلوم الإسلامية في عمان ومن أبرز المساهميون في تأسيس المداس الإسلامية في الأردن.

قضايا الوطن الإسلامي الكبير

كانت قضايا الوطن الإسلامي الكبير ومشكلاته في اهتمامات الحاج عبد اللطيف فكان يبذل في سبيلها من ماله ويجتهد لتجميع عناصر الخير وتنظيمها من أجل العمل لخير أمة الإسلام فكان له نشاط ودور إسلامي وقد شارك يرحمه الله في كثير من المؤتمرات الإسلامية فكان عضوا في المؤتمر الإسلامي الذي عقد عام 1936 م.

وكان عضوًا مؤسسًا في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس عام 1953 م وعضوًا في المؤتمر الإسلامي الذي عقدي في كراتشي والمؤتمر الإسلامي الذي عقدي في أندونيسيا وعضوا في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضوًا في لجنة نصرة الجزائر ولجنة نصرة الجنوب العربي، ولجنة نصرة أرتيريا ولجنة نصرة باكستان وكشمير.

وكان يقدم لهذه المؤتمرات واللجان النصائح والآراء والمقترحات ويوصي إخوانه المؤتمرين بأن يخرج مؤتمرهم بخطوات عملية بناءة لا توصيات ليس لها قيمة.

أبو قورة والجهاد في فلسطين

قضية فلسطين بالنسبة للإخوان المسلمين قضية إيمان وعقيدة وإيمان لا يقبل المساومة، وعقيدة تفتدي بالنفس والمال أنها قضية أرض مباركة، فيها الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

وقد بدأ اهتمام الإخوان المسلمين وتفاعلهم مع قضية فلسطين في وقت مبكر من بداية بروز القضية في سنواتها الأولى وانطلقوا في نظرتهم إلى القضية الفلسطينية من فوق أرضية صلبة من الفهم العميق لطبيعة من حيث أهنها جولة جديدة من جولات المعركة المستمرة المحتدمة بين الحق الذي يمثله المسلمون وبين الباطل الذي تمثله ملة الكفر وفي مقدمتها يهود، الذي قرر رب العزة من فوق سبع سماوات أنهم أشرس أعداء الإسلام والمسلمين على الإطلاق قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليهود وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [المائدة]

وعندما وضحت نيات السياسة البريطانية في فلسطيني بادر الإخوان المسلمون في مصر وفي بلاد الشام إلى تبني القضية وأخذوا يعقدون المؤتمرات تباعا ويبينون للشعوب والحكومات العربية والإسلامية حقيقة هذا الخطر الذي يهدد كيانهم ومستقبلهم حتى نجحوا في إشراك العالم الإسلامي كله في هذه القضية فباتت قضية المسلمين والعرب لا قضية أهل فلسطين وحدهم.

وحين بدأت أعمال المقاومة ضد الإنجليز واليهود بفلسطين في أواسط الثلاثينات أخذوا يمدون المجاهدين بما يقع في أيديهم من مال وسلاح حتى كانت ثورة 1936م في فلسطين وتمكن عدد من شباب الإخوان من التسلل إليها والاشتراك مع الثوار في جهادهم وخاصة في مناطق الشمال حيث عملوا مع جماعة المجاهد الشيخ عز الدين القسام.

ومنذ الثلاثينيات كان للحاج عبد اللطيف أبو قورة صلة بالقضية الفلسطينية وفي عام 1936 م كان يتصل بالمجاهدين ويرسل لهم السلاح والمساعدات وقد اشترك بنفسه في القتال واستشهد ابن أخته جمال الجقة مع في فلسطين.

ولما عقد الإخوان المسلمون في حيفا مؤتمرا عاما في 18 أكتوبر 1946، حضره ممثلون عن الأردن ولبنان وبعد عام من انعقاده عقد الإخوان المسلمون في حيفا مؤتمرا آخر كبيرا في 27 أكتوبر 1947 م، وأعلنوا فيه تصميم على الدفاع عن بلادهم بجميع الوسائل واستعدادهم للتعاون مع جميع الهيئات الوطنية في هذا السبيل وكان من قرارات المؤتمر:

يعلن مندوبو الإخوان المسلمين في شرق الأردن أنهم على استعداد كامل لحمل نصيبهم في تحرير فلسطين.

وبدأ الحاج عبد اللطيف وإخوانه يعقدون اجتماعات لتنظيم كتيبة من أبناء شرق الأردن تشارك في القتال، وكانت هذه الاجتماعات تعقد في بيت الشيخ يوسف البرقاوي، الذي عمل فيها بعد مدرسا في الكلية العلمية الإسلامية وكان من المشاركين فيها خليل العزيزي و عزمي جميل، و أمين بروسك وهو كردي لجأ إلى الأردن بعد مجئ أتاتورك في الحكم وممدوح الصرايرة وأبو صلاح حسن الشربجي وصبري الطباع وعدد من تجار عمان منهم الحاج إبراهيم منكو، و عبد الله أبو قورة.

وتم اختيار الحاج عبد اللطيف لقيادة تلك الكتيبة التي حملت اسم كتيبة أبو عبيدة وكان سبب اختياره بالدرجة الأولى ليس كونه رئيس جماعة الإخوان المسلمين آنذاك فحسب بل لسابقته في الجهاد في فلسطين في ثورة أهلها المشهورة على الإنجليز واليهود عام 1936 م التي شارك فيها مشاركة فعالة.

وقد عبر تشكيل الكتيبة عن وحدة العمل الإسلامي ومساهمة كل قادر على الدعم المادي والأدبي لهذا العمل الجهادي فقد حضر الاجتماع الذي عقده عدد من رجال البلد الذين تكلفوا بتمويل كتيبة الجهاد وكن في مقدمتهم الحاج إبراهيم منكو، وعزمي جميل، وعبده صبحا، و قاسم الأمعري وغيرهم.

وتم اختيار الملازم المتقاعد ممدوح الصرايرة مساعدا للحاج عبد اللطيف ومدربا عسكريا للكتيبة وتكونت الكتيبة من (120) مجاهدا كان منهم: عصام دروزة ورياض الجقة ونظمي عطية وحسين الصرايرة من الكرك والحاج موسى من وادي السير ومحمد الروسان من منطقة الشمال والشيخ محمد الحديد، ومحمد زيدان، وسالم المبسلط.

الفايز (من بني صخر) وبشر سلطان (من الرصيفة) وغالب عبد اللطيف أبو قورة. وفي إربد مسئول شعبة الإخوان هناك السيد أحمد محمد الخطيب قيادة الإخوان في حرب فلسطين وبلغ مجموع من شارك معه في الجهاد من إخوان إربد وأهلها المتطوعين حوالي مئة مجاهد.

وقد سجل المجاهد أحمد الخطيب ذكرياته على صفحات جريدة الرباط الناطقة باسم الحركة الإسلامية في الأردن فقال.

كان الإخوان المسلمون من أوائل الذين أدركوا خطورة قدوم المهاجرين اليهود إلى فلسطين والاستيطان بها بالتعاون مع المستعمر البريطاني الجاثم على أرض فلسطين.

وفي أواخر عام 1947م شكل الإخوان لجنة لجمع التبرعات وشراء الأسلحة وكانت تتألف من نايف أبو عبيد، وحسن غرايبة وأحمد الخطيب، وجمعنا مبلغا من المال يقدر بحوالي (10000) دينار، وانتدبتنا لجنة أخرى في عمان لجمع التبرعات وانتخب أمين شقير والحاج عبد الرحمن أبو حسان وكلفا بالذهاب إلى القاهرة لشراء الأسلحة أيضا وقد اجتمعنا في القاهرة جميعا والتقينا المرشد العام الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله ودفعنا المال له لشراء السلاح وقد كلف الإمام إخوة من مصر لشراء السلاح من محافظات مصر وذهبت إلى الإسكندرية وذهب نايف أبو عبيد إلى مدينة المنصورة.

مكثنا مدة طويلة في مصر لشراء السلاح حتى أنني ذهبت إلى الصحراء الغربية لمصر على حدود ليبيا لشراء السلاح من البدو وكنا كلما اشترينا كمية نرسلها إلى المركز العام للإخوان المسلمين في القاهرة وكنا آنذاك مطاردين من الحكومة المصرية، وقد صادروا كمية كبيرة من السلاح في دمنهور وحجزوه رغم حصولنا على تصريح من إدارة الشئون العربية في الحكومة المصرية ولكن الأستاذ البنا اتصل بالجهات المسئولة .

وتم إرسال خمس شاحنات كبيرة وأرسلوا معنا ضباطًا مصريين وسلكنا طريق سيناء وقد كلفت بمرافقة القافلة حتى وصلنا إلى العقبة ومكثنا سبعة أيام في الطريق حتى وصلنا عمان وقد وضعت اليد على السلاح وتقرر تسليمه لجيش الإنقاذ ولكننا تمكنا من أخذ جزء بسيط منه والباقي تم تسليمه إلى جيش الإنقاذ في سورية وقد ذهبت أنا وضابط من الجيش الأردني لهذه المهمة

وفي هذه الأثناء شكلت جماعة الإخوان المسلمين فرقا متطوعة تقوم بمهاجمة المستعمرات عن طريق النهر وكان أحد الإخوان اسمه عثمان نصيف له الباع الطويل في العمليات العسكرية يتبرع بسياراته للإخوان وشراء السلاح بنفسه ومن العمليات العسكرية التي قمنا بها عملية احتلال منطقة سمخ قرب طبريا ومكثنا هناك حوالي (10) أيام وكنا نهاجم من هناك بعض المراكز والمستعمرات وقد استشهد أحد إخواننا واسمه حسن الظاهر البطاينة رحمه الله.

وفي عمان شكلت فرق بقيادة الحاج عبد اللطيف أبو قورة والحاج ممدوح الصرايرة و ذهبت هذه الفرق إلى القدس تقاتل العدو من هناك وفي أثناء وجودنا في سمخ كانت الشائعات تلوح بأنه سيحصل هجوم من اليهود على سمخ وكان عدد المتطوعين كثيرا، والسلاح الذي بين أيدينا بسيطا وقليلاً،

ورأينا أنا والأمير محمد الغزاوي أن نتجه إلى محافظ درعا عن طريق الجولان لطلب المساعدة في الحصول على السلاح فوعدنا خيرا ولكن لم نر من هذه الوعود شيئا ورجعنا إلى أربد وسمعنا أن اليهود هاجموا سمخ واحتلوها فذهبنا إلى الحملة الأردنية نستطلع الأمر فوجدنا أن إخواننا قد انسحبوا.

أخذت بعض إخواني وعدنا إلى سمخ فوجدناها فارغة ووجدنا أن اليهود لم يدخلوها وكان الجيش السوري يعسكر قريبا من تلال سمخ وكان الشيخ الأردني متمركزا في الحمة، وطلبنا من الجيش السوري السيطرة على سمخ فرفض، وطلبنا ذات الطلب من الجيش الأردني فاستجاب لنا وذهب معنا إلى سمخ فلما رأى الأهالي ذلك رجعوا معنا ومكثوا حتى الصباح.

كان القائد الأردني متحمسًا جدًا لكنه اتصل مع قيادة الجيش التي كان يسيطر عليها الإنجليز فأمروه بالانسحاب وفي أثناء وجودنا في سمخ طلب منا أهالي طبريا ذخيرة فذهبت أنا وأخ آخر من قرية سال وأخذنا كمية كبيرة من الذخيرة وتسللنا إلى طبريا ومكثنا ليلة، ثم عدنا في اليوم التالي،

وعدما دخل جيش الإنقاذ من سوريا طلبوا مني ومن مفلح السعد مرافقتهم فعبرنا جسر الشيخ حسين، واتجهنا إلى طوباس وتركناهم هناك وعدنا إلى إربد وخرجت أيضا مع الجيش العراقي حتى وصلنا إلى الشونة الشمالية فجلسنا ي ساحة البريد، وفي تلك الليلة أخلى الجيش البريطاني مركز جسر المجامع، فذهب قسم من المتطوعين واحتل المركز قبل اليهود.

وقد جرحت في أواسط عام 1948 م عندما دخلنا إحدى المستعمرات، وكان معي الأخ مفلح السعد وعثمان ناصيف فانفجر لغم وأصابني في خاصرتي وبقيت ثلاث سنوات في المستشفى للعلاج.

لقد حمل الإخوان المسلمون لواء الجهاد الشعبي في بلدانهم ولما صدر قرار التقسيم نجحوا في إدخال عدد كبير من خيرة شبابهم من مصر وسوريا والأردن وغيرهم من البلدان إلى فلسطين فدخل إخوان مصر وسورية بقيادة الدكتور مصطفى السباعي.

أما إخوان الأردن فدخلوا بقيادة الحاج عبد اللطيف أبو قورة الذي نشط في جمع السلاح وشحذ الهمم وإثارة النفوس ورقم على الراية التي تقدم بها إلى أرض المعركة.

نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وتقدم متطوعي إخوان الأردن وخاض بهم معارك الشرف والبطولة على أرض الإسراء والمعراج بكتيبة بلغت(120) فردا، فأبلوا أعظم البلاء في معارك عين كارم وصور باهر ورامات راحيل والقدس والمالحة والقطمون وغيرها.

وقد كشفت معارك فلسطين عن ظهور جيل يؤمن بالله والجهاد في سبيله ويحمل السلاح ويقاتل الاستعمار البريطاني والاحتلال الصهيوني ورأى الأعداء هؤلاء الشباب الذين يستشهدون فرحين بلقاء ربهم، وشاهدوا صورا عجيبة من بطولاتهم..

وقد كشفت معارك فلسطين عن ظهور جيل يؤمن بالله والجهاد في سبيله ويحمل السلاح ويقاتل الاستعمار البريطاني والاحتلال الصهيوني ورأى الأعداء هؤلاء الشباب الذين يستشهدون فرحين بلقاء ربهم وشاهدوا صورا عجيبة من بطولاتهم..

وقد شهد عدد من المؤرخين بدور الإخوان في حرب فلسطين ومن تلك الشهادات.

• كتب المؤرخ الأردني سليمان موسى في كتابه أيام لا تنسى عن دور إخوان الأردن في حرب 1948 م ومن خلال حديثه عن سرية أبي عبيدة عامر بن الجراح (رضي الله عنه) وهي السرية الإخوانية التي كان لها شرف القتال في فلسطين فقال:

سرية أبي عبيدة، وكانت تضم نحو (120) متطوعًا من جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وتولى قيادتها الحاج عبد اللطيف أبو قورة يساعده الملازم المتقاعد ممدوح الصرايرة، دخلت هذه السرية إلى فلسطين في 14 نسيان وتمركزت في بلدة عين كارم،

وكان سلاح أفرادها البنادق بالإضافة إلى ثلاث رشاشات ومدفع هاون عيار 2 بوصة وكان مع السرية اثنان من ضباط الصف لاستعمار المدفع وتدريب المتطوعين وخاضت هذه السرية عدة معارك، واستشهد عدد من أفرادها نذكر منهم: سالم المبسلط من بني صخر، ودفن في صور باهر، وبشير سلطان من الرصيفة وانضم إلى هذه السرية متطوعان بريطانيان اتخذ أحدهما اسم (جعفر) والثاني اسم (ممدوح) وقد جرح أولهما في إحدى المعارك.

• يقول الأستاذ كامل الشريف وكان عبد اللطيف أبو قورة يقود كتيبة إخوانية باسم كتيبة أبو عبيدة حيث تمركزت في عين كارم في القدس وقد اشترك بنفسه في معارك صور باهر وقد استشهد عدد من إخوان الأردن منهم بشير سلطان وسالم المبسلط وحسن بطاينة.

• كان إخوان الأردن يدعون الناس لتسجيل أسمائهم كمجاهدين لإنقاذ فلسطين ونقل د. محسن صالح عن المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة أن ثلاثة آلاف قد سجلوا أسماءهم في السلط وحدها وأن الحاج عبد اللطيف أبو قورة أول قائد للإخوان كان يقود المجاهدين الأردنيين وكان مدربهم العسكري هو الملازم المتقاعد ممدوح الصرايرة، بينما كان أحمد الخطيب مسئول الإخوان في إربد ينظم عمليات المقاومة والاشتباك مع المستعمرات المقابلة لإربد.

• ومن الشهادات التي سجلت لجهاد الإخوان الأردنيين شهادة المؤرخ الفلسطيني عارف العارف الذي قال راح العرب يعنون بصور باهر أكثر من عنايتهم من قبل، فحصنوها لأنها ذات موقع استراتيجي فهي واقعة بين القدس وبيت لحم، ولهذا أرسلوا إليها عددا من المناضلين وانضم إليهم بعد قليل جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين يقودهم عبد اللطيف أبو قورة رئيس الإخوان في عمان.

وعندما أعلن رسميا في السابع من كانون الثاني 1949 م عن توقف العمليات الحربية على الجبهة المصرية أدرك مجاهدو الإخوان أنهم سيخرجون من جبهة القتال ليواجهوا مؤامرة خبيثة، دبرت لهم بليل في دهاليز السفارة البريطانية بالقاهرة بتحريض من القوى الصهيونية العالمية وزاد من يقين الإخوان بحرج موقفهم عندما علموا بتصعيد الحكومة المصرية لعمليات المطاردة والإيذاء ضد الإخوان وسرعان ما علموا وهم في الجبهة بنبأ استشهاد الإمام حسن البنا غيلة في مساء الثاني عشر من شهر شباط عام 1949 م

ولم يمض يومان على اغتيال الإمام حتى قام الجيش المصري بتجريد الإخوان من أسلحتهم ومصادرتها وجاءهم ضابط مصري كبير ليخبرهم أن الأوامر قد صدرت من القاهرة باعتقالهم جميعا إلى أجل غير محدود.

وهكذا سجل التاريخ في صفحاته السوداء بحروف الخزي والعار، هذه النهاية المأساوية لجهاد الإخوان المسلمين المصريين في فلسطين.

واضطر الإخوان السوريون والأردنيون إلى مغادرة فلسطين مرغمين وقلوبهم يملأها الأسى على ما آلت إليه أحوال فلسطين بعد هذه المؤامرات اليهودية والصليبية .

وفي بيت الحاج عبد اللطيف أبو قورة في الأردن وبعد عودته هو وإخوانه من فلسطين تقبل أبناء الجماعة التعازي باستشهاد مرشدهم الإمام حسن البنا شهيد فلسطين والأمة الإسلامية.

وبعد حدوث النكبة عام 1948 م تمسك الإخوان بهدف تحرير فلسطيني واعتقدوا أنه لكي يتحقق النصر فيجب العودة إلى الإسلام وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ولم يختلفوا مع القوميين عندما اعتبروا الوحدة العربية مطلبا أساسيا يسبق تحرير فلسطين.

وساند الإخوان أيضا تشكيل الحرس الوطني، الذي بدأ تنظيمه على الحدود الإسرائيلية بعد ضم الضفة الغربية للأردن من أبناء القرى الفلسطينية الحدودية...وكانوا شديدي الحماس له، وقدموا مساعدات مالية للحرس الوطني، وأرسلوا المدربين إلى القرى الحدودية، وساهموا في تحصين القرى المحاذية للحدود مع الأرض المغتصبة.

عاد الحاج عبد اللطيف إلى عمان للعمل بهمة أكبر ونشاط وحيوية أعظم فأخذ يعمل هو وإخوانه بدأب وصمت على جمع العناصر المؤمنة وتربية الأجيال تربية إسلامية سليمة ليكون هدف المتطلعين إلى الغد من أجيال المستقبل استعذاب الشهادة في سبيل الله لأن خلاص فلسطين لن يتم إلا على أيدي رجال باعوا أنفسهم لله واقتدوا بقادة الإسلام العظام أمثال خالد وحمزة وسعد وصلاح الدين والحسيني والقسام.

ولم يقتصر علاقة الحاج عبد اللطيف أبو قورة بفلسطين على الجانب الجهادي العسكري، بل لقد امتدت لتشمل جوانب كافة وخاصة الجانب الاجتماعي والإنساني وقد صور الصحفي الأردني فوز الدين البسومي هذا الجانب عندما كتب في جريدة الدستور مقالين عن ذكرياته مع الحاج عبد اللطيف فقال.

أعجبني التحقيق الذي نشره الزميل محمد أمين مع المعمر الشيشاني الشيخ عربي كيري الذي ورد على لسانه بأنه المجاهدين كانوا يشترون الأسلحة التي غنمها أهالي صويلح من الإنجليز ومن بينهم المجاهدون الفلسطينيون الذين كانوا يحاربون الصهيونية والإنجليز معا أيام الانتداب البريطاني على فلسطين وكان من بين هؤلاء المجاهدين المرحوم الحاج عبد اللطيف أبو قورة...

وقفت طويلا أمام اسم الحاج عبد اللطيف أبو قورة ذلك الرجل الشهم صاحب القامة الطويلة واللحية البيضاء الذي ما إن دقت طبول الحرب في فلسطين حتى كان رسول أهالي شرق الأردن إلى إخوانهم في فلسطين فجسد التحام الدم الأردني مع الدم الفلسطيني على ثرى وتراب فلسطين عام 1948 م.

فقد استطاع ذلك الرجل المجاهد عبد اللطيف أبو قورة أن يكون فرقة أردنية إسلامية ويقودها إلى فلسطين لمحاربة اليهود استجابة لنداء الإسلام والعروبة.

وفي تلك الأيام .. عرفت عبد اللطيف أبو قورة وقفت أمامه وجها لوجه وعرفت كيف تكون روح الأخوة و الجهاد وعرفت أناسًا يبغون الشهادة في سبيل الله رغم صغر سني في تلك الأيام.

فذات ليلة من ليالي شهر آب 1948 م حين سقطت الرملة في أيدي العصابات الصهيونية وألقوا بها على مشارف قرية القباب قرب الرملة، همت مع الآلاف من الأهالي وفي طليعتهم المرحوم الشيخ مصطفى الخيري آخر رئيس لبلدية الرملة ورحنا نجوب القرى والقفاز في رحلة تيه وضياع استمرت عشرة أيام يومها وجدنا أنفسنا في الليل البهي نضيع وسط الحقول والجبال لنكشف أننا ضللنا الطريق إلى رام الله وبدلا من أن نذهب إليها عن طريق يالو وبيت نوبا وبيت نبالا وجدنا أنفسنا نأخذ طريقا آخر لم يكن الدليل يدريه إلا حين فاجأتنا من الرجال الملثمين وصرخوا بنا إلى أين أنتم ذاهبون.

قال أبي رحمه الله لا ندري الطريق لقد ضللنا..

قال أحد الرجال، وكان يضع الكوفية والعقال: أتدرون أين أنتم الآن؟

قلنا لا .. قال: أنتم الآن في منطقة باب الواد.. أمامكم الآن معركة محتدمة بين الجيش العربي الأردني وعصابات اليهود وأخذنا الرجل إلى إحدى المغارات حيث قضينا ليلتنا السوداء هناك وفي الصباح جاء الرجل مع رفاقه ومعه بعض أرغفة الخبز والماء. وسألت الرجل، من هو؟ ومع من يقاتل.. فقال: نحن مجموعة من الشباب المؤمن خضنا القتال بقيادة شيخ من شرق الأردن يعرف باسم عبد اللطيف أبو قورة.

شكرنا الرجل وودعناه بعد أن دلنا على الطريق ومضينا..

وبعد أسابيع كنا في عمان نبحث عن مكان يأوينا، وسمعنا عن رجل من أهل الخير قد فتح باب بيته يستقبل اللاجئين القادمين من فلسطين وسألنا عن الرجل فقيل: إنه المجاهد عبد اللطيف أبو قورة الذي وهب أمواله للفقراء واللاجئين القادمين من ديار فلسطين المغتصبة..

ومرت سنوات وامتدت بيني وبين الرجل صداقة عرفت من خلالها المعدن الطيب الذي جبل منه عبد اللطيف أبو قورة الذي وضع روحه على كفه يومًا ما، في سبيل فلسطين وكان من الذين جسدوا وحدة الدم الفلسطيني والأردني على ثرى فلسطين الطاهر.

وذات مساء ن أمسيات شهر رمضان المبارك زرت الشيخ في منزله وجلست وسألني: أراك صامتا يا بني؟

قلت: وماذا يمكنني أن أقول وأنت منذ ما يقرب من الساعة تنجز أمور الفقراء الذين جاءوك إلى المنزل..

قال: ولكن قل لي.. أو ليست لك حاجة فأقضيها لك.

قلت: أني والحمد لله لفي خير وألف نعمة.. ولكني أعرف امرأة طاعنة في السنة أعياها حياؤها عن طلب الحاجة فلاذت بالمنزل تأكل ما تيسر وتلبس مما يتصدق به عليها الناس وهي جارة لنا في جبل الجوفة تعرف باسم أم عبد الله.

قال: أعطيني اسمها وعنوانها حتى إذا جاء عيد الفطر أخبرتني المرأة أن الشيخ قد بعث لها من يسأل عن حاجتها وأن حاجتها قد قضيت فحمدت للرجل هذه المساعدة.

وذات صيف من الأشهر التي سبقت عدوان حزيران 1967 م كنت في مدينة أريحا والتقيت صدفة أم عبد الله المرأة الفقيرة المحتاجة وكانت قد افترقتي عنا قبل أن التقيها بما يقرب من اثنى عشر عاما حين رحلت إلى أريحا ولم أعد أسمع عنها شيئا وهي إذ تلقاني تصرخ باكية قبل أن ترحب وتسأل ألم يصلك نبأ الشيخ عبد اللطيف قلت لا لم أسمع بشيء قالت: لقد مات الشيخ في عمان.. وقبل أيام فقط بعث بالراتب الشهري المعتاد ومن ماله، تعلم الأولاد فها هو عبد الله يتخرج ليصبح طبيبا وبعد سنة يتخرج مسعود محاميا والبنت هيفاء تزوجها ابن الحلال.

وها هو الحاج الشيشاني يأتي ليثير الدمع في المآقي ويثير الذكريات في نفسي لتبرز صورة عبد اللطيف أبو قورة إلى سطح الذاكرة لتستمطر شآبيب الرحمة عليه وعلى كل المجاهدين الذين قضوا من أجل فلسطين وفي سبيل تحرير فلسطين بدءا من ثورات فلسطين المعروفة في العشرينيات وانتهاء بأحداث لبنان وثورة شعبنا الفلسطيني في الضفة الجريحة من أجل أن تكون فلسطين عربية.

رحم الله عبد اللطيف أبو قورة وشكرا للشيخ الشيشاني الكيري عربي الذي ذكرنا بالقديم الجديد من أحداثنا وذكرياتنا.

وفي لقاء مع الدكتور رحيل غرايبة حدثني فقال في أثناء الحملة الانتخابية عام 2007 م التقيت رجلا في عمان اسمه عبد العزيز أسعد، فذكر لي مكرمة من مكارم الحاج عبد اللطيف أبو قورة تركت أثرا كبيرا في نفسه فقال: عندما كنت طالبا أدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة جئت إلى عمان في صيف 1965 وألقيت خطبة جمعة في مسجد الكلية العلمية الإسلامية بتكلف من خطيب المسجد الشيخ محمد عبده هاشم الذي طرأ له سفر خارج عمان قبل بدء الصلاة، وتعرضت في خطبت لأمور اعترض عليها أحد المصلين بعد انتهاء الصلاة ووبخني وقال لي:

من سمح لك أن تخطب الجمعة في هذا المسجد فتقدم نحو رجل وقور وأمسك بيدي، وقال للشخص الذي تكلم علي: هذا الشاب ضيفي فلا تتكلم عليه وأركبني بسيارته وأخذني إلى بيته، وأحضر لي طعام الغداء فقلت له: إني أرغب في التعرف إليك فقال: أنا عبد اللطيف أبو قورة وأرجو أن تزورني غدا في مكتبي وكان هذا أول لقاء أشاهد فيه الشيخ عبد اللطيف وفي اليوم التالي زرته في مكتبه فقدم لي خمسة عشر دينارا وكانت مبلغًا كبيرا في تلك الأيام ولما اعتذرت عن أخذها، أصر علي بأن آخذها وقال: يا بني أنت طالب علم ولا بد من إعانتك على طلب العلم.

فتنة نجيب جويفل

نجيب جويفل هو أحد قيادات النظام الخاص للإخوان في مصر والنظام الخاص هو تشكيل عسكري سري داخل جماعة الإخوان المسلمين أسسه الإمام حسن البنا في أواخر الثلاثينيات من بين مجموعة من شباب الإخوان في الجامعات بخاصة وكان يضم مجموعة من الضباط العسكريين وقد اتجه هذا التشكيل بقيادة عبد الرحمن السندي نحو الاستقلال عن القيادة الرسمية للجماعة ومحاولة السيطرة عليها واختراقها.

ودبر النظام الخاص في عام 1953 م انقلابا داخليا في الجماعة فقامت مجموعة منه باقتحام منزل المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي وحاولت إجباره بالقوة على تقديم استقالته وكانت مجموعة أخرى في الوقت ذاته تحتل المركز العام للجماعة ولكن المحاولة أفشلها مجموعة من الضباط الإخوان بقيادة صلاح شادي وقامت الجماعة بعد ذلك بفصل مجموعة من قادة النظام الخاص.

وكان نجيب جويفل قد هرب من مصر في أواخر الأربعينيات إثر عملية نفذها مجموعة من النظام الخاص اغتيل فيها القاضي الخازندار وهو القاضي المكلف بمحاكمة مجموعة من أعضاء النظام الخاص بسبب عمليات عسكرية استهدفت البريطانيين في مصر ومحاولة اغتيال شخصيات مصرية وضبطت سيارة جيب محملة بالأسلحة لدى مجموعة من أعضاء النظام.

هرب جويفل من مصر إلى بلاد الشام وسمي نفسه عبد العزيز سالم، وعرف بهذا الاسم ولما قامت الثورة عاد إلى مصر واستدرج عبد الناصر قياة النظام الخاص التي كانت على خلاف شديد مع قيادة الجماعة وجند العديد من العناصر الخاص وأعضائه ومنه السندي ونجيب جويفل، وكان هذا الأخير مكلفا بمهمة اختراق تنظيمات الجماعة خارج مصر ولعله كان يقوم بذلك عن قناعة ووجهة نظر خاصة به وبالنظام الخاص تؤمن بجدوى العمل السري العسكري ومن المؤكد على أي حال أن جويفل ظلت علاقته بعبد الناصر قوية بعد عام 1954 حينما تدهورت العلاقة بين الإخوان وعبد الناصر.

يقول الدكتور عزت العزيزي عن الفتنة التي قام بها جويفل وهو وأحد الشباب الذين عاصروا وجود جويفل في الأردن وتعاملوا معه حاول عبد العزيز سالم أن ينقل تجربة النظام الخاص في مصر إلى سورية والأردن ولبنان والعراق فجاء إلى الأردن واستضفناه في بيتنا هو وعائلته ثم استأجرنا له بيتا وأسسناه له فقد كان والدي تاجرا ميسور الحال وأ×ذ جويفل يعمل على إعادة تنظيم الجماعة على غرار مصر وأقنع الإخوان بأن يحمل رئيس الجماعة لقب المراقب العام وأن تشكل مكاتب للجماعة في المدن الرئيسية ودعا إلى مؤتمر عام للمثلي المناطق لإقرار النظام الأساسي للإخوان.

وكان من المتحمسين معه الشباب الدارسون في مصر ممن تخرج أو ما زال على مقاعد الدراسة وكان لهؤلاء بريق وتأثير باعتبارهم الأقرب إلى الجماعة الأم في مصر والأكثر خبرة ودراية وعمل جويفل على إنشاء سري للجماعة في الأردن على غرار النظام الخاص في مصر وصار يلتقي شباب الإخوان ويدربهم في رحلات ومخيمات وكنا معجبين به كثيرا فقد كان يشارك في عمليات عسكرية ضد الإنجليز وضد النظام الملكي في مصر.

وفي عام 1954 م حدث اختلاف بين المراقب العام والحكومة وفي أثناء ذلك كان جويف في سورية فاتصل بمجموعة من الجاز السري لتنفيذ أعمال لو تمت لأدت إلى كوارث كانت الجماعة ستدفع ثمنها حتى اليوم فاعترضت عليها وقلت إنها لا تجوز شرعا ووافقتني المجموعة المسئولة الرأي وقامت المجموعة التي كانت تعمل مع جويفل بترك الإخوان.

ويقول الدكتور عبد اللطيف عربيات عن تلك الفتنة كان كثير من الإخوان المصريين يأتون إلى الأردن فرارا من عبد الناصر فجاء واحد باسم عبد العزيز سالم نجيب جويفل وأقام في الأردن وعمل في صفوف الجماعة سنوات واكتشف أنه يقود فتنة أدت إلى خروج مجموعة من الإخوان.

كان جويفل يقول إنه هرب من السجن وقال هرب من طاقة الحمام، وهو طويل وضخم الجسم وقد جمع حوله مجموعات ذات نظرة تغيرية وتريد أن تكون قيادة بديلة وانتقل إلى دول عربية أخرى وقام بشق الصف فيها وإحداث فتنة داخلية في سورية و العراق ولبنان والكويت وأنا التقيته وهو ذكي وطموحاته عالية

وكنا ننظر إليه أنه عملاق وكان له تلاميذ يؤمنون بمدرسته وهم الذي خرجوا معه ولم يكتشف أمره حتى جاء إلى مؤتمر شتورة الذي عقد عام 1961 م لبحث القضية الفلسطينية بصفته العميد نجيب جويفل مندوبا عن الحكومة المصرية وبعد ذلك عمل مندوبا لعبد الناصر وحكومة الثورة لدى العمل الفدائي في الأردن وكان برتبة لواء.

أما الفتن التي أثارها نجيب جويفل في سورية ففي أوائل الخمسينيات من القرن الماضي انتشرت أفكار حزب التحرير في دمشق حيث وصل إليها في ذلك الوقت بعض قادة الحزب قادمين من الأردن وفلسطين وكان التحريريون يتقنوني الجدل، والنقاش ويرون صحة أفكارهم وأساليبهم التي تعتمد على زخم الفكر والثقافة والسياسة وكانوا يخطئون الإخوان في فكرهم وأسلوبهم في الدعوة ويكثرون من انتقادهم وبخاصة نقد قائد الحركة الدكتور السباعي واحتدم النقاش بين الحزب والإخوان وتحدث صراع فكري، وانتهى الخلاف إلى مهاترات كان لها أثر سيئ على الجماعة.

وفي تلك الأثناء وصل إلى دمشق نجيب جويفل هاربا من السجن في مصر، فوجد الجو مهيئًا لتنفيذ خطة قيل إنه كان قد كلف بها وعمل جويفل مدرسا في المعهد العربي بدمشق وكان يسمى نفسه عبد العزيز سالم واستغل الظرف وبدا يؤجج نار الخلاف بين الطرفين.

ولما اعتقل الدكتور السباعي في عهد التشيشكلي، بدا جويفل يدعو عددا من النشيطين في الجماعة ويكتل مجموعة منهم خفية وكان يركز على التربية والتكوين ويهاجم النشاطات العامة والخطابات ويقصد من وراء ذلك الطعن بقائد الجماعة الشيخ السباعي.

وأخذ يهيئ النفوس ضد الشيخ، ويحاول تشكيل نظام سري خاص سبيه بالنظام الذي كان يرأسه عبد الرحمن السندي في مصر وبدأ ينمو هذا النظام تدريجيا عام 1952 م وشكل جويفل قيادة سرية وكان تأثير هذا النظام ينحصر في دمشق وحمص ودرعا ويروي السيد عدنان الطباع بعض التفاصيل عن الانشقاق فيقول:

في عام 1952 م قام أنور حمادة وبعض المرتبطين سرا بنجيب جويفل بالاتصال بعدد من شباب الإخوان وحاولوا ربطهم بمجموعته وإبعادهم عن الشيخ مصطفى السباعي الذي كان يقيم في بيته بدمشق إقامة جبرية وبعد إخراج الشيخ من سورية وإقامته في المنفى ببيروت ازداد نشاطهم وأشاعوا بين الإخوان أن الجماعة أصبحت مرتبطة بمصر مباشرة ولم يعد الشيخ مصطفى مسئولا.

على أثر ذلك تشكل مكتب في دمشق مرتبط بالشيخ السباعي لتسيير العمل وطلب من الشيخ العودة سريعا إلى دمشق حتى لو أدى إلى دخوله السجن فعاد الشيخ إلى دمشق أواخر 1953 م وبدأت لقاءات متعددة مع مجموعات من الإخوان لتوضيح ما يحصل في الخفاء وفي هذه الأثناء بدأ الصراع يظهر للعيان، وصدر قرار من المكتب التنفيذي للإخوان في سوريا بفصل عدد من المنشقين ووقف إخوان دمشق الكبار وقفة وفاء مع السباعي ضد المنشقين.

وبعد حوادث الإخوان في مصر عام 1954 اختلف المنشقون مع بعضهم بعضا وتبين لبعضهم أن نجي جويفل يعمل عميلا للسلطات المصرية أيام عبد الناصر وأنه كان برتبة لواء، وأن مهمته كان تمزيق صف الإخوان في كل مكان حتى أنه ظهر في بعض السجون في مصر مع المكلفين من قبل الدولة بالتوعية ولما رآه الإخوان بصق عليه بعضهم داخل السجن.

وكان نجيب جويفل قد اتصل بإخوان الأردن وحاول إثارة فتنة عندهم وحرضهم على السباعي والصواف وقد ذكر لي الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة هذا التصرف فقال كان نجيب جويفل يتصل بي بعد وصوله إلى دمشق ويطلب مني أن أكون مراقبا عاما للإخوان بدلا من الحاج عبد اللطيف أبو قورة، فلم أوافق وبعد اختارني الإخوان مراقبا عاما كان يتصل بي ويوغر صدري على السباعي والصواف وكنت أصحح له أفكاره ومعلوماته عنهما وكان يظن أنني سأطاوعه في كلامه ولما لم أستجب صار بيني وبينه جفاء.

وكان قد جاءني على راس وفد من الشام شباب أحضرهم لمقابلتي وطلب مني أن أكون مراقبا عاما للإخوان في الأردن والشام فرفضت مقابلة الوفد.

ولما ذهبت إلى الشام لحضور مؤتمر هناك، وبقيت في الشام قرابة الشهر، قام المنشقون بدعوتي إلى مركز الجابية فوجدت عدد كبيرا وألقيت فيهم كلمة وقلت لهم والله إنه ليشرفني أن أدخل كلية الشريعة وأتتلمذ على السباعي وذكر لهم أوصاف السباعي وصارحتهم ونصحتهم بأن يعودوا إليه ويتفقوا معه ورفضت أن أكون مراقبا عاما للإخوان في الأردن والشام وقلت لهم: إن عمان تتبع دمشق وليس العكس ثم انسحبت من اللقاء.

استقالة أبو قورة... واختيار قيادة جديدة

الحاج عبد اللطيف أبو قورة رجل كريم النفس ومن خيرة الناس وهو مؤسس الجماعة في الأردن كان يتمتع بثقة إخوانه وثقة جميع الخيرين في هذا البلد ولكن توجه العمل الإسلامي نحو السياسة وقيام الصراع الحزبي بين الإخوان والأحزاب الشيوعية والبعثية استدعى أن يكون للجماعة قيادة تواجه هذه المد الحزبي والحاج عبد اللطيف جزاه الله خيرا لم يكن في مستوى ثقافي وسياسي يمكنه من مواجهة هذا المد الحزبي الآخر..

يقول الدكتور عبد اللطيف عربيات وهذه إحدى التوجيهات التي كنا نسمعها ونحن شباب من الذين يدعون إلى التغيير ومن الطبيعي أن يكون ذلك وإن قيادته الجماعة ما يقرب من ثماني سنوات (1946م- 1953 م) فمن الطبيعي أن يكون بعدها تغيير والإخوان قالوا أبو قورة مؤسس والآن نحن بحاجة إلى قيادة جديدة، وكان هذا رأي كثير من الإخوان أنهل لابد من التغيير لمواجهة التطورات التي سادت المنطقة في ذلك الوقت.

وفي هذا الموضوع يقول الدكتور عزت العزيزي لقد استمرت قيادة الحاج عبد اللطيف أبو قورة للجماعة حتى عام 1952 ثم بدأ رحمه الله في توجيه قيادة الجماعة إلى التغيير واختيار قيادات شابة من المتعلمين وخريجي الجامعات الذين لم يكونوا من قيادة الجماعة في أول تأسيسها وكان يقول إنني قد تجاوزني الزمن ولابد من إفساح المجال لدم جديد وقد سمعته مرة يقول نحن أسسنا الجماعة وجاء دور الشباب ليتحملوا المسؤولية وكان يتصل ببعضهم ليقنعه بتولي أعمال قيادية

وبهذا كان رحمه الله من أسبق قيادات الجماعة إلى إعادة تقييم الذات وعدم التمسك بالموقع القيادي وقد اشترك مع عدد من قيادة الجماعة آنذاك بالبحث عمن يمكنه تحمل المسئولية وأذكر من مجموعة البحث هذه الحاج عبد اللطيف نفسه وممدوح الصرايرة وممدوح كركر، ومنصور الحياري، وبعد العزيز سالم وقد وقع اخيتارهم على المرحوم القاضي نايف الخطيب وعرضوا عليه قيادة الجماعة إلا أن نايف الخطيب اشترط لقبول التكيف أن يكون مؤقتا لمدة سنة واحدة فإذا قررت القيادة صلاحيته وجرب هو نفسه لهذه المهمة تفرغ لها وترك عمله في القضاء.

لكن القادم من مصر نجيب جويفل أصر على ضرورة الاختيار الدائم من أول الأمر واستطاع أن يقنع بقية الإخوان برأيه وبدأ البحث عن بديل واقترح القاضي محمد عبد الرحمن خليفة الذي قبل العرض متفرغا وتم اختياره لموقع المراقب العام للإخوان المسلمين ومعه المكتب العام ولكل شعبة هيئة إدارية.

يقول إبراهيم غرايبة أن الأستاذ زهير الشاويش أحد قادة الإخوان في سورية روي لعوني العبيدي أن جويفل أفسد العلاقات في الأردن مما سبب في انتقال رئاسة الإخوان من أبو قورة إلى محمد خليفة ولم يشارك خليفة في تلك الفتنة وكان تسلمه للرئاسة إنقاذا للجماعة.

ويروي الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة للعبيدي أن مجموعة الإخوان التي جاءته إلى مأدبا لإبلاغه بنبأ اختياره مراقبا عاما للجماعة، وكان من بينها نجيب جويفل، و ممدوح كركر، و ممدوح الصرايرة، و مشهور الضامن، و حسن البرقاوي، ويوسف البرقاوي، و محمد أبو الفيلات.

ويقول عوني العبيدي في كتابه صفحات من حياة الحاج عبد اللطيف أبو قورة إن الفتنة التي حدثت في مصر، والفتن التي أثارها نجيب جويفل في بلاد الشام عامة والكويت وفي الأردن خاصة وبث بذور الفتنة بن أفراد الجماعة في عمان كانت من الأسباب التي دفعت الشيخ عبد اللطيف أبو قورة إلى تقديم استقالته.

ويروي عن الحاج ممدوح أنه يؤكد نظافة يد الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة من تلك الفتنة فقد ذكر له عند مقابلته، أن التصويت لصالح الأستاذ أبو ماجد قد تم في المكتب العام دون علمه فقد كان حينئذ يعمل قاضيا في مأدبا، وقد سبق أن رشح لمنصب المراقب العام بدلا من الحاج عبد اللطيف القاضي نايف الخطيب إلا إنه رفض ترشيخ نفسه فاختار الإخوان الأستاذ خليفة مراقبا عاما للجماعة.

ويروي عن السيد غالب أبو قورة أن من الأسباب التي أدت إلى استقالة والده الحاج عبد اللطيف من جماعة الإخوان المسلمين رأيه في الانتخابات التي كان يحضر لها في الخمسينيات وخلاصته:

أنه طالب الجماعة عدم خوضها بنسبة لا تشكل الأغلبية في البرلمان حتى لو نجح جميع المرشحين، لأن هذه النسبة الضئيلة لن تمكن الجماعة من تطبيق الشريعة الإسلامية بينما كان رأي الأغلبية من الإخوان أن دخولهم الانتخابية لتشكيل الأغلبية في البرلمان في ذلك الوقت مستحيلة وأن بقاءهم خارج قبته لن يتيح لهم فرصة إبداء الرأي أو المعارضة أو شرح المفاهيم الإسلامية كما لو كانوا تحت هذه القبة وطبعا تغلب رأي الأكثرية في صفوف الجماعة على رأي المعارض فقدم استقالته التي لم تمنع الإخوان من الرجوع إليه على اعتباره أخا لهم يتشاورون معه ويتناقشون في كثير من القضايا التي تهم دعوتهم.

أما الاستقالة فكان نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين أعزه الله –القاهرة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.

نزولا عند حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: إذا رأيت شحا مطاعًا وهوي متبعا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخصوصية نفسك ودع عنك أمر العامة، ونزولا عند كثير من الإخوان الذين لم تسجل أسماؤهم بدفاتر الإخوان المسلمين ممن قامت على أكتافهم وعواتقهم الدعوة وجميع مشاريع الإخوان في المملكة الأردنية من بناء وشراء دور ومدارس وشركات اقتصادية أتشرف لفضيلتكم برفع استقالتي من جماعة الإخوان المسلمين رافعا عن عاتقي كل تبعة ومسئولية أمام الله والناس أجمعين والله أسأل أن يسدد خطابا ويهدينا جميعا سواء السبيل وختاما تفضلوا بقبول وافر الاحترام.

أخوكم عبد اللطيف أبو قورة.

عميد الدعوة في الأردن.

وبعد استقالة الحاج عبد اللطيف من الجماعة عام 1953 م استمر في مسيرة العطاء والخير والتضحية التي كرس حياته ونذر نفسه ووقته وجهده وماله للقيام بها وذلك من خلال عشرات الجمعيات والمراكز التي كان له فضل كبير في تأسيسها وتفعيل نشاطاتها والتي كتبنا عنها عند الحديث عن مجالات نشاطه.

وفي سنة 1954 م قام المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين الأستاذ حسن الهضيبي بزيارة إلى بعض الأقطار العربية، كانت الأردن وفلسطين من بينها، وجاءت الزيارة من قبل المرشد العام إلى فلسطين خاصة تعبيرا من الإخوان المسلمين عن اهتمامهم وتفاعلهم مع هذه القضية المقدسة في وقت كانت فيه الجماعة في مصر تواجه مؤامرة جديدة للإيقاع بها على يد الزمرة العسكرية التي كشفت الحقائق فيها بعد أن المؤامرة كانت بتحريض من القوى الصليبية العالمية وعلى رأسها بريطانيا وأمريكا اللتان كانتا تريان في الإخوان المسلمين الخطر الحقيقي على ربيبتهما إسرائيل.

وقد انتهز الأستاذ الهضيبي هذه الزيارة ليؤكد موقف الإخوان المسلمين الثابت من قضية فلسطين وقد استأثرت زيارته باهتمام الصحافة العربية التي تسابقت إلى نشر تصريحات فضيلته عن القضية.

وخلال زيارته للأردن قام بزيارة إلى بيت المراقب العام السابق للإخوان الحاج عبد اللطيف أبو قورة الذي له في نفوس الإخوان وقلوبهم مكانة خاصة وضمن حديثه عن الإمام الشهيد حسن البنا، وكما روي الأستاذ منصور الحياري، الذي كان موجودا في أثناء الزيارة قال أنا مجرد قاضي أما حسن البنا فذلك رجل نشأت الدعوة في ذهنه وإنكم لتظلموني وتظلمون البنا إذا قارنتموني به إنما هي الظروف التي جاءت بي لأكون خلفا للإمام الشهيد.

وفاة الحاج عبد اللطيف أبو قورة

بعد عمر زاخر بالجهاد والتضحية والعطاء، توفى الحاج عبد اللطيف أبو قورة في العشر الأواخر من رمضان 1384ه الموافق 2/1/ 1967 م قبل سقوط القدس الشريف بأيدي الصهاينة عن عمر يناهز الستين عاما قضاها في أعمال الخير والبر والتقوى والجهاد بالمال والنفس طلبا لمرضاة الله عز وجل ثم خدمة لشعبه ووطنه والإسلام والمسلمين ولم يكن يسعى إلى منصب أو جمع مال أو طلب دنيوي زائل. نرجو الله أن يرحم الحاج عبد اللطيف أبو قورة ويسكنه فسيح جناته

وقامت جماعة الإخوان المسلمين بنعي الفقيد بالبيان التالي:

جماعة الإخوان المسلمين

تنعي المجاهد الكبير الأخ الحاج عبد اللطيف أبو قورة.

لقد كان الفقيد من مؤسسي الدعوة الإسلامية وحاملي لوائها كما تولى منصب المراقب العام للجماعة لعدة سنوات وكان عضوا في الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين في مصر وسبق له شرف الجهاد في فلسطين قائدا لكتائب الإخوان المسلمين في الأردن التي أبلت البلاء الحسن في الذود عن فلسطين عام 1948 م وللفقيد الأيادي البيضاء في دعم مشاريع الخير والبر والمؤسسات النافعة بما كان يبذل من ماله وجهده ورأيه.

رحم الله الفقيد الكبير وعوض المسلمين بفقده خيرا وألهم الأمة الإسلامية الصبر وإنا ولله وإنا إليه راجعون.

وشيعت البلاد جثمان المجاهد الكبير الحاج عبد اللطيف أبو قورة وقد راق الجنازة وزير البلاط السيد سعد جمعة ممثلا عن جلالة الملك الحسين بن طلال، وعدد من الوزراء والأعيان والنواب وجمع كبير من الإخوان والوجوه والمواطنين.

وبمناسبة مرور أربعين يوما على وفاته أقيم للمرحوم الحاج عبد اللطيف أبو قورة حفل تأبين كبير في قاعة الكلية العلمية الإسلامية بجبل عمان تحدث فيه أحباؤه وأصدقاؤه وقد حضر حفل التأبين رئيس الوزراء بالوكالة السيد وصفي ميرزا ودولة السيد سعيد المفتي رئيس مجلس الأعيان والأعيان والنواب والسفراء ومحافظ العاصمة وعدد كبير من رجال الدولة وكان من بين الذين تحدثوا في الحفل السادة:

الشيخ عبد العزيز الخياط، والحاج محمد علي بدير، والأستاذ ضيف الله الحمود محافظ العاصمة والشيخ عبد الباقي جمو، والأستاذ جميل بركات، والشيخ إبراهيم زيد الكيلاني والأستاذ حسن التل وشاعر شباب فلسطين الأستاذ محمود الأفغاني، والأستاذ الأديب محمد أبو صوفة، وكلمة آل الفقيد ألقاها نجله غالب أبو قورة أما عريف الحفل فكان السيد سليمان عربيات.

لقد عاش أبو قورة مضحيا بوقته وماله وما يملك في سبيل دعوته، حتى إن أبناءه لم يكن لهم نصيب كبير في هه الحياة الزاخرة بالعمل والعطاء والجهاد إلا أنهم وبعد أن رأوا آثار تضحيته يقولون:

إن الكنز الذي أبقاه لنا والدنا الحاج عبد اللطيف، والذي لا ينفد هو سيرته الطيبة وذكره الخالد، مع أننا لم نكن نعرفه كما يعرفه الناس ولم يعشش لنا كما عاش لهم إن والدنا كان لغيرنا لا لنا، وقد كنا ونحن صغار نضجر من هذا لجهلنا بقيمة ما يفعله والدنا ولكن عندما أصبحنا نحن عبد اللطيف أبو قورة في نظر كل من يرانا، ويعرف والدنا رحمه الله أدركنا أن والدنا لم يضيعنا ولم يقصر تجاهنا، وها هو معنا في كل قلب ينبض لذلك الوالد الحبيب.

كلمات تقدير ووفاء

العلماء والأدباء ورجال الفكر الذي عاصروا الحاج عبد اللطيف واطلعوا على نشاطه الميمون وجهاده المبارك كثيرون والذين كتبوا عن سيرة هذا الرجل كلمات مضيئة ومعرة تحمل معاني الصدق والإعجاب والتقدير والوفاء أيضا كثيرون وقد اخترت بعض تلك الكلمات ودونتها في هذه الصفحات:

كلمة الأستاذ حسن التل :

أبو غالب هو رائد من رواد الدعوة الإسلامية وأول من دعا إلى تنظيم العمل الإسلامي في الأردن وقد تزعم حركة الإخوان المسلمين واستطاعت الدعوة تحت قيادته أن تحقق انتصارات واسعة في طبقات الأمة المختلفة وكان ندى الله تربته يتميز بخصائص وصفات قل وجودها بين الرجال فهو أبو الجميع وهو المثل والقدوة وهو المسلم الذي ضم قلبه الكبير حب أمته من المحيط إلى المحيط.

إننا نبكي في أبي غالب رجولته وبسطه كفه وجهاده الطويل الحافل في سبيل دينه وأمته ونبكي فيه نوعا من الرجال أخذ يتلاشى من بيننا من هذا الزمان عاش وقضي وهو وفي لدينه وأمته ففي أواخر أيامه ورغم إنذار المرض له، أبى أن يستريح فقد جمع كل من وجد فيه معالم الخير في بلده، جمعهم في بيته وشرح لهم ظروف الأمة وأطلعهم على ما يحاك ضد هذا الدين في مؤامرات وحملهم تبعه العمل ودعاهم لتأسيس العروة الوثقى فكانت جمعية العروة الوثقى آخر ما نسجته يده الطيبة.

كلمة الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة... وقد ردت في أثناء الكلام عن أبو قورة قدوة للأجيال ص52.

كلمة الأستاذ جمعة حماد.. وقد وردت في أثناء الكلام عن أبو قورة .. قدوة للأجيال ص53.

مقتطفات وآراء لعدد من عارفيه: منهم الأستاذ أكرم زعيتر، والشاعر محمد أبو صوفية والشيخ محمد محمود الصواف، والأستاذ زهير الشاويش والسيد عودة محمد وقد ورد كلام بعضهم في كلمات التقدير والوفاء وكلام البعض الآخر في أثناء الكلام عن أبو قورة قدوة للأجيال.

يقول الأستاذ أكرم زعيتر في رسالة بعث بها إلى نجل الفقيد الأستاذ غالب أبو قورة جاء فيها: لأنني أعتقد أن تكريم ذكرى الوالد المجاهد الإسلامي الصادق واجب على كل من عرفه فإنني من أكثر الناس إحساسا بفداحة مصاب هذا الوطن بفقد الوالد العظيم رحمه الله.

أما الشاعر الأديب الأستاذ محمد أبو صوفة فقد نظم فيه قصيدة قال فيها:

هز المصاب قلوبنا فتقرحت

أكبادنا والدمع في الأجفان

إن المصيبة في النفوس عظيمة

آثارها تالله في الوجدان.

يا أيهال الرجل الكبير بقلبه

هذه الجموع تمور بالأحزان

في كل عضو بعد فقدك قرحة

في القلب والأحشاء والأبدان

مالي أراك أخا الجهاد تركتنا

نهب الأسى ولواعج الأشجان

أنت الجواد وليس يجحد جاحد

منك الأيادي يا أخا الإخوان

اليوم يندبك الحما متفجعا

يبكي عليك قصيه والداني

أفنيت عمرك في البلاد مجاهدًا

ذودا عن الأعراض والأوطان

ومن بين ما قيل في الفقيد الكلمة التي كتبتها لجنة التأبين والتي جاء فيها:

لقد تناول نشاطه البارز العالم الإسلامي كله ففي حرب التحرير الأندونيسية كان منزله موئلا لكل مجاهد مسلم يجوب الأرض داعيا لحقوق بلاده، يؤمن لهم أسباب الراحة ونفقات السفر وما يحتاجون إليه من نفقات مختلفة.

وعندما اشتدت ثورة الجزائر أسهم في تشكيل لجنة نصرة الجزائر وقام على جمع المال وتذكير المسلمين بواجبهم نحو إخوان العقيدة فوق قمم أوراس وأغوار الجزائر الذين يحاربون فرنسا والحلف الأطلسي، وقد واصل جهاده المبرور حتى تحقيق النصر لثورة المليون شهيد فارتأى مع إخوانه الأكارم أن تكون هدية الأردن المرابط للدولة الوليدة دارا فخمة تكون مقرا لسفارتها، وتم شراء الدار وقدمت هدية رمزا للإخوة والوفاء.

وفي حرب الحدود بين باكستان والهند من أجل كشمير المسلمة شكل رحمه الله لجنة نصرة باكستان وقامت هذه اللجنة بجمع الأموال والأدوية من الشعب الأردني وأرسلت إلى شعب باكستان كرمز للتعاون بين الشعبين الشقيقين وقد علقت الصحافة الباكستان ية على هذا الجهاد المشكور بقولها: من كشمير إلى فلسطين يا أتباع محمد حرروا كشمير وحرروا فلسطين من المشركين والكفرة يا خير أمة أخرجت للناس.

أبو قورة.. قدوة للأجيال

في عصرنا الحديث عرفنا نماذج من الرجال الذي يقتدي بفعالهم وأخلاقهم وتقواهم وعرفنا نوعية من الدعاة تميزوا بإيمانهم وجهادهم ومواقفهم وأحسب أن الحاج عبد اللطيف أبو غالب يرحمه الله كان في مقدمة هؤلاء الرجال وأولئك الدعاة

لقد اتسمت شخصية أبي غالب بصفات وميزات جعلته من الشخصيات النادرة الوجود في هذا الزمان ومن أهم هذه الصفات:

الصدق، والعبادة، والتقوى والورع، والكرم والسخاء والبر والإحسان والرحمة والشفقة والزهد في الدنيا والإخلاص في العمل.. فقد كان صاحب أفعال حميدة، وصفات طيبة وسيرة عطرة وكان تاجرا ناجحا ومجاهدا صلبا، وداعية موفقا يهدي إلى الحق بعمله وكان يملك قلبا ينبض بالشفقة والرحمة ونفسا زكية سخة في عمل الخير كان يرحمه الله رجل مواقف وداعية إصلاح ورائد خير وكانت له مواقف وطنية كريمة يحفظها له الناس ويذكرونها له دائما بالإعجاب والتقدير وقد ذكرت الكثير من هذه الصفات وتلك المواقف في أثناء الكتابة عن جهاده ونشاطه.

وبعد هذا التقديم فسوف أتحدث عن القدوة في سيرة أبي غالب من خلال شهادات عدد من إخوانه وعارفيه:

• يقول فضيلة الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن عن علاقاته بالحاج عبد اللطيف وأثره فيه وللعلاقات الطيبة مع الحاج أبي قورة أثرها في إقبالي على دعوة الإخوان فقد كان يرحمه الله يدعونا وبعض الإخوة لاستقبال الدعاة والعلماء الذين يرسلهم الإمام الشهيد الأستاذ حسن البنا إلى الأردن لنشر الدعوة وأفكارها وشرح خصائصها وسماتها ومن أبرز هؤلاء الأستاذ سعيد رمضان والشيخ عبد المعز عبد الستار والأستاذ عبد الحكيم عابدين، وغيرهم..

وكانت أبرز الأماكن التي تلقى فيها المحاضرات المسجد الحسيني ومقهى المنشية وشعب الإخوان وأبرزها شعب عمان والسلطة وجرش وإربد والكرك.

وكانت لتلك المحاضرات التي ألقاها أساتذة الدعوة أثرها البالغ في إقبال الكثير من أبناء الأردن خاصة المتعلمين والموظفين على الدعوة وكنت واحدا من هؤلاء الذين ملأت الدعوة عقله وقلبه ووجدانه.

ويقول فضيلة الشيخ محمد محمود الصواف.. المراقب العام للإخوان المسلمين في العراق وكان الحاج عبد اللطيف أبو قورة قد حمل السلاح وقاد المجاهدين المؤمنين من الإخوان المسلمين في الأردن وكان رحمه الله من صالحي الرجال ومن الشجعان الصادقين الصامدين و على رأسهم مؤسسي الحركة الإسلامية في الأردن العزيز، ولقد نزلت ضيفا مكرما في داره العامرة في عمان ولم يلق السلاح طوال أيام الجهاد وكان قد حضر إلى عمان لبعض الشئون ثم عاد إلى منطقته في القدس الشريف في قرية بتير التي تقع بين القدس والخيل.

وأما الأستاذ زهير الشاويش فيقول: الحاج عبد اللطيف أبو قورة من أفاضل من عرفنا في هذا البلد الكريم سلامة قلب ونظافة فكر وسخاء يد وإدراك المعاني البعيدة التي ال يدركها إلا أهل الوعي والعلم بين الناس عادة، وقد شهدنا له المواقف الجليلة والكلمات المؤثرة والاندفاع المحمود طوال مدة قيادته.

وكتب الاستاذ جمعة حماد: كلمة عن الحاج عبد اللطيف بعنوان النفس الزكية فقال لقيته أول ما لقيته في مكتب المؤتمر الإسلامي في القدس وكان مستمعا أكثر مما كان مشاركا في الحديث ولكن كلماته على قلتها كانت تحمل معها حركات قلبه، فتتبعت الرجل من يومئذ وكأني موكل به، فلم أجده إلا في مجتمع للخير، أو ساعيا في تلبية دعوة إليه، لم أجده إلا في طريق العمل لتقديم العون للمحتاج أو لقاء للإصلاح بين المتخاصمين أو لتفريج كربة أو رفع مظلمة ولم أصادفه إلا في جمع لبناء مسجد أو إنشاء مدرسة أو شريكا في عشرات اللجان التي ألفت لنصرة الأقطار الإسلامية المكافحة والمؤتمرات التي تجمعت في شتى المناسبات لخدمة الإسلام والمسلمين.

لقد عرفت الحاج عبد اللطيف بعدها وأحببته حبي للخير الذي يسعى إليه، أو يدعو الناس للسعي نحوه ولقد جهدت أن ألبي كل دعوة منه، وأن أوسع في المنار لكل جمعية يشترك فيها لأنه يمثل في نظري بحركته الدائبة راية حيثما انتصبت فثمة عندها عمل الخير من أجل الحق وحده.

لقد كان الفقيد يجهد في خدمة الإسلام كأنه وحده المكلف بخدمته، وكان يتألم حال المسلمين كأنه هو الذي يحمل أوزارهم لقد كان من أولئك الربانيين الين يندر أمثالهم في هذا الزمان ومن هنا فداحة الخطب واتساع الثغرة التي يتطلع إليها ومن خلالها الفقراء يقصدهم أبو قورة في بيوتهم والكلية الإسلامية التي لقي مصرعه وهو يسعى في سبيلها لقد ترك عبد اللطيف أبو قورة حملا ثقيلا نسأل الله أن يقيض لهذه الأمة من يحمله، أما هو فقد عمل في حياته صالحا وأدى واجبه كاملا ولقي ربه في هذه الأيام المباركة.

راضيا مرضيا مع تلك القافلة المؤمنة التي لا تخاف أفرادها ولا هم يحزنون.

أما السيد عودة محمد فقد كتب كلمة في جريدة اللواء بعنوان: الماضي العطر والسرة النضرة قال فيها.

كان الحاج عبد اللطيف أبو قورة رحمه الله عينا من أعيان البلاد، اكتسب هذه الحاج اللقب بحق من خلا تعامله مع الناس فأسأل أي فرد من أبناء الأردن فإنهم يجيبونك جوابا واحدا، إنه كان كريم اليد والأخلاق وكان يواسي الناس بماله ويسخر جاهه لمصلحة الجميع

وكان يؤثر إخوانه على نفسه وقد كان داره دائما مليئة بالمعارف والأصحاب وأصحاب الحاجات وفي أحد الأيام كانت عنده دعوة للغداء أو العشاء وحضر المدعون وإذا بامرأته تنادي وتقول له إن ابنك فلانا قد توفي فيقول لها أكتمي حتى يذهب الجميع وفعلا أكل الجميع على مائدته وانصرفوا وانصرف الحاج عبد اللطيف لتجهيز ولده الجهاز الأخير.

وكم عائلة مستورة كان يعيلها وكم صرحا مثل الكلية العلمية الإسلامية وغيرها من مدارس ومساجد كان له اليد الطولى في بنائها وكان إذا تعسر على أحد الناس أمر من الأمور لجأ إلى الحاج عبد اللطيف فإذا به قد تبنى هذا الأمر وأخذ يراجع المسئولين فيكرمونه وينجزون له ما أراد وهو جاهد وإخوانه في فلسطين وهو الذي رحب بمن جاءه من إخوانه من مصر وسورية وغيرها وأقاموا لديه ثم ذهبوا إلى فلسطين وأعتقد أن كثيرا من الإخوان الذين ما زالوا على قيد الحياة يذكرون للرجل قدره وجهاده.

الإخوان المسلمون يكرمون الرعيل الأول في الجماعة :

أقامت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حفلا تكريما لأهل السابقة والإبداع الدعوي في الجماعة والدعوة في المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين في عمان الساعة الواحدة من ظهر يوم الأحد 17/7/2005 م

وقد كتبت جريدة السبيل عن هذا الحفل التكريمي فقالت أقامت جماعة الإخوان المسلمين حفلا تكريميا للرعيل الأول من الجماعة والدعوة في المركز العام للجماعة تناول فيه عريف الحفل عضو المكتب التنفيذي السابق الأستاذ سالم الفلاحات بداية نشأة وتأسيس الجماعة في الأردن إضافة إلى الدور الذي لعبته الجماعة في الإصلاح والتغيير وعدد الفلاحات مناقب الفقيد الحاج عبد اللطيف أبو قورة الدعوية والنضالية خصوصا في القضية الفلسطينية ومنها أنه كان أول من بايع الإمام الشهيد حسن البنا عام 1945 م وذكر من مواقفه النضالية قيادته فرقة أبي عبيدة عامر بن الجراح من الإخوان المسلمين لأردنيين المتطوعين للجهاد في فلسطين.

كما أشاد الفلاحات بالمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة الذي قاد الجماعة في ظروف مختلفة ثبت فيها على الحق في جميع ميادين الدعوة ثم ذكر مناقب المكرمين الباقين: الأستاذ يوسف العظم والدكتور إبراهيم زيد الكيلاني والدكتور محمد أبو فارس والأستاذ حسني أدهم جرار وتحدث عن الدور الذي لعبه كل منهم خدمة للإسلام والمسلمين.

ولما أعطيت الكلمة لفضيلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ عبد المجيد ذنيبات قال: إن هذا الحفل يأتي تكريما لأهل الفضل والسابقة من أبناء الجماعة وأبناء الدعوة مؤكدا أنه ستكون بداية خطوات قادمة لتكريم أهل الفضل والسابقة من أبناء الجماعة

وتحدث الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني بالنيابة عن المكرمين والمبدعين وأشاد بالأخوة الصادقة التي تميز أفراد الجماعة والذين لا يرجون لإخوانهم ولا يتمنون لهم إلا العافية والخير.

وحضر الحفل عدد من الشخصيات الإخوانية والقيادية والنسوية من بينهم نجلا المؤسس الأول للجماعة في الأردن السيدان محمد سعيد أبو قورة وقتيبة أبو قورة.

وفي نهاية الحفل وزعت دروع تذكارية على أهل الفضل والإبداع الدعوي في الجماعة سلمها فضيلة المراقب العام الأستاذ عبد المجيد ذنيبات كما قد المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان مجموعة مختارة من أمهات الكتب لكل واحد من الإخوة المكرمين.

الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة

(1338- 1427هـ) (1919- 2006م)

  • تقديم
  • نشأته ومسيرة حياته
  • أبو ماجد.. بين مغريات الحياة وحرب الشائعات والاعتقال
  • مجالات نشاطه:

- نشاطه في مجال الدعوة.

_ نشاطه في المجال الاجتماعي.

- أبو ماجد . والقضية الفلسطينية.

- نشاطه في الميدان السياسي:

نشاطه في القضايا الوطنية.

نشاطه في القضايا العربية والإسلامية.

دوره في التوجيه والإصلاح

مراقبة عام جديد.

مرض أبي ماجد ووفاته.

كلمات تقدير ووفاء:

- كلمة الأستاذ سالم الفلاحات

- كلمات المستشار عبد الله العقيل .

- قصيدة رثاء للشاعر أيمن العتوم

- أبو ماجد ...قدوة الأجيال.

- الهوامش

تقديم

الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن (1953- 1994) نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في العالم في فترات عديدة، الناطق باسم التنظيم العالمي (الدولي) للإخوان المسلمين مؤسس المؤتمر الإسلامي في القدس في الخمسينيات من القرن العشرين عضو مجلس النواب الأردني (1956- 1961) مؤسس ورئيس جمعية المركز الإسلامي الخيرية في الأردن (1963- 2000) الداعية المجاهد والقائد الجريء كان في مقدمة الرواد والمصلحين الذين كانت لهم محطات مضيئة على صفحات تاريخنا المعاصر.. ومن الذين تركوا بصمات واضحة في تربية أجيالنا مدة زادت على الأربعين عامًا..

كان من الرجال الكبار، أصحاب الهمة وصناع الحياة .. كان كبيرا في شموخه واستعلائه على الباطل، وكبيرا في ثقته بدعوته كان يعمل للأردن وفلسطين ولم يكن رجل الأردن وفلسطين فحسب بل كان رجلا من رجالات أمتنا العربية والإسلامية في زمن عز فيه الرجال.

نشأته ومسيرة حياته

ولد الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة في مدينة السلط سنة 1919 م ونشأ في أسرة متدينة من عشيرة النسور وعاش هو وعائلته في مدينة تعتز بذاتها وتاريخها وقيمها التراثية، إذ الاعتزاز يكون بالنخوة والمكرمات والقيم الأصيلة في التعاون وفعل الخير والتنافس فيه.

تلقى تعليمه في كتاب الشيخ عفيف زيد، وقرأ القرآن على يديه، وحفظ جزء عم وجز تبارك في الكتاب ودرس في مدرسة السلط الثانوية وأنهى فيها الصف العاشر وأرسل في بعثة إلى كلية خضوري الزراعية في طولكرم، وحصل منها على دبلوم زراعة ثم دخل معهد دار المعلمين في القدس وحصل على دبلوم تربية.

وبدأ حياته العملة معلما في مدرسة حوارة الابتدائية ثم مدرسة الرمثا الابتدائية وترك التعليم والتحق بمعهد حقوق القدس وحصل منها على شهادة تعادل بكالوريوس محاماة أي حقوق وعمل بعد تخرجه مع المحامي ضياء الدين زعيتر لمدة سنتين واختاره المجلس القضائي في عمان قاضيا ثم شغل عدة مناصب في القضاء وكانت على التوالي قاضي صلح في معان، ومدعي عام في السلط ومساعد النائب العام في عمان ومدعي عام إربد، ومدعي عام الكرك ثم نقل إلى مأدبا ليشغل وظيفة القاضي والمدعي العام في الوقت ذاته واستقال الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة من القضاء في مأدبا عام 1953 م بناء على طلب مجلس الشورى في جماعة الإخوان المسلمين الذي اختاره مراقبا عاما للجماعة بتاريخ 26/12/1953 م وتفرغ للمحاماة بعد اختياره رئيسا للجماعة.

يقول الدكتور عبد اللطيف عربيات عن أبي ماد نشأ هو وإخوته نشأة عصامية حيث كانوا من المبرزين في الدراسة والناجحين فيها في المستويات الدنيا والجامعية والذي يشار إليهم بالصفات الخلقية والمعرفية ولهم التقدير والاحترام من أهل السلط كافة لما تميزوا به من نظافة في اليد واللسان والعلم الذي أخذ بهم إلى أعلى المراتب والدرجات.

وفقيدنا أبو ماجد رحمه الله قيض الله له التطواف في كل أنحاء الأردن والسلط طالبا بمدرسة خضوري الزراعية في طولكرم، والمعهد القضائي في القدس ومعلما في حوارة والرمثا، وقاضيا ومدعيا عاما في عمان والسلط ومعان ومأدبا ومعتقلا في سجن المحطة وفي الجفر ومنفيا في باير، ونائبا عن الإخوان في مجلس النواب الأردني.

وكثيرا ما حدثنا نحن تلاميذه وشهود عصره عن محطات هذا التطواف الغني بالخبرة والعلم والتجربة المباشرة في صميم هذا التنوع الكبير في الحياة والممارسة والتي تتم عن معرفة أكيده بواقع مجتمعنا ومعاناة أهل هذا البلد وفي اتجاهات العمل العام كافة.

ويقول الأستاذ يوسف الساكت ينتمي أبو ماجد عليه رحمة الله إلى عشيرة من أكبر عشائر السلط وأكثرها عددا ومنعة هي عشيرة النسور التي أفرزت من أبنائها وزراء ونوابا ورؤساء بلديات وأعيانا ومديرين عامين وكان لهذا الانتماء دور في بناء شخصيته القياديةي وتكوين الجرأة المنقطعة النظير.

وكان أبو ماجد منذ بداية شبابه يتميز بميزات، ويتصف بصفات عرف بها ولازمته طيلة حياته فقد كان جميل الهيئة حسن المنظر أنيق الملبس، طيب المعشر، وكان إلى جانب ذلك قوي الشخصية جريئا في الحق، وذا ثقافة واسعة.

ويقول الأستاذ علي موافي عن هذه الصفات في منتصف القرن الماضي كانت مدينة الكرك صغيرة بمساحة وعدد سكانها وعدد موظفيها وكان الناس يعرف بعضهم بعضا، وكان كبار الموظفين يذهبون من بيوتهم إلى مكاتبهم ويعودون منها على أقدامهم فالسيارات الخصوصية نادرة لذا كنا كثيرا ما نراهم في ذهابهم أو في إيابهم وقد لفت نظري وكنت طالبا في الإعدادية شاب فاره القامة جميل الهيئة حسن المنظر انيقا في ملبسه يبدو قويا كشجرة السندين فأعجبت به وعندما سألت عمن يكون؟

قيل لي أنه محمد عبد الرحمن خليفة المدعي العام وزدت إعجابا به عندما علمت أن المدعي العام يستطيع أن يحبس أي شخص يخالف القوانين والآداب العامة.

وللمعترضين على موضوع الأناقة وحسن المظهر أحيلهم إلى الأستاذ محمد الغزالي رحمه الله حيث يقول إن الأناقة في غير سرف والتجمل في غير صناعة وتزويق وإحسان الشكل بعد إحسان الموضوع من تعاليم الإسلام الذي ينشد لبنيه علو المنزلة وجمال الهيئة وبعض محترفي التدين يحسبون فوضى الملبس واتساخه ضربا من العبادة وربما تعمدوا ارتداء المرقعات والتزين بالثياب المهملة ليظهروا زهدهم في الدنيا وحبهم للأخرى وهذا من الجهل الفاضح بالدين والافتراء على تعاليمه.

ولكن الإعجاب الذي لفت العين في أبي ماجد تعمق وأصبح يلفت النفس عندما شاهدت وكثيرون غيري أحد أبنا المدينة وكان شقيقاي لأحد الوزراء آنذاك موقوفا في النظارة بمبنى السرايا، وكانت النظارة غرفة لها شباك يطل على الشارع الواقع بين السرايا والبلدية كان يصيح بأعلى صوته وهو في حالة غضب وانفعال،

ولما استفسرنا عن سبب إيقافه قيل بأن المدعي العام كان عائدا إلى الكرك بسيارة الشرطة من مهمة في إحدى القرى، فشاهد عند جسر الكرك وفي رمضان رجلا منهمكا في الشراب وكان الرجل معروفا بإدمانه على الخمور إذ قل أن تراه غير معاقر لها فحمل الرجل وأودع النظارة وعملنا أن شقيقه الوزير قد اتصل بوزير العدل والمتصرف اللذين حاولا إقناع المدعي العام بالإفراج عنه إلا أنه أبى وأصر على أن يقضي السكير ليلته في النظارة وهكذا كان.

وقد تناقل الناس الخبر وأعجبوا بجرأة هذا الشاب الذي لم يمتثل لتدخلات الوزيرين والمتصرف وسما في نظر كل من اشهد المشهد أو سمع به.

أبو ماجد ... قائدا لجماعة الإخوان في الأردن

تعرف الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة على عودة الإخوان المسلمين مبكرا عندما كان طالبا في كلية خضوري الزراعية بفلسطين حيث التقى عددا من الدعاة الذين كان يرسلهم الإمام البنا إلى فلسطين وسمع محاضراتهم وأحب دعوتهم التي ملأت عقله وقلبه ووجدانه.

وتأثر أبو ماجد بالحاج عبد اللطيف أبو قورة رئيس الإخوان في ذلك الوقت وبدأ نشاطه مع الإخوان وكان الحاج عبد اللطيف يرسل بعض الإخوة ومنهم الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة لاستقبال الدعاة والعلماء الذين يرسلهم الإمام البنا إلى الأردن لنشر الدعوة وشرح أفكارها ومبادئها.

وبدأ أبو ماجد نشاطه الواضح المميز في مدينة السلطة وكان شعلة من النشاط والحركة وأخذ ينشر دعوة الإخوان في كل المدن التي اشتغل بها مثل معان والكرم وعمان ومادبا.. وأصبح عضوا في المكتب الإداري للجماعة.

يقول د. إسحالق الفرحان عن أبي ماجد لقد كانت بداية معرفتي بالمرحوم أبو ماجد في مدينة السلط عام 1948 م في دار الإخوان المسلمين بالسلط، حينما لجأ بعض أهل فلسطين ومنهم أهالي قريتي عين كارم قضاء القدس إلى الأردن التي أحسن وفادة إخوانهم القادمين في فلسطين وكنت آنذاك في اصف السابع الابتدائي وكنت قد لمست آثار كتيبة المجاهدين في عين كارم وعلى رأسهم المرحوم الحاج عبد اللطيف أبو قورة أول مراقب عام للإخوان المسلمين في الأردن والشيخ هارون بن جازي والحاج ممدوح الصرايرة

كما سمعنا بجهاد الشيخ مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية والشيخ زهير شاويش فكان من الطبيعي وقد التحقت بمدرسة السلط الثانوية أن أزور دار الإخوان المسلمين في السلط مع ثلة من الأصحاب منهم الإخوة فاروق بدران، وعبد اللطيف عربيات، وإبراهيم زيد الكيلاني وأحمد أبو طالب والعشرات من أمثالهم ونلتقي هناك أبا ماجد، و منصور الحياري، والمرحوم عبد الحليم بدران نائب الشعبة ونستمع إلى الأحاديث الدينية وفي مقدمتها الحديث عن حسن البنا وإخوانه وجهادهم في فلسطين و قناة السويس والأحداث المتلاحقة في نكبة المسلمين في فلسطين وواجب الشباب والدعاة تجاهها.

ويقول الأستاذ يوسف الساكت عن نشاط أبي ماجد كان أبو ماجد مهتما بمدينة السلطة وشعبتها فكان يكرر الزيارات ويلقي المحاضرات ويعطي اهتماما خاصا لعنصر الطلاب لقناعته بأنهم الأمل وأداة التغيير فكان رغم منصبه كقاضي في مأدبا يحضر إلى السلط، ويرافقهم في رحلات خارج المدينة ويكرر هذه الزيارات ويتحدث إليهم بين جبال السلط ووديانها وصخورها ويربي فيهم الإخلاص والتجرد والالتزام ويبصرهم بدورهم في التغيير

لكن هذه التحركات لم تعجب بعض شيوخ السلط فذهبوا إلى والده الشيخ عبد الرحمن خليفة وطلبوا منه أن ينصح ولده بترك مرافقة الأولاد حسب تعبيرهم ونصحه بعضهم أن يعمل له حجابا يحميه من هاجس مرافقة الأولاد وكان أبو ماجد يقول: لقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكثر مما تعرضت له ولم يثنه ذلك عن الدعوة التي جاء بها.

وفي أوائل الخمسينيات من القرن الماضي حدثت تطورات على الساحة السياسية وانتشرت الأحزاب المتعددة التوجهات في الساحة العربية وازداد الصراع الحركي وتوجه العمل الإسلامي نحو السياسة واستدعى الأمر لأن يكون للجماعة قيادة على مستوى ثقافي وسياسي يمكنها من مواجهة هذا المد الحزبي وبدأ عدد من الشباب يدعون إلى التغيير.

يقول د. عزت العزيزي عن هذا الموضوع لقد استمرت قيادة الحاج عبد اللطيف أبو قورة للجماعة حتى عام 1952 م ثم بدأ رحمه الله في توجيه قيادة الجماعة إلى التغيير واختيار قيادات شابة من المتعلمين وخريجي الجامعات الذين لم يكونوا من قيادة الجماعة في أول تأسيسها وكان يقول إنني قد تجاوزني الزمن ولابد من إفساح المجال لدم جديد ويضيف نحن أسسنا الجماعة وجاء دور الشباب ليتولوا المسئولية وكان يتصل ببعضهم ليقنعه بتولي أعمال قيادية.

وقد اشترك الحاج عبد اللطيف مع عدد من قيادة الجماعة آنذاك بالبحث عمن يمكنه تحمل المسئولية ثم وقع اختيارهم على الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة، الذي تم انتخابه مراقبا عاما للجماعة في 26/ 12/ 1953 م وكان رئيس الإخوان الحاج عبد اللطيف قد قدم استقالته.

يقول الأستاذ أبو ماجد رحمه الله فوجئت بانتخابي مراقبا عاما للإخوان المسلمين وأنا يومئذ في مأدبا، وما علمت بانتخابي إلا من الوفد الذي جاءني إلى منزلي في مأدبا بعد متصف الليل تقريبا وإذا بي أفاجأ بمجموعة من الإخوان يقفون على باب منزلي فسألتهم بعد دخولهم المنزل عن سبب هذه الزيارة الغريبة بعد متصف الليل فأبلغوني أن مجلس الشورى قرر اختياري مراقبا عاما للجماعة وأذكر من الإخوة الذين جاءوا في تلك الليلة وهم أعضاء في مجلس الشورى الأستاذ ممدوح كركر، و ممدوح الصرايرة، والشيخ مشهور الضامن والشيخ يوسف البرقاوي و حسن البرقاوي والحاج محمد زين الديني أبو الفيلات وغيرهم وكان معهم أحد الإخوة من مصر والذي عرفه على نفسه باسم مستعار عبد العزيز سالم أما اسمه الحقيقي فهو نجيب جويفل.

ويقول الأستاذ أبو ماجد أن هؤلاء الإخوة أبلغوا بأنهم عقدوا جلسة مجلس الشورى وأخفوا عنه موعدها حتى لا يتمكن من معارضة قرارها الذي اتخذه ويضيف بأن رغبته كانت أن يتم انتخاب أحد علماء الشريعة لهذا المنصب وقد أصروا عليه أن يقبل قرارهم بعد أن امتنعوا عن تناول طعام العشاء حتى يأخذوا منه موعدا صريحًا بالقبول..

ويقول: وفي اليوم الثاني من انتخابي التقيت الشيخ مشهور الضامن بعد صلاة العصر وبقينا معا حتى صلاة المغرب واقترحت عليه أن نقوم بزيارة للحاج عبد اللطيف في بيته وقد استقبلنا بفرح كبير وبقينا نتحدث عن أوضاع الجماعة وعن فلسطين إلى ساعة متأخرة من الليل، ونما تلك الليلة عنده بعد إلحاح منه رحمه الله.

وبتسلم الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة قيادة الجماعة بدأت مرحلة جديدة في حياتها التنظيمية والسياسية حرصت خلالها الجماعة على الدقة في التنظيم واختيار الأعضاء وترك خليفة بصماته الشخصية على الحركة وظل يشغل منصب المراقب العام للجماعة لغاية عام 1994 م وقد أرسى خلال هذه المدة القواعد الأساسية للبناء.

وكان من الضروري ترتيب حلقات التنظيم الداخلي وتجاوز صيغة الجمعية الخيرية التضامنية والتقدم إلى صيغة الجماعة السياسية فبادر أبو ماجد بالتعاون مع إخوانه أعضاء مجلس الشورى إلى وضع أول نظام أساسي لجماعة الإخوان المسلمين ف الأردن في عام 1954 م يعتمد على النظام الأساسي لجماعة الإخوان في مصر، وعلى لائحته الداخلية واعتبرت الجماعة ذاتها بموجب هذا النظام الجديد، هيئة إسلامية عامة شاملة، وليست حزبا سياسيا أو هيئة خيرية وتجاوزت بذلك حدود وصلاحيات ومهام الجمعيات الخيرية والأندية وأصبحت هيئة إسلامية عامة ما يعطيها شرعية التحرك في دائرة واسعة من النشاطات الشعبية وتقدمت الجماعة بطلب إلى الحكومة يسمح لها بنشر دعوتها في المساجد والأماكن العامة ودور الجماعة وفتح فروع لها في جميع أنحاء الأردن.

وفي سنة 1958 م أقر مجلس الشورى القانون الأول مل الأخ أبو ماجد بالتعاون مع أعضاء مجالس الشورى المتعاقبة على تعديل القوانين الأساسية حتى أقر القانون الحالي مع تعديلاته سنة 1978 م، وهو القانون الرابع للجماعة.

ويشير القانون الأساسي إلى أن الهيئات الرئيسية لتنظيم الجماعة تتألف من:

1- المراقب العام: وهو أمير جماعة الإخوان في الأردن.

2- المكتب العام: وهو الهيئة الإدارية العليا للجماعة.

3- مجلس الشورى: وهو الذي ينتخب المراقب العام والمكتب التنفيذي.

4- الشعبة: تتكون من الهيئة الإدارية للشعبة وأعضاء الهيئة العامة ويعرف القانون الأساسي عضو الجماعة بمسلم ... التزم بخط الدعوة منهجيا وماديا وحركيا.

ومن اختيار الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة لقيادة الجماعة بدأت الحركة الإسلامية مرحلة جديدة على صعيد بناء المؤسسات والانتشار الحركي الجماهيري في الأردن وقد أجرت جريدة الرأي الأردنية في عام 2006 م مقابلات مع عدد من قادة الحركة الإسلامية في الأردن سجلت فيها مجموعة من الذكريات والمواقف في تلك المرحلة وفيما يلي مقتطفات من تلك الذكريات والمواقف التي سجلتها الرأي.

لم يدر في خلد موفدي مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا إلى الملك عبد الله الأول عام 1946 م أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن التي أسست في ذلك العام ستصبح فيما بعد الحركة السياسية الأولى في المملكة ولم يدر في خلدهم أيضا أن الجماعة في الأردن قدمت نموذجا إسلاميا مختلفا عن غيرها من الحركات الإسلامية فكان الاعتدال والوسطية منهج جماعة الإخوان في الأردن.

وما بين الجماعة وفكرها ووسطيتها كان هناك زعيم كبير قاد حركة الإخوان المسلمين منذ البداية وعلى مدى أربعة عقود، وصاغ علاقاتهم وتفاهماتها داخل الدولة هو محمد عبد الرحمن خليفة أحد المؤسسين للجماعة وزعيمها على مدى أكثر من أربعين عاما.

يقول د. عبد اللطيف عربيات إن الجماعة في عام 1953 م كانت بحاجة إلى زعيم من مواصفات أبو ماجد فوقع عليه الاختيار من أجل قيادة الحركة في ظل المتغيرات والأوضاع التي كانت سائدة على الساحتين الأردنية والعربية ويضيف إن اختياره كان لصفاته الإسلامية وتدينه وثقافته الواسعة ومكانته الاجتماعية والسياسية، فالجماعة كانت بحاجة إلى شخص مؤهل ومقبول على الصعيدين الوطني والاجتماعي.

ويصفه د. إسحق الفرحان الذي عرفه لأكثر من خمسين عاما بأنه شخصية متكاملة من حيث تكوينه دراسته للزراعة في البداية ثم القانون كونت لديه الصبر واحترام القانون فكان فكره معتدلا ووسطيًا.

ويتحدث الكثير من زعماء الحركة الإسلامية عن شخصية التي أسهمت في بناء الحركة الإسلامية فكان حازما وقويًا في الدفاع عن معتقدات الحركة الإسلامية وفكرها فالحكمة والاعتدال والمشورة واحترام الرأي الآخر من السمات التي يتصف بها أبو ماجد.

وأخبرنا العديد من القيادات الإسلامية أن خليفة كان يحب الشباب ويتفاعل معهم وأنه كان يتنقل بين شعب الإخوان المسلمين في عمان وإربد والعقبة وأريحا والقدس وطولكرم وباقي الشعب في نابلس وجنين و الخليل وغيرها من أجل الاستماع إلى مشكلات الشباب وبناء التنظيم كما أنه كان يحرص على المشاركة في المخيمات التي كانت تقوم بها قواعد الإخوان في جميع المملكة.

ويخبرنا الدكتور الفرحان بأنه كان يشاور إخوانه، وكان يؤمن بالعمل المؤسسي ولا يقبل أن يفرض إنسان بعينه على الجماعة.

ويقول عربيات: أن خليفة جاء لموقع المراقب العام وكان ذا شخصية وعزيمة قوية ومحبا للناس ولديه حماس في جو سياسي مسيطر عليه الوهج والصراع الحزبي.. ولم تكن جماعة الإخوان معروفة لدى كل الناس ..

ويشير عربيات إلى أن طموح المرحوم كان أكبر من الواقع المعاش في تلك الفترة والحماس لديه كان كبيرا من أجل النهوض بالدعوة.

ويرى عربيات أن المرحوم خليفة أعطى الإخوان المسلمين موقعا جديدًا وقدم صورة جديدة وخاصة في مواقفه في عام 1954 م ويتحدث عربيات عن تجربة المراقب العام في رئاسة تحرير جريدة الكفاح الإسلامي التي كانت تصدر عن الإخوان المسلمين وعن مجلة مجلس النواب في عام 1956 واستطاع أن يفوز عن أحد مقاعد عمان وشكل كتلة من الإخوان الذين فازوا عن مناطق المملكة ويتحدث عن نشاطه في عمل الخير وفي مقدمة هذا العمل جمعية المركز الإسلامي التي أسسها وكان على رأس نشاطاتها.

ويقول حمزة منصور إن قضيتين كانتا تشغلان أبو ماجد الأولى: الإسلام بمفهوم الشامل، والثانية: فلسطين وكيفية تعزيز صمود الشعب الفلسطيني.

ويقول الفرحان إن النظام كان حكيما في عدم الصدام مع الحركة الإسلامية كما إن الإخوان المسلمين لم يكن في فهمهم الصدام مع النظام فكان شعارهم: إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وبالوسائل السلمية ورفض العنف.

ويرى عربيات أن الملك حسين كان واعيا ومدركا للظروف التي تمر بها المنطقة وكان يعلم أن الحركة الإسلامية لا تستهدف النظام ويدرك أنهم معارضة إيجابية ولهذا كان يتعامل معهم بنوع من التقدير رغم عدم الاتفاق على كل الأمور.

ويرى د. ماجد خليفة أن والده كان صادقا مع نفسه فكان أبو ماجد خارج المنزل لا يختلف عنه داخل البيت فلا تناقض في مواقفه داخل المنزل وخارجه... ويقول أنه كان يربي أبناءه على مكارم الأخلاق ومبادئ الإسلام والالتزام به.

ويشير الدكتور ماجد إلى أن والده كان يلتقي بإخوانه في الحركة أكثر مما كان يلتقي أبنائه في البيت ويصف والده أنه كان يتمتع بالقول المأثور: لين من غير ضعف وحزم من غير عنف..

وفي نهاية المقابلات التي سجلتها جريدة الرأي قالت: وكانت ذكريات ومحطات ومواقف كثيرة للمرحوم أبو ماجد لا يمكن إحصاؤها في هذه العجالة ولكنه عاش ك حياته وعمره في الدعوة الإسلامية وكان مخلصا لها أكثر من أخلاصه لنفسه وعائلته وعشيرته ولم يكن طامحا لمال أو موقع أو شهرة فكانت مرضاة الله وعبادته هما غايته.

أبو ماجد ... الداعية المربي

الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة علم من أعلام الحركة الإسلامية الراشدة وداعية من صفوة الدعاة والمربين كان له دور بارز في بناء الحركة الإسلامية المعاصرة فعندما اختاره إخوانه مراقبا عام كان أول ما فكر به هو إصدار قانون أساسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن وبعد أن تمكن من إصدار هذا القانون وإقناع الحكومة السماح للجماعة بممارسة نشاطاتها على اعتبارها هيئة إسلامية عامة شاملة، لا جمعية خيرية، ركز عمله على نشر الدعوة في الأردن من أجل تحقيق غايتين:

أولاهما: التربية للمستقبل وثانيهما: الاهتمام بقضايا الأمة المصيرية كقضية فلسطين وفي هذا يقول فضيلته: ركزت على القضية الفلسطينية كقضية سياسية عاجلة تنذر بأسوأ العواقب للأمة الإسلامية إذا لم تسد هذه الثغرة.

ويحدثنا فضيلته عن الغاية الأولى التربية للمستقبل وعن تأثيرها في نفسه منذ صغره عندما كان تلميذا في الصف الرابع الابتدائي فيقول: دخل علينا الأستاذ عبد الرازق أدهم وهو خريج مدرسة الزراعة بسورية، وأخذ يتكلم معنا بلهجة أبوية متعاطفة وقال يا أبنائي سأعطيكم أول درس في الزراعة في ثلاثين دقيقة فإذا وعيتم هذا الدرس فسأخصص لكم ما تبقى من الحصة لشيء يهمكم جدا وليس له علاقة بالزراعة...

تشرفنا جدا لما سيقوله لنا وبعد درس الزراعة قال بصوت منخفض إني أريد أن أشرح لكم أهمية الإسلام كدين للدنيا والآخرة، لأن الإسلام هو الحياة لذلك أطلب منكم أن تغلقوا النوافذ حتى لا يسمعنا من يتجسس على درسي، لأنهم إنه عرفوا أني أشرح لكم عن الإسلام وأهميته في الحياة فسوف يكون عقابي الفصل من عملي فقفزنا بسرعة إلى الشبابيك لنغلقها وجلسنا نتلقف من فمه كل كلمة يقولها، فكان الأستاذ عبد الرزاق أول معلم في حياتي زرع حب الإسلام بصورته النقية الواضحة في قلبي.

وتعلمت في حياتي الدعوية أن الجلوس مع عدد من التلاميذ ولو كانوا قلة فيه نفع وبركة وخير للدعوة والإسلام من إلقاء المحاضرات في حشود كبيرة من الناس...

ولذلك كانا نهتم في مجال الدعوة بالخطب والدروس في المساجد وإلقاء المحاضرات القصيرة التي كنا ننظمها في دور الإخوان وننتخب المحاضر الشاب الذي يحسن مخاطبة أبناء جيله فنحبب إليهم الإسلام حتى نجعله هدفا يجب أن يعملوا من أجل تحقيقه كضرورة للنجاة في الدنيا والآخرة ولتخليص البلاد من الأحكام الفاسدة التي تمهد لوقوعها فريسة سهلة للمستعمر بكل أشكاله.

فكنا نحرص على كشف عيوب الحضارة الغربية الغازية لبلادنا عن طريق الجيل الجديد بلباسه وعاداته وتقاليده وتفكيره وآماله.. فكانت جهود الإخوان المسلمين منصبة على إنقاذ هؤلاء الشباب أولا ليتم بهم إنقاذ الأمة فبهم تنتصر الشعوب والأمم.

ومن الأمور التي اهتم بها أبو ماجد في بداية عهده الميمون العمل على إنشاء مؤسسات تربوية واجتماعية ثقافية وصحية ورياضية تسهم في تربية الشباب وتنشيطهم، وتقدم الخير للناس...

فمن مبادئ حركة الإخوان المسلمين، العمل على بناء الفرد والأسرة والمجتمع وقد جاءت فكرة إنشاء هذه المؤسسات م هذا الإطار فالتنظيم الداخلي عند الإخوان هو بناء شخصية الفرد والأسرة والمجتمع ومعتمدة منهجية التدرج في التغيير التي تبدأ بالتربية ثم السياسة وإن جمعية المركز الإسلامي التي أسسها محمد خليفة وإخوانه والتي قامت بإنشاء المؤسسات التعليمة والثقافية والصحية والخيرية قد أسهمت بشكل كبير في نشر أفكار الجماعة وأسلوبها في التربية على المستوى الشعبي وأعطتها قوة وتأثيرا خاصة بعد أ، كبرت هذه المؤسسات وانتشرت في ربوع الأردن.

وكان أبو ماجد يرحمه الله يتنقل بين شعب الإخوان المسلمين في جميع مدن الأردن، يلقي المحاضرات ويقوم بالتوجيه ويدرب جيلا من الشباب ليكونوا قادة الدعوة ودعاتها يقول د. إسحق الفرحان عندما أصبح أبو ماجد مراقبا عاما للإخوان المسلمين، وترك الوظيفة بعد أن كان معلما ثم قاضيا وتفرغ للعمل الإسلامي ولشد ما كانت دهشتي ذات يوم ونحن طلبة في المرحلة الثانية أن دعا ثلة منا .

وكنت أحدهم مع بعض الإخوة الكبار من أمثال ممدوح كركر، وممدوح الصرايرة، ومنصور الحياري لنفتتح شعب الإخوان المسلمين في (عبين، وعبلين) في محافظة إربد فأصبحنا ننظر لأنفسنا كرجال دعوة منذ نعومة أظفارنا أذكر هذه الحادثة من عشرات الذكريات التي توحي بشخصية أبي ماجد الداعية والمربي وكيف حرص على تربية الشباب وتكليفهم بمهمات الرجال رحمك الله يا أبا ماجد فقد كنت الأب والمربي والداعية لأجيال الدعوة الأول في أردنا العزيز.

لقد حرص أبو ماجد على نشر الدعوة في الأردن وفتح الشعب في سائر المحافظات فكان نعم الباني على إثر الشهيد حسن البنا ونعم الداعية المربي للشباب والذي صرف من أوقاته معهم أكثر مما صرف من أوقاته مع عائلته وعشيرته لأنه كان يعتبر جميع أبناء الدعوة أبناء وجميع الدعاة أسرته وإخوانه وكان له التقدير منهم جميعا فأينما حل كان المحتفي به والمكرم، ولا تزال ذكراه عطرة في نفوس من رافقوه في رحلة الحياة الدنيا فجزاه الله عن دعوته وعن جميع أخوانه خير الجزاء.

ويقول الأستاذ علي موافي عن أسلوب أبي ماد في تربية إخوانه زرت وأحد الأصدقاء المركز العام وكنا حينها ندرس في مصر، واستقبلنا أبو ماجد رحمه الله واستفسر عن دراستنا وعن أحوالنا ثم أخذ صاحبي يتحدث عن الفساد الأخلاقي هناك وذكر أنه يسكن عند إحدى العائلات وصار يتحدث عن سوء سلوك الزوجة، فتدخل أبو ماجد

قائلا: أما مصر بلد كبير وهو كغيره من البلاد فيه الصالح والطالح وفيه الغث والسمين فابحثوا عن الصلاح تجدوه وابتعدوا عن مواطن الشبهات، اسكنوا مع بعضكم بعضا فالجماعة تعين على الطاعة ولما حاول صاحبنا أن يخوض بالتفاصيل عن سوء سلوك تلك المرأة أنهى رحمه الله الحديث بقوله: عفوا تعف نساؤكم.

كان أبو ماجد رحمه الله عفا ومريبا يوجه إخوانه بعبارات قصيرة جامعة وكان من أظهر مزاياه أنه كان يعرف أسماء إخوانه، إذا التقى أحدهم سأله عن أوضاعه وعن أنبائه الخاصة بحيث يشعرك بأنه صديقك وأقرب الناس إليك.

كان كثير الزيارات لشعب الإخوان، وإذا التقى في المركز العام أحد الإخوان من خارج عمان أصطحبه معه وأذكر أنه اصطحبني معه عدة مرات، كانت إحداها إلى إربد لحضور احتفال أقامته الشعبة بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية وفي الطريق إلى إربد طلب مني أن أتحدث في الحفل فرجوته أن يعفيني معتذرا بأنني لا أجيد الخطابة وإن الأمر يحتاج إلى تحضير فلم يقبل العذر وقال: إن للهجرة دروسا كثيرة فتكلم في أحدها ولو خمس دقائق وتستطيع حتى نصل أن تفكر في الدرس الذي ستتحدث فيه.

وعندما وصلنا أشار إلى عريف الحفل بأن تكون لي كلمة ضمن المتحدثين في ذلك الوقت كان أحد رؤساء الوزارات قد صرح بأنه لا علاقة للدين بالسياسة فكانت كلمتي القصيرة حول فصل الدين عن الدولة وكيف أن القرآن الكريم قد نعي على المسلمين القادرين على الهجرة ولم يهاجروا وظلوا في أرض الكفر آنذاك يعيشون بين ظهراني المشركين ولم يلتحقوا بإخوانهم في قلعة الإسلام ليدافعوا عن دين الله وبين أن جزاؤهم جهنم مع أ،هم كانوا يشهدون بأن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. وكانت الكلمة حول الآيات الكريمة (97-99) من سورة النساء ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ إلى آخر الآيات.

ولعلي قد قلت بكفر الذين يوادون أعداء الله والقائلين بفصل الدين عن الدولة فلما أنهيت كلمتي أثنى علي وعلى كلمتي وكان ذلك من باب التشجيع إذا أنني لم أكن أستحق ذلك الثناء.

وفي اليوم التالي وفي أثناء عودتنا إلى عمان، تحدث رحمه الله دون أن يشير إلى أو إلى كلمتي عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهر أبقى وكأنه كان يعنيني ويعلمني وإخواني درسا في عدم الاندفاع والتطرف رحم الله أبا ماجد فقد كان صديقا لإخوانه معلما لهم وموجها.

كان أبو ماجد نعم الداعية ونعم المربي كان فاهما لرسالته مخلصا لدعوته، عاملا لتحقيق غايته كان يعلم إخوانه ويبث فيهم الأمل ويحيي فيهم قيم العمل والتضحية والإخلاص كان يعلمهم أن خدمة الأوطان وبناءها وعمارتها هي رسالة المسلم وهدى النبي عليه الصلاة والسلام.

كان من رجال الدعوة الأصلاء الذين ينكرون ذواتهم لخدمة الأهداف الكبرى التي نذروا أنفسهم لها.

ويقول الأستاذ يوسف الساكت : اعتدنا على رؤية أبي ماجد يواصل العمل متحدثا وخطيبا يلهب المشاعر بحماس ويدخل القلوب مباشرة، فيشعل فيها حب الدعوة والتعلق بها كان يتابع كل عمل، يزور الإخوان في بيوتهم يأمرهم بالاقتصاد في النفقة وعدم الإسراف يهتم بأوضاعهم ويتابع قضاياهم يحضر مخيمات التربية وينام في الخيام أو في العراء يعلم ويربي.

أبو ماجد... بين مغريات الحياة وحرب الشائعات والاعتقال

كان الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة قبل اختياره مراقبا عاما لجماعة الإخوان تلوح أمامه الكثير من مغريات الحياة فهو ابن عشيرة كبيرة لها وضعها الاجتماعي وهو القاضي الناجح، الذي طاف الأردن من شماله إلى جنوبه، وتعرف إلى أهله وأبنائه وهو الرجل الشهم المستقيم صاحب الهمة العالية، الذي يتمتع بثقافة واسعة نيرة ومكانة اجتماعية وسياسية عالية، وتقدير كبير، والذي كان مقبولا على الصعيدين الوطني والاجتماعي وهو الشخصية المتكاملة التي كانت الحكمة والاعتدال والمشورة واحترام الرأي الآخر من سماته فكان مستقبل الحياة مفتوحا أمامه ليتولى أعلى المراتب والمناصب..

ولما كلفه إخوانه حمل مسئولية الدعوة، استجاب لطلبهم، واستقال من عمله في القضاء وترك متاع الدنيا والوظيفة التي يتمناها الكثيرون.

ومن المغريات التي تعرض لها أبو ماجد يرحمه الله أن المغفور له الملك الحسين عرض عليه وقد كان نائبا عن طريق رئيس الديوان آنذاك أن يشكل الحكومة وذلك في أوائل شهر تموز 1957 م فاعتذر أبو ماجد بعد مشاورة المكتب العام للجماعة.

يقول الأستاذ إبراهيم خريسات: في أ؛داث 1957 م دعي أبو ماجد وعبد الباقي جمو إلى القصر، وعرض الملك على أبي ماجد أن يشكل الإخوان الوزراء فقال أبو ماجد نريد أن نشاور الإخوان أولا ثم نجيب فقال جمو: نتشاور أنا وإياك يا أبا ماجد وقال لهما رئيس الديوان الملكي إذا أردتما أدخلا إحدى الغرف قال أبو ماجد: الإخوان لهم مكتب ومجلس شورى ولابد من الرجوع إليهم ثم اعتذر أبو ماجد عن تشكيل الحكومة.

أما العقبات والإشاعات التي تعرض لها أبو ماجد فيقول عنها في مقابلة أجراها معه العبيدي في أوائل عام 1991 م م أذكر أن بعض أقاربي وبعض المحبين من وجهاء السلطة جاؤوا إلى والدي عندما استقلت من القضاء لأتفرغ للدعوة وقالوا له يا أبا خليفة كنت تسمح لابنك محمد بك أن يترك عمله كحاكم صلح له مستقبل كبير من أجل خاطر بعض الأولاد يعلم الدين؟ وكأنه لم يبق في البلد مشايخ يعلمون النسا الصلاة والصوم ولذلك فإننا ننصحك أن تحجب له عند الفتاحين..

ويقول أبو ماجد: إن هؤلاء الأولاد الذين عاتبوا والدي فيهم، هم الآن د. عبد اللطيف عربيات ود. إسحق الفرحان، ود. فاروق بدران.. وغيرهم كثير من دعاة الإسلام في هذا البلد المرابط، ومن ذوي الأماكن الحساسة التي تمكنهم من إتمام الدور وتبليغ الدعوة ولم تكن تلك المعاتبات إلا عقبة بسيطة تجاوزناها أمام عقبات أقوى وأصلب من السخريات والإشاعات والاتهامات.

وأذكر أن الأستاذ أنور الحناوي أخبرني يوما أن بعض المغتابين جلسوا إليه والدنيا لا تسعهم من الفرح لأنهم أمسكوا بدليل قوي جدا ضدي فقالوا له: ألم يصلك يا أستاذ أنور خبر بنات الشيخ محمد عبد الرحمن خليفة؟ قال: وما خبرهن؟ قالوا:إن هذا الذي يدعو إلى تطبيق الإسلام غير قادر على منع بناته من الخروج سافرات كاسيات عاريات فقال لهم:

اتقوا الله أيها الناس، إن أكبر بنات الأستاذ محمد تسمى (أميمة) وهي طالبة عندي في الكلية العلمية الإسلامية، وفي الصف الأول الابتدائي وأخوها ماجد في الصف الثاني الابتدائي ومن الإشاعات التي أطلقوها أيضا في تلك الفترة أن ابنته (أميمة.. ابنة الصف الأول ابتدائي) تحضر حفلات راقصة في السفارة الأمريكية في عمان.

لقد تعرض أبو ماجد لكثير من الإشاعات والإساءات وتعرض عدة مرات للاعتقال والنفي، وأودع السجن بسبب مواقفه ومواقف الجماعة التي يترأسها فتحمل وصبر ولم يحرفه هذا الابتلاء عن خطة الذي رسمته الجماعة ولم يصرفه السجن وتكرار الاعتقال والإيذاء عن منهجه الإصلاحي المستقر، ولم يخرجه عن طوره وسمته وخلقه.

يقول الأستاذ سالم الفلاحات كان أبو ماجد حريصا على المحافظة على خط الجماعة الفكري الوسطي الأصيل ولم تثنه الإساءات التي كانت توجه له وللدعوة ولم تحرفه عن خطه الذي رسمته الجماعة مع أنه تعرض للسجن مرارا فقد اعتقل عدة مرات وذلك لرفض الإخوان الإساءات التي كانت توجه له وللدعوة ولم تحرفه عن خطه الذي رسمته الجماعة مع أنه تعرض للسجن مرارا، فقد اعتقل عدة مرات، وذلك لرفض الإخوان مشروع حلف بغداد ولمعارضتهم الوجود البريطاني في الأردن..

وحين كان نائبا في مجلس النواب عام 1956 م قال له أحد رؤساء الوزارات أقسم بالله لن تخرج من السجن وأنا حي، فقال له، الأمر بيد الله لا بيدك فمات الرئيس وخرج أبو ماجد من السجن.

ويقول الأستاذ داود قوجق كان الأخ أبو ماجد لا يخشى في الله لومة لائم وكان من رجالات الأردن الذين يهتمون بقضايا الوطن، وقضايا الوطن العربي وخاصة فلسطين وقضايا العالم الإسلامي ولجرأته في قول الحق وتحمل المسئولية اعتقل حوالي ثماني مرات وكان الاعتقال الأول: عندما وقف بعد صلاة الجمعة في أحد الأيام في سنة 1948 م وخطب في المصلين في المسجد الحسيني الكبير، وهاجم حكام العرب بعف بسبب احتلال اليهود لغالبية أراضي فلسطين وكان الملك عبد الله رحمه اله في المسجد، فغضب عندما سمع الحديث وأمر باعتقاله وأفرج عنه بعد فترة قصيرة.

ولما عقد المؤتمر الإسلامي في مدينة القدس في 12/4/1954 م، طلب رئيس الوزراء من الأخ أبي ماجد إلغاء المؤتمر ونقله من القدس فأنكر عليه أبو ماجد هذا الطلب وأصر رئيس الوزراء على طلبه وهمس في أذن المراقب العام قائلا: هذا مطلب الإنجليز والأمريكان: فمل يستجب وظل مصرا على موقفه حتى اعتقل أبو ماجد في سجن المحطة وفي معتقل الجفر ونفي إلى باير.

والاعتقال الأخير حدث عندما قام الرئيس الأمريكي نيكسون سنة 1974 م م بزيارة رسمية إلى الأردن بناء على دعوة من الحكومة الأردنية، ووزع الإخوان بيانا يهاجمون فيه نيكسون بعنوان عد إلى بلدك يا نيكسون وأغضب هذا البيان الحكومة الأردنية وحاول منع توزيعه إلا أنه وزع فاعتقلت الحكومة الأخ المراقب العام أبو ماجد ونفرا ممن وزعوا البيان.

يقول الأستاذ إبراهيم خريسات فى سنة 1974 م كانت هناك دعوة للرئيس الأمريكي نيكسون لزيارة الأردن، ونحن بطبيعة الحال نعتقد بأن أمريكا هي رأس البلاد فاعتبرنا أ، هذه فرصة أن نبين رأي الإخوان بالولايات المتحدة وبرئيسها وزيارته للأردن فأصدرنا بيانا بعنوان عد إلى بلدك يا نيكسون ووزع البيان في أنحاء الأردن وقال الحكومة إن هذا ضيف الملك فكيف يقابل بهذه الطريقة؟ فاعتقل الأستاذ أبو ماجد وبعض الإخوان.

وقام مدير المخابرات العامة باستدعاء أبو ماجد والإخوان الذين اعتقلوا إلى القصر، فقال مدير المخابرات: يا سيدي هؤلاء الشباب هم الذين وزعوا البيان وهذا الأستاذ أبو ماجد أنا الذي كتبت البيان وأنا الذي طبعته وأنا الذي وزعت البيان، وبعد ذلك تكلم الملك وقال لمدير المخابرات بس بس الأستاذ محمد أخ عزيز وسلم عليهم وودعهم وذهبوا إلى بيوتهم.

وكان للإخوان قوى في الشارع وبين الناس والحق أن الأستاذ أبا ماجد ما لانت له قناة في قيادته للجماعة ولم يضعف في يوم من الأيام بل على العكس تجده في الأزمات أشد الإخوان صلابة وفي مواضع الشورى بين الإخوان يهدئ الأمور.

ويرى الكثير من قيادات الحركة الإسلامية أن المراقب العام نفي إلى دمشق في عام 1955 م م بقرار من كلوب باشا، وأنه منع من دخول الأردن لمدة زادت على الشهر، ولكنه عاد إلى الأردن ليكمل معارضته لأي وجود بريطاني في الأردن أو في المنطقة كما أنه سجن أكثر من مرة في الخمسينيات وبداية الستينيات وكان قرار سجنه يأتي من رؤساء الحكومات، ولكن ما يلبث أن يتم الإفراج عنه وكان يحرص أن يوصي قيادة الإخوان عندما يسجن بأن لا تتغير سياستهم ويذكرهم بأن ضد أي صدام مع السلطة.

معرفتي بالأخ أبو ماجد :

عرفت الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة منذ أن أصبح مراقبا عاما لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن (عام 1953 م) والتقيت به مرات ومرات، فرأيته صاحب همة عالية، ومواقف جريئة، وغيرة على الإسلام لا حد لها ووجدته عميق الإيمان، قوي العزيمة صادعا بكلمة الحق متفانيا في سبيل هذه الدعوة المباركة التي حمل عبء قيادتها مدة زادت على الأربعين عاماً.

التقيت به في مدينة جنين التي كانت يكثر من زيارتها وخاصة في المناسبات الإسلامية فلا يكاد يمر شهر إلا وكنا نراه بيننا وفي كل زيارة كان يلقي محاضرة في شعبة الإخوان يحضرها عدد كبير من أبناء جنين الذين كانوا ينتظرون لقاءه وبعد المحاضرة يلتقي بإخوانه الشباب والهيئة الإدارية للشعبة ويسألهم عن أحوالهم وعن نشاطهم وفي معظم الزيارات كان يقوم بزيارة خاصة لإحدى قرى الخطوط الأمامية وقد رافقته في عدد منها فكان يلتقي أفراد الحرس الوطني من أبناء تلك القرى، فيشجعهم ويثني عليهم، ويحدثهم عن الرباط والجهاد، وما فيه من أجر وثواب كبير عند الله سبحانه وتعالى.

وكان يدعو إلى تحصين حدود فلسطين المحتلة وتقوية الحرس الوطني، وإمداده بالمال والسلاح ويدعو أبناء الأمة كلها إلى التبرع للحرس الوطني الذي كان يدافع عن ستمائة كيلومتر فأكثر في حدود مكشوفة لا حصون فيها إلا صدور الأبطال من الحرس وسكان الحدود ويقول إن واجبكم يا أبناء الأمة أن تمدوا أيديكم بالبذل للحرس الوطني دفاعا عن حدودكم وضمانا ألا يفاجئكم اليهود بغدرهم وعدوانهم.

وقد كان أبو ماجد يرحمه الله يقوم برعاية إخوانه صغارا وكبارا ويتفقدهم ويتابع نشاطهم ويقف معهم ويدافع عنهم إن وقع عليهم ضيم أو حدثت معهم مشكلة وكان من الطلائع الأولى في منطقة جنين الشيخ عبد الله عزام الذي انتظم في الدعوة منذ صغره وبدأ نشاطه في بلدته سيلة الحارثية منذ أن كان تلميذا في بداية المرحلة الإعدادية وكان يتردد على شعبة جنين ويحضر المحاضرات ويشارك في الأنشطة ويقوم بدور رائد في تربية الشباب على الإسلام

وفي إحدى زيارات الأخ أبو ماجد لشعبة جنين في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين وبعد أن التقى محاضرته جلس مع نائب الشعبة الشيخ توفيق جرار في مكتبه فدخل عليه عبد الله عزام وكان فتى صغيرا في الصف الأول الإعدادي وقال أنا أخوكم في الله عبد الله عزام من سيلة الحارثية ومن الإخوان المسلمين كونت أسرة من أقاربي وزملائي والتقيتهم في مسجد قريتنا وإني ادعوك لزيارتنا فوعده أبو ماجد بزيارة قريبة وعندما حضر إلى جنين في المرة التالية زار سيلة الحارثية وقد رافقته في تلك الزيارة أنا وبعض الأخوة من جنين وصلينا العصر في المسجد وبعد الصلاة وجدنا عبد الله عزام ومجموعته يجلسون في زاوية المسجد فجلسنا معهم بعض الوقت وكم كان سرورهم بزيارة فضيلة المراقب العام وبحديثه لهم.

ومن الأمور التي حدثت في جنين عام 1956 م وكان للأخ أبو ماجد دور كريم فيها مشكلة حدثت بيننا أنا والأخ حيدر عباس واثنين محسوبين على الحزب الوطني الاشتراكي في جنين وكان هذا الحزب قد تكون في الأردن في الخمسينيات من القرن الماضي وكان مرتبطا بالناصريين وقام بتجميع أنا من طبقة معينة، جمعت بينهم المنفعة والمصلحة الخاصة ولذلك عندما صدر قرار بحله انتهى وجوده في الأردن وقد كان الناس يطلقون عليه اسم حزب الشلن لأن الاشتراك الشهري للمنتسب إليه كان شلنا.

أما المشكلة فقد حصلت بيننا وبينهم مشاجرة وقدمت شكوى لحاكم صلح جنين اتهمونا فيها بشتم الرئيس عبد الناصر والمغفور له الملك حسين وأننا من حزب التحرير وقبل الشهادة سألنا القاضي إن كان بيننا وبينهم عداوة سابقة فأجبنا بلا وطلب القاضي منهما حلف اليمين على صحة كلامهما، فوضع كل واحد منهما يده على المصحف وأقسم اليمين كاذبا وعندها طلبنا من القاضي تأجيل القضية مدة أسبوع فوافق وكان يبدو عليه أنه غير مقتنع بكلامهما.

وذهبت مساء ذلك اليوم إلى عمان وأخبرت الأخ أبو ماجد بما حدث فقال لي سأكون عندكم في جنين صباح يوم الجلسة إن شاء الله وفي الموعد المحدد كان الأخ أبو ماجد في قاعة المحكمة وجاء الخصمان برفقة مسؤول الحزب في جنين ولما دخل القاعة وشاهد الأخ أبو ماجد استدار إلى الخلف وولى هاربا ولما بدأت الجلسة ألقى أبو ماجد كلمة تحدث فيها عن خلق المسلم وصدقه وعن الكذب الذي ينتهجه الآخرون وكان مما قاله للقاضي هذان الإخوان من شباب الإخوان المسلمين وليسا من حزب التحرير.. والإخوان لا يشتمون أحدا فليست الشتيمة من أخلاقهم وهذان الخصمان كاذبان في ادعائهما.

والتقيت بالأخ أبو ماجد عدة مرات في مدينة القدس أيام انعقاد المؤتمرات الإسلامية التي كان يدعو لها علماء العالم الإسلامي ليتبينوا الخطر المحدق ببيت المقدس والقضية الفلسطينية وليعملوا على وحدة الأمة في مواجهة الأخطار.

والتقيت به في المناسبات الدينية التي كان يقيمها الإخوان المسلمون في بيت المقدس، بذكرى الإسراء والمعراج، وذكرى الهجرة النبوية الشريفة وغيرها.

والتقيت به أيضا في بيت المقدس عندما زار فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ حسن الهضيبي فلسطين والأردن في أواخر عام 1373هـ الموافق لشهر تموز عام 1954 وكان يرافقه في تلك الزيارة الدكتور سعيد رمضان وفي موعد الزيارة أقام الإخوان المسلمون في الأردن مخيما على ملعب الشيخ جراح بالقدس حضره مجموعات كبيرة من جوالة الإخوان في جميع المدن، وقد شاركت في هذا المخيم مع إخوان جنين.

وفي اليوم المحدد للزيارة قامت فرق الجوالة بمسيرة في شوارع القدس من ملعب الشيخ جراح إلى ساحة المسجد الأقصى المبارك لاستقبال فضيلة المرشد وبعد الاستقبال دخل فضيلة المرشد إلى المسجد ومعه الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة المراقب العام للإخوان في الأردن وبدأ الأستاذ المراقب بالحديث عن المسجد والأستاذ المرشد يستمع وينظر إلى أعمدة المسجد وإلى الزخارف القديمة المطلية بالذهب وقال أليس الأولى بدلا من هذه الزخارف أن توضع المدافع في ساحة الأقصى لحمايته.

وزار فضيلة المرشد مدن الضفة الغربية وقرى الخطوط الأمامية، ومدرسة البر بأبناء الشهداء في مخيم عقبة وجبر وقضي معهم وقتا طويلا وقد حضرت من هذه الزيارات زيارته لمدينة نابلس ولمدينة جنين.

والتقيت الأستاذ أبو ماجد في مخيمات التربية التي كانت تقيمها جماعة الإخوان في أماكن متعددة من الأردن والتي كان أبو ماجد يحرص على المشاركة بها فكان الموجه الرائد الذي ربى أجيالا من الشباب الذين نشروا الدعوة في ربوع الأردن.

ولما عدت من الدوحة إلى عمان عام 1993 م كان الأخ أبو ماجد أول من زارني في بيتي من الإخوان وكنت أزوره في بيته في كثير من الأيام وأحاول تسجيل ما لديه من معلومات عن تاريخ هذه الدعوة التي قادها أكثر من أربعين عاما فسجلت بعضها ووعدني بلقاءات أخرى نستكمل فيها التسجيل بعد أن ينجز عددا من الأمور المهمة والملحة ولكن المرض الذي هاجمه في سنوات حياته الأخيرة قطع على إتمام هذه المهمة التي كنت أرنو لها وبقيت على زيارته بعدها فترة ليست بالطويلة ولاحظت خلالها تقصير عدد من إخوانه في القيام بزيارته ولعل وضعه الصحي كان لا يسمح بذلك.

مجالات نشاطه

قامت الحركة الإسلامية الإخوان المسلمون في الأردن في عهد رئيسها الأستاذ أبو ماجد بعدد كبير من الأنشطة وفي مجالات متعددة ومتنوعة وكان أبو ماجد يرحمه الله هو القائد والموجه لتلك الأنشطة فقد كانت حياته مليئة بالإنجازات الكبيرة وكان من أبرز هذه الأنشطة.

نشاطه في مجال الدعوة

كان لأبي ماجد دور كبير في بناء الحركة الإسلامية في الأردن وكان حازما وقويا في الدفاع عن فكرها ومعتقداتها فقد حمل الراية ولم يعبأ بعقبات الطريق، ومسافة السفر وقاد الجماعة عبر عقود في أحلك الظروف وأصعبها واجتاز معها أشد العقبات إلى أن أصبحت حركة يحسب حسابها ويطلب ودها..

ومنذ أن ارتبط بهذه الحركة بدأ يعمل لها في حركة دائبة مستمرة، فقد فهم رسالته وغايته وعلمها إخوانه وبث فيهم الأمل وأحيا قيمة الجد والعمل والتضحية والإخلاص وعلمهم أن خدمة الأوطان وبناءها وعمارتها هي رسالة المسلم وهدى النبي عليه الصلاة والسلام ومن نشاطاته في هذا المجال.

نشر الدعوة وافتتاح الشعب: كان أبو ماجد ينشر دعوة الإخوان في كل المدن التي اشتغل بها مثل معان والكرك ومأدبا، وعمان وإربد والسلط وغيرها ولما انتخب مراقبا عاما للجماعة في الأردن حرص على فتح شعب للإخوان في سائر المحافظات وكان يتنقل بين شعب الإخوان في جميع مدن الأردن، بسيارة جيب قديمة ويشارك إخوانه في نشاطاتهم ويبيت معهم في كتائبهم ويقوم بالتوجيه ويوصيهم بما ينفعهم ويزكي أنفسهم وكان يلتقي الشباب ويتفاعل معهم, ويستمع إلى مشكلاتهم ويعمل على حلها وكان يصطحب عددا منهم في جولاته الدعوية.

وقد استقبل الجماعة في عهد أبي ماجد كبار رموز الحركات الإسلامية في العصر الحديث أمثال الأستاذ حسن الهضيبي وسيد قطب وسعيد رمضان وكامل الشريف من مصر وأمجد الزهاوي ومحمد محمود الصواف من العراق، ومصطفى السباعي و عصام العطار و عمر الأميري و على الطنطاوي من سورية و محيي الدين القليبي و الفضيل الورتلاني و البشير الإبراهيمي من دول المغرب العربي وعدد كبير من دول العالم الإسلامي مثل أبو الأعلى المودودي ونواب صفوي وأبو الحسن الندوي وغيرهم..

وأصبحت الجماعة في عهده ذات دور مهم في الحركة الإسلامية العالمية ولعبت دورا مهما ورئيسيا في الواقع السياسي والاجتماعي والفكري والاقتصادي الأردني.

مخيمات التربية من وسائل التربية عند جماعة الإخوان القيام برحلات ولقاءات بين شعب الإخوان في أنحاء الأردن وإقامة مخيمات تربوية فكرية وثقافية ورياضية تجمع الإخوان من شتى الشعب وكان الهدف منها أن يعيش شباب الإخوان في مناخ إسلامي نظيف يتم فيه التعاون بينهم وتشيع بينهم أخوة الإسلام فتكتمل تربية الشعبة بتربية جماعية وكانت هذه المخيمات التربوية تقام بإشراف فضيلة المراقب العام للجماعة وبمشاركة غالبا، وأذكر من تلك المخيمات واللقاءات التي شاركت في معظمها:

1- احتفال الإخوان في القدس في 27 رجب 1371هـ (1951 م) وقد ذهبت معه إخوان جنين إلى القدس للمشاركة في الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج وحضر الاحتفال الذي أقيم في قاعة المدرسة العمرية عدد من القادة والعلماء وألقي عدد منهم كلمات بهذه المناسبة الكريمة ومن الكلمات المؤثرة التي ألقيت وشدت انتباهي كلمة الدكتور مصطفى السباعي، وكان يومها نائبا لرئيس مجلس النواب السوري.

2- مخيم القدس (علي ملعب الشيخ جراح) والذي أقيم بمناسبة عقد المؤتمر الإسلامي لأول مرة في 27 رجب 1372هـ والموافق 11 نيسان 1953 م.

3- مخيم عقبة جبر الذي أقيم في شتاء 1954 م وقد حضره عدد من قادة الدعوة من خارج الأردن وكان من بينهم الداعية الأستاذ الفضيل الورتلاني.

4- مخيم وادي شعيب في شتاء عام 1953 م.

5- مخيم أقيم في ملعب الشيخ جراح في القدس عام 1954 م لاستقبال المرشد العام الأستاذ الهضيبي عندما زار فلسطين والأردن.

6- مخيمات دبين التي أقيمت في صيف 1954 م وتكررت إقامتها حتى صيف 1957 م.

7- مخيمات أقيمت في أحراش السلط، ومنها مخيم الديرة الذي أقيم عام 1957 م

8- مخيم السخنة التي أقيم في عام 1957 م بالقرب من مدينة الزرقاء.

9- لقاء فكري وتربوي أقيم في شعبة الإخوان في إربد.

يقول الأستاذ فاروق بدران عن هذه المخيمات لقد أقمنا في الخمسينيات من القرن الماضي عشرات المخيمات في الضفتين وفي عام 1957 م أقمنا أكبر هذه المخيمات مخيم السخنة وكان يحضره حوالي ثلاثمائة شاب وكان قائد المخيم الأستاذ عبد خلف داودية، ويساعده القاضي محمد نمر وهبة، وعزت العزيزي، وفاروق بدران وزياد أبو غنيمة وتحسين خريسوكان معنا في معسكرات الضفة: حمدي أبو حمدية، وعرفات التكروري، وأحمد عربيات.

وكنت في أثناء الداسة الجامعية أقضي كل وقتي في الصيف بشكل خاص في المعسكرات والكتائب والمحاضرات فكان والدي الأستاذ عبد الحليم بدران الذي كان في ذلك الوقت رئيسا لشعبة السلط يطلب مني العمل معه في الصيدلية فأطلب منه أن يستأذن من المراقب العام فكان يذهب إليه ويطلبني فيوافق.

إنشاء مؤسسات تربوية ودعوية ومراكز ثقافية:

تسهم في تربية الشباب وتثقيفهم وتنشيطهم، وتقيم ندوات ومحاضرات دينية وأدبية وفي مقدمة هذه المؤسسات

مدرسة البر بأبناء الشهداء: تأسست عام 1952 م في مخيم جبر، من أجل رعاية أبناء الشهداء والأيتام وتعليمهم، وقد أسسها الأستاذ محمد سعيد زكي بالتعاون مع جماعة الإخوان وكانت أول مؤسسة تعليمية يؤسسها الإخوان المسلمون.

وكانت تشرف على المدرسة جمعية البر بأبناء الشهداء، وكانت هيئتها الإدارية تتكون من الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة رئيسا والأستاذ عرفات حجازي أمينا للسر والحاج جمال عصفور أمينا للصندوق، والحاج محمود سعيد أخ زكي سعيد، مديرا للمدرسة والأساتذة أحمد خالد، ومحمد نمر وهبة، وعبد اللطيف قاسم أعضاء.

كلية المجتمع الإسلامي في الزرقاء: وهي كلية نصف جامعية أسستها جمعية المركز الإسلامي وقد تخرج فيها ما يزيد على العشرين ألف فتاة مثقفة إسلاميا يعملن في سائر قطاعات المجتمع بالإضافة إلى كونهن ربات بيوت إسلامية.

المدرسة الإسلامية في إربد، والمدرسة العمرية في السلط، والمدرسة الإسلامية في الكرك، ومدارس الأرقم في عمان.

إنشاء أكثر من ستين مدرسة أساسيةس وثانوية للبنين والبنات، ودور حضانة ورياض أطفال، وهي منتشرة في أنحاء الأردن، ومراكز ثقافية في العاصمة عمان وباقي المحافظات في الأردن وجمعيها تابعة لجمعية المركز الإسلامي.

المؤتمر الإسلامي في بيت المقدس:كان أبو ماجد يهتم بقضايا الأمة المصيرية وكانت فلسطين قضيته العاجلة دائما، وكان يحذر كثيرا من عواقبها على الأمة الإسلامية.

وفي عام 1953 م قام الأستاذ عبد الرحمن خليفة باسم الإخوان المسلمين بعقد المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس في 3-9 كانون الأول 1953 م ودعا علماء المسلمين في العالم الإسلامي ليتبينوا الخطر المحدق بالقدس والقضية الفلسطينية وليعلوا على وحدة الأمة في مواجهة الأخطار.

وحضرت المؤتمر شخصيات إسلامية من معظم أنحاء العالم الإسلامي وانتخبت في نهاية المؤتمر أمانة عامة للمؤتمر مهمتها الدعوة إلى تحرير المدينة المقدسة وشرح قضيتها للمسلمين في العالم وقد اختير د. سعيد رمضان أمينا عاما للمؤتمر وكامل الشريف مديرا ومحمد عبد الرحمن خليفة عضوا في اللجنة التنفيذية لأمانة المؤتمر.

وقابل أعضاء المؤتمر الملك حسين، والملك الحسن الثاني الذي كان في زيارة إلى الأردن وكان من قرارات المؤتمر تأسيس صندوق لإعمار القدس وفلسطين، ودعوة جميع الدول الإسلامية للإسهام في المحافظة على المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومساعدة جامعة الدول العربية في جهودها لحماية المقدسات في القدس.

وتقرر اختيار مكتب دائم للمؤتمر وعقد اجتماع سنوي في القدس ولكنه لم يعقد مرة أخرى حتى عام 1959 م فقد منعت الحكومة الأردنية مجموعة من أعضاء المكتب الدائم ومنهم الأمين العام سعيد رمضان من دخول الأردن، وأغلقت مكتب المؤتمر في القدس في عام 1955 مم ثم أعيد فتحه بعد عام، وعقد المؤتمر في دمشق عام 1956 م.

وكان النشاط الرئيسي للمكتب جمع التبرعات من العالم الإسلامي وإنفاقها في أوجه ومشاريع يقرها المؤتمر مثل بناء تحصينات في أربع قرى مجاورة للقدس والخليل سلمت للجيش وزودت القرى الأمامية بمواد البناء ليتمكن الأهالي من بناء التحصينات والملاجئ وقدمت ملابس وأطعمة ومساعدات عينية للحرس الوطني بقيمة أربعة عشر ألف دينار وزار أعضاء المؤتمر المواقع الأمامية للجيش وألقوا الخطب الجهادية والتعبوية على الجنود.

ولما رفعت الحكومة الأردنية الخطر عن المؤتمر عام 1959 م سمحت لممثلين من جميع أنحاء العالم الإسلامي بالحضور وبدأت علاقة وثيقة بين المؤتمر والحكومة ووزع في المؤتمر كتاب كامل الشريف مدير عام المؤتمر الحرب المقدسة، وكان الملك حسين قد كتب مقدمة لهذا الكتاب.

وعقد المؤتمر الرابع في عام 1960 م وأرسل كثير من رؤساء الدول من مختلف العالم برقيات تأييد، واتخذ المؤتمر قرارات حول فلسطين والجزائر وأرتيريا وأندونسيا والكتلة الشرقية.

الإعلام والمطبوعات: أصدرت الحركة الإسلامية في الأردن في عهد الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة، مجموعة من الصحف والنشرات والكتب والكتيبات منها...

صحيفة الكفاح الإسلامي: كانت يترأس تحريرها منذ صدور عددها الأول في تحريرها الأستاذ يوسف العظم وكان أبو ماجد أيضا يكتب مقال الافتتاح لصحيفة الكفاح الإسلامي التي استمر صدورها حتى عام 1957 م وكثيرا ما كانت تمنع من الصدور.

صحيفة الرباط: صدرت في 10/ 12/ 1990 م ثم توقفت فترة وعاودت الصدور في 7/1/ 1991 م وقد ترأس تحريرها على التوالي عزام التميمي يوسف العظم، زياد أبو غنيمة، إبراهيم غرايبة، وتعاقبوا على إدارتها خلال ستة أشهر ثم تسلمها د. كمال رشيد رئيسا للتحرير لمدة سنتين وكان لفضيلة المراقب العام فيها لمسات من التوجيه وعدد من المقالات.

صحيفة السبيل: أصدرتها مجموعة من شخصيات الإخوان وجبهة العمل الإسلامية بتاريخ 19/ 10/ 1993م، وهي صحيفة مستقلة في إدارتها وسياستها وتعبر عن رأي الحركة الإسلامية ومواقفها وتلتزم بها إلى حد كبير.

نشرة الصف الداخلية: كانت توجه انتقادات إلى الحكومة إلا أنها لم تكن توزع علانية.

• كان الإخوان يصدرون منشورات تشرح مواقفهم من الأحداث والقضايا القومية والوطنية. وكانت هذه المنشورات في الغالب تهاجم الرئيس المصري عبد الناصر بشدة، وتدافع عن الإخوان في مصر.

• أصدرت الحركة مجموعة من الكتب والكتيبات، مثل كتاب الإسلام والحكم، والإخوان المسلمون والقضية الفلسطينية، ومحنة الإخوان في مصر.

• في عام 1956 م وزعت نشرة للأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة بعنوان نحن المنتصرون دعا فيها أعضاء الجماعة إلى مساندة الحرس الوطني لأنه أفضل من يضمن أمن البلد والنصر على إسرائيل.

• وكان من أكثر الكتب انتشارا بين الإخوان المسلمين في الأردن كتاب كامل الشريف: الإخوان المسلمون في حرب فلسطين عام 1948 م وقد أهدى المؤلف كتابه هذا إلى الحرس الوطني.

وهذا غيض من فيض من نشاط أبي ماجد في مجال الدعوة والذي يقول عنه خليفته في رئاسة الحركة لقد عاش أبو ماجد ما يقارب التسعين عاما قضي منها أربعين عامًا قائدا لهذه الدعوة، عاش حرا أبيا ومات عزيزا كريمًا قابضًا على جمر الدعوة، مات وفي عنقه بيعة لله لم ينكث ولم يغدر ولم يبدل وأسأل الله أن يكون ممن قال فيهم: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾ [الأحزاب: 23]

نشاطه في المجال الاجتماعي

كان أبو ماجد يرحمه الله من أهل النخوة والمكرمات وفعل الخير والتنافس فيه كان في مقدمة الرجال الخيرين في هذا الزمان ومن أصحاب السمعة الطيبة، والصفات الحميدة التي كانت موضع تقدير كبير في بلد يعتز بالقيم الأصيلة ويربي أبناءه عليها كان منذ نشأته يتميز بنظافة اليد وطهارة اللسان.. ويتمتع باحترام وتقدير جميع أهل السلط.

يقول الدكتور عبد اللطيف عربيات في كلمته التي ألقاها في احتفالية أبو ماجد بعنوان: فقيد الوطن والأمة والعمل الخيري أود أن أذكر بعضا من صفات ومكارم هذا الرجل منذ حياته في شبابه وانتهاء بعطائه الكبير في مؤسسات الدعوة في هذا البلد والبلاد الإسلامية الأخرى.

أعمال الإغاثة والنجدة:

• عندما حدثت النكبة الكبرى عام 1948 م كانت شعبة الإخوان المسلمين في السلط مركزا لإيواء المهاجرين في تلك النكبة المشئومة، وجمع التبرعات من أهالي السلط وتقديم المساعدات حيث اشترك أهل السلط جميعا في ذلك وقد شاهد إخواني من جيلي الحشود التي كانت تؤم دار الجماعة لهذا الغرض.

• روي لي الأخ بدران أو الده أخبره أن رجلا اسمه محمد خليفة قام بعمل كريم وهو من من المكرمات التي تذكر بين الناس حيث شاهد عائلة تبكي خلال سقوط الثلج الكثيف في السلط تبكي فقيدا لها، فعرف أنه لا أحد لهم في السلطة فقام بواجب إمداد الغير، والسير في الجنازة وتقديم الغداء لهم.

• كان بيته مضافة للقادمين من داخل الأردن وخارجه وسمعت الكثيرين ورأيت بنفسي الكثير من هذا النوع من الكرم والضيافة الكريمة.

• قصة الأخ ياسين الإمام في الخمسينيات عندما دخل الدعوة وزار الأردن ويذكرها إلى اليوم باعتزاز ويقول: إنني جئت الأردن واستضافني أبو ماجد وذبح لي ذبيحة.

• وقبل حوالي شهر ونصف التقيت د. شحادة خوري/ عضو مجمع اللغة العربية في دمشق وذكر لي قصة أول زيارة له للأردن وأنه جاء يسأل عن الدكتور عبد الكريم خليفة فوجده مسافرا، فقال: لقد استضافني أخوه محمد في بيته وهو من خيرة الناس كما قال.

• وكان بيته مفتوحا لإخوانه القادمين من داخل الأردن وخارجه فكان رحمه الله المضيف للجميع.

بقيادة أبي ماجد قام الإخوان بإغاثة المنكوبين:

• تأسيس مدرسة البر بأبناء الشهداء في مخيم عقبة جبر من أجل رعاية أبناء الشهداء والأيتام وتعليمهم والتي كان أبو ماجد رئيسا للهيئة الإدارية فيها عام 1953 م ودعوة قيادات العالم الإسلامي لزيارتها وإقامة احتفالات يوم الشهيد السنوية وكان يحضرها الآلاف.

• عقد المؤتمر الإسلامي لبيت المقدس والمؤتمرات الإسلامية في يوم الإسراء والمعراج والتي يلتقي فيها زعماء العالم الإسلامي من أجل بيت المقدس وفلسطين.

• الإسهام في بناء سور القدس الذي يحمي المسجد الأقصى من الجهة الغربية.

• تقديم الخدمات وجميع التبرعات لمخيم الكرامة، الذي كان معسكرا نشطا للحركة الإسلامية.

• بناء مخيمات الفلسطينيين في الأردن كان للدعاة فيها نصيب كبير. النكبات التي حصلت في الأردن:

• فيضانات معان عام 1966 م وكان أبو ماجد أول من دخل معان ومعه العديد من الشاحنات لإغاثة الإخوة أهل معان.

• مخيمات الرويشد في حرب الخليج كانت جمعية المركز الإسلامي الخيرية تقدم (10000) وجبة يوميا للنازحين وكان الأستاذ أبو ماجد في طليعة العاملين مع الإغاثة المباشرة.

النكبات في مناطق الدول الشقيقة:

• الهجرات والنزوح من فلسطين وسورية والعراق ومصر وأرتيريا وغيرها كانت الحركة في الأردن في عهد أبي ماجد وإشرافه ملاذا دائما وعلى مدى عقود.

وقد قدمت الحركة إغاثات كثيرة وكانت رئة التنفس لهم.

دور أبو ماجد في بناء المؤسسات الكبرى للدعوة:

• المدارس وكليات المجتمع ورياض الأطفال في العاصمة عمان وباقي أنحاء الأردن.

• المستشفيات والمستوصفات والمختبرات.

• العمل الخيري .. .رعاية الأيتام والأسر الفقيرة، والكم الذي زاد ثلاثة أضعاف على ما تقوم به الأجهزة الحكومية.

وقد تحدثت عن بعض هذه المؤسسات وسوف أتحدث عن الباقي إن شاء الله فقد كان لجماعة الإخوان في الأردن، في عهد الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة وبإشراف أنشطة اجتماعية كبيرة، وتجربة ناجحة في المجالات العامة الدعوية والتعليمية والتنموية والخيرية وغيرها

ورغم أن إنجازاتهم قد تحققت بمشاركة عناصرهم مع غيرهم في تطبيق برامجهم وأفكارهم من خلال المؤسسات العامة والجمعيات الخيرية والبلديات والعمل النقابي والطلابي والصحافة والإعلام وإنشاء المساجد والمراكز الثقافية والأدبية والمدارس التربوية والنوادي الرياضية وتربية الأجيال على الاستقامة والأخلاق الإسلامية.

وإن جزءا كبيرا من أنشطتهم يقع في هذه المجالات كالمشاركة الاجتماعية في الإصلاحي بين الناس والسعي في حاجاتهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم وإقامة الندوات والمحاضرات الدينية والأدبية والثقافية.

أما المؤسسات التي أنشأتها الحركة الإسلامية أو شاركت في إنشائها في الأردن فهي:

• جمعية المركز الإسلامي الخيرية.

تعد جمعية المركز الإسلامي الخيرية أهم مؤسسة اجتماعية للعمل الخيري في الأردن وكان لأبي ماجد السبق في جميع الخيرين من أجل تأسيس هذه الجمعية وكان رئيسا لها منذ تأسيسها عام 1963 م وحتى عام 2000 م وقد أنشئت في العاصمة عمان ولها فروع في محافظة الزرقاء والبلقاء وإربد والرمثا والمفرق وجرش ومأدبا ومعان والكرك والطفيلة والعقبة وتمارس نشاطها تحقيقا للأهداف التالية.

أ‌- تعليمية وتثقيفية وذلك بإنشاء دور حضانة، ورياض أطفال، ومدارس ومراكز ثقافية وقد كتبت عنها عند الكلام عن النشاط في مجال الدعوة.

ب‌- مراكز صحية ومستوصفات طبية ومستشفيات... وقد تم إنشاء المستشفى الإسلامي في عمان الذي بدئ العمل فيه سنة 1981م وهو من أكبر المستشفيات في الأردن وأهمها والمستشفى الإسلامي في العقبة كما تم إنشاء أكثر من ستين مركزا طبيا وعيادة ومختبرا في العاصمة عمان وباقي المحافظات.

ت‌- إنشاء مشاريع إنتاجية وتدريبية تخدم المجتمع المحلي، مثل إنشاء مراكز خياطة، وتنسيق زهور، ورسم على الزجاج وقد تم إنشاء مراكز مهنية وحرفية ومشاريع تدريب في أكثر من أربع عشرة منطقة في العاصمة ومخيمات إربد وجرش والأغوار.

ث‌- مساعدة الأسر الفقيرة من الصدقات والزكاة: مثل فتح مراكز لرعاية الأيتام ومساعدة المرضى الفقراء وقد تم فتح أكثر من خمسين مركزا لهذا الغرض في جميع المدن والمناطق.

يقول الدكتور إسحق الفرحان عن هذا النشاط كان أبو ماجد رحمه الله يؤمن أعمق الإيمان بالعمل الخيري ورعاية الأيتام ومساعدة الفقراء فكان من مؤسسي جمعية المركز الإسلامي الخيرية في الأردن وأول رئيس لها طيلة أربعة عقود وتد هذه الجمعية رائدة الجمعيات الخيرية في الأردن إذ بلغت قيمة موجوداتها خلال أربعين سنة ما يزيد على ألف وخمسمائة مليون دينار، ولها مستشفيان كبيران في عمان والعقبة، وعشرات المراكز الصحية وترعى مئات الأسر الفقيرة بالإضافة إلى ما يزيد على عشرة آلاف يتيم، كما أسست كلية المجتمع الإسلامي في مدينة الزرقاء بالإضافة إلى أكثر من ثلاثين مدرسة إسلامية وأقولها بحق:

إن هذه الجمعية تعد نموذجا تعد نموذجا يحتذى للجمعيات الخيرية، ليس في الأردن فحسب بل وفي جميع أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي وهي تستحق كل دعم ورعاية ومساندة والله يحب المحسنين.

وتشارك الحركة الإسلامية في الأردن بإدارة مجموعة أخرى من المؤسسات الخيرية والثقافية ومن أهمها.

1- نادي اليرموك الرياضي الثقافي الاجتماعي الذي انشئ عام 1967 م.

2- جمعية المحافظة على القرآن الكريم، أسست في 20/ 4/ 1991 م.

3- جمعية الهلال الأخضر أسست عام 1990 م.

4- جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية أسست عام 1978م.

5- المعهد العالي للفكر الإسلامي مكتب الأردن أسس عام 1981م.

6- لجنة المناصرة الإسلامية للشعب الفلسطيني أسست عام 1990 م.

7- الهيئة الإسلامية العالمية للإغاثة الطبية، أسست عام 1991 م.

8- رابطة الأدب الإسلامي العالمية مكتب الأردن، أسس عام 1989م.

9- المشاركة في إنشاء المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس 1953 م.

وعملت الحركة الإسلامية في الأردن على تأسيس ومشاركة في مجموعة أخرى من المؤسسات الخيرية والثقافية ومن أهمها: اللجنة المركزية لرعاية شؤون المساجد.

ومن الجمعيات العربية: رابطة العالم الإسلامي والهيئة الإسلامية العالمية للإغاثة والوكالة الإسلامية للإغاثة وهيئة الأعمال الخيرية، والهيئة الخيرية العالمية التي تعمل من خلال مكاتبها الإقليمية في عمان.

أبو ماجد.. والقضية الفلسطينية

للقدس وفلسطين مكانة كبيرة في نفس وقلب الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة فقد أحب فلسطين أرض الإسراء والمعراج وعشق القدس والأقصى ولم يكن يمر عليه أسبوع واحد إلا ويتدثر بدفئها الإيماني خاصة وأنه تعلم في كلية خضوري في طولكرم ونال شهادة الحقوق من معهد الحقوق بالقدس وكان له نشاط جهدي مع بعض إخوانه من أبناء الجماعة الذين كانوا يتخذون من القدس مقرا لهم وكان تمسكه بفلسطين كل فلسطين وبالقدس كل القدس واعتبرها القضية المركزية للأمة جمعاء ودعا للجهاد في سبيل الله من أجلها وكان يتحدث دائما عن مؤامرات اليهود عليها ويحض على وحدة الأمة العربية والإسلامية كطريق لتحريرها وعودة اللاجئين إليها.

وكانت علاقة الحركة الإسلامية بالقضية الفلسطينية قد ابتدأت منذ نشأتها وشارك متطوعون من الإخوان في حرب 1948 م بقيادة الحاج عبد اللطيف أبو قورة وشاركوا في العمليات الفدائية خلال الفترة (1968 م- 1970 م)

والحركة الإسلامية ترفض مفاوضات التسوية الجارية في المنطقة العربية وتطالب بالتمسك بالحق العربي كاملا في استعادة جميع الأراضي العربية المختلفة سواء في عام 1948 م أو في عام 1967 م وترفض الاعتراف بدولة إسرائيل.

وللحركة مجموعة من المنطلقات والمبادئ وفي التعامل مع القضية الفلسطينية أهمها.

1- فلسطين أرض عربية إسلامية، وهي وقف إسلامي يحرم التنازل عن شبر منها.

2- العمل على تحرير فلسطين بكل الوسائل الممكنة واعتبار ذلك من أهم واجبات الحركة الإسلامية.

3- رفض قرارات الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية ومشروعات التسوية السياسية والتفاوض مع إسرائيل.

4- دعم الشعب الفلسطيني في مساعيه للتحرر ومقاومة الاحتلال واعتبار دول المواجهة قواعد متقدمة لتحرير فلسطين.

وتتمثل جهود الحركة الإسلامية في معارضة مشروع التسوية السياسية للقضية الفلسطينية في البيانات والتوعية، والمهرجان والضغط في مجلس النواب، والكتابة في الصحف وتعبئة الرأي العام ضد التسوية ودفعه إلى رفضها والعمل على دعم حركة حماس من خلال الأنشطة المختلفة كالمهرجانات والخطب والصحافة وعقد المؤتمرات الوطنية ودعم صمود الشعب الفلسطيني واستمرار مقاومة الاحتلال والتطبيع.

وفيما يلي نعرض باختصار لأبرز الجهود والأنشطة التي قام بها أبو ماجد وإخوانه باسم الحركة الإسلامية في الأردن للقضية الفلسطينية.

- بعد حرب 1948 م كان أبو ماجد وإخوانه يقومون بزيارات مستمرة لمدة الضفة الغربية، وقرى الخطوط الأمامية ومخيمات اللاجئين ويلقون المحاضرات الهادفة التي تعمل على تنوير الناس بقضيتهم وما يحاك ضدها من مؤامرات ويحدثونهم عن الرباط والجهاد ويدعونهم إلى الثبات في وطنهم والدفاع عنه.

- ويقومون بإنشاء مؤسسات تربوية، تساهم في تربية الشباب وتثقيفهم وتقيم الندوات والمحاضرات الهادفة التي تعمل على تنوير الناس بقضيتهم وما يحاك ضدها من مؤامرات ويحدثونهم عن الرباط والجهاد, ويدعونهم إلى الثبات في وطنهم والدفاع عنه..

- ويقومون بإنشاء مؤسسات تربوية تساهم في تربية الشباب وتثقيفهم وتقيم الندوات والمحاضرات ومن تلك المؤسسات مدرسة البر بأبناء الشهداء التي تأسست عام 1952 م في مخيم جبر، من أجل رعاية أبناء الشهداء والأيتام وتربيتهم وتعليمهم.

- وفي عام 1953 م قام الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة، باسم الإخوان المسلمين بعقد المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس ودعا إليه علماء العالم الإسلامي ليتبينوا الخطر المحدق بالقدس والقضية الفلسطينية وليعملوا على وحدة الأمة في مواجهة الأخطار وحضر إلى المؤتمر شخصيات إسلامية من معظم أنحاء العالم الإسلامي وتقرر اختيار مكتب دائم للمؤتمر وعقد اجتماع سنوي في القدس

وكان من قرارات المؤتمر تأسيس صندوق لإعمار القدس وفلسطين والعمل على حماية المقدسات الإسلامية في القدس وجمع تبرعات من العالم الإسلامي وإنفاقها في المشاريع، مثل تحصينات القرى المجاورة للقدس والخليل وبناء التحصينات والملاجئ في القرى الأمامية وتقديم مساعدات عينية للحرس الوطني وإقامة سور في القدس لحماية المسجد الأقصى من الجهة الغربية.

- يقول المهندس إبراهيم غوشة في عام 1953 م عقد المؤتمر الإسلامي لبيت المقدس وتم تشكيل الأمانة العامة وكان أبو ماجد وسعيد رمضان وكامل الشريف من أبرز مؤسسيها ولعدة سنوات كان يحتشد في القدس في ذكرى الإسراء والمعراج مئات الوفود في العالم العربي والإسلامي ومئات الشباب من طلاب وجوالة الإخوان بالأردن لإحياء الذكرى والتعاهد على تحرير القدس وفلسطين.

- وفي أسبوع مكافحة الخطر الصهيوني وجه أبو ماجد نداء إلى الشعب في 20/ 3/ 1956 م باسم جماعة الإخوان المسلمين قال فيه يا أبناء الشعب الكريم إن م حقكم علينا والأحداث تمر بالبلاد سريعة صاخبة والمؤامرات الاستعمارية تحاك في الظلام لطمس آثار الحق في قضايانا المتعددة أن نتحدث إليكم عن أهم مسائل الساعة الحاضرة بصدق وصراحة كما تعودتم ذلك دائما من جماعة آمنت بالله واتخذت رسوله هاديا وكتابة دليلا..

- وتحدث عن الخطر الصهيوني فقال: لقد كانت نكبة فلسطين درسا قاسيا لكل أمة لا تستعد لمجابهة الأخطار بعمل جرئ وجهد متواصل وها نحن نشهد من بوادر الخطر الصهيوني وانتقاله بعد فلسطين إلى حدود بلادنا العربية كلها ما جعلنا نتفق جميعا على أن التسلح والاستقلال في السياسية الخارجية والاعتماد على النفس هلي الطريق التي لا مفر لنا من سلوكها إن أردنا إحباط خطط اليهودية العالمية ودفع عدوانها ونحن لا ننكر أن وضعنا العسكري والمادي أقوى منه حين دخلنا معركة فلسطين الأولى ولكننا مع هذا نصارحكم القول بأن خطواتنا ما تزال بطيئة وأن بعض العقبات ما برحت قائمة في سبيل تحويل البلاد إلى معسكر يضج بالعمل والقوة والروح الحربية المناضلة إن مفاسد الحكم في بلادنا العربية، وشهوة الاستبداد في بعض حكامنا العرب ومظاهر الطغيان في أقطار كان يرجى منها أن تكون في طليعة أقطارنا قوة وتحريرا،

وخوف بعض الحكومات من القيام بالإصلاحات الجريئة التي تجعل من أمتنا أمة تسخر بالنكبات وتبتسم لمعارك الفداء، وامتداد النفوذ الأجنبي إلى بعض أوساطنا السياسية والحزبية بحيث يجعلنا مكبلين بالأغلال مجبرين على أتباع هذا أو ذاك، كل ذلك وأكثر منه، يجعل مستقبلنا مليئا بالأخطار ويشجع اليهودية العالمية على التمادي في البغي والعدوان..

- وليس من سبيل لاستقامة الطريق إلا أن يحزم الشعب أمره، ويجهر بالحق في وجه حكامه وزعمائه ويتقبل كل ضروب الفداء والتضحية ويعرض عن حياة اللهو والعبث والاتكالية السلبية ويفئ إلى اله معتصما بحبل الأخوة وعروتها الوثقى، ويحارب دعاة الفوضى والتفرقة والتبعية المخزية لدولة ما من دول العالم الكبرى إن الخطر الصهيوني خطر عالمي منبعث عن حركة علمية منظمة فلنقابل العدو بوسائله ولنحذر الاستمرار في طريق الارتجال والفوضى والاستبداد فإن ذلك هو الخسران المبين.

وتحدث عن قضية فلسطين فقال: وقضية فلسطين هل بقي أحد لم يعرف أسبابها ومقدماتها ونتائجها؟ وهل بقي أحد لم يعرف الطريق الصحيح إلى حلها؟ فماذا تفعل حكومتنا اليوم في سبيلها؟

إنها تلح على هيئة الأمم بتنفيذ قرار التقسيم، وهو القرار الذي حاربته الدول العربية يوم إقراره ورفضت الاعتراف به أمدا طويلا والإخوان المسلمون يصارحونكم يا أبناء الشعب بأن الإصرار على تنفيذ قرار التقسيم خطر جسيم يهدد مستقبلنا بأكبر الكوارث إن إسرائيل سواء كانت في رقعتها الحالية أم في رقعتها المحددة بقرار التقسيم، أو في أضيق من ذلك ولو في ذراع واحد من أرض فلسطين عنوان شر ونفوذ أجنبي وقومية غريبة متعصبة تتعطش للدماء وتستخف بمبادئ الشرائع فلماذا تغفل حكوماتنا عن الاعتراف بهذه الحقيقة ولماذا تساوم على قضية خاسرة تجلب العار والشقاء والبلاء لبلادنا عشرات السنين حتى تتحرر من كل أثر لليهودية العالمية التي تحلم بحدود دولتها كما وردت في التوراة.

يا أبناء الشعب كل دعوة إلى الاعتراف بدولة عربية ودولة يهودية تقومان جنبا إلى جنب على أرض فلسطين جريمة لن يغفرها الله ولن يسكت عن خزيها التاريخ ولن تكون مع ذلك إلا كوضع الأفعى في حجرة من حجرات البيت، فمن منكم يستطيع أن ينام وبجانبه حية تسعي؟

وتحدث عن الحرس الوطني، فقال: وإذا كنا نشعر جميعا بالخطر اليهودي على بلادنا فأحرى بنا أن نشعر بخطر اليهودية الأثيمة على حدود فلسطين المحتلة وأن نقدر الحاجة إلى تحصين الحدود وتقوية الحرس الوطني وإمداده بالمال والسلاح واللباس والتأييد وقد كان م الواجب أن تقوم الهيئات والأحزاب بواجبها في الدعوة إلى التبرع للحرس الوطني الذي يدافع عن ستمائة كيلومتر فأكثر في حدود مكشوفة لا حصون فيها إلا صدور الأبطال من رجال الحرس الوطني وسكان الحدود.. إن واجبكم يا أبناء الأمة أن تمدوا أيديكم بالبذل للحرس الوطني دفاعا عن حدودكم.

- عندما قام بابا الفاتيكان يوحنا السادس بزيارة الأردن وفلسطين عام 1964 م، كان يريد الطلب من الحكومة الأردنية السماح له بإقامة مقر له في قطعة أرض محدودة في أبو ديس فعلم أبو ماجد فقام بجمع العديد من الرجال من عمان والسلط والكرك، وحملوا عبر سيارات النقل في ذلك الوقت إسمنتا وحديدا وأدوات البناء وذهبوا إلى منزل كامل عريقات في القدس وأخروه بأنهم يريدون أن يبنوا مسجدا في تلك القطعة ليرفعوا الحرج عن القيادة السياسية وفعلا قاموا ببناء المسجد بسرعة ولم يتركوا موقع البنا حتى فرغوا من بناء المسجد وصلى الجميع صلاة الجمعة فيه قبل أن يعودوا إلى بيوتهم.

- ولما وقعت الضفة الغربية وفي مقدمتها مدينة القدس بأيدي اليهود عام 1967 م وتقدمت الجيوش الإسرائيلية نحو المدن والقرى تحتلها مدينة مدينة وقرية قرية نادي أبو ماجد لعقد مؤتمر إسلامي في عمان حضره الكثير من الحركات الإسلامية في العالم من أجل مراجعة أسباب الهزيمة واستخلاص العبر ورسم الخطط لاستئناف المقاومة والجهاد.. وكان أكثر شيء أخزنه في حياته هو سقوط القدس وبعد مرور سنة من سقوطها بيد اليهود شكل لجنة إنقاذ القدس.

- معسكرات العمل الفدائي قواعد الشيوخ من 1967 م- 1970 م بعد سقوط الضفة الغربية بأيدي اليهود عام 1967 م قررت الحركة الإسلامية في الأردن بقيادة أبي ماجد، البدء بعمل فدائي ضد العدو الصهيوني وطلبت من شباب الإخوان التدريب في معسكرات خاصة بهم حيث اتفقت مع حركة فتح على إنشاء أربع قواعد للإخوان باسم حركة فتح في شمال الأردن والتي أطلق الناس عليها اسم قواعد الشيوخ

وقد أشرف على هذه المعسكرات مجموعة من الإخوان المصريين الذين شاركوا في حرب 1948 م في فلسطين وعمليات قناة السويس (1951- 1954 م) وكان في مقدمتهم عبد العزيز على، وصلاح حسن ، ومحمود حسن... ومن الناشطين الأردنيين والقياديين الميدانيين في هذه المعسكرات الشيخ عبد الله عزام والشيخ ذيب أنيس والدكتور أحمد نوفل ومن القياديين الإداريين: الدكتور إسحق الفرحان وعبد خلف داودية وكان يعمل في هذه المعسكرات حوالي مئة وثمانون متفرغا إضافة إلى كثير من المتطوعين في الإجازات الصيفية أو على فترات متقطعة.

وشارك في هذه المعسكرات إلى جانب الإخوان الأردنيين والفلسطينيين مجموعة من الإخوان السوريين بقيادة الشهيد مروان حديد، ومجموعة من الإخوان السودان يين وعلى رأسهم الوزير السودان ي محمد صالح عمر، ومجموعة من الإخوان المصريين وبلدان عربية وإسلامية أخرى.

وقد نفذ شباب هذه القواعد مجموعة من المعارك والعمليات العسكرية ضد أهداف إسرائيلية في الفترة الواقعة بين 1967 م إلى 1970 م وكان الجيش الأردني خير متعاون معهم إذ أنهم صدقوه فصدقهم وعاملوه بالرجولة الإسلامية فعاملهم بالمروءة والنخوة العربية وكان من أشهر تلك المعارك.

1- معركة المشروع أو الحزام الأخضر عام 1969 م وهذه المعركة خاضها وأشرف عليها الشهيد عبد الله عزام، والشهيد عبد الستار الزعيم مع إخوانهم في منطقة الغور الشمالي ضد جنود الاحتلال.

2- معركة 5 حزيران سنة 1970 م وكانت من بين العمليات التي أشرف عليها الشهيد عبد الله عزام، واشترك فيها ستة من المجاهدين.

3- عملية سيد قطب في 29آ ب سنة 1970 م أعدها الشهيد أبو عمرو صلاح حسن ضد دورية من عدة دبابات واستشهد في المعركة صلاح حسن وعدد من إخوانه.

وقام شباب الحركة الإسلامية في تلك الفترة بأنجح العمليات داخل الأرض المحتلة ولم يصروا على نسبة هذه العمليات إليهم لأنهم يجاهدون في سبيل الله لا من أجل اكتساب شعبية أو الحصول على ثناء.

وقدمت الحركة الإسلامية 13 شهيدا منهم: الشهيد صلاح حسن من مصر، والقائد محمد سعيد بإعباد من اليمن ، والشهداء مهد الأدلي، و نصر عيسى، و زهير قيشو من حماة والشهيد رضوان بلعة من دمشق، والشهيد رضوان كريشان من معان، والشهداء محمود البرقاوي وأبو الحسن إبراهيم الغزي وكان من خيرة المدريين في معسكر العالوك من فلسطين.

وبقي شباب الحركة الإسلامية في القواعد يؤدون واجبهم الجهادي ويقيمون علائق طيبة مع الجيش الأردني الذي كان يحترمهم أيما احترام حتى كان خلف رافع قائد اللواء المسئول عن حراسة الحدود في الغور، يوقف سيارته إذا رأي شابا من شابهم وكان بينهم وبين الأهالي صلة وثيقة ومحبة عميقة خاصة الذين كانت قواعد الشباب في أكنافهم، وخاصة آل عبيدات في الرفيد وحرثا، فقد احتضنوهم كأنهم أبناؤهم ولقد وقفوا وقفة طيبة عندما دخل الجيش الأردني، أيام الفتنة لضرب قواعدهم فقالوا: نحورنا دون المس بهم وصدورنا دون إيذائهم وقالوا عرفناهم لأبنائنا معلمين ولمساجدنا أئمة وخطباء ولقرارنا ومزارعنا حراسا أمنا.

ولما حصل الصدام بين الجيش الأردني وقوات الثورة الفلسطينية رفضت قيادة الإخوان المشاركة مع أي طرف من الطرفين والتزمت قواعد الشيوخ بعدم الاشتراك بهذه الفتنة التي سميت بأيلول الأسود (1970 م).

يقول الشيخ ذيب أنيس عن معسكرات العمل الفدائي درس مجلس الشورى المشاركة في معسكرات فتح في منطقة الأغوار، شمال الأردن، وكانت حركة فتح في ذلك الوقت أقرب الحركات إلى الإسلامي ولم يكن ظاهرا فيها إلا الرفض لليهود وكان شعرها التحرير من النهر إلى البحر وهذا من ضمن بنود الميثاق الوطني الفلسطيني، الذي تم إلغاؤه فيما بعد بحضور كلينتون وعارض بعض الإخوان المشاركة مع فتح بحجة أنه يجب أن نبدأ متميزين باسم الحركة الإسلامية ولكن القيادة حسمت الأمر بالتنسيق لأن جمال عبد الناصر كان لا يريد أن يظهر للإخوان أي صوت في الوطن العربي وكان على استعداد لقتال أي جبهة تقبل الإخوان أو تنسق معهم، لأنه كان ينظر نظرة كراهية وعناد وعداوة للحركة الإسلامية.

فكان التنسيق تحت اسم فتح على أن تقدم فتح كافة التجهيزات المدنية والعسكرية لمجاهدي الإخوان وتذاع العمليات التي تنفذها مجموعات الإخوان باسم قوات العاصفة وهي الجناح العسكري لحركة فتح فالإخوان درسوا الإيجابيات والسلبيات فوجدا أن هذا الطرح أفضل للمصلحة العامة..

وكنا أحرارا في عملياتنا وتخطيطنا، ولنا حرية الاختيار المطلق في العمليات والتدريب، وإدخال عناصر جديدة، وتكوين القواعد العسكرية وفي الحقيقة كن بيننا تنسيق مريح، وكنا نتعاون في تنفيذ العمليات الكبيرة، وتنظيم عناصر مشتركة منا ومنهم، وأما العمليات المحدودة فكنا نقوم بها مستقلين.

ويقول الشيخ ذيب أنيس: انتظم الإخوان في المعسكرات وتركوا وظائفهم وأعمالهم وانخرطوا في العمل الجهادي، رغبة وتلبية لنداء الحركة وأذكر منهم الشهيد عبد الله عزام، والدكتور أحمد نوفل وأنا أجزم أنه لم يكن بين الذين خرجوا للجهاد عاطل من العمل وإنما كلهم كانوا على رأس أعمالهم وقد رأينا كثيرا من تواضع الإخوان وصدقهم وذلك لأن الأخ المسلم لا يقاتل من أجل السمعة.

وكنت المسئول الظاهر لقواعد الإخوان أمام المسئولين الأردنيين وكان الشهيد صلاح حسن هو المسئول العسكري الأكبر غير الظاهر أما المسئولين وكانت القيادة العليا لمعسكرات الحركة الإسلامية يختارها المكتب التنفيذي للجماعة.

وكان يشاركنا العمل الفدائي إخوان جاؤوا من أقطا إسلامية كثيرة كان الإخوان يتسابقون إلى الشهادة وقتال العدو، وما زلت أذكر كلام ضابط من ضباط فتح وقد استشهد رحمه الله واسمه محمد أبو ريا، يقول: هؤلاء هم أهل الشهادة هؤلاء هم أهل التحرير يشيد بشباب الإخوان وقد كنت أقوم معهم بمهمة التحضير للعمليات فكان يأتي إلى شباب الإخوان عند الاستعداد لعملية جديدة فيقول: من يخرج؟ فيرفع الجميع يده، بينما في المواقع الأخرى، لا يرفع أحد يده.

يقول الشيخ ذيب أنيس عن الفتنة التي حدثت عام 1970 م أعتقد أن قرار إنهاء المعسكرات كان غير عربي، وأعتقد أن بعض المنظمات قد خرجت عن الخطوط الحمر، وتدخلت في قضايا هي في غنى عنها وكان بعضهم يهدف على أن تكون الحرب بين عرب وعرب وحاولنا أن نصلح لكنهم لم يصغوا لنا، فقد كانوا في حالة غرور غير عادية وشعرنا نحن الإخوان بوجود شيء ما.

وأبلغت قيادة الإخوان في المكتب العام بذلك، فطلبوا منا أن نتصرف فرأينا أن نسحب إخواننا وأعلنا أننا بايعنا على حرب اليهود، فإذا أصبحت الحرب بين جندي وفدائي فنحن لا شأن لنا في هذه الحرب، ولا نرضى لأنفسنا أن نقتل جنديا أو أن يقتلنا جندي وأعلنا الانسحاب ولم نشارك في الفتنة ولله الحمد ولم نقتل أحدا ويقتل منا أحد ورجع كل واحد منا إلى عمله السابق.

ويقول الأستاذ عبد المجيد ذنيبات عن الأنشطة والجهود التي قام بها أبو ماجد وإخوانه لهذا العمل الجهادي بعد نكسة حزيران وكنت نائبا لشعبة الكرك كانت الأجواء في الأردن ملتهبة بعد احتلال العدو الصهيوني لجزء عزيز من المملكة وكان العمل الفدائي يومها نشطا ولا يكاد بيت أردني إلا وفيه من انتظم في هذا العمل دفاعا عن الوطن وحبا في الشهادة لاسترداد المغتصب من أرضنا الحبيبة فلسطين فجاء أخي المراقب العام محمد عبد الرحمن خليفة ومعه بعض إخوانه أذكر منهم الدكتور إسحاق الفرحان والأخ عبد خلف وعلى الحوامدة والمرحوم عبد الله عزام يحفظهم الله جميعا ويرحم من مات منهم.

وجلست مع إخواني أستمع لهذا الرجل يحدثنا عن فلسطين وما حل بها، وعن واجبنا في الدفاع عن الوطن وفضل الجهاد والشهادة في سبيل الله وذكر أن الإخوان المسلمين استشعارا منهم بواجب الدعوة وواجب الجهاد عن فلسطين قرروا المشاركة في العمل الجهادي انسجاما مع شعارها القائل الله غايتنا والرسول قدوتنا، والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا

وأخذ يستنهض هممنا للانخراط في هذا العمل الجهادي لتكوين كتائب جهادية كانت تنسق في حينها مع حركة فتح ضمن معسكرات مستقلة عرفت بمعسكرات الشيوخ وكان يرحمه الله كعادته منفعلا متأثرا متحمسا للفكرة وحاثا لنا للاستجابة لها وفعلا كنت أول المستجيبين لهذه الدعوة وجهزت نفسي لالتحق بمعسكر التدريب في الأردن ثم انتقلنا إلى موقع العالوك، وكان يرحمه الله يأتي في سيارة جيب هو وبعض إخوانه لتفقد معسكرنا، ويأتي بالزاد وما تيسر من المئونة ونستمع بين الحين والآخر لكلماته التي كانت تشعل فينا الحماس وحب الشهادة والاستشهاد.

- وفي عام 1983م عقد أبو ماجد مؤتمر فلسطين في المركز العام، وتحت رعايته حضر المؤتمر إخوة من الأردن والضفة الغربية و قطاع غزة والخليج...

- وعندما انطلقت الانتفاضة الأولى في عام 1987 م من قطاع غزة بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بادر أبو ماجد وإخوانه في قيادة الإخوان في الضفة الغربية بالالتحاق بهم والانضمام إليها.

- ورفض الإخوان في الأردن بقيادة أبي ماجد اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو ووادي عربة وأصروا على أن الطريق الوحيد لتحرير الأوطان هو الجهاد والمقاومة.

نشاطه في الميدان السياسي

كان أبو ماجد على رأس الذين لا يعتبرون السياسة مهارة في كذب، أو لباقة في خداع وإنما السياسة أن يهتم المسلم بأمر المسلمين ليكون منهم، وأن خير السياسة ما كان قائما على تقوى وهدى وبصيرة ولذلك فإنه لم يستغل الدين في سبيل السياسة بل جعل السياسة خادمة للدين محققة لأهدافه السامية، ووسيلة لخدمة الشعب والوطن وتحريره من الشرور والمفاسد والمظالم.

ولما قررت الحركة الإسلامية المشاركة في الانتخابات النيابية اختارته عمان ليكون نائبها في مجلس النواب عام 1956 م وفاز في الدائرة التي نافسه فيها سليمان النابلسي والذي خس أمامه في تلك الانتخابات مع أنه كان يتمتع بمساندة كل القوى غير الإسلامية في تلك الدائرة وفاز مع أبي ماجد في تلك الدورة الشيخ عبد الباقي جمو بمقعد الشيشان والشركس والأستاذ عبد القادر العمري بمقعد في إربد والدكتور حافظ التنشة بمقعد في الخليل وكان لأبي ماجد مواقفه المميزة تحت قبة البرلمان، وكان الصوت المعبر عن أماني الشعب والأمة والصوت المدوي الذي يصدع بالحق ولا يداري ويقارع الباطل ويترفع عن المكاسب والمغانم.

وشاركت الجماعة في الحياة السياسية مشاركة فعالة وكان أبو ماجد وإخوانه في الحركة الإسلامية يهتمون في الميدان السياسية بأمرين:

الأول: القضايا الوطنية التي تخص الأردن وفلسطين.

الثاني: القضايا السياسية الكبيرة للوطن العربي والإسلامي.

نشاطه في القضايا الوطنية

تحولت الجماعة في عهد أبي ماجد إلى صيغة تنظيمية وقانونية جديدة فأصبحت تنظيما له فروعه المنتشرة ومؤسساته القيادية المنتخبة وشاركت الجماعة في الحياة السياسية مشاركة فعالة تمثلت في:

• زيارة مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية باستمرار والالتقاء بأبنائها وبأفراد الحرس الوطني في الخطوط الأمامية لتعزيز صمودهم، وقد تحدثنا في الموضوعات السابقة عن ذلك.

• عقد المؤتمرات من أجل فلسطين وفي مقدمتها عقد المؤتمر الإسلامي لبيت المقدس، وقد تحدثنا في الموضوعات السابقة عن هذه المؤتمرات.

• مشاركة الجماعة في الحياة النيابية والنقابية والبلدية والعمل الطلابي في الجماعات فقد شاركوا في الحياة النيابية بدءا من عام 1956 م ورشحوا مجموعة نجح منهم أربعة، وشاركوا في مجالس عام 1963م وفاز عنهم نائبان هما: يوسف العظم عن معان ومشهور الضامن عن نابلس وفي عام 1967 م فاز لهم أيضا نائبان هما: ويوسف العظم عن معان وحافظ النتشة عن الخليل وعندما استؤنفت الحياة النيابية عام 1984 م بعد توقف دام سبعة عشر عاما جرت انتخابات تكميلية لملء ثمانية مقاعد شاغرة فاز فيها الإخوان بمقعدين إضافيين كانا من نصيب د. أحمد الكوفحي عن غربد، ود. عبد الله العكايلة عن الطفيلة..

وشارك الإخوان في مجلس الأمة الحادي عشر باثنين وعشرين نائبا سنة 1989م وكانوا أكبر كتلة برلمانية وانتخب د. عبد اللطيف عربيات رئيسا لمجلس النواب لثلاث دورات متتالية من دورات المجلس النيابي الحادي عشر وانتخب عدد من نواب الإخوان رؤساء لجان من لجان المجلس وشاركوا في حكومة مضر بدران بعد سنة من تشكيلها بخمسة وزراء وكانت مشاركة مشروطة بتنفيذ عدة طلبات لصالح الأمة.

وفي المجلس الثاني عشر 1993م فازوا بسبعة عشر مقعدا نيابيا، وحافظوا على موقعهم كأكبر كتلة نيابية وعين منهم عضو في مجلس الأعيان هو د. عبد اللطيف عربيات.

أما الانتخابات البلدية فقد شارك الإخوان فيها عام 1984 م في إربد ومأدبا وسحاب والعقبة ونجحوا فيها وشاركوا في الانتخابات النقابية وحققوا نجاحات ووصل الاتجاه الإسلامي إلى قيادة اتحاد الطلبة في الجامعة الأردنية.

وكان الإخوان قد شاركوا في الانتخابات البلدية بمشاركة محدودة ففي عام 1981 م انتخب أحمد الأزايدة رئيسا لبلدية مأدبا وأعيد انتخابه عام 1985 م وانتهت الدورة الثانية عام 1989م ورشحت للانتخابات النيابية ولم يرشح للبلدية في الدورة التالية وقرر الإخوان ترك الرئاسة لأحد المسلمين وعدم احتكار هذا الموقع وانتخب د. عبد الرزاق طبيشات لثلاث مرات أيضا (1980 - 1990 ) رئيسا لبلدية إربد، ثم انتخب المحامي عبد الرؤوف التل رئيسا لبلدية إربد عام 1995 م وانتخب ياسر العمري رئيسا لبلدية الزرقاء (1990 م- 1994م) قد شارك الإخوان في الانتخابات البلدية على شكل كتلة كاملة ونجحت هذه الكتلة ومن رؤساء البلديات من الإخوان د. هاني الطهراوي (سحاب) و إبراهيم أبو العز (العقبة).

وعندما أعيدت الحياة الديمقراطية عام 1989م وصدر قانون الأحزاب سعي الإخوان في تأسيس حزب جبهة العمل الإسلامي ة وشكلت لهذا الغرض لجنة تحضيرية برئاسة النائب أحمد الأزايدة رئيس كتلة نواب الحركة الإسلامية وشارك في اللجنة بالإضافة إلى الإخوان مجموعة من الإسلاميين المستقبلين وكان قوام اللجنة هو (21) شخصية من الإخوان والمستقلين وتكونت هيئة للحزب من 353 شخصا من مختلف المحافظات والقطاعات الاجتماعية والمهنية في الأردن.

وخاض الإخوان الانتخابات النقابية التي جرت وأحرزوا حضورا في نقابات الأطباء، والمهندسين والمهندسين الزراعيين والمحاميين والممرضين، ومعلمي المدارس الخاصة وأحرزوا حضورا رئيسيا في اتحاد الطلبة عام 1974 مم وقد انتخبوا في جميع الجامعات بأغلبية كبيرة وطلوا يمسكون الجماعات الطلابية بعد إلغاء الاتحاد وما زالوا يهيمنون على الاتحادات الطلابية في الجامعات والكليات

تبني قضايا الوطنين وتنظيم المظاهرات المعارضة لمواقف الحكومة السياسية ففي عام 1957 م طالب أبو ماجد وإخوانه النواب بإلغاء المعاهدة البريطانية وطرد كلوب وقوات الاحتلال البريطاني وتبنوا قضايا الوطن والمواطنين وفي مقدمتها محاربة الفساد والرشوة والمحسوبية والانحلال ودعوا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مناحي الحياة.

وكان الإخوان في طليعة المناهضين للأحلاف والارتباط بالدول الاستعمارية ولما أرادت بريطانيا وأمريكا في عهد إيزنهاور عام 1955 م أن توجد حلفا تشارك فيه العراق وتركيا وباكستان وإيران والأردن، ويكون سدا منيعا في وجه الشيوعية رفض أبو ماجد وإخوانه هذا الحلف وعارضوا الوجود البريطاني في الأردن وقامت مظاهرات ومصادمات في جميع أجاء الأردن بقيادة الإخوان طالبت بإسقاط حكومة هزاع المجالي وعدم الانضمام لحلف بغداد، واعتقل المراقب العام في سجن المحطة ولم تستمر حكومة هزاع سوى ثلاثة أيام وجاءت حكومة الرفاعي بعده وأعلنت أنها لن تنضم لحلف بغداد مما أدى إلى إفشال ذلك الحلف.

ولما حدثت مؤامرة الانقلاب عام 1957 م وظهر للعيان أنه كان في الجيش تنظيم ناصري باسم تنظيم الضباط الأحرار وكان يول من أجهزة عبد الناصر بالاتفاق مع رئيس الوزراء سليمان النابلسي وأن هؤلاء قرروا أن يقوموا بانقلاب في الأردن.

وبدأت تتضح اتجاهات الأحزاب التي كانت مشاركة في حكومة النابلسي أو مؤيدة لها نحو التأزم والمواجهة مع القصر وتنامي شعور قوي باقتراب حدوث انقلاب أو عمل ما.

وكان أول عمل خطط له المتآمرون هو تصفية الإخوان في الأردن وكانت كل نشاطات الإخوان في الأردن ونشراتهم تعمل على فضح النظام الناصري ولما علم الإخوان بذلك وقفوا موقفا حازما من هذه الأحداث وأفشلوها في المظاهرات.

يقول د. بسام العموش وكانت لغة الإخوان حادة في الخمسينيات يقود خطابها محمد عبد الرحمن خليفة ويوسف العظم ومن ذلك ما كانت تعج به صحيفة الكفاح الإسلامي حيث كان خليفة يكتب الافتتاحية وكان يوسف العظم يحمل قلما ملتهبا ففي عدد 8/2/1957 م لا صلح ولا دولار.. لا إلحاد ولا استعمار وأكثر من كان يعتقل في نشأة الإخوان المراقب العام محمد عبد الرحمن خليفة والأستاذ يوسف العظم.

ومع هذا المواقف المتشددة والتي لا تقبل المساومة وخاصة مع الكيان الصهيوني المغتصب لأرض الإسراء والمعراج ومع الدول الاستعمارية التي كانت تفرض سيطرتها وتستعرض قوتها على دول المنطقة إلا أن أبا ماجد كان يحافظ على أمن الأردن واستقراره ويعتبر هذا من القيم العليا التي يحرص عليها.

وقد حافظ الإخوان على خصوصية علاقتهم بالسلطة في الأردن من حيث التزامهم بالعمل السلمي ومعارضة الحكومات في إطار العمل القانوني المتاح وبرغم ولاء الجماعة في الأردن للجماعة الأم في مصر، ومشاركتها في المكتب الإداري للإخوان في الدول العربية فقد حافظ الإخوان على خصوصية عملهم ومواقفهم وبرامجهم الداخلية والتي حكمتها استراتيجية ثابتة ظلت مستمرة طوال تاريخ الجماعة وهي السعي في التأثير وتحقيق أهداف الجماعة وبرامجها دون التورط في مواقف تؤدي إلى مواجهة شديدة مع الحكومة أو تؤثر على مصير الجماعة وبقائها.

يقول الأستاذ عبد المجيد ذنيبات كان أبو ماجد يحافظ على أمن الأردن واستقراره ففي عام 1988 م حيث أشعلت ما سمى حينها بأحداث الخبز والقلاقل والبلابل التي كانت ستؤدي بهذا الوطن وكان حينها أخي أبو ماجد في جدة في عمل دعوي فهاتف إخوانه في القيادة بعمان ليذكرهم بأن أمن واستقرار الأردن هو من القيم العليا التي نحرص عليها نحن الإخوان المسلمين وعلينا أن نطفئ نار الفتنة ولا نشارك فيها مستنكرا ما حصل ومؤكدا على أن هذا الأسلوب ليس من أساليبنا وإن كنا نقف مع شعبنا في المطالبة بحقوقه والانتصار له وقد حفظ الملك حسين يرحمه الله هذا الأمر لأخي أبو ماجد وشكره عليه كما شكر الجماعة على موقفها المسئول والوطني في حينه.

وقال في الاحتفالية رحم الله أبا ماجد وعوضنا عنه خير العوض وإذا عد رجال هذا الوطن ممن قدموا للأردن خدمات جليلة وحفظوا هويته واستقلاله ووقفوا إلى جانبه دوما في الأيام الصعبة فإن أبا ماجد واحد من هؤلاء الكبار لذا فمن حقه على هذا الوطن وولاة الأمر فيه أن يذكر بخير وأن يخلد اسمه على لوحة الشرف ومن المؤسف ألا تسمح الحكومة بمثل هذا الحفل وتأذن بإجرائه في مكان عام كقصر الثقافة فعمد إخواني إلى إقامته في هذا المكان الضيق فئن نسي الجاحدون فضل هذا الرجل ومنعوا الاحتفالية فقلوب إخوانه والخيرون في البلد تتسع له شاكرة لفضله وداعية له بالمغفرة والقبول من الله سبحانه وتعالى.

نشاطه في القضايا العربية والإسلامية

كان أبو ماجد على صلة دائمة بأمته العربية والإسلامية وكانت قضايا العالم العربي والإسلامي على كثرتها موضع اهتمامه انطلاقا من إيمانه بوحدة هذه الأمة وكان يتفاعل مع القضايا الوطنية والسياسية الكبرى مثل الوحدة المصرية السورية الجمهورية العربية المتحدة والعدوان الثلاثي على أرض الكنانة عام 1956 م وحلف بغداد والثورة الجزائرية وإغاثة المنكوبين في المناطق المحيطة بالأردن، وحربي الخليج الأولى والثانية في التسعينيات وقضايا العالم الإسلامي في كشمير و باكستان و ماليزيا و أندونيسيا وغيرها..

أما بالنسبة لإعلان الوحدة المصرية السورية الجمهورية العربية المتحدة فقد أعلن الإخوان المسلمون بقيادة أبي ماجد تأييدهم لهذه الوحدة بالرغم مما كان يعانيه الإخوان المسلمون في مصر من اضطهاد وتضيق وسجون في عقد الخمسينيات والستينيات وكذلك أعلن الإخوان المسلمون في سورية تأييدهم لهذه الوحدة عساها تكون نواة لوحدة عربية شاملة ولكن للأسف سرعان ما انفرط عقدها لعدن بنائها على أسس سليمة من عقيدة الأمة وتاريخها الجهادي ومن زخم الحركة الإسلامية في هذا المجال.

وأما العدوان الثلاثي على أرض الكنانة عام 1956 فعندما وقع دعا أبو ماجد شباب الإخوان للتدريس والتسلح لحماية الأردن بضفتيه فتشكلت المقاومة الشعبية في معظم المدن الأردنية وعندما زار رئيس الأركان علي أبو نوار مدينة القدس قام باستعراض كتيبة المقاومة الشعبية التي شكلها الإخوان هناك

وأما قضية الجزائر في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وحرب الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي لها، وعملية فرنسة الجزائر فقد كان للأردن وللإخوان المسلمين في الأردن وعلى رأسهم أبو ماجد دور واضح في التوعية السياسية وإقامة المهرجانات وجمع التبرعات للمجاهدين ومن جملتها بناء السفارة الجزائرية في عمان.

وفي عهد أبو ماجد قدمت الدعوة إغاثات كثيرة لهجرات ونزوج من فلسطين وسورية ومصر والعراق وأرتيريا فقد كانت الحركة الإسلامية في الأردن ملاذا دائما وعلى مدى عقود.

وفي عقد التسعينيات من القرن الماضي انتابت المنطقة حرب الخليج الأولى حيث كانت أمريكا تؤيد حرب العراق ضد إيران بسبب النزاع على بعض قرى حدودية بين البلدين المسلمين ودارت حرب ضروس لبضع سنين كان ضحيتها مئات الآلاف من الضحايا المسلمين من الطرفين وكان الرابح هو أمريكا والصهيونية لأنها غرست العداوة والبغضاء بين بلدين مسلمين وزرعت بذور فتنة طائفية لا يعلم مصيرها إلا الله إذ لا يزال العالم العربي والإسلامي يحصد ثمارها المرة في أيامنا الحاضرة.

ومما يجدر تسجيله تاريخيا أن الإخوان المسلمين في الأردن بقياة أبي ماجد، أدانوا هذه الحرب منذ البداية وتورعوا في المشاركة في هذه الفتنة بأي شكل من الأشكال وحدروا الأمة من عواقبها الوخيمة.

ثم جاءت حرب الخليج الثانية وغزا العراق العربي دولة الكويت العربية وكانت مؤامرة أمريكية ثانية لتفتيت الصف العربي وتقسيمه إلى محاور متنازعة وكان الإخوان المسلمون في الأردن أيضا ضد هذه الفتنة داخل الصف العربي التي أدت بالتالي إلى ازدياد النفوذ الأمريكي في منطقة الخليج بحجة التعاطف مع شعب الكويت

وبالتالي الترتيب الاستراتيجي للاحتلال الأمريكي للعراق وتدمير البنى التحتية لما أحرزه العراق من تقدم تكنولوجي له خطره الاستراتيجي على دول الاحتلال الأمريكي للعراق والهيمنة الأمريكية الصهيونية على ما يطلقون عليه تسمية الشرق الأوسط الجديد وفي الحربين ترأس أبو ماجد وفدا من قادة الحركات الإسلامية والوطنية لإطفاء نار الحرب ولكن الفئة كانت أكبر والمؤامرة أعمق ورجع هو وإخوانه والألم يعتصرهم.

وأما بالنسبة لقضايا المسلمين في باكستان وكشمر والفلبين وأندونسيا فقد كان أبو ماجد على صلة وثيقة بقيادة العالم الإسلامي في معظم هذه البلاد يحضر معهم اللقاءات الفرية والمؤتمرات الإسلامية ينسقون الجهود وينشرون الوعي الإسلامي بين الشعوب الإسلامية لتبني قضايا الأمة والجهاد في سبيل الله لتحرير شعوبها من الاستعمار والاحتلال الأجنبي وتوثيق عرى الأخوة بين العاملين للإسلام ووحدة الأمة الإسلامية.

دوره في التوجيه والإصلاح

كان أبو ماجد يرحمه الله رائدا من رواد التوجيه والإصلاح وناشطا بارزا من نشطاء الحركة الإسلامية في هذا المجال استمد نشاطه من المنهج الفكري والتربوي والإصلاحي للحركة التي قاد مسيرتها في الأردن أكثر من أربعين عاما من الزمان هذا المنهج الذي اعتمد الإصلاح الشامل أساسا لبناء الإنسان كل الإنسان الفرد والأسرة والأمة وأقام المؤسسات التي تربي روح الإنسان بالعبادة والسمو وقلبه بالإيمان واليقين وعقله بالعمل والثقافة نفسه بالتزكية والتقوى وجسمه بالقوة والنظافة وتعلى شأنه بالإعداد والجهاد.

وعاش أبو ماجد عمره صاحب دعوة وحامل فكرة وقائد مسيرة وهب لها وقته وفكره وجهده وكان شعلة من النشاط في كل مجال من مجالات الإعداد والبناء والتوجيه والإصلاح.

ويجدر بنا هنا أن نعود إلى مقالاته التي كتبها في التوجيه والإصلاح ونشرها في افتتاحيات صحيفة الكفاح الإسلامي لتختار واحدة منها ونثبتها في هذا الكتاب كنموذج من هذا النشاط فقد قال في مقال بعنوان التوجيه والإصلاح الذي نريده.

ما أسعد الأمة التي إذا أراد أبناؤها توفير الخير لها وابتغوه حثيثا لها وجدوا عليه أعوانا وإذا تقدموا للإصلاح في المجتمع أسلست لهم الأمة قيادها وأوطأت لهم جناحها لتعلوا بهم في أجواء الرفعة والكمال وتصل بهم منازل العزة والكرامة وإذا تنادوا للجهاد وخاضوا معارك الحرية والشرف طار لها شيبها وشبانها ونساؤها وغلمانها إن الذي نريده كثيرا جدا لا يحصيه تعداد لأن حاجاتنا إلى الإصلاح كبيرة وافتقارنا إلى أساليب العمل المجدية في طلب ما نريد والأساليب المؤيدة إلى تحقيق ما نريد كثيرة.

نريد حكما رشيدا طاهرا في جميع أنحاء الوطن الكبير يحفظ على الشعب ماله وعرضه ويوفر له استقلاله وحريته ووحدته فهل تركت الرشوة والمحسوبيات أموالا لدى الشعب؟ وهل أبقيت الشهوات العارمة عند المنحرفين من المسئولين أعراضا مصونة أو بيوتا مستورة؟ وهل أبقت إذاعات الدول العربية الهزيلة بما تتبادله من تهم وشتائم مكانا لجمع الشمل ورأب الصداع.

إننا نريد أن تكف هذه الإذاعات العربية عن النشر ضد بعضها بعضا وندعوها إلى نفئ إلى الوحدة الصادقة والأخوة الواشجة التي تربط بين قلوب المؤمنين نريد أن يتحسن الأغنياء والمترفون آلام الفقراء والمقلين وأن يحاسبوا غيرهم.

دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على فاطمة قد نزعت من عنقها قلادة من ذهب تريها لامرأة هي تقول لها هذه أهداها إلي أبو الحسن فقال الرسول يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس ابنة رسول الله في يدها سلسلة من نار؟ ثم خرج ولم يقعد فاسلت فاطمة بالقلادة فباعتها واشترت بثمنها عبدا فأعتقته فحدث رسول الله بذلك فقال الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار وهذا مثل رائع على فلسفة الحكم في الإسلام فمع أن تحلي النساء بالذهب والحرير لا بأس به إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أن ذلك لا موضع له ولا يسمح به طالما في الأمة من يطلب الضروريات للحياة فلا يجدها.

نريد التحرر من سلطان الشهوات وعبودية الترف في الحياة بل نريد التحرر من شهوة التمسك بالحياة ذاتها إذا كانت ذليلة ونريد التحرر من شهوة حب البقاء إذا كان على الضيم والهوان حتى نستطيع الوقوف في وجه الشر موقف القوى المجاهد لا موقف الذليل الخانع إن حب الشهوات وكثرة المتمرغين في حمأتها أطمعت الطغاة على استذلالنا وجرأت المستعمرين على غزو بلادنا وتدنس مقدساتنا.

نريد إصلاحا شاملا لروح التعليم وأهدافه وذلك بتغير مناهج التعليم وأنظمته التي وضعها المحتلون لبلادنا في عهود الاستعمار البغيض وأن نحسن الاختيار للموظفين الأكفاء للإشراف على تطبيق هذه المناهج ومن المؤسف حقا أن نرى كثيرا من الذين تعاونوا مع المستعمرين في عهودهم السوداء ما زالوا هم بأنفسهم يتحكمون في مقدرات الأمة ويسيطرون على الأجيال الناشئة ومن حق الأمة عليهم أن يعتزلوا العمل ليفسحوا المجال للمخلصين من الأخصائيين.

إن صفحات أعمالهم السوداء تحتاج إلى أيد مؤمنة نظيفة تعقبها لتنظيفها إن الإسلام وأجب تحرير التعليم من كل أثر من آثار الاستعمار لبناء مجد الأمة على أساس متين من الإيمان والعمل والخلق الرفيع.

نريد إصلاحا عاجلا شاملا لجميع مرافق الدول وأجهزتها الإدارية والقضايا لتأمين العدالة والسعادة والهناء لجميع أفراد الشعب ونريد أن يضع المسئولون منهاجا قويا لسياستنا الخارجية يحقق لنا الوحدة العربية الشاملة تحت راية الإسلام وأن نصون استقلالنا من أي نفوذ أجنبي وذلك باستكمال أسباب القوة والمنعة عن الأحلاف الأجنبية وألا تمتد الأيدي إلى أية معونة أجنبية مهما كان لونها وشكلها وأن نشجع الإنتاج حتى نستكمل الاستقلال الاقتصادي الذي يقوم على الاكتفاء الذاتي ونريد أن تنصرف الجهود كلها إلى تقوية الجيش والحرس الوطني وتدريبهما وتسليحهما تسليحا كاملا وتعبئة جميع قوى الأمة في حرب عدوتنا اللدود إسرائيل للقضاء عليها.

مراقب عام جديد

تولى الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة موقع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن واستمر في هذا الموقع لأكثر من أربعين سنة من 1953 م ولغاية 1994م وقاد أبو ماجد الدعوة في ظروف بالغة الدقة واجتاز بها مراحل صعبة أثبتت عمق إيمانه، وأصالة تجربته، وبعد بصيرته، وقوة عزيمته، مما أسهم في تجنيب البلد الفتن التي كادت تعصف بها كما جاب رحمه الله كثيرا من بلداني العالم وهو ينافح ويدافع عن قضايا المسلمين وتحمل مشاق الأسفار، وسهر الليالي الطوال مع إخوانه يذودون عن مصالح الأمة ويذبون عن كرامتها ولم يترك جبهة من الجبهات إلا وتقدم الصفوف لإعلاء شأن هذه الدعوة.

ولما بدأ التعب يظهر عليه رأى إخوانه إعطاءه فرصة الراحة، مما كابده من مشقة وجهد وتعب حيث بدأ يعاني من عدة أمراض رغم صلابته وجلده تجاه الظروف التي عاشتها الجماعة على مر السنين، وفي عام 1994م أعلن أبو ماجد أنه يرغب بإخلاء الموقع الأول للجماعة بسبب المرض وكان مجلس الشورى للجماعة هو صاحب الولاية في اختبار المراقب العام.

وفي صيف عام 1994م أجريت انتخابات تنظيمية شملت الهيئات الإدارية للشعب ومجلس الشورى والمكتب التنفيذي والمراقب العام للجماعة.

وتم اختيار مراقب عام بديل عن الأستاذ محمد خليفة وانتخب نائبه المحامي عبد المجيد ذنيبات مراقبا عام للجماعة فكان أستاذنا أبو ماجد أول المبايعين له داعيا له بالتوفيق والثبات ومؤكدا أنه جندي من جنود الدعوة يخدمها وينصح لها وينزل عند مصلحتها بالضبط كما كان شأنه وهو مراقب عام لها فقام الأستاذ عبد المجيد بتقبيله في جو من الحزن والبكاء فبكي الحضور من شدة التأثير بالموقف ومع ترك أبي ماجد للموقع الأول فقد بقيت قيادات الإخوان على زيارته والاستماع إلى مشورته ورأيه في قضايا مختلفة.

وسجل التاريخ لأستاذنا محمد عبد الرحمن خليفة أكرمه الله أنه في مقدمة الذين أسهموا في إثراء الصحوة الإسلامية في القرن العشرين فضلا عن كونه شخصية بارزة لعبت دورا كبيرا في الحركة الوطنية الأردنية وتعاملت مع قيادات البلاد بحنكة وكفاءة كبيرة حيث حافظ على جسم الجماعة في أحلك الظروف وأسهم مع إخوانه في الحركة الإسلامية في بناء نموذج للعمل الإسلامي العلني العام في وقت صعب إلى درجة أصبحت فيها الحركة الإسلامية في الأردن مضربا للمثل في الحنكة والواقعية والنجاح.

يقول الأستاذ عبد المجيد ذنبيات عن توليه موقع المراقب العام حينما اختارني مجلس شورة الجماعة في 23/ 7/ 1994م مراقبا عاما جديدا له رأى مجموعة من أعضاء الشورى أن الأخ أبو ماجد الذي قضى أكثر من أربعين عاما مراقبا ومسئولا عن الجماعة من حقه أن يستريح ومن حق الجماعة أن تختار من يصلح خلفا له فوقع اختيارهم على شخصي الضعيف وحينما أعلنت النتيجة لم أمالك نفسي فأقبلت على أخي رحمه الله وكنت أجلس بجانبه لأقبل يده ورأسه فاحتضنني وقد التقت دموعنا على وجنتينا المتلاصقتين وبادر قائلا: أبسط يدك أبايعك فكان أول المبايعين لي وارتجل كلمة شكر فيها إخوانه وحمد الله أن خلفته وأبدي اطمئنانه لهذا الاختيار فشكرته بعد حمد الله وأثنيت على شخصه ومواقفه وكانت لحظات ربانية بكى فيها الكثير من الحضور على هذا المشهد.

مرض أبي ماجد ووفاته

توفي الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة مساء يوم الخميس الثاني من ذي القعدة 1427هـ الموافق للثالث والعشرين من تشرين الثاني 2006 م بعد أن عارك المرض سنوات طويلة ودفن في مدينة السلط مسقط رأسه حيث شهدت جنازته المهيبة حشدا من القيادات الرسمية وقيادات الحركة الإسلامية والشخصيات الوطنية، وحضورا شعبيا من مختلف مناطق الأردن.

وكتبت جريدة السبيل عن تشيع الجثمان فقالت: وسط تغطية إعلامية كثيفة، شيعت الجموع الغفيرة المتوافدة من مختلف محافظات المملكة جثمان فقيد الأمة الإسلامية وأحد رموزها المحامي محمد عبد الرحمن خليفة النسور المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن في جنازة مهيبة إلى مسقط رأسه السلط.

وفي خطبة الصلاة تحدث الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني مستذكرا صفات ومناقب الفقيد الذي عده رمزا للإخوان في وقت صعب خلال فترة مضت.

وقال: وحين نذكر الرجال المجاهدين والمقاومين لا يسعنا إلا أن نذكر الفقيد الذي ضرب مثلا في ذلك في وقوفه أمام المخططات التي تريدي إلحاق الأذى بالأمة العربية والإسلامية.

فقد علمنا كيف ندافع عن ديننا ووطننا ونرفع راية دعوتنا ولا نخشى في قول الحق أحدا إلا الله عز وجل وهو من المجاهدين الذين أنجبتهم مدينة السلط الشماء.

وقد نعته جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى الأمة الإسلامية بكلمة قالت فيه: تنعي جماعة الإخوان المسلمين في الأردن فقيدها الغالي فضيلة الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة النسور المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى مساء يوم الخميس 23/ 11/ 2006 م في عمان بعد حياة حافلة بالعمل والعطاء والجهاد والمصابرة قائدا للجماعة لما يزيد على أربعة عقود متتالية في ظل ظروف قاسية ومنعطفات حادة تجاوز بها العقبات الكأداء بتوفيق الله تعالى ثم بحسن قيادته رحمه الله تعالى.

لقد وقف رحمه الله بصلابته المعهودة في الحق أمام حلف بغداد وأمام محاولات تمزيق الشعب الواحد وأمام موجات الإفساد التي كانت تستعر لغزو أخلاق الشباب وما كان اهتمامه ببناء الصف الإسلامي وخدمته للأردن والحفاظ عليه ليلهيه عن حمل قضية فلسطين السليبة بل جعلها على أولوية اهتماماته واهتمام الإخوان المسلمين في الأردن كما أن قضايا العالم الإسلامي على كثرتها كانت موضع اهتمامه انطلاقا من إيمانه بوحدة الأمة.

ويحفظ له رحمه الله تعالى أنه كان صاحب فكرة عقد مؤتمر إسلامي للقدس.

رحمك الله يا أبا ماجد طاهر اليد، عف اللسان جرئ الموقف عالي الهمة، ونسأل الله تعالى لك الرحمة الواسعة والمغفرة والرضوان ولأهلك وإخوانك جميل الصبر وحسن العزاء.

ونعي فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدي عاكف للأمة العربية والإسلامية ولجموع الإخوان المسلمين في كل أرجاء العالم الشيخ المجاهد محمد عبد الرحمن خليفة المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين بالأردن والذي وافته المنية مساء الخميس 23/11/2006 م عن عمر ناهز التسعين عاما...

ودعا المرشد العام المولي عز وجل بأن يتغمد الفقيد برحمته ومغفرته على ما قدم في سبيل الدعوة الإسلامية كما دعا جموع الإخوان المسلمين في كل بقاع الأرض وفي الأردن خاصة أن يسيروا على نهج الفقيد الذي أفنى حياته داعيا الله وعاملا لدينه وصابرا في طريق دعوته.

ونعتته حركة المقاومة الإسلامية حماس فقالت تحت عنوان نعي داعية كبير تنعي حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى جماهير شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية والإسلامية الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة أو ماجد المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن الذي توفاه الله سبحانه وتعالى مساء يوم الخميس 23 تشرين الثاني 2006م في العاصمة الأردنية (عمان) بعد حياة حافلة بالبذل والجهد والعطاء كانت خلالها فلسطين قضيته المركزية وهمه الأردني الأول فعمل مع إخوانه ورفاق دربه لها فعلا لا قولا كما كانت مناصرة قضايا الأمة جميعها تحظى باهتماماته وأولوياته فلم يكن رحمه الله رجل الأردن فحسب بل كان رجلا من رجالات الأمة في زمن عز فيه الرجال.

رحمك الله يا أبا ماجد فقد رحلتي عنا وقد عرست الغرس، وجذرت المنهج وجسدت الفكر فنسأله تعالى أن يتقبلك في عباده الصالحين وأن يسكنك فسيح جناته وأن يلهم آل خليفة وعشيرة النسور، وأهلك وذويك جميل الصبر وحسن العزاء.

ونعته جمعية المركز الإسلامي الخيرية فقالت ينعي رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية المؤقتة ومدير عام وموظفو جمعية المركز الإسلامي الخيرية الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة النسور أبو ماجد مؤسس أكبر جمعية خيرية في الأردن ورئيسها لأربعة عقود حيث غرس في كل مدينة أردنية وقرية ومخيم غراس الخير ورعاية الأيتام ومراكز الأرامل بالإضافة إلى الهدف الثقافي للجمعية حيث يتربى على الإسلام الآلاف من خلال مراكز ومدارس الجمعية وكان من ثمار غرسه المستشفى الإسلامي في عمان والعقبة وكلية المجتمع الإسلامي في الزرقاء كل هذا إنما كان للنية الصالحة ودعاء المساكين وصدق العاملين.

إن هذا الرجل الذي تفتقده الجمعية ويفتقده الأردن والعالم العربي والإسلامي هو فقيد الجميع ولا نملك إلا أن ندعو له بالمغفرة والرحمة وأن يسكنه مولاه فسيح جناته.

وقد حضر وفد نيابي من مصر إلى الأردن لتقديم العزاء بوفاة أبو ماجد وتلقت الجماعة برقيات تعزية من سيف الإسلام نجل الإمام الشهيد والأستاذ إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني والدكتور أحمد بحر نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني والأستاذ علي البيانوني المراقب العام في سورية، والشيخ حمود الرومي رئيس جمعية الإصلاح الكويتية ومن عدد كبير من قادة وأبناء الحركات الإسلامية والوطنية والشعبية كما قامت جميع مراكز وشعب الحركة الإسلامية بنعي الفقيد الكبير.

واستقبل ديوان عشيرة النسور في مدينة السلطة الجموع الغفيرة، الرسمية والشعبية التي توافدت عليه من جميع محافظات الأردن للعزاء.. ونرجو الله لفقيدنا أبو ماجد الرحمة والمغفرة والقبول وعلو المنزلة في الجنة على ما قدم لدينه ووطنه وأمته.

كلمات تقدير ووفاء

الدعاة ورجال الفكر الذين عاصروا الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة وعرفوه عن قرب واطلعوا على نشاطه الميمون وجهاده المبارك كثيرون والذين كتبوا عنه كلمات تقدير ووفاء وإنصاف وقالوا فيه كلمة الحق وشهدوا له بالخير أيضا كثيرون ومن تلك الكلمات التي قيلت في احتفالية أبو ماجد في حفل التأبين الذي أقامته جماعة الإخوان يوم الجمعة 8/ 6/ 2006 م في المركز العام.. وكانت على التوالي:

- كلمة فضيلة المراقب العام الأستاذ سالم الفلاحات.

- كلمة الأستاذ عبد المجيد ذنيبات.

- كلمة الأستاذ يوسف الساكت .

- كلمة د. إسحق الفرحان بعنوان محبة ووفاء.

- كلمة المهندس إبراهيم غوشة بعنوان نصف قرن من العطاء والدعوة.

- كملة د. عبد اللطيف عربيات.. بعنوان فقيد الوطن والأمة والعملي الخيري.

- كلمة الأستاذ دادود قوجق.

- قصيدة الدكتور على العتوم.

وقد استشهدت منها بعدد من المواقف والآراء في أثناء الكتابة عن أبي ماجد..

واخترت ثلاث كلمات دونتها في هذا الموقع من الكتاب وهي:

- كلمة الأستاذ سالم الفلاحات- المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في احتفالات أبو ماجد.

أيها الحفل الكريم.. الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [يونس: 26]

قيمة الحياة تكون بعمارها وبناتها وهي بمقدار ما يخط المصلحون والبناة من حروف مضيئة على صفحاتها وما يتركونه من بصمات في واقعها وإلا فهي هزيلة هزيلة لتحولها وزوالها وقصر عمرها..

ولا يكون الخلود فيها بالمادة في تحول ونضوب إنما بالذكر الحسن والأثر الطيب على أرض الواقع وبالصدق والجد في العمل والحرص على القيام بالواجب.

ونحن اليوم بصدد التوقف عن محطات مع واحد من هؤلاء الذين عاشوا لأمتهم ولأوطانهم ولقضايا شعوبهم وحرموا أشخاصهم وأهليهم من كثير من الحقوق التي تمتع بها غيرهم من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

فعلى مستوى الأردن منذ نشأة الدولة الأردنية كشخصية سياسية بارزة نجد في مقدمة هؤلاء المرحوم بإذن الله الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة النسور، ابن البلقاء الباقية والتي تشرفت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم حوضي ما بين حضرموت وعمان البلقاء والذي ترجل بعد ما يقرب من خمسين عاما من العطاء المتواصل الذي لم يعرف الكسل ولا الكلل ولا اليأس ولا التعالي على الغير.

فتح عينيه على صفحات من كتاب الله تعالى على النور المبين يتلمس حروفه المضيئة ومعانيه الوضيئة، وتعلم كيف يرسم الحرف في الكتاب لثبت معاني الكتاب وتمثلها في واقع الناس ثم تعلم على الأرض الطيبة الطاهرة في طولكرم حيث الزراعة وفنونها والتي لا تبتعد كثيرا عن استنبات الإنسان وتنميته ورعايته وتنشئته على مقدس التراب وطاهر الماء، وكريم الآيات والقيم، ومر في الشام على علم الحجة والمنطق والقانون وعلم الدفاع عن حقوق المظلومين والقاصرين عن متابعة حقوقهم فكان حقوقيا كذلك فاجتمع له حسن المنبت ولباء القرآن الكريم، والانتماء إلى الأرض الطيبة والخرج من قمقم الإقليمية إلى باحة الوطن الإسلامي في الأرض المباركة فلسطين والشام التي كانت مهوى فؤاده حتى قبيل وفاته إضافة إلى ما حباه الله به من طيب المعشر ولين الخطاب وقوة الشخصية.

غني عن القول وإن كان تكرار الذكر بحق بعض العظماء واجب فالأستاذ المجاهد أبو ماجد اختاره الجيل المؤسس من الإخوان مراقبا عاما لجماعة الإخوان في هذا البلد الطيب المرابط والذي كان يضم الأردن وما تبقى من فلسطين بعد الاحتلال الأول عام 1948 م.

اختاروه في 16/12/1953 م وهو بداية العقد الرابع من عمره، تناول أطراف المجد ومد إليه ساعد الجد فناله، كأنه الذي قيل فيه:

رفيع العماد طويل النجاد ساد عشيرته أمردا.

إذا القوم مدوا بأيديهم إلى المجد مد إليه يدا.

كلفه إخوانه حمل مسئولية الدعوة وترك عمله قاضيا ناجحا طاف الأردن من شماله إلى جنوبه وتعرف على أهله وأبنائه فاستجاب لطلبهم وترك متاع الدنيا والوظيفة التي يتمناها الكثيرون وعوضه الله خيرا وبدلا من أن يقضي حياته قضايا بين متخاصمين على فتات دنيا زهيد، وقف بين حضارتين أحداهما غابت منذ قرون لكنه رفع لواءها من جديد وأخرى سات وطغت وظلمت وتجبرت وهي إلى زوال قاد مسيرة دعوة مبارك نبتت من رحم الشعب وتصدت لمهمة عظيمة وبخاصة في زمن تناولت فيه الأردن رياح عاتية في مقدمتها مكر الانتداب والاحتلال مزاجها ظلم ذوي القربى من العرب هنا وهناك فوقف بدعوة الإسلام كالطود الأشم دفاعا عن الأردن وفلسطين والقدس متناسيا الاختلافات الداخلية والأذى المحلي لحساب القضية الأولى والأولى ولم يكافئ السيئة سواء كانت السجن أو الإبعاد أو التضييق أو الإيذاء بأنواعه.

كان يتردد على فلسطين والقدس بخاصة كما يزور عمان والكرك وإربد ربما أكثر وزرع في كل مدينة وقرية في فلسطين والأردن حراسا للعقيدة والوطن والأمة كان يتفقدهم بين الحين والآخر وبخاصة من الشباب اليافع المقبل على الحرية والتحرير والنهضة والحنين إلى حضارة الأمة.

كانت اهتماماته منصبة على الأهم ثم المهم، وهو الوقوف أمام الهجمة الصهيونية الشاملة وعلى كيفية استنهاض الشعوب الإسلامية وفي مقدمتها العرب للقيام بدورهم تجاه القضية المركزية للأمة شأن دعوة الإخوان المسلمين كلها في كل أطراف الأرض لكنه لم ينس الواجب المحلي لمجتمعه.

فقد شكل جمعية خيرية مع نفر من أهل الخير والصلاح بعد عشر سنوات فقط من تولي مسئوليته مراقبا عاما للجماعة سنة 1963م أسس جمعية المركز الإسلامي الخيرية نبتة صغيرة وضع كل مقدرات الإخوان المالية وجهاهم وعلاقاتهم الواسعة لخدمتها بل كان يسجل معظم ممتلكات جماعة الإخوان المسلمين في الأردن باسمها فهو لا يفرق بين رعاية المحتاجين والفقراء والأرامل في الجانب الإغاثي وإرضاعهم لبن المواطنة والحرية والتربية الإسلامية الشاملة ونحن نلتقي اليوم في مؤسسة هو بناها وتعب عليها هو وإخوانه المحسنون من أبناء هذا البلد ومن خارجه.

حمل مسئولية هذه المؤسسة ما يقرب من أربعين عاما حتى أثقله المرض وأكمل المشوار في حمل مسئولية الجمعية.

كما أنه بالتعاون مع إخوانه فتح بابا واسعا للعمل السياسي بعد إقرار قانون الأحزاب ليشكل حزب جبهة العمل الإسلامي بغية استيعابها لكل العاملين لخدمة الوطن والمواطن على خلفية إسلامية عامة.

واستطاع الحزب أن يكون نواة تلتف حولها أحزاب المعارضة على قضايا الأمة العامة ورسخ التقاليد والقيم في العمل السياسي ما جعله محل ثقة الناس وتطلعهم لحل مشكلاتهم.

وكذلك لم يغفل عن واجب الدفاع عن القضية الفلسطينية والإسهام في المقاومة العسكرية المباشرة من خلال الأعوام 1968 م، 1969 م، 1970 م.

ثم لما تمازج العمل بالفتنة الداخلية آثر الإخوان الابتعاد عن هذا المعترك ولم يسهموا في إراقة قطرة دم وطنية واحدة، ووقف بحزم أمام فتنة أيلول التي كادت تعصف بالمجتمع الأردني كله ثم ما تلاها بعد الانتفاضة الأولى عند تشكيل حركة المقاومة الإسلامية حماس .

كما اهتم بقضايا الأمة الإسلامية وكانت له نشاطاته وزياراته ومراسلاته لحكام المسلمين وأمرائهم وبخاصة في فتنة حرب الخليج.

لقد كان حريصا رحمه الله على المحافظة على خط الجماعة الفكرية الوسطى الأصيل ولم تثنه الإساءات التي كانت توجه له وللدعوة ولم تحرفه عن خطه الذي رسمته الجماعة مع أنه تعرض للسجن مرارا، فقد اعتقل عدة مرات وذلك لرفض الإخوان مشروع حلف بغداد ولمعارضتهم الوجود البريطاني في الأردن وكان نائبا في مجلس النواب عام 1956 م قال له أحد رؤساء الوزارات أقسم بالله لن تخرج من السجن وأنا حي، قال له: الأمر بيد الله لا بيدك فمات الرئيس وخرج أبو ماجد من السجن.

لقد شهد لك بعض من عاصروك وعاصروا الدولة الأردنية، فقالوا: حفظ الأردن منذ نشأته رجلان الملك حسين بن طلال، ثم سكت وانتظر الحاضرون من الثاني؟ فقال محمد عبد الرحمن خليفة رحمهما الله.

رحمك الله فقد كنت تحمل بين جوانحك صفاء الأخوة، ومضاء القيادة ورؤية الحكيم ومنطق البلغاء والساسة ربان سفينة في بحر متلاطم الموج بدأت وانتهيت حريصا على الأخوة في الله، كنت تردد معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال عنك الشهيد عبد الله عزام رحمه الله في حياتك لا تذكروا إخواني أمامي إلا بخير فإني أحب أن أخرج إليهم سليم الصدر.

رحمك الله.. تسلمت الراية من الشيخ المجاهد عبد اللطيف أبو قورة رحمه الله الذي أسس الجماعة في الأردن وقاد كتائب المجاهدين من شرق الأردن دفاعا عن القدس وفلسطين.

تسلمها في وقت صعب وفهمها مصحف وسيفان مصحف مبارك رحمه للعالمين فيه هدى ونور وخير وسيفان أحدهما سيف على الطغيان والتجبر والعلو في الأرض والمفسدين في الأرض غاصبي الحريات، وآخر على كل مغتصب للأرض المباركة فلسطين.

حمل الراية شابا ف عزمه مضاء وقوة وفي عينيه بريق وضياء وفي قلبه ثبات ويقين وفي خلقه رحمة وتواضع فيه هيبة القائد التي تأخذك فور رؤيته إنه المتعلق بالغايات العظام والأهداف الكبار في ظل ظروف عربية تكسوها غيوم التبعية والهزيمة والاستسلام.

هكذا استلم الراية من سلفه أبي غالب ورفعها خفاقة عالية عقودا ثم سلمها بأمانة لخلفه الأستاذ عبد المجيد ذنيبات وكان أول المبايعين له في مشهد أخوي قيادي مهيب وربما لم تسلم حين رأت المشهد من دموع تقدير وتثمين تعيدك لعهد السلف الصالح كنت تقرؤها في اليرموك بين أبي عبيدة عامر بن الجراح وسيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنهما.

أخي أبا ماجد...

ما ضاقت القاعات والقصور والثقافية عن الاستعداد للاحتفال بك، وأنت رجل الأردن ولكن أخلاق الناس ضاقت ممن هم ليسوا على مستوى المسئولية ولعل الحكومة لا تعرفك وربما كان علينا أن نعرفها بك وبحجم مواطنتك ومدى خدماتك لهذا الأردن حتى تصدرت في الأردن المجالس وكسبت ثقة ومحبة من عرفك.

لن يزيد احتفالنا عند الله قدرك وإن كنا ندعو الله تعالى أن يتقبل منك صالح العمل وأن يتجاوز عن سيئاتك وأن يعلي مقامك في الجنة.

رحمك الله ورحم سلفك الشيخ أبي غالب عبد اللطيف أبو قورة ونفع الله تلاميذك وأتباعك الذين حملوا الراية على هدى السابقين وجمعنا بكم نرى حصاد غرسكم عظيما في مقعد صدق عند مليك مقتدر

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة المستشار عبد الله العقيل بعنوان الداعية المجاهد والقائد الجريء.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام الدعاة والمجاهدين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فقد عرفت الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة بعد توليه منصب المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن بسنوات قليلة حيث التقيت به في الأردن واستضافني في منزله أكثر من مرة وبدار الإخوان المسلمين بعمان حيث اللقاء به وبإخوانه.

كما التقيت به في القدس بمقر المؤتمر الإسلامي وفي مدينة الخليل بدران الإخوان وبضيافة عائلة عيسى عبد رب النبي، ثم تكررت لقاءاتنا في الكويت والسعودية وسورية والباكستان وتركيا وأوربا وغيرها، من خلال المؤتمرات الإسلامية واللقاءات الإخوانية وغيرها.

وكان غيورا على الإسلام ودعوته ومحبا لجماعة الإخوان وقيادتها ملتزما ببرامجها ومناهجها باذلا كل الجهد لنصرة الدعوة وإعلاء كلمة الإسلام والوقوف إلى جانب المسلمين في كل مكان والتصدي لطواغيت العصر من المفسدين والظالمين تعيش القضية الفلسطينية في كل جوانب نفسه وهي همه بالليل والنهار لا يكل ولا يمل من العمل الدءوب والتصدي لأعداء الإسلام من اليهود وأعوانهم في الداخل والخارج على حد سواء وكان صاحب المواقف الجريئة والآراء الصريحة والالتزام العقدي الذي لا يعرف المهادنة، ولا يرضى بالدنية ولا يتراجع أمام كيد الطغاة ولا ألاعيب السياسة ومدهنة المنافقين.

وكان في المقدمة من رجال الحركة الإسلامية المعاصرة الذين يتصدون لمؤامرات الخصوم من المستعمرين وعملائهم، ويكشف عوارهم، ويفضح مؤامرتهم ومخططاتهم ويبطل مكائدهم كما كان له دور كبير مع الأخ الشريف في احتضان الدعاة المهاجرين بدينهم من كيد الظالمين وذل كلا لجهود لاستقرارهم وتهيئة ظروف العمل المناسب لهم والعيش الكريم ولأسرهم وهذا ما يشهد به القريب والبعيد ويسجل بمداد من نور لهذين الرجلين الكريمين.

أما جهده وجهاده فكان في رفد العمل الخيري الجهادي ضد الصهاينة وتهيئة كل الأسباب لإقامة معسكر الشيوخ في شمال الأردن سنة 1968 م الذي ضم خيرة شباب الحركة الإسلامية من مصر والسودان والأردن وفلسطين وسورية واليمن وغيرها حيث قدموا النماذج الصادقة من المجاهدين الذين رووا بدمائهم الزكية ثرى الأردن وفلسطين وكان منهم الشهداء الأبرار.

وفي عهده الزاهر أصبح للجماعة دور مهم في الحركة الإسلامية العالمية وذلك عندما عزز دورها كجماعة منظمة ذات مؤسسية وأهداف ورؤية واضحة وحركة تشكل دورا مهما ورئيسيا في الواقع السياسي والاجتماعي والفكري والتربوي والاقتصادي.

ومن أعماله المشكورة والشاهدة على صدقه وأمانته في حمل هذه الدعوة أنه أرسل إلى أولياء الأمور وحكام الدول العربية والإسلامية سنة 1993 م يدعوهم إلى نبذر الفرقة وإزالة الخلافات من بينهم واستنهاض الهمم لاستعادة الأقصى والمقدسات الإسلامية ورفع الظلم عن الفلسطينيين القابعين تحت نيران الاحتلال اليهودي الغاشم، الذي فاق النازية في همجيه وعدوانه وإفساده.

كما جاب كثيرا من بلدان العالم وهو ينافح ويدافع عن قضايا المسلمين وتحمل مشاق الأسفار وسهر الليالي الطوال مع إخوانه يذودون عن مصالح الأمة وكرامتها ولم يترك جبهة من الجبهات إلا وتقدم الصفوف لإعلاء شأن الدعوة الإسلامية.

وإن الدارس لتاريخ العمل الإسلامي في الأردن سيرى وبوضوح تام بصمات الأستاذ خليفة ظاهرة على مسيرة جماعة الإخوان المسلمين فقد قادها وعبر عدة عقود في أحلك الظروف وأصعبها واجتاز معا أشد العقبات إلى أن أصبحت الجماعة حركة يحسب حسابها ويطلب ودها.

رحم الله هذا المجاهد الكبير رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وحشرنا الله وإياه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

قصيدة رثاء للشاعر د. أيمن على العتوم

قصيدة رثاء للشاعر د. أيمن على العتوم ، بعنوان:رأيتك ملء العين

في رثاء الأستاذ (محمد عبد الرحمن خليفة أبي ماجد)

أأرثيك أم أرثى النجوم الطوالعا

وأبكيك أم أبكي التقى والتواضعا؟

تماسكت روحا في الحنايا أسيفة

فلما انقضى ما كان سألت مدامعا

وما رقات مني الدموع لأنني

جمعت بفقد الناس فيك الفجائعا

رأيتك ملء العين بأسا وحنكة

يهز ثبات القلب منك المجامعا

جمعت إلى حزم وعزم سكينة

وقلبا ألوفا دافئ الود وادعا

أبا ماجد يا ماجد الرأي ثابتا

ويا وارثا حب القلوب وجامعا

سأسأل عنك اليوم كل مرزا

وكل محب صار بعدك واجعا

حملناك فوق الروح لا فوق أكتف

وأنزلت رحب القلب لا القبر طائعا

تهاوت كأوراق الخريف نفوسنا

وحزت حراب الفقد منا الأضالعا

كأنا يتامى لا ربيع لثكلنا

مصارع في الأرواح تتلو مصارعا

وفي الأفق برق والسماء عواصف

وفي الأرض أصقاع تزيد بلا قعا

أبا ماجد يا قائد عاش مخلصا

وأكبر نفسا أن تروم المطامعا

ويا فارسا خاض الغمار بعزمه

وحامى عن الدين القويم ودافعا

وجاهد في الرحمن حق جهاده

وكان بوجه الظلم كالسيف قاطعا

لئن مت ما ماتت سجاياك بعدها

ومازلت تصفي في النفوس الطبائعا

ثبت وفي الأرجاء هول زلازل

تميد بها أرض الرباط زعازعا

وأثبت للأردن أنك أهله

فأعلاك نجما في دياجيه ساطعا

وأنك ملء القلب منه محبة

وأنك تفديه بروحك بائعا

على حين مال المائلون وزيفوا

وما طحنوا بك أشبعونا جعاجعا

أبا ماجد ماذا يقول لك الجوى

وأنت الذي أوقدت فيه المواجعا

أقول: سمعت الشعر مني ولم أزل

أهجي حروف الشعر والنثر يافعا

وأنك أوليت الفتى الحر نعمة

أسديت للشعر الأبي الصنائعا

إلى أن غدا هذا الفتى الحر شاعرا

وزاد على الدنيا ودوي المسامعا

وأمسى إذا أسمعت شعرا فشعره

يصوغ من الحرف الشجي البدائعا

تمنيت لو صاغت حروفي قصيدة

لمجدك قبل الموت تحي الروائعا

وغنت لها كل الملائك لحنها

وأشجت بنجواها الطيور السواجعا

بك الحرف يحيا بعدما كان ميتا

وأهتز لو غنيت فيك المطالعا

جمعت بقايا من بقايا تجلدي

ونازعت شوقا أن أضمك واسعا

هم وقفوا أشباه روح من الأسى

وكنت فؤادا في صلاتك خاشعاً

لقد رجعوا بالحزن يكوي قلوبهم

وكنت وحيدا دون قلبي راجعاً

أبو ماجد ... قدوة للأجيال

في عصرنا الحديث عرفنا نماذج من الرجال تميزا بالهمة والموقف وفعل الخير وعرفنا نوعية من الدعاة تميزوا بإيمانهم وجهادهم وتقواهم وأحسب أن أبا ماجد يرحمه الله كان في مقدمة هؤلاء الرجال وأولئك الدعاة.

ولقد اتسمت شخصية أبي ماجد بصفات وميزات جعلته من الشخصيات النادرة الوجود في هذه الأيام ومن أهم هذه الصفات.

• الصدق والعبادة، والكرم والسخاء، والبر والإحسان والرحمة والشفقة والتنظيم والإدارة والإخلاص في العمل.

• كان من رجال الدعوة الأصلاء الذي ينكرون ذواتهم لخدمة الأهدافف الكبرى التي نذروا أنفسهم لها وقد ربى جيلا من الشباب في الأردن، أصبحوا من أعمدة الدعوة وقادتها ومن أبرز دعاتها.

• كانت حياته حافلة بالعمل والعطاء والجهاد والمصابرة قائدا للجماعة لما يزيد على أربعة عقود متتالية في ظل ظروف قاسية ومنعطفات حادة تجاوز بها العقبات الكأداء بتوفيق من الله تعالى ثم بحسن قيادته.

• كان من الرجال الذين عرفتهم أمتنا بالذكر الحسن والأثر الطيب على أرض الواقع وبالصدق والجد في العمل والحرص على القيام بالواجب ومن الذين عاشوا لأمتهم ولأوطانهم ولقضايا شعوبهم وحرموا أشخاصهم وأهليهم من كثير من الحقوق التي تمتع بها غيرهم.

• كان يتفقد إخوانه ويشاركهم نشاطاتهم ويزورهم في شعبهم ويتنقل بينهم في سيارة جيب قديمة ويحضر المخيمات التربوية، ويبيت معهم في كتائبهم.

• وكان حريصا على التواصل معهم ومشاركتهم في الأفراح والأتراح وكان يزورهم في بيوتهم ويسأل عن أحوالهم كبارا وصغارا، ويتعرف إلى أسمائهم ويستمع إلى مشكلاتهم ويعمل على حلها ويحضهم على الاقتصاد في النفقة وعدم الإسراف ويوصيهم باجتناب القيل والقال، وينصحهم بالابتعاد عن الوشاية والنميمة والجدل.

• كان يملك عقلا منظمًا، وشخصية متكاملة ذات فكر معتدل، وقلبا ينبض بالشفقة والرحمة، ونفسًا زكية سخية في عمل الخير.

• وكانت حياته مليئة بالإنجازات الكبيرة وفي جميع المجالات الدعوية والتربوية والعملية والثقافية والسياسية والاجتماعية والصحية والرياضية.

• كان نموذجا طيبا في فعل الخير، وقدوة حسنة في قضاء حوائج الناس وكان في مقدمة أهل المكرمات ومن الخيرين في أوقات الشدة والبلاء وعند حدوث النكبات ففي أحداث نكبة فلسطين عام 1948 م كان أبو ماجد في مقدمة العاملين على إيواء المهاجرين وجمع التبرعات وتقديم المساعدات وكان بيته مضافة للقادمين من داخل الأردن وخارجه وكان ملاذا دائما وعلى مدى عقود لهجرات ونزوح القادمين من سورية والعراق ومصر وأرتيريا وكذلك في مخيم رويشد، ومخيمات الأردن فعرفه الناس رجلا شهما ذا همة عالية وشهد له الكثيرون ممن عاصروه وعرفوه، وبالتواضع والثبات على المبدأ والحنو على الفقير، والصغير وحسن التعامل مع الغني والكبير.

• كان يحمل هم الأردن وفلسطين وله دور بارز في الدفاع عن قضايا الوطن والأمة وكانت قضايا العالم الإسلامي على كثرتها موضعي اهتمامه انطلاقا من إيمانه بوحدة الأمة الإسلامية.

• وكان يتمتع باحترام الناس كافة، وخاصة الذين عرفوه لما تميز به من نظافة يد وطهارة لسان وعفة نفس ونشاط وإخلاص في عمل الخير وكان يفعل أكثر مما يقول، ويصفح ويغفر لمن أساء إليه.

• هذا هو أبو ماجد صاحب سيرة عطرة، وهمة عالية، وصفات طيبة، وأفعال حميدة وقدوة صالحة وكان مربيا ناجحا وداعية موفقا في عزمه مضاء وقوة وفي قلبه ثبات ويقين يهدي إلى الحق بالقول والعمل ويحض أبناء الأمة على الرباط والثبات.

هذا هو أبو ماجد قضي حياته صامدا رافعا الرأس لم يخضع ولم يخنع، ولم يركع إلا لله وظل متمسكا بالحق إلى أبعد مدى لأنه هكذا نشأ وهكذا تربى في أحضان أسرة كريمة ودعوة مباركة فظل صامدا حتى لقي ربه.

عرفناه كبيرا وعرفناه كريما ورأيناه كالشمعة تحترق لتضئ لمن حولها وهكذا الكبار يموتون بأجسادهم وتبقى أعمالهم شاهدة على صبرهم وجهادهم.

المهندس أحمد قطيش الأزايدة

(1368- 1412هـ) (1948- 1992 م)

  • تقديم
  • نشأته ومسيرة حياته.
  • الأزايدة.. والحركة الإسلامية.
  • الأزايدة.. الداعية المربي.
  • مجالا نشاطه:

- نشاطه في المجال الاجتماعي.

- نشاطه في الميدان الوطني والسياسي.

- رئاسة بلدية مأدبا.

- نائب الحركة الإسلامية في مجلس النواب.

- أول أمين عام لجبهة العمل الإسلامي.

- ناشط سياسي قدير.

- من مواقفه السياسية.

  • أبو بلال.. والقضية الفلسطينية.
  • دوره في التوجيه والإصلاح.
  • آثاره الفكرية.

- كتاب مواقف وآثار أحمد قطيش الأزايدة .

- ملامح المنهجية المطلوبة للعمل الإسلامي.

- جوانب من أفكاره وآرائه ومواقفه.

  • مرض أبي بلال ووفاته.

وصية المهندس أحمد قطيش.

كلمات تقدير ووفاء:

- كلمة الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا

- كلمة الأستاذ عبد المجيد ذنيبات

- كلمة الدكتور إسحق الفرحان.

- كلمة الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني .

- كلمة الأستاذ عماد أبو دية.

- مقتطفات وآراء لعدد من عارفيه.

أبو بلال قدوة للأجيال.

الهوامش.

تقديم

أحمد قطيش الأزايدة.. المهندس الأمين والداعية المحبوب والسياسي القدير أحد قادة الحركة الإسلامية البارزين، وعضو المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، ورئيس بلدية مأدبا لدورتين متتاليتين ونائب الحركة الإسلامية والناطق الرسمي باسم كتلتها ورئيس لجنة الحريات العامة في مجلس النواب الأردني وعضو لجنة الميثاق الوطني وأول أمين عام لحزب جبهة العمل الإسلامية في فترة التأسيس ورئيس لجنة الزكاة ورئيس إدارة المركز الإسلامي في مأدبا وعضو جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية وعضو في عدد من الأندية والجمعيات الخيرية والهندسية وأحد القادة الشعبيين في الأردن.

كان قياديا حكيما ومفكرا محاورا، ومهندسا للعقول والقلوب قبل أن يكون مهندسا للبناء كان من أصحاب الهامات العالية والأيادي النظيفة والسيرة العطرة وكان نموذجا فريدا من خيرة رجال الأردن ومن صفوتهم أتسم بالإيمان العميق والفكر النير والأفق الواسع والنظرة البعيدة وعرف بتواضعه الجم وسماحة خلقه وفكره المنفتح مع التزامه المطلق بالإسلام.

نشأته ومسيرة حياته

ولد أحمد قطيش سنة 1948 م في مدينة مأدبا بالأردن ونشأ في أسرة كريمة من عشيرة الأزايدة ولما كانت الحياة المعيشية في ريعان صباه صعبة للغاية، وكان الناس يعملون في زراعة الأرض وفلاحتها ورعي الأغنام لتأمين مستوى من العيش يحفظ العائلة ويسد رمقها كان أحمد من هؤلاء الذين يساعدون أهليهم في حياتهم وكس معاشهم فتأخر دخوله المدرسة.

درس الابتدائية والإعدادية وأوائل الثانية في مأدبا وكان طالبا ذكيا يحصل على أعلى الدرجات وتابع دراسته الثانوية في كلية الحسين بعمان وتخرج فيها سنة 1968 م وشاء الله أن يحصل على معدل عال في الثانوية العامة وسافر إلى القاهرة ودرس المرحلة الجامعية في جامعة عين شمس بكلية الهندسة، وحصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية سنة 1973 م وبعد تخرجه عاد إلى الأردن ليعمل مهندسا في وزارة الأشغال العامة سنة 1973 م إلى سنة 1975 م وعمل منذ عام 1975 م إلى عام 1981م مهندسا ورئيسا للإشراف الهندسي في شركة خاصة وترشح لرئاسة بدلدية مأدبا عام 1981م وفاز بها لدورتين انتخابيتين وظل رئيسا لبلدية مأدبا حتى 1989م.

وترشح للانتخابات النيابية عام 1989م وحصل على أعلى الأصوات في لواء مأدبا وانتخب رئيسا للجنة الحريات العامة وناطقا رسميا لكتلة الحركة الإسلامية اختير عضوا في لجنة الميثاق الوطني واختير أول أمين عام لحزب جبهة العمل الإسلامي في فترة التأسيس وظل كذلك إلى ما قبل وفاته بأيام حيث استقال بسبب اشتداد المرض كما بقي نائبا في البرلمان يسمع صوت الملهوفين للمسئولين ويقوم بعمله على أكمل وجه إلى أن لاقى ربه راضيا مرضيًا في العشرين من شهر حزيران عام 1992 م.

وسأذكر مقتطفات من مسيرة حياة المرحوم أحمد قطيش مما أجمع عليه المتحدثون في أثناء تشييع جثمانه وفي أيام تقبل التعازي وفي النشرات التي أصدرها إخوانه في مأدبا والتي قالوا فيها:

كان احمد قطيش المهندس المدني، من إحدى عشائر مأدبا عرفناه يوم كان طالبا يدرس الهندسة في مصر ورأينا فيه الصدق والانتماء والصراحة والطيب والتواضع واستمرت معرفتنا به إلى أن لقي ربه بمرض السرطان.

وكان محط إعجاب الكثيرين داخل التنظيم الإخواني ومن قبل الناس عموما بل حتى من قبل السلطة الرسمية والسبب في رأينا يعود لطيبته مع الجميع وحسن خلقه وأدبه فلم يكن فظا ولا غليظ القلب وقد ظهر حب الناس له في جنازته المشهودة التي حضرها الرسميون والشعبيون والكبار والصغار المسلمون والمسيحيون وقد كان يوم دفنه يوما مميزا لمأدبا حيث أغلقت محلاتها التجارية وقرعت فيها الكنائس أجراسها نعم لقد كان فقيدا بكل معنى الكلمة فقدنا فيه الأخ والصديق والداعية والقائد والمحاور والمفكر لقد تولى أحمد الأزايدة رئاسة بلدية مأدبا فضرب المثل على رئيس البلدية الذي يخدم جميع سكان المدينة على حد سواء مما دفع امرأة مسيحية لتزوره في دار البلدية مقدمة له هدية هي المصحف الشريف، اعترافا بفضله في رجوع حقها حيث كان مهضوما سابقا.

وقد كان توليه رئاسة بلدية مأدبا عام 1981م واستمر حتى 1989م انتخابه نائبا في مجلس النواب ليمثل لواء مأدبا وقضاء ذيبان مؤشرا إلى حب الناس له وثقتهم به علاوة على حب الإخوان له والتفافهم حوله فقد كان من الدعاة المخلصين الذين عاشوا لدينهم ودعوتهم وأمتهم.

ولقد واصل اسم مأدبا لمناطق واسعة في العالم وكان تشييعه أوضح مؤشرا إلى عظيم أثره وطيب أخلاقه وقدرته على استيعاب مختلف الناس حتى ولو اختلف معهم ووصلت محبته وتقديره خارج حدود الأردن في العراق وغيرها فكانوا إذا عرفوا أحدا من أقاربه أو إخوانه أكرموه وساعدوه ويسروا له سفره.

وترك أبو بلال البلدية وترك النيابة بل الحياة كلها وهو مثقل بديون كرمه، فهو من بيئة بدوية لا ينفع معها إلى الكرم الواضح والزاد الطيب ولم يكن من الوارثين ولا السارقين بل كان من أصحاب الداخل المحدود ولولا إخوة كرام مثله لورث أولاده الألوف من الديون فكانت هذه النوعية من الرجال محل احترام كل منصف في هذا البلد الطيب.

الأزايدة والحركة الإسلامية

كان أحمد الأزايدة رحمه الله ممن تتلمذ على يد الشيخ محمد فؤاد أبو زيد الداعية الإسلامي المعروف والذي كان يعمل مدرسا في مدرسة مأدبا الثانوية وانتظم أحمد في صفوف جماعة الإخوان المسلمين وهو في أواخر المرحلة الإعدادية وفي الصف الأول الثانوي ولما تبع دراسته الثانوية في كلية الحسين بعمان، واصل ارتباطه بالجماعة واستمرت الصلة عندما ذهب إلى القاهرة للدراسة الجامعية وفي أثناء دراسته الجماعية حفظ القرآن الريم ولما أنهى الدراسة عاد إلى الأردن.

وكانت دراسته للهندسة المدني في مصر قد أعطته فرصة الاتصال بالعديد من الإخوان المصريين الذين خرجوا من السجون في عهد السادات وكان أحمد ينقل تجربته وما استفاده من الإخوان لشعبة مأدبا في أثناء الأجازة الصيفية للجامعة وكان كل أخ في الشعبة يلاحظ احترم الكبار وتقديرهم وحبهم له .. وكان يعطي الفرصة لإقامة مخيمات كشفية لإخوان الشعبة يحضرها العديد من الطلاب والعاملين وكان أولها عام 1971 م في حمامات ماعين.

وبعد أن تخرج من الجامعة عام 1974 مم واستقر في مأدبا أخذ يلقي الدروس في مساجدها وبخاصة المسجد القديم حيث أصبح فيما بعد المحاضر الأول في درس السبت الأسبوعي الذي كان يقيمه الإخوان.

ومثل شعبة مأدبا في مجلس شورى الإخوان في وقت مبكر، وصار عضوا في المكتب التنفيذي للجماعة وكان مؤثرا في قطاع الشباب على مستوى الأردن بصورة عامة وأصبح من قادة الحركة الإسلامية البارزين.

يقول الأستاذ على الحوراني عن نشاطه في الحركة الإسلامية كان الأزايدة داعية متجولا يدعو إلى الله على بصيرة فيلقي المحاضرات ويخطب في المهرجانات ويحاور في الندوات ومع ذلك كان لا يدع مناسبة اجتماعية تفوته إلا ويحضرها يقدم الواجب يواسي في العزاء ويهنئ بالفرح فظننا تأخذ من وقته الكثير قال لي أحدهم: أتصدق أننا فوجئنا عندما رأينا أبا بلال يقدم لنا الواجب في مناسبة اجتماعية ولم نكن دعوناه فكان ذلك مؤثرا في نفوس أصحاب المناسبة أما أنا فلا استغرب من هذا الصنيع فقد عودنا على الكثير من ذلك.

كان يسافر كثيرا في أرجاء الأرض داعيا إلى الله، ومبشرا تسعد به المراكز الإسلامية وتحتفي به اتحادات الطلاب العالمية ويجد في ذلك سرورا وراحة وطمأنينة وهو يرى أبناء الإسلام في بلاد السفور والخمور منارة من منارات الصحوة الإسلامية العالمية ذكر لي مهندس كان يدرس في إيطاليا قال: كان هناك مؤتمر طلابي حاشد ودعي إليه خمسة من المتحدثين كان أبو بلال أحدهم فلم يحضروا وحضر هو وحده.

فتحدث في جميع المواضيع المطروحة وناقشها فأكبر فيه المؤتمرون قدرته على المناقشة وعطاءه وسعة اطلاعه.

ويقول الشيخ المستشار عبد الله العقيل .. التقيته أول مرة مع الأخ محمد عبد الرحمن خليفة المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن في لقاء دعوي نتدارس فيه أحوال المسلمين وأوضاعهم في العالم الإسلامي والهجمة الشرسة التي يواجهونها من أعداء الإسلام في الشرق والغرب على حد سواء والذين يكيدون في الليل والنهار ضد الإسلام كدين والمسلمين كأمة وكيف أن الواجب الإسلامي يحتم على العاملين في الحقل الإسلامي أن تتكاتف جهودهم وتتوحد قلوبهم للتصدى لهؤلاء الأعداء من الخارج والمنافقين من الداخل.

وكانت الآراء التي يطرحها ذات وجاهة وعمق والعلل التي كان يشص أسبابها ويرشد إلى طرق علاجها فيها كل النفع والفائدة للحركة الإسلامية المعاصرة وبخاصة أنها دخلت تجارب كثيرة في أكثر من قطر، وصمدت صمود الجبال الرواسي أمام الرياح والأعاصير التي تهب من الشرق والغرب.

الأزايدة.. الداعية المربي

كان أبو بلال رحمه الله نموذجا متميزا للداعية البصير والمربي الناجح فكان داعية حكيما، ومحاورا بارعا وذكيا حسن الخطاب تشهد له بذلك الندوات والمناظرات العامة حيث يخطف تأييد الناس لجانبه كان صورة مشرقة للمسلم الملتزم بالإسلام قولا وعملا سمتا وسلوكا وكان يتحرك بهذا الإسلام يدعو الناس إلى الخير، ويجمعهم على الحب في الله والعمل لمرضاته وخدمة المجتمع بكل فئاته وأصنافه والتعارف مع الجميع في سبيل إحياء الأمة وترشيد مسيرتها لتنطلق في قافلة الحياة سائرة على الدرب الصحيح والمنهج الحق فالإسلام عقيدة ونظام ومنهج حياة.

كان يتصف بصفات وملامح شخصية تجعله في مقدمة الدعاة وصوف المربين كان يحس بأهمية الأخلاق في بناء الشخصية الإسلامية ولا سيما تلك التي يجب أن يتحلى بها الداعية إلى الله.

فكان من أبرز صفاته:

التواضع والكرم.. كان كريما في مواضع الكرم رهيف القلب، يحنو على الصغير ويوقر الكبير، ويعطف على المسكين ويسعى في حاجة الملهوف حتى يقضيها له.

سعة الصدر وبعد النظر.. كان واسع الصدر يسعك حلمه، ويفيض عليك رضاه، فلا يغضب لهفوة قريب أو زلة لسان لحبيب.. كان يتحمل ويصبر على الأذى إذا كان موجها لشخصه فلا يسمح أن يدافع عنه فيقول: ما دمت أنا الذي تضرر فما ضرك أنتم.

براعة الحديث.. كان عنده مقدرة على مخاطبة جميع الناس سواء كانوا من العوام أو العلماء أو الأدباء أو غيرهم كان يسمع ويصغي للحديث، أما إذا قال، فرأيه مؤيد سديد، ورؤيته بعيدة شاردة على الأذهان يقربها بحس العرض والمناقشة كان صادقا مع نفسه ومع الناس، يبصرهم بأحوالهم ويضعهم أمام مسئولياتهم فيصف الداء ويصفا دقيقا لا مبالغة فيها، وكأنها الصورة ماثلة اللحظة أمام الحاضرين، ولا يدعهم إلى يأسهم وقنوطهم وهمومهم بل يصف الدواء وصف الطبيب الذي يفرح بعلاجه مرضاه وشفائهم الطامع بالأجر والثواب من عند مولاه.

القدرة على الدعوة.. كان رجل عقيدة وفقيه دعوة ومؤلف رجال لم يكن مهندسا يحس هندسة البناء وتخطيطه فحسب، بل كان يرسم للعقول طريقها ويفتح مغاليق القلوب بحس دعوته ودعايته، كانت له فلسفة خاصة يربي عليها إخوانه يربيهم على نصرة الحق ويبعث فيهم روحا جديدة، وهمة عالية، وعزيمة فاعلة.

حكمة القيادة.. كان يفيض وقارا وإيمانا ومهابة مما جعله محاطا بأفواج متلاحقة من الشباب المعجب بنشاطه وجهاده والمتطلع إلى الجلوس معه وسماع أحاديثه ونصحه

ولقد تميز رحمه الله بكل هذه الصفات والسمات وأكثر من هذه الصفات والسمات وكان يميل إلى البساطة المتناهية، والسماحة ولين الجانب فيما يرضي الله تعالى متمثلا قوله صلى الله عليه وسلم ما كان اللين في شيء إلا زانه..

وكان يميزه النظرة الإيجابية للمستقبل في أحلك الساعات وأصعب الظروف وأقساها فرغم الليل الدامس والظلام القاتم، وعمق الأسى والشعور بالحيف الذي لحق بالأمة، إلا أنه بلاك كان متفائلا يترقب طلوع الفجر ويجزم بكل ثقة، بنصرة الإسلام وارتفاع رايته، فكثيرا ما كان يقول: إن دين الله منتصر، وإن لن ندركه نحن، فإن أبنائنا سيدركونه، ويقول: إنه لو لو يبق إلا الأجنة في البطون لكان بهم نصرة الإسلام.

وكان مما يميزه أيضا الجرأة بقول الحق والابتعاد عن مواقف الهجوم وعدم الالتجاء للدفاع بل يعرض رأيه وحجته وبرهانه دون مبالغة أو تهويل.

يقول عنه إخوانه في مأدبا كان أبو بلال مدرسة شاملة، نتفيأ ظلالها، فكانت نظراته الثاقبة مدرسة في التغيير وكان إشاراته كافية لإرشاد الضالة إلى السبيل وكانت كلماته القليلة زاد الشباب في السفر الطويل كان المثل النادر في العطاء المتميز فكان بيننا مميزا، نقيا صافيا على كثرة متاعبه ومشاغله، وكم ينطبق عليه دقة وصف الشاعر.

ما إن أعدد في المكارم خصلة

إلى وجدتك عمها أو خالها.

كان أحمد شغوفا بإخوانه رفيقا بهم، رحيما عليهم يؤثرهم على نفسه وكان على غيرهم أشفق، فكم نفس كربة عن المكروبين وكم يسر ما تعسر عليهم، كان في عون عبيد الله فكان الله في عونه في أشد اللحظات، فصبره وملأ قلبه طمأنينة وسكينة لقد اشترى جنة عرضها السموات والأرض فتجارته رابحة إن شاء الله ولقد تمثل قول الشاعر يوسف العظم:

يا رب من لي غير نورك إن ضللت وإن غويت.

فإذا نويت البر يا الله فاقبل ما نويت

إن كنت تعرض جنة للبيع يا رب اشتريت.

أو كنت تدعوني إلهي للرجوع فقد أتيت

مجالات نشاطه

المهندس أحمد الأزايدة أبو بلال.. عاش عمره صاحب دعوة وحامل فكرة وجندي رسالة وهب لها وقته وماله وجهده فكان نبعا فياضا بالفكر والحركة، وشعلة متقدة من النشاط والحيوية، في مجالات كثرة من مجالات النشاط الفكري والدعوي والاجتماعي والوطني والسياسي والتوجيه والإصلاح وقد كان له دور مشهود في حركة الفكر الإسلامي والعمل الاجتماعي تبوأ من منزلة عالية وكان من نشاطه نموذجا متألقا لشباب الأردن وكان من خيرتهم ومن صفوتهم وقد تحدثت عن نشاطه الحركي والدعوي وسأواصل الحديث عن الأنشطة الأخرى إن شاء الله.

نشاطه في المجال الاجتماعي

كان أبو بلال من النشطين في العمل الاجتماعي فكان يرأس مجلس إدارة المركز الإسلامي في لواء مأدبا ولجنة الزكاة في اللواء..

وكان عضوا في عدد من الأندية والجمعيات الخيرية والهندسية ورئيسا لبلدية مأدبا لدورتين متتاليتين وكان صاحب همة عالية وباع طويل في العمل التطوعي، والسعي في قضاء حوائج الناس ومن ذلك.

• كان وهو في البلدية عندما يأتيه مواطن لدفع الرسوم أو الضرائب ولم يكن معه كفاية كان يعطيه ما يكمل به حاجته ليدفعها للبلدية.

• عرفه الناس متواضعا يحترمهم ويسعى في حاجاتهم لا يرد سائلا مهما كانت حاجته وعرفوه كريما بيته مضافة مفتوحة للناس في الفطور والغداء والعشاء، وفي أي ساعة من ليل أو نهار.

• كان في الأعياد يزور المسلمين ويزور النصارى في جمعياتهم ومجالسهم، ويزورهم في أفراحهم وبيوت العزاء وقد احترمه النصارى في مأدبا وقدروه، وكانوا يكرمون أقاربه وأصحابه من أجله.

• كان يعمل ويدعو إلى إصلاح أمور اجتماعية كثيرة، منها:

- توسيع دور صناديق الزكاة، والمعونة، ومعالجة جيوب الفقر، وتوسيع برامج الأسر المنتجة.

- العناية بالأسرة، وتيسير أمور الزواج وتشجيع الحد من المظاهر المرهقة في الزواج وكان يدعو إلى الإنفاق المعقول.

- نشر المراكز والعيادات الصحية في القرىي والمناطق الفقيرة.

يقول د. رائف نجم عن المهندس أحمد الأزايدة: كان أحمد يعمل معي عندما كنت مديرا للأبنية في وزارة الأشغال وكنت حينها مشرفا على بناء المستشفى الإسلامي واشتركت معه في العمل بشكل تطوعي لمدة اثنى عشر عاما متواصلة فمعرفتي به كانت قبل العمل السياسي مع الإخوان وقد شاركت معه في اللجنة التحضيرية ل حزب جبهة العمل الإسلامي

وكان مثالا رائعا في العمل التطوعي، والابتعاد عن المصالح الشخصية وكنت وإياه متفقين في الرؤية نحو الحزب، وهي أن يكون حزبا لجميع المسلمين وهذا ما دفعني للاشتراك معه في اللجنة حتى نصل إلى الهدف الشريف، ولكن مع الأسف مرض مرضا قصيرا ثم انتقل إلى رحمة الله تعالى.

أما الأستاذ علي الحوراني فيروي مجموعة من المواقف التي شاهد فيها المرحوم أبا بلال وهو يقضي حوائج الناس فيقول كان أبو بلال أحد قادة جماعة الإخوان وأحد القادة الشعبيين في الأردن، عرفه الناس متواضعا كريما يحترمهم ويسعى في حاجاتهم ومن ذلك.

كان يوما جالسا في مكتبة في البلدية يبحث في أمور الناس ويحل مشكلاتهم وإذا به يخرج من مكتبه إذ سمع صوت رجل طاعن في السن رث الثياب ضعيف البنية عرفه من أول وهلة فاستقبله بعبارات الترحيب، وقدم له مساعدة مالية من جيبه الخاص وقال له: إذا احتجتني في المرة القادة أنا آتيك وطلب من سائقه أن يوصله إلى بيته وكل ذلك رايته بأم عيني وسمعته بأذني.

- لقي شابا من أهل بلدته في عمان فبادره قائلا: يشرفني أن أكون سائقا، وتحت تصرفك حتى تصل بيتك.

- عرف عنه أنه لا يرد سائلا مهما كانت حاجته حتى في أشد لحظات مرضه، وحينما كان يشير عليه أهله أن يرتاح لكثرة ما يطلب على الهاتف في أوقات هو أمس الحاجة للراحة فيها فيقول: كيف أرتاح وهم يسألوني..

- حدثني صديق فقال: كنت طالبا في المدرسة وكان معي أحد الأصدقاء فدخلنا على رئيس البلدية لنستفسر عن أمر يتعلق بنظافة الحي، فأجلسنا قبل أن يعرف ما نريد وطلب لنا شيئا نشربهن وقام من وراء مكتبه وجلس بجانبنا وبدأ يسأل عن أحوالنا ودراستنا فأكبرنا ذلك فيه وأعجبنا به وأحببناه وذلك هو خلق الداعية إلى الله.

- كان لا يدع مناسبة اجتماعية تفوته إلا ويحضرها يقدم الواجب، ويواسي في العزاء، ويهنئ بالفرح قال لي أحدهم: أتصدق أننا فوجئنا عندما رأينا أبا بلال يقدم لنا الواجب في مناسبة اجتماعية ولم نكن دعوناه فكان ذلك مؤثرا في نفوس أصحاب المناسبة.

- كان لا يغفل عن السعي في حاجات الناس فيسأل الشخص هل قضيت حاجتك؟ فإن لم تقض يتابعها له ذكر لي أحد الأصدقاء أنه حمل رسالة من شخص صاحب حاجة تتعلق بوثائق تثبت شخصيته وهو في وضع حالة نفسيه يرثى لها قال: عندما عرف أنني من مأدب طلب مني أن أحمل رسالة المرحوم أحمد قطيش ليشكره على قضاء حاجته فأخبرته رحمه الله بذلك فقال لا داعي لشكري ليذهب إلى عمان غدا فيأخذ وثيقة سفره فقد حلت مشكلته نهائيا.

- عندما عاوده المرض وأدخل المستشفى الإسلام في عمان وكانت حالته الصحية قد ساءت وتحدثت زوجته عن مرضه فقالت: كان طوال هذه الفترة يسال عن أحوال الناس ومشكلاتهم، وفي إحدى المرات أجبرني على وضع سماعة التليفون على أذنه ليكلم صاحب حاجة فكان يقول إنه يريد حاجة ولابد أن أساعده ورغم أن حالته كانت سيئة استمع إلهي وكان الرجل يعمل في السعودية وفصل عن عمله ويريد العودة إليه فأخذ رقم تلفونه ووعده خيرا.

وكان في أيامه الأخيرة تحت وطأة غيبوبة يتكلم بما كان يحدث وأحيانا يردد أسماء وإذا أفاق سألن عن البوسنة والهرسك وعن نتائج انتخابات كانت جارية وعندما قلت له لماذا تسألني وأنت تعرف أنني لا أحب السياسة، فقال: ليس شرطا أن تحبي السياسة ولكن يجيب أن تعرفيها.

نشاطه في الميدان الوطني والسياسي

كان أبو بلال رجلا وطنيا شريفا، أحب وطنه الذي نشا وعاش فيه، وسعى لخدمته وخدمة أهله وكانت له مواقف وطنية يحفظها له الناس، ويذكرونها له دائما بالإعجاب والتقدير فقد كان يحمل هم الأردن، ويسعى للنهوض به والدفاع عنه وكان رمزا للموقف الإسلامي الشعبي الذي قدم خدمات جليلة للدولة والناس..

وكان سياسيا قديرا، صادقا مع قضايا وطنه الصغير الأردن، وقضايا وطنه الكبير، العالم العربي والعالم الإسلامي، وبخاصة قضية القدس وفلسطين.

وكانت له مواقف ومشاركات جادة وعديدة.. وطنية وسياسية ومن هذه المواقف والمشاركات.

رئاسة بلدية مأدبا

تعتبر بلدية مأدبا من البلديات القديمة في الأردن حيث أنشئت عام 1921 م، وتولي رئاستها النصارى منذ ذلك التاريخ وفي عام 1957 م حاول المسلمون تشكيل كتلة مناصفة بينهم وبين النصارى، إلا أن النصارى رفضوا ذلك وحاولوا الاستغاثة بالحكومة التي صارت تعين لجانا لإدارة البلدية برئاسة أحد النصارى

وبالرغم من تزايد أعداد المسلمين في المدينة، وتراجع نسبة النصارى حتى أصبحت قليلة جدا إلا أنهم أصروا على موقفهم وفي عام 1981 م وبعد أن أصبح للحركة الإسلامية التأثير الواضح في المدينة بدأ التفكير بشكل جاد لحصول سكان المدينة على حقهم وتمثيلهم الحقيقي في المجلس البلدي..

وجرت وساطات ليكون الرئيس من المسلمين لهذه الدورة وتكون الكتلة مشتركة بين المسلمين والنصارى إلا أنهم رفضوا ذلك وعجز الإخوان عن وجود من يترأس الكتلة من المسلمين وعندها قال المهندس أحمد قطيش إن لم تجدوا أحدا فأنا جاهز لدخول المنافسة إن رأيتهم ذلك وجرت.

الانتخابات وفازت الكتلة بأكملها وفي الدورة التالية عام 1985 م فازت كتلة الحركة الإسلامية بالتزيكة وبرئاسة أحمد قطيش رحمه الله وحتى عام 1989م بعد أن انسحبت الكتلة الأخرى.

وقد استطاع أحمد قطيش أن يكسب ثقة المواطنين في مأدبا فقد نقل المدينة نقلة نوعية مميزة يشهد لها كل منصف حيث أصبح العمل مؤسسيا منظما وخطط ونفذ مع مجلس البلدي عدة مشاريع حرفية، لمس المواطنون جدواها وبعد النظر فيها، ودقة التخطيط وحسن التنفيذ ومن أبرزها.

1- إنشاء منطقة حرفية في عام 1984 .

2- إنشاء سوق تجاري ومجمع الدوائر.

3- بناء الطابق الثاني في مبنى البلدية الحالي.

4- إنشاء الحديقة الغريبة.

5- إنشاء قاعة بلدية مأدبا، التي أطلق عليها عليها بعد وفاته قاعة أحمد قطيش .

6- استملاك وإنشاء سوق خضار.

7- تحديث المخطط الهيكلي للمدينة للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين من نظافة شوارع وأرصفة ونحوها.

8- الحصول على قطعة أرض مساحتها (160) دونما لإنشاء منتزه للبلدية عليها.

9- حل مشكلات مواطنين في المدينة عالقة منذ سنوات طويلة.

يقول الأستاذ على الحوراني عن نشاط أحمد قطيش في البلدية كانت مأدبا تعيش حياة طبيعية لم تتغير ولم تتبدل معالمها، بنيتها شوارعها تعاقبت عليها المجالس البلدية منذ عام 1912 م وظلت تسير ببطء وتمشي على استيحاء في ركب الخدمات المتطورة والشاملة للمواطنين، وأجمع الناس على أن المدينة شهدت في عهد أبي بلال إنجازات مميزة فكان التركيز على البني التحتية ثم بعد ذلك التنظيم والتزيين وتسمية الشوارع وحدائق الأطفال والقاعة العامة والمكتسبة حتى إذا ما انتهت فترة الرئاسة الأولى أعيد انتخابه بالتزكية وفاء وتقديرا لجهود المتميزة التي أضحت مثالا على مستوى المملكة، وقد حدثنا عن تلك الفترة معتزا بأن قدمت له سيدة مسيحية القرآن الكريم هدية إذ حل لها مشكلة كان يظن بأنها مستعصية على الحل لدى جميع المجالس البلدية السابقة فكانت هذه الهدية موضع تقديره وسروره.

وكان أبو بلال رائدا من رواد فكرة محاسبة المسئول فإنه وفي أثناء رئاسته للبلدية دعا لعقد اجتماع عام لأهالي المدينة ليطرح فيه إنجازاته التي وعدهم بها في برامجه الانتخابية وليناقشوه بما لهم من حقوق ولا يقدر على ذلك إلا أصحاب الهامات العالية والأيادي النظيفة.

وفي الدورة الثالثة لانتخابات البلدية قرر الإخوان عدم ترشيح أي منهم، ودعموا أحد المرشحين ولكنه لم يفز.

• نائب الحركة الإسلامية في مجلس النواب: كان أبو بلال أحد نواب الحركة الإسلامية في مجلس النواب الأردني عام 1989م والناطق الرسمي باسم كتلتها ورئيس لجنة الحريات العامة في مجلس النواب وعضو لجنة الميثاق الوطني.

• عندما ترشح للانتخابات النيابية قدم برنامجا متكاملا تعرض فيه لمجموعة من الأمور السياسية ولما أصبح نائبا دعا وعمل على تنفيذ ما وعد به ومن تلك الأمور.

• العمل على توثيق علاقة الأردن مع الدول العربية والإسلامية وقد دعا إلى مزيد من مجلات العمل المشترك وتفعيل دور المؤسسات القائمة في هذا المجال.

• الدعوة والعمل على تعميق الوحدة الوطنية وتمتنين الصف الداخلي والتصدي بحزم لكل الدعوات الطائفية والإقليمية والقضاء على بواعث الفرقة والاختلاف واعتبار الوحدة الوطنية فريضة من فرائض الدين وضرورة للنهوض والبقاء.

• الدعوة إلى إقامة علاقاتنا مع الدول الأجنبية على أساس الاحترام المتبادل والتعاون لخير البشرية ومناصرة المظلومين.

• إطلاق الحريات العامة والحريات الفردية التي كفلها الدستور، وإلغاء الأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية.

• تحقيق وتعميق مبدأ فصل السلطات وإقامة التوازن بينها وفقا لأحكام المواد 24- 27 من الدستور.

• العمل على تعميق العمل المؤسسي على كل صعيد.

• أول أمين عام لجبهة العمل الإسلامي: كان ممن سعي مبكرا لإخراج حزب جبهة العمل الإسلامي إلى حيز الوجود، وكان أمينه العام في فترة التأسيس.

• ناشط سياسي قدير: كان أبو بلال رجل حوار وصاحب فكرة ونظرة شموليتين بقضايا الوطن ومستقبله ومن مساهماته في هذا المجال ورقة العمل التي قدمها للندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات وأبحاث العمل الإسلامي بعنوان (نحو أردن قوى) وعقدت في عمان يوم 27/ 5/ 1991 م حيث قدم هذه الورقة التي ضمنها تصوراته واقتراحاته للدور السياسي الذي يمكن أن يلعبه الأردن..

وهي محاولة لاقتراح دور سياسي مستقبلي للأردن على المستوى الرسمي والشعبي والحزبي تعتمد أساسا على فهم عوامل ومعادلة العمل والقار السياسي وتقدير مساره المستقبلي ثم تخمين ما يمكن علمه أو تغييره.

وتعالج هذه الورقة الفكرة السابقة ضمن الإطار التالي:

1- جوانب أهمية الأردن السياسية.

2- العناصر والمكونات الرئيسية لدور الأردن.

3- والواقع السياسي على مستوى الأردن، والوطن العربي، وقضية فلسطين، والنظام الدولي.

4- رؤية مستقبلية لدور الأردن والوطن العربي والوطن العربي، وقضية فلسطين والنظام الدولي.

من مواقفه السياسية

• كانت له مواقف سياسية واضحة وجريئة دفاعا عن أمته العربية والإسلامية ومن ذلك رفضه الالتقاء بوفد الكونغرس الأمريكي ردا على الخطاب الذي تلقاه عندما كان الناطق الرسمي باسم كتلة نواب الحركة الإسلامية من سفير الولايات المتحدة الأمريكية في عمان روجر هاريسون يطلب فيه ترتيب لقاء بين نواب الحركة الإسلامية من سفير الولايات المتحدة الأمريكية في عمان روجر هاريسون يطلب فيه ترتيب لقاء بين نواب الحركة الإسلامية ورئيس وأعضاء لجنة الخدمات العسكرية في الكونغرس الأمريكي والذي يزور البلاد في أثناء شن العدوان على العراق،

• فرد على الخطاب بقوله، كنا نتمنى ألا يكون هناك موانع تحول دون مثل هذا اللقاء ذلك أن ديننا يوجب علينا أن نخاطب الناس بالحسنى وأن نسمع منهم وأن يستمر التواصل بين الشعوب والدول إلا أن الجرائم التي تقوم بها حكومة الولايات المتحدة، وتسخر لتنفيذها مؤسسات الأمم المتحدة ودول العالم الثالث وثروات الشعوب لتحطيم قوة أمتنا العربية والإسلامية وخاصة تلك الحرب الظالمة التي شنتها أمريكا على إخواننا في العراق والجرائم البشعة التي ارتكبتها ضد الأطفال والنساء وتدمير المنشآت المدنية والاقتصادية والعسكرية وسياسيتها العدوانية في دعم إسرائيل ضد شعبنا في فلسطين وقرارات الكونغرس المتلاحقة ضد الأردن والأمة العربية والإسلامية ودعمها للأنظمة الدكتاتورية القمعية في بلاد العرب والمسلمين فإننا ولهذه الأسباب نجد أن اللقاء الذي تشيرون إليه غير مجد ولذلك فإننا نعتذر عن مثل هذه اللقاء ونتمنى أن تدرك حكومة الولايات المتحدة أنها من خلال سياستها العدوانية تدخل صراعا طويلا مع شعوبنا.

يقول الأستاذ سميح المعايطة عن نشاط المهندس أحمد قطيش في الميدان الوطني والسياسي أحمد قطيش الأزايدة كان رئيسا لبلدية مأدبا أكثر من دورة ونائبا في البرلمان الأردني عام 1989 م وناطقا باسم كتلة نواب الحركة الإسلامية والشخص الأهم في مسار إنتاج حزب جبهة العمل الإسلامي وهو شخصية إسلامية وطنية يملكي الكثير من مواصفات الزعامة التي تتجاوز حدود الإخوان المسلمين إلى ساحة الأردن فكان في مأدبا محل احترام المسلمين والمسيحيين والبدو والحضر والمخيم فقد دقت أجراس كنائس مأدبا حزنا عليه.

إذا رأيته يلبس اللباس العربي وسمعت لهجته حسبت أنك أمام رجل بدوي لم يدخل مدينة لكن هذا كان جزءا من قوته فهو ابن بيئة يحمل هويتها لكنه المهندس الناجح ورئيس البلدية المميز، ورجل التنظيم الإسلامي المحبوب الذي يرى فيه الجميع مستقبل الحركة وسمات قيادتها وكان سياسيا قريبا من قضايا أمته وبخاصة قضية فلسطين يحبها ويحترمها بعيدا عن صراعات النفوذ وتجارة المواقع، وكان رمزا الموقف الإسلامي الشعبي الذي قدم خدمات جليلة للدولة والناس.

كان رحمه الله نتاج مراحل النقاء والإخلاص الإخواني وكان تربويا ورجل تنظيم في كثير من المحطات الصعبة أو الانتقالية للعمل الإسلامي يأتي ذكره والحريصون على ارتفاع مستوى الأداء يتمنون وجوده لقد كان إخوانيا أردنيا، يما لا يخل بفكره الإسلامي وصدقه مع قضايا أمته يتحدث بلغة الناس ويفهم لغة السياسية لم يتصنع أو يتكلف الصدق والإخلاص بل مارسهما لم يركب أي موجة ولم يفقد تواضعه فخرج من بلدية مأدبا بدين مالي ثقيل على كاهله، وخرج من الحياة بسيرة عطرة وذكرى تحضر عندما تحتاج المراحل إلى القيادة الحقيقية.

أبو بلال.. والقضية الفلسطينية

في عصرنا الحديث وخاصة في أوائل القرن العشرين, تآمر على فلسطين كل الأ‘داء من صليبين ويهود وشيوعيين وهاجمها الإنجليز بعد الحرب العالمية الأولى واستعملوا المكر والغدر والكذب والخديعة وعملوا على تمكين اليهود من فلسطين ليكونوا بؤرة الشر والفساد في أرض الإسراء والمعراج.

وكان اليهود قد حاولوا التسلل والهجرة إلى فلسطين من أوروبة الشرقية إثر موجة اضطهاد قامت هناك فوقفت الخلافة العثمانية في وجه هذا الزحف اليهودي، وكان ذلك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876 - 1909 م) حيث منعت بقانون أصدرته سنة 1888م الهجرة اليهودية الجامعية إلى الأراضي العثمانية وحددت فترة مكوث اليهود الزائرين لفلسطين بثلاثة أشهر فقد

وقد هدد الصهيونيون السلطات عبد الحميد بأنهم سيعملون ضده بكل ما يملكون من قوة جزاء تعنته، وقد حققوا تهديهم فقد ضمت الهيئة التي بلغت السلطان عبد الحميد بقرار خلعه عن السلطنة في سنة 1909 م والتي كانت مؤلفة من أربعة أشخاص بينهم يهودي وآخر آرمني، وقد أصغى إليهما السلطان وقلبه يتفطر أسى.

وفي أواخر أيام الحرب العالمية كان الجنرال اللنبي قد وطد العزم تنفيذ رغبة رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج بالاستيلاء على القدس قبل عيد الميلاد وتقديمها هدية للشعب البريطاني لرفع معنويات مواطنيه الذين أنهكتهم أربع سنوات طوال من الحرب وفي يوم 11 كانون أول 1917 م دخل الجنرال اللنبي القدس بمراسيم احتفالية ترافقه مفارز فرنسية وإيطالية من القطاعات الملحقة به.

ووقعت أرض الإسراء والمعراج بيد الأعداء حيث تآمر عليها الصليبيون واليهود وتولى الإنجليز تنفيذ المؤامرة فاحتلوا فلسطين ووضعوها تحت انتدابهم الغاشم فترة من الزمن استعملوا خلالها أساليب المكر والخداع لتسليمها لليهود وكانت فرصة للأعداء تسابق فيها الغرب الصليبي الحاقد والشرق الشيوعي الماكر على مساعدة اليهود وتثبيتهم في فلسطين.

وهكذا نفذت بريطانيا مخططها وتآمرها في تسليم فلسطين لليهود.. فكانت نكبة فلسطين عام 1948 م نكبة شعب تعرض لسلسلة من وسائل الكيد والبطش والمؤامرات توجت بأبشع عدوان وحشي وقع في منتصف القرن العشرين.

ونكبة أمة تنتسب إلى الإسلام ما عرت الدنية والدل مثلما عرفتهما في هذا العصر ومع هذا قد كانت في حرب فلسطين صفحات بيض فيها الكثير من المفاخر والاعتزاز والشمم وأخرى سودي فيها الكثير من الخزي والامتعاض والألم.

صفحات خط فيها المجاهدون من أبناء أمتنا سجلا حافلا بالبطولات والانتصارات وقدموا على ثرى هذا الوطن آلاف الشهداء وتحملت فلسطين بعزم وثبات الدمار والخراب والتعذيب والتهجير وتخضبت جبالها وسهولها ومدنها وقراها بدماء الشهداء الأطهار.

وصفحات سجل فيها التاريخ على جامعة الدول العربية أنها ضنت على أرض الإسراء والمعراج بما عندها من قوى ووسائل حربية ولم تقم بواجباتها تجاه أرض مقدسة وشعب شقيق.

لكن هذه الأرض المباركة ستبقى قضية الإسلام الكبرى ومعاركها معارك التاريخ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وسيبقى مسجدها الأقصى كما كان عنوان لملحمة حية من الجهاد العنيد فكلما داس الغازي الأجنبي أرض الإسلام من بوابة فلسطين ضجت قبابه ومآذنه وباحاته وكأنها نواقيس خطر وأبواق نذر تدوي وتزمجر.

حيث تفعل فعلها في أقطار الإسلام فتتحرك الضمائر وتثور العزمات وتنطلق النجدات حتى يرحل المعتدي الآثم.

وفي ذلك العام 1948 م ولد أحمد الأزايدة في مأدبا ونشأ في ظل دعوة كان لها دور مشهود في قتال اليهود في فلسطين وعاش مع الشباب الذين تربوا على تعاليم الإسلام وارتبط بالدعوة المجاهدة التي ربت شبابها على معاني العزة والرجولة واتخذت من هذه المعاني أسلوبا تربويا لإعداد الشباب وغرس هذه القيم والمعاني في نفوسهم وأفئدتهم حتى أصبح هتافهم صباح مساء الله غايتنا والرسول قائدنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

وعرف أحمد شيئا عن جهاد الحركة الإسلامية التي انطلقت كتائبها من مصر وسورية والأردن والعراق وغيرها إلى فلسطين وسمع عن المجاهد الكبير الحاج عبد اللطيف أبو قورة الذي جهز كتيبة من شباب الحركة الإسلامية وقادها إلى فلسطين ورابط في ضواحي بيت المقدس للدفاع عنها وعن الأقصى المبارك.

وعرف أحمد أن العرب وقفوا متخاذلين من نكبة 1948 م وكأن الأمر لا يعنيهم بل وفعلوا أكثر من هذا فحالوا بين المجاهدين وبين اليهود وعقدوا هدنة دائمة مع العدو ونقلوا المجاهدين من خنادق القتال إلى أقبية السجون وتمادى اليهود في طغيانهم وأخذوا يخططون لدخول الأقصى والصلاة فيه تمهيدا لاحتلاله وهدمه وإقامة هيكلهم المزعوم.

ومضى أربعون عاما على احتلال أرض الإسراء والمعراج تمادى فيها الأعداء فاغتصبوا ما بقي من الأرض وأحرقوا المسجد الأقصى ونشروا الضلال والخراب في كل مكان.

واستغاثت فلسطين ونادت في الليل والنهار ولكن النداء لم يخترق السدود ولا القيود التي تحيط بها من كل جانب ولما انطلق النداء من مآذنها الشامخة ومساجدها العامرة اهتزت له الروابي والوديان وثارت من أجله الجبال بحجارتها المباركة التي نطقت بأيدي أطفالها الأبطال الذين عرفوا حياة الذل، وخاضوا المنايا وارتقوا الصعاب ورجموا أعداء الله بني صهيون.

واستبشرت روابي القدس بفجر جديد، وطفل عنيد، تحدى الطغاة وقاد الكفاح، وكان لأبي بلال دور مشهود في دعم الانتفاضة المباركة.. والدعوة إلى إعداد الأمة عسكريا وتربويا وإعلاميا لتستعد للوقوف ف وجه الخطر ووضع خطة على مستوى الأمة لاجتثاثه بإذن الله ويأتي في مقدمة هذه الخطة دعم الانتفاضة المباركة ماديا وإعلاميا وسياسيا والعمل على تصعيدها واستمرارها.

ومما قاله أبو بلال في القضية الفلسطينية.

يقول أبو بلال إن صراعنا مع اليهود هو حقا صراع وجود لا صراع حدود وقضية فلسطين هي قضية عقيدة ودين، والخطر اليهود لا يهدد فلسطين فقط بل هو خطر يهدد الأمة بمجموعها وعلى أكثر من صعيد.

وقال ليست أدري ماذا ينتظر اليهود الغاصبون؟ وماذا يتوقعون لأنفسهم من مصير، بعد كل ما اقترفوا وجنت أيديهم؟ وماذا ينتظرون وقد تجمعوا من كل أرجاء الأرض يحملون الحقد والأساطير والسلاح فقتلوا الأطفال وبقروا بطون السناء ودمروا القرى والأحياء وشردوا شعبا كان آمنا في وطنه بل وكان يعطي الأمان لكل من يجاوره في بلاده.

ماذا ينتظر اليهود الغاصبون في فلسطين ماذا ينتظرون والأمة التي تواجههم أنزل الله في كتابها

﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾[التوبة:14] وعلمهم نبيهم أن ذروة سنام دينهم الجهاد، وأن من مات ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية.

ثم ماذا ينتظرون والأرض التي أقاموا فوقها كيانهم، ومارسوا حقدهم وعدوانهم، هي أولى القبلتين وهي مسرى محمد صلى الله عليه وسلم ومهد عيسى وسائر الأنبياء الكرام وهي الأرض التي ببركتها بارك الله ما حولها.

فيا أيها الغاصبون المحتلون يا أيها المعربدون استكبارا وعلوا وعتوا أيتها القطعان البشرية المرتحلة من أصقاع الأرض إلى بلادنا الطاهرة بأحقادكم وأساطيركم وأوهامكم في جنة الأرض فيها اللبن والعسل.

يا هؤلاء وأولئك ليس والله إلا الذبح ينتظركم فوق هذه البلاد لو قتلتم كل من في فلسطين ولاحقتم من شرد من شعب فلسطين فوق كل أرض فقتلتموهم ولستم بقادرين على ذلك لو فعلتم كل ذلك ومثله فلن تجدوا في بلادنا إلا الذبح بل إن إمعانكم في البطش والتنكيل إنما يزيد في الغضب ويسعر النار التي سوف تشتعل بكم..

يا أيها المجرمون: إن الأمة الإسلامية كلها وحتى أولئك الذين يسكنون في أقصى ركن في الأرض ترتحل قلوبهم إلى الأقصى، وينتظرون اليوم الذي يواجهونكم ليموتوا شهداء فوق تراب الأقصى، والأرض الطهور ورغم كل ما يواجهون من تحديات وصعاب وأخطار فإن ذلك كله لا ينسيهم الأقصى الأسير.

هل تريدون السلام العادل؟ إنه ليس له إلا طريق واحد أن ترحلوا إلى حيث كنتم ليس سوى ذلك إلى سلام من سبيل وإن أبيتم فليس والله إلا الذبح.

من أقواله:

اللهم توفني قبل أن أرى الصلح مع اليهود وقد استجاب الله دعاءه، فاختاره الله إلى جواره قبل توقيع معاهدة (وادي عربة) التي عقدها الأردن مع اليهود.

إن السلام مع إسرائيل قضية وهمية حتى لو تركنا لهم فلسطين لن يتركونا ولن يتركوا لنا الأردن.

دورة في التوجيه والإصلاح

أتصف أبو بلال بصفات طيبة ومزايا نادرة، وملامح شخصية جعلته من النخبة المتميزة القادر على التوجيه والإصلاح وكان من أبرز هذه الملامح ما يلي:

• كان أبو بلال صورة مشرقة للمسلم الملتزم بالإسلام قولا وعملا وسمتا وسلوكا، وكان يتحرك بهذا الإسلام يدعو الناس إلى الخير، ويجمعهم على الحب في الله، والعمل لمرضاته وخدمة المجتمع بكل فئاته وأصنافه والتعاون مع الجميع في سبيل إحياء الأمة وترشيد مسيرتها لتنطلق في قافلة الحياة سائرة على الدرب الصحيح، والمنهج الحق لأن الإسلام عقيدة ومنهج حياة.

• وكان مدرسة في التوجيه والإصلاح ذو كفاءة واقتدار وقدرة على الاستقطاب والتأثير في جماهير الناس وكان في مقدمة المصلحين الذين يتبنون النهج المجمع المقرب الذي يجتث الخلافات.

• عرفه الناس كريما بيته مضافة في أي ساعة من ليل أو نهار وعرفوه متواضعا يحترم الناس ويسعى في حاجاتهم ولا يرد سائلا مهما كانت حاجته.

• كان يسعى للإصلاح بين الناس وفض الخصومات فيما بينهم ويشاركهم في المناسبات الاجتماعية فهو السابق للتعزية بالوفاة، وعيادة المريض والتهنئة بالزواج والقدوم من الحج أو السفر فضلا عن زياراته في الخارج حيث الطلبة الدارسون في البلاد الغربية والأجنبية.

يقول الأستاذ على الحوراني كان أبو بلال يسعى للإصلاح بين الناس فتأخذ من وقته حتى لتظن أنها تأكل وقته زرته يوما وكان يصلح بين الناس وكان عنده أحد طرفين متخاصمين ورأيته وهو يبذل قصارى جهده في إقناع الطرف المتعنت في رأيه ويدافع عن الطرف الآخر الغائب وكأنهم حاضرون يتحدثون عن حقهم، ذكر لي أحد الأصدقاء أن الأقارب تخاصموا فيما بينهم وسلب أحدهم سلاح الطرف الآخر وتدخل في إصلاح ذات البين بينهم فكان ما سلب سببا في زيادة الخصام وتعنت الطرف الآخر في رد ما سلب لأصحابه فاشترى رحمه الله قطعة السلاح من جيبه الخاص دون علم الأطراف وقدمها لأصحابها فظنوا أنهم حصلوا على حقهم وتم الوئام ودفن الخصام بين الأقارب.

• وكان مربيا قديرا وموجها ناصحا له بصمات واضحة في مجالات كثيرة من مجالات التوجيه والإصلاح ومن ذلك رسالته في توجيه الطلاب ورسالته إلى المرأة

يقول في رسالة وجهها إلى الطلاب:

أعتقد أن دور الطلاب في المرحلة المقبلة هو دور القائد لاسيما إذا اختلفت الأمور بمعنى أنه لا سمح الله إذا تراجعنا على المستوى السياسي، أو اضطر المسئولين أن يتراجعوا عن الموقف السابق وزاد الهامش بين ما هو مطلوب وما هو ممكن يكون دور الطلاب دورا في غاية الأهمية أن يحافظوا على البوصلة لتتجه في الاتجاه الصحيح وأن يحافظا على معنوياتهم ومعنويات الناس وأن يمنعوا الهزيمة النفسية عن قلوب الناس وإذا لم يمنعها الواعون والمثقفون من الناس والشباب فأعتقد أن غيرهم أقل قدرة على منعها.

وكان أبو بلال في برنامجه الانتخابي عام 1989 م يدعو إلى دعم الحركة الشبابية وتوجيه طاقات الشباب والفتيات للبناء والإنتاج وتربيتهم تربية متكاملة جسديا وروحيا وعقليا ورعاية الأندية والمنتديات وتوسيع دور المخيمات الثقافية والكشفية وتعميق دور مؤسسات العمل التطوعي.

أما رسالته إلى المرأة:

فقد قال فيها: أيتها الأخت الكريمة أما وأختا وبنتا .. ملكة البيت ومعلمة الحياة.. وعاملة الخير في البيت في المدرسة في المصنع والمركز

تحية الخير والعطاء التي تجسدينها في كل دور لك في الحياة وفي أي موقع تصنعين فيه مستقبل أمتك المشرق بعيدا عن كل الجدل المصطنع حول مكانك ودورك وبعيدا عن دس المغرضين وطعن المشككين أرجو أن أخاطب فيك عقلك الذي به كرمنا الله وأخاطب فيك وجدانك الذي يدرك بفطرته الحق من سواه هؤلاء الذين يصطنعون معركة وهمية يسمونها معركة تحرير المرأة ماذا يريدون هؤلاء الذين يدغدغون عواطفك بالشعارات الفارغة إلى ماذا يهدفون؟ نريد منهم شيئا واحدا فقط أن يرسموا لك الصورة التي يريدونك عليها، وأن يعرضوا لك كل ما يتصورون لك من حقوق وأن يقدموا لك قائمة بكل دور يطالبون لك فيه وبعدها أيتها الأخت الفاضلة.

أريد أن تقارني أنت بين كل ما تتمنينه من حق لك في الحياة وما ترضينه من دور لك فيها وبين ما منحك الله إياه، من خلال أكرم رسالة وأعظم نبي ماذا تريد المرأة أكثر من أن تكون من شقائق الرجال في الحقوق والواجبات في الكرامة والحرية في حق التفكير والتعبير في حق الاختيار لمستقبل الحياة وشريكها في حق التملك وإدارة الملك في حق العمل الذي تختارينه حقيقيا بعيدا عن الإغواء والإغراء والتقليد.

أيتها الأخت الكريمة.. إنها معركة وهمية سببها أمران:

أولهما: سوء التطبيق لما جاء به الإسلام وسوء التطبيق هذا لم يكن فيما يتعلق بالمرأة فقط بل في كثير من الميادين حينما انحسرت روح الإسلام وهذا يتحمله كل مسلم لا يعرف ما أمر الله به أو يقدم مزاجه واجتهاده على شرع الله.

وثانيهما: المغرضون المشككون الذين يريدون أن يتصارع الناس رجلا ونساء وطوائف وأحزابا يمزقون لحمة الأمة وجسدها الواحد.

أيتها الأخت الفاضلة: إن هموم الوطن الذي نعيش فوق ترابه وأزمة الأمة التي إليها نتسبب والتحديات التي تحدق بنا من كل صوب، والتي لا تفرق بين رجل وامرأة أو ذكر وأنثى ناتجة عن التفكك الاجتماعي المتنامي وضعف التكافل والترابط وطغيان القيم المادية على علاقات الناس وانتشار القيم الاستهلاكية بينهم وقلة المؤسسات التطوعية الخيرية ضعف فاعليتها وانتشار التحلل والانحراف وزيادة ظاهرة التشرد كل هذه المشكلات لا يقوى على حلها الرجال أو النساء وحدهن وإنما هي رسالة يتكامل فيها دور الرجل والمرأة أبا وأما أخا وأختا أبنا وبنتا.

ولم يقف أبو بلال عند هذا الحد من التوجيه والإصلاح وإنما كان له منهج ودور قدمه في برنامجه الانتخابي دعا فيه إلى إصلاح الدولة والمجتمع وعمل على تنبيه وتنفيذه عندما أصبح نائبا في مجلس الأمة عام 1989م فمن هذا المنهج.

• العمل على وضع خطة وطنية للتربية والتوجيه يتناسق ويتكامل فيها دور جميع المؤسسات والأجهزة التربوية والإعلامية لإعداد وتربية المواطن الصالح المؤمن الواعي الذي يدرك حقوقه وواجباته ويتفانى في أداء دوره في البناء ويؤثر المصلحة العام.

• وكجزء من تلك الخطة الشاملة تقوم فلسفة التربية والتعليم على قاعدة الإيمان بالله وتجسيد القيم الإسلامية في نفوس الناشئة وتوجيه العقل للبحث والابتكار والإبداع والعناية بالمعلم ورفع كفاءته وتحسين مستوى معيشته وإيجاد الحوافز المعنوية والمادية التي تهيئ له القيام بدوره في صناعة الأجيال وإعدادهم للبناء والعلم على إنشاء نقابة للمعلمين.

• تشجيع قيام الجامعات الأهلية وتوسيع فرص القبول في الجامعات مما يوفر مبالغ كبيرة من العملات الصعبة ويحول دون تعرض أبنائها لحملات الغزو الفكري وأمراض الغرب الاجتماعية والنفسية والبدنية الخطيرة وربط التعليم الجامعي بحقيقة الاحتياجات على المستوى الوطني وعلى صعيد الدول العربية والإسلامية.

• وفي الخطة الشاملة للتربية والتوجيه تقوم السياسية الإعلامية على منطلقات أهمها احترام العقل والبحث عن الحقيقة وتحري الصدق وتعميق القيم الإسلامية والابتعاد عن الكلمة الهابطة والبرامج التي تشيع الانحلال كما تقوم على إطلاق الحريات الصحفية وفتح قنوات الحوار لمعرفة رأي المواطن وموقفه من السياسات والقوانين والإجراءات على مختلف الأصعدة الأمر الذي يعزز الثقة المتبادلة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

• ويتكامل في هذه الخطة دور المسجد في التربية والوعظ والتوجيه مع دور الأجهزة الأخرى فلا تناقض يثير في نفوس الناس الاضطراب عندما تهدم بعض الأ<هزة ما يبنيه المسجد من قيم ومعان.

• تهيئة الأجواء المناسبة لقيام المرأة بدورها في التنمية والبناء وتوسيع دور مؤسسات العناية بالطفل وتوسيع فرص الإعداد والتدريب للنساء مما يساعد على قيام المرأة بدورها في مواجهة الظروف الصعبة للأسرة وعلى صعيد الوطن.

• العناية بالأسرة وتيسير أمور الزواج وتشجيع الحد من المظاهر المرهقة للإنفاق وإشاعة روح أقلهن مهورا أكثرهن بركة.

• تحديد مفهوم الأمن الشامل للوطن والمواطن وتعميقه وتطوير دور الأجهزة الأمنية وتفعيل دورها في مواجهة الجريمة استباقها وتجسير الفجوة بين رجل الأمن والمواطن، وتعزيز الثقة بحيث يصبح كل مواطن خفيرا بحق ويأتي ذلك من خلال احترام حرية المواطن وحقوقه الدستورية وعدم المساس بها وخاصة حقه في العمل والتنقل وطلب العلم وإبدائه لرأيه.

• إقامة المشاريع التنموية القائمة على الدراسات العملية والحاجات الحقيقية والموارد المتوفرة في المحافظات وألوية المملكة وتعميق التخطيط الإقليمي.

• الاهتمام بقطاع الزراعة والعمل على استصلاح الأراضي ورفع كفاءتها الإنتاجية وخاصة من المحاصيل الاستراتيجية ومعالجة ديون وأوضاع المزارعين والبحث عن أسواق للمنتجات الزراعية وربط القطاعات الزراعية والصناعية من خلال خطوط مدروسة والعناية بقطاع تربية المواشي والدواجن وتوفير الأعلاف ودعم زراعة الأعلاف محليا.

• استمرار البحث عن الثروات الطبيعية ومصادر الطاقة وحسن استغلال المتاح منها وضبط السياسات المائية على المستوى الوطني والتنسيق مع الدول الشقيقة المجاورة لوضع سياسة مائية متكاملة.

آثاره الفكرية

الأستاذ المهندس أحمد قطيش الأزايدة من قادة الفكر والحركة البارزين في زماننا المعاصر كان قياديا حكيما مفكرا ومحاورا وإنسانا واعيا راجح العقل، واسع الثقافة صريح الخطاب واضح الاتجاه كان مهندسا للعقول والقلوب قبل أن يكون مهندسا للبناء ومهندسا للفكر والحركة بثاقب فكره وحكمة نظرته وجميل تجربته وكان نموذجا للداعية المسلم المفكر العالم الذي يطبق فقه الآيات على معطيات الواقع لتتفاعل في ضوء النظر لقضايا العصر من منظور إسلامي.

رحل عنا هذا الرجل وترك لنا ذخيرة فكرية متميزة نعرض جوانب منها باختصار في هذه الكلمة.

كتاب مواقف وآثار أحمد قطيش الأزايدة

كتاب مواقف وآثار أحمد قطيش الأزايدة جمعة وحرره الأستاذ فاروق بدران ونشره جمعية الدارسات والبحوث الإسلامية.

يقول د. إسحق الفرحان عن الكتاب: هذا الكتاب الذي تقدمه جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية للقارئ الأردني والعربي والمسلم عن فقيدنا المرحوم النائب المهندس أحمد قطيش الأزايدة يجيء تلبية لوعد قطعناه على أنفسنا في جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية في الأردن أن نبادر إلى نشر ما نحصل عليه من كلمات المرحوم وآثاره الفكرية في المواقف المختلفة وقد جاء هذا الوعد في كلمة رثاء ووفاء كنت قد ألقيتها في حفل تأبين المرحوم الذي أقامته نقابة المهندسين الأردنيين في مجمع النقابات المهنية بتاريخ 22/ 7/ 1992 م.

وها نحن نفي بالوعد ويصدر الكتاب عن جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية في الأردن والشكر لمجلس الإدارة الذي أصدره قراره بنشر الكتاب، ولأخي الأستاذ فاروق بدران الذي قام بجهد متواصل لجمع آثار الفقيد، وتحرير الكتاب، فجزى الله الجميع خيرا.

ويقول الأستاذ حمزة منصور الذي راجع الكتاب: لم أستطع حين هاتفني الدكتور عزت العزيزي بشأن مراجعة كتاب مواقف وآثار أحمد الأزايدة رغم كثيرة مشاغلي وضيق وقتي إلا أن أرد بالإيجاب فإن أحمد بعد مماته، كما هو في حياته خفيف الظل يعرف طريقه إلى القلوب وعكفت على الكتاب مقتنصا كل فرصة لقراءته أحسست خلالها أني أستمع إليه بإصغاء واهتمام وأتنقل فيه من مأدبا إلى عمان إلى مصر إلى أوروبا إلى أمريكا مشدودا إلى أحاديثه التي تصدق فيها عبارة السهل الممتنع الممتع فكانت طيفا من النثير والشعر والخطابة والحكاية والعبارة الفصيحة والجملة العامية .

وإن كان محورها جميعا الغيرة على هذا الدين والحرص على المؤمنين رحمك الله يا أبا بلال ونفع الله بسيرتك العطرة وآثارك الطيبة التي لا يقيدها كتاب وحسبك أنك على درب الداعية الكبير الكريم أستاذنا ومرشدنا حسن البنا الذي قيل له ذات يومي لم تؤلف الكتب؟ فقال: إنني أؤلف الرجال حسبك أن تكون على هذا الدرب ونضر الله وجهك حيا وميتا.

أما الأستاذ فاروق بدران الذي قام بجهد متواصل لجمع آثار الفقيد، وتحرير الكتاب فيقول في المقدمة هذا الكتاب أثر من آثار أحمد قطيش الأزايدة وهو مجموعة من الخطب التي عثرنا عليها بعد وفاته مسجلة بصوته فقمنا بتدوينها ونشرها.

ومن يقرأ هذه الآثار يدرك نوعية أحمد قطيش فهو إنسان آمن بالإسلام فكرا ومنهاجا وطريق حياة فكان يدعو الناس إليه ومن خلال هذه الدعوة كنا نحس بصدق انتمائه للإسلامي وحبه لوطنه الصغير الأردن والكبير العلم العربي والأكبر العالم الإسلامي.

هذه الآثار لم تعد ملكا لأسرته، بل هي ملك الأردن جميعا وهي تدوين للفكر الإسلامي الذي يسود البلد ولذا فقد أصبحت وثيقة مهمة لشخص مهم هو نائب في البرلمان منتم إلى الحركة الإسلامية الإخوان المسلمون ورئيس لجنة الحريات في مجلس النواب وعضو لجنة الميثاق الوطني.

إلى جانب هذا يدرك من يقرأ آثار أحمد قطيش الأزايدة أنه كان فقيها حافظا للقرآن الكريم، الحديث النبوي الشريف مطلعا على الثقافات المختلفة قارئا للتاريخ ناقما على بعض خلفاء الأندلس الذين أضاعوها كثير الاستشهاد ببيتي الشعر عنهم:

مما يزهدني في أرض أندلس

ألقاب معتمد فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها

كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد.

وفي الوقت ذاته نجد أحمد قطيش الأزايدة، يحمل هم الأردن وكيفية النهوض به ومنع العدوان اليهودي عليه نجده ينسى هم المرض وينسى أن ثلثي معدته قد رماها الجراح البريطانية ليبقى له ثلثا واحدا، نجده ينسى هذا ويقضي ليله مع مرافقه في الحديث عن هموم الأردن، وسبيل تقويته عسكريا، لئلا ينقض عليه الأعداء وأثناء ذلك لا ننسى الروح المرحة التي تميز بها في كتاباته ومداعبته لصديقه النائب يوسف الخصاونة إضافة إلى ذلك نجده شاعرا بدويا يصف رحلة المرض إلى بريطانيا في قصيدة بدوية

طويلة أجاد فيها وصف الرحلة والمرض والأطباء والممرضات وزملائه في مجلس النواب أمثال الدكتور عبد اللطيف عربيات والدكتور عبد الله العكايلة وأقاربه وزوجته وأولاده.

ملامح النهجية المطلوبة للعمل الإسلامي في المرحلة المقبلة.

يعتبر هذا الموضوع من الآثار الفكرية المهمة التي تركها لنا المرحوم الأزايدة والذي وضع فيه ملامح ورؤى واجتهادات دعا إلى دراستها والاهتمام بها دعا فيها إلى الإكثار من ملتقيات الحوار والمناقشة والاستفادة من التجارب لتكون التعذية متبادلة لأن هذا يقرب وحدة العاملين للإسلام في الأقطار المختلفة عبر خطة متدرجة ثم بعد ذلك وحدة العرب والمسلمين إن شاء الله.

ودعا إلى وقفات ومراجعة وتصحيح المسار بالمنهجية المطلوبة للعمل الإسلامي في المرحلة المقبلة فقال: نحن نتعامل مع الناس على هذا الأساس وبالتالي عندما نتقد أنفسنا أو نتكلم فإنما ذلك لتصحيح مسيرتنا وأنا لا أرى باسا من أن ينتقدنا الناس أو ينتقد بعضنا بعضا بل إن غياب النقد وغياب القراءة الصحيحة للواقع تجعل الأخطاء تتراكم وتتركنا غير مستفيدين من التجارب وتبعدنا عن منهج رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي يقول:

الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق الناس بها رواه الترمذي وابن ماجة فنحن أحق الناس بالحكمة ونحن أحق الناس بالاعتراف بالأخطاء وإن وجدت ونحن أولى الناس بتصحيح المسار إن وجدنا ما يدعو إلى تصحيحه.

وبعض الإخوة يقولون: إن النقد أحيانا قد يوهن النفوس وأنا أعتقد أن النقد يقوي النفوس لأن الذي ينتقد نفسه إنما هو القوي والذي يقبل النقد إنما هو القوي أيضا.

ثم إننا ندعو إلى بسط الحرية في بلادنا، بلاد العرب والمسلمين والحرية تعني أول ما تعني حرية الكلمة وحرية الكلمة تعني أن يقول الناس رأيهم فيما حولهم ونحن جزء منهم بل إننا نزعم لأنفسنا أننا سنقود الأمة ومن ثم البشرية إلى الخير إن شاء الله فمن حق الناس ومن واجبهم أن ينقدوا مسيرتنا..

أقول لابد من إزالة الوهم القائل إن المراجعة قد تعطي سلاحا للخصوم أو توهن ثقة الدعاة بدعوتهم فإن وقفات المراجعة تفيد كثيرا وتدعو إلى تصحيح المسار بالمنهجية التي نريدها للعمل الإسلامي في المرحلة المقبلة.

فحتى نتعرف على المصطلح ماذا نعني به نقول: نعني بالمنهجية وجود مجموعة من المنطلقات والضوابط والقواعد الكلية والمحددات التي تبين وتضبط مسار وأهداف وسياسات العمل الإسلامي والأصح نقول بأن تلك التي تضبطي مسار العمل الإسلامي وساسات وأهدافه في المرحلة المقبلة.

فحتى نتعرف على المصطلح ماذا نعني به نقول: نعني بالمنهجية وجود مجموعة من المنطلقات والضوابط والقواعد الكلية والمحددات التي تبين وتضبط مسار وأهداف وسياسات العمل الإسلامي والأصح نقول بأن تلك التي تضبط مسار العمل الإسلامي وسياساته وأهدافه في المرحلة المقبلة.

ويتحدث الأزايدة عن انطلاقه العمل الإسلامي على يد الإمام حسن البنا فيقول: كانت انطلاقة العمل الإسلامي على يد البنا رحمه الله ورضي الله عنه تحتوي منهجية شاملة منهجية في الفهم ومنهجية في التدرج، ومنهجية في التربية ومنهجية في العمل السياسي كان مشروع البناء للنهوض الإسلامي إن صح التعبير يمثل أركانا هامة فيها ما يخاطب به العلماء وفيها ما يخاطب به العامة وفيها ما يخاطب به الزعماء وأظن أنكم تذكرون أنه وجه رسالة إلى الزعماء العرب والمسلمين وهي رسالة نحو النور.

رسالة نحو النور تلخص فهم البنا رحمة الله عليه لواقع المسلمين ورؤيته لطريق التصحيح وطريقة التصويب ولقد أرسلها لهم مع أرق عبارات الاحترام والتقدير ولأنه نعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان يخاطب الملوك والأباطرة ويقول: هرقل عظيمي الروم فنجد البنا يقول في بداية الرسالة صاحب الجلالة وصاحب السيادة ولم يوقفه أحد عند هذه الشكليات يومها مع أن بعض الناس يوقفوننا ساعات طويلة في هذه الأيام عندما يستخدم داعية من الدعاة مثل هذه الكلمات.

أقول منهجية البنا كانت منهجية شاملة تناولت جوانب مهمة ولكن الإضافة عليها بعد ذلك كانت إضافة قليلة.. وكان إخواننا في مصر قد أضافوا إضافات ضخمة جدا لكن الهم بعض العذر أن هذه الإضافات لم تتكامل لأنهم قضوا ثلاثة عقود تقريبا في السجون وكان الواجب على فصائل الحركة الإسلامية الأخرى القيام بإضافات عملية على هذا المشروع.

وقبل أن ندخل في ملامح المنهجية المطلوبة أحب أن أقف وقفة ناقدة عند بعض السلبيات في المرحلة الماضية طبعا الإيجابيات كبيرة، وما أنتم وما هذه الأجيال الصاعدة وما هذه الصحوة الإسلامية في كل أرجاء الأرض إلى ثمرة بعد توفيق الله من ثمرات الدعوة الإسلامية التي انبثق نورها في كل مكان بداية هذا القرن.

لكن هذا لا يغني عن بعض الوقفات مع بعض السلبيات التي تدفعنا إلى تحديد المنهجية المطلوبة في المرحلة المقبلة.

الوقفة الأولى: لابد أن ندرك أن مشروع البناء كان المشروع الأبرز لكنه لم يكن المشروع الوحيدة فقد كان هناك مشاريع للعمل الإسلامي واكبته تقريبا وإن لم تلتق تنظيميا مع الإخوان المسلمين لكنها تتفق بطرحها العام مع طرح الإخوان.

الوقفة الثانية: لم يستطع الاتباع مواكبة التغيرات على أوجه الحياة الإسلامية والدولية ولم يطوروا الصيغ إلى الحد المطلوب.. سواء في الميدان الاقتصادي أو الميدان السياسي أو الميدان العام.

الوقفة الثالثة: وقعت الحركة الإسلامية في كثير من الأحيان بالخلط بين الكليات والجزيئات بل أحيانا تجد أن بعض الأفكار قد جمدت على بعض الأشكال واعتبر على أنها من الأساسيات مع أنها ليست أكثر من أشكال وخاصة في أشكال النشاط وهذا أدى إلى عدم الاتفاق على تشخيص الواقع الذي نعيشه هل هو واقع كافر جاهلي مطلوب منا أن ننسفه أم هو واقع مجتمعات إسلامية تشوهت حياتها في كثير من الجوانب والميادين

وكان نتيجة هذا الفهم الخاطئ أو أوقع الإخوة في بعض المراحل بإشكالات كان لها آثار مزعجة وتذكرون حينما تبنت مجموعة من العاملين للإسلام في مصر بالذات فكرة تفكير المجتمع أو تكفير الحكام فابنرى الإخوان يصححون الفهم وألف الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله كتابه دعاة لا قضاة أعاد فيه طريق الدعوة إلى مسارها الصحيح بعد أن انشغل أبناء الحركة الإسلامية بهذه المسألة ردحا من الزمان.

نقد الحركة الإسلامية: قام الأزايدة بنقد بناء للحركات الإسلامية كلها في الساحة العربية والإسلامية في كل الأقطار فقال:

1- من السمات السلبية، تشتت العمل الإسلامي وعجز العاملين للإسلام عن إيجاد صيغ للتعاون وأنا أتكلم عن الساحة العربية الإسلامية كلها في كل الأقطار، فقد وجدت تشرذمات للعاملين للإسلام وكثير من هذه الشرذمات كان لأسباب تافهة ولا قيمة لها على الإطلاق وبعضها كان لخلافات شخصية أخذت طابع الخلافات الفكرية أو الخلافات المنهجية وكانت في بدايتها ليست أكثر من حزازات شخصية.

2- من السمات السلبية التي اتسم بها العمل الإسلامي في المرحلة الماضية القطعية الكاملة بين الحكام وبين العاملين للإسلام وسيطرة سياسة رد الفعل بين الطرفين وكانت سياسة رد الفعل على كثير من الإسلاميين تتم بعيدا عن التنسيق مع بقية العاملين للإسلام.

3- من السمات السلبية في العمل في كثير من الأقطار عدم الخروج من الشعارات إلى البرامج والصيغ العملية في الوقت الذي حينما بدأ البنا رحمة الله عليه مشروعه كان كثير من جوانب المشروع جوانب عملية تمثلت في الشركات وفي المؤسسات وفي المدارس فلا بد أن تكون الصيغ والبرامج العملية مصاحبة للدعوة والطرح النظري.

4- من السمات السلبية التي أصبنا بها ضعف الاعتماد على الحقائق والمعلومات في الوقت الذي يقوم أعداؤنا فيه بإجراء الدراسات بالمئات والآلاف وقد أجرى عام 1989 م في الولايات المتحدة وحدها1200 بحث عن الصحوة الإسلامية في العالم فالبحث العملي غاب عندما وغاب معه الاعتماد على الحقائق العلمية.

5- ومن السلبيات حقيقة غياب وقفات المراجعة أو قتلها بحجة إننا مخلصون ونعمل لله ولي لنا دخل في النتيجة وقد قلل هذا عندنا وقفات المراجعة التي نقيم بها تجاربنا في العمل السياسي والعمل الجهادي وغيره.

6- ومن السمات أيضا مقاومة الاجتهاد والتشنيع على بعض من يرتادون المساحات المحظورة أي أننا ندافع عن الفهم الذي ألفناه وأن أي مجتهد يحاول أن يقول رأيا غير الذي ألفناه ننكر عليه حتى لو كان عالما مخلصا صادقا.

وبعد هذه الوقفات عند تلك الملامح لابد من تحديد أبرز ملامح المنهجية المطلوبة وأعني بذلك فهمي لهذه الدعوة من خلال تربيتي وقراءتي وتجربتي وقد أخطئ في بعضها وقد أخطئ فيها جميعا لكنها خلاصة فهمي لدعوة الإخوان المسلمين من خلال هذه التجربة كما أعتقد.

ملامح المنهجية المطلوبة

أولا: لابد أن ندرك أن الواقع الذي نحياه في مجتمعاتنا ليس واقع كفر وأن مجتمعاتنا ليست مجتمعات جاهلية، وأن إطلاق هذه الكلمة ينبني عليها أحكام شرعية غاية في الخطورة وإنما هي مجتمعات أهلها مسلمون بمعنى آخر إنها مجتمعات إسلامية شوهت حياتها في كثير من الميادين في القوانين وفي الأعراف وفي التقاليد يختلف هذا التشوه من ميدان إلى آخر ومن قطر إلى قطر بل قد تكون بعض الأنظمة كالأنظمة التي تبنت أفكارا محددة وتحارب الإسلام قد تكون أقرب إلى أنها بعيدة عن الإسلام كأنظمة حكم لكن المجتمعات بمعنى الناس الذين يعيشون في بلاد المسلمين مجتمعات إسلامية وإن غلبت عليها المعاصي وتفاوتت بين موقع وآخر.

ثانيا: إن المطلب الحالي للعمل الإسلامي هو إحداث نهضة حضارية أو تغيير نحو الأفضل في كل جوانب الحياة من فكرية وتعبدية وعلمية وصحية وزراعية وصناعية بمعنى آخر ليس مطلبنا فقط أن ننهض بالناس في الجانب الدعوي وندعوهم إلى العودة إلى العبادات الإسلامية فحسب، وهذا مهم، ولكن المطلب الكبير هو أن ننهض بهذه المجتمعات في كل نواحي النهوض، أي أليست محاربة المرض في مجتمعات المسلمين مطلبا إسلاميا؟

أليس محاربة الاعتماد على الأجنبي في رغيف الخبز مطلبا إسلاميا؟ بل هي جزء مني أملاك الاستقلال السياسي أليست محاربة الجهل بالتعليم مطلبا أيضا، أليست التصنيع مطلبا تصنيع البلاد الإسلامية أليس التقدم العلمي والتكنولوجي مطلبا إسلاميا؟

إذا هذه النقطة التي أقولها بأن النهضة المطلوبة نهضة في كل الميادين ومسئوليتنا عنها كبيرة ولا يجوز أن نقول نحن فقط نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونخطب في المساجد والمنتديات وإنما مسئوليتنا أن نقود مجتمعاتنا في كل هذه الجوانب النهضوية

ثالثا: ما دام المطلوب إحداث نهضة في كل ميادين الحياة فيجب أن يكون مشروعنا النهضوي موقع لكل مسلم من المسلمين بل إن غير المسلمين في المجتمع الإسلامي يجب أن يكون لهم مكان في أي مشروع النهضية الصحية والعلمية ولذلك لابد أن يرتقي الإسلاميون في الطرح بحيث حينما يطرحون برامجهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية يحس الناس جميعا في أوطانهم أنهم معنيون بهذا المشروع وأنه ليس مشروعا فقط يخص الإخوان المسلمين أو يخص العاملين للإسلام.

رابعا: لابد من الخروج من الهم الفئوي إلى الهم العام وطرح البرامج التي يشعر الناس معها أنها برامج تعالج قضاياهم بمعنى الفوائد والمضار التي نعتمدها لاتخاذ قرارنا..

أتكلم الآن عن رؤيتنا في الأردن، ليس عن الأضرار التي تقع على الإخوان المسلمين أو المنافع التي يجنيها الإخوان المسلمون وإنما هي الأضرار التي تقع على المجتمع والمنافع التي تقع على المجتمع والمنافع التي يجنيها المجتمع فقط والذي تابع عملنا السياسي يلاحظ أن الشروط التي طلبناها من حكومة مضر بدران في الأيام الأخيرة من عام 1989 م أربعة عشر مطلبا لم يكن منها مطلب يتعلق بالإخوان المسلمين وإنما كانت تتعلق بقضايا الناس.

خامسا: إدراك الطبيعة التراكمية لمحصلة العمل الإسلامي في الزمان والمكان وخاصة في هذه الأيام التي نجد أن ما يحدث في أي قطر يؤثر على العمل الإسلامي في الأقطار الأخرى بمعنى أن عملنا اليوم مكمل لعمل الأجيال قبلنا فهذا المقصود بالحصيلة التراكمية أي عندما نخطط لعمل إسلامي يجب أن ندرك أنه جزء مكمل لما قبله وسيبني عليه من بعدنا هذا في الزمان فكيف المكان بمعنى أن ما يحصل الآن في الجزائر ألا يؤثر على العمل الإسلامي في كل أقطار الدنيا؟ إنه يؤثر شئنا أم أبينا.

من هنا لن ينفعنا أو يفيدنا أن نقول إن بعض الاجتهادات في بعض الأقطار ليست جزءا من عملنا التنظيمي فهي بالإضافة إلى أنها شأن من شئون المسلمين ولا بد من أن نهتم به فهي تؤثر علينا أيضا ومن هنا فلابد من أن ندرك هذه الحقيقة أن ما يجري في أفغانستان وما يجري في الجزائر وما يجري في السودان وما يجري في الأردن وما يجري في مصر كلها في النهاية تصب إما في مصلحة العمل الإسلامي أو ضد مصلحة العمل الإسلامي.

سادسا: لابد من تبني العمل العلني والحرص على وأنا أعتقد أن العمل السري يقتل الحركة الإسلامية فهو يفيدنا في تربية عناصر قوية لكنه لن يمكنها من الانتشار الأفقي ونحن لا نريد فقط أن نربي مجموعة من الناس من ذوي المتانة، وإنما نريد أن نعيد المجتمعات كلها إن شاء الله إلى الإسلام ومن هنا أنا أعتقد ومن خلال التجارب التي مر بها العمل الإسلامي بأننا يجب أن نحرص على العمل العلني مهما كان ثمنه حتى لو قدمنا من تضحيات دون أي إجراء يمكن أن يعيد العمل الإسلامي في أي موقع إلى العمل السري.

سابعا: نبذ العنف بصورة نهائية حتى في الحالات التي تقع على المسلمين فيها أو على بعض الإسلاميين بعض الأذى من الأجهزة والحكام وهذه قناعة قد يجد بعض الإخوة فيها شيئا من الغرابة لكن من الأمانة أن يقول الإنسان ما هو مقتنع به حتى لو لم يأخذ به الآخرون.

أنا أعتقد أن التجارب التي مر بها العمل الإسلامي تشير إلى ضرورة رفض العنف في المجتمعات الإسلامية وعدم تبنيه على الإطلاق ولا أعتقد أنه سيوصل إلى نتيجة بل إنه يساعد على تشويه صورة الإسلاميين حتى لو كانوا مظلومين.

ثامنا: لابد من اعتماد الشورى بصورة واسعة وإيجاد آليات مناسبة لتفعيل الشورى لابد من أن نتبنى الشورى على نطاق واسع وفي كل المؤسسات ومهما كانت الظروف قاسية وأن نجعل منها حقيقة لا شكلا وأن نفعلها لتؤدي دورها، وأن نتبنى بصورة حازمة أنها ملزمة وأن ننهي الجدل من أنها معلمة أم ملزمة.

تاسعا: اعتماد آلية ثابتة وسياسية مستقرة للنقد الذاتي، ووقفات المراجعة، وهذه نحتاجها على الصعيد الكبير والمتوسط والبسيط حتى على صعيد المراكز الإسلامية يجب أن تكون هناك خطة ويجب أن تخضع هذه الخطة للنقد والمراجعة والتصحيح والتصويب.

عاشرا: اعتماد المؤسسات والعمل التخصصي وإعطاء كل مؤسسة مستلزمات الاستقلال والنجاح ضمن الخطة الكلية والخروج من قيادات الأفراد إلى قيادات المؤسسات.

وإن أي شأن آخر لابد أن يكون العمل فيه مؤسسيا سواء كان عملا سياسيا أو اقتصاديا أو تربويا وأن يعطي للمتخصصين حتى في التربية الدعوية وخلاصة القول إنه لابد من اعتماد العمل المؤسسي واحترام التخصصات وتعين المتخصصين كل في ميدانه.

الحادي عشر: من ملامح هذه المنهجية تقديم مبدأ التيسير ما أمكن في الصيغ التي نقدمها إلى الناس ونذكر هنا ما تقوله السيدة عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ما خير بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يمكن إثما (رواه البخاري ومسلم) نحن لا نختار لأنفسنا فقط فنحن نرسم طريقا للناس، وليس من الحكمة أن نشدد على الناس ما دام في الأمر مندوحة ورخصة.

الثاني عشر: إعادة تقييم علاقاتنا مع العاملين للإسلام وإقامتها على قواعد سليمة نحن كلنا إن شاء الله عاملون للإسلام، ولابد أن نعيد علاقاتنا مع بعضنا على أسس سليمة ومتينة ولابد أن تختفي التهم وعلينا أن نفتح باب الحوار ونحن في الأردن اشتركنا في مشروع اسمه الميثاق وأقررنا مبدأ التعددية بمعنى أن تطرح الهيئات السياسية وجهات نظرها، والناس يختارون وجهة النظر الصحيحة.

وفي نهاية الكلمة قال أحمد الأزايدة: هذه هي بعض ملامح ورؤى واجتهادات إن أصبت فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يأجرنا على ذلك وإن أخطأت فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لي كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجمع قلوبنا على الخير وعلى الخير وعلى الحق والهدى وأن يثبتنا وأن يجمع حولنا قلوب وجهود الصادقين.

جوانب من أفكاره وآرائه ومواقفه

• نحو دور سياسي مستقبلي فاعل للأردن: يقول الأستاذ بلال التل عن هذا الكتاب هو ورقة عمل كان الأخ الحبيب أحمد قد قدمها للندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات وأبحاث العمل الإسلامي بعنوان نحو أردن قوي وعقدت في عمان يوم 27/5/ 1991 م حيث قدم الراحل هذه الورقة التي ضمنها تصوراته واقتراحاته للدور السياسي الذي يمكن أن يلعبه الأردن.

من أقوال أبي بلال : كان أبو بلال زاخرا بالعطاء الفكري والدعوي والاجتماعي ومن هذا العطاء اخترت مجموعة من أقواله التي تحمل معاني الوعي والحكمة والتربية وترشيد إلى الصواب.

- إننا نعلم أن اختيار الناس لنا ليس لأنهم عرفوا فينا بطولات ومواقف وإنما لأنهم اعتقدوا أننا رفعنا شعار الإسلام وأن الإسلام صالح.

- خيارنا في هذه البلد هو المزيد من الديمقراطية لتحقيق الوحدة الوطنية والتي لا تأتي إلا بالمصارحة والمكاشفة بين جميع الأطراف ومعالجة المشكلات التي وصلت إلى العظم وأفسدت النفوس من الداخل

- إن السلام مع إسرائيل قضية وهمية حتى لو تركنا لهم فلسطين لن يتركونا ولن يتركوا لنا الأردن.

- هل تريدون السلام العادل؟ إنه ليس له إلا طريق واحد.. أن ترحلوا إلى حيث كنتم ليس سوى ذلك إلى السلام من سبيل وإن أبيتم فليس والله إلا الذبح؟

- اللهم توفني قبل أن أرى الصلح مع اليهود.

- إن محاولات الإذلال التي تمارسها أمريكا لن تسفر إلا عن حقدي دفين في قلوب كل العرب والمسلمين لا يلبث أن يفجر عاجلا أو آجلا ليطهر الأرض من عملاء أمريكا ويخرجها وحلفاءها من بلادنا.

- مقتطفات من قصيدته كان أبو بلال شاعرا بدويا نظم قصدة بدوية طويلة وصف فيها رحلة المرض إلى بريطانيا وأجاد فيها وصف الرحلة والمرض والأطباء والممرضات وزملاء في مجلس النواب وأقاربه وزوجته وأولاده وبناته مداعبته لهم فردا فردا.. وفيما يلي مقتطفات منها بتغيم بدوي.

سميت بسم الله ربي ومولاي

هو غافر ذنبي وقابل صلاتي

ومن عقبها يا بلال هات القلم جاي

حضر لي القرطاس وهات الدواة

يا رب فرج كربتي طوال محياي

والني متت يا رب تحسن مماتي

يا رب رطب لي فؤادي بتقواي

يا رب تجعل راحتي في صلاتي

يا رب تستر زلتي وتغفر خطاي

ويا رب يوم الحشر عندك نجاتي

تعل جنات الخلد بيتي ومأواي

بجاه من فرضت عليه الصلاة

يا جريفتس هذي قلوبنا تحفظ الآي

فيها ذكر رب عنده براتي

وقلوبنا جنات مليانة تقواي

تطرب بذكر الله عند الصلاة

بقلوبنا يا جريفتس حبي خوياي

حب القرايب غاطس بحشاتي

وهموم ربعي بالقلب تدوي دواي

وأريد لهم كل شيء من الخير يأتي

وحبي لعيالي يا جريفتس دايم دواي

وصورهم بمهجتي دوم تاتي

يا رب تحفظهم من الشر والساي

يا رب تهديهم على الصالحات

مرض أبي بلال ووفاته

حين ابتلاه بالمرض كان من الصابرين على البلاء، والمحتسبين ذوي النفوس الكبيرة، والقلوب المؤمنة بقضاء الله وقدره، والصابرين على امتحانه في السراء والضراء.

ولم كين مرضه أو دخوله المستشفى في أي لحظة مفاجئا للمقربين إليه ومحببة يزورونه ويعودونه كثيرا ودخل المستشفى أكثر من مرة ولكن المفاجأة الكبرى نوع مرضه العضال الذي تدخلت الأقدار في اكتشافه مبكرا وعلى إثر ذلك سافر إلى لندن لتلقي العلاج وإجراء عملية جراحية على أيدي أمهر الأطباء، فكان خلال تلك الفترة وبعد عودته صابرا محتسبا أذهل زائريه بروحه العالمية وإيمانه القوى.

وفرح الناس كثيرا بعودته سالما معافى، فقد استئصل الداء وحصل الشفاء وكان يوم استقباله يوما مشهوا فلحظة وصول الطائرة ونزوله ماشيا على قدميه امتلأت وسدت الشوارع الخارجية وحملت مئات السيارات إلى بيته وكانت فرحة كبرى يصعب تصويرها بكل تفاصيلها فضلا عن نقلها من خلال الكلمات.

وزاره الناس في بيته، وتحسن وضعه وعاد لعمله، فحاضر وخطب وحاور وتابع قضايا الناس وعاوده المرض مرة أخرى فطلب العلاج في الخارج وكانت الفائدة قليلة ثم عولج بالأعشاب فأدخل إلى المستشفى الإسلامي في عمان وكانت حالته الصحية قد ساءت.

تقول زوجته عن مرضه كان طوال هذه الفترة يسأل عن أحوال الناس في كل مكان وإذا ما فقد وعيه أخذ يتكلم أيضا عن المسلمين وأحوالهم والناس ومشكلاتهم وفي إحدى المرات أجبرني على وضع سماعة التلفون على أذنه ليكلم صاحب حاجة كان يقول عنه إنه يريد حاجة ولابد أن أساعده ورغم أن حالته كانت سيئة استمع إليه وأخذ رقم تلفونه ووعده خيرا.

كان شديد الحرص على الصلاة ويصر على الوضوء وعندما نقول له تيمم يرفض ويطلب الوضوء ويديم السؤال عن وقت الصلاة الأخرى لأنه دخل في غيبوبة ثم يصحو قليلا وهكذا وفي إحدى المرات دخل في غيبوبة وأخذ يقول لي: ألا ترين المسلم يريد سؤالي فكيف أبخل عليه ولا أجيبه ولا أساعده؟ فقلت ارتح يا أبا بلال:

فقال كيف وهم يسألوني فقلت: هل نقرأ لك شيئا من القرآن؟ فسكت فأخذ ابن أخيه يقرأ القرآن فأخطأ فرده ثم أخطأ فرده، فأردنا أن نتأكد أنه يستمع فعلا وليس في غيبوبة وكان ابن أخيه قد ختم قراءة القرآن فبدأ بالفاتحة فتعمد أن يخطئ فرده وقال له: حتى الفاتحة تخطئ بها أسكت ولا تقرأ القرآن.

وكان في أيامه الأخيرة تحت وطأة غيبوبة يتكلم بما كان يحدث وأحيانا يردد أسماء وإذا أفاق سألني عن البوسنة والهرسك أو نتائج انتخابات تكون جارية وعندما قالت له: لماذا تسألني وإنك تعرف أنني لا أحب السياسة فقال ليس شرطا أن تحبي السياسة ولكن يجب أن تعرفيها.

وفاته:

كانت وفاته يرحمه الله في العشرين من حزيران عام 1992 م في المستشفى الإسلام

وفي اليوم التالي تم تشيع جثمانه من المستشفى إلى مأدبا وكان يوم التشيع يوما مشهودا وكانت مدينة مأدبا على غير عادتها في هذا اليوم المهيب فقد أغلقت المحلات أبوابها وبدأت المساجد بتلاوة القرآن والكنائس تدق أجراسها وكان عدد السيارات المرافقة للجثمان الطاهر لا يقل عن خمسة آلاف سيارة وآلاف مؤلفة من المواطنين ملأت المسدد وساحات والشوارع الرئيسية المجاورة وبعد الصلاة على الجثمان الطاهرة زحفت جموع المشيعين إلى المقبرة القديمة من جميع الاتجاهات وكانت المسافة بين أول المشيعين وآخرهم كيلو مترا كاملا على الأقل.

وفي هذا الزحام الشديد الذي وصفه الناس كأنه يوم النفرة من عرفت أقام الإخوان تأبينا يليق بمقام الفقيد الكبير ألقيت فيه الكلمات التي أشادت بمآثره، وحميد صفاته وقد استر التشييع والدفن والتأبين إلى قبيل صلاة المغرب بقليل ولم يتمكن أحد من المشيعين من تقديم العزاء إلا في البيوت التي أقامها الإخوان وأهل الفقيد قرب منزله وتوافد لتقديم العزاء وفود تمثل جميع فئات الشعب الأردني وبعض الوفود من الدول العربية وتحدث مئات المندوبين من خلال المنبر المعد لهذا الغرض عن مآثر الفقيد هذه الصورة لم تشهدها مدينة مأدبا من قبل بل لم يشهدها الأردن في تشيعه أحد رجاله ومواطنيه ذلكم هو أحمد قطيش الذي أحبه الناس على اختلاف فئاتهم وقال أحد الناس على اختلاف فئاتهم وقال أحد الناس : لقد نصر أحمد قطيش الإسلام حيا وميتا رحمه الله رحمة واسعة مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

وكان في مقدمة المتحدثين:

- الدكتور عبد اللطيف عربيات الذي ألقى كلمة رئيس مجلس النواب.

- سيف الإسلام حسن البنا ألقى كلمة المرشد العام محمد حامد أبو النصر .

- عبد المجيد ذنيبات ألقى كلمة المراقب العام للإخوان المسلمين.

- الدكتور إسحق الفرحان ألقى كلمة الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي.

- عبد الحفيظ علاوي. نائب مأدبا.

- محمد خريب الأزايدة.. ألقى كلمة عشيرة الأزايدة.

- سالم الفلاحات ألق كلمة الإخوان في مأدبا

- الدكتور إبراهيمي زيد الكيلاني ألقى كلمة العلماء.

وكان عريف الحفل الأستاذ حمزة منصور الذي قال كلمته عن الحفل زحف الشعب الأردني بمختلف شرائحه الاجتماعية ومناطقه الجغرافية صوب مأدبا الحافلات زحفت إلى مأدبا السيارات الصغيرة تزحف إلى مأدبا المشاة يزحفون إليها العيون تتطلع إلى مأدبا الأفئدة تطير إلى مأدبا ما سر هذا الموكب الذي أوله في مأدبا ,آخر في عمان؟

ما سر العيون الباكية والقلوب الخاشعة؟ ما سر الأيدي المرفوعة نحو السماء؟ ما سر الصلاة الممزوجة بالبكاء؟ ما سر الكنائس التي قرعت أجراسها من غير وقت صلاة؟ ما سر رجال الأمن العام وهم يرفعون أكف الضراعة إلى الله؟ ما سر تسابق رجال السير لتسهي مرور الموكب؟ ما سر الصمت المطبق في مأدبا إلا من ذكر الله والترحم على الراحل الكبير ما سر هذا؟ إنه الوفاء من شعب الوفاء إلى رجل الوفاء.

لقد أدرك الشعب الأردني الوفي أن الفقيد ليس فقيدا عاديا إنه من ذلك النوع.

الذي لا يتكرر إلا نادرا لحكمة بالغة قدرها الله لقد أدرك هذا الشعب بنظره الثاقب وميزانه الدقيق، أنه يودع رجلا ربانيا جعل رسالته في الحياة أن يعطي دون توقف وبلا حساب لقد أحب الجميع حتى خيل لكل من عرفه أنه الأقرب إلى قلبه وأعطى الجميع فلم يبخل بوقته ولا بنصيحته ولا بشفاعته ولا بما ملكت يداه كان يحس إن إسعاد النسا طريق مرضاة رب الناس فكان عظيما في وفاته فقابله الشعب الوفي بوفاء عجيب.

ويقول الدكتور عبد اللطيف عربيات عن أبي بلال لقد أعدك ربك إعدادا خاصا وهيأك لدور كبير قمت به وأديت الأمانة يشهد لك بذلك كل من عرفك لقد كنت مؤمنا حقا منذ نعومة أظفارك إلى يوم لقاء ربك نشأت في طاعة الله تشهد لك المدارس والجامعات وبلدية مأدبا ومجلس النواب ولجنة الحريات وميدان دعوتك وميدان بلدك وأمتك كل أولئك يشهدون لك بالإيمان والصدق والوفاء يشهد هؤلاء لك بالرجولة والرجولة الحقة المؤمنة يشهد لك أولئك بأنك النموذج الحق الذي أعدك الله إعدادا لهذا الدور الكبير فإنك وقد عرفتك مسئولا وفردا

ولم أجد لوصف عمر بن الخطاب مثلا حيا كمثالك يا أبا بلال فعمر يقول عن القيادة المعدة إن القائد فيهم إذا كان فرادا في الجماعة حسبته قائدا لهم وإن كان قائدا لهم حسبته فردا منهم كنت أنت يا أبا بلال وأنت المسئول لا نحسبك إلا واحدا من الجماعة وأنت القائد لا نحسبك إلا فردا وأنت الفرد لا نحسبك إلا قائدا كنت ي أخي يا أبا بلال كبيرا في حياتك كبيرا في نشأتك وميدان عملك كبيرا يوم مماتك كنت في مشفاك تعيش مشاكل إخوانك وأمتك كنت في مشفاك في لندن عندما نتصل للاطمئنان عليك لا نسمع منك إلا ماذا تم بكذا؟ وقضية فلان وفلان؟ لإأنت ال ذي أختصك الله بمسئولية الإعداد والرعاية إن لله عبادا اختصهم لحوائج الناس فكنت من هذا الصنف الذي اختصه الله لحوائج الناس.

ويقول الأستاذ سالم الفلاحات كثيرون هم الذين لا يموت ذكرهم بموتهم لأنهم دخلوا قلوب الناس وتركوا بصمات عميقة في وجدان من عرفوهم وعاصروهم ولكنهم لا يطيلون المكث في الدنيا منهم المرحوم بإذن الله المهندس أحمد قطيش الأزايدة خلال سنوات قليلة نجح في فتح باب الحوار مع مختلف الأفكار والاتجاهات والأحزاب حتى إذا احتاجت الحركة الإسلامية لمحاور كان أولهم وأنجحهم فكان خير سفير.

كان له لسان وجبنان يستطيع بهما مخابة كل قلب، والتمكن من أسره ببساطة لا تنقصها البلاغة العمق والوعي وفي معاصرة وأصالة لا تصطدم إحداهما بالأخرى كان إسلامي الانتماء والفكر ولكنه لم يحصر نفسه يوما في هم حزبي خاص إذا اختلف المتحاورون لدرجة النزاع والخصام قال كلمات قليلة هادئة حسمت الموقف بحيث لا يشعر أي طرف أنه مغلوب في حواره.

أما الأستاذ عبد الحفيظ علاوي نائب مأدبا فقد قال في كلمته يا أبا بلال لقد اتسمت بالإيمان العميق والسماحة الكبيرة والواضع الجم والفكر النير والأفق الواسع والنظرة البعيدة والربط العجيب بين المتغيرات تطاوعك الكلمة كيف سيكون المجلس بعدك يا أبا بلال

كنت عندما تدخله بخطواتك المتواضعة الكل ينظر إليك وإذا اشتد النقاش فالقلوب تهفو إليك والأنظار تتجه إليك فتقول بضع كلمات الجميع يتمنون أن يقولوها ولكنهم لا يستطيعون فتكون هي الرأي الحازم لقد كنت سخيا وأنت لا تملك المال الكثير وغيرك يريد أن يكون سخيا وهو يملك الملايين ولكنه لا يستطيع فكنت الكريم الذي أحبك الكريم.

وقد أقامت نقابة المهندسين الأردنيين حفل تأبين للمرحوم الأزايدة في مجمع النقابات المهنية بتاريخ 22/7/1992 م وتحدث في الحفل عدد من رجال الفكر ونشطاء النقابات المهنية في الأردن وتلقت أسرة الفقيد وإخوانه برقيات تعزية من عدد من رجال الفكر وقادة الحركات والمؤسسات الإسلامية في العالم.

وصية المهندس أحمد قطيش الأزايدة

بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين له الحمد في الأولى وفي الآخرة رب العالمين الحمد لله الذي كتب على الخلق الفناء وهو الحي والقيوم والصلاة والسلام على أكرم خلق الله سيدنا محمد الذي خيره ربه فاختار جواره ولقياه ورضي الله عن أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأشهد أن الموت حق وأن البعث حق وأن الجنة والنار حق وأن الله يبعث من في القبول أما بعد

فهذه وصية العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه كتبها أحمد قطيش في اليوم الثالث عشر مني شهر رجب عام 1407هـ والموافق 1987 م فيا أهلي وأحبابي ينجيكم الله من النار ويدخلهم الجنة أوصيهم بفرائض الله أن يؤدوها ولا يضيعوها وأوصيهم باجتناب المحارم والمهلكات فإن الدنيا هي متاع الغرور فلا يغرنكم يا أحبابي زخرف الحياة الدنيا وزينتها فإن عشاقها هم النادمون.

إلى والدتي الحبية وزوجتي الغالية الوفية وأخواتي العزيزات الكريمات الصابرات وإخواني الأحبة الرجال الأقوياء أوصيكم جميعا بالصبر والاحتساب والدعاء لي والاستغفار وإياكم إياكم من أي قول أو فعل لا يرضاه الله وإني أخص بالحديث مرة أخرى والدتي وزوجتي وأخواتي أرجوهن جميعا أن يتقين الله ولا يجزعن وإني أبرأ إلى الله من أي عمل يخالف شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

وإن أنا مت في أرض بعيدة ولم أدفن عندكم فلا تجزعوا فالأرض كلها أرض الله وإنما يخفف الله عن العبد بعد فضله ومغفرته بعمله الصالح لا بدفنه في أرضه دون سواها أما إذا شهدتم جازتي فإني أرجو ألا ترتكب أبي مخالفة شرعية، وأوصي إن أمكن أن يشهد الصلاة أكبر عدد من الأحبة الصالحين الطيبين من إخواني في الله وليستغفروا لي وليتشفعوا إلى الله بي فلعل الله تعالى يتقبل دعائهم وأرجو من الجميع أن يلحوا بالدعاء وأرجو من إخواني أن يسامحوني وأوصي أن لا يرتفع القبر عن الأرض أكثر مما هو بين في السنة النبوية وأملي ورجائي أن لا ينساني أهلي وأحبابي بعد ذلك من دعائهم في ظهر الغيب وخاصة من يحج منهم أو يعتمر فإن سائله عن دعوات صالحات في تلك الأماكن الطاهرة

وأوصي زوجتي الفاضلة بالعناية بأولادي وتنشئتهم على الإسلامي والثبات عليه كما أوصي أبنائي الأحبة بتقوى الله والعمل بطاعته وحمل دعوة الإسلام ونشرها والدفاع عنهم وعدم الركون إلى الظالمين وأوصيهم كذلك بصلة الأرحام والجيران والأصدقاء فإن من بر الولد بأبيه أن يحافظ على صداقة والديه وأوصي أقاربي أن يكونوا عونا لأبنائي على الطاعة .

كما أوصي إخواني بالله أن يستوصوا بأنبائي خيرا وخاصة توجيههم من إخواني وأحبابي كما أوصي زوجتي وأبنائي وإخوان بالعناية بوالدتي وأخواتي وأوصي الجميع بتقوى الله والعمل لمرضاته وخاصة الصلاة لأن الله سائل عنها قبل غيرها وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأسأل الله أن يجمعنا جميعا في مستقر رحمته وظل عرشه وفردوسه الأعلى مع خير خلقه محمد وعباده الطيبين الصالحين من أنعم الله عليهم وحسن أولئك رفيقا. والحمد لله رب العالمين وصلى الله علي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه الفقير إلى رحمة الله ورضوانه أحمد قطيش.

كلمات تقدير ووفاء

العلماء ورجال الفكر الذين عاصروا المهندس أحمد قطيش الأزايدة واطلعوا على نشاطه الميمون وجهاده المبارك كثيرون والذين كتبوا وتحدثوا عن سيرة هذا الرجل أيضا كثيرون قالوا كلمات مضيئة ومعبرة، تحمل معاني الصدق والإعجاب والوفاء والتقدير ولن أستطيع ذكر كل من كتبوا عن أبي بلال رحمه الله وقالوا فيه كلمة الحق وشهدوا له بالفكر النير والأفق الواسع والحكمة والرشاد ولكنني اخترت خمس كلمات ومجموعة مقتطفات دونتها في هذه الصفحات.

كلمة الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا نيابة عن المرشد العام محمد حامد أبو النصر .

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين الحمد لله الأول والآخر والظاهر والباطن الذي أمات وأحيا والذي قدر وهدى نحمده في السراء والضراء وأصلي وأسلم على رسوله الأمين زعيمنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم أيها الأحباب يعز علي أن أقف الموقف في هذا اليوم الحزين ونحن نودع رجلا من رجالات هذه الدعوة وأخا عزيزا علينا ليس في الأردن فحسب وإنما في كل مكان ولكنها سنة الله في الحياة لابد أن نخضع لها ونقول لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلنصبر ونحتسب صبر المؤمنين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون إن فقيدنا الغالي عزيز علينا جمعيا فإن كنا فقدنا رجلا في هذه الدعوة ففيكم الفرسان قادمون وأنتهز هذه الفرصة فنجدد عهدنا مع الله وبيعتنا لله الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا سنعيش لهذه الدعوة

كما عاش فقيدنا ولهذا الدعوة سنعيش أوفياء لعهدنا مع الله وبيعتنا لرسول الله حتى نقيم في كل قطر دولة إسلامية على الإسلام تعتمد ومن الإسلام تستمد وفي سبيل الإسلام تجاهد دولة تكون كلمة الله فيها هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى أيها الإخوة أنقل لحضراتكم جميعا عزاء إخواني في مصر وعزاء فضيلة المرشد العام السيد محمد حامد أبو النصر ولا أعتقد أني أعزيكم بل أعزي نفسي أيضا وكلنا صاحب هذا العزاء أرجو لكم صبرا من الله وثباتا على مسيرته وأسأل الله للفقيد رحمة واسعة وأن يوسع له في قبره وأن يفغر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأن يجعل له من أمامه نورا ومن خلفه نورا ويجعل قبره روضة من رياضة الجنة وأن يثبته عند السؤال وأن يغفر له خطاياه وأن يحشره مع الصديقين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقاي والسلام عليكم.

كلمة الأستاذ عبد المجيد ذنيبات نيابة عن المراقب العام للإخوان في الأردن .

بسم الله الرحم الرحيم في هذا الزمان الذي يعز فيه الرجال نفتقد أعز الرجال وفي هذا الزمن الذي يندر فيه الفوارس يترجل فينا شيخ الفوارس يا أخانا يا أبا بلال نفتقدك في الوقت الذي نحتاج فيه لحكمتك ولكنه قضاء الله ولا مردة لقضائه أيها الأخ الحبيب الراحل لقد كنت في حياتك رجلا وفارسا وفي مرضك صابرا محتسبا عشت عظيما ومت عظيما فماذا نعدد من مناقبك وهل يمكن أن تعد أو تحاط وقفة وداع ولحظة ألم يتعطل فيها الفكر ويذوب فيها القلب والوجدان

لقد كنت مثلا للأخ في التفاني أعطيت فيها القلب والوجدان لقد كنت مثلا للأخ في التفاني أعطيت دعوتك من فكرك ويذوب فيها القلب والوجدان لقد كنت مثلا للأخ في التفاني وأعطيت دعوتك من فكرك لقد كنت واعظا عاملا مفكرا قياديا محاورا حزت على إعجاب الإخوان والأصدقاء لقد كنت كتبا نقرأ فيها الفكر وروح العقل والتجديد لهذا الدين لقد كنت شعارا يدب على الأرض ولسان حالك يقول الله غايتنا والرسول قدوتنا إلخ

كنت عظيما في حياتك عندما كنت رئيسا لبلدية مأدبا كنت نائبا حينها في جبهة العمل الإسلامي، كنت رائدا عندما كنت أول أمين عام لجبهة العمل الإسلامي أعطيتها من فكرك وعلمك ما كفل لها النجاح والقوة والاستمرار لقد شغل همك بالدعوة عن اشتغالك بهمك ومرضك كنت تبادرنا بالسؤال عن الدعوة وعن حال البلد قبل أن نبادرك بالسؤال عن صحتك وأنتم يا أبناء أبي بلال ويا أهله وعشيرته فإن فاتكم إرث أو مال لم يجمعه لكم فقيدكم فقد عوضكم الله عن ذلك بجمع الكثير من الإخوان والأصدقاء والأحباب لكم ممن تعرفون وممن لا تعرفون فهنيئا لكم بهذه النعمة المزجاة والرحمة المهداة

أما أنتم يا إخوان أبي بلال ويا أحباءه عزاؤكم في أخيكم هذه الجموع التي جاءت تظهر تعاطفها معكم معزية ومترحمة ولسان حالها يقول بوركت دعوة يخرج من أصلابها مثل أبي بلال وأنتم تلك الشجرة التي كان أبو بلال فرعا منها.

أبا بلال أيها الحبيب الراحل هل تسمعني ولا أظنك إلا ذلك إذا ما انذرفت دموعنا فاعذرنا أيها الحبيب الفراق صعب والمصاب جلل ولكننا لا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون وأنتم يا جماهير أردننا الأشم يا من قدمتم من جنوبه وشماله من باديته وحضره من سهوله وجباله من يرموك خالد ومؤتة جعفر وغور أبي عبيدة لوداع رجل عاش هموم بلده واستوعب قضايا أمته ودافع عن حريات مواطنيه بلا تفريق إننا إذا نقدر لكم هذا الحضور وهذه التظاهرة الوطنية الكبيرة الرائعة المؤكدة لوحدة ها البلد وتماسكه ونعتبر هذه المشاركة جميلا نضعه دينا في أعناقنا يستحق منا الوفاء أن نقدم لبدلنا وأمتنا ما قدمه أخونا الراحل وثقوا أن دعوتنا التي خرجت رجالا كأبي بلال ستواصل الدرب معكم من أجل عز هذا البلد ورفعة شأنه

فجزاكم الله عنا كل خير وجزاكم الله عن كل أخ مسلم في هذه الدعوة كل خير وبارك الله في خطواتكم وشكر مسعاكم أما أنتم يا أهل مأدبا فهنيئا لكم بهذا العرش الرباني الجليل ونحن نزف أخانا ابن بلدكم إلى جنة الخلود إن شاء الله نسأل الله أن يتقبله بقبول حسن ويحشره مع الصديقين والشهداء وأن يشرب من حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وأن ينزله منازل الشهداء والصديقين والله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة الأستاذ د. إسحق الفرحان الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي.

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وقائد الغر المحجلين والشفع بنا يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على هديه إلى يوم الدين وبعد:

فباسم جبهة العمل الإسلامي تحت التأسيس نودع اليوم رفيق الدرب وحبيب القلب أمينها العام السابق وعضو اللجنة التحضيرية للتأسيسي الأخ المهندس النائب أحمد قطيش الأزايدة رئي بلدية مأدبا السابق والناطق باسم نواب الحركة الإسلامية في مجلس النواب وعضو جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا أبا بلال لمحزنون، ولا نقول إلا ما يرضي الرب عز وجل فلله ما أعطى ولله ما أخذ ولا راد لقضاء الله وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

لقد عرفنا أبا بلال ولا نزكيه على الله رجلا مؤمنا صالحا تقيا نشيطا في العمل الإسلامي الهادف وهو صاحب فكر وممارسة وهو بحق مدرسة إسلامية متكاملة تجمع في مناهجها رجاحة الفكر ومنهجية البحث ووسطية التوجه ومثالية الهدف وواقعة الممارسة مما جعل أبا بلال مؤثرا ي كل من يتصل به ومحببا لديهم فكل من عرفه أحبه وكل من حاوره زاد حبه إلهي وكل من تعامل معه من العاملين للإسلام ومن أبناء الشعب جمعيا قدر أبا بلال

فهو بحق رجل فكر وزعيم موقف نضج بسرعة وفارقنا بسرعة إلى جار كريم رب العالمين فعليه رحمة الله تعالى ونسأل الله أن يتغمده بعفوه وغفرانه وأن يجعله من الناجين من النار الفائزين بالجنة مع الأبرار وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلمات رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتو به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون.

لقد كان أبو بلال رحمه الله ينعم بينه وبين نفسه بلذة العمل الدءوب والعطاء المستمر من أجل بلده ووطنه والإسهام في تحمل هم القضية الفلسطينية وهموم الأمة العربية والإسلامية فقد كان مثالا للعمل العام والخدمة الاجتماعية منذ كان رئيسا لبلدية مأدبا في دورتين متتاليتين وكان نموذجا للداعية المسلم المفكر العام الذي ينزل فقه الآيات على معطيا الواقع للتفاعل في صورة حلول معاصرة لقضايا العصر من منظور إسلامي

لقد كان رحمه الله سباقا للدعوة إلى التآلف بين جميع العاملين للإسلام والداعين إلى تأسيس آلية العمل الإسلامي العام من خلال جبهة العمل الإسلامي ليتبوأ العمل السياسي الإسلامي كجزء من العمل الإسلامي العام مكانته اللائقة كجزء من مجتمعنا المعاصر وكان حتى في أثناء مرضه لا يفتأ يسأل عن هموم الوطن ومشاكل المواطنين وما آلت إليه قضية فلسطين ومستقبل الانتفاضة وهموم المسلمين في كل مكان إنها النفس الكبيرة التي عاشت لتعطي وتسأل الأجر من الله أعطاه الله من النعم فشكر وابتلاه فصبر وسلم أمره إلى الله وصدق الله العظيم:﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201] لقد عاش أبو بلال حياته مكثفة اختزل فيها الزمن وقضي وعمره بضع وأربعون ولكنها حياة مباركة مضاعفة الأجر إن شاء الله وكأنها أضعاف هذه المدة فجزاه الله عنا وعن أمته خير الجزاء

رحمك الله رحمة واسعة وأدخلك فسيح جناتك وصبرا يا أبا بلال ويا عيال أبي بلال وأبناءه ويا عشيرة أبي بلال ويا أهل مأدبا أهل مدينة أبا بلال الماشين على دربه فلتكن حياته نموذجا يحتذى للشباب والعاملين على دربه وليكن موته واعظا للأحياء من بعده (سنكتب ما قدموا وآثارهم) وما أكثر آثارك يا أبا بلال حتى نلقى الله عز وجل ونلتقي بأبي بلال على حوض المصطفى.

كلمة د. إبراهيم زيد الكيلاني.. نيابة عن العلماء.

بسم الله الرحم الرحيم لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الكريم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الإخوة أيها المؤمنون هذا أحمد قطيش وها هم الإخوان المسلمون وها هو الأردن وها هم المسلمون أمة في رجل ورجل في أمة تشهد الجنائز بأن هذه الحركة حركة الإخوان المسلمين انبثقت من ضمير هذه الأمة وستعيش في ضميرها وستحيا لهمومها وجراحها يا أخي يا أبا بلال أنت مع ربك وملائكة ربك تراهم يصدقون الله العهد لا نقول سنرضى بالدنية ونرضى بالصلح ونرضى بالاستسلام بل سنمضي على طريقك جهادا ودعوة حتى نلقى الأحبة محمدا وصحبه وصيتك نور يستمر به أثرك ومشهدك عهد يستمر به أثرك فوالله أنت طبت حيا وطبت ميتا فها هي مأدبا التي عمرتها بالمحبة والنزاهة والعدل ونبذ الإقليمية والطائفية تجسد فيها تعاليم الإسلام

وحركة الإخوان المسلمين التي قامت من أول يوم على وحدة الأمة ونبذ الطائفية والإقليمية وتحرير الأرض وتحرير النفوس ترعى المسلمين كما ترعى النصارى بعهد الله وبذمة الله وعدالة الإسلام لا ننسى وأنت رئيس لبدلية مأدبا عندما جاءت مواطنة نصرانية تهديك القرآن وتقول أنتي يا أحمد قطيش أنت يا رئيس بلدية مأدبا أنت أنصفتني ولم نيصفني غيرك ونرك تحت قبة البرلمان قائدا أمة ورجل دعوة تعيش قضايا الناس وهمومهم وتحاور بهدى العالم وصدق المؤمن وحرارة الداعية لا تبيع ولا تساوم ولا تشتري ولا لك موقف للخير وموقف للشر ونراك في مساجد الله ودور الدعوة ربانيا يمضي على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾[آل عمران: 146]

أخي أبا بلال كنت أمة في رجل ورجلا في أمة لا تستهويك المطامع القريبة والبعيدة لم تشغل بما شغل الناس من المظاهر شغلت بالدعوة وشغلت بالأمة بقضاياها وهمومها فأتاك الله عز الدنيا وعز الآخرة أخي أبا بلال كنت قدوة حسنة في سيرة حياتك تعمر الأرض والمدينة بعلمك وبخبرتك وعدلك وتعمر العقول والقلوب بهدى حكمتك وإخلاصك وزكي مواقفك وكنت قدوة في مرضك وضعفك

فما أعظم صبرك وما أكرم أجرك لم تفارق الابتسامة محياك فطبت حيا وطبت ميتا ستبقى أبا بلال بيننا حياة بحياة المبادئ التي حملتها الأخلاق الكريمة والمواقف العظيمة التي وقفتها رجل عقيدة ومبدأ رجل دعوة وسياسة اخترت مهنتك مهندسا فكنت والله مهندسا للعقول ومهندسا للقلوب قبل أن تكون مهندسا للبناء كنت مهندسا للدعوة الإسلامية بثاقب فكرك وعظيم نظرتك وجميل تجاربك فإذا أنت مهندس للدعوة ومهندس للقلوب والعقول..

القوافي على ثراك حيارى يتساءلن أين ركبك سارا

ويساءلن عن عذارى تسابيحك هل هن باقيات عذارى

كنت طالطود في جهادك يأبى لك عز الجهاد أن تنهارا

أنت علمتنا الحقيقة لا نخشى بها لاهيا ولا أمارا

أيها الصادق الأمين على أثرك قمنا نرتل الأذكارا

أنت إذ كنت حاملا دعوة الله وفيا لأهلها صبارا.

مأدبا سائل النجوم ببدر رفع الموت روحه واستنارا

حبسة القبر لا تحد فؤادا عاش والحق كوكبا سيارا.

قد فقداك يا حبيبا وأنت الفقد والناس في المصاب حيارى

قد فقدنا الخلق الكريم مضفرا وفقدنا المصباح والأنوارا

• كلمة الأستاذ عماد أبو دية .. بعنوان أبو بلال مدرسة تعدد الصواب.

ودعنا يوم السبت 20 ذي الحجة 1412هـ الموافق 20/ 6/ 1992 م أخا حبيبا وقائدا مجاهدا هو المرحوم الأخ أحمد قطيش الأزايدة (أبو بلال) الذي قضى عن عمر يناهز الخامسة والأربعين عاما عاش جلها في صفوف هذه الدعوة وتربى في محاضنها وعمل مع دعاتها وقادتها فجزاه الله خير ما يجزي الصالحين والمجاهدين.

ومثلما عاش الأخ الفقيد وأمته ووطنه فقد عاشت معه دعوته وأمته واستقرت محبته في قلوب آلاف المؤمنين واستحق احترام وتقدير الأصدقاء والخصوم على السواء فجاء موكب جنازته مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إاذ أحب الله عبدا نادى يا جبريل إنني قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه أهل السماء ثم يكتب له القبول في الأرض

وإذا كان الله تعالى قد أكرم أخانا الفقيد الغالي بتلك المحبة الواسعة والقبول العريض فذلك لما حباه الله تعالى به من مناقب وشمائل ندر اجتماعها في الصالحين ورجال الدعوة العاملين فمن صدق التدين وبساطته وفطريته الذي كسب في قلبه الرضى عن ربه والطمأنينة لقدره والتسليم الكامل لأمره والصبر الجميل على آلامه وأوجاعه التي هدته سنين طوال والعمل الدءوب لدعوته على رغم المرض والألم إلى فهم دقيق للإسلام وإدراك عميق لمقاصده وغاياته فانطلق بروح النصوص رائدا في ميادين الدعوة ومجددا لأمر الإسلام جريئا قويا في غير شدة أو عنف ناصحا بغيرة وصدق تلمحها في بريق عينيه وصفاء وجهه إلى وسطية وتوازن دقيق بين أولويات العمل والدعوة يحين اختيار كلمته للناس وخيرهم ونفعهم والصواب عنده يتعدد وإن اختلفت درجة صوابيته وما دام الأمر كذلك فالاجتهاد وتعدد الآراء خير يكمل الدائرة في زوايا النظر وخذ من تلك الآراء بعدئذ ما شئت.

إن منهجية القواسم المشتركة وتعدد الصواب واليقين بأجر المجتهد المخطئ والانفتاح والبعد عن عصبية الرأي والفئة والسماحة والسعي الصادق في حاجات الناس سيما الضعفاء والفقراء والعدل بين القريب والبعيد هي ما جمع لأبي بلال هذا الرصيد العظيم في محبة المؤمنين وقبول الآخرين وهو ما نرجو أن يعرج به في جنة النعيم.

رحمك الله أبا بلال فقد كنت أمة جامعة للخير وكما كانت حياتك مدرسة فقد كان رحيلك أيضا مدرسة نفعنا الله تعالى بالإسلام العظيم وجعله نورا يهدي به حياتنا ويسدد به خطونا وعملنا وتقبل الله أخانا الغالي في الصالحين وجمعنا به في مستقر رحمته.

مقتطفات وآراء لعدد من عارفيه:

لقد كنت يا أبا بلال مشعلا من مشاعل الحق يتوهج ليبدد الظلمات ونجما غاب في أوج تألقه، ونسرا هوى وهو في قمة عطائه، وقدرنا يا أخي أن نفجع بغياب جسدك لكن سنذكر العمر كله والمستقبل كله روحك التي لن تغيب وثقافتك ومنهاجك الذي لن يبليه الثرى.

نشرة الهدى – العدد الثاني، 8 تموز 1994 م الأستاذ يوسف العظيم.

إن القلوب والله لن تنساك أبدا وستظل ما حييت تدعو الله لك والله لأنك وفي وفي علمت الوفاء.

نشرة الهدى – العدد الثاني، 8 تموز 1994 م د. فضل حسن عباس.

كان أحمد الأزايدة يمتلك فلسفة خاصة للعمل العام والعمل الدعوي بشكل خاص تجعله يؤديه على الوجه الأكمل ويحنو على الآخرين ويلاطفهم ولو كانوا من خصومه أو بتعبير أدق كانوا يخالفونه الرأي في المسائل الخلافية.

رئيس تحرير جريدة اللواء في 11/ 12/ 1992 م الأستاذ حسن التل.

ألا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن الأردن الوطن الشعب الرجولة الاستقامة الثقافة العربية والإسلامية المستنيرة فقدت واحدا من أغلى وأعز أبنائها سنبقى نستذكره على مر الأيام كشاخص لما يجب أن يكون عليه الإنسان الحر، المؤمن المعتز بأهله وعشيرته وأسرته الأردنية والعربية الإسلامية الواحدة.

رئيس تحرير جريدة الرأي في 22/ 6/ 1993 الأستاذ محمود الكايد.

عرفه الأردن داعية خير ورمز فكرة وحركة وقدوة وممارسة، عرفه الأردن داعية وحد وطنية ورغم أنه كان رمز حركة وعضو قيادة لتنظيم إلا أن ذلك لم يمنع أن يكون رمز وحدة ورسول خير بين مختلف القوى السياسية ولا عجب فهو يحمل الإسلام ويفهمه فهما حقيقيا.

• نشرة الهدى – العدد الثاني، 8 تموز 1994م الكاتب الصحفي سميح المعايطة.

إنه من أقدر رجالات حركة الإخوان المسلمين على الحوار والعقل والاتزان والتوازن ولا أغالي إذا قلت إنه مثل جيلا يحمل روح المرحلة الديمقراطية والإيمان بالقيم التي جاءت الحركة من أجل تجسيدها.

• مقال بعنوان: (خسارة رجال أكفاء) الصحفي حمادة الفراعنة.

ما أتعس هؤلاء الأفراد الزاحفين بلا قضية كبرى مقدسة كأكوام من الذئاب يقتتلون وأحمد لم يكن واحدا من هؤلاء الأفراد كان وما زال لغته عطاء وإيمانه خصب ورأيه جهاد.

الدستور في 23/ 6/ 1992 م الكاتب الصحفي جورج حداد.

في الرضا والغضب كان أبو بلال يحمل خلق الإسلام وما رأيته في حالة غضب إلا وهو يؤدي عمله كرئيس للجنة الحريات عندما كان يتفاعل مع المظلوم، ويشعر بقهر المغبون حين تفشل جهوده في رفع الظلم أو في اختزال الغبن.

نشرة الهدى- العدد الثاني، 8 تموز 1994م د. يوسف الخصاونة.

رحل رجل من بناة حزبنا حزب جبهة العمل الإسلامي وسط أشق الظروف وأصعب التحديات إنها فجيعة كبرى أصابت التيار الإسلامي في الصميم، فكان المرحوم الأزايدة رجلا صاحب قلب كبير وفكر رشيد وخلق قويم قلما تجتمع في فرد من الأفراد.

نشرة الهدى – العدد الثاني 8 تموز 1994م المحامي زهير أبو الراغب.

كلمة السر في شخصية الأزايدة هي نظافة اليد واللسان واحترام الرأي الآخر، والإيمان الصادق بالتعددية وعدم احتكار الحقيقة وبعده عن الطائفة والتعصب والتطرف وقدرته على معارضة الحكومة دون أن ينتقص ذلك من ولائه للدولة.

كان أكثر ما يميزه خلقه الرفيع وانفتاحه على الأفكار والتيارات الأخرى وسلوكه الديمقراطي بعيدا عن التعصب وكان يحترم الرأي الآخر ويتفاعل معه ويحاور بهدوء دون تشنج.

في 23/ 6/ 1992 م رئيس تحرير مجلة الأفق/ طارق مصاروة.

كان أبو بلال عنوان الاتزان بين مسيحي مأدبا وبين المسلمين وكان يقول هؤلاء إخواننا ويجب علينا أن نعاملهم كما يأمر شرعنا فقد كان صاحب منهج ربى الشباب على الاتزان وعلى إظهار الود حيثما كان يراد لهم أن يتزمتوا وأن تكثر المشاكل ليقال إن شباب الدعوة الإسلامية لا يصلحون لأي أمر اجتماعي أو سياسي فكان يربي الكبير مثل الصغير رحمه الله تعالى.

كلمة مسجلة في أيام العزاء

الأستاذ راشد مدانات أبو حسن

• في الذكرى السنوية الثانية لوفاة الوالد المرحوم أحمد الأزايدة تجول في النفس ذكراه الطيبة العطرة ومآثره العديدة بين الناس فقد كان رحمه الله يعيش لأمته كانت تقض مضجعة أحوال المسلمين في جميع أنحاء العالم حتى أنه على فراش الموت كان يسأل باستمرار عن البوسنه والهرسك وعن الانتفاضة المباركة في أرض فلسطين وفي أثناء مفاوضات السلام كان يدعو الله عز وجل بقوله: (اللهم أمتني قبل أن أشهد الصلح مع يهود)

بلال الأزايدة.

• كان فضلك يتسع للجميع وقد عانيت الكثير الكثير في سبيل جمع الكلمة وربط الصف ضحيت بعمرك ومالك وعيالك في سبيل المصلحة العامة فنسأل الله أن يكتب لك أجر المجاهدين في سبيله إنه سميع مجيب كنت إماما لنا في الصلاة ومعلما لنا في القرآن الكريم، وخطيبا في الجموع ومصلحا في قضايا الناس على رأس كل عطوة وكل صلحة عشائرية وكنت تدفع من جيبك الخاص وأنا أعلم والكثير يعلم في سبيل إصلاح ذات البين تحل المشاكل وتزور المرضى وتحمل لهم الهدايا والبسمة تعلو وجهك يا أبا بلال وكان في قلبك مرجل يغلي من هموم المسلمين وقضاياهم ولكنك تبعث البسمة والأمل في كل مكان تحل فيه وكل ناد تحط فيه كنت تعزي المصابين وتزورهم وتحرص على أن تواسيهم فكان لك هذه الجموع كي تشيع جثمانك إلى الرفيق الأعلى يا خير أخي ونعم الصاحب.

كلمة الأستاذ محمد الأزايدة في تشييع الجثمان.

أبو بلال.. قدوة للأجيال.

في عصرنا الحديث عرفنا نماذج من الرجال الذين يقتدي بفعالهم وأخلاقهم وعرفنا نوعية من الدعاة تميزوا بإيمانهم وجهادهم وتقواهم وأحسب أن المهندس أحمد قطيش الأزايدة (أبو بلال) يرحمه الله كان في مقدمة هؤلاء الرجال وأولئك الدعاة.

لقد اتسمت شخصية أبي بلال بصفات وميزات جعلته من الشخصيات النادرة الوجود في هذه الأيام ومن أهم هذه الصفات.

الصدق والعبادة، والتقوى والورع، والكرم والسخاء والرحمة والشفقة، والفهم والوعي والتنظيم والإدارة والزهد في الدنيا والإخلاص في العمل ولقد كان صاحب سيرة عطرة وأفعال حميدة وصفات طيبة وإدراك متميز.

كان داعية موفقا اتسم بالتواضع الجم والفكر النير والأفق الواسع والنظرة البعيدة كان يفيض وقارا وإيمانا مما جعله محاطا في الليل والنهار بأفواج متلاحقة من الشباب المعجب بنشاطه وجهاده والمتطلع إلى الجلوس إليه وسماع أحاديثه ونصحه كان يتقبل النقد وينصت إلى محدثه ومنتقده في ابتسام واطمئنان وكان لا يغضب لا ينفعل ولا يرتفع له صوت وكان يجيب من يسأل باطمئنان ووقار، ولا يغير مشاعره نحو الذين يختلفون معه في وجهات النظر.

كان يملك عقلا منظما وفكرا نيرا ونفسا زكية، وسريرة نقية وقلبا عامرا بالإيمان شغل نفسه بهم الدعوة عن اشتغاله بهمه ومرضه فكان يبادر بالسؤال عن الدعوة وعن حال البلد قبل أن يبادر بالسؤال عن صحته عرفه الناس متواضعا ذكيا حسن الخطاب يحترم النسا ويسعى في حاجاتهم ولا يرد سائلا مهما كانت حاجته.

كان نموذجا فريدا في مجموع صفاته صادق الانتماء لدينه الإسلام ولوطنه الذي نشأ وعاش فيه الأردن ولوطنه الكبير العالم العربي والإسلامي ولقضيته الأولى الأقصى وفلسطين.

وبعد هذا التقديم فسوف أتحدث عن القدوة في سيرة أبي بلال من خلال شهادات عدد من عارفيه وأقرب الناس إليه.

يقول عنه إخوانه في مأدبا في لقاء معهم في منزل الأستاذ سالم الفلاحات.

كان أبو بلال يحب وطنه حبا كبيرا كان أبناء وطنه أشد حبا وتقديرا له وقد كان توليه رئاسة بلدية مأدبا عام 1981م، واستمراره حتى 1989م وانتخابه نائبا في مجلس النواب مؤشرا إلى حب الناس له وثقتهم به علاوة على حب الإخوان له والتفافهم حوله.

- استطاع أن يكسب ثقة المواطنين في مدينة مأدبا وأن ينقل البلدية نقلة نوعية مميزة حيث أصبح العمل مؤسسيا منظما وقد خطط ونفذ مع مجلس البلدي عدة مشاريع حرفية لمس المواطنون جدواها وبعد النظر فيها ودقة التخطيط وحسن التنفيذ وفي مقدمتها حل مشكلات مواطين في المدينة كانت عالقة منذ سنوات طويلة.

- كان كريما لدرجة كبيرة فكان يدفع من جيبه الخاص لإصلاح ذات البين ويساعد الناس ويرعاهم ويستضيفهم وكان عندما يأتيه مواطن لدفع الرسوم والضرائب ولم يكن معه كفاية يعطيه ما يكمل به حاجته ليدفعها للبلدية.

- كان له مزايا نادرة جعلت منه نقطة تقاطعي وطني وديني فقد كان يستمتع بقضاء حاجات الناس وخدمتهم مسلمين ومسيحيين وكان دائما يقول: نحن نتشرف بخدمة الناس وقد كان يزور النصارى في مأدبا في جمعياتهم وفي الأفراح وبيوت العزاء وكان النصارى يكرمون أقاربه من أجله وقد مر بنا قصة المرأة النصرانية التي أنصفها في مظلمة كانت لها مع البلدية وأهدته نسخة من المصحف الشريف والنصراني الذي ترك لعب القمار حدادا على أبي بلال والنصراني الذي علق صورته في بقالته وما زالت حتى اليوم.

- يتبين لنا من هذا الكلام أن المهندس أحمد قطيش كان صاحب سيرة عطرة يتمتع باحترام وتقدير جميع المسلمين والنصارى في مأدبا وهذا مما جعل أحد الشخصيات المسيحية في مأدبا وهو السيد أكرم مصاروة يوجه له رسالة تحمل في طياتها معاني ومفاهيم كثيرة وقد كان يومها أمينا عاما لوزارة الثقافة.

- وقد أثبت صورة هذه الرسالة في ملحق الكتاب رقم 3 ص 207- 208.

- كان تشييعه أكبر مؤشر إلى عظيم أثره وطيب أخلاقه وقدرته على الاستيعاب لمختلف الناس حتى لو اختلف معهم.

ويقول عنه الدكتور أحمد نوفل، الذي أحبه أكثر من أولاده وذويه.

ما من مفر من قضاء الله تبارك وتعالى وما في الموت افتداء وإنما هي آجال محدودة إذا جاءت فلا تتأخر ساعة ولا تتقدم فرضينا بالله تعالى بها وبقضائه قضاء وبقدره قدرا فهو امتحان صعب لا شك لكنه الرب الجليل سبحانه وتعالى يمتحن الامتحان الصعب ليميز الرجال ليميز من يبصرون في امتحان الشدة، وامتحان الفقد الكبير لهذا الرجل الكبير في القلب الكبير والإيمان الكبير وثلاثون سنة من الحب المتصل جمعتني به بأبي بلال الحبيب ثلاثون سنة كاملة يزداد الود فيها بيننا تصاعدا

ولا تزداد المحبة إلا توهجا ذهب خالص هذا الرجل معدن نفيس وحدث المصطفى صلى الله عليه وسلم الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ولقد خبرنا معدن أبي بلال رحمه الله في مناسبات عديدة وفي مواطن عديدة في القاهرة وما زلت أذكر يوم نزلت في شقته في القاهرة ضيفا عنده وصليت بهم المغرب وما زلت أذكر الآيات التي قرأنا والبكاء الذي أعقب الصلاة ة ما زلت أذكر ذلك الموقف كم من المخيمات جمعنا بالحبيب أبي بلال قطعة من القلب يعلم الله أودعت في ثرى مأدبا.

إذا أودع أبو بلال الطيب الحبيب هذا الثرى الطيب الحبيب رحمة الله عليك والله لقد كنت أعز علينا من أولادنا والله لقد كنت أعز علينا من أقرب ذوينا يعلم الله وما نقول هذا شهد الله إلا من قرارة القلب ومن السويداء في النفس أبو بلال الذي اجتمع على محبته الناس جميعا والأطراف المتناقضة تلتقي عند أبي بلال فكرا ورأيا وخلقا ومشورة ونصحا تلتقي عند هذا المركز رحمة الله عليه نتحدث عن الكرم ألف رجل في رجل وكلكم يعرف بيت أبي بلال كيف كان مضافة مفتوحة بأي ساعة من الليل أو النهار يأبى إلا أن يكرم ضيفه

وأشهد أنه يأتيه السائل يريد 500 دينار دين يقول له ماشي كل من يجيء إليه يظن أنه الأقرب إلى أبي بلال رحمه الله وما في جيبه دينا، يدق باب الإخوة يطلب 500 دينار يعطيها للسائل دون أن يشعر أنه حمله رهقا وأضاف إلى ديونه دينا صفحات مطوية من ها السفر هذا الكتاب العظيم آن أن ينشر سيرة عطرة تذكرنا بسيرة السلف الصالحين والحمد لله الذي جعل في عطاء الإسلام وفي مدد الإسلام شخصيات مثل شخصية أبي بلال تفخر بلد أنت منها يا أبا بلال عشيرة الأزايدة عوضكم الله خيرا فالرزء في أبي بلال جلل ويعظم الرزء فيه حين يقصد وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر والظلمات تكاثفت وتكاتفت ف أفق المسلمين وما أحوجنا إلى قمر مثل أبي بلال لكن نسأل الله العظيم أن يعوض خيرا، وأن يأجرنا في مصيبتنا ..

ليس المقام مقام إطالة كلام ندعو لأخينا سائلين مولانا الإجابة وأن يجعلنا شهودا لأبي بلال نشهد له عند الله عز وجل كما قال الفاروق يقول أو تشهد لي عند الله يا ابن عباس فيقول له نعم أشهد يا أمير المؤمنين ونحن نشهد بما نعلم ولا نزكي على الله أحد..

نشهد بما خبرنا وبما لمست أيدينا، نشهد من خلال الامتحان بعد الامتحان والموقف بعد الموقف والشدة بعد الشدة نشهد أنه كان رجلا شهما كبيرا حتى في خصومته ومرارا نقول له هون عليك يا أبا بلال يكظم حتى يبريه الكظم ولا تخرج منه العوراء ولا السيئة اللهم ارحم أبا بلال رحمة واسعة "دعاء" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول الأستاذ يوسف العظم:

كان أبو بلال رفيق درب متميز رغم فارق السن بيننا وكانت له قضية عنده يحلها بابتسامة ونقاء ضميره وصفاء سريرته يسمع الناس ويتحدث إليهم وما غضب يوما وأشهد الله أني أره غاصبا مرة إلا عندما تمس دعوته مسا غير منصف ودينه يمس مسا غي عادي فكان يتألم ولكنه لم يصخب ولا يثور ثورة الذي يريد أن يقتلع الدنيا من جذورها كان يحدث الناس بصفاء فكر وعمق رأي وكثير حكمة

ولم أر شابا شيخا مثل أبي بلال كان يربي إخوانه الشباب فزرع في كل بلد في الأردن رماحا طيبة وكانت رحلاته من طائرة لطائرة ومن سيارة إلى سيارة إنه زار العالم كله وإن الشباب في كل آفاق الأرض تلقوا عن أبي بلال المعرفة والحكمة

وكان قلب الرجل نبعا فياضا نسأل الله له الجنة وأن يكون له في إخوانه العوض وأناس في منهجه يسيرون على طريقته نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل الجنة مأواه وأن يجعل مكانه في الفردوس الأعلى وأن يثيبه عنا أحسن الثواب بقدر ما كان يعطي ويقدم، ويضحي ويبذل في سبيل الله تعالى والإسلام العظيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما صديقه القريب الأستاذ سالم الفلاحات:

فقد قال فيه كلمة كشف فهيا عن مواطن القدوة في حياة هذا القائد الحكيم وكانت بعنوان من رجالات الأردن المشاهير أحمد قطيش الأزايدة قال فيها.

كثيرون هم الذين لا يموت ذكرهم بموتهم لأنهم دخلوا قلوب الناس وتركوا بصمات عميقة في وجدان من عرفوهم وعاصروهم لكنهم لا يطلبون المكث في الدنيا منهم المرحوم بإذن الله المهندس أحمد قطيش الأزايدة.

من هذا الفارس البادي المسافر الذي مر من هنا مسرعا وهو على سفر دائم ولم يلو على شيء ولم يمكن الناس من التعرف عليه جيدا.

من هذا البدوي الذي أسر قلوب البدو والحضر واستمالهم إليه؟

من هذا المهندس الذي جمع بين المكونات المتباينة فأنشأ منها قصرا عظيما لكنه لم يسكنه فهو سائر لهدف بعيد؟

من هذا الذي يتقني تلاوة القرآن والهندسة المدنية ويملك ناصية اللغة حتى لا تجد في حديثه لو طال لنا واحدا يذكر؟

من هذا الذي حاز ثقة الإسلاميين والقوميين واليساريين والشعبيين والرسميين؟

أنه ابن الأردن ابن مأدبا مسقط رأسه إنه أحمد قطيش الأزايدة (أبو بلال) عمن نتحدث؟

أنتحدث عن السياسي المبصر العفيف القوي الجرئ المرن الاستيعابي؟

أم عن التربوي الباني الناجح؟

أم عن الإداري والقيادي الذي يجمع الناس حوله طواعية؟

أم عن الإنسان المحب المحبب لكل من عرفه حتى مخالفيه؟

أم عن العصامي المثابر الذي خرج من رحم المعاناة فارسا كأنما خلقه الله لخدمة عباده؟

أم نتحدث عن رجل رباني جمع بين الهندسة المدنية والدينية أستاذا في تعليم القرآن الكريم تلاوة وتفسيرا وحفظا زاهدا في الدنيا يكاد يكون من السابقين الأوائل.

أم نتحدث عن رجل جعل مأدبا على ألسنة الكثير من داخل الأردن وخارجه حتى يقال للمأدباوي المسافر في بلاد العرب والإسلام: أنت من بلد أحمد قطيش؟

خلال سنوات قليلة نجح في فتح باب الحوار مع مختلف الأفكار والاتجاهات والأحزاب حتى إذا احتاجت الحركة الإسلامية لمحاور كان أولهم وأنجحهم فكان خير سفير.

لم يكن أبو بلال في منهجه وطريقة عمله يعتمد على موقف أو تصنيف محدد يضعه في خانة الاعتدال أو التشدد ولكنها منهجية مستمدة من تقدير المصالح العامة وإمكانية تعدد الصواب والقدرة على المعارضة والاختلاف مع الاستمرار في الحوار والعلاقة الطيبة مع جميع الاتجاهات والناس مهما كانت مواقفهم ودرجة الاختلاف معهم

ولم نحكمه في عمله مصلحة شخصية ولم يذرك أنه استفاد شخصيا من مواقفه وأعماله المختلفة بل إنها طريقة عمل استهلكت كل ماله الخاص وجهده ووقته وكان بعيدا عن خيارات العزلة والتجاهل أو الانفتاح والتأييد بطريق الاتجاه الواحد.

وكان يستمد تأثيره واحترام الآخرين له من التفاته للجمهور العام والناس العاديين الذين كان يسعى لخدمتهم بما يستطيع ويفتح بابه لهم وينقل همومهم واحتياجاتهم للمسئولين والمؤسسات دون شبهة مصلحة أو منفعة

لم تستدرجه معارضة الحكومات والسياسات المختلفة إلى إغلاق الأعمال والبرامج الشعبية المشتركة التي استقر عليها المجتمع كأسلوب حوار وعرض أفكار ومطالب فتح قنوات اتصال وعلاقة مع جميع الفعاليات والشخصيات.

لقد أثبت أحمد قطيش رحمه الله أن التمسك بالمبادئ والمواقف القوية والمعارضة لا يلغي فرص العمل المعتدل والحوار والابتعاد عن المنازعات والمواجهات التي تستهدف الجهد الوطني وتستهلكه.

لقد كان صاحب رسالة وقضية تشغله ولا يعيش لنفسه قال عنه أحدهم: ما أتعس الزاحفين على بطونهم بلا قضية كبرى مقدسة إنهم على الدنيا الفانية كأكوام الذباب الأسود يقتتلون لم يكن أحمد منهم فهو كان وما زال نموذجا يحتذى لغته عطاء وإيماؤه خصب ورأيه جهاد.

تمنى الكثيرون حتى من مخالفيه أن لو تعرفوا عليه منذ زمن بعيد فهو نسيج وحدة يجمع صفات متعددة لا تجدها في مجموعة أشخاص حتى المميزين.

له لسان وجنان يستطيع بهما مخاطبة كل قلب والتمكن من أسره ببساطة لا تنقصها البلاغة والعمق والوعي وفي معاصرة وأصالة لا يصطدم إحداهما بالأخرى.

لم يتوقف عطاؤه حتى في أحلك ساعات مرضه ولم يثنه المرض عن أهدافه التي نذر نفسه لها يبتسم والألم يعتصره ولا يظهر لجليسه ما يعكر صفوه يتابع مصالح الضعفاء ويعتني بهم ويقض بفضل الله حوائجهم لكل من عرفه أو احتاجه من هؤلاء معه قصة فخر وصلة رحم لا تستطيع معرفته أردني هو أم فلسطيني أم عراقي أم عراقي أم سوداني أم أفغاني؟

أهو لبلاد العرب؟ أم رسول لبلاد العجم؟

أشاب يفرح الشباب بمجالسته؟ أم كهل يحفظ من تجارب الناس الكثير ويعلمها للكبار ويقضي بين الناس بحسن خلقه.

إذا اختلف المتحاورون لدرجة النزاع والخصام قال كلمات قليلة هادئة حسمت الموقف بحيث لا يشعر أي طرف أنه مغلوب في حواره لو ناقشته في عشر قضايا ربما لما اتخلف معك جذريا إلى في واحدة منها مع أنه عناصر الخلاف لمن أرادها فيها متوافرة.

ومن عباد الله اليوم لمن تمنيت أن تتفق معه على مسألة واحدة لبحث عن الخلاف وإن لم يجده صنعه.

كان مدرسة في حياته وكان مدرسة في وفاته رحمه الله حتى تكاد تنسى المصيبة على عظمها لكثرة المعزين وتنوعهم من داخل الأردن وخرجه حتى تحول عزاؤه إلى مهرجان في الوفاء والاتحاد والمراجعات السياسية وكما قيل في أمثاله:

(وكانت في حياتك لي عظات

وأنت اليوم أوعظ منك حيا)

إنه أحمد... الثائر المؤمن الذي تمنى أن يلقى الله قبل أن يرى الصهاينة في بلادنا، وكان له ما أراد، مع أنه كان المؤمن الذي فاتته الشهادة على خط النار مع اليهود في الخارج لكنه على مشواره القصير في هذه الحياة ظل يشهد على الحق ضد يهود الأمة الداخليين لقي ربه في 20/ 6/ 1992 م وهو يحمل لواء الحق والوحدة والائتلاف والتسامح.

ويقول الأستاذ سالم في الذكرى الثانية لوفاة أبي بلال.

الحبيب أبو بلال رحمك الله وجمعنا بك في جنات النعيم فكنت والله من القلائل الذين يصعب على المرء نسيانهم مهما تطاول الزمن وتزاحمت الأحداث العظام كيف يمكن أن ننساك؟ وكلما ألحت النفس بحظها تذكرتكم فاقتبست من بعض تجردك وزهدك.

وكلما احتدم النقاش بين المنتصرين لآرائهم هدأ من اندفاعهم هدوؤك وتسامحك وكلما ضاق أفق بعضهم من الرأي الآخر سمعوا شدوك المتصل بفتح المجال أمام الآراء والاجتهادات لتتفاعل في الضوء فيظهر الحق بلا جدال.

كيف يمكن أن ننساك وقد عز أمثالك في واقعنا اليوم وقد تحقق الكثير مما كنت تتوقع وتتخوف من حصوله في دنيانا.

لقد كنت تعلمنا دروسا في الأمل عندما تدلهم الخطوب ويرجف المرجفون فنستنسخ من المحنة محنة ومن المرارة طعما لذيذا.

ويقول في كلمة أخرى يا أبا بلال ستكون في مقدمة المصلحين كلما ازداد الليل ظلمة والأحوال شدة.

نعاهد أهلنا وإخواننا في مأدبا أن نستمر على النهج المجمع المقرب الذي اجتث من مأدبا كل الخلافات وجعلها أنموذجا في التعامل، فأمات في الناس كل دعوة عمية ونبذ العنصرية والقبلية فالتفت حوله القلوب فاجتثت الخلافات الموهومة.